لأن رد المختلف فيه الغير المعلوم من النص إلى المنصوص عليه إنما يكون بالتمثيل والبناء عليه وليس القياس شيئا وراء ذلك وقد علم من قوله سبحانه : إن تنازعتم أنه عند عدم النزاع يعمل بما اتفق عليه وهو الإجماع إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر متعلق بالأمر الأخير الوارد في محل النزاع إذ هو المحتاج إلى التحذير عن المخالفة وجاب الشرط محذوف عند جمهور البصريين ثقة بدلالة المذكور عليه والكلام على حد إن كنت ابني فأطعني فإن الإيمان بالله تعالى يوجب امتثال أمره وكذا الإيمان باليوم الآخر لما فيه من العقاب على المخالفة ذلك أي الرد المأمور به العظيم الشأن ولو حمل كما قيل على جميع ما سبق على التفريع لحسن .
وقال الطبرسي : إنه إشارة إلى ما تقدم من الأوامر أي طاعة الله تعالى وطاعة رسوله صلى الله تعالى عليه وسلم وأولي الأمر ورد المتنازع فيه إلى الله والرسول E خير لكم وأصلح وأحسن أي أحمد في نفسه تأويلا .
59 .
- أي عاقبة قاله قتادة والسدي وابن زيد وأفعل التفضيل في الموضعين للإيذان بالكمال على خلاف الموضوع له ووجه تقديم الأول على الثاني أن الأغلب تعلق أنظار الناس بما ينفعهم وقيل : المراد خير لكم في الدنيا وأحسن عاقبة في الآخرة ووجه التقديم عليه أظهر .
وعن الزجاج أن المراد أحسن تأويلا من تأويلكم أنتم إياه من غير رد إلى أصل من كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلّم فالتأويل إما بمعنى الرجوع إلى المآل والعاقبة وإما بمعنى بيان المراد من اللفظ الغير الظاهر منه وكلاهما حقيقة وإن غلب الثاني في العرف ولذا يقابل التفسير .
ألم تر خطاب للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم وتعجيب له E أي ألم تنظر أو ألم ينته علمك إلى الذين يزعمون من الزعم وهو كما في القاموس مثلث القول : الحق والباطل زوالكذب ضد وأكثر ما يقال : فيما يشك فيه ومن هنا قيل : إنه قول بلا دليل وقد كثر استعماله بمعنى القول الحق وفي الحديث عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم زعم جبريل وفي حديث ضمام بن ثعلبة رضي الله تعالى عنه زعم رسولك وقد أكثر سيبويه في الكتام من قوله : زعم الخليل كذا في أشياء يرتضيها وفي شرح مسلم للنووي أن زعم في كل هذا بمعنى القول والمراد به هنا مجرد الإدعاء أي يدعون أنهم ءامنوا بما أنزل إليك أي القرآن .
وما أنزل إلى موسى عليه السلام من قبلك وهو التوراة ووصفوا بهذا الادعاء لتأكيد التعجيب وتشديد التوبيخ والاستقباح وقرئ أنزل و أنزل بالبناء للفاعل يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت بيان لمحل التعجيب على قياس نظائره أخرج الثعلبي وابن أبي حاتم من طرق عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن رجلا من المنافقين يقال له بشر : خاصم يهوديا فدعاه اليهود إلى النبي A ودعاه المنافق إلى كعب بن الأشرف ثم إنهما احتكما إلى النبي A فقضى لليهودي فلم يرض المنافق وقال : تعال نتحاكم إلى عمر بن الخطاب فقال اليهودي لعمر رضي الله تعالى عنه : قضى لنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فلم يرض بقضائه فقال للمنافق : أكذلك قال : نعم فقال عمر : مكانكما حتى أخرج إليكما فدخل عمر فاشتمل على سيفه ثم خرج فضرب عنق المنافق حتى برد ثم قال : هكذا أقضي لمن لم يرض بقضاء الله تعالى ورسوله A فنزلت وفي بعض الروايات : وقال جبريل عليه السلام إن عمر فرق بين الحق والباطل وسماه النبي A الفاروق رضي الله تعالى عنه والطاغوت على هذا كعب