على ما تقدم غير مضر نفسه بأن يكون مرتكبا خلاف الشرع بالزيادة على الثلث وهو صحيح في نفسه إلا أن المتبادر الأول وعليه مجاهد وغيره ويحتملكما قال جمعأن يكون المعنى غير قاصد الإضرار بل القربة وذكر عصام الملة أن المفهوم من الآية أن الإيصاء والإقرار بالدين لقصد الإضرار لا يستحق التنفيذ وهو كذلك إلا أن إثبات القصد مشكل إلا أن يعلم ذلك بإقراره والظاهر أن قصد الإضرار لا القربة بالوصية بالثلث فما دونه لا يمنع من التنفيذ فقد أخرج إبن أبي شيبة عن معاذ بن جبل قال : إن الله تعالى تصدق عليكم بثلث أموالكم زيادة في حياتكم نعم ذاك محرم بلا شبهة وليس كل محرم غير منفذ فإن نحو العتق والوقف للرياء والسمعة محرم بالإجماع مع أنه نافذ ومن أدعى تخصيص ذلك بالوصية فعليه البيان وإقامة البرهان .
وعن إبن عباس رضي الله تعالى عنهما أن الإضرار بالوصية من الكبائر وأخرج أحمد وأبو داؤد والترمذي عن أب يهريرة رضي الله تعالى عنه مرفوعا إن الرجل ليعمل بعمل أهل الخير سبعين سنة فإذا أوصى حاف في وصيته فيختم له بشر عمله فيدخل النار وإن الرجل ليعمل بعمل أهل الشر سبعين سنة فيعدل في وصيته فيختم له بخير عمله فيدخل الجنة وصية من الله مصدر مؤكد أي يوصيكم الله بذلك وصية والتنوين للتفخيم و من متعلقة بمحذوف وقع صفة للنكرة مؤكدا لفخامتها ونظير ذلك فريضة من الله ولعل السر في تخصيص كل منهما بمحله ما قاله الإمام من أن لفظ الفرض أقوى وآكد من لفظ الوصية فختم شرح ميراث الأولاد بذكر الفرضية وختم شرح ميراث الكلالة بالوصية ليدل بذلك على أن الكل وإن كان واجب الرعاية إلا أن القسم الأول وهو حال رعاية الأولاد أولى وقيل إن الوصية أقوى من الفرض للدلالة على الرغبة وطلب سرعة الحصول فختم شرح ميراث الكلالة بها لأنها لبعدها ربما لا يعتني بشأنها فحرض على الإعتناء بها بذكر الوصية ولا كذلك ما تقدم أو منصوب بمضار على أنه مفعول به له إما بتقدير أي أهل وصية الله تعالى أو على المبالغة لأن المضارة ليست للوصية بل لأهلها فهو على حد ياسارق الليلة أهل الدار ومضارتها الإخلال بحقوقهم ونقصها مما ذكر من الوصية بما زاد على الثلث أؤ به مثلا لقصد الإضرار دون القربة والإقرار بالدين كاذبا .
والمراد من الأهل الورثة المذكورة ههنا ووقع في بعض العبارات أن المراد وصية الله تعالى بالأولاد ولعل المراد بهم الورثة مطلقا بطريق التعبير عن الكلي بأشهر أفراده كما عبر عن مطلق الإنتفاع بالمال بأكله وإلا فهو غير ملائم وإنما نصب مضار المفعول به لأنه أسم فاعل معتمد على ذي الحال أو منفي معنى فيعمل في المفعول الصريح ويشهد لهذا الإحتمال قراءة الحسن غير مضار وصية بالإضافة وذكر أبو البقاء في هذه القراءة وجهين : الأول أن التقدير غير مضار أهل وصية فحذف المضاف والثاني أن التقدير غير مضار وقت وصية فحذف وهو من إضافة الصفة إلى الزمان ويقرب من ذلك قولهم : هو فارس حرب أي فارس في الحرب وتقول : هو فارس زمانه أي في زمانه والجمهور لا يثبتون الإضافة بمعنى في ووقع في الدر المصون إحتمال أنه منصوب على الخروج ولم يبين المراد من ذلك ووقع في همع الهوامع في المفعول به : إن الكوفيين يجعلونه منصوبا على الخروج ولم يبينه أيضا قال الشهاب : فكأن مرادهم أنه خارج عن طرفي الإسناد فهو كقولهم : فضلة فلينظر والله عليم بالمضار وغيره وقيل : بما دبره بخلقه من الفرائض حليم 21 لا يعاجل بالعقوبة فلا يغترن المضار بالإمهال أو لا يغترن من خالفه فيما بينه من الفرائض