وسائر أهل الكوفة تساءلون بإدغام تاء التفاعل في السين لتقاربهما في الهمس والأرحام بالنصب وهو معطوف إما على محل الجار والمجرور إن كان المحل لهما أو على محل المجرور إن كان المحل له والكلام على حد مررت بزيد وعمرا وينصره قراءة تساءلون به وبالأرحاموأنهم كانوا يقرنونها في السؤال والمناشدة بالله تعالى ويقولون : أسألك بالله تعالى وبالله سبحانه وبالرحمكما أخرج ذلك غير واحد عن مجاهد وهو إختيار الفارسي وعلي بن عيسى وإما معطوف على الأسم الجليل أي أتقوا الله تعالى والأرحام وصلوها ولا تقطعوها فإن قطعها مما يجب أن يتقي وهو رواية إبن حميد عن مجاهد والضحاك عن إبن عباس وإبن المنذر عن عكرمة وحكى عن أبي جعفر رضي الله تعالى عنه وأختاره الفراء والزجاج وجوز الواحدي النصب على الإغراء أي والزموا الأرحام وصلوها وقرأ حمزة بالجر وخرجت في المشهور على العطف على الضمير المجرور وضعف ذلك أكثر النحويين بأن الضمير المجرور كبعض الكلمة لشدة إتصاله بها فكما لا يعطف على جزء الكلمة لا يعطف عليه .
وأول من شنع على حمزة في هذه القراءة أبو العباس المبرد حتى قال : لا تحل القراءة بها وتبعه في ذلك جماعة منهم إبن عطيةوزعم أنه يردها وجهان : أحدهما أن ذكر أن الأرحام مما يتساءل بها لا معنى له في الحض على تقوى الله تعالى ولا فائدة فيها أكثر من الأخبار بأن الأرحام يتساءل بها وهذا مما يغض من الفصاحة والثاني أن في ذكرها على ذلك تقرير التساؤل بها والقسم بحرمتها و الحديث الصحيح يرد ذلك فقد أخرج الشيخان عنه صلى الله تعالى عليه وسلم من كان حالفا فليحلف بالله تعالى أو ليصمت .
وأنت تعلم أن حمزة لم يقرأ كذلك من نفسه ولكن أخذ ذلك بل جميع القرآن عن سليمان بن مهران الأعمش والإمام بن أعين ومحمد بن أبي ليلى وجعفر بن محمد الصادقوكان صالحا ورعا ثقة في الحديثمن الطبقة الثالثة .
وقد قال الإمام أبو حنيفة والثوري ويحيى بن آدم في حقه غلب حمزة الناس على القراءة والفرائض وأخذ عنه جماعة وتلمذوا عليه منهم إمام الكوفةقراءة وعربيةأبو الحسن الكسائي وهو أحد القراء السبع الذين قال أساطين الدين : إن قراءتهم متواترة عن رسول الله ومع هذا لم يقرأ بذلك وحده بل قرأ به جماعة من غير السبعة كإبن مسعود وإبن عباس وإبراهيم النخعي والحسن البصري وقتادة ومجاهد وغيرهمكما نقله إبن يعيشفالتشنيع على هذا الإمام في غاية الشناعة ونهاية الجسارة والبشاعة وربما يخشى منه الكفر وماذكر من إمتناع العطف على الضمير المجرور هو مذهب البصريين ولسنا متعبدين بإتباعهم وقد أطال أبو حيان في البحر الكلام في الرد عليهم وأدعى أن ما ذهبوا إليه غير صحيح بل الصحيح ما ذهب إليه الكوفيون من الجواز وورد ذلك في لسان العرب نثرا ونظما وإلى ذلك ذهب إبن مالك وحديث إن ذكر الأرحامحينئذ لا معنى له في الحض على تقوى الله تعالى ساقط من القول لأن التقوى إن أريد بها تقوى خاصةوهي التي في حقوق العباد التي من جملتها صلة الرحم فالتساؤل بالأرحام مما يقتضيه بلا ريب وإن أريد الأعم فلدخوله فيها وأما شبهة أن في ذكرها تقرير التساؤل بها والقسم بحرمتها والحديث يرد ذلك للنهي فيه عن الحلف بغير الله تعالى فقد قيل في جوابها : لا نسلم أن الحلف بغير الله تعالى مطلقا منهى عنه بل المنهي عنه ما كان مع إعتقاد وجوب البر وأما الحلف على سبيل التأكيد مثلا فمما لا بأس به ففي الخبر أفلح وأبيه إن صدق .
وقد ذكر بعضهم أن قول الشخص لآخر : أسألك بالرحم أن تفعل كذا ليس الغرض منه سوى الإستعطاف