الذين هم أقبح أصناف الكفار وبهذا يحصل ربط بين الآية وما قبلها من الآيات وإذا لاحظت إشتراك هؤلاء مع أولئك المؤمنين فيما عند الله تعالى من الثواب قويت المناسبة وإذا لاحظ أن فيما تقدم مدح المهاجرين وفي هذا مدحا للمهاجر إليهم من حيث أن الهجرة الأولى كانت إليهم كان أمر المناسبة أقوى وإذا أعتبر تفسير الموصول في قوله تعالى : لا يغرنك باليهود زادت قوة بعد ولام الإبتداء داخلة على أسم إن وجاز ذلك لتقدم الخبر وما أنزل إليكم من القرآن العظيم الشأن وما أنزل إليهم من الإنجيل والتوراة أو منهما وتأخير إيمانهم بذلك عز إيمانهم بالقرآن في الذكر مع أن الأمر بالعكس في الوجود لما أن القرآن عيار ومهيمن عليه فإن إيمانهم بذلك إنما يعتبر بتبعية إيمانهم بالقرآن إذ لا عبرة بما في الكتابين من الأحكام المنسوخة وما لم يسنخ إنما يعتبر من حيث ثبوته بالقرآن ولتعلق ما بعد بذلك وقيل : قدم الإيمان بما أنزل على المؤمنين تعجيلا لإدخال المسرة عليهم والمراد من الإيمان بالثاني الإيمان به من غير تحريف ولا كتم كما هو شأن المحرفين والكاتمين وإتباع كل من العامة خاشعين لله أي خاضعين له سبحانه وقال إبن زيد : خائفين متذللين وقال الحسن : الخشوع الخوف اللازم للقلب من الله تعالى وهو حال من فاعل يؤمن وجمع حملا على المعنى بعد ما حمل على اللفظ أولا وقيل : حال من ضمير إليهم وهو أقرب لفظا فقط وجيء بالحال تعريضا بالمنافقين الذين يؤمنون خوفا من القتل و الله متعلق بخاشعين وقيل : هو متعلق بالفعل المنفي بعده وهو في نية التأخير كأنه قال سبحانه : لا يشترون بآيات الله ثمنا قليلا لأجل الله تعالى والأول أولى وفي هذا النفي تصريح بمخالفتهم للمحرفين والجملة في موضع الحال أيضا والمعنى لا يأخذون عوضا يسيرا على تحريف الكتاب وكتمان الحق من الرشا والمآكل كما فعله غيره ممن وصفه سبحانه فيما تقدم ووصف الثمن بالقليل إما لأن كل ما يؤخذ عل ىالتحريف كذلك ولو كان ملء الخافقين وإما لمجرد التعريض بالآخذين ومدحهم بما ذكر ليس من حيث عدم الأخذ فقط بل لتضمن ذلك إظهار ما في الآيات من الهدى وشواهد نبوته .
أولئك اي الموصوفون بما ذكر من الصفات الحميدة وإختيار صيغة البعد للإيذان بعلو مرتبتهم وبعد منزلتهم في الشرف والفضيلة لهم أجرهم عند ربهم أي ثواب أعمالهم وأجر طاعتهم والإضافة للعهد أي الأجر المختص بهم الموعود لهم بقوله سبحانه : أولئك يؤتون أجرهم مرتين وقوله تعالى : يؤتكم كفلين من رحمته وفي التعبير بعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضميرهم ما لا يخفى من اللطف وفي الكلام أوجه من الإعراب فقد قالوا : إن أولئك مبتدأ والظرف خبره وأجرهم مرتفع بالظرف أو الظرف خبر مقدم وأجرهم مبتدأ مؤخر والجملة خبر المبتدأ و عند ربهم نصب على الحالية من أجرهم .
وقيل : متعلق به بناءا على أن التقدير لهم أن يؤجروا عند ربهم وجوز ان يكون أجرهم مبتدأ و عند ربهم خبره ولهم متعلق بما دل عليه الكلام من الإستقرار والثبوت لأنه في حكم الظرف والأوجه من هذه الأوجه هو الشائع على ألسنة المعربين إن الله سريع الحساب 991 إما كناية عن كمال علمه تعالى بمقادير الأجور ومراتب الإستحقاق وأنه يوفيها كل عامل على ما ينبغي وقدر ما ينبغي وحينئذ تكون الجملة إستئنافا واردا على سبيل التعليل لقوله تعالى : لهم أجرهم عند ربهم أو تذييلا لبيان علة الحكم المفاد بما ذكر وإما كناية عن قرب الأجر الموعود فإن سرعة الحساب تستدعي سرعة الجزاء وحينئذ تكون الجملة تكميلا لما قبلها فإنه في معنى الوعد