بأن قوى قلوبهم وبسط صدورهم وأزال الرعب عنهم فلقاتلوكم عقيب ذلك ولم يكفوا عنكم واللام جوابية لعطفه على الجواب ولاحاجة لتقدير لو وسماها مكى وأبو البقاء لام المجازاة والازدواج وهى تسمية غريبة وفى الاعادة إشارة الى أنه جواب مستقل والمقصود من ذلك الامتنان على المؤمنين وقرىء فلقتلوكم بالتخفيف والتشديد فان أعتزلوكم ولم يعترضوا لكم فلم يقاتلوكم مع ماعلمتم من تمكنهم من ذلك بمشيئة الله تعالى وألقوا السلم اليكم السلم أى الصلح فانقادوا واستسلموا وكان إلقاء السلم استعارة لأن من سلم شيئا ألقاه وطرحه عند المسلم له وقرىء بسكون اللام مع فتح السين وكسرها فما جعل الله لكم عليهم سبيلا فما أذن لكم فى أخذهم وقتلهم وفى نفى جعل السبيل مبالغة فى عدم التعرض لهم لأن من لايمر بشىء كيف يتعرض له .
وهذه الآيات منسوخة الحكم بآية براءة فاذا انسلخ الاشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وقد روى ذلك عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما وغيره ستجدون آخرين يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم هم أناس كانوا يأتون النبى صلى الله عليه و سلم فيسلمون رياء ثم يرجعون الى قريش فيرتكسون فى الاوثان يبتغون بذلك أن يأمنوا نبى الله تعالى صلى الله عليه و سلم ويأمنوا قومهم فأبى الله تعالى ذلك عليهم قاله ابن عباس ومجاهد وقيل : الآية فى حق المنافقين كل ماردوا الى الفتنة أى دعوا إلى الشرك كما روى عن السدى وقيل : الى قتال المسلمين أركسوا فيها أى قلبوا فيها أقبح قلب وأشنعه يروى عن ابن عباس أنه كان الرجل يقول له قومه : بماذا آمنت بهذا القرد والعقرب والخنفساء فان لم يعتزلوكم بالكف عن التعرض لكم بوجه ما ويلقوا إليكم السلم أى ولم يلقوا اليكم الصلح والمهادنة ويكفوا أيديهم أى ولم يكفوا أنفسهم عن قتالكم .
فخذوهم وأقتلوهم حيث ثقفتموهم أى وجدتموهم وأصبتموهم أو حيث تمكنتم منمه وعن بعض المحققين إن هذه الآية مقابلة للآية الاولى وبينهما تقابل إما بالايجاب والسلب وإما بالعدم والملكة لأن إحداهما عدمية والاخرى وجودية وليس بينهما نقابل التضاد ولاتقابل التضايف لأنهما على ما قرروا لايوجدان إلا بين أمرين وجوديين فقوله سبحانه : فان لم يعتزلوكم مقابل لقوله تعالى : فان اعتزلوكم وقوله جل وعلا : ويلقوا مقابل لقوله عز شأنه : وألقوا وقوله جل جلاله : ويكفوا مقابل لقوله عز من قائل : فلم يقاتلوكم والواو لاتقتضي الترتيب فالمقدم مركب من ثلاثة أجزاء فى الآيتين وهى فى الآية الاولى الاعتزال وعدم القتال وإلقاء السلم فبهذه الأجزاء تم الشرط وجزاؤه عدم التعرض لهم بالأخذ والقتل كما يشير اليه قوله تعالى : فما جعل الله لكم عليهم سبيلا وفى الآية الثانية عدم الاعتزال وعدم القاء السلم وعد الكف عن القتال فبهذه الأجزاء الثلاثة تم الشرط وجزاؤه الأخذ والقتل المصرح به بقوله سبحانه : فخذوهم واقتلوهم .
ومن ذها يعلم أن ويكفوا بمعنى لم يكفوا عطف على المنفى لا على النفى بقرينة سقوط النون الذى هو علامة الجزم وعطفه على النفى والجزم بأن الشرطية لايصح لأنه يستلزم التناقض لأن معنى فان لم يعتزلوكم إن لم