وأخرج عن ابن زيد أنها نزلت فى رجل قتله أبو الدرداء وذكر من قصته مثل ماذكر من قصة أسامة والاقتصار على ذكر تحية الاسلام على هذا مع أنها كانت مقرونة بكلمة الشهادة للمبالغة فى النهى والزجر والتنبيه على كمال ظهور خطئهم ببيان أن التحية كانت فى المكافة والانجزار عن التعرض لصاحبها فكيف وهى مقرونة بتلك الكلمة الطيبة واستدل بلآية وسياقها على صحة إيمان المكره وإن المجتهد قد يخطىء وإن خطأه مغتفر وجه الدلالة على الأول أنه مع ظن القاتلين أن إسلام من ذكر لخوف القتل وهو إكراه معنى أنكر عليهم قتله فلولا صحة إسلامه لم ينكر ووجه الدلالة على الثانى أنه أمر فيها بالتبيين المشعر بأن العجلة خطأ .
ووجه الدلالة على الثالث مأخوذ من السياق وعدم الوعيد على ترك التبيين وذهب بعضهم الى أنه لاعذر فى ترك التثبت فى مثل هذه الأمور وأن المخطىء آثم واحتج على ذلك بما أخرجه ابن أبى حاتم والبيهقى عن الحسن أن ناسا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم ذهبوا يتطرقون فلقوا ناسا من العدو فحملوا عليهم فهزموهم فشد رجل منهم فتبعه رجل يريد متاعه فلما غشيه بالسنان قال : انى مسلم إنى مسلم فأوجره بالسنان فقتله وأخذ متيعه فرفع ذلك الى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال E للقاتل : أقتلته بعد ماقال : إنى مسلم ! قال : يارسول الله إنما قالها متعوذا قال : أفلا شققت عن قلبه ! قال : لم يارسول الله قال لتعلم أصادق هو أم كاذب قال : كنت عالم ذلك يارسول الله قال E : إنما كان يبين عنه لسانه إنما كان يعبر عنه لسانه قال : فما لبث القاتل أن مات فحفر له أصحابه فأصبح وقد وضعته الأرض ثم عادوا فحفروا له فأصبح وقد وضعته الأرض الى جنب قبره قال الحسن فلا أدرى كم قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم : دفناه مرتين أو ثلاثا كل ذلك لاتقبله الأرض فلما رأينا الأرض لاتقبله أخذنا برجله فألقيناه فى بعض تلك الشعاب فأنزل الله تعالى قوله سبحانه : ياأيها الذين آمنوا الآية وفى رواية عبد الرزاق عن قتادة أن النبى صلى الله عليه و سلم قال : ان الأرض أبت أن تقبله فالقوه فى غار من الغيران ووجه الدلالة فى هذا على الإثم ظاهر وأجيب بأن هذا القاتل لعله لم يفعل ذلك لكون المقتول غير مقبول فى الاسلام عنده بل لأمر آخر واعتذر بما اعتذر كاذبا بين يدى رسول الله صلى الله عليه و سلم ويؤيد ذلك ماأخرجه أحمد وابن المنذر والطبرانى وجماعة عن عبد الله بن أبى حدرد الأسلمى قال : بعثنا رسول الله صلى الله عليه و سلم الى إضم فخرجت فى نفر من المسلمين فيهم أبو قتادة الحرث بن ربعى ومحلم بن جثامة بن قيس اللبثى فخرجنا حتى إذا كنا ببطن إضم مر بنا عامر بن الأضبط الأشجعى على قعود معه متيع له ووطب من لبن فلما مر بنا سلم علينا بتحية الاسلام فأمسكنا عنه وحمل عليه محلم بن جثامة لشىء كان بينه وبينه فقتله وأخذ متيعه فلما قدمنا رسول الله صلى الله عليه و سلم وأخبرناه الخبر نزل فينا القرآن ياأيها الذين آمنوا الخ والظاهر أن الرجل المبهم فى خبر الحسن هو هذا الرجل المصرح به فى هذا الخبر وهو يدل على أن القتل كان لشىء كان فى القلب من ضغائن قديمة وإنما قلنا : إن هذا هو الظاهر لما فى خبر ابن عمر أن محلما بن جثامة لما رجع جاء النبى صلى الله عليه و سلم فى بردين فجلس بين يديه E ليستغفر له فقال : لاغفر الله تعالى لك فقام وهو يتلقى دموعه ببرديه فما مضت ساعة حتى مات ودفنوه فلفظته الأرض فجاءوا النبى صلى الله عليه و سلم فذكروا ذلك له فقال : ان الارض تقبل من هو شر من صاحبكم ولكن الله تعالى أراد أن يعظكم ثم طرحوه بين صدفى جبل وألقوا عليه الحجارة فان الذى يميل القلب اليه اتحاد القصة واعترض على القبول بعدم الوعيد ب أن قوله تعالى : إن الله كان بما تعملون خبيرا