لأحد معه ويجوز أن تكون الجملة استئنافا مبنيا على سؤال نشأ من الاستفهام وهو ظاهر وعلى التقديرين فالكلام مخرج مخرج المبالغة في عدم فهمهم فلا ينافى اعتقادهم أن الحسنة من عند الله تعالى ويفهم من كلام بعضهم أن المراد من الحديث هو ماتفوهوا به آنفا حيث أنه الزم منه تعدد الخالق المستلزم للشرك المؤدي الى فساد العالم وان ما في حيز الامر رد لهذا اللازم وقدم لكونه أهم ثم استأنف بما هو حقيقة الجواب أعني قوله سبحانه : ماأصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك وعلى ماذكرنا ولعله الاولى يكون هذا بيانا للجواب المجمل المأمور به والخطاب فيه كما قال الجبائي وروى عن قتادة : عام لكل من يقف عليه لا للنبى صلى الله عليه و سلم كقوله : إذ أنت أكرمت الكريم ملكته وإن اكرمت اللئيم تمردا ويدخل فيه المذكورون دخولا أولياء وفي اجراء الجواب أولا على لسان النبي صلى الله عليه و سلم وسوق البيان من جهته تعالى ثانيا بطريق تلوين الخطاب والالتفات إيذان بمزيد الاعتناء به والاهتمام برد اعتقادهم الباطل وزعمهم الفاسد والإشعار بأن مضمونه مبني على حكمة دقيقة حرية بأن يتولى بيانها علام الغيوب D والعدول عن خطاب الجميع كما في قوله تعالى وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم للمبالغة في التحقيق بقطع احتمال سببية بعضهم لعقوبة الآخرين و ما كما قال ابو البقاء : شرطية و أصاب بمعنى يصيب والمراد بالحسنة والسيئة هنا ما أريد بهما من قبل أي ما أصابك أيها الانسان من نعمة من النعم فهي من الله تعالى بالذات تفضلا وإحسانا من غير استيجاب لها من قبلك كيف لا وكل مايفعله العبد من الطاعات التي يرجى كونها ذريعة الى اصابة نعمة ما فهي بحيث لاتكاد تكافىء نعمة الوجود أو نعمة الإقدار على أدائها مثلا فضلا عن أن تستوجب نعمة أخرى ولذلك قال صلى الله تعالى عليه وسلم فيما أخرجه الشيخان من حديث أبي هريرة : لن يدخل أحدا عمله الجنة قيل : ولا أنت يارسول الله قال : ولاأنا إلا أن يتغمدنى الله تعالى بفضل رحمته وما أصابك من بلية من البلايا فهي بسبب اقتراف نفسك المعاصي والهفوات المقتضية لها وإن كانت من حيث الايجاد منتسبة اليه تعالى نازلة من عنده عقوبة وهذا كقوله تعالى : وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير وأخرج الترمذي عن أبي موسى قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لايصيب عبدا نكبة فما فوقها أو مادونها إلا بذنب وما يعفوا الله تعالى عنه أكثر .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس أنه قال في الآية : ماكان من نكبة فبذنبك وأنا قدرت ذلك عليك وعن أبي صالح مثله وقال الزجاج : الخطاب لرسول الله صلى الله عليه و سلم والمقصود من الأمة وقيل : له عيه الصلاة والسلام لكن لا لبيان حاله بل لبيان حال الكفرة بطريق التصوير ولعل العدول عن خطابهم لاظهار كمال السخط والغضب عليهم والاشعار بأنهم لفرط جهلهم وبلادتهم بمعزل من استحقاق الخطاب لاسيما بمثل هذه الحكمة الأنيقة ثم أعلم انه لاحجة لنا ولا للمعتزلة في مسألة الخير والشر بهاتين الآيتين لأن إحداهما بظاهرها لنا والأخرى لهم فلابد من التأويل وهو مشترك الإلزام ولأن المراد بالحسنة والسيئة النعمة والبلية لا الطاعة والمعصية والخلاف الثاني ولاتعارض بينهما أيضا لظهور اختلاف جهتي النفي والاثبات وقد أطنب الامام الرازي في هذا المقام كل الاطناب بتعديد الأقوال والتراجيح واختار تفسير الحسنة والسيئة بما يعم النعم والطاعات والمعاصي والبليات وقال بعضهم : يمكن أن يقال : لما جاء قوله تعالى