موقف القرآن الكريم من تكفير المسلمين وإباحة دمائهم وأموالهم وأعراضهم
موقف القرآن الكريم من تكفير المسلمين وإباحة دمائهم وأموالهم وأعراضهم
أحمد علي الصيفي
مدير مركز الدعوة الإسلامية في أمريكا اللاتينية
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام، على سيدنا محمد النبي الأمي، وعلى آله وصحبه وسلم، الذي حمل الرسالة – رسالة الرحمة– وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده. قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) .
إن الدين الإسلامي، هو دين الرحمة، والعدل، والمساواة، ليقوم الناس بالقسط ويعيشوا في أمن وسلام، تحكم أفراده الشريعة الإلهية، فتغمره الرحمة والمحبة.
ومما يبعث الاستغراب والتساؤل الحال الذي وصلت إليه أمتنا ومجتمعاتنا من الفوضى والهرج وعدم الأمن على النفس والمال والعرض . أصبح كل فريق من المقاتلين في هذه الأمة يقتل بحجة أنه يدافع عن الإسلام - من لا يفهم الإسلام ولا يفقهه - قتل على الهوية، بسبب الانتماء الطائفي أو الحزبي كما نراه في بعض الدول العربية أو الإسلامية، وهو أعظم عند الله سبحانه وتعالى وهو أندى للجبين وأقهر للنفس، كيف لا ونرى المسلم يقتل أخاه المسلم بدليل واه وادعاءات باطلة.
نعم حدثت فتنة في تاريخنا الإسلامي القديم، أجدر بنا أن نحفظ أنفسنا وألسنتنا عما نتج منها درءا للفتنة وحفظا لسيرة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وآل بيته الكرام، وصحابته المجاهدين المهاجرين الأخيار . نعم نحن نعلم أن سيدنا علي رضي الله عنه وأحفاده الكرام تعرضوا الى مظالم لا يرضى بها مسلم، ولكن لا يدفعنا هذا الحدث الجلل الى أن نظلم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وآل بيته الأطهار والله يقول في كتابه الكريم: (والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا) (سورة التوبة: 100) .
حفظ أمن المسلم في القرآن الكريم
في سورة الأنعام ذكر الأمن مرتبطا بالإيمان باعتباره نتيجة له، وصفة من صفات المهتدين .
قال تعالى (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) الانعام 6 آيه 82 .
وفي سورة قريش ذكر الأمن معطوفا على نعمة الإطعام من جوع، باعتبار أن الأمن والإطعام من الحاجات الأساسية للإنسان، وهما من النعم التي امتن الله بها على قريش في مكة. قال تعالى (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ) قريش 106 آيه 3-4 .
وفي سورة القصص ذكر “ الآمنون “ وفيهم رسول الله ونبيه موسى، حينما شعر بالخوف عند رؤيته لعصاه التي كانت تهتز كالجان، فولى مدبرا خائفا منها فخاطب الله موسى بأن يقبل ويتخلى عن خوفه، لأنه آمن مثل بقية المرسلين .
وقال تعالى مخاطبا موسى - عليه السلام – :(وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ) القصص 28 آية31.
لا تخف فأنت من الآمنين، الذين ترعاهم عناية الله وحفظه .
قال تعالى :( لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) الانعام 6 آية127.
حفظ أمن المسلم في السنة النبوية الشريفة
كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يحرص على أن يعم الأمن كل العالم، لذلك حرص - صلى الله عليه وسلم - على إيمان جميع الناس .
أخرج الطبراني عن ابن عباس في قوله تعالى: “ فمنهم شقي وسعيد” سورة هود 11 آية 105 . ونحو هذا من القرآن، قال: “ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحرص أن يؤمن جميع الناس ويبايعوا على الهدى، فأخبره الله - عز وجل - أنه لا يؤمن إلا من سبق له من الله السعادة في الذكر الأول، ولا يضل إلا من سبق له من الله الشقاء في الذكر الأول، ثم قال الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم :
(لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ) سورة الشعراء 26 آية 3-4.
قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، كانت البشرية تعيش في ضلالات الجهل والشرك والإلحاد والقتل والإجرام .
كان الظلم جاثماَ والفوضى ضاربة بأطنابها في كل مكان، حقوق مسلوبة، وأعراض منتهكة، وحياة بغير نظام ولا قانون .
كان الأمن مفقوداً، والسلب والنهب أمراً معهوداً، حياة لا أمان فيها ولا استقرار، فالمقيم مهدد بالضرر والمسافر في وجل وخطر .
كان القتل والسرقة، واعتداء القوي على الضعيف، وكانت الحروب تنشأ لأتفه الأسباب، فتزهق النفوس، وترمل النساء، وييتم الأطفال.
في ظل هذه الظروف، بعث الله - سبحانه وتعالى - النبي محمداً صلى الله عليه وسلم فمن اتبع هداه فقد فاز، قال تعالى: (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) الأحزاب 33 آية 71. ومن أعرض عن هدايته فقد ضلّ ضلالاً بعيدا وخسر في الدنيا والآخرة، قال تعالى: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى) طه 20 آية 124 .
جاء الإسلام بالطمأنينة والرحمة والنعم ورد النقم ،(أخرج أحمد عن أبي تميمة الهجيمي عن رجل من قومه أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم أو قال: شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم - وأتاه رجل فقال: أنت رسول الله ؟ أو قال أنت محمد؟ فقال “ نعم “ قال: إلام تدعو ؟ قال: أدعو إلى الله عز وجل وحده، مَنْ إذا كان بك ضر فدعوته كشفه عنك، ومن إذا أصابك عام, فدعوته أنبت لك، ومن إذا كنت في أرض قفر فأضللت فدعوته رد عليك، قال فأسلم الرجل ثم قال: أوصني يا رسول الله، فقال له: “ لا تَسُبَنَّ شيئاً أو قال: أحداً، شكَّ الحكم – قال: فما سببت بعيرا ولا شاة منذ أوصاني رسول الله صلى الله عليه وسلم).
ولقد أشار الرسول صلى الله عليه وسلم إلى أهمية الأمن للإنسان، فقال عليه الصلاة والسلام:”من أصبح منكم آمنا في سربه معافى في جسده عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا” الترمذي عرض الحديث 2268.
كانت رسالة الرسول صلى الله عليه وسلم رسالة أمن واطمئنان، نرى ذلك في دعوته لعدي بن حاتم - رضي الله عنه - في قوله: “أما إني أعلم الذي يمنعك من الإسلام . تقول: إنما اتَّبعه ضعاف الناس ومن لا قوة لهم وقد رمتهم العرب . أتعرف الحيرة ؟ قلت: لم أرها وقد سمعت بها . قال: “فو الذي نفسي بيده ليتمن الله هذا الأمر حتى تخرج الظعينة “ من الحيرة حتى تطوف بالبيت في غير جوار أحد، وليفتحن كنوز كسرى بن هُرمز”، قال: قلت كسرى بن هرمز ؟ قال “ نعم كسرى بن هرمز “، وليبذلنّ المال حتى لا يقبله أحد” مسند أحمد 17548.
قال عدي بن حاتم: فهذه الظعينة تأتي من الحيرة تطوف بالبيت في غير جوار أحد ، ولقد كنت فيمن فتح كنوز كسرى، والذي نفسي بيده لتكونن الثالثة، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قالها. وفي صحيح البخاري حدثني محمد بن المثنى حدثنا يحيى عن إسماعيل حدثنا قيس عن خبّاب بن الأرت، قال شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة له في ظلّ الكعبة قلنا له ألا تستنصر لنا؟ ألا تدعو الله لنا؟ قال كان الرجل فيمن قبلكم يحفر له في الأرض فيجعل فيه فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيشق باثنتين وما يصدّه ذلك عن دينه ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب وما يصده ذلك عن دينه والله ليتمنّ هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت، لا يخاف إلا الله أو الذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون “ البخاري حديث 3343
لزوال الدنيا أهون على الله من سفك دم مؤمن
عن عبد الرحمن بن أبي بكرة، عن أبيه قال: لما كان ذلك اليوم قعد على بعير له، يعني النبي صلى الله عليه وسلم، وأخذ إنسان بخطامه أو بزمامه فقال: “ أي يوم هذا ؟ “ فسكتنا حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه . فقال: “ أليس يوم النحر ؟ “ قلنا: بلى . قال: “ فأي شهر هذا ؟ “ قال: فسكتنا حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه . فقال: “ أليس بذي الحجة؟ “ قالوا: بلى . قال: “ فأي بلد هذا ؟ “ قال: فأمسكنا حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه . فقال: “ أليس بالبلد الحرام ؟ “ قلنا: بلى . قال: “ فإن دماءكم وأعراضكم بينكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا، ألا ليبلغ الشاهد الغائب “ .
وعن عبد الله بن عمر قال: “رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بالكعبة ويقول: ما أطيبك وأطيب ريحك! ما أعظمك وأعظم حرمتك! والذي نفس محمد بيده لحرمة المؤمن أعظم عند الله حرمة منك، ماله ودمه وأن نظن به إلا خيرًا” رواه ابن ماجة، وعنه أيضا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لن يزال المؤمن في فسحة من دينة ما لم يصب دمًا حرامًا”، قال ابن عمر: “إن من ورطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها سفك الدم الحرام بغير حله” رواه البخاري.
القرآن ينهى عن الظلم والقتل والإثم
فالقرآن الكريم ينهى عن الظلم قال تعالى: (وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) البقرة 2 آية 188 .
وينهى عن التعدي قال تعالى: (وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ) النساء 4 آية 14 .
وينهى عن القتل قال تعالى: (وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) الأنعام، آية: 151.
(وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) .النساء:٩٣ .
يقول الله سبحانه: (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقّ) سورة الفرقان: 68، وقال تعالى: (قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً) إلى أنْ قال: (وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) الأنعام: 151، وعلى المسلم أنْ يقف عند قوله تعالى: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ) محمد: 22.
وقال تعالى: (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا) المائدة 32.
ما جاء في السنة من النهي عن تكفير المعين :
1- قول النبي صلى الله عليه و سلم: «أَيُّمَا امْرِئٍ قَالَ لِأَخِيهِ: يَا كَافِرُ، فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا، إِنْ كَانَ كَمَا قَالَ وَإِلَّا رَجَعَتْ عَلَيْهِ»(أخرجه البخاري: كتاب الأدب، باب من كفر أخاه بغير تأويل فهو كما قال، حديث رقم (6104).
2- وقوله صلى الله عليه و سلم: «مَنْ لَعَنَ مُؤْمِنًا فَهُوَ كَقَتْلِهِ، وَمَنْ قَذَفَ مُؤْمِنًا بِكُفْرٍ فَهُوَ كَقَتْلِهِ»(أخرجه البخاري: كتاب الأدب، باب ما ينهى عن السباب واللعن، حديث رقم (6047).
3- وقوله صلى الله عليه و سلم: «لَا يَرْمِي رَجُلٌ رَجُلاً بِالْفُسُوقِ، وَلَا يَرْمِيهِ بِالْكُفْرِ إِلَّا ارْتَدَّتْ عَلَيْهِ إِنْ لَمْ يَكُنْ صَاحِبُهُ كَذَلِكَ»(أخرجه البخاري: كتاب الأدب، باب ما ينهى عن السباب واللعن، حديث رقم (6045).
4- أبا هريرة رضي الله عه يقول قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: «لا يجتمع رجلان في الجنة أحدهما قال لأخيه يا كافر»(مسند إسحاق بن راهويه ج 1 ص 434).وهذا أصل من أصول العقيدة.
حرمة ترويع المسلمين
لحديث أبي هريرة رضي الله عه، قال: قال أبو القاسم صلى الله عليه و سلم: «مَنْ أَشَارَ إِلَى أَخِيهِ بِحَدِيدَةٍ فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَلْعَنُهُ حَتَّى يَدَعَهُ وَإِنْ كَانَ أَخَاهُ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ»(34)، وعنه رضي الله عه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: «لَا يُشِيرُ أَحَدُكُمْ عَلَى أَخِيهِ بِالسِّلَاحِ فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي لَعَلَّ الشَّيْطَانَ يَنْزِعُ فِي يَدِهِ فَيَقَعُ فِي حُفْرَةٍ مِنْ النَّارِ»(أخرجه البخاري: كتاب الفتن، حديث رقم (7072).
وثبت عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال: «لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُرَوِّعَ مُسْلِمًا»(أحمد في مسنده، حديث رقم (22555).
المسلم معصوم الدم والمال
إنَّ المسلم معصوم الدم والمال، لا تُرفعُ عنه هذه العصمة إلاّ بإحدى ثلاث ؛ إذ يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((لا يَحلُّ دمُ امرىءٍ مسلم إلاّ بإحدى ثلاث: كَفَرَ بعدَ إسلامهِ، أو زَنَى بعد إحصانهِ، أو قَتَلَ نفساً بغير نفس “ الترمذي (2158)، وما عدا ذلك، فحرمة المسلم أعظم عند الله من حرمة الكعبة، بل من الدنيا أجمع . وفي ذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((والذي نفسي بيده لقتل مؤمن أعظم عند الله من زوال الدنيا “ النسائي 7/82.
قال ابن كثير عند تفسير قوله تعالى: ((وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً “ [ النساء: 93 ]: (يقول الله تعالى: ليس لمؤمنٍ أنْ يقتل أخاه بوجه من الوجوه، وكما ثبت في الصحيحين عن ابن مسعود: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يحلُ دم امرىء مسلم يشهد أنْ لا إله إلا الله وأني رسول الله، إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزاني، والتارك لدينه المفارق للجماعة “ ثم إذا وقع في شيء من هذه الثلاث فليس لأحد من آحاد الرعية أنْ يقتله، وإنَّما ذلك إلى الإمام أو نائبه) . وقال ابن كثير في تفسير نفس الآية: (وهذا تهديد شديد ووعيد أكيد لمن تعاطى هذا الذنب العظيم .
وفي رواية عن أنس رضي الله عنه: ((فإذا شهدوا أنْ لا إله إلاّ الله وأنَّ محمداً رسول الله واستقبلوا قبلتنا وأكلوا ذبيحتنا وصلوا صلاتنا فقد حُرّمتْ علينا دماؤهم وأموالهم إلاّ بحقها، لهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم “ البخاري 1/109
وعن أبي وائل، عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ سباب المسلم فسوق وقتاله كفر “.
وعلى المسلم أنْ يتأمل قول الله تعالى: ((فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ “ محمد: 22 .
ضمان حقوق الناس وحماية أعراضهم
ولقد رتّب الله سبحانه وتعالى العقوبات على من فعل مثل ذلك لصيانة الناس من التعرض لشرفهم وأعراضهم، ولصدهم عن الانحراف والرذيلة . فعن عائشة أم المؤمنين، رضي الله عنها، قالت بعد أن برأها الله سبحانه وتعالى من حادثة الإفك، وقد كانت تنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ينزل عليه الوحي:
“ ثم سرى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس وإنه ليتحدّر من وجهه مثل الجمات في يوم شات، فجعل يمسح العرق عن وجهه ويقول: أبشري يا عائشة، قد أنزل الله عز وجل براءتك . قالت قلت الحمد لله . ثم خرج إلى الناس فخطبهم، وتلا عليهم ما أنزل الله عز وجل: (لَوْلا إذْ سَمِعْتُمُـوهُ ظَنَّ المُؤْمِنُـونَ والمُؤْمِنَاتِ بِأنْفُسهم خَيْـرَاً، وقَالـوا هذا إفْكٌ مُبِيـن) سورة النور) آية 12 . ثم أمر بمسطح بن أثاثه، وحسان بن ثابت، وحمنة بنت جحش، وكانوا ممن أفصح بالفاحشة فضربوا حدهم “ .
وبذلك ضمن الإسلام حق الناس، وحماهم من كل معتد، وأقام الحدود، ورد المظالم، وحفظ البشرية وأمَّن الناس .
النهي عن القتل في السنة النبوية المطهرة
عن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ ليس من نفس تقتل ظلماً إلا كان على ابن آدم الأول كفل منها، لأنه أول من سن القتل “ .
متفق عليه.
وعن عبد الله بن عمر، رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “ لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما” . المستدرك في الصحيحين8094.
“ أخرج ابن ماجة والأصبهاني، عن أبي هريرة، رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أعان على قتل مؤمن ولو بشطر كلمة، لقي الله وهو مكتوب بين عينيه آيس من رحمة الله “ رواه الطبراني بإسناد جيد: “ من جرح ظهر مسلم بغير حق لقي الله وهو عليه غضبان “ .
روى الطبراني والبيهقي بإسناد حسن: “ لا يقفن أحدكم موقفاً يقتل فيه رجل ظلماً فإن اللعنة تنزل على من حضره حين لم يدفعوا عنه “ .رواه الطبراني
والله عز وجل لم يجعلْ عقوبةً بعد عقوبةِ الشرك بالله أشدَّ من عقوبة قتل المؤمن عمداً حيث يقول: ((وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً “ [ النساء: 93 ]، فعن سالم بن أبي الجعد عن ابن عباس أنَّ رجلاً أتاه فقال: أرأيتَ رجلاً قتل رجلاً متعمداً ؟ قال: جزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعدّ له عذاباً عظيماً، قال: أُنزِلتْ في آخر ما نزل، ما نسخها شيءٌ حتى قُبضَ رسولُ الله رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: أرأيتَ إنْ تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى ؟ قال: وأنى له التوبة، وقد سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ثكلتْهُ أُمُه رجلٌ قتلَ رجلاً متعمداً يجيء يومَ القيامة آخذاً قاتله بيمينه أو بيساره وآخذاً رأسه بيمينه أو شماله تشخبُ أوداجه دماً في قبل العرش يقول: يا رب سَلْ عبدك فيم قتلني ؟ “ وأحمد 1/240
وإن أول ما يُقضَى يوم القيامة بين العباد في الدماء ففي ذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((أولُ ما يُحاسَبُ به العبدُ الصلاةُ، وأولُ ما يُقضَى بينَ الناسِ الدماءُ “ البخاري 9/3 (6864). وكل الذنوب يُرجَى معها العفو والصفح إلاّ الشرك، ومظالم العباد . ولا رَيبَ أنَّ سَفْكَ دماء المسلمين وهَتْكَ حرماتهم لَمِنْ أعظم المظالم في حق العباد، فعن عقبة بن عامر رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ليس من عبد يلقَى اللهَ لا يشرك به شيئاً، ولم يتند بدم حرام إلاّ دخل من أي أبواب الجنة شاء “ (11) . ويقول الرسول الأعظم في حديث رواه البخاري في صحيحه : “ أبغض الناس إلى الله ثلاث: مُلْحِدٌ في الحَرَم، ومُبتغٍ في الإسلام سنة الجاهلية، ومطلب دم امرىء بغير حق ليهريق دمه “ . وعن جندب رضي الله عنه عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: “ من سَمّعَ سَمّعَ اللهُ به يوم القيامة، قال: ومن يشاقق يشقق الله عليه يوم القيامة، فقالوا: أوصنا . فقال: إنَّ أول ما ينتن من الإنسان بطنه فمن استطاعَ أنْ لا يأكل إلاّ طيباً فليفعل، ومن استطاع أنْ لا يحال بينه وبين الجنة ملء كف منْ دم أهراقه فليفعل “ رواه البخاري. وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: “ من قتل مؤمناً فاغتبط بقتله لم يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً “ أبو داود عقب 4270.
حال المسلم وقت الفتن
وقد روى البخاري ومسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “ ألا لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض “ .
قال أبو موسى الأشعري رضي الله عنه: “ إنَّ بعدكم فتناً , القاعد خير من الساعي، حتى ذكر الراكب، فكونوا فيها أحلاس بيوتكم “ أخرجه: نعيم بن حماد في الفتن (489).
وعن جندب رضي الله عنه قال: “ ستكون فتن، فعليكم بالأرض، وليكن أحدكم حلس بيته ؛ فإنه لا ينبجس لها أحدٌ إلاّ أَرْدَتْهُ “ أخرجه: نعيم بن حماد في الفتن (490).
وحينما اعتزل سعد بن مالك وعبدُ الله بن عمر رضي الله عنهم الفتنةَ قال علي رضي الله عنه: “ للهِ دَرُّ منـزلٍ نَزلَه سعد بن مالك وعبد الله بن عمر، واللهِ إنْ كان ذنباً إنه لصغير مغفور، ولئن كان حسناً إنه لعظيم مشكور “ أخرجه: الطبراني في الكبير(319).
وفي الصحيحين من حديث أبي بكرة نفيع بن الحارث رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار، قلت: يا رسول الله، هذا القاتل فما بال المقتول، قال: إنه كان حريصاً على قتل صاحبه “.
وفي الصحيحين أيضاً من حديث الأحنف بن قيس قال: ذهبتُ لأنصر هذا الرجل – يعني: علي بن أبي طالب – فلقيني أبو بكرة فقال: أين تريد ؟ قلت: أنصر هذا الرجل، قال: ارجع فإني سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “ إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار … “ ثم ذكر بقية الحديث . وفي رواية أخرى للبخاري عن الحسن قال: خرجتُ بسلاحي ليالي الفتنة فاستقبلني أبو بكرة فقال: أين تريد ؟ قلت: أريد نصرة ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ إذا تواجه المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار “، وفي رواية لمسلم : “ إذا المسلمان حمل أحدهما على أخيه السلاح فهما على جرف جهنم، فإذا قتل أحدهما صاحبه دخلا جميعاً “ وهذا كله إذا كان القتل غير مأذون به شرعاً، وقد قصّ الله علينا في كتابه العظيم خبر أول حادثة قتل وقعت في تاريخ البشرية حين قتل أحد ابني آدم أخاه قتله ظلماً وبغياً وحسداً فقال تعالى: “ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ “ المائدة: 27 ومع إن هذا القاتل قد هدّد أخاه بالقتل وأكد ذلك بقوله: “ لأَقْتُلَنَّكَ “ فقد تلطّف معه لعله أنْ يرجع عن عزمه، وأخبره أيضاً أنه لن يمد يده ليقتله مهما هدده، بل إنه حتى ولو باشر عملية القتل فسيكف يده أيضاً خوفاً من الله رب العالمين، فقال له: “ لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ “ المائدة: 28 ثم أخذ ينصح أخاه ويعظه لعله يرجع عما هَمَّ به، ومع كل هذا التلطف والنصح فلم ينفع ذلك أخاه، ولم يثنه عن عزمه على قتل أخيه . وكذلك الظلم والحقد والبغي والحسد كل ذلك يعمي القلب عن الحق، ويصم الأذن عن سماع الحق، فلا يزال القلب مُصِرّاً على المعصية والإثم والموبقة، والشيطان يدفعه إلى تلك المعصية، إلى أن يقع فيها وحينها يتبرأ منه الشيطان. قال تعالى: “ فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ “ [ المائدة: 30 ] ثم بعد ذلك ماذا حصل للقاتل ؟ ندم على ذلك الفعل الشنيع . وقد بيّن الله سبحانه في كتابه بعد أنْ ذكر قصة ابني آدم أنَّ جريمة القتل عظيمة، وأنَّ من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً، ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً يقول الله تعالى (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً) المائدة: 32. وهذا الحكم وإنْ كان ظاهره خاصاً ببني إسرائيل إلا إنه عام فينا وفيهم فقد سأل سليمانُ بنُ علي الحسنَ عن هذه الآية فقال: “ قلت للحسن: هذه الآية لنا يا أبا سعيد كما كانت لبني إسرائيل فقال: والذي لا إله غيره كما كانت لبني إسرائيل وما جعل دماء بني إسرائيل أكرم على الله من دماءنا) أخرجه: الطبري في “ تفسيره “ (9211).
إنَّ الله تبارك وتعالى قد نهى عن قتل النفس بغير الحق في كتابه الكريم، وأثنى عز وجل على الذين يجتنبون هذه الجريمة العظيمة، وقد توعّد سبحانه من يفعلها باللعنة والغضب والعذاب العظيم والخلود في نار جهنم فقال تعالى: “ وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً “ [ النساء: 93].
ولقد حذّر النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أمته أشد التحذير من هذه الجريمة فقال: “ سباب المسلم فسوقٌ وقتاله كفر “ أخرجه: البخاري 1/19 (48) وقال : “ لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض “ وبيّن أنَّ هذه الجريمة من السبع الموبقات المهلكات فقال :عليه الصلاة والسلام: “ اجتنبوا السبع الموبقات: الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات “ وقال أيضاً: “ أكبر الكبائر: الإشراك بالله وقتل النفس وعقوق الوالدين وقول الزور “. وروى النسائي من حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: “ من جاء يعبد الله ولا يشرك به شيئاً، ويقيم الصلاة، ويؤتي الزكاة، ويصوم رمضان، ويجتنب الكبائر كان له الجنة “ فسألوه عن الكبائر فقال: “ الإشراك بالله وقتل النفس المسلمة والفرار يوم الزحف“
وروي عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: “ من قتل مؤمناً فاغتبط بقتله (يعني سره ذلك وفرح به) لن يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً “.
وقاتل المسلم مهما فرَّ في هذه الدنيا، فإنَّه لن يفلت يوم القيامة، ولن يتركه المقتول يوم القيامة، فقد صحَّ عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: “ يجيء الرجل آخذاً بيد الرجل فيقول: يا رب هذا قتلني فيقول له: لما قتلته ؟ فيقول: لتكون العزة لك فيقول: فإنها لي، ويجيء الرجل آخذاً بيد الرجل فيقول: يا رب، إنَّ هذا قتلني فيقول الله: لما قتلته ؟ فيقول: لتكون العزة لفلان فيقول الله تعالى: “ إنها ليس لفلان فيبوء بإثمه” . وفي رواية للنسائي أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: “ يجيء المقتول بقاتله يوم القيامة فيقول: سَلْ هذا فيم قتلني ؟ “.
ولقد جاء القرآن بالوعيد الشديد لمن يقتل نفسه متعمداً ؛ ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: “ من تَردَّى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يَتردّى فيها خالداً مُخلَّداً فيها أبداً، ومن تَحسَّى سُماً فقتل نفسه فَسُمُّه في يده يتحسَّاهُ في نار جهنم خالداً مُخلّداً فيها أبداً، ومن قتلَ نفسَه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ بها في نار جهنم خالداً مُخلّداً فيها أبداً “ . وروى البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: “ والذي يخنق نفسه يخنقها في النار، والذي يطعن نفسه يطعن نفسه في النار، والذي يقتحم يقتحم في النار “ . وفي الصحيحين من حديث ثابت بن الضحاك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ من حلف على ملة غير الإسلام فهو كما قال، وليس على ابن آدم نذر فيما لا يملك ومن قتل نفسه بشيء في الدنيا عُذِّبَ به يوم القيامة، ومن لعن مؤمناً فهو كقتله، ومن قذف مؤمناً بكفر فهو كقتله “ . لفظ جامع الترمذي
وفي رواية لأبي داود عن أبي الدرداء رضي الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: “ لا يزال المؤمن مُعنقاً (والمعنق هو طويل العنق الذي له سوابق بالخير) ما لم يُصِبْ دماً حراماً …..”.
ونبينا الأكرم صلى الله عليه وسلم قد بيّن لنا فضل من خرج من الدنيا ولم يتلطخ بدم المسلم فقال: “ من لقي الله لا يشرك به شيئاً لم يتند بدم حرام دخل الجنة “ مختصر البخاري 85.
ولقد نهى النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أنْ يمر المسلم، ومعه السهام في أسواق المسلمين، أو في مساجد المسلمين، أو في أي مكان من أماكن تجمعهم، إلا أن يكون النصل مغطىً حتى لا يجرح به مسلماً، وهو لا يشعر . فقد صحَّ عنه صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: “ إذا مَرَّ أحدكم بمسجدنا أو في سوقنا، ومعه نبل فليمسك عن نصالها بكفه، لا يعقر مسلماً “ أخرجه: البخاري 1/122 (452) . ونهى النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه نهى عن الإشارة إلى المسلم بأي شيء يحتمل أنْ يقتله أو يجرحه، وأخبر أنّ من فعل ذلك فأنَّه ربما نال اللعنة والوعيد الشديد ؛ لذلك قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: “ لا يُشِرْ أحدُكم على أخيه بالسلاح ؛ فإنَّه لا يدري لعل الشيطان ينـزع يده فيقع في حفرة من النار “ أخرجه: البخاري 9/62 (7072).
وصحّ أنَّه صلى الله عليه وسلم قال: “ من أشار إلى أخيه بحديدة فإنَّ الملائكة تلعنه، وإنْ كان أخاه لأبيه وأمه “ أخرجه: مسلم 8/34 (2616). . والأمر يكون أشد خطورة عندما يتعلق بدماء المسلمين، ولذلك حذّر النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم من الدخول في الفتن، وما ذلك إلا لأن لا يقع المسلم في دماء المسلمين ؛ لخطورة الأمر وشدته، فالفتن مظنة لأنْ يكون هناك قاتل ومقتول، فالفتن إذا سعرت وابتدأت يصعب إطفاؤها . فنبينا صلوات الله وسلامه عليه قد حذّر أمته من الفتن، وبيّن أنَّها ستحدث وستكون في هذه الأمة فقد صحّ أنه صلى الله عليه وسلم قال: “ ستكون فتن القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي من تَشرّف لها تستشرفه، ومن وجد فيها ملجئاً أو معاذاً فليعذ به “ أخرجه: البخاري 4/241 (3601) هكذا بيّن لنا النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أنَّ المخلَص من الفتن أنْ يهرب منها المسلم قدر الاستطاعة .
وأخبر النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أنه ستأتي فتن في آخر الزمان يكثر فيها القتل وتكثر فيها الفتن حتى أنه من شدة الفتن يمر الرجل على القبر ويتمرّغ عليه ويقول: يا ليتني صاحب هذا القبر، من شدة ما يرى من الفتن والأمور العظيمة ؛ ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: “ لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بالقبر فيقول: يا ليتني مكانه “ وقال أيضاً: “ والذي نفسي بيده ليأتينَّ على الناس زمانٌ لا يدري القاتلُ في أيِّ شيءٍ قَتَلَ، ولا يدري المقتولُ على أيِّ شيءٍ قُتِلَ “ أخرجه: مسلم 8/183 (2908) وفي رواية لمسلم: “ والذي نفسي بيده لا تذهب الدنيا حتى يأتي على الناس يومٌ، لا يدري القاتل فيم قَتَلَ ولا المقتول فيم قُتِلَ، فقيل: كيف يكون ذلك ؟ قال: الهرج القاتل والمقتول في النار “ أخرجه: مسلم 8/183
(2908). ونبينا صلى الله عليه وسلم حينما يذكر ذلك إنما يذكره ليحذرنا من أن نكون من أولئك أو من أن نشارك في سفك تلك الدماء أو أن نتلطخ فيها، أو أن نلقى الله بها، وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة أن النبي o قال: “ يَتقاربُ الزمانُ ويُقبَضُ العلمُ ويُلقَى الشحُّ ويَكثرُ الهرجُ، فقيل: وما الهرجُ ؟ قال: القتل “ وقال أيضاً: “ إنَّ بين يدي الساعة لهرجاً “، قال: قلت: يا رسول الله ما الهرج ؟ قال: “ القتل “، فقال بعض المسلمين: يا رسول الله، إنا نقتل الآن في العام الواحد من المشركين كذا وكذا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ ليس بقتل المشركين، ولكن يقتل بعضكم بعضاً، حتى يقتل الرجل جاره وابن عمه وذا قرابته “ فقال بعض القوم: يا رسول الله، ومعنا عقولنا ذلك اليوم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ لا، تنـزع عقول أكثر ذلك الزمان ويخلف له هباء من الناس لا عقول لهم “ أخرجه: ابن ماجه (3959) . فعلى المسلم أن يبتعد عن الفتن كل الابتعاد ؛ لأنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أرشد أمته إذا أدركوا الفتن أو أحسوا بالفتن أنْ يبتعدوا عنها كل الابتعاد، وأنْ يهربوا منها كل الهرب ؛ لأنَّ الفرار من الفتنة من الدين ؛ لذا بوّب البخاري في صحيحة: باب من الدين الفرار من الفتن صحيح البخاري 1/11.
هذا وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .