وزوجها على وجه التناسل والتوالد رجالا كثيرا ونساء تكرارا لقوله سبحانه : خلقكم لأن مؤداهما واحد وليس على سبيل بيان الأول لأنه معطوف عليه على عدم التقدير ولأوهم أن الرجال والنساء غير المخلوقين من نفس واحدة وأنهم منفردون بالخلق منها ومن زوجها والناس إنما خلقوا من نفس واحدة من غير مدخل للزوج ولا يلزم ذلك على العطف وجعل المخاطب بخلقكممن بعث إليهم E إذ يكون وبث منهما إلخ واقعا على من عدا المبعوث إليهم من الأمم الفائتة للحصر والتوهم في غاية البعد وكذا لا يلزم على تقدير حذف المعطوف عليه وجعل الخطاب عاما لأن ذلك المحذوف وما عطف عليه يكونان بيانا لكيفية الخلق من تلك النفس ومن الناس من أدعى أنه لا مانع من جعل الخطاب عاما من غير حاجة إلى تقدير معطوف عليه معه وإلى ذلك ذهب صاحب التقريب والمحذور الذي يذكرونه ليس بمتوجه إذ لا يفهم من خلق بني آدم من نفس واحدة خلق زوجها منه ولا خلق الرجال والنساء من الأصلين جميعا .
والمعطوف متكفل ببيان ذلك وقد ذكر غير واحد أن اللازم في العطف تغاير المعطوفات ولو من وجه وهو هنا محقق بلا ريب كما لا يخفى والتلوين في رجالا ونساءا للتكثير و كثيرا نعت ل رجالا مؤكد لما أفاده التنكير والإفراد بإعتبار معنى الجمع أو العدد أو لرعاية صيغة فعيل ونقل أبو البقاء أنه نعت المصدر محذوف أي بثا كثيرا ولهذا أفرد وجعله صفة حينكما قيلتكلف سمج وليس المراد بالرجال والنساء البالغين والبالغات بل الذكور والإناث مطلقا تجوزا ولعل إيثارهما على الذكور والإناث لتأكيد الكثرة والمبالغة فيها بترشيح كل فرد من الأفراد المبثوثة لمبدئية غيره وقيل : ذكر الكبار منهم لأنه في معرض المكلفين بالتقوى وأكتفى بوصف الرجال بالكثرة عن وصف النساء بها لأن الحكمة تقتضي أن يكن أكثر إذ للرجل أن يزيد في عصمته على واحدة بخلاف المرأة قاله الخطيب وأحتج بعضهم بالآية على أن الحادث لا يحدث إلا عن مادة سابقة وأن خلق الشيء عن العدم المحض والنفي الصرف محال وأجيب بأنه لا يلزم من إحداث شيء في صورة واحدة من المادة لحكمة أن يتوقف الإحداث عل ىالمادة في جميع الصور على أن الآية لا تدل على أكثر من خلقنا وخلق الزوج مما ذكر سبحانه وهو غير واف بالمدعي وقريءوخالق وباثعلى حذف المبتدأ لأنه صلة لعطفه عل ىالصلة فلا يكون إلا جملة بخلاف نحوزيد ركب وذاهبأي وهوخالق وباث .
وأتقوا الله الذي تساءلون به تكرير للأمر الأول وتأكيد له والمخاطب من بعث إليهم أيضا كما مر وقيل : المخاطب هنا وهناك هم العرب كما روى عن إبن عباس رضي الله تعالى عنهمالأن دأبهم هذا التناشد وقيل : المخاطب هناك من بعث إليهم مطلقا وهنا العرب خاصة وعموم أول الآية لا يمنع خصوص آخرها كالعكس ولا يخفى ما فيه من التفكيك ووضع الأسم الجليل موضع الضمير للإشارة إلى جميع صفات الكمال ترقيا بعد صفة الربوبية فكأنه قيل : أتقوه لربوبيته وخلقه إياكم خلقا بديعا ولكونه مستحقا لصفات الكمال كلها .
وفي تعليق الحكم بما في حيز الصلة إشارة إلى بعض آخر من موجبات الإمتثال فإن قول القائل لصاحبه : أسألك بالله وأنشدك الله تعالى على سبيل الإستعطاف يقتضي الإتقاء من مخالفة أوامره ونواهيه و تساءلون إما بمعنى يسأل بعضكم بعضا فالمفاعلة على ظاهرها وإما بمعنى تسألونكما قريء بهوتفاعل يرد بمعنى فعل إذا تعدد فاعله وأصله على القراءة المشهورةتتساءلونبتاءين فحذفت إحداهما للثقل وقرأ نافع : وإبن كثير