يكفوا وإذا عطف ويكفوا على النفى يلزم اجتماع عدم الكف والكف وكلام الله تعالى منزه عنه وكذا لايصح كون قوله سبحانه : ويكفوا جملة حالية أو استئنافية بيانية أو نحوية لاستلزام كل منهما التناقض مع أنه يقتضى ثبوت النون فى يكفوا على ماهو المعهود فى مثله وأبو حيان جعل الجزاء فى الأول مرتبا على شيئين وفى الثانية على ثلاثة والسر فى الإشارة الى مزيد خباثة هؤلاء الآخرين وكلام العلامة البيضاوى بيض الله تعالى غرة أحواله فى هذا المقام لايخلوا عن تعقيد وربما لايوجد له محمل صحيح إلا بعد عناية وتكلف فتأمل جدا وأولئكم الموصوفون بما ذكر من الصفات الشنيعة .
جعلنا لكم عليهم سلطانا مبينا .
91 .
- أى حجة واضحة فيما أمرناكم به فى حقهم لظهور عداوتهم ووضوح كفرهم وخباثتهم أو تسلطا لاخفاء فيه حيث أذنا لكم فى أخذهم وقتلهم وما كان لمؤمن شروع فى بيان حال المؤمنين بعد بيان حال الكافرين والمنافقين وقيل : لما رغب سبحانه فى قتال الكفار ذكر اثره مايتعلق بالمحاربة فى الجملة أى ماصح له من شأنه أن يقتل بغير حق مؤمنا فان الايمان زاجر عن ذلك إلا خطئا فانه مما لايكاد يحترز عنه بالكلية وقلما يخلوا المقاتل عنه وانتصابه إما على أنه حال أى ماكان له أن يقتل مؤمنا فى حال من الاحوال إلا فى حال الخطأ أو على أنه مفعول له أى ماكان له أن يقتله لعلة من العلل الا للخطأ أو على أنه صفة للمصدر أى الا قتلا خطأ فالاستثناء فى جميع ذلك مفرغ وهو استثناء متصل على مايفهمه كلام بعض المحققين ولايلزم جواز القتل خطأ شرعا حيث كان المعنى ان من شأن المؤمن أن لايقتل إلا خطأ .
وقال بعضهم : الاستثناء فى الآية منقطع أى لكن إن قتله خطأ فجزاؤه مايذكر وقيل : إلا بمعنى ولا والتقدير وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا عمدا ولاخطأ وقيل : الاستثناء من مؤمن أى إلا خاطئا والمختار مع الفصل الكثير فى مثل ذلك النصب والخطأ مالا يقارنه القصد الى الفعل أو الشخص أو لايقصد به زهوق الروح غالبا أو لايقصد به محظور كرمى مسلم فى صف الكفار مع الجهل باسلامه وقرىء خطأ بالمد وخطا بوزن عمى بتخفيف الهمزة أخرج ابن جرير وابن المنذر عن السدى أن عياش بن أبى ربيعة المخزومى وكان أخا أبى جهل والحرث بن هشام لأمهما أسلم وهاجر الى النبى صلى الله عليه و سلم وكان أحب ولد أمه اليها فشق ذلك عليها فحلفت أن لايظلها سقف بيت حتى تراه فأقبل أبو جهل والحرث حتى قدما المدينة فأخبرا عياشا بما لقيت أمه وسألاه أن يرجع معهما فتنظر اليه ولايمنعاه أن يرجع وأعطياه موثقا أن يخليا سبيله بعد أن تراه أمه فانطلق معهما حتى إذا خرجا من المدينة عمدا اليه فشداه وثاقا وجلداه نحوا من مائة جلدة وأعانهما على ذلك رجل من بنى كنانة فحلف عياش ليقتلن الكنانى إن قدر عليه فقدما به مكة فلم يزل محيوسا حتى فتح رسول الله صلى الله عليه و سلم مكة فخرج عياش فلقى الكنانى وقد أسلم وعياش لايعلم باسلامه فضربه حتى قتله فأخبر بعد ذلك فأتى رسول الله صلى الله عليه و سلم فأخبره الخبر فنزلت وروى مثل ذلك عن مجاهد وعكرمة .
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد أنها نزلت فى رجل قتله أبو الدرداء كان في سرية فعدل أبو الدرداء الى شعب يريد حاجة له فوجد رجلا من القوم فى غنم له فحمل عليه بالسيف فقال : لاإله إلا الله فبدر فضربه