إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم فإن العلماء هم المستنبطون المستخرجون للأحكام وحمله الكثير وليس ببعيد على ما يعم الجميع لتناول الاسم لهم لأن للأمراء تدبير أمر الجيش والقتال وللعلماء حفظ الشريعة وما يجوز وما لا يجوز واستشكل إرادة العلماء لقوله تعالى : فإن تنازعتم في شئ فإن الخطاب فيه عام للمؤمنين مطلقا والشئ خاص بأمر الدين بدليل ما بعده والمعنى فإن تنازعتم أيها المؤمنون أنتم وألوا الأمر منكم في أمر من أمور الدين فردوه فراجعوا فيه إلى الله أي إلى كتابه والرسول أي إلى سنته ولا شك أن هذا إنما يلائم حمل أولي الأمر على الأمراء دون العلماء لأن للناس والعامة منازعة الأمراء في بعض الأمور وليس لهم منازعة العلماء إذ المراد بهم المجتهدون والناس ممن سواهم لا ينازعونهم في أحكامهم .
وجعل بعضهم : الخطاب فيه لأولي الأمر على الالتفات ليصح إرادة العلماء لأن للمجتهدين أن ينازع بعضهم بعضا مجادلة ومحاجة فيكون المراد أمرهم بالتمسك بما يقتضيه الدليل وقيل : على إرادة الأعم يجوز أن يكون الخطاب للمؤمنين وتكون المنازعة بينهم وبين أولي الأمر باعتبار بعض الأفراد وم الأمراء ثم إن وجوب الطاعة لهم ما داموا على الحق فلا يجب طاعتهم فيما خالف الشرع فقد أخرج ابن أبي شيبة عن علي كرم الله تعالى وجهه قال : قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : لا طاعة لبشر في معصية الله تعالى وأخرج هو وأحمد والشيخان وأبو داود والنسائي عنه أيضا كرم الله تعالى وجهه قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلّم سرية واستعمل عليهم رجلا من الأنصار فأمرهم E أن يسمعوا له ويطيعوا فأغضبوه في شئ فقال : اجمعوا لي حطبا فجمعوا له حطبا قال : أوقدوا نارا فأوقدوا نارا قال : ألم يأمركم A أن تسمعوا لي وتطيعوا قالوا : بلى قال : فادخلوها فنظر بعضهم إلى بعض وقالوا : إنما فررنا إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم من النار فسكن غضبه وطفئت النار فلما قدموا على رسول الله A ذكروا له ذلك فقال E لو دخلوها ما خرجوا منها إنما الطاعة في المعروف .
وهل يشمل المباح أم لا فيه خلاف فقيل إنه لا يجب طاعتهم فيه لأنه لا يجوز لأحد أن يحرم ما حلله الله تعالى ولا أن يحلل ما حرمه الله تعالى وقيل : تجب أيضا كما نص عليه الحصكفي وغيره وقال بعض محققي الشافعية : يجب طاعة الإمام في أمره ونهيه ما لم يأمر بمحرم وقال بعضهم : الذي يظهر أن ما أمر به مما ليس فيه مصلحة عامة لا يجب امتثاله إلا ظاهرا فقط بخلاف ما فيه ذلك فإنه يجب باطنا أيضا وكذا يقال في المباح الذي فيه ضرر للمأمور به ثم هل العبرة بالمباح والمندوب المأمور به باعتقاد الآمر فإذا أمر بمباح عنده سنة عند المأمور يجب امتثاله ظاهرا فقط أو المأمور فيجب باطنا أيضا وبالعكس فينعكس ذلك كل محتمل وظاهر إطلاقهم في مسألة أمر الإمام الناس بالصوم للاستسقاء الثاني لأنهم لم يفصلوا بين كون الصوم المأمور به هناك مندوبا عند الآمر أولا وأيد بما قرروه في باب الاقتداء من أن العبرة باعتقاد المأموم لا الإمام ولم أقف على ما قاله أصحابنا في هذه المسألة فليراجع هذا واستدل بالآية منأنكر القياس وذلك لأن الله تعالى أوجب الرد إلى الكتاب والسنة دون القياس والحق أن الآية دليل على إثبات القياس بل هي متضمنة لجميع الأدلة الشرعية فإن المراد بإطاعة الله العمل بالكتاب وبإطاعة الرسول العمل بالسنة وبالرد إليهما القياس