كأنه قيل : لهم أجر عند ربهم عن قريب وفصلت لأن الحكم بقرب الأجر مما يؤكد ثبوته ثم لما بين سبحانه في تضاعيف هذه السورة الكريمةما بين من الحكم والأحكام وشرح أحوال المؤمنين والكافرين وما قاساه المؤمنون الكرام من أولئك الئام من الآلام ختم السورة بما يضوع منه مسك التمسك بما مضى ويضيع بإمتثال ما فيه مكايد الأعداء ولو ضاق لها الفضا فقال عز من قائل : ياأيها الذين آمنوا أصبروا أي أحبسوا نفوسكم عن الجزع مما ينالها والظاهر أن المراد الأمر بما يعم أقسام الصبر الثلاثة المتفاوتة في الدرجة الواردة في الخبر وهو الصبر على المصيبة والصبر على الطاعة والصبر عن المعصية وصابروا أي أصبروا على شدائد الحرب مع أعداء الله تعالى صبرا أكثر من صبرهم وذكره بعد الأمر بالصبر العام لأنه أشد فيكون أفضل فالعطف كعطف جبريل على الملائكة والصلاة الوسطى على الصلوات وهذا وإن آل إلى الأمر بالجهاد إلا أنه أبلغ منه ورابطوا أي أقيموا في الثغور رابطين خيولكم فيها حابسين لها مترصدين للغزو مستعدين له بالغين في ذلك المبلغ الأوفى أكثر من أعدائكم والمرابطة أيضا نوع من الصبر فالعطف هنا كالعطف السابق .
وقد أخرج الشيخان عن سهل بن سعد أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال : رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها وأخرج إبن ماجه بسند صحيح عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن رسول الله قال : من مات مرابطا في سبيل الله تعالى أجرى عليه أجر عمله الصالح الذي كان يعمله وأجرى عليه رزقه وأمن من الفتان وبعثه الله تعالى آمنا من الفزع وأخرج الطبراني بسند لا بأس به عن جابر قال : سمعت رسول الله يقول : من رابط يوما في سبيل الله تعالى جعل الله تعالى بينه وبين النار سبع خنادق كل خندق كسبع سموات وسبع أرضين وأخرج أبو الشيخ عن أنس مرفوعا الصلاة بأرض الرباط بألف ألفي صلاة .
وروى عن إبن عمر رضي الله تعالى عنهما أن الرباط أفضل من الجهاد لأنه حقن دماء المسلمين والجهاد سفك دماء المشركين وأتقوا الله في مخالفة أمره على الإطلاق فيندرج فيه جميع ما مر إندراجا أوليا .
لعلكم تفلحون 002 اي لكي تظفروا وتفوزوا بنيل المنية ودرك البغية والوصول إلى النجح في الطلبة وذلك حقيقة الفلاح وهذه الآية على ما سمعت مشتملة على ما يرشد المؤمن إلى ما فيه مصلحة الدين والدنيا ويرقى به إلى الذروة العليا وقرر ذلك بعضهم بأن أحوال الإنسان قسمان الأول ما يتعلق به وحده والثاني ما يتعلق به من حيث المشاركة مع أهل المنزل والمدينة وقد أمر سبحانهنظرا إلى الأولبالصبر ويندرج فيه الصبر على مشقة النظر والإستدلال في معرفة التوحيد والنبوة والمعاد والصبر على أداء الواجبات والمندوبات والإحتراز عن المنهيات والصبر على شدائد الدنيا وآفاتها ومخاوفها وأمرنظرا إلى الثانيبالمصابرة ويدخل فيها تحمل الأخلاق الردية من الأقارب والأجانب وترك الإنتقام منهم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد مع أعداء الدين باللسان والسنان ثم إنه لما كان تكليف الإنسان بما ذكر لا بد له من إصلاح القوى النفسانية الباعثة على أضداد ذلك أمره سبحانه بالمرابطة أعم من أن تكون مرابطة ثغر أو نفس ثم لما كانت ملاحظة الحق جل وعلا لا بد منها في جميع الأعمال والأقوال حتى يكون معتدا بها أمر سبحانه بالتقوى ثم لما تمت وظائف العبودية ختم الكلام بوظيفة الربوبية وهو رجاء الفلاح منه إنتهى ولا يخفى أنه على ما فيه تمحل ظاهر وتعسف لا ينكره إلا مكابر وأولى منه أن يقال : إنه تعالى أمر بالصبر العام أولا لأنه كما في الخبر بمنزلة الرأس من الجسد وهو مفتاح الفرج