والقائلون بالعفو عن بعض المتوعدين منهم من زعم أن آيات الوعيد انشاء ومنهم من قال : إنها اخبار إلا أن هناك شرطا محذوفا للترهيب فلا خلف بالعفو فيها وقال شيخ الاسلام : والتحقيق أنه لاضرورة الى تفريع مانحن فيه على الاصل لأنه إخبار منه تعالى بأن جزاءه ذلك لابأنه يجزيه كيف لا وقد قال D : وجزاء سسيئة سيئة مثلها ولو كان هذا إخبارا بأنه سبحانه يجزى كل سيئة بمثلها لعارضة قوله جل شأنه ويعفو عن كثير وهذا مأخوذ من كلام أبى صالح وبكر بن عبد الله واعترضه أبو على الجبائى بأن ما لايفعل لايسمى جزاءا ألا ترى أن الأجير إذا استحق الأجرة فالدراه التى عند مستأجره لاتسمى جزاءا مالم تعط له وتصل اليه ! .
وتعقبه الطبرسى بأن هذا لايصح لأن الجزاء عبارة عن المستحق سواء فعل أم لم يفعل ولهذا يقال : جزاء المحسن الاحسان وجزاء المسىء الأساءة وإن لم يتعين المحسن والمسىء حتى يقال : فعل ذلك معهما أو لم يفعل ويقال لمن قتل غيره : جزاء هذا أن يقتل وهو كلام صادق وإن لم يفعل القتل وإنما لايقال للدراهم : انها جزاء الأجير لأن الأجير إنما يستحق الأجرة فى الذمة لافى الدراهم المعينة فللمستأجر أن يعطيه منها ومن غيرها .
واعترض بأنا سلمنا أنه لايلزم فى الجزاء أن يفعل إلا أن كثيرا من الآيات كقوله تعالى : من يعمل سوءا يجز به ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره يدل على أنه تعالى يوصل الجزاء الى المستحقين البتة وفى الآية مايشير اليه ولايخفى مافيه لأن الآيات التى فيها أنه تعالى يوصل الجزاء الى مستحقه كلها فى حكم آيات الوعيد والعفو فيه جائز فلا معنى للقول بالبت ومن هنا قيل : إن الآية لاتصلح دليلا للمعتزلة مع قوله تعالى : ويغفر مادون ذلك لمن يشاء .
وقد أخرج البيهقى عن قريش بن أنس قال كنت عند عمرو بن عبيد فى بيته فأنشأ يقول : يؤتى بي يوم القيامة فأقام بين يدى الله تعالى فيقول لى : لم قلت : إن القاتل فى النار فأقول أنت قلته ثم تلا هذه الآية ومن يقتل مؤمنا الخ فقلت له : ومافى البيت أصغر منى أرأيت إن قال لك فانى قد قلت : إن الله لايففر أن يشرك به ويغفر مادون ذلك لمن يشاء فمن أين علمت أنى لاأشاء أن أغفر لهذا قال : فما استطاع أن يرد على شيئا ويؤيد هذا ما أخرجه ابن المنذر عن اسمعيل بن ثوبان قال : جالست الناس قبل الداء الأعظم فى المسجد الأكبر فسمعتهم يقولون لما نزلت ومن يقتل مؤمنا الآية : قال المهاجرون والانصار وجبت لمن فعل هذا النار ختى نزلت إن الله لايغفر أن يشرك به الخ فقال المهاجرون والانصار يصنع الله تعالى ماشاء وبآية المغفرة رد ابن سيرين على من تمسك بآية الخلود وغضب عليه وأخرجه من عنده وكون آية الخلود بعد تلك الآية نزولا بستة أشهر أو بأربعة أشهر كما روى عن زيد بن ثابت لايفيد شيئا ودعوى النسخ فى مثل ذلك مما لايكاد يصح كما لايخفى وأجاب بعض الناس بأن حكم الآية إنما هو للقاتل المستحل وكفره مما لاشك فيه فليس ذلك محلا للنزاع ويدل عليه أنها نزلت فى الكنانى حسبما مرت حكايته وقد روى عن عكرمة وابن جريج وجماعة أنهم فسروا متعمدا بمستحلا واعترض بأن العبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب وبأن تفسير المتعمد بالمستحل مما لايكاد يقبل إذ ليس هو معناه لغة ولاشرعا فان التزم المجاز فلا دليل عليه وسبب النزول لايصلح أن يكون دليلا لما علمت الآن على أنه يفوت التقابل بين هذا القتل المذكور فى هذه الآية والقتل المذكور فى الآية السابقة وهو الخطأ الصرف وقيل إن الاستحلال يفهم من تعليق القتل بالمؤمن لأنه مسشتق وتعليق الحكم بالمشتق