منهجيّة تعامل أهل البيت (عليهم لسلام) مع أبناء المذاهب الإسلاميّة

منهجيّة تعامل أهل البيت (عليهم لسلام)  مع أبناء المذاهب الإسلاميّة

  

منهجيّة تعامل أهل البيت (عليهم لسلام)

مع أبناء المذاهب الإسلاميّة

 

محسن مدني نجاد[1]

راضية لوني[2]

محمد مدني نجاد[3]

 

الخلاصة

   اليوم طريقة تعامل البعض مع البعض الآخر أصبحت تدرس کتخصّص في الجامعات، لأنّ النّاطقية هي فصل الإنسان والنّاطقية هي کيفية التّعامل مع الآخرين. نحن في هذه المقالة نتعرّف علي هذه الميزة الّتي يمتاز بها البشر عن غيره لکن في إطار محدّد علميّ، بالإستفادة من المصادر الأساسية في السيرة والروايات ومنهجية شاملة عبر التحقيق في الکلمات والسّيرة الذّاتية لأئمة أهل البيت (عليهم السلام) لنعرف وظيفتنا تجاه الآخرين من أبناء المذاهب الإسلامية عندما نريد أن نتعامل معهم. نحن عرفنا عندما نواجه مسلما آخر الّذي هوغير شيعيّ علينا أن نلتفت إلي أنه سيرة الأئمة (عليهم السلام) ذات بعدين أساسييّن: أحدهما التّعامل معهم في الأصول والعقائد الهامّة في الدّين، والسيرة هنا لا تذکر أي إغماض وتساهل من قبلهم (عليهم السلام) يعني أنّهم (عليهم السلام) کانوا حسّاسين بالنّسبة إلي ايجاد البدع والإنحرافات في دين الله ويعملون طبقا للدّستورات الإلهية ويبلّغونها کما هي. لکنّهم رغم هذا التّشدّد کانوا يحترمون کلّ الأشخاص ولم يؤذوا أحدا بکلماتهم. أنهم (عليهم السلام) مع مراعاة کامل الإحترام لم يکونا يتنازلان عن الحقيقة. أنّهم کانوا في مراعاة «حق الله» في غاية الشّدّة والدّقّة لکن سيرتهما في التّعايش وفي حقوقهم الشّخصية کانت تختلف تماما فإنّهم کانوا يتساهلون ويتنازلون عن حقّهم الشّخصي للوصول إلي رضي الله کما أشرنا إلي هذه النقاط أكثر من مرّة.

 

الكلمات المفتاحية: المنهجية - التّعامل – غير الشيعة – أئمّة أهل البيت (عليهم السلام)

يقول الإسلام إنّ النّاس سواسية كأسنان المشط خلقوا من أب وأم ولا فضل لأحد على أحد إلاّ بالتّقوى: قال تعالى: «يا أَيُّهَا النّاسُ إِنّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وأُنْثى‏ وجَعَلْناكُمْ شُعُوبًا وقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللّهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللّهَ عَليمٌ خَبيرٌ». [4] فالإسلام دين السلم والسلام - وهوجوهر كل دين الهي- هذا الدين يدعوأبنائه بل كل الإلهيين إلى توحيد الله تبارك وتعالى وإلى توحيد الصفوف ليقفوا صفاً واحداً كالبنيان المرصوص أمام غلواء المستكبرين ودفاعا عن المستضعفين. الإسلام بالمفهوم اللّغوي هوالسّلام والسّلامة. وهو التّعري من الآفات الظّاهرة والباطنة؛ «السلام، والسلم، والسِلمُ»: الصلح، و«السَلامُ»: ضد الحرب و«السُّلَّم»: ما يتوصّل به إلى المكان العالي حيث تُرجى السّلامة. [5]

   السّلام هوتحية الإسلام وشعاره دائما وفي جميع الأحوال، السلام ينطلق من مفهوم الإسلام لأنه حين يلتقي ويفترق مسلما يُحيي أحدهما الآخر بتحية السلام ليعلن أن الإلتقاء والإفتراق كانا عن صُلح وسلامة وصفاء قلب، ويُعد هذا في نفس الوقت شعارا إسلاميا.[6] حتي بالنسبة إلي من يسوء إليهم هم مکلفون بردهم بالسلام وهذا لأنهم يتحلون بالأدب والخلق الكريم تجاه الجاهلين واللّاغين: «وإِذا سَمِعُوا اللَّغْوأَعْرَضُوا عَنْهُ وقالُوا لَنا أَعْمالُنا ولَكُمْ أَعْمالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجاهِلينَ‏»[7] ؛ «وعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذينَ يَمْشُونَ عَلَى اْلأَرْضِ هَوْنًا وإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلامًا» [8] وهذا النوع من التعامل الإيجابي والحسن مع الآخرين سوف يصنع مجتمعا ايجابيا وسالما.

   والأمة الإسلامية أمة واحدة، وإن اختلفت شعوبا وقبائل وتباينت لسانا وألوانا، لأنّ الإسلام الحنيف ربط بين المسلمين برباط الأخوة الدينية التي تزول معها جميع الفوارق وببرکة دعوة الرّسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إلى الأخوة الدينية جعلت المجتمع الإسلامي وحدة مؤتلفة، لأن لديهم أمور وقواسم مشترکة مثل: وحدة الأصل الإنساني، وحدة العقيدة، وحدة مصدر التشريع، وحدة العبادات والقيم، وحدة المبادئ والأخلاق، وحدة الأهداف والغايات والمصير ووحدة الرسالة والأعراف.

   إنّ رابطة العقيدة (لا إله إلا الله) هي الأساس الّذي يجب على المسلمين أن يتّخذوه قاعدة للمؤاخاة بينهم لأنّها هي الّتي تربط بين أفراد المجتمع حتّى يصير بقوّة هذه الرّابطة جميع المجتمع الإسلاميّ كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسّهر والحمّى، وهذا المعني جاء في حديث النّعمان بن بشير عن النّبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «مَثَلُ المُؤمِنينَ في تَراحُمِهِم وتَعاطُفِهِم وتَوادِّهِم كَمَثَلِ الجَسَدِ الواحِدِ إِذَا اشتَكى مِنهُ عُضو تَداعى لَهُ سائِرُ الجَسَدِ بِالسَّهَرِ والحُمّى» [9]

   لکثرة أهمية رابطة الأخوة في الإسلام نري کثيرا ما في القرآن الکريم إطلاق النفس وإرادة الأخ: «وإِذْ أَخَذْنا ميثاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ ولا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ‏» [10] أي لا تخرجوا إخوانكم. [11] وأيضا ثبت في الصّحيح عن النّبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «لا يؤمن أحدكم حتّى يحبّ لأخيه ما يحبّ لنفسه» [12]

   وکذلک جاء في حديث أبي أيّوب الأنصاريّ أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال: «لا يَحِلُ لِرَجُلٍ أَن يَهجُرَ أَخاهُ فَوقَ ثَلاثِ لَيالٍ، يَلتَقيانِ فَيعرضُ هذا، ويعرضُ هذا، وخَيرُهُم الَذي يَبدَأُ بِالسَلامِ» [13] لأهمّية هذه الظّاهرة نري الإمام الشّافعي يقول: «لا أُکَفِّرُ أَحَداً مِن أَهلِ القِبلَةِ بِذَنبٍ» [14] وقال أبوالحسن الأشعري إمام أکثر أهل السنة في الأصول الإسلامية: «إشهَدُوا عَلي أَنَّني لا أُکفِّرُ أَحَداً مِن أَهلِ القِبلَة بِذَنبٍ، لِأَنَهُم کُلُهُم يشيرونَ إِلي مَعبودٍ واحِدٍ والإِسلامُ يشمِلُهُم ويعُمُّهُم.» [15]

الرّوايات المشتركة في اللّفظ والمضمون كثيرة جدا بين أهل السّنة والشّيعة في هذا الموضوع. وهذه الرّوايات المشتركة إضافة إلى القرآن الكريم تستطيع أن تكون معيارا لأعمالنا. وأما غير المشتركة فنعرضها على القرآن فما وافق القرآن أخذنا به وما خالفه اعرضنا عنه. وهذا ما أمر به الإمام الصادق (عليه السلام) أتباعه في ما يصلهم عنه من الأحاديث، كما أنه يمكننا أن نعرضها على الروايات المشتركة فتكون هذه هي الأخرى بعد القرآن مرجعاً لنا جميعا في غير المشتركات وفيما اختلفت الأمة. [16]

والأئمة (عليه السلام) کانوا يؤکدون علي المسلمين بأنّ عليهم أن لا يثيروا الکلام عن الإختلافات الّتي وقعت بين قادة المسلمين قبل أربعة عشر قرنا، ناهيک عن الإختلافات التي حصلت بعده. [17] إذن علي المسلمين أن لا يلقوا بالا إلي من يخالفهم في معتقداتهم الخاصّة وأن لا تغلبهم الحسّاسيات؛ ولابدّ لکلّ مسلم أن يعترف بأنّ الآخرين أناس مثله ولهم مثل ما له من الأفکار ورؤي وهم أحرار في اختيار مذهبهم مثله. کما أنّه اختار مذهبا حسب أدلّته الصّحيحة المسلم بها عنده، فإنّ الآخرين کذلک يعتقدون بأنّ مذاهبهم تؤيدها الأدلّة القطعية. هذا الأمر وهذا النّحو من التعامل كذلك مؤيد من قبل العلماء من الطّراز الأول والنّخب في کلّ المذاهب الإسلامية.

روايات المعصومين (عليهم السلام):

ألف : کلمات وسيرة النّبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم)

  تطبيقا لقول النّبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «إذا ظَهَرَت البدَعُ في أُمتَي فَليظهَرِ العالِمُ عِلمَهُ، فَمَن لَم يفعَل فَعَليهِ لَعنَةُ الله»[18] علينا أن نقوم بدراسة مثل هذه القضايا المهمة. قد ذهب البعض حول هذه الرّواية إلي أنّه: «ثلاث لايغلّ عليهنّ قلب المسلم: إخلاص العمل لله، ومناصحة ولاة الأمر، ولزوم جماعة المسلمين، فإنّ دعوتهم تحيط من وراءهم» ويقول حول هذه الأمور الثّلاثة:

وأولهنّ: أن يكون عمله خالصا لوجه الله تعالى، وليس لغرض شخصيّ أومطمح دنيويّ. وثانيهنّ: أن يناصح ولاة الأمور بما يراه من خلل أوانحراف، كذلك لوجه الله لا ليصيب منهم، أويظهر تفوّقه عليهم. وثالثهن: أن يلزم جماعة المسلمين ولا يفرّقها ولايشقّ عصا وحدتها، فإذا تجرّد القلب من مناقضات هذه الثّلاثة يكون قد تطهّر من معوّقات الحياة الإجتماعيّة، لأنّ عوامل الأثرة والأنانيّة أساس كل بلاء وشرّ.» [19]

   وبهذا تؤتي الدّعوة إلى التّضامن الإسلاميّ والأخوّة الإسلاميّة ثمرتها في البلاد الإسلاميّة كلّها، وتؤلّف بين قلوب الشّعوب الإسلاميّة، وتصل ما انقطع بينهم من روابط، ويشبك ما انفصل لديهم من وشائج. ومن ناحية أخرى، فإنّ من مسؤوليّات الأُمّة اليوم تلمّس جميع السّبل والوسائل الكفيلة بتحقيق الوحدة الإسلاميّة، وجمع كلمة المسلمين.

  ولاشكّ أنّ من هذه الوسائل، التّقريب بين المذاهب الإسلاميّة. هذه المذاهب الّتي اتّخذها أعداء الإسلام ثغرة ينفّذون منها للتّفريق بين الأُمّة، كما أنّ بعض المسلمين ضعاف النّفوس أوقصيري النّظر ينقادون وراء هؤلاء الأعداء جريا وراء مصلحتهم الخاصّة أوجهلا منهم بخطورة ذلك، ضاربين بتصرّفهم هذا عرض الحائط المصلحة العامّة والعليا للأمة. [20]

   وقال النبّي (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «تَرى المُؤمنينَ في تَوادِّهم وتَراحُمِهِم وتَعاطُفِهِم كَمَثَل الجَسَدِ الواحِدِ إذا اشتَكى مِنهُ عُضو تَداعَى لَهُ سائِرُ الجَسَدِ بِالسَّهَرِ والحُمّى»[21]وقال (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في حجّة الوداع: «أَيُّهَا النّاس، إنَّما المُؤمِنونَ إخوَةٌ، فَلا يَحِلُّ لامرئ مُسلِم مالُ أخيهِ إلّا عَن طيبِ نَفسٍ مِنه، أَلا هَل بَلّغتُ؟ اَللّهمَّ فَاشهَد» [22]

إنّ رسول الله قال: «لا أزالُ أُقاتلُ الناسَ حَتي يقُولُوا لا إلهَ إلا الله فإذا قالُوا فَقَد عَصَموا منّي دمائَهم وأَموالَهم إلّا بحَقِّها وحِسابهم عَلَيهِم.» [23] وروي عن عمر بن الخطاب: «إِنَّ عَلياَ صَرَخَ يا رَسول الله: عَلي ماذا أُقاتِل؟ فَقالَ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «قاتِلهُم حَتي يشهَدُوا أَن لا إلهَ إلا الله وأَنَّ مُحَمَّدا رَسولُ الله فَإِذا فَعَلُوا ذلِکَ فَقَد مَنَعُوا مِنکَ دِمائَهُم وأَموالهُم إلّا بِحَقِّها وحِسابهم عَلَي الله.» [24]

وقال (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «لا يؤمِنُ أَحَدُکم حَتي يحِبَّ لِأَخيهِ ما يحِبُّ لِنَفسِه.» [25] وقال (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «المُؤمِنُ أخُ المُؤمِنُ مِن حَيث يغيب يحفَظُه مَن وَرائه ويکفُّ عَلَيه ضَيعَته والمُؤمِنُ مِرآةُ المُؤمِن.» [26] کذلک جاء «المُسلِمُ أَخُ المُسلِم لا يظلِمُه ولا يسلمه» [27]  وجاء «المُؤمِنُ لِلمُؤمِنِ کَالبُنيانِ المَرصوصِ يشُدُّ بَعضُهُ بَعضاً» [28]

وقال (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «مَن سَمعَ رَجلا ينادي يا لَلمُسلمينَ فَلَم يجِبهُ فَلَيسَ بِمُسلِم.» [29] وقال (صلّى الله عليه وآله وسلّم) کذلک: «مَن أَصبَحَ لا يهتَمُّ بأُمُور المُسلمين فَلَيسَ بمُسلمٍ.» [30] وقال (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «مَن فارَقَ الجَماعَةَ شِبراً فَميتةٌ جاهِليةٌ.»[31] وقال (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «أَلا أُخبرِکُم بِأَفضَل مِن دَرَجَةِ الصَّلاةِ والصَّيامِ والصَّدَقَةِ؟ قالُوا: بَلي. قالَ: إصلاحُ ذاتِ البَين، وفَسادُ ذاتِ البَين هي الحالِقَةُ. [32]

وخطبة الرّسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في مني عام حجّة الوداع مشهور: «إِنَ دِمائَکُم وأموالَکُم عَلَيکُم حَرامٌ کَحُرمَةِ يومِکُم هذا في شَهرِکُم هذا في بَلَدِکُم هذا إِلي يومِ القِيامَةِ. ألا هَل بَلَّغتُ؟» روي مسلم في الصّحيح عن أسامة بن زيد أنّه قال: بعثنا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في سرية فأدرکت رجلا فقال لا إله إلا الله فطعنته فوقع في نفسي من ذلک. فذکرته للنّبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): أقال لا اله الا الله وقَتَلتَه؟ قلت يا رَسول الله إنَما قالَها خَوفاً منَ السّلاح. فما زالَ يکررها عَلي حَتي تَمَنَيت أَنّي أَسلمت يومَئذ.»

حرمة المسلم أعظم من حرمة الکعبة : «يقُولُ عبدُالله بن عُمر: رَأَيتُ رَسُول الله يطوُف بالکَعبَة وَيقُول ما أَطيبَکَ وأَطيبَ ريحَکَ. ما أعظَمَکَ وَأَعظَمَ حرمتَکَ. وَالَّذي نفسُ مُحمَد بيده لَحُرمةُ المُؤمن أَعظمُ عندَالله حُرمَةً منکَ» [33]

کما قال الرّسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «يدُ اللهِ عَلَي الجَماعَةِ فَإِذا اشتَدَّ الشّاذُ اختَطَفَتهُ الشَيطانُ کَما يختَطِفُ الذِّئبُ الشّاةَ الشّاذَةَ عَنِ الغَنَمِ.» [34]

وأما من سيرته (صلّى الله عليه وآله وسلّم):

   أمر رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) الزّبير أن يدخل مكّة من أعلاها فيغرز رايته بالحجون وأمر خالد بن الوليد أن يدخل من أسفل مكة ونهى عن القتال إلا لمن قاتلهم ودخل هو (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من أعلى مكة وكانت الراية مع سعد بن عبادة قال المفيد: لما أمر رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) سعد بن عبادة بدخول مكة بالرّاية غلظ على القوم وأظهر ما في نفسه من الحنق عليهم ودخل وهو يقول:

اليومَ يومُ المَلحَمَة

 

 اليومَ تُسبَى الحُرمَة

    فسمعها العبّاس فقال للنّبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أما تسمع يا رسول الله ما يقول سعد وإني لا آمن أن يكون له في قريش صولة فقال النّبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لعلي أدرك سعدا فخذ الرّاية منه وكن أنت الّذي تدخل بها مكّة فأدركه عليٌّ (عليه السَلام) فأخذها منه ولم يمتنع سعد من دفعها اليه وذكر الطّبريّ أنّ سعدا قال حين وجّه داخلا إلى مكّة:

اليومَ يومُ المَلحَمَة

 

 اليومَ تُسبَى الحُرمَة

  فسمعها رجل من المهاجرين فقال يا رسول الله اسمع ما قال سعد بن عبادة وما نأمن أن تكون له في قريش صولة، فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لعليّ بن أبي طالب أدركه فخذ الرّاية فكن أنت الّذي تدخل بها. وحسب الذّکر الحکيم: «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ واتَّقُوا اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ‏» [35] يشير الله تعالي إلي الأخوة العامّة حيث حصر تعالى الأخوّة بين المؤمنين فقط، مما يعني نفيها عن غيرهم وقطع الموالاة بينهم وبين الكافرين لقوله تعالى: «يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آباءَكُمْ وإِخْوانَكُمْ أَوْلِياءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى اْلإيمانِ ومَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ‏» [36]

   والنبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) حسب الأمر الإلهي أجري الأخوّة الخاصّة وهي الّتي يعتقدها مسلم فرداً كان أوجماعة مع أخ له في الإسلام في ظروف خاصة، وفي مكان معين. ومؤاخاته (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بين المسلمين بعد الهجرة النبوية الشريفة کان من هذا النوع.

   إن من يتتبع أحداث السيرة النبوية بعد الهجرة المباركة من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة ويدرس الجهود الموفقة التي بذلها النّبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في الإصلاح والتأسيس والبناء للمجتمع المسلم والدولة الإسلامية، يجد أن أهم خطوة قام بها وأبرز جهود بذلها (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بعد بناء مسجده الشريف، هي موادعة اليهود بالمدينة [37] والمؤاخاة بين المسلمين يعني المهاجرين والأنصار.

   لقد وضع النّبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ميثاقا للمسلمين يتضمّن هذا الميثاق موادعة اليهود بالمدينة في غاية من الدّقّة وحسن السّياسة فألّف بين سكّان المدينة من الأنصار والمهاجرين وجيرانهم من طوائف اليهود وربط بينهم فأصبحوا به كتلة واحدة يستطيعون أن يقفوا في وجه كلّ من يريد أهل المدينة بسوء وهذا يعَدّ من مصاديق التّعامل الحسن أيضا.

   ثم آخى (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بين المسلمين: المهاجرين والأنصار. هذا يدلّ بحقّ على الرّشد والكمال النّبويّ والنّضج السّياسيّ والحكمة المحمّديّة إذ أنّ هذه المؤاخاة قد تمّت في ظروف كان المهاجرون فيها أحوج ما يكونون إلى ما يخفّف عنهم آلام الغربة والفاقة والفرقة إذ تركوا ديارهم وأموالهم وأهليهم:[38]

   «لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرينَ الَّذينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وأَمْوالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللّهِ ورِضْوانًا ويَنْصُرُونَ اللّهَ ورَسُولَهُ أُولئِكَ هُمُ الصّادِقُونَ» «والَّذينَ تَبَوَّؤُا الدّارَ واْلإيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ ولا يَجِدُونَ في صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمّا أُوتُوا ويُؤْثِرُونَ عَلى‏ أَنْفُسِهِمْ ولَوكانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ ومَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ» «والَّذينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا ولإِخْوانِنَا الَّذينَ سَبَقُونا بِاْلإيمانِ ولا تَجْعَلْ في قُلُوبِنا غِلاًّ لِلَّذينَ آمَنُوا رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحيمٌ» [39]

   علينا أن نتعلّم الإخاء من المسلمين الأوائل، الإخاء الذي انمحت فيه كلمة «أنا» يتحرّك الفرد فيه بروح الجماعة ومصلحتها وآمالها فلا يرى لنفسه كياناً دونها ولا امتداداً إلّا فيها وفي مثل هذا الإخاء تذوب عصبيّات الجاهليّة فما بقيت حميّة إلّا للإسلام وسقط النّسب واللّون والوطن. فلا يتأخّر أحد أو يتقدّم إلّا بمروءته وتقواه: «يا أَيُّهَا النّاسُ إِنّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وأُنْثى‏ وجَعَلْناكُمْ شُعُوبًا وقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللّهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللّهَ عَليمٌ خَبيرٌ.» [40]

   هكذا كانت هذه الأخوة بين المسلمين يتوارثون بها في ظروف الحاجة ولما وسع الله تعالى على المسلمين نسخ التّوارث بها وأقرّ المودّة والحبّ بينهم: «النّبيّ أَوْلى‏ بِالْمُؤْمِنينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ وأُولُوا اْلأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى‏ بِبَعْضٍ في كِتابِ اللّهِ مِنَ الْمُؤْمِنينَ والْمُهاجِرينَ إِلاّ أَنْ تَفْعَلُوا إِلى‏ أَوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفًا كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ مَسْطُورًا» [41]

   بهذا يعلم أن الإسلام دعا إلى الأخوّة والتّضامن بين المسلمين نظريّا وطَبَّقَها عمليّا. الإسلام نهى عن كلّ ما من شأنه أن يُعَكِّر صفو هذه الأخوّة أو يُدنّس هذا التَّضامن بإيذاء وتباغض وتقاطع وحسد وتجسُّس أوسوء ظنّ واحتقار أوإظهار شماتة وطعن في الأنساب أواعتداد بالأحساب، أوغش وخداع في المعاملة أوغدر وافتخار أوبغي أوغير ذلك مما يتعارض روح هذه الأخوّة الإيمانيّة. کما جاء في الحديث الشريف: «إيّاكُم وَالظَّنَّ فإنّ الظَّنَّ أكذَبُ الحَديثِ ولا تَجَسَّسوا ولا تَحَسَّسوا ولا تَنافَسُوا ولا تَحاسَدُوا ولا تَباغَضُوا ولا تَدابَرُوا وكُونُوا عبادَ الله إخواناً كما أَمَركم اللهُ، المسلمُ أخُو المسلم، لا يظلمُهُ ولا يخذُلُهُ ولا يحقرُهُ، التَّقوى ههُنا - ويشير إلى صدره - بحسب امرئ من الشَّرِّ أن يَحقُرَ أخاهُ المسلمَ، كلُّ المسلِمِ على المسلِمِ حَرامٌ: دَمُهُ وَعِرضُهُ وَمالُهُ».[42]

  إذا كانت في العصر النبوي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ظروف الحاجة والضّرورة هي الّتي دعت النّبيّ الحكيم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إلى عقد مثل هذه المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار والموادعة بينهم وبين جيرانهم من طوائف اليهود في المدينة أفلا نكون نحن المسلمين في هذا العصر الذي تداعت فيه الأكلة الشرسة على قصعة الإسلام للقضاء عليه، أحوج إلى الأخوّة والتّضامن بيننا؟!

علي أي حال علي رغم کلّ التّفاوتات الموجودة بين المسلمين على اختلاف مذاهبهم وطوائفهم فكانت الدّعوة إلى جعل المصلحة الإسلاميّة العليا ووحدة المسلمين حاكمة على الأفكار والعواطف والممارسات وكانوا يوجّهون أنصارهم نحو الآفاق العليا المشتركة والتّعالي على الأطراف الضيّقة والتّعامل مع الفواصل في حدودها الجزئيّة الّتي لا تمنع من اللّقاء والإجتماع وقد شهد لهم القاصي والدّاني بالإخلاص والنّصيحة للدّين وللدّولة وللمسلمين. وأمّا حديث أهل البيت (عليهم السلام) وسيرتهم تعبّر عن حالة الإنفتاح والتّعايش المذهبيّ الإيجابيّ السّليم مع کلّ الإتجّاهات والمذاهب الإسلامية. فلنقرأ بعضها کي لا ننسى القيم الّتي حثَّ عليها عترة خيرة ربّ العالمين.

 

وأما ما روي عن المعصومين (عليهم السلام) 

لم تكن حركة أهل البيت (عليهم السلام) التّربويّة والإجتماعيّة حركةً عاديةً كسائر الحركات الّتي لاتكاد تتّقد حتّى تجد طريقها إلى الإنطفاء، بل كان لها أثر معنويّ عميق امتدّ إلى جميع جوانب حياة الأمة، وأوجد المناخ اللّازم لخلق المسلم المثقّف الواعي، وبناء مجتمع تتوفّر فيه كلّ مرتكزات التطوّر والرّقيّ.

  وهذا لم يكن ليجد طريقه إلى النجاح لولا وجود الأئمة المهديّين من أهل البيت (عليهم السلام) الّذين استوعبوا حالات الأمّة، والظّروف المتلاحقة الّتي كانت تحيط بها، فجعلوا يضخّون الأمّة بعوامل القوّة والأصالة من العلم والمعرفة والحكمة والأخلاق، وتعزيز قيم الوحدة والتّقريب كثقافة يوميّة فوق كلّ الثّقافات المحليّة والمستوردة والمبتدعة.

كما قاموا في الوقت نفسه بحماية التّراث الإسلاميّ الّذي خلّفه لهم جدّهم النّبيّ الأعظم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من كلّ عوامل التّحريف والتّغيير، وبيان الأصيل منه وتمييزه عن الزّائف بالخطب والكلام تارة، وبالكتابة أخرى. ومن هنا فقد شكّل أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) وسيلةً إعلاميّة نشطة في مجال نشر الحقيقة والتّسويق للثّقافة الإسلاميّة الأصيلة، ودعامة صلبة قامت عليها أسس الإبداع والخلاقيّة في الحياة على جميع الأصعدة.

ب : کلمات وسيرة عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)

   يعتبر أمير المؤمنين (عليه السّلام) الأوّل في هذا الميدان، باعتماده أساليب متعدّدة ومثيرة في سبيل تحقيق الغرض المطلوب. ففي صدر الدّعوة وإبّان حياة الرّسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ساهم بصورة فعّالة في نشر الدّعوة بصور مختلفة، سواء كان بالعمل الميدانيّ أوغير ذلك، ومارس الأسفار بأمر النّبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) للتّبليغ والإرشاد تارة، ولشنّ الحملات العسكريّة تارة ثانية.

    ولا شكّ أنّ الحكمة التي تمتّع بها الإمام علي (عليه السلام) ونظرته الثّاقبة قد ألهمته الخبرة الكافية في تأسيس حركة واعية تنشد تغيير النّاس نحوالأفضل وتهيئة رجال لائقين يمتلكون القدرة الكافية على قيادة الأمّة على جميع الأصعدة على طول الأجيال المتلاحقة.

     قد وجد الإمام علي (عليه السلام) الفرصة مؤاتية لطرح الثّقافة الأصيلة الّتي تبنّى تأسيسها النّبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وتعزيز القدرات المتاحة من خلال المنبر الحكوميّ والوسائل الإعلاميّة المتاحة آنذاك لبناء المجتمع المنشود القائم على أساس الفضيلة والعدل وقيم القرآن الأصيلة، والقيمة الأصلية يعني الوحدة بين صحابة النّبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وبين أبناء المجتمع الإسلاميّ.[43]

   من المسلّم به أنّ النّسبة العظيمة من علماء المسلمين ومحقّقيهم قد أطبقوا على وجود مثل كتاب صحيفة علي (عليه السلام) –وليس المراد من الصحيفة قرآنا أو وحيا آخر-، ونسبته إلى أمير المؤمنين (عليه السلام)، وما أبرزه فيه من ثقافة وتوعية هادفة للأمّة. فهناك مساحة مشتركة واسعة بين مذاهب المسلمين على اختلاف مشاربهم ومذاهبهم الفقهيّة أوالحديثيّة أوالكلاميّة. فهذه الصّحيفة تمتاز بأمور تقريبيّة تنفع المسلمين قاطبةً ولا تخصّ الشّيعة دون غيرهم.

ومن الواضح أن النّبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) شجّع الأمّة على العلم والتعلّم ونشر المعرفة والثّقافة بين النّاس وضرورة الإهتمام بكلّ ما من شأنه أن يبيد ظلام الجهل والأمّيّة.[44] ويقول أمير المؤمنين (عليه السلام) في نهج البلاغة الشّريفة: «وفَضلُ حُرمَةِ المسلِمِ عَلَي الحَرَمِ کُلِّها وشَدَّ باِلإِخلاصِ والتَوحيدِ وَ... والمسلِمُ مَن سَلِمَ المسلِمُونَ مِن لِسانِهِ ويدِهِ إِلّا بِالحَقِّ ... .» [45] 

والإمام علي (عليه السلام) هکذا يعرِّف الإسلام: «لِأَنَهُ اسمُ سَلامَةٍ وجِماعُ کِرامَةٍ» [46] کذلک يشير الإمام (عليه السلام) إلي نتائج بذرة الوحدة الّتي غرسها النّبي الخاتم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ويقول: «إِنَ الأَسوَدَ والأَبيضَ والعَرَبي والأَعجَمِي، والفَقيرَ والغَني، والشَريفَ والوَضيعَ، هُم مِن أَبٍ وأُمٍ واحِدَةٍ، وأَن لا فَضلَ لِأَحَدِهِم عَلَي الآخَرِ إلا بِالتَقوي والعلِمِ والجِهادِ، وهذا ما لا يکوُنُ إِلا بِبَذلِ الجُهدِ وبِالصَبرِ، لا بِالمالِ والثَّروَةِ والعُنصُرِ واللَّونِ والحَسَبِ والنَّسَبِ مِمّا يکوُنُ بِالمصادِفَةِ ومِن بابِ الحَظِّ»[47] ويقول (عليه السلام) في معرض ذکر فضائل النّبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «صُرِفَت نَحوَه أَفئدَةُ الأَبرار، وثُنِيت إِليهِ أَزمَةُ الأَبصار، دَفَنَ اللهُ بِهِ الضَّغائنَ واَطفأَ بِهِ الثَّوائرَ وأَلَّفَ به إخواناً.»

ثم يشير (عليه السلام) إلي أهمّ عامل في عزّة الأمم السّابقة وهو الوحدة ويشير إلي أهمّ عامل لذلِّهم وهو الفرقة: «...واحذَروا ما نَزَلَ بِالأمَمِ قَبلَکم مِنَ المثلاتِ بِسوء الأَفعالِ وذَميمِ الأَعمالِ فَتَذَکَّروا فِي الخَيرِ والشَرِّ اَحوالَهم واحذَروا أَن تَکونوا اَمثالَهم. فاذا تَفَکَرتم في تَفاوتِ حالَيهِم فَالزِموا کلَ اَمرٍ لَزِمَت العِزَّة بِهِ شاَنهم وزاحَت الأَعداءُ لَهُ عَنهُم ومدَّتِ العافِية بِهِ عَلَيهِم وانقادَت النِّعمَة لَهُ مَعَهُم ووَصَلَت عَلَيه حَبلهم مِنَ الإِجتِنابِ لِلفرقَة واللُّزوم لِلاُلفَة والتَّحاضِ عَلَيها والتَّواصِي بِها واجتَنِبُوا کُلَّ اَمرٍ کَسَرَ فِقرَتهَم واوهَ منتَهم مِن تَضَغُّنِ القُلوبِ وتَشاحُنِ الصُّدورِ وتَذابُرِ النُّفوُسِ وتَخاذُلُ الأَيدي و... . فإنّ اللهَ سُبحانَه قَد أَمتَنَ عَلي جَماعَةِ هذِه الأمَّة فيما عَقَدَ بَينَهُم مِن حَبلِ هذه الأُلفَةِ الَّتي ينتَقِلُون في ظِلِّها ويأوُون إلي کَنَفِها بِنِعمَةِ لا يعرِفُ اَحدٌ مِنَ المخلوُقين لَها قيمَة لِأَنَها أَرجَح مِن کُلِ ثَمَنٍ وأَجَل مِن کُلِ خَطَرٍ... .»[48] وکذلک قال (عليه السلام): «فَانظُرُوا کَيفَ کانُوا حَيثُ کانَتِ الأملاءُ مُجتَمِعَةً والأَهواءُ مُؤتَلِفَةَ والقُلوبُ مُعتَدِلَة... فَانظُرُوا إلي ما صارُوا إلَيهِ في آخر أُمورِهِم حينَ وَقَعَتِ الفرقَة و... إنَ تَجَمُّعَ المُؤمِنينَ يقتَرِنُ دائِماً بِمَعِيةِ اللهِ تَعالَي، يدُ اللهِ عَلَي الجَماعَة واختِلافِ الناسِ عَنِ الجَماعَة المُؤمِنَةِ يقتَرِنُ دائِماً بِمَعِيةِ الشَيطان.» [49]

الإمام (عليه السلام) يري أن مثير التّفرقة والفتن يستوجب القتل: «... والزِمُوا السَّوادَ الأَعظَمَ فَإِنَّ يدَ اللهِ مَعَ الجَماعَة وإِياکُم والفرقَةَ فَاِنَّ الشّاذَ مِنَ النّاسِ لِلشَّيطانِ کَما أَنَّ الشّاذَ مِنَ الغَنَمِ لَلذِّئبِ إالا مَن دَعَا إِلي هذا الشِّعارِ فَاقتُلوُهُ ولَوکانَ تَحتَ عِمامَتي هذِه و...» [50] وإنّني أتصوّر أصدق مصداق للّذين هم اليوم يفرّقون بين أبناء المذاهب الإسلامية ويشقّون عصا المسلمين ولا يرون أحدا علي الحقّ إلّا أنفسهم ويکفّرون أتباع کلّ المذاهب الخمسة ويحلّلون دمائهم ويفسّقونهم، هم أتباع الفكرة الوهّابية من السّلفية المتطرفة والدواعش والذين يسمون أنفسهم بجبهة النصرة و... الّذين يحقّ لهم أن تجري قاعدة أمير المؤمنين (عليه السلام) عليهم، وكذلك لا بدّ أن يؤاخذ كل من يموّل هذه الفئات المتطرّفة سرّا وعلانية من الحكّام السعوديّين وأمريكا وإسرائيل وحكّام تركيا والقطر و... الّذين يحصدون يوما ما زرعوه اليوم وسينقلب سحرهم يوما على أنفسهم .

حول هذا البحث قال أحد المفکّرين في مقالة «علي بن أبي طالب والتّقريب بين المذاهب»: «هذا فضل کبير لعلي بن أبي طالب (رضي الله عنه وکرّم الله وجهه) أن يکون هو أول واضع لأساس التّقريب بين المذاهب، حتي لا يکون الإختلاف في الرّأي ممّا يدعوا إلي تفريق کلمة الأمّة وإثارة العداوة بين طوائفها المختلفة بل تبقي لها وحدتها مع الإختلاف في الرّأي ويعيش فيها المختلفون في الرّأي إخوانا متحابّين يترک کل واحد منهم أخاه ورأيه  لأنه إما مصيب مأجور وإما مخطيء معذور أو يجادله بالّتي هي أحسن فلا يکون في جدالهما تعصّب للرّأي وإنّما يکون القصد منه الوصول  إلي الحقّ لا المغالبة ولا الإنتصار...» [51] 

والإمام (عليه السلام) کان يقول: «إنّي‌ أَدعُوكُم‌ اِلي‌ كِتابِ‌ اللهِ وسُنَّةِ نَبِيِّه‌ وحَقنِ‌ دِماءِ هذِه‌ الأُمَة ... وإِن‌ أَبَيتُم‌ اِلاّ الفرقَة وشَقِّ‌ّ عَصا هذِه‌ الأُمَّة فَلَن‌ تَزدادُوا مِن‌َ اللهِ اِلاّ بُعداً ولَن‌ يَزدادَ الرَّبُ‌ عَلَيكُم‌ اِلاّ سَخَطا.ً» [52] وکذلک کان يقول:  «... إلهُهُم‌ُ واحد ونبيُّهم‌ واحِدٌ، وكِتابُهُم‌ واحِدً، أَفَاَمَرَهُم‌ اللهُ‌ تَعالي‌ بِالإِختِلافِ‌ فَأطاعُوهُ‌؟ أَم‌ نَهاهُم‌ عَنهُ‌ فَعَصَوهُ!؟ أَم‌ أَنزَلَ‌ اللّهُ‌ُ ديناً ناقِصاً فَاستَعان‌َ بِهِم‌ عَلي‌ إِتمامِه‌...، أَم‌ أَنزَل‌َ اللهُ‌ سُبحانَهُ‌ ديناً تامّاً فَقَصّرَ الرّسولُ‌ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)‌ عَن‌ تَبليغِه‌ وأَدائِه‌ واللهُ‌ سُبحانَهُ‌ يَقُول‌ُ: «ما فرّطنا في‌ الكِتابِ‌ مِن‌ شَي‌ءٍ» و«فيهِ‌ تِبيانٌ‌ لِكُلِ‌ّ شَي‌ءٍ»» [53]

وأما سيرته (عليه السلام)

   وفي سيرته (عليه السلام) لا بأس بأن نبدأ من عصر الإختلاف على الخلافة عندما كان أمير المؤمنين علي (عليه السّلام) يرى أنّه أحقّ الناس بخلافة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، كما أنّ الكبار من أتباعه من الصّحابة والتّابعين في عصره كانوا يرون ذلك أيضا، لكنه لم يستلم زمام أمور الخلافة إلّا بعد سنوات عندما بايعه النّاس من المهاجرين والأنصار والتّابعين.

   الخلاف على خلافة النّبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أوّل خلاف وقع بين المسلمين، فإنه لما قبض النّبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) اجتمعت الأنصار إلى سعد بن عبادة سيّد الخزرج، وأرادوا أن يبايعوه بالخلافة فذهب إليهم أبوبكر (رض) في نفر من المهاجرين ودار بين الفريقين جدال في هذا الأمر وكان جدالا عنيفاً كاد يصل إلى إثارة حرب بينهما و... وقد تخلّف جماعة من بني هاشم عن بيعة أبي بكر، وانضمّ إليهم الزبير بن العوام وخالد بن سعيد بن العاص والمقداد بن الأسود وسلمان الفارسي وأبوذر الغفاري وعمار بن ياسر والبراء بن عازب وأبيُّ بن كعب ومالوا مع علي ابن أبي طالب وقال عتبة بن أبي لهب:

﴿ما كنت أحسب أن الأمر منصرف عن هاشم ثم منهم عن أبي حسن

﴿  عن  أول  الناس  إيمانا  وسابقة  وأعلم الناس بالقرآن  والسنن ﴾

﴿  وآخر الناس عهداً بالنّبيّ ومن جبريل عون له في الغسل والكفن ﴾

   فبعث أبوبكر عمر بن الخطاب إلى علي ومن معه فخرج علي حتّى أتى أبابكر فبايعه وقيل إنه لم يبايعه حتى ماتت فاطمة (س) فأرسل عليّ إلى أبي بكر فأتاه في منزله فبايعه وقال له: «ما نَفِسنا عَلَيكَ ما ساقَهُ اللهُ إليكَ مِن فَضلٍ وخَير، ولكنّا نَرى أن لَنا في هذا الأمر شيئاً، فاستَبددت بِه دونَنا، وما نَنكُرُ فضلَك.» [54]

    وهذا صريح في أن علياً حين بايع أبابكر كان لا يزال على رأيه في أنّه أحقّ بهذا الأمر منه، ولكنّه رأى أن يجمع الكلمة بمبايعته له وألّا يجعل رأيه سبباً في الفرقة بين المسلمين ليضرب بهذا أعلى مثل لهم في التّسامح عند الخلاف في الرّأي وفي إيثار المصلحة العامّة على المصلحة الخاصّة.

   أنّه كان يرى هذا لأنّه كان يرى أنّه هو وآله أقدر على مصلحة الناس من غيرهم لقرب صلتهم بالنّبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، لأنّه يقوم بها وازع نفسي يجعلهم أقرب إلى إيثار العدل وأميل إلى إنصاف النّاس.

   كذلك كان شأنه مع عمر بن الخطاب حين عهد إليه أبوبكر بالخلافة بعده فقد حبس معه أيضاً رأيه في نفسه وعامله كما كان يعامل أبابكر ولم يظهر في سبيل رأيه فرقة ولا انقساماً وكذلك كان شأنه مع عثمان بن عفان حين آلت إليه الخلافة بعد عمر في قصّة الشّورى المعروفة.

   وكان علي (عليه السلام) يرى أنه تخطّى فيها عن مؤامرة لكنّه حبس رأيه في نفسه مع عثمان أيضاً ولم يحاول أن يحدث فرقة أوانقساماً معه ولماّ خرج عليه الخوارج في آخر خلافته لم ينتهز فرصة خروجهم عليه ولم يحاول أن يستغله لمصلحة نفسه بل كان يبدي فيه الرأي الصّحيح ويحاول أن يهدئ تلك الفتنة لمصلحة عثمان ومصلحة المسلمين مع أنّه كان يخالف رأيه في تهدئتها ومع أنّه كان من مقتضى رأيه أنّه أحقّ بالخلافة منه: أن يتركه للخارجين عليه ولكنّه أبي إلّا أن يمضى إلى النّهاية فيما ضربه للمسلمين من المثل الأعلى في الخلاف في الرّأي.

 وعندما أراد النّاس أن يبايعوه بعد عثمان لم يسرع إلى قبول بيعتهم [55] ولم ير أنّ الفرصة قد سنحت له لتحقيق رأيه لأنه لم يكن يراه لمصلحة نفسه بل كان يراه لمصلحة المسلمين فامتنع ممن عرض عليه البيعة ولم يجبهم إلّا بعد أن ألحّوا عليه.

 الإمام (عليه السلام) رأى أنه لابد أن يقبل ليجمع ما تفرّق من كلمة المسلمين وقد كان هذا شأنه أيضاً مع من خالفه من أصحابه في مسألة التّحكيم بينه وبين معاوية وقد اعتزلوه وحكموا بما حكموا به عليه لقبوله ذلك التّحكيم مع أنّه لا شيء في قبوله من جهة الدّين ولكنّهم كانوا قوماً متنطّعين متشدّدين في دينهم فلم يحكم علي عليهم بما حكموا به عليه بل قال لهم: «إنّ لكم عندنا ثلاثاً ما صحبتمونا: لا نمنعكم مساجد الله أن تذكروا فيها اسمه، ولا نمنعكم الفيء مادامت أيديكم مع أيدينا، ولا نقاتلكم حتّى تبدؤونا.»[56]

لم يكن الّذين بايعوه جميعا من شيعته بل كانت الأكثريّة السّاحقة ترى فيه خليفة رابعا للمسلمين. مع ذلك كان الإمام يحتج على خصومه بهذه البيعة. فيقول في كتاب له إلى معاوية: «إِنّه بايعني القوم الّذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان». ثم إنّ العلاقة بين الإمام ومبايعيه الّذين يرون أنّه الخليفة الرّابع كانت علاقة حميمة. أوكل الإمام إليهم المسؤوليات القياديّة العسكريّة والإداريّة، وکانوا هم الّذين شاركوا في حروب الإمام بالجمل والنّهروان وصفين.

   رغم کلّ هذا لم يکن تعامل الإمام مع هؤلاء تعامل سخط وغضب بسبب تنحيته عن الخلافة بعد الرسول، بل عاملهم بما يستحقّونه من احترام باعتبارهم مسلمين، وباعتبارهم من صحابة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، الإمام (عليه السلام) لم يّتخذ من شخص منهم موقفا سلبيّا قبل أن يُجابه ذلك الشّخص علياً بصورة معلنة.

   إذن الفضل الكبير لعلي بن أبي طالب (عليه السلام) هو أنّه أوّل واضع لأساس التّقريب بين المذاهب حتّى لا يكون الإختلاف في الرّأي مما يدعو إلى تفريق كلمة الأمّة وإثارة العداوة بين طوائفها المختلفة، بل تبقى لها وحدتها مع الإختلاف في الرّأي، ويعيش فيها المختلفون في الرّأي إخوانا متحابّين، يترك كل واحد منهم أخاه ورأيه، لأنّه إما مصيب مأجور وإما مخطئ معذور أويجادله بالّتي هي أحسن فلا نري في جدالهما تعصّب للرأي وإنّما يكون القصد منه الوصول إلى الحق لا المغالبة والإنتصار.

    وليس بعد هذا تسامح في الرّأي بل هوالمثل الأعلى في التّسامح، لكنهم كانوا قوما متنطّعين في دينهم لا يعرفون فضل التّسامح عند الخلاف في الرأي، بل يأبون إلّا أن يجعلوه وسيلة تقاطع وتدابر. فأصرّوا على تدابرهم وتقاطعهم وأبوا إلّا التّمادي في غيّهم، فسلّطوا عليه عبد الرّحمن بن ملجم فطعنه غيل.

   والإمام (عليه السلام) قد جمع أولاده قبل أن تفيض روحه فأمرهم أن يطيّبوا طعام قاتله ويليّنوا فراشه فإن يعش فهو وليّ دمه عفو أو قصاص وإن يمت ألحقوه به ليخاصمه عند ربه. ثم نهاهم أن يعتدوا عليه أويمثّلوا به وإنّه ليمضى في ذلك الإنصاف لمن يخالفه مع طعنه له هذه الطّعنة القاتلة فيوصى بتطييب طعامه ويوصى بإلانة فراشه ويوصى بعدم التّمثيل به عند قتله به ليكون لنا في حياته ومماته أعلى مثل في الجمع بين الإستمساك بالرّأي والإنصاف مع المخالف.[57]

ت : کلمات وسيرة الإمام الحسن (عليه السلام)

    وبعد أمير المؤمنين (عليه السلام) بايع نفس هؤلاء الصّحابة والتّابعين ولده الإمام الحسن (عليه السلام) إلّا إن الظّروف ثبّطت عزيمة المبايعين، وأحسّ أکثرهم بالتّعب والرّخوة ممّا أدّى إلى هدنته مع معاوية. ومن نقاط الإشتراك بين السّنة والشّيعة وباقي المذاهب إنّ الحسن (عليه السلام) اختير خليفة من قبل خيار الصّحابة والتّابعين ووجبت طاعته من قبل جميع المسلمين وفي جميع الأمصار، إذن كل من رفض طاعته يعتبر عاصياً شاقّاً لوحدة المسلمين. وقد تمرّد معاوية على خلافة الإمام فجهز الإمام جيشاً لإعادته للطّاعة وللحفاظ على وحدة الدولة كي لا تتمزّق إلى دولتين.

   لكنّ الظّروف لم تساعد على إخماد التّمرّد ووجد الإمام الحسن (عليه السلام) في ايقاف القتال والقبول بالصلح مصلحة عليا للإسلام وللمسلمين ووحدة الدّولة والأمّة الإسلاميّة فآثر الصّلح لأنّه المنسجم مع الوحدة الإسلامية. قال الإمام الحسن (عليه السلام): «ألا وإِنَّ ما تَكرَهُونَ في الجَماعَةِ خَيرً لَكُم مِمّا تُحِبوُّنَ فِي الفرقَة»

   القتال حسب الظّروف لم يكن في صالح الدّولة الّتي يقودها الإمام لأنّ استمراره سيؤدّي الى إراقة الدماء دون جدوي وقال الإمام (عليه السلام): «وقَد رَأَيتُ أَنَّ حَقنَ الدِماءِ خَيرٌ مِن سَفكِها، ولَم أَرَد بِذلِكَ إلاّ اِصلاحَكُم وبَقاءَكُم».  [58]

   وقال (عليه السلام) کذلک: «إِنَّ مُعاويَةَ نازَعَني حَقّاً مُولى فَتَرَكتُهُ لِصَلاحِ الأُمَّةِ وحَقنَ دِمائِها ... ورَأَيتُ أَنَّ حَقنَ الدِماءِ خَيرٌ مِن سَفكِها، وأَرَدتُ صَلاحَكُم وإِن يَكوُنُ ما صِفتُ حُجَة عَلى مَن كانَ يَتَمَنّى هذا الأَمرَ»[59]

کان يري (عليه السلام) أنّه في النّهاية يؤدّي القتال إلى ضعف القوّتين وبالتّالي تحرّك الدّول الكافرة لحسم الموقف لصالحها يؤدّي الأمر إلى ضعف الدّولة والوجود الإسلاميّ.

   ونحن نري هذا الحرص علي حفظ وحدة الأمة الإسلامية قد لاحظه الإمام (عليه السلام) في شرائط الصلح حيث جاء فيها: «إنّ الناسَ آمِنونَ حَيثُ كانُوا مِن أَرضِ اللهِ في شامِهِم وعِراقِهِم وتَهامِهِم وحِجازِهِم، وعَلى أنّ أصحابَ عَليٍ وشيعَتَه آمِنُونَ عَلى أَنفُسِهِم وأَموالِهِم ونِسائِهِم وأَولادِهِم.» [60]

   ولهذا الدهاء لم يقدم نظام معاوية على قتل أحد إلاّ بعد رحيل الإمام الحسن (عليه السلام) إلى الملأ الأعلى وفي حياته فلم يتجرأ على قتل أوسجن أحد من المعارضين وخصوصاً من الشيعة الذين کانوا أنصار الإمام.

   ورفضه لطلب معاوية في قتال الخوارج يبين لنا سياسته في التّعامل مع الوجودات الإسلامية المخالفة له. قال (عليه السلام): «لَو آثَرتُ أن أقاتِلَ أحداً مِن أهلِ القِبلَةِ لَبَدأتُ بِقتالِكَ، فَإِنّي تَرَكتُكَ لِصَلاحِ الأمَّةِ وحَقنِ دِمائِها.»[61]

ث : کلمات وسيرة الإمام الحسين (عليه السلام)

   أمّا الإمام الحسين (عليه السلام) فقد تابع أخاه الإمام الحسن (عليه السلام) في صلحه مع معاوية وطبقاً للشروط الموضوعة لتهدئة الأوضاع الداخلية وبقي الإمام الحسين (عليه السلام) على عهده لم يعارض معاوية إلاّ معارضة سلميّة ورفض جميع المطالب الّتي تدعوه إلى الخروج العسكري على حكومة معاوية، حتّي أنّه (عليه السلام) كتب إلى من دعاه للثّورة: «إِنّي لَأَرجُو أَن يَكُونَ رَأيُ أَخي رَحِمَهُ اللهُ في المُوادَعَةِ ورَأيي في جِهادِ الظَّلَمَةِ رُشداً وسَداداً فَالصِقُوا بِالأَرضِ واخفُوا الشَّخصَ واكتُمُوا الهَوى واحتَرِسُوا مِنَ الأَظاءِ ما دامَ ابنُ هِندٍ حَيّاً فَإِن يحدثُ بِهِ حَدَث وأُناجي يَأتِكُم رَأيي إِن شاءَ اللهُ.»[62]

   الإمام الحسين (عليه السلام) لأجل الإحتفاظ بالوحدة وجماعة المسلمين وبقاء الإسلام وعدم زواله بزوال آياته القيمة خرج إلي الکوفة وهذا الموقف للإمام (عليه السلام) يعدّ أحسن وقفة لأنّه من ثوابت الشّريعة والمنهج السياسيّ الإسلاميّ أن يكون الإمام أوالخليفة أوالحاكم الإسلاميّ فقيهاً عادلاً كفوءاً في تدبير الأمور.[63]

فالعدالة شرط أساسيّ خصوصاً إذا كانت الأمّة قادرة على الإعتراض وابداء الرأي وعلى هذا الأساس فإنّ تولّي الفاسق خلاف للمصلحة الإسلاميّة لأنّه لا يسعى لتقرير المفاهيم والقيم الصالحة في الواقع ولا يكون حريصا على مصلحة الإسلام العليا وهنا ينبغي عدم الرّكون لمثل هذا الحاكم وتبديله بغيره. إذن التّبديل محلّ اتّفاق جميع المسلمين لكن الإختلاف يوجد في أساليب التّبديل والعزل من حيث تأثيراتهما على الأوضاع العامّة وعلي حفظ دماء المسلمين.

   إذن محاربة مثل يزيد الّذي أعلن انحرافه عن الإسلام عقيدة وعن الإسلام سلوكاً باعلان كفره صراحة حينما تمثل ببعض الأبيات وفى فيها الوحي والتّنزيل؛ کان واجبا علي مثل الإمام الحسين (عليه السلام) حتّي يبقي من الدّين والأخوّة الدينية اسم وأثر.[64]

ح : کلمات وسيرة الإمام السّجّاد (عليه السلام)

   عندما يقرأ الإنسان دعاء الإمام السّجّاد (عليه السلام) المعروف بدعاء «أهل الثّغور» للجيش الإسلاميّ، رغم خضوع هذا الجيش لقيادة الأموييّن الّذين غصبوا حقّ أهل البيت (عليه السلام) يري مدي إهتمام الإمام العملي بموضوع حفظ وحدة الأمّة الإسلامية. جاء في بعض الدّعاء: «اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وآلِهِ وحَصِّن ثُغوُرَ المسلِمينَ بِعِزَّتِك، وأَيِّد حُماتَها بِقُوَّتِك و... وكَثِّر عَدَدَهُم واشحَذ أَسلِحَتَهُم وَ... وأَلِّف جَمَعهُم، ودَبِّر أَمرَهُم، وواتِر بَين مَسيرِهِم، وتَوَحَّد بِكِفايَةِ مَؤُنَهُم، وأَعضِدهُم بِالنَّصرِ، وأَعِنهُم بِالصَّبرِ… اللّهُمَ أَعِزَّ بِكُلِ ناحِيَةٍ مِنَ المسلِمينَ عَلى من أَزاءهِم مِنَ المشرِكين وأَمدِدهُم بِمَلائِكَةٍ مِن عِندِكَ مُردِفينَ.»

   وکلّ هذه الأدعية کان على الرغم من اشتراك الجيش الأُمويّ في قتال أبيه إلاّ إنّ هذه الواقعة لم تمنع الإمام من الإنطلاق في آفاق المصلحة الإسلاميّة العليا فقد عرف عنه أَنّه كان يدعو للجيش بالنّصر والظّفر، لأَنّ انتصاره سيكون انتصاراً للإسلام لا لشخص الحاكم وسيكون انتصاراً للمفاهيم والقيم الإسلاميّة بتقريرها في واقع الشّعوب المنضوية تحت لوائه.

   واشتهر عنه أنّه انقذ عبد الملك بن مروان من تهديدات ملك الروم الّذي استغل حاجة المسلمين الى النّقد لإذلالهم، فاقترح عليه خطّة جديدة للنّقد انقذت المسلمين من التبعيّة الإقتصاديّة. [65] وكان الإمام (عليه السلام) في علاقاته داخل المدينة لا ينقطع عن الأعمال والمشاريع العامّة كصلاة الجماعة وصلاة الجمعة وصلاة العيدين، فيتحرّك في إطار المشتركات بينه وبين الآخرين ويسعى لتوحيد الصّفوف ولو ظاهراً من خلال المشاريع أو العبادات التي تؤدّى جماعة.[66]

   كان هشام بن إسماعيل أمير المدينة يسي‏ء إليه ويؤذيه أذى شديدا فلما عزل، أمر به الوليد أن يوقف للناّس فمرّ به وسلّم عليه وأمر خاصته أن لا يعرض له أحد وكان له ابن عم يؤذيه فكان يجيئه ويعطيه الدّنانير ليلا وهو متستّر فيقول لكن عليّ بن الحسين لا يصلني لا جزاه الله خيرا، فيسمع ويصبر فلمّا مات انقطع عنه فعلم انّه هو الّذي كان يصله.

   کذلک لماّ طرد أهل المدينة بني أميّة في وقعة الحرّة، أراد مروان بن الحكم أن يستودع أهله فلم يقبل أحد أن يكونوا عنده إلّا عليّ بن الحسين فوضعهم مع عياله وأحسن إليهم مع عداوة مروان المعروفة له ولجميع بني هاشم. وعال في وقعة الحرّة اربعمائة امرأة من بني عبد مناف إلى أن تفرّق جيش مسرف بن عقبة وكان يعوّل أهل بيوت كثيرة في المدينة لا يعرفون من يأتيهم برزقهم حتّى مات وكان يقول لمن يشتمه: «إِن كُنتَ كَما قُلتَ فَأَسأَلُ اللهَ أَن يَغفِرَ لي وإِن لَم أَكُن كَما قُلتَ فَأَسأَلُ اللهَ أَن يَغفِرَ لَكَ.» [67]

   کان لدي الإمام (عليه السلام) مواقف والإمام (عليه السلام) کان يعمد إلى تصحيح سلوك العلماء وتقويم أخلاقهم وتوجيه النّقد لهم بكلّ أدب واحترام، فيحاور العالم حتى يعترف بخطئه ويقدّم للإمام كلّ تقدير وتبجيل[68] معترفا له بالآية الكريمة: «ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ واللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ‏»[69] والآن نذکر بعضها کي نعتبر:

   1 –  موقف الإمام مع الحسن البصري: «رأى علي بن الحسين (عليه السلام) الحسن البصري عند الحجر الأسود يقصّ فقال: يا هذا أترضى نفسك للموت؟ قال: لا. قال: فعملك للحساب؟ قال: لا، قال فثمّ دار للعمل؟ قال: لا، قال: فللّه في الأرض معاذ غير هذا البيت؟ قال: لا، قال: فلم تشغل النّاس عن الطّواف!؟ ثمّ مضى. قال الحسن: ما دخل مسامعي مثل هذه الكلمات من أحد قطّ أتعرفون هذا الرجل؟ قالوا: هذا زين العابدين. فقال الحسين: «ذريّة بعضها من بعض» [70]

2 - موقف الإمام مع الزّهريّ: كان للإمام (عليه السلام) مواقف رائعة تجاه الزّهريّ حيث وضّح له معالم الدين وحكمة التّشريع. «كان الزّهريّ عاملا لبني أميّة فعاقب رجلا فمات إثر العقوبة فخرج الزّهريّ هائما متوحّشا ودخل إلى غار، فطال مقامه تسع سنين، قال: وحجّ علي بن الحسين (عليه السلام) فأتاه الزّهريّ فقال له الإمام: إنّي أخاف عليك من قنوطك ما لا أخاف عليك من ذنبك، فابعث بديّة مسلمة إلى أهله واخرج إلى أهلك ومعالم دينك، فقال له: فرّجت عني يا سيّدي! اللّه أعلم حيث يجعل رسالته ورجع إلى بيته».[71]

   والإمام للإحتفاظ بالوحدة وتعليم النّاس کيفية التّعامل الحسن المقبول عند الله تعالي کان يتفقّد شؤون الأمّة. الإمام (عليه السلام) يهتمّ بكلّ ما تحتاج إليه الأمة الإسلاميّة في حياتها المعنويّة والماديّة. فكان (عليه السلام) يتفقّد شؤون الفقراء والمساكين لأنّه كان يحبّهم ويشفق عليهم فيجالسهم ويستمع إلى مشاكلهم ...

   وكان يخرج ليلا يحمل على ظهره الغذاء والطّعام والطّحين وكلّ ما تحتاج إليه العائلة، وقد غطّى وجهه لئلّا يعرفه أحد، فيطرق باب المساكين بابا بابا ويعطيهم رزق اللّه ... وقد ترك هذا العمل آثارا على ظهره، اكتشف بعد وفاته حين غسلوه وكفنوه (عليه السلام). فكان الإمام بهذا العمل يطبّق حديث جدّه رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «مَن أَصبَحَ لمَ يَهتَمَّ بأِمُورِ المسلِمينَ فَلَيسَ بِمُسلِمٍ.»[72]

   کذلک الإمام (عليه السلام) کان يواجه المشبّهة والملحدين لمنع الإنحراف العقائديّ والفكريّ الذّي طرأ على فكر بعض قطاعات الأمّة من فئات خبيثة منحرفة عن الخطّ الإسلاميّ السّليم.[73]

   ويروى ابن شهاب الزّهريّ عنه (عليه السلام)، قال حدّثنا علي بن الحسين (عليه السلام) وكان أفضل هاشميّ أدركناه قال: «أَحِبُّونا حُبَّ الإِسلامِ، فَما زالَ حُبُّكُم لَنا حَتى صارَ شَيناً عَلَينا.» [74]

خ: کلمات وسيرة الإمام الباقر (عليه السلام)

   عصر الإمام الباقر (عليه السلام) کان عصر تضارب الأفکار ونشوء الفرق والمذاهب والمدارس المختلفة وإثر هذا التّضارب بين أفکارهم وعقائد المسلمين ظهرت شبهات وإشکاليات مختلفة وخاصّة في الأمور العقيدية. نشأت فرق مثل المعتزلة والجبرية والمرجئة والغلاة والزنادقة والمشبّهة و[75] المتصوّفة والمجسّمة والتّناسخية و... الّتي کانت تروّج عقيدته الخاصّة. فضلا عن هذا کان تضارب الآراء بين علماءکل فرع من العلوم الإسلامية مثل علم القرائة والتّفسير والحديث والفقه والکلام (علم أصول العقائد) کثير. وخاصّة کانت مجالس الأبحاث العقائدية ساخنة. والآن ندرس بعض تعاملات الإمام (عليه السلام) مع أصحاب الفرق المختلفة.

 

الحديث الأول

   روي حُمَيْدُ بْنُ زِيَادٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَمَاعَةَ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ عَنْ أَبَانٍ عَنْ عَمْرِوبْنِ خَالِدٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الباقر (عليه السلام) قَالَ: «يَا مَعْشَرَ الشِّيعَةِ! شِيعَةِ آلِ مُحَمَّدٍ كُونُوا النُّمْرُقَةَ الْوُسْطَى [76]‏ يَرْجِعُ إِلَيْكُمُ الْغَالِي ويَلْحَقُ بِكُمُ التَّالِي فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ سَعْدٌ جُعِلْتُ فِدَاكَ مَا الْغَالِي؟

   قَالَ قَوْمٌ يَقُولُونَ فِينَا مَا لَا نَقُولُهُ فِي أَنْفُسِنَا فَلَيْسَ أُولَئِكَ مِنَّا ولَسْنَا مِنْهُمْ قَالَ فَمَا التَّالِي قَالَ الْمُرْتَادُ يُرِيدُ الْخَيْرَ يُبَلِّغُهُ الْخَيْرَ يُؤْجَرُ عَلَيْهِ‏ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا فَقَالَ واللَّهِ مَا مَعَنَا مِنَ اللَّهِ بَرَاءَةٌ ولَا بَيْنَنَا وبَيْنَ اللَّهِ قَرَابَةٌ ولَا لَنَا عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ ولَا نَتَقَرَّبُ إِلَى اللَّهِ إِلَّا بِالطَّاعَةِ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مُطِيعاً لِلَّهِ تَنْفَعُهُ‏ وَلَايَتُنَا ومَنْ كَانَ مِنْكُمْ عَاصِياً لِلَّهِ لَمْ تَنْفَعْهُ وَلَايَتُنَا وَيْحَكُمْ لَا تَغْتَرُّوا وَيْحَكُمْ لَا تَغْتَرُّوا.[77]

في هذه الرواية نري أن الإمام (عليه السلام) بواسطة عبارة «يَا مَعْشَرَ الشِّيعَةِ! شِيعَةِ آلِ مُحَمَّدٍ كُونُوا النُّمْرُقَةَ الْوُسْطَى» يدعوا شيعته إلي الوسطية والإعتدال في التّعامل مع الآخرين وخاصّة يدخل في هذا الإطار التّعامل مع أبناء المذاهب الإسلامية لأنّه برأيي عندما الإمام (عليه السلام) يعطي نظرا عامّا في هذا السّياق: «يا شيعة آل محمد» يريد تبيين موقفه بالنّسبة إلي قضية هامّة وهنا يدخل تحت القاعدة أبناء المذاهب الإسلامية لأنهم لا يخرجون إما عن «الغالي» أو«التالي». والإمام (عليه السلام) يجعل الشّيعة المعتدلة مرجعا لأخذ الآخرين عنهم أسلوب العيش والحياة والوصول إلي السّعادة الأبدية.

الحديث الثاني

   عَنِ الإِمام الباقِرِ (عليه السلام) عَن رَسولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): أَلا انبّؤُکُم بِالمُؤمن؟ المُؤمِنُ مَن ائتَمَنَه المُؤمِنوُنَ عَلي أَموالِهم وأُمورِهم. والمُسلمُ مَن سَلِم المُسلموُنَ مِن لِسانه ويدِه والمُهاجِرُ مَن هاجَرَ مِن السَّيئاتِ.»[78]

في هذه الرّواية أيضا الإمام (عليه السلام) يشير إلي أنّه علي المؤمن أن يکون مصدرا لاطمئنان الآخرين ويکون مثالا خيرا للسّلم. وکلّ أفعاله يعدّ مصدرا للخيرات نحوالآخرين. إذن لا بد للشّيعي أن يتّبع دستورات أئمته الأطهار (عليهم السلام) کي يصدق عنوان الشّيعة عليه. ونحن نري أنّ الإمام (عليه السلام) في هذه الرواية کيف يحثّ شيعته في التّعامل مع الآخرين وخاصة المسلمين الآخرين -  المُسلمُ مَن سَلِم المُسلموُنَ مِن لِسانه ويدِه – علي أن يکونوا مصدرا للأمانة والصّدق وهذه عبارة أخري عن الحثّ علي التّعامل الحسن مع المسلمين الآخرين.

الإمام الباقر (عليه السلام) مع الجهود الّتي بذلها والتّلاميذ الّذين ربّاهم قامت بنهضة علمية عظيمة لبناء جامعة اسلامية کبري ووصل من العلم بدرجة قالوا عنه: «إنّه کان سيد فقهاء الحجاز»[79] وهو فضلا عن الحجاز کان ذا سمعة وشهرة فائقة في خراسان والعراق.[80]وقالوا فيه: «لم يظهر من ولد الحسن والحسين من العلوم، ما ظهر منه في التّفسير والکلام والأحکام والحلال والحرام.»[81] کذلک الإمام الصّادق (عليه السلام) کان من أکبر أئمّة عصره حيث قالوا في وصفه: «إنّه شهير في المدن الإسلامية وقد ينقل عنه الکبار من المحدّثين مثل «يحيي بن سعيد»، «ابن جريح»، «مالک»، «سفيانيين»، «أبوحنيفة»، «شعبة» و... .[82]

ج: کلمات وسيرة الإمام الصّادق (عليه السلام)

في القرن الثذاني ظهرت بالتّدريج المذاهب الفقهيّة. ويعدّ أبوحنيفة (80 ـ 150هـ.) أوّل شخصية فقهيّة برزت خارج إطار مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) وکان معاصرا للإمام الصّادق (80 ـ 841 هـ)، وتلاه مالك بن أنس (93-197هـ.). كان أبوحنيفة إمام أهل العراق ومدرسته تقوم على القياس والإجتهاد. کذلک کان مالك إمام المدينة ومدرسته تعتمد الرواية والحديث والإثنان كانا على علاقة وطيدة بالإمام الصادق (عليه السلام) كلاهما تتلمذا عليه وأفادا منه. ونجد أثر ذلك فيما قاله الإثنان عن الإمام وما نقلاه من روايات عن مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) - في الموطأ لمالك نحواً من أربعين رواية عن طريق أهل البيت (عليهم السلام )، بعضها تستند مباشرة إلى الإمام الصادق (عليه السلام).- [83]

   هذه العلاقة الوطيدة لها مدلولها الكبير لأننا نعلم أن الإمام الصادق (عليه السلام) كان يختلف مع هذين الإمامين من أئمة أهل السنة في أمور غير أن الإمام لم يكن يركز على هذا الاختلاف ليتحول إلى قطيعة بينه وبين من لا يرى رأيه، بل كان يرتبط ارتباطا تعاونيا كما تقتضيه رسالة الإسلام مع غيره من علماء عصره بما يشترك فيه معهم. هذا السلوك الرسالي من الإمام الصادق (عليه السلام) هوالذي جعل أربعة آلاف طالب يلتفون حول الإمام الصادق (عليه السلام)، ينهلون من علومه وفيهم كثير من أهل السنة. - يذكر ابن عقدة في رجاله أسماءهم (والكتاب مفقود) وعددت من ذكرهم الشيخ الطوسي في «الفهرست» فكانوا 3223 شخصا-.

   وكانت علاقاته مع أئمة المذاهب قائمة على المحبة والمودة والإحترام المتبادل وفي ذلك قال مالك بن أنس: «كنت أدخل على الصادق جعفر بن محمد، فيقدّم لى مخدّة ويعرف لي قدراً ويقول: «يا مالِكُ إِنّي أُحِبُّكَ فَكُنتُ أَسُرُّ بِذلِكَ وأَحمَدُ اللهَ عَلَيهِ.»[84]

وکان الإمام (عليه السلام) يحرص على سلامة أرواح المسلمين وإن كانوا مخالفين للإمام أومعادين له. سأله محمد بن قيس عن الفئتين من أهل الباطل أبيعهما السلاح؟ فقال (عليه السلام): «بِعهُما ما يَكنهُما الدَرعَ والخفتانِ والبيضةَ ونَحوذلِكَ.»[85]

   ومواقف الإمام الصادق (عليه السلام) من قضايا الخلاف الكبرى بين الفرق الإسلامية في العهد العباسي کان مهما جدا لأنه (عليه السلام) كان يوجه أصحابه وشيعته بشأن سلوكهم مع أتباع المذاهب الأخرى فيقول: «صِلُوا في جَماعَتِهِم وعُودُوا مَرضاهُم واحضُروا جَنائزَهُم وموتاهُم؛ حَتى يَقوُلوُا رَحِمَ اللهُ جَعفَرَ بنَ مُحمَد فَلَقَد أَدَبَ أَصحابَهُ كُونُوا زَيناً لَنا ولا تَكُونُوا شَيناً عَلَينا.[86]

حينما شددت السلطات الأموية على حركة الإمام (عليه السلام) بملاحقة ومتابعة زائريه والداخلين عليه كان ينهى بعضهم من الدخول عليه حفاظاً عليهم وإن كانوا يخالفونه في الرأي والفتوى ومنهم الإمام «أبوحنيفة» وهوالذي يقول: أتيته فسلمت عليه فقعدت إليه فقال (عليه السلام): «لا تَقعُد إِلَينا يا أخَا العِراقِ فَإِنَكُم قَد نَهَيتُم عَنِ القُعودِ إِلَينا.»[87] إذن الإمام (عليه السلام) حتي يخاف علي نفس عالم غير شيعي وينجيه من الخطرات بواسطة هذا الکلام وکذلک يرشدنا إلي منهجه وبهذه السيرة يوصينا کي نعمل مثله.

وکذلک جائت الرواية: عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَدِيدٍ عَنْ مُرَازِمٍ قَالَ قَالَ أَبُوعَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام):‏ «عَلَيْكُمْ بِالصَّلَاةِ فِي الْمَسَاجِدِ- وحُسْنِ الْجِوَارِ لِلنَّاسِ‏ وإِقَامَةِ الشَّهَادَةِ وحُضُورِ الْجَنَائِزِ إِنَّهُ لَا بُدَّ لَكُمْ مِنَ النَّاسِ إِنَّ أَحَداً لَا يَسْتَغْنِي عَنِ النَّاسِ حَيَاتَهُ والنَّاسُ لَا بُدَّ لِبَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ.»

وهذه الرواية تعد من أفضل نماذجها لحل مشکلة التعامل مع أبناء المذاهب الإسلامية إذ الإمام (عليه السلام) يتکلم بکل صراحة ووضوح حول کيفية التعامل ويرشد شيعته نحوالتعامل الحسن والوحدوي مع الآخرين خاصة يشمل قول الإمام (عليه السلام) بالأولوية التعامل مع أبناء المذاهب الإسلامية.

وکذلک نفس المضمون في الفوق يؤکد في الرواية التالية حيث إن سؤال السائل کان بالتخصص حول مشکلته في التعامل مع الآخرين والرواية تقول: مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنِ الْفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ وأَبُوعَلِيٍّ الْأَشْعَرِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ جَمِيعاً عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ وَهْبٍ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) كَيْفَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَصْنَعَ فِيمَا بَيْنَنَا وبَيْنَ قَوْمِنَا وفِيمَا بَيْنَنَا وبَيْنَ خُلَطَائِنَا مِنَ النَّاسِ؟ فَقَالَ (عليه السلام) تُؤَدُّونَ الْأَمَانَةَ إِلَيْهِمْ وتُقِيمُونَ الشَّهَادَةَ لَهُمْ وعَلَيْهِمْ وتَعُودُونَ مَرْضَاهُمْ وتَشْهَدُونَ جَنَائِزَهُمْ.»

أيضا جائت الرواية بهذه الصورة وهذه الصورة أشد وفاءا لغرضنا لأنه جاء فيها «مِمَّنْ لَيْسُوا عَلَى أَمْرِنَا» : مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ وَهْبٍ قَالَ: قُلْتُ لَهُ (الإمام الصادق«ع»)كَيْفَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَصْنَعَ فِيمَا بَيْنَنَا وبَيْنَ قَوْمِنَا وبَيْنَ خُلَطَائِنَا مِنَ النَّاسِ مِمَّنْ لَيْسُوا عَلَى أَمْرِنَا قَالَ (عليه السلام): «تَنْظُرُونَ إِلَى أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تَقْتَدُونَ بِهِمْ فَتَصْنَعُونَ مَا يَصْنَعُونَ فَواللَّهِ إِنَّهُمْ لَيَعُودُونَ مَرْضَاهُمْ ويَشْهَدُونَ جَنَائِزَهُمْ ويُقِيمُونَ الشَّهَادَةَ لَهُمْ وعَلَيْهِمْ ويُؤَدُّونَ الْأَمَانَةَ إِلَيْهِمْ

وهذه الرواية تعد تأکيد ثالث لوصية الإمام (عليه السلام) حول کيفية التعامل مع الآخرين وخاصة مع أبناء المذاهب الإسلامية. ُيروي محَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ ومُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ جَمِيعاً عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ حَبِيبٍ الْخَثْعَمِيِّ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) يَقُولُ:‏ «عَلَيْكُمْ بِالْوَرَعِ والِاجْتِهَادِ واشْهَدُوا الْجَنَائِزَ وعُودُوا الْمَرْضَى واحْضُرُوا مَعَ قَوْمِكُمْ مَسَاجِدَكُمْ وأَحِبُّوا لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّونَ لِأَنْفُسِكُمْ أَمَا يَسْتَحْيِي الرَّجُلُ مِنْكُمْ أَنْ يَعْرِفَ جَارُهُ حَقَّهُ ولَا يَعْرِفَ حَقَّ جَارِهِ.[88]

 

 

د: کلمات وسيرة الإمام الکاظم (عليه السلام)

  حول کيفية تعامل الإمام (عليه السلام) مع الناس جائت رواية الشريف أبومحمد الحسن بن محمد بن يحيى العلويّ عن جدّه بإسناده قال: «إِنَّ رَجُلاً مِن وُلدِ عُمَرِ بنِ الخَطّاب كانَ بِالمَدينةِ يُؤذي أَبا الحَسَنِ موسى (عليه السلام) ويَشتُمُ عَليّاً (عليه السلام) فَقالَ لَهُ بَعضُ حاشِيَتِه: دَعنا نَقتُلُ هذا الرَجُلَ فَنَهاهُم عَن ذلكَ أَشدَّ النَهيِ وسَأَلَ عَنِ العمُريّ فَقيلَ: إِنَّهُ يَزرَعُ بِناحِيةٍ مِن نَواحِي المَدينةِ.

   فَركبَ إِليهِ فَوَجَدَهُ في مَزرَعَةٍ (لَهُ) فَدَخَلَ المزرَعَةَ بِحِمارِه فَصاحَ بِهِ العُمَريّ: لا تُوطِئ زَرعَنا فَتَوَطّأُهُ أَبوالحَسَنِ (عليه السلام) بِالِحمارِ حَتى وَصَلَ إلَيهِ فَنَزَلَ وجَلَسَ عِندَهُ وباسَطَهُ وضاحَكَهُ وقالَ لَهُ: «كَم غَرمتَ في زَرعِكَ هذا؟».

   قال: مائة دينار. قال: «وكَم تَرجُوأَن تُصيبَ»؟ قال: لست أعلم الغيب. قال: «إنِّما قُلتُ لَكَ: كَم تَرجُو.» فقال: «أرجوا أن يجيئني فيه مائتا دينار.» قال: فأخرج له أبوالحسن (عليه السلام) صرّة فيها ثلاثمائة دينار وقال: «هذا زَرعُكَ عَلى حالِه واللّهُ يَرزُقُكَ فيهِ ما تَرجُو.» فقام العمري فقبّل رأسه وسأله أن يصفح عن فارطه فتبسّم أبوالحسن‏ موسى (عليه السلام) وانصرف ثمّ راح إلى المسجد فوجد العمريّ جالسا فلما نظر إليه قال:‏ «اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ» فوثب أصحابه فقالوا له ما قصتك قد كنت تقول خلاف هذا فخاصمهم وشاتمهم وجعل يدعولأبي الحسن موسى كلما دخل وخرج فقال أبوالحسن موسى لحاشيته الذين أرادوا قتل العمري: «أَيُما كانَ خَيراً ما أَرَدتُم أَوما أَرَدتُ أَن أُصلِحَ أَمرَهُ بِهذا الِمقدار.»[89]

   وکذلک جائت الرواية بهذه الصورة: فوثب إليه أصحابه فقالوا له: ما قصّتك؟ فقد كنت تقول غير هذا!! قال: فقال لهم: قد سمعتم ما قلت الآن وجعل يدعولأبي الحسن (عليه السلام) فخاصموه وخاصمهم.[90]

   أما وجه تسميته (عليه السلام) بالكاظم کان لما كظمه من الغيظ وتصبّره على ما فعله الظالمون به حتّى مضى قتيلا في حبسهم.‏[91]  وروى أبوالفرج في مقاتل الطالبيين بسنده عن يحيى بن الحسن قال: «كان موسى بن جعفر إذا بلغه عن الرجل ما يكره بعث اليه بصرة دنانير وكانت صراره ما بين الثلاثمائة إلى المائتين إلى المائة الدينار وكانت صرار موسى مثلا.

  وحول تواضعه ومكارم أخلاقه (عليه السلام) جاء في «تحف العقول»: « مَرَّ بِرَجُلٍ مِنْ أَهْلِ السَّوَادِ دَمِيمِ الْمَنْظَرِ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ ونَزَلَ عِنْدَهُ وحَادَثَهُ طَوِيلًا ثُمَّ عَرَضَ(عليه السلام) عَلَيْهِ نَفْسَهُ فِي الْقِيَامِ بِحَاجَةٍ إِنْ عَرَضَتْ لَهُ فَقِيلَ لَهُ يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ أَ تَنْزِلُ إِلَى هَذَا ثُمَّ تَسْأَلُهُ عَنْ حَوَائِجِهِ وهُوإِلَيْكَ أَحْوَجُ فَقَالَ (عليه السلام) عَبْدٌ مِنْ عَبِيدِ اللَّهِ وأَخٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ وجَارٌ فِي بِلَادِ اللَّهِ يَجْمَعُنَا وإِيَّاهُ خَيْرُ الْآبَاءِ آدَمُ (عليه السلام) وأَفْضَلُ الْأَدْيَانِ الْإِسْلَامُ ولَعَلَّ الدَّهْرَ يَرُدُّ مِنْ حَاجَاتِنَا إِلَيْه‏ فَيَرَانَا بَعْدَ الزَّهْوعَلَيْهِ مُتَوَاضِعِينَ‏ بَيْنَ‏ يَدَيْهِ ثُمَّ قَالَ (عليه السلام) نُوَاصِلُ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ وِصَالَنَا مَخَافَةَ أَنْ نَبْقَى بِغَيْرِ صَدِيقٍ.[92]

وبعده قال (عليه السلام):

﴿نواصل من لا يستحق وصالنا

 

﴿مخافة أن نبقى بغير صديق[93]

 

   رغم کل ظروف الإرهاب المحاطة بالإمام موسى الكاظم (عليه السلام) من الملاحقة والمضايقة والسجن والتهديد بالقتل إلا أن الإمام كان ينطلق على ضوء المصلحة الإسلامية فلم ينقطع عن الأحداث والمواقف الوحدوية كالعبادات التي تؤدى جماعة فكان يتهيأ للمشاركة في صلاة الجمعة منذ يوم الخميس وفي رواية كان يقول لأَصحابه:«إِنَكُم تَتَسابَقُونَ إِلى الجَنَةِ عَلى قَدرِ سَبقِكُم إِلى الجُمُعَةِ.»[94]

روي الإمام موسي بن جعفر عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «إِنَ اللهَ جَعَلَ الاِسلامَ دينَهُ وجَعَلَ کَلِمَةَ الإِخلاصِ حصنا لَهُ فَمَن استَقبَلَ قِبلَتَنا وشَهِدَ شَهادَتَنا فَهُومُسلِمٌ لَهُ ما لَنا وعَلَيهِ ما عَلَينا.»[95]

ذ: کلمات وسيرة الإمام الرضا (عليه السلام)

   أما الإمام علي بن موسي الرضا (عليه السلام) كان كثير النصح للحاكم العباسي المأمون بما فيه صلاح الإسلام والمسلمين والمصلحة الإسلامية العليا وللحيلولة دون حدوث تصدع في الجبهة الداخلية. فکانت تصدر منه توجيهات قيمة في كيفية إدارة البلدان المفتوحة.[96]

   فکان مما قاله الإمام (عليه السلام) للمأمون هو: «إِتَقِ اللهَ فى أُمَةِ مُحَمَدٍ وما وَلاّكَ مِن هذا الأَمرِ ونصبكَ بِهِ فَإِنَكَ قَد ضَيَعتَ أُمورَ المُسلِمينَ وفَوَضتُ ذلكَ إِلى غَيرِكَ.»[97]

   أما حول حسن معاملته مع الآخرين يکفي تشفعه إلى المأمون في الجلودي الذي ذهب إلى المدينة بأمر الرشيد ليسلب نساء آل أبي طالب ولا يدع على واحدة منهن إلا ثوبا واحدا ونقم بيعة الرضا (عليه السلام) فحبسه المأمون ثم دعا به من الحبس بعد ما قتل اثنين قبله فقال الرضا يا أمير المؤمنين هب لي هذا الشيخ فظن الجلودي إنه يعين عليه فأقسم على المأمون ان لا يقبل قوله فيه فقال والله لا أقبل قوله فيك وأمر بضرب عنقه.[98]

   والإمام (عليه السلام) للمحافظة على وحدة الدولة الإسلامية ومنعها من التفكك والتصدع بفتن داخلية تابعة من حب التسلط وحب الزعامة كان ينصح المأمون ويرشده الى اتخاذ الموقف المناسب تجاه الأحداث والأشخاص. فقد أخبره بأن هنالك مؤامرة لقتله تدبر له في الخفاء بعد أن اطلع الإمام على تفاصيلها وحينما قام المأمون بقتل الفضل بن سهل حدثت اضطرابات فسعى الإمام إلى تهدئتها وأرجع الغاضبين الذين تجمعوا أمام دار المأمون.

ر: کلمات وسيرة الإمام الجواد (عليه السلام)

    حول سيرته (عليه السلام) في التعامل مع الناس وصل الأمر إلي حد سموه بالجواد (عليه السلام) ونحن لأجل عدم التطويل فقط نذکر بعض النماذج من هذه التعاملات والکلمات:

   ويقول «صيدلانى»: کنا مع جماعة من سجستان وبست في سفر مکة تشرفت بزيارة الإمام جواد (عليه السلام) أثناء الطواف وقلت له حاکم السجستان يحبک ولوتکتب له أن لا يأخذ مني الضريبة والخراج أشکرک والإمام (عليه السلام) أجاب طلبي وکتب له رسالة والحاکم ما أخذ مني إلي نهاية عمري شيئا.[99] حول التواضع يقول الإمام (عليه السلام): «اَلتَّواضُعُ زِينَةُ الْحَسَبِ.»[100] وهوکان متواضعا تمام التواضع وکان يتعامل مع الناس مع هذا التواضع والمحبة التامة.[101]

   الإمام (عليه السلام) في حد الإمکان کان يقوم بأعمال نفسه بنفسه ولم يکن يسبب الزحمة للآخرين ورغم أنه کان يعد صهر الخليفة لکنه کان يتعامل مع الطبقة الفقيرة من المجتمع وکان يجلس معهم ومع العبيد ويحترم شخصيتهم وإنسانيتهم.[102]

ز: کلمات وسيرة الإمام الهادي (عليه السلام)

   الإمام الهادي (عليه السلام) بسيرته في التعامل مع الحکومة الظالمة علمنا درسا في أن نسعي للتعامل الأکثري ولا نسعي للتقاطع الأکثري ولهذا القول نذکر هنا قصة من سيرته (عليه السلام)، يقول «صالح»: دخلت يوما مدينة سامراء وحضرت محضر الإمام (عليه السلام) وقلت هؤلاء الظلمة يريدون أن يطفئوا نورکم في کل المجالات ولهذا السبب جعلوکم في مکان مثل هذا الذي يناسب الفقراء والغرباء لکن أجابني الإمام (عليه السلام) يابن سعيد هل أنت في هذه المرحلة في معرفة منزلتنا وتظن أن هذه الأمور تنافي شأننا ولا تعرف أنّ من رفعه الله لا يخذل بهذه الأشياء.[103]  إذن نري کيف الإمام (عليه السلام) يتواضع ويتعامل مع مخالفيه بأحسن شکل ويزيد في معرفة أتباعه حول قضية التّعامل الأحسن الأکثريّ.

ر: کلمات وسيرة الإمام العسکري (عليه السلام)

   ونري نفس تعامل الإمام الهادي (عليه السلام) يتجلّي في سيرة إبنه (عليه السّلام) والإمام العسکري (عليه السلام) کيف يتعامل مع الّذين أرادوا أذيه ويقلّب حالهم ويکون مصداقا لدعوة النّاس بغير لسانه يعني بعمله ومعاملاته الخلّابة. ينقل أنّه دخل عدّة من بني العبّاس علي صالح بن وصيف في حين أنّه کان قد حبس الإمام العسکريّ (عليه السلام) ثمّ قالوا له شدّد عليه واجعله في أصعب الحالات! قال صالح في جوابهم: أنا جعلت شخصين من أسوء أشخاص آل عباس عليه لکنهما الآن يصلون ويصومون. بعده طلبوا منه أن يأتوا بهما إليهم وبعد أن أتي بهما إليهم سألوهما لماذا لا تتصعّبان عليه؟ أجاباهم: ماذا نصنع بالّذي يصوم الأيام ويعبد الله اللّيالي، لا يتکلّم مع أحد وليس مشغولا بشيء إلاّ بالعبادة وکلّما ينظر إلينا يرتعش فرائصنا.[104]

س: کلمات وسيرة الإمام المهدي (عج)

   أمّا حول سيرة الإمام المهدي (عج) لأنّ الإمام (عليه السلام) خلف ستار الغيبة لمصلحة إلهية فلا بدّ لنا أن نستفيد من الرّوايات الموجودة لدينا حول سيرته (عليه السلام) أيام ظهوره بعد الغيبة الکبري وقد جاء أنه في زمن المهدي (عج) لا يأخذ المؤمن من أخيه المؤمن ربحا في المعاملات [105] وهذا يدلّ علي أنّه نري الرّقي والتّطوّر في تعامل النّاس إلي القمّة النّهائية وجاء أيضا أنّ مهدي (عج) جواد ويعطي المحتاجين ما يريدون. وهويتعامل مع الکل حسب طاقته ولأجل هذا جاء هوعطوف بالنّسبة إلي الفقراء والضّعفاء وشديد بالنّسبة إلي عمّاله في الحکومة.[106] لا نري قتلا ولا نهبا ولا حربا أيام حکومته.[107] 

 

النتيجة

رأينا في سيرة أئمة أهل البيت (عليهم السلام) أنهم في التعامل مع غير الشيعة من أبناء المذاهب الإسلامية هي ذو بعدين أساسين؛ أحدهما التعامل معهم في الأصول والعقائد الهامّة في الدين، والسيرة هنا لا تشاهد أي إغماض وتساهل من قبلهم (عليهم السلام) يعني هم  كانوا في غاية الشدة والدقة في مراعاة أنهم لا يوجدون في دين الله شيئا غير صحيحا ويعملان طبقا للدستورات الإلهية ويبلغونها کما هي.

   لکنهم رغم هذا التشدد لم يسيئوا إلي أحد ولم يؤذوا أحدا بکلماتهم. أنهم مع مراعاة کامل الإحترام لم يتنازلوا عن الحقيقة وبعبارة أخري أنهم کانوا في مراعاة «حق الله» في غاية الشّدّة والدّقّة لکن سيرتهم في التعايش وفي حقوقهم الشخصية کانت تختلف تماما فإنهم کانوا يتساهلون ويتنازلون عن حقهم الشخصي للنيل برضي الله. ونحن أشرنا إلي هذه النقاط أکثر من مرة.

   وذکرنا فضلا عن کلماتهم النافذة، بعض النماذج العينية من سيرتهم حتي نتحلي بهذه السيرة المبارکة في سلوکنا وعيشنا في المجتمع. نحن وصلنا بأنه هذا النوع من السلوک هو السلوک النبوي وهو السلوک الذي أکد عليه القرآن الکريم وقد أشرنا إلي بعض الآيات المرتبطة بالبحث وإلي بعض النماذج أيضا من السيرة النبوية. لکن نبهنا القاريء الکريم إلي بعض المعرقلات التي علينا أن نراقبها ولا ننسيها کي لا نقع في فخ التعايش المنهي عنه في السيرة والروايات.

  وهناک بعض الدستورات العملية التي نستطيع إستقصائها من خلال المباحث المطروحة ونعدها کنتائج جزئية وخطوات عملية للمقالة وهي:

1 – الکلام الحسن مع کل أحد خاصة الذي يسيء إلينا وخاصة في مجال التعامل مع غير موافقنا في مذهبنا.

2 – تشکيل لجان وهيئات تخصصية وذات قوة في کل بلد فيه مذاهب مختلفة التي تتکون من عدة علماء تقريبيين يعني الذين فهموا مدي أهمية ظاهرة التقريب ودورها البناء في المجتمع الإسلامي الحالي. کما شاهدناه في الأزهر والمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية.

أما هناک إقتراح قد وصلت إليها ضمن تأملي خلال المباحث التي کنت أقرأ وأکتب وهوأشبه بالنتيجة الأصلية التي علينا أن نشير إليها وهوأنه يا حبذا لوکان لکل من المذاهب الأربعة الرئيسية لجنة تتشکل من کبار علمائهم وهم کانوا يجتمعون بصورة منظمة في مؤتمر وکانوا يدرسون الأوضاع السائدة والأجواء الجارية علي الأمة الإسلامية.

 وکانوا يأخذون موقفا تعامليا حسنا بالنسبة إلي القضايا الأم في المجتمع الإسلامي حتي يصبحوا کبنيان مرصوص أمام أعداء الإسلام والأمة الإسلامية الذين يجتهدون ويسعون أن يبعدوا علماء ومفکري إسلاميين عن اتخاذ مثل هذه المواقف ويسعون لعدم تشکيل مثل هذه المؤتمرات. وعندما کان يصدر رأي أوفتوي هذه اللجنة المتشکلة من کبار علماء المذاهب الخمسة لم يکن يحق أحد أن يسيء ويجترء علي حکمها وکان واجبا علي الکل الإعتناق به.

  وبصورة موجزة يمکننا أن نستنتج من سرد هذه الأحاديث والسير الموجودة للأئمة (عليه السلام): أنه للأئمة (عليهم السلام) منهجان في التعامل مع الفرق الموجودة في زمانهما. منهج يتعلق بحياتهم الشخصية وتعايشهم الشخصي مع أبناء هذه الفرق ومنهج يتعلق بتعايشهم وتعاملهم مع أبناء هذه المذاهب لا بمنظور عيشهم الشخصي بل بمنظور أنهم أئمة (عليهم السلام) وقادة وعليهم تبيين الحق والعدل. في المنهج الأول هم (عليهم السلام) کانوا يتعاملون مع الفرق وأبنائهم کأنهم جزء من أسرتهم کانوا يتعطفون لهم وکانوا يتصادقون معهم وکانوا يعينانهم ويحرضون أتباعهم بالقيام بالأعمال الودية بالنسبة إليهم، کي تستمر الحياة والعيش بين أتباعهم وبين أتباع سائر الفرق الإسلامية بأحسن طريقة.

   أما في المنهج الثاني رأيناهم (عليهم السلام)کانوا متشددين وصامدين في مواجهة المسائل التي کانت ترتبط بالجانب العقيدي للمسلمين ولأتباعهم. يعني أنهم کانوا يقابلون الأفکار المنحرفة والعقائد والکلمات التي کانت تضل المسلمين. هم (عليهم السلام) في هذا المجال لم يکونوا يتجاملون أحدا حتي الخلفاء الذين کانوا علي رأس الحکم.

 

المصادر

القرآن الكريم

1.      إصفهاني، راغب، مفردات الفاظ القرآن، سليمان زاده، پاييز1384.

2.      أبوصالح، حسان عبدالله، مقالة الوحدة الإسلامية في القرآن والسنة وأقوال العلماء، ص54، مجلة الثقافة الإسلامية، العدد45، 1992م.

3.   بخاري، محمد بن اسماعيل، صحيح البخاري، شرح مصطفي ديب البغا، بيروت ودمشق، دار ابن کثير، اليمامة للطباعة والنشر، چاپ پنجم، 1414ق.

4.      نيشابوري، مسلم بن حجاج، صحيح مسلم، بيروت، دار الکتب العلمية، چاپ اول، 1411 ه.ق.

5.      الشنقيطي، محمد الأمين الجكني،  أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن  ، مطبعة المدني. الطبعة الأولى، 1386ه.ق.

6.      أبوصالح، حسان عبدالله، مقالة الوحدة الإسلامية في القرآن والسنة وأقوال العلماء، ص54، مجلة الثقافة الإسلامية، العدد45، 1992م.

7.      شرف الدين، عبدالحسين، الفصول المهمه في تأليف الأمه، الطبعه الثانيه, العرفان, صيدا, شعبان 1347.

8.   الکليني، محمد بن يعقوب بن اسحاق، اصول الکافي، قم انتشارات اسوه،1414ه.ق. ودار الكتب الإسلامية، تهران، چاپ چهارم، 1407ه.ق.

9.   السيوطي، الجلال السيوطي، الفتح الكبير في ضم الزيادة إلى الجامع الصغير، مطبعة دار الكتب العربية الكبرى مصطفى الحلبي وأولاده، 1351ه.ق. 1932م.

10. الصفار ، الشيخ حسن موسى، رسالة التقريب، العدد54، 1385 ه.ش.

11. حماده، د. فاروق، الوصية النبوية للأمه الإسلامية في حجة الوداع، بيروت، 1415ه.ق.

12. شافعي، محمدبن ادريس، كتاب الأم، دار الفكر، بيروت، ط1، 1400ه.ق.

13. ابن حسام، علاءالدين علي (متقي هندي)، كنز العمال، مطبعة دائرة المعارف النظاميه 1312 هـ . ق، بحيدر آباد دكن.

14. العاملي، محمد بن الحسن (شيخ حرّ عاملي)، وسائل الشيعة، چاپ اول‏، مؤسسة آل البيت (عليهم السلام)‏، قم‏، 1409 ه.ق‏. وچاپ دوم، 1414ه.ق.

15. الطبرسي، ابونصر حسن بن فضل، مكارم الأخلاق، چاپخانه حيدري، تهران، 1376 ه.ق.

16. سجستاني، سليمان بن أشعث، سنن ابي داوود، تحقيق سعيد محمد اللحام، دارالفکر، بيروت،1410ه.ق.

17. النسائي، احمد بن شعيب، السنن للنسائي، دار الفكر، بيروت، ط1، 1930م.

18. ابن ماجة، محمد بن يزيد القزويني، السنن لإبن ماجة، تحقيق عبد الباقي، محمد فؤاد، دار الفكر، بيروت، 1395ه.ق. / 1975م.

19. ابن انس، مالک ابوعبدالله، الموطأ، مطبعه الدوله التونسيه، تونس،۱۲۸۰ه.ق.

20. الشافعي، أبي عبد الله محمد بن إدريس، مسند الشافعي، دار الكتب العلمية، بيروت، مطبعة بولاق الأميرية1400ه.ق.

21. المصطفوي، السيد جواد، مقالة التفاهم بين الشيعة وأهل السنة، مجلة آفاق الحضارة الإسلامية، العدد الثامن، السنة الرابعة.

22. آصفي، محمد مهدي، مقالة مشروع الوحدة الإسلامية ثقافيا وسياسيا، رسالة التقريب، العدد49، 1436.

23. شالباف، شوقي، مقالة صحيفة علي (عليه السلام) أول صحيفة إسلامية تقريبية، إصدار موقع مجمع التقريب بين المذاهب الإسلامية،2011م.

24. بي آذار شيرازي، عبدالکريم، مقاله همبستگي مذاهب اسلامي، نقلا عن مجلة رسالة الإسلام السنة الثالثة، العدد4، ص434

25. الصعيدي، عبدالمتعال، رسالة التقريب العدد 38، مقالة الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) والتقريب بين المذاهب.

26. ري شهري، محمد محمدي، ميزان الحکمة، چاپ اول، مرکز انتشارات دفتر تبليغات اسلامي، قم، 1362ه.ش.

27. ابن سيد الناس، محمد بن محمد بن محمد بن أحمد اليعمري الربعي أبوالفتح فتح الدين، عيون الأثر،  تعليق: إبراهيم محمد رمضان ، الطبعة  الأولى، دار القلم، بيروت، 1414 ه.ق/ 1993م. 

28. أزدي، الفضل بن شاذان، الإيضاح، تحقيق: جلال الدين الحسيني المحدّث، الطبعة الأولى، دانشگاه تهران، 1351 ه.ش.

29. الشوكاني، محمد، نيل الأوطار من أحاديث سيد الأخبار، دار الجليل، بيروت، 1973م.

30. الحلى، يحيى بنالحسن الاسدى، (ابن البطريق)، العمدة، جامعة المدرسين، قم ط1، 1407ه.ق.

31. الأميني، عبدالحسين اميني نجفي (العلامة الأميني)، الغدير، دار الكتاب العربي، بيروت، ط3، 1967م.

32. مباركفوري، محمد عبد الرحمن بن عبد الرحيم، تحفة الأحوذي في شرح الترمذي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1410 ه.ق.

33. هيثمي، ابن حجر، الصواعق المحرقة علي أهل الرفض والضلال والزندقة، تحقيق عبد الرحمن الترکي، وکامل محمد الخراط، چاپ اول، لبنان، مؤسسة الرسالة، 1417ه.ق.

34. محمد ابن سعد، الطبقات الكبرى، دار صادر، بيروت، ۱۳۷۷ ه.ق.

35. شافعي، ابوالقاسم علي بن حسن بن هبة الله (ابن عساكر)، تاريخ مدينة دمشق، تحقيق علي شيري، دار الفكر، بيروت، 1415 ه.ق.

36. طبري، أبوجعفر محمدبن جرير، تاريخ الطبري، دار التراث، بيروت، چاپ دوم، 1967م.

37. ابن اثير، الکامل في التاريخ، تحقيق علي شيري، چاپ اول، بيروت، دار احياء التراث العربي، 1408ه.ق.

38. بغدادي، احمد بن علي (خطيب بغدادي)، تاريخ بغداد، العلميه، بيروت، بي تا.

39. سليمان بن أحمد الطبراني، المعجم الكبير، دار إحياء التراث العربي، بيروت، تحقيق: حمدي عبد المجيد، ط2، مكتبة ابن تيمية، القاهرة، بي تا.

40. صالح، صبحي، نهج البلاعة ، مؤسسه ي دار الهجرة، قم، بي تا.

41. ابن ابي الحديد، عبد الحميد بن هبة الله بن محمد بن محمد بن أبي الحديد عز الدين المدائني المعتزلي، شرح نهج البلاغه، دار احياء الكتب العربيه، چاپ دوم، 1378 ه.ش.

42. ابن بابويه، محمد بن على‏، معاني الأخبار، تحقيق غفارى، على اكبر، چاپ اول، دفتر انتشارات اسلامى وابسته به جامعه مدرسين حوزه علميه قم، ‏قم، ‏‏1403 ه.ق.‏

43. اربلي، علي بن عيسي، كشف الغمة في معرفه الائمه (عليهم السلام)، تحقيق علي آل کوثر وعلي الفاضلي، مجمع جهاني اهل بيت (عليهم السلام)، تهران، 1426ه.ق.

44. بلاذري، احمدبن يحيي، انساب الأشراف،  دار التعارف للمطبوعات، بيروت، ۱۳۹7.

45. ابن اعثم کوفي، ابومحمد احمد، کتاب الفتوح، تحقيق علي شيري، بيروت، دارالأضواء، 1411ق.

46. أحمد، شهاب الدين (ابن عبد ربه الاندلسي المالكي)، العقد الفريد، القاهرة، المطبعةالعامرة، 1293 ه.ق.

47. ماوردي، علي بن محمد، الأحكام السلطانية والولايات الدينية، الطبعة الأولى بالمطبعة الحلبية عام 1380 هـ.ق.

48. النووي، ابوزكريا يحيي بن شرف، روضة الطالبين، دارالكتب العلمية، بيروت، لبنان، چاپ1، 1412هـ .1992م.

49. القلقشندي، مآثر الأناقة في معالم الخلافة، تحقيق عبئ الستار أحمد فراج، عالم الکتاب، بيروت، الطبعة الأولي، 180م.

50.  الشربيني، شمس الدين محمد بن الخطيب، مغني المحتاج، دار المعرفه، بيروت، لبنان، چاپ 1، 1418ه.ق. / 1995م.

51. المودودي، أبوالأعلى، نظرية الإسلام وهدية في السياسة والقانون والدستور، القاهرة، دار الفكر،1969م.

52. عوده، عبد القادر المختار،  الإسلام وأوضاعنا السياسية، تأليف  الإسلامي، القاهرة، 1978م.

53. ابن الجوزي، عبد الرحمن بن علي، المنتظم في تاريخ الملوک والأمم، چاپ اول، بيروت، دار صادر، 1358ه.ش.

54. ابن کثير دمشقي، البداية والنهاية، دارالفکر، بيروت، 1407ه. ق.

55. ابن العماد، شذرات الذهب في أخبار من ذهب، تحقيق، عبد القادر الأرناؤوط، ط 1، مطبعة دار ابن كثير، دمشق، 1992 م.

56. ابن منظور، جمال الدين ابوالفضل محمّد بن مكرّم، مختصر تاريخ دمشق، دارالفكر، دمشق، 1404ه.ق.

57. الذهبى، شمس الدين محمد بن احمد، سير اعلام النبلاء، تحقيق حسّان عبد المنّان، بيت الافکار الدولية، لبنان، 2004م. وموسسة الرسالة، بيروت، 1413 ق .

58. الأمين، السيد محسن، أعيان الشيعة، تحقيق حسن‌الامين، دارالثقافة للمطبوعات، بيروت، 1403ه.ق.

59. حسين، الحاج حسن، الإمام السجاد جهاد وأمجاد، دار المرتضى، بي تا.

60. ابن شهر آشوب، محمد بن علي بن شهر آشوب، مناقب، المکتبة الحيدرية، نجف اشرف، 1376 ه.ق.

61. مفيد، محمد بن محمد بن نعمان، الإرشاد، مکتبة بصيرتي، قم، بي تا.

62. مجلسي، محد باقر، بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار، چاپ دوم، دارإحياء التراث العربي، بيروت، 1403ه.ق.

63. حيدر، اسد، الإمام الصادق والمذاهب الأربعة، ط2، بيروت، دار الکتاب العربي، 1390ه.ق.

64. صلواتى، فضل الله، تحليلى از زندگانى ودوران امام محمد تقى، اصفهان، انتشارات خرد، 1364 ه.ش.

65. القمي، شيخ عباس، منتهي الآمال، نشر المؤمنين، ايران، 1379 ش.

66. عسکري، نجم الدين جعفربن محمد، المهدي الموعود المنتظر عند علماء اهل السنة والإمامية، تهران، موسسه امام مهدي عجل الله تعالي فرجه الشريف، 1360ه.ش.

67. برقي، شيخ ابوجعفر احمد بن محمد بن خالد بن عبدالرحمن بن محمد بن علي، المحاسن، دارالکتب الاسلاميه، قم، 1371 ه.ش.

68. ابن شهر آشوب، رشيد الدين ابوعبد الله محمد بن علي بن شهر آشوب، مناقب آل ابيطالب، دار الأضواء، بيروت، ۱۴۰۵ ق. ووچاپ اول، نشر علامه، ‏قم‏، ‏1379 ه.ق‏.

69. حرانى، ابن شعبه، حسن بن على، تحف العقول، تحقيق غفارى، على اكبر، چاپ: دوم‏، جامعه مدرسين‏، قم‏، 1404 / 1363 ق‏

70. تسخيري، محمد علي، حول الوحدة والتقريب، مجمع جهاني تقريب مذاهب اسلامي، مديريت مطبوعات ونشر، تهران، 1383.

71. ابن خلكان، ابوالعباس شمس الدين احمد بن شهاب الدين محمد بن ابراهيم بن ابي بکر، وفيات الأعيان، تحقيق د. إحسان عباس، دار صادر، بيروت 1969م.

72. الطبرسي، أبي علي الفضل بن الحسن، إعلام الورى، مؤسسة آل البيت لإحياء التراث، قم، الطبعة الأولى 1417هـ .ق.

73. علم الهدي، علي بن حسين، الشافي، تصحيح حسيني ميلاني، فاضل، تحقيق حسيني، عبد الزهراء، موسسه الصادق (عليه السلام)، تهران، بي تا.

74. ابن بابويه، محمد بن على‏، عيون أخبار الرضا (عليه السلام)، تحقيق لاجوردى، مهدى‏، چاپ: اول، نشر جهان، تهران، ‏‏1378 ه.ق‏.

 

 

 

 

 

 



[1] . خرّيج مرحلة الدّكتوراه للمؤسّسة العالميّة للدّراسات الإسلاميّة ومدير مجمع الحوار الإسلاميّ بمعهد الدّراسات التّقريبيّة في قم المقدّسة والعضوالسابق في اللّجنة العلميّة في جامعة أهل البيت (عليهم السّلام) الدّولية في طهران:09198517583

m66546m@yahoo.com

[2] . باحثة إسلاميّة في مدرسة المعصوميّة للدّراسات العالية بقم المقدّسة.

[3] . باحث إسلاميّ والماجيستر في فرع العلوم القرآنيّة بجامعة شاهد في طهران.

[4] . الحجرات:12.

[5] . المفردات، ص51. ؛ الوحدة الإسلامية عناصرها وموانعها، ص 118.

[6]. الوحدة الإسلامية عناصرها وموانعها، ص122.

[7] . القصص:55.

[8] . الفرقان:63. والزّخرف:89.

[9] . صحيح البخاري، باب الفتن، ص2؛ صحيح مسلم، باب الامارة، ص53.

[10] . البقرة: 84.

[11] . النّور: ١٢. أضواء البيان، ج٣ ، ص٤٤١.

[12] .صحيح البخاري، ص7. ؛ صحيح  مسلم، ص44.

[13] . صحيح البخاري، ص1863.

[14] . أبوصالح، حسان عبدالله، مقالة «الوحدة الإسلامية في القرآن والسنة وأقوال العلماء»، منقول من مجلّة الثّقافة الإسلامية، العدد45، ص54.

[15] . الفصول المهمّة، ص29.

[16] . الوحدة الإسلامية عناصرها وموانعها، ص109 – 110.

[17] . مقالة «التّفاهم بين الشيعة وأهل السنة»، مجلّة آفاق الحضارة الإسلامية، العدد الثامن، ص219.

[18] . الکافي، ج1، ص54. ؛ الجامع الصغير، ج1، ص115.

[19] . الوصيّة النّبويّة: ص٩٩ - ١٠٠ .

[20] . مجلّة رسالة التّقريب، العدد 13.

[21] . صحيح البخاري، باب الفتن، ص2؛ صحيح مسلم باب الامارة، ص53.

[22] . الوصيّة النّبوية للأمّة الإسلاميّة في حجّة الوداع، ص٤٣.

[23] . کتاب «الأم»، ج4، ص181.

[24] . صحيح مسلم، ج7، ص121.

[25] .  صحيح البخاري، ج1، ص7.

[26] . کنز العمال، ج1، ص152.

[27] . صحيح مسلم، ج4، ص 1996.

[28] . نفس المصدر، ص 1999.

[29] . وسائل الشيعة، ج11، ص108.

[30] . مکارم الأخلاق، ص143. ؛ أصول الکافي، ج2، ص163.

[31] . صحيح البخاري، باب الفتن، ص2؛ صحيح مسلم، باب الإمارة، ص53.

[32] . صحيح البخاري، ج1، ص11. ؛ سنن أبي داوود، ص50، موطأ مالک، ص7، مسند أحمد، ج2، ص445.

[33] . سنن ابن ماجة، ص950.

[34] . ميزان الحکمة، ج، 2ص66 الجماعة.

[35] . الحجرات:10.

[36] . التّوبة: ٢٣.

[37] . الكتاب النّبويّ في عيون الأثر، ج١، ص ٢٣٨.

[38] . نفس المرجع السابق.

[39] . الحشر: 8-10.

[40] . الحجرات: ١٣.

[41] . الأحزاب: ٦.

[42] . مسلم، كتاب البر، باب تحريم ظلم المسلم وخذله.

[43] . مقالة صحيفة علي (عليه السلام) أول صحيفة إسلامية تقريبية، إصدار موقع مجمع التقريب بين المذاهب الإسلامية.

[44] . صحيح البخاري، ج4، ص30 باب فكاك الأسير، وج8، ص45 باب العاقلة. ؛ الإيضاح، ص46. ؛ نيل الأوطار من أحاديث سيّد الأخبار، ج7، ص150. ؛ العمدة، ص314. ؛ الغدير، ج8، ص168. ؛ سنن ابن ماجة، ج2، ص887 .؛ سنن النّسائيّ، ج8، ص23. ؛ تحفة الأحوذيّ في شرح التّرمذيّ، ج4، ص556. ؛ مسند الشافعيّ، ص190. ؛ الصّواعق المحرقة، ص15. ؛ الطّبقات الكبرى، ج2، ص338. ؛ تاريخ مدينة دمشق، ج42، ص399. ؛ كتاب الأم، ج6، ص5. ؛ المعجم الكبير، ج12، ص114.

[45] . نهج البلاغة، الخطبة167.

[46].  نهج البلاغة صبحي صالح، الخطبة152، ص212.

[47] . نفس المصدر، الخطبة96، ص141.

[48] نهج البلاغة خطبه192، ص296.

[49] . مقالة «مشروع الوحدة الإسلامية ثقافيا وسياسيا»، رسالة التّقريب، العدد49 .

[50] . نهج البلاغة، خطبه127، ص184.

[51] . مقالة «همبستگي مذاهب اسلامي»، ص207 نقلا عن مجلة رسالة الإسلام السنة الثالثة، العدد4، ص434.

[52] . نهج البلاغة، خطبه5.

[53] . نفس المصدر، خطبه‌ 18.

[54] . تاريخ المدينة، ص336.

[55] . معاني الأخبار، النص، ص 361.

[56] . تاريخ الطبري، ج5، ص73.

[57] .  مقالة «الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) والتّقريب بين المذاهب»، رسالة التّقريب، العدد 38.

[58] . كشف الغمّة، ص170.

[59] . أنساب الأشراف، ج3، ص43.

[60] . الفتوح، ج4، ص293.

[61] . الكامل في التاريخ، ج3، ص409. ؛ العقد الفريد، ج1، ص181.

[62] . أنساب الأشراف، ج3، ص152.

[63] . الأحكام السّلطانيّة، ص6. ؛ روضة الطّالبين، ج7، ص262. ؛ مآثر الإناقة في معالم الخلافة، ج1، ص39. ؛ مغني المحتاج، ج4، ص130. ؛ نظريّة الإسلام وهديه، ص57. ؛ الإسلام وأوضاعنا السياسيّة، ص146.

[64] . المنتظم، ج5، ص343. ؛  البداية والنهاية، ج8، ص192. ؛ شذرات الذّهب، ج1، ص69.

[65] . مختصر تاريخ دمشق، ج17، ص230.

[66] . سير اعلام النّبلاء، ج4؛ ص397.

[67] . أعيان الشّيعة، ج‏1، ص630.

[68] . الإمام السّجّاد جهاد وأمجاد، ص175.

[69] . آل عمران، 24.

[70]. بحار الأنوار، ج 46، ص132. ؛ المناقب، ج3، ص297. والإمام السّجّاد جهاد وأمجاد، ص176.

[71] . بحار الأنوار، ج46، ص 132.

[72]. إرشاد المفيد، ج2، ص153. ؛ الإمام السّجّاد جهاد وأمجاد، ص178.

[73]. الإمام السّجّاد جهاد وأمجاد، ص179.

[74]. بحار الأنوار، ج46، ص73. ؛ إرشاد المفيد، ص271.

[75] . الإمام الصّادق والمذاهب الأربعة،ج2، ص113-126.

[76] . النّمرقة: الوسادة الصّغيرة. والتّشبيه باعتبار أنّها محل الاعتماد.

[77] . أي ليس معنا صك وحكم ببراءتنا وبراءة شيعتنا من النّار وان عملوا بعمل الفجّار. «ولا على اللّه لاحد من حجة» أي ليس لاحد على اللّه حجة إذا لم يغفر له بأن يقول كنت من شيعة على فلم لم تغفر لي، لأن اللّه تعالى لم يحتم بغفران من ادّعى التّشيع بلا عمل: الكافي (ط - الإسلامية)، ج‏2، ص76.

[78] . المحاسن للبرقي، ص285.

[79] . شرح نهج البلاغه لابن أبي الحديد، ج15، ص77.

[80] . بحار الأنوار، ج46، ص357. ؛ الكليني، ج6، ص .266.

[81] . مناقب آل أبي طالب، ج3، ص 327. ؛ بحار الأنوار، ج46، ص294.

[82] . الصواعق المحرقة، ج2، ص586.

[83]. الوحدة الإسلامية عناصرها وموانعها، ص96 و97.

[84]. بحار الأنوار، ج47، ص16.

[85] . تحف العقول، ص279.

[86] . حول الوحدة والتقريب، ص88.

[87] . مختصر تاريخ دمشق، ج23، ص83.

[88] . الكافي (ط - الإسلامية)، ج‏2، ص 636.

[89] . ارشاد المفيد، ج2، ص231. ؛  كشف الغمة، ج2، ص228. ؛ المناقب، ج4، ص318. ؛ تاريخ بغداد، ج13، ص27. وفيات الأعيان، ج5، ص308. سير أعلام النبلاء، ج6، ص271. ؛ الفصول المهمة، ص237.

[90] . إعلام الورى، ج‏2، ص26- 27.

[91] . أعيان الشيعة، ج‏1، ص331.

[92] . بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار (ط - بيروت)، ج‏75، ص326.

[93] . نفس المصدر، ج‏2، ص6.

[94] . الشافي، ج2، ص19.

[95] . بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار، ج68، ص288.

[96] . عيون اخبار الرضا، ج2، ص160.

[97] . بحار الانوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار، ج49، ص84.

[98] . أعيان الشيعة، ج‏2، ص37.

[99] . كافى ، ج5، ص112 وص118. ؛ بحار الانوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار، ج50، ص86 وص87.

[100] . بحار الانوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار، ج77، ص133.

[101] . الإمام الجواد، ص 166. ؛ بحار الانوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار، ج50، ص106.

[102] . تحليلى از زندگانى ودوران امام محمد تقى، ص 476.

[103] . منتهي الآمال، ج2، ص432.

[104] . إرشاد مفيد، ص324.

[105] . وسائل الشيعة، ابواب التجارة.

[106] . المهدي الموعود، ج1، ص276 وص277.

[107]  . نفس المصدر، ج1، ص264،275، 277، 285، 287، 288، 311، 31 وج2، ص11.