ألم ترى الى الذين قيل لهم كفوا أيديكم نزلت كما قال الكلبى في عبد الرحمن بن عوف الزهري والمقداد ابن الأسود الكندي وقدامة بن مظعون الجمحى وسعد بن أبى وقاص كان يلقون من المشركين أذى شديدا وهم بمكة قبل الهجرة فيشكون الى رسول الله ويقولون : ائذن لنا يارسول الله في قتال هؤلاء فانهم قد آذونا والنبي يقول : كفوا أيديكم وامسكوا عن القتال فاني لم أومر بذلك وفي رواية : اني امرت بالعفو .
وأقيموا الصلاة وأتوا الزكاة .
واشتغلوا بما أمرتم به ولعل أمرهم باقامة الصلاة وايتاء الزكاة تنيها على أن الجهاد مع النفس مقدم ومالم يتمكن المسلم في الانقياد لامر الله تعالى بالجود بالمال لايكاد يتأتى منه الجود بالنفس والجود بالنفس أقصى غاية الجود وبناء القول للمفعول مع أن القائل هو النبي لأن المقصود والمعتبر في التعجيب المشار اليه في صدر الكلام انما هو كمال رغبتهم في القتال وكونهم بحيث احتاجو الى النهي عنه وانما ذكر في حين الصلة الأمر بكف الأيدي لتحقيقه وتصويره بطريق الكناية فلا يتعلق ببيان خصوصية الآمر غرض وقيل : للايذان بكون ذلك بأمر الله تعالى فلما كتب عليهم القتال وأمروا به بعد أن هاجروا مع رسول الله الى المدينة اذا فريق منهم يخشون الناس أى الكفار أن يقتلوهم وذلك ركز في طباع البشر من خوف الهلاك كخشية الله أي كما يخشون الله تعالى أن ينزل عليهم بأسه والفاء عاطفة وما بعدها عطف على قيل لهم كفوا أيديكم باعتبار معناه الكنائي اذ حينئذ يتحقق التباين بين مدلولى المعطوفين وعليه يدور أمر التعجب كأنه قيل : ألم ترى الى الذين كانواحراصا على القتال فلما كتب عليهم كرهه بمقتضى البشرية جماعة منهم وتوجيه التعجيب الى الكل من أن تلك الكراهة انما كانت من البعض للايذان بأنه ماكان ينبغي أن يصدر من أحدهم ماينافي حالته الأولى و اذا للمفاجأة وهي ظرف مكان وقيل : زمان وليس بشىء وفيها تأكيد لأمر التعجيب و فريق مبتدأ و منهم صفته و يخشون خبره وجوز أن يكون صفة أيضا أو حالا والخبر اذا و كخشية الله في موقع المصدر أي خشية كخشية الله وجوز أن يكون حالا من فاعل يخشون ويقدر مضاف أي حال كونهم مثل أهل خشية الله تعالى أي مشبهين بأهل خشيته سبحانه وقيل وفيه بعد انه حال من ضمير مصدر محذوف أي يخشونها الناس كخشية الله أوأشد خشية عطف عليه ان جعلته حالا أي أنهم أشد خشية من أهل خشية الله بمعنى أن خشيتهم أشد من خشيتهم ولايعطف عليه على تقدير المصدرية على ماقيل بناءا على أن خشية منصوب على التمييز وعلى أن التمييز متعلق الفاعلية وأن المجرور بمن التفضيلية يكون مقابلا للموصوف بأفعل التفضيل فيصير المعنى إن خشيتهم أشد من خشية غيرهم ويؤل الى أن خشية خشيتهم أشد وهو غير مستقيم اللهم إلا على طريقة جد جده على ماذهب عليه أبو علي وابن جني ويكون كقولك : زيد جد جدا بنصب جدا على التمييز لكنه بعيد بل يعطف على الاسم الجليل فهو مجرور بالفتحة لمنع صرفه والمعنى يخشون الناس خشية كخشية الله أو خشية كخشية أشد خشية منه تعالى ولكن على سبيل الفرض اذ لاأشد خشية عند المؤمنين من الله تعالى ويؤل هذا الى تفضيل خشيتهم على سائر الخشيات اذا فصلت واحدة واحدة وذكر ابن الحاجب أنه يجوز أن يكون هذا العطف من عطف الجمل أي يخشون الناس كخشية