نبذة عن حياة رسولنا الكريم محمّد صلى الله عليه وآله وسلم
نبذة عن حياة رسولنا الكريم محمّد صلى الله عليه وآله وسلم
محمد أمين عبد الحكيم الجمجمالي
باحث ومفكر من العراق
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ألذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا.
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى اله وأصحابه الذين كانوا مصابيح الهدى ..
اللهم صل وسلم وبارك وتكرم وتفضل وتحنن على سيدنا محمد الصادق الأمين، في الأولين وفي الآخرين وفي الملأ الأعلى إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً.
سادتي الأكارم .. في هذا اليوم العظيم المبارك ذكرى ولادة فخر الكائنات سيدنا محمد أهنيء العالمين الإنساني والإسلامي، بهذه المناسبة العظيمة ذكرى مولد الرسول الأعظم سيدنا محمد وحفيده الصادق (عليه السلام).
وكما أبارك العلماء والمفكرين المشاركين في المؤتمر الدولي السابع والعشرين للوحدة الإسلامية، و المجمع العالمى للتقريب بين المذاهب الإسلامية والذي يسعى جاهداً للتقريب وزرع المحبة والتآلف بين المذاهب الإسلامية و وحدة الكلمة ووحدة صف المسلمين في إنحاء العالم.
أما بعد:
فقد ذكر الله في القرآن الكريم قصصاً كثيرة منها قصص تقص علينا حياة الأنبياء والمرسلين، والعلماء والصالحين، ومنها قصص تحكي عن الطغاة و الظالمين، وفي القرآن الكريم سورة اسمها سورة (القصص).
كل ذلك من أجل أن نأخذ العبر والعظة و الدروس من الرجال العظماء الأفذاذ، و كذلك نحافظ على أنفسنا عن الاقتراب من أعمال الطغاة والجناة والظالمين، ولذلك يقول الله تعالي "وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين"
و من العجيب ان يكون هناك إنسان ينكر إحياء الذكريات، وخاصة ذكري مولد فخر الكائنات (محمد المصطفى ـ ص)حيث لاشك انها بمثابة اكبر جامعة عالمية فمن لم يتلق علومه فيها ولم يتطلع على أحوال هذه الشخصية الإنسانية العظيمة فقد خسرخسرانا مبينأ، ولا ادرى ماذا يساوى إنسان لا يساوى الإنسان العظيم شيئاً لديه، وأي معرفة بالحقوق والوفاء إذا كان حق العظمة بين الناس غير معروف؟
وإذا ضاع تأريخ وذكريات العظماء بين الناس فكيف لا يضيع بينهم الأصاغر والعامة؟
ولذلك نحن نرى: أن إحياء ذكرى مولد الرسول الكريم والاحتفال بيوم ولادته هو واجب من الناحية الإنسانية على جميع بني البشر، وليس علي المسلمين وحدهم، لأنه (ص) بعث رحمة للعالمين، ورسالته رسالة الحب والخير والتعايش السلمي لكل بني البشر، وليس للمسلمين وحدهم وكما قال الله سبحانه وتعالى " وما ارسنالك إلا رحمة للعالمين"
أحوال الناس قبل بعثة الرسول
لو تصفحنا صفحات التأريخ وأعدنا النظر إلى أحوال العالم قبل بعثته (ص) نرى عالما متداعيا من كل النواحي، وباختصار شديد، نرى عالماً فقد العقيدة وفقد النظام حيث كان النظام نظام الغابة، فكان القوى فيها يأكل الضعيف وكان هناك النهب و السلب و قطع الطريق و وأد البنات فلا يوجد رادع لظلم الظالمين و عبث العابثين .
كانت الجزيرة العربية تحت اقدام الغزات ..
هرقل الروم، يرسل إلى مكة من يحكمها ..
أبرهة الحبشة، يزحف إلى مكة ليهدم كعبتها وليستبدلها بكعبة أخرى.
وفارس، تسيطر على شرق البلاد وجنوبها ..
العرب كانوا أذلاء، لأحول لهم ولا قوة، كما قال تعالى" واذكروا إذ انتم قليل مستضعفون في الأرض تخافون أن يتخطفكم الناس فأواكم وأيدكم بنصره".
وفي آية أخرى " وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها".
ففى تفسير هذه الآية يقول القتادة السدوسى:
(كان هذا الحي من العرب أذل الناس ذلاً و أشقاه عيشاً، وأبينه ضلالة، وأعراهُ جلوداً، و أجوعهُ بطوناً، معكومين على رأس جحر بين الأسدين، الفارس والروم، لا والله ما في بلادهم يومئذ شيء يُحسدون عليه، من عاش منهم عاش شقياً، ومن مات ردى في النار، يؤكلون ولا يأكلون، والله ما نعلم قبيلاً يومئذٍ من حاضر الأرض، كانوا فيها أصغر حظاً، وأدق فيها شأناً منهم، حتى جاء الله عزَ وجل بالإسلام فورثكم به الكتاب وأحل لكم به دار الجهاد، ووسع لكم به الزرق وجعلكم به ملوكاً على رقاب الناس)، (المصدر: تفسير الطبري، ج 4، ص 25 كذلك: ضحى الإسلام، ج1، ص 18).
فعاش رسول الله "ص" في هذا العالم المتداعي أر¬بعين سنة يفكر في إصلاحه إلى أن بعثه الله (بشيراً ونذيراً وداعيا إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً)، وكما قال تعالى " لقد من الله على المؤمنين إذ
بعث فيهم رسولاً من أنفسهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم، ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين".
بماذا انتصر الرسول
نعم جاء محمد (ص) وليس معه جيش عارم ولا أموال طائلة، ولا سيف ولا إرهاب، بل جاء ومعه الأخلاق والعقيدة، والإيمان، والصدق، والأمانة، والنظام، والحكمة، والموعظة الحسنة".
بقى في مكة بعد نبوته (ثلاثة عشرة) سنة يدعو إلى توحيد الله ونبذ الأصنام والتحلى بالأخلاق الفاضلة، فآمن به من آمن على تخوف من قريش وصناديده، فكانوا يلاقون أنواع التعذيب والإهانات، وأصحابه يأتونه ما بين جريح وكسير فيقول لهم الرسول (ص) أصبروا فإني لم أومر بقتال.
وهكذا كان الحال حتى الهجرة إذا فبماذا انتصر الرسول "ص"؟
والجواب انه لو راجعنا جوانبا من سيرته الشريفة لوجدنا الجواب الكافي، وعلى سبيل المثال .
لو نظرنا إلى سيرته " ص" كقائد عسكري نرى انه قد استولى على القلوب قبل ان يستولى على شبر من الأرض، وذلك عن طريق الايمان بعدالة القضية، وعن طريق الموعظة الحسنة وأخلاقه العظيمة وحرصه على خير البلاد والعباد، وحبه للناس، واقناع الأنداد بالبرهان والدليل، وحجته الدامغة وقد نرى انه "ص" باتخاذه هذا النهج القويم كسب ودالاباعد والأقارب والأعداء والأصدقاء، فآمن به خلق كثير، بينهم رجال .. مثل ابى بكر الصديق، وعمر ابن الخطاب وعلى ابن أبي طالب وحمزة عم النبي، وعثمان ابن عفان ـ وهم جميعا من سادة القوم ومن الاباعد والأقارب.
انتصر لانه "ص " أمن الناس على أرواحهم، وأموالهم، واعراضهم، حيث كانت جميعها مباحة للغاصبين.
انتصر لأنه "ص" اجاز للأمم ان تبقى على دينها ، أحرارا في وطنها إن هم أبوا الإسلام والحرب، وأعطوا الجزية، لأنه كان "ص" يدعوهم إلى هذه الخصال الثلاث.
انتصر لأنهُ كان يحيط حربه بسياج من الرحمة، فيقول "ص" لا تقتلن امرأة ولا شيخا فانيا ولا طفلا ضرعا، لا تقلعوا شجرة، ولا تهدموا بيتاً، قاتلو الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا.
إذا فإن الإسلام لم ينجح لأنهُ دين قتال، وحروب، وسيف، وقطع الأعناق، والإرهاب، وإنما نجح لأنه دين الطمأنينة والاستقرار مصحوبا بنظام مثالى و ضرورى لذالك العالم المتداعي فأطعمهم من جوع وآمنهم من خوف.
سيرته الإدارية
وأما إذا نظرنا إلى سيرته الإدارية: نرى انه "ص" كان لا يريد الفوضى، بل يريد العمل الجماعي المنظم، فيوصى أصحابه فيقول "إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم".
ويقول أيما رجل استعمل رجلاً على عشرة أنفس، وهو يعلم ان في العشرة أفضل ممن استعمل فقد غش الله، وغش رسوله، وغش جماعة المسلمين.
فكان شرط الرياسة عنده: الكفاءة، والإخلاص، وليس القرابة، ولا الولاء العرقى، والطائفى أو الانتماء السياسى..
كانت أوامر الإسلام ونواهيه معروفة لطائفة كبيرة من المسلمين، ولكنه (ص) لم يترك أحداً يدعى لنفسه حقا في إقامة الحدود، وإكراه الناس على اطاعة الأوامر أو اجتناب النواهى، فما أعطى هذا الحق، إلا لمن له ولاية الأمر وبيده مقاليد الحكم.
وحدث أن قتل رجل من المشركين غداة يوم فتح مكة من قبل بعض المسلمين فغضب النبي (ص) وقال في حديثه المشهور: ( فمن قال لكم أن رسول الله قد قاتل فيها فقولوا إن الله قد أحلها لرسوله ولم يحللها لكم يا معشر خزاعة.
ولما حرم الخمر ذهب بنفسه إلى السوق فأخذ مدية فشق بها كل زق فيها خمر، ثم أمر رجلا بعينه أن يأتي سوق الخمر فيشق كل زق فيها خمر وأمر أصحابه أن يعاونوه .. فلننظر فإن الخمر حرام، شربها، و بيعها، ونقلها حرام، يعلم ذلك جميع المسلمين علمائهم وجهالهم، ولكن المحرمات ينبغي أن تكون في يد ولي أمر المسلمين، وليس في يد كل من يعرف الحلال والحرام.
والمسألة هنا ليست مسألة تحريم أو تحليل، ولكنها مسألة الإدارة وتنفيذ الأحكام في مجتمع حافل بشتى المصالح الاجتماعية والأهواء، فلا يجوز فتح باب الفوضى والإطراب، وتجاهل السلطان، ولم يجعل ذلك إذنا لمن شاء أن يفعل ما يشاء، بل هو تدبير شئون العامة، وتنفيذ النظام وفوق النظام سلطان، و فوق السلطان برهان من الشرع والعقل والدين.
سيرته كزوج
وإذا نظرنا إلى سيرته المباركة كزوج نرى أنه (ص) كان عادلاً بين نسائه، يحترم حقوق المرأة يبيح لها أن تكسب كما يكسب الرجال كما قال تعالى (للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما أكتسبن) وقوله تعالى (ولهن مثل الذي عليهن).
كان يأمر أصحابه باحترام النساء، فيقول لهم أكمل ألمؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً، وخيارهم خيارهم لنسائهم.
ومما يضرب به الأمثال هو طيب معاملته (ص) مع نسائه وحتى عندما تتعرض الحياة الزوجية لأخطر ما يكون من الخطر والمساس بالوفاء، فلا نرى معاملة أطيب ولا أكرم في جميع تواريخ بني البشر مثل تعامل الرسول (ص) مع زوجته عائشة في حادثة (قصة الأفك)، حيث قال لزوجته: (يا عائشة: فإن كنت بريئة فسيبرئك الله، وإن كنت الممت بذنب فأستغفرى الله وتوبى إليه، فإن العبد إذا اعترف بذنب ثم تاب، تاب الله عليه).
هكذا تعامل بهدوء وبكل بساطة، وبدون إنفعال مع اخطر قضية لمس سمعة وقدسية أعظم رسول عليه الصلاة والسلام ..
ولما نزلت آية البراءة (إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم) كان أول من بشر عائشة بذلك الرسول (ص) فقال لها أبشرى يا عائشة .. أما الله قد برأك ..
فأنظر إلى هذا الدرس البليغ الذي يلقيه الرسول العظيم على مجموع بني البشر درس من الحلم، والصبر، والانتظار الكريم حتى يتبين له الحق ..
فياما نساء بريئات، قتلن على مر التاريخ ، وعبر العصور إلى يومنا هذا على اتهامات باطلة و بدون تحقيق، و بدون أن تظهر وتتبين الحقيقة، نتيجة الانفعالات العصبية، والتهور الجاهلي ..
سيرته كأب
كان أولاده من الذكور: القاسم والطاهر ماتا طفلين، وماتت بناته زينب ورقيه وأم كلثوم بعد أن تزوجن، وبقيت فاطمة بنت الرسول عليها السلام وحيدة.
ومضي نيف وعشرون سنة وزوجات الرسول لم تلدن، فكان أعدائه الكافرون سموه ابتراً ـ أي مقطوع الذرية، كما قال تعالى (إن شانئك هو الأبتر) فطال اشتياقه (ص) إلى الوليد المأمول حتى جائته مارية القبطية بولد.
نعم ولد الطفل و ولد الأمل الكبير، فسماه (إبراهيم)، باسم جده الأعلى متمنيا له أن يكون أباَ ويكون له أحفاد، ولكن ( ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ) ومات هذا الطفل، ومات معه هذا الأمل الكبير، مات كلاهما معا، وكان ألأب "ص" في الستين من عمره فكانت صدمة ختام العمر .. فكان الرسول "ص" يستقبل الجبل بوجهه ويقول: يا جبل لو كان بك مثل ما بي لهدك، ولكن إنا لله وانا إليه راجعون وشاء القدر ان انكسفت الشمس يوم موت ولده إبراهيم، فقال الناس انكسفت الشمس بموت إبراهيم، فلم يرض النبي "ص" بقولهم مع ما أصابه من الحزن والألم بموت ابنه المأمول، فيصحح لهم اعتقادهم الخاطئ فيقول.
ان الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا تخسفان بموت احد ولا لحياته.
فكانت فاطمة بنت الرسول هي البقية الباقية من الأبناء والبنات، فتات تشبه الرسول في سمته ومشيته فكان "ص" يختصها بمناجاة في غشية وفاته .. ـ يقول لها يا فاطمة إني مفارق الدنيا فتبكى ، وتبكي بكاء من فقدت الأم والأب والاخوة والأخوات .. ثم يختصها "ص" بمناجاة أخرى، فيقول لها يا فاطمة إنك أول من تلحق بى، فتضحك مسرورة بهذا الامتياز، والجائزة الكبرى، وفي هذا الضحك وذالك البكاء على برزخ الفراق بين الدنيا والآخرة تتجلى، أخلص الود والحنان والحب الحقيقي بين ارحم والد، وابربنت ما لا يقدره أحد إلا الله ..
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته