بذاته تعالى فليزم أن يمتنع عليه الصدق فان ماثبت قدمه استحال عدمه واللازم باطل فانا نعلم بالضرورة أن من علم شيئا أمكن له أن يخبر عنه على ماهو عليه وهذان الوجهان انما يدلان على أن الكلام النفسى الذى هو صفة قائمة بذاته تعالى يكون صادقا ثم أتى بالوجه الثالث دليلا على استحالة الكذب فى الكلام اللفظي والنفسى على طرز مافى المسلك الثانى وقد علمت ماللآ مدى فيه فتدبر جميع ذلك ليظهر لك الحق .
فما لكم مبتدأ وخبر والاستفهام للانكار والنفى والخطاب لجميع المؤمنين ومافيه من معنى التوبيخ لبعضهم وقوله سبحانه : فى المنافقين يحتمل كما قال السمين أن يكون متعلقا بما يدل عليه قوله تعالى : فئتين أى فمالكم تفترقون فى المنافقين وان يكون حالا من فئتين أى فئتين متفرقتين فى المنافقين فلما قدم نصب على الحال وان يكون متعلقا بما تعلق به الخبر أى شىء كائن لكم فى أمرهم وشأنهم فحذف المضاف وأقيم المضاف اليه مقامه وفى انتصاب فئتين وجهان كما فى الدر المصون أحدهما أنه حال من ضمير لكم المجرور والعامل فيه الاستقرار أو الظرف لنيابته عنه وهذه الحال لازمة لايتم الكلام بدونها وهذا مذهب البصريين فى هذا التركيب وماشابهه وثانيهما وهو مذهب الكوفيين أنه خبر كان مقدرة أى مالكم فى شأنهم كنتم فئتين ورد بالتزام تنكيره فى كلامهم نحو مالهم عن التذكرة معرضين وأما ماقيل على الأول : من أن أكون الحال بعضا من عامله غريب لايكاد يصح عند الأكثرين فلا يكون معمولا له ولايجوز اختلاف العامل فى الحال وصاحبها فمن فلسفة النحو كما قال الشهاب والمراد إنكار أن يكون للمخاطبين شىء مصحح لاختلافهم فى أمر المنافقين وبيان وجوب قطع القوم بكفرهم واجرائهم مجرى المجاهرين فى جميع الاحكام وذكرهم بعنوان النفاق باعتبار وصفهم السابق .
أخرج عبد بن حميد عم مجاهد قال : هم قوم خرجوا من مكة حتى جاءوا المدينة يزعمون أنهم مهاجرين ثم ارتدوا بعد ذلك فاستأذنوا النبي صلى الله عليه و سلم الى مكة ليأتوا ببضائع لهم يتجرون فيها فاختلف فيهم المسلمون فقائل يقول هم منافقون وقائل يقول : هم مؤمنون فيبين الله تعالى نفاقهم وأنزل هذه الآية وأمر بقتلهم .
وأخرج بن جرير عن الضحاك قال : هم ناس تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه و سلم وأقاموا بمكة وأعلنوا الايمان ولم يهاجروا فاختلف فيهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم فتولاهم ناس وتبرأ من ولايتهم آخرون وقالوا : تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه و سلم ولم يهاجروا فسماهم الله تعالى منافقين وبرأ المؤمنين من ولايتهم وأمرهم أن لايتولهم حتى يهاجروا وأخرج الشيخان والترمذى والنسائى وأحمد وغيرهم عن زيد بن ثابت أن رسول الله صلى الله عليه و سلم خرج الى أحد فرجع ناس خرجوا معه فكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم فيهم فئتين فرقة تقول : نقتلهم وفرقة تقول : لا فأنزل الله تعالى فما لكم فى المنافقين الآية كلها ويشكل على هذا ما سيأتى قريبا إن شاء الله تعالى من جعل هجرتهم غاية للنهى عن توليتهم الا أن يصرف عن الظاهر كما ستعلمه وقيل : هم العرنيون الذين أغاروا على السرح وأخذوا يسارا راعى رسول الله صلى الله عليه و سلم ومثلوا به فقطعوا يديه ورجليه وغرزوا الشوك فى لسانه وعينيه حتى مات ويرده كما قال شيخ الاسلام ما سيأتى ان شاء الله تعالى من الآيات الناطقة بكيفية المعاملة معهم فى السلم والحرب وهؤلاء قد أخذوا وفعل بهم ما فعل من المثلة والقتل ولم ينقل أمرهم اختلاف المسلمين وقيل غير ذلك