فلا ينبغي أن يلاحظوا الناس فى تركه وعدم الالتفات اليه والآخرة خير لمن اتقى فينبغى أن يتحملوا الملامة فى تحصيلها ولا تظلمون فتيلا مما كتب لكم فينبغى عدم خشية سوى الله تعالى أينما تكونوا يدرككم الموت وتفارقون ولابد من تخشون فراقه إن سلكتم ففارقوهم بالسلوك وهو الموت الاختيارى قبل أن تفارقوهم بالهلاك وهو الموت الاضطرارى ولو كنتم فى بروج مشيدة أى أجساد قوية : فمن يك ذا عظم صليب رجاجه ليكسر عود الدهر فالدهر كاسره وإن تصبهم أى المحجوبين حسنة أى شىء يلائم طباعهم يقولوا هذه من عند الله فيضيفونها الى الله تعالى من فرح النفس ولذة الشهوة لاتبعت المعرفة والمحبة وإن تصبهم سيئة أى شىء تنفر عنه طباعهم وإن كان على خلاف ذلك فى نفس الأمر يقولوا لضيق أنفسهم هذه من عندك فيضيفونها إلى غيره تعالى ويرجعون إلى الأسباب لعدم رسوخ الايمان الحقيقى فى قلوبهم قل كل مكن عند الله وها دعاء لهم الى توحيد الافعال ونفى التأثير عن الاغيار والاقرار بكونه سبحانه خالق الخير والشر فما لهؤلاء القوم المحجوبين لايكادون يفقهون حديثا لاحتجاجهم بصفات النفوس وارتياج آذان قلوبهم التى هى أوعية السماع والوعى ثم زاد سبحانه فى البيان بقوله D : ما أصابك من حسنة صغرت أو عظمت فمن الله تعالى أفاضها حسب الاستعداد الأصلى وما أصابك من سيئة حقرت أو أوجلت فمن نفسك أى من قبلها بسبب الاستعداد الحادث بسبب ظهور النفس بالصفات والافعال الحاجبة للقلب المكدرة لجوهره حتى احتاج الى الصقل بالزايا والمصائب والبلايا والنوائب لامن قبل الرسول صلى الله عليه و سلم أو غيره وأرسلناك للناس رسولا فأنت الرحمة لهم فلا يكون من عندك شر عليهم وكفى بالله شهيدا على ذلك من يطع الرسول فقد أطاع الله لأنه صلى الله تعالى عليه وسلم مرآة الحق يتجلى منه الخلق وقال بعض العارفين : إن باطن الآية إشارة الى عين الجمع أفلا يتدبرون القرآن ليرشدهم إلى أنك رسول الله تعالى وأن إطاعتك إطاعته سبحانه حيث أنه مشتمل على الفرق والجمع وقيل : ألا يتدبرونه فيتعظون بكريم مواعظه ويتبعون محاسن أوامره أو أفلا يتدبرونه ليعلموا أن الله جل شأنه تجلى لهم فيه ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا أى لوجدوا الكثير منه مختلفا بلاغة وعدمها فيكون مثل كلام المخلوقين فيكون لهم مساغ إلى تكذيبه وعدم قبول شهادته أو القول بأنه لايصلح أن يكون مجلى لله تعالى وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به إخبار عمن في مبادى السلوك أى اذا ورد عليهم شىء من آثار الجمال أو الجلال أفشوه وأشاعوه ولو ردوه أى عرضوه الى الرسول الى ماعلم من أحواله وماكان عليه وإلى أولى الامر منهم وهم المرشدون الكاملون الذين نالوا مقام الوراثة المحمدية لعلمه أى لعلم مآله وأنه مما يذاع أو أنه لايذاع الذين يستنبوطنه ويتلقونه منهم أى من جهتهم وواسطة فيوضاتهم والمراد بالموصول الرادون أنفسهم وحاصل ذلك أنه لاينبغى للمريد إذا عرض له فى أثناء سيره وسلوكه شىء من آثار الجمال أو الجلال أن يفشيه لاحد قبل أن يعرضه على شيخه فيوقفه على حقيقة الحال فان فى افشائه قبل ذلك ضررا كثيرا ولولا فضل الله عليكم أيها الناس بالواسطة العظمى رسول الله صلى الله عليه و سلم ورحمته بالمرشدين الوارثين لاتبعتم الشيطان والنفس أعظم جنوده إن لم تكنه إلا قليلا وهم السالكون بواسطة نور إلهى أفيض عليهم فاستغنوا به كبعض أهل الفترة قيل : وهم على قدم الخليل E فقاتل فى سبيل الله لاتكلف إلانفسك أى قاتل من وبين ربهم عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا أى ستروا أوصاف الربوبية والله أشد منهم بأسا أى نكاية وأشد منهم تنكيلا أى تعذيبا من يشفع شفاعة حسنة أى من يرافق نفسه على الطاعات يكن له نصيب منها أى حظ وافر من ثوابها ومن يشفع شفاعة سيئة أى من يرافق نفسه على معصية يكن له كفل منها أى مثل مساو من عقابها وكان الله على كل شىء مقيتا فيوصل الثواب والعقاب الى مستحقيهما وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها تعليم لنوع من مكارم الاخلاق ومحاسن الاعمال وقيل : المعنى إذا منى الله تعالى عليكم بعطية فابذلوا الأحسن من عطاياه أو تصدقوا بما أعطاكم وردوه الى الله تعالى على يد المستحقين والله تعالى خير الموفقين .
الله لاإله إلا هو مبتدأ وخبر وقوله سبحانه : ليجمعنكم الى يوم القيامة جواب قسم محذوف أى والله ليجمعنكم والجملة مستأنفة لامحل لها من الاعراب أو خبر ثان أو هى الخبر و لاإله إلا هو اعتراض واحتمال أن تكون خبرا بعد خبر لكان وجملة الله لا إله إلاهو معترضة مؤكدة لتهديد قصد بما قبلها ومابعدها بعيد ثم الخبر وان كان هو القسم وجوابه لكنه فى الحقيقة الجواب فلا يرد وقوع الإنشاء خبرا ولا أن جواب القسم من الجمل التى لامحل لها من الاعراب فكيف يكون خبرا مع أنه لاامتناع من اعتبار المحل وعدمه باعتبارين والجمع بمعنى الحشر ولهذا عدى بإلى كما عدى الحشر بها فى قوله تعالى : لإلى الله تحشرون وقد يقال : إنما عدى بها لتضمينه معنى الافضاء المتعدى بها أى ليحشرنكم من قبوركم إلى حساب يوم القيامة أو مضفين اليه وقيل : إلى بمعنى فى كما أثبته أهل العربية أى ليجمعنكم فى ذلك اليوم لاريب فيه أى في يوم القيامة أو فى الجمع فالجملة إما حال من اليوم أوصفة مصدر محذوف أى جمعا لاريب فيه والقيامة معنى القيام ودخلت التاء فيه للمبالغة كعلامة ونسابة وسمى ذلك اليوم بذلك لقيام الناس فيه للحساب مع شدة مايقع فيه من الهول ومناسبة الآية لما قبلها ظاهرة وهى أنه تعالى لما ذكر إن الله تعالى كان على كل شىء حسيبا تلاه بالاعلام بوحدانيته سبحانه والحشر والبعث من القبور للحساب بين يديه وقال الطبرسى : وجه النظم أنه سبحانه لما أمر ونهى فيما قبل بين بعد أنه لايستحق العبادة سواه ليعلموا على حسب ما أوجبه عليهم واشار الى أن لهذا العمل جزاءا ببيان وقته وهو يوم القيامة ليجدوا فيه ويرغبوا ويرهبوا ومن أصدق من الله حديثا الاستفهام إنكارى والتفضيل بأعتبار الكمية فى الأخبار الصادقة لا الكيفية اذ لايتصور فيها تفاوت لما أن الصدق المطابقة للواقع وهى لاتزيد فلايقال الحديث معين : إنه أصدق من آخر إلا بتأويل وتجوز والمعنى للا أحد أكثر صدقا منه تعالى فى وعده وسائر أخباره نفى المساواة أيضا كما فى قولهم : ليس فى البلد أعلم من زيد وإنما كان كذلك الاستحالة نسبة الكذب اليه سبحانه بوجه من الوجوه ولايعرف خلاف بين المعترفين بأن الله تعالى متكلم بكلام فى تلك الاستحالة وان اختلف مأخذهم فى الاستدلال .
وقد استدل المعتزلة على استحالة الكذب فى كلام الرب تعالى بأن الكلام من فعله تعالى والكذب قبيح لذاته والله تعالى لايفعل القبيح وهو مبنى على قولهم : بالحسن والقبح الذاتيين وايجابهم رعاية الصلاح والاصلح وأما الأشاعرة فلهم كما قال الآمدى فى بيان استحالتة الكذب فى كلامه تعالى القديم النفساني مسلكان :