بذلك والإضمار في مقام الإظهار لإدخال الروعة وتربية المهابة ثم أعلم أن الله سبحانه أورد أقسام الورثة في هذه الآيات على أحسن الترتيبات وذلك أن الوارث إما أنيتصل بالميت بنفسه من غير واسطة أو يتصل به بواسطة فإن أتصل بغير واسطة فسبب الإتصال إما أن يكون النسب أو الزوجية فحصل هنا ثلاثة أقسام أشرفها وأعلاها الإتصال الحاصل إبتداءا من جهة النسب وذلك هو قرابة الولادة ويدخل فيها الأولاد والوالدان وثانيها الإتصال الحاصل إبتداءا من جهة الزوجية وهذا القسم متأخر في الشرف عن القسم الأول لأن الأول ذاتي والثاني عرضي والذاتي أشرف من العرضي وثالثها الإتصال بواسطة الغير وهو المسمى بالكلالة وهذا القسم متأخر عن القسمين الأولين لوجوه : أحدها أن الأولاد والوالدين والأزواج والزوجات لا يعرض لهم السقوط بالكلية وأما الكلالة فقد يعرض لها السقوط بالكلية وثانيها أن القسمين الأولين ينتسب كل واحد منهما إلى الميت بغير واسطة والكلالة ينتسب إلى الميت بواسطة والثابت إبتداءا أشرف من الثابت بواسطة وثالثها أن مخالطة الإنسان بالوالدين والأولاد والأزواج والزوجات أكثر وأتم من مخالطته بالكلالة وكثرة المخالظة مظنة الألفة والشفقة وذلك يوجب شدة الإهتمام بأحوالهم فلهذه الأسباب وأشباهها أخر الله سبحانه ذكر ميراث الكلالة عن ذكر القسمين الأولين فما أحسن هذا الترتيب وما أشد إنطباقه على قوانين المعقولاتكما قاله الإمامتلك أي الأحكام المذكورة في شئون اليتامى والمواريث وغيرها وأقتصر إبن عباس رضي الله تعالى عنهما على المواريث حدود الله أي شرائعه أو طاعته أو تفصيلاته أو شرطوه وأطلقت عليها الحدود لشبهها بها من حيث أن المكلف لا يجوز له أن يتجاوزها إلى غيرها .
ومن يطع الله ورسوله فيما أمر به من الأحكام أو فيما فرض من الفرائض والإظهار في مقام الإضمار لما مرت الإشارة إليه يدخله جنات نصب على الظرفية عند الجمهور وعلى المفعولية عند الأخفش .
تجري من تحتها أي من تحت أشجارها وأبنيتها وقد مر الكلام في ذلك الأنهار أي ماؤها خالدين فيها حال مقدرة من مفعول يدخله لأن الخلود بعد الدخول فهو نظير قولك : مررت برجل معه صقر يصيد به غدا وصيغة الجمع لمراعاة معنى من كما أن إفراد الضمير لمراعاة لفظها وذلك أي دخول الجنات على الوجه المذكور الفوز أي الفلاح والظفر بالخير العظيم 31 في نفسه أو بالإضافة إلى حيازة التركة على ما قيل والجملة أعترض ومن يعص الله ورسوله فيما أمر به من الأحكام أو فيما فرض من الفرائض وقال إبن جريج : من لا يؤمن بما فصل سبحانه من المواريث وحكى مثله عن إبن جبير .
ويتعد حدوده التي جاء بها رسوله صلى الله تعالى عليه وسلم ومن جملتها ما قص لنا قبل أو يتعد حدوده في القسمة المذكورة إستحلالا كما حكى عن الكلبي يدخله قرأ نافع وإبن عامر بالنون في الموضعين نارا أي عظيمة هائلة خالدا فيها حال كما سبق وأفرد هنا وجمع هناك لأن أهل الطاعة أهل الشفاعة وإذا شفع أحدهم في غيره دخلها معه وأهل المعاصي لا يشفعون فلا يدخل بهم غيرهم فيبقون فرادى أو للإيذان بأن الخلود في دار الثواب بصيغة الإجتماع الذي هو أجلب للأنس والخلود في دار العقاب بصيغة الإنفراد الذي هو أشد في إستجلاب الوحشة وجوز الزجاج والتبريزي كون خالدين هناك و خالدا هنا صفتين لجنات