وإن تصيهم حسنة بعد قوله سبحانه : أينما تكونوا يدرككم الموت ناسب أن تحمل الحسنة الاولى على النعمة والسيئة على البلية ولما أردف قوله D : وما أصابك من حسنة بما سيأتي ناسب أن يحملا على مايتعلق بالتكليف من المعصية والطاعة كما روى ذلك عن أبي العالية ولهذا غير الأسلوب فعبر بالماضي بعد أن عبر بالمضارع ثم نقل عن الراغب أنه فرق بين قولك : هذا من عند الله تعالى وقولك : هذا من الله تعالى : بأن من عند الله أعم من حيث أنه يقال فيما كان برضاه سبحانه وبسخطه وفيما يحصل وقد أمر به ونهي عنه ولايقال : من الله الا فيم كان برضاه وبأمره وبهذا النظر قال عمر رضي الله تعالى عنه : إن أصبت فمن الله وان أخطأت فمن الشيطان فتدبر .
ونقل أبو حيان عن طائفة من العلماء أن ما أصابك الخ على تقرير القول أى فما لهؤلاء القوم لايكادون يفقهون حديثا يقولون ما أصابك من حسنة الخ والداعى لهم على هذا التمحل توهم التعارض وقد دعا آخرين الى جعل الجملة بدلا من حديثا على معنى أنهم لايفقهون هذا الحديث أعني ما أصابك الخ فيقولونه غير متحاشين عما يلزمه من تعدد الخالق وآخرين الى تقدير استفهام إنكاري أى فمن نفسك وزعموا أنه قرىء به وقد علمت أن لاتعارض أصلا من غير احتياج الى ارتكاب مالايكاد يسوغه الذوق السليم وكذا لاحجة للمعتزلة في قوله سبحانه حديثا على كون القرآن محدثا لما علمت من أنه ليس نصا في القرآن وعلى فرض تسليم أنه نص لايدل على حدوث الكلام النفسى والنزاع فيه ثم وجه ارتباط هذه الآيات بما قبلها على ماقيل : انه سبحانه بعد أن حكى عن المسلمين ماحكى ورد عليهم بما رد نقل عن الكفار مارده عليهم أيضا وبين المكيين مناسبة من حيث اشتمالها على اسناد مايكره الى بعض الأمور وكون الكراهة بسبب ذلك وهو كما ترى .
وفى الكشف أن جملة وإن تصبهم الخ معطوفة على جملة قوله تعالى : فان أصابتكم مصيبة ولئن أصابكم فضل دلالة على تحقيق التبطئة والتثبيط أما دلالة الاولتين فلا خفاء بهما وأما الثانية فلأنهم اذا اعتقدوا فى الداعى الى الجهاد صلى الله عليه و سلم ذلك الاعتقاد الفاسد قطعوا أن في اتباعه لاسيما فيما يجر الى ماعدوه سيئة الخبال والفساد ولهذا قلب الله عليهم في قوله سبحانه فمن نفسك ليصير ذلك كافا لهم عن التثبيط الى التنشيط وأردفه ذكر ماهم فيه من التعكيس في شأن من هو رحمة مرسلة للناس كافة وأكد أمر اتباعه بأن جعل طاعته صلى الله عليه و سلم طاعة الله تعالى مع ما أمده من التهديد البالغ المضمن في قوله سبحانه فمن تولى ثم قال ولايخفى أن ماوقع بين المعطوفين ليس باجنبى وأن فليقاتل شديد التعلق بسصابقه ولما لزم من هذا النسق تقسيم المرسل اليهم الى كافر مبطىء ومؤمن قوى وضعيف استنأف تقسيمهم مرة أخرى في قوله سبحانه الآتى : ويقولون أى الناس المرسل اليهم الى مبيت هو الأول ومذيع هو الثالث ومن يرجع اليه هو الثانى فهذا وجه النظم والارتباط بين الآيات السابقة واللاحقة انتهى ولايخلو عن حسن وليس بمتعين كما لايخفى .
هذا ووقف أبو عمرو والكسائى بخلاف عنه على ما من قوله تعالى : فما هؤلاء وجماعة على لام الجر وتعقب ذلك السمين بأنه ينبغي أن لايجوز كلا الوقفين اذ الأول وقف على المبتدأ دون خبره والثانى على الجار دون مجروره وقرأ أبى وابن مسعود وابن عباس وما أصابك من سيئة فمن نفسك وأنا كتبتها عليك وأرسلناك للناس رسولا بيان لجلالة منصبه صلى الله عليه و سلم ومكانته عند ربه سبحانه بعد الذب عنه بأتم وجه وفيه رد أيضا لمن زعم اختصاص رسالته E بالعرب فتعريف للناس