مبادرة هيئات المجتمع المدني لتشكيل إستراتيجية الوحدة

مبادرة هيئات المجتمع المدني لتشكيل إستراتيجية الوحدة

 

 

مبادرة هيئات المجتمع المدني لتشكيل إستراتيجية الوحدة

 

زهير عبد الهادي المحميد

مستشار ـ شؤون إستراتيجية،

تخطيط ودراسات، دولة الكويت

 

بسم الله الرحمن الرحيم

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ)(سورة محمَّد: آية 7)

المقدمة:

تواجه الأمة الإسلامية تحديات كبرى منذ عقود تهددها على مختلف الأصعدة بينما تزداد انقساماً وتفتتاً أمام تلك التحديات مما جعلها عديمة الفعالية على الساحة الدولية وتطوراتها لكونها لا تتحرك ككتلة واحدة موحدة، بل كأقطار ذات أولويات مختلفة وفي بعض الأحيان متضاربة، تراعي مصالحها الذاتية وفق لغة المصالح وضمن شرعة الأمم التي وضعت وفق شروط المنتصرين بعد الحرب العالمية الثانية، مما جعل النظم الرسمية الإسلامية بشكل عام بعيدة عن تبني الأولويات الشعبية للأمة الإسلامية.

هذا بدوره وسع الهوة بين النظام الرسمي الإسلامي والشعوب المسلمة، مما أفقد العديد منها مورد القوة والشرعية والذي يستمد من تمثيل الشعوب وبالتالي جعلها عرضة للابتزاز من القوى الكبرى اللاعب الأساس في مسرح العمليات الدولي والإقليمي وفي بعض الحالات المحلي، بل أصبحت تستهلك قرارات الغير على شاكلة ردود الأفعال المتناقضة بدلاً من صناعة مستقبلها وشكل العالم من حولها.

هذا الضعف المذل للنظام الرسمي الإسلامي والمتمثل بمواقف الدول الأعضاء بمنظمة المؤتمر الإسلامي إزاء القضايا المحورية وعلى رأسها القضية الفلسطينية، أبرز تقدم الموقف الشعبي الإسلامي على الموقف الرسمي، وتبين ذلك بوضوح عندما أخذت المقاومة الشعبية في لبنان وكذلك في فلسطين زمام المبادرة بالدفاع عن المقدسات بفعالية افتقرت لها الأنظمة الرسمية، وأخذت بتغيير الواقع المذل والمفروض على الأمة بكسر ثقافة الاستسلام وسياسة الإذعان للأمر الواقع عندما واجهت أسطورة الجيش الصهيوني الذي لا يقهر و هزمته رغم كل جبروته ودعم الدول الكبرى له وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية التي عملت جاهدة لفرض الشرق الأوسط الجديد المدجن والتابع للصهاينة، مما كشف ضعف وإهتراء أطروحات النظام الرسمي الإسلامي وأحرجه أمام شعوب الأمة ، حيث أخرجت ثقافة المقاومة المواجهة مع الصهاينة مع إطارها الضيق كنزاع صهيوني فلسطيني، إلى مواجهة بين الصهيونية العالمية والعالم الإسلامي متمثلاً بحركة الشعوب ونهضتها لاستعادة المقدسات والموقعية الدولية التي تستحقها كخير أمة أخرجت للناس.

نظراً لانقلاب الصورة وتقدم العمل الشعبي المتمثل بهيئات المجتمع المدني على العمل الرسمي، عمدنا بهذه الورقة المختصرة التعرض لمبادرة هيئات المجتمع المدني لتشكيل إستراتيجية الوحدة بعد عرض مقوماتها وأسسها، ومن ثم بلورة الدور الشعبي للأمة وفق أطر إستراتيجية تحد الأولويات وفق المشتركات، وتعزيزها بآليات عمل دافعة لها لإخراجها من الإطار النظري إلى الواقع العملي نحو تغيير واقع الحال لما هو أفضل وأعز لأمة المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم)، وبذلك يكون أساساً دافعاً لتطوير الأداء الرسمي الإسلامي لمحاكاة مبادرة حركة الأمة والتكامل معها.

 

محدوديات البحث ـ التعاريف.

** تتناول هذه الورقة المختصرة بشكل عام دور هيئات المجتمع المدني في العالم الإسلامي لصياغة إستراتيجية الوحدة، والأخذ بزمام المبادرة لتغيير الواقع انطلاقاً من المشتركات بعد التوافق على الأولويات، وتحديد آليات العمل لتحقيق إستراتيجية الوحدة بشمولها.

** تعريف الوحدة: تجمع أو نظم لجزيئات في بوتقة واحدة لتشكل حالة إتحاد أو حالة تداخل متكاملة لخدمة أهداف أو أعمال موحدة.

** تعريف المبادرة (Initiative): الإقدام على مسار جديد أو عمل مستحدث وغير مألوف لتغيير الواقع المتعارف عليه لما هو أفضل منه وصناعة الحدث الحديد وتعميمه.

** تعريف المبادرة الإستراتيجية (Strategic Initiative): سياسات مستحدثة في جوانب مشخصة ذات وقع وتأثير ومدى يفوق عملية التغيير المشخصة بحد ذاتها، والمبادرة الإستراتيجية على نوعين:

أ ـ المبادرة الإستراتيجية الأفقية المتشعبة التأثير.

ب ـ المبادرة الإستراتيجية العامودية المتتالية التأثير.

 

** تعريف الريادة: موقعية تقدمية مبتكرة وصانعة للفكر والحدث بمختلف صنوفه العلمية والثقافية والاستكشافية والتنموية وغيرها من الشؤون الحياتية البشرية، لم يسبق أن توصل إليها أحد من قبل.

** تعريف هيئات المجتمع المدني: المجتمع المدني بالمفهوم الخاص يشير إلى مجمل المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية التي تتصف بكونها: غير الحكومية/ غير ارثيه/ لا تهدف إلى الربح/ طوعية الانتماء إليها/ حداثية في بنيتها وتكوينها. ويرتبط نشاطها عضوياً بفلسفة المجتمع المدني (منظومة الثقافة المدنية) التي تتضمن مجموعة القيم الثقافية اللازمة لنشاط المجتمع المدني وهي حداثيه تتباين مع القيم القبلية والعصبوية ومع قيم النظم الشمولية، وتشكل مجموعة المحفزات والدوافع لسلوك الأفراد ونشاطاتهم في مؤسسات مدنيه.

** تعريف دپلوماسية المسار الثاني (الدپلوماسية الشعبية) :

هناك عدة تعاريف لدپلوماسية المسار الثاني نورد منها الآتي:

أ ـ نوع خاص من الدپلوماسية الغير رسمية، حيث ينخرط أشخاص غير رسميين (أكاديميين، موظفين مدنيين متقاعدين، عسكريين متقاعدين، شخصيات عامة، وناشطين اجتماعيين) بمحادثات بهدف إيجاد حلو لمشاكل محددة أو بناء الثقة.

ب ـ الرسميين يعبر عنه بدپلوماسية السمار الأول أي الدپلوماسية الحكومية (ثنائية أو متعددة الأطراف) فدپلوماسية المسار الثاني موصوفة بجميع الأنشطة التي تنفذ خارج نطاق القنوات الحكومية.

ج ـ محادثات غير رسمية معنية بالسياسات، تركز على إيجاد الحلول للمشاكل، حيث يكون للمشاركين بها القدرة على التواصل مع دوائر صانعي القرار.

الفصل الأول

مقومات الوحدة

إن الاختلاف بالرأي أمر طبيعي لدى المخلوقات فهو ليس بالضرورة تهديد، إنما على العكس من ذلك فقد يكون ثروة يتكامل بها الإنسان مع أخيه الإنسان، فقد أشار النبي الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) «لا مظاهرة أوثق من المشاورة، ولا عقل كالتدبير»، مما يدلل على طبيعة اختلاف الآراء، حيث لا يوجد بشر مطابق لآخر مع كثرتهم والاستمرار بتكاثرهم، فقد تم تقنين هذا الاختلاف من خلال أسس عدة، مما يساعد على تكامل الإنسان مع أخيه الإنسان .

هذا، كما أن الوحدة لا تعني الذوبان بالآخر وفقدان الهوية أو الخصوصية، بل البحث عن المشتركات والانطلاق منها نحو تذليل العقبات واحترام ما نختلف به عن بعض مع حفظ مكانة الطرف الآخر والالتزام بالموضوعية في العلاقة واحترام الرأي المقابل دون التجريح الشخصي والحكم على النوايا، حيث أن الله أعلم بما في القلوب، وهذا ليس من خصائص البشر.

بعد تعدد المحاولات لإنشاء وحدة متكاملة تتعزز بها المصالح والمواقف ومع فشلها أو جمودها في أحسن الأحوال، تولدت قناعات متباينة حول إمكانية تأسيس وحدة عملية بين مجاميع وتيارات مختلفة وبين الدول والأمم أيضاً، وبما أن العالم الإسلامي يواجه تحديات جسام من قبل كتل كبرى من الدول على صعيد الهوية والثقافة والحضارة، فقد بات من الضروري النظر إلى إمكانية إنشاء كتلة إسلامية موحدة قابلة للتكامل فيما بينها ومنافسة الكتل الأخرى من خلال آليات عمل راشدة، تصنع الحدث والمبادرات بدلاً من استهلال استراتيجيات الغير، وتترجم النظريات إلى واقع عملي حفاظاً على هويتها وأمتها ومقدساتها.

** ماهية الوحدة وأسسها.

إن الوحدة كانت حلم الأنبياء والمرسلين حين بعثوا لتوحيد أممهم نحو كلمة سواء، وقد استمر المصلحين منذ خاتم الأنبياء (عليهم السلام) وإلى يومنا هذا وإلى ما شاء الله بالسعي نحو الوحدة، كما سعى حتى المفسدين في الأرض إلى الوحدة أيضاً، إلا أن مفهوم ومنطلقات الوحدة اختلفت باختلاف الغايات، مما حتم اختلاف الوسائل لتنفيذها، ونود أن نورد في هذا الفصل أنواع الوحدة للتعرف عليها وعلى وسائلها وأهدافها والأسس التي تقام عليها:

** أنواع الوحدة:

إن الوحدة التي يتم التحدث عنها بين مختلف مجاميع البشر ليست متطابقة من حيث الأهداف والمضامين، لذا لزم التعرف عن أي وحدة نتحدث قبل الخوض في تفاصيل تلك الوحدة، فالوحدة تبنى كما ذكرنا على أهداف مختلفة ويتم الشروع بتطبيقها أيضا بأدوات مختلفة، ونعرض هنا لأنواع من الوحدة والمراد منها:

أ ـ الوحدة الفكرية: وهي الوحدة التي تؤسس على الفكر وقد يكون ذلك مبني على العقيدة كالدين والمذهب أو أي فلسلفه أخرى معنية بنظرة خاصة للحياة.

والوحدة الفكرية تهدف لخدمة غايات معنوية وفلسفية وأخلاقية مشتركة، حيث يبحث الإنسان أو التجمع أو الدول عمن يشاركهم هذه الأفكار ليتكتلون حولها ويعملون على ترسيخها ونشرها كأداة لرفاه البشرية وتقدمها.

وكنموذج على ذلك التجمعات الإسلامية بمختلف مذاهبها أو وحدة الكنيسة الكاثوليكية المتمثلة في الفاتيكان، وكذلك التجمعات والدول الشيوعية أو الماركسية سابقاً. ومن هذه الوحدات ما فشل في مدة قصيرة ومنها ما دام لسنوات طويلة ومثال على ذلك حلف وارسو الذي أقيم على المنظور الماركسي.

ب ـ الوحدة الاجتماعية: وهي الوحدة التي تؤسس على الانتماء وهي إما عائلية كالإقطاعيين أو قبلية أو مناطقية ومن ثم أيضاً الوطنية والقومية.

والوحدة الاجتماعية تهدف لخدمة غايات ومنافع عرقية أو جماعية مشتركة ، حيث يبحث الإنسان أو التجمع أو الدول عمن يشاركهم عرقياً ليتكتلون حولها ويجعلون من هذه الوحدة أداة لحفظ مصالحهم ومنافعهم المشتركة.

وكنموذج على ذلك، التكتلات العائلية بمراكزها الاجتماعية وكذلك القبلية والعرقية والتي نشهد ظهور بعض المنتديات الخاصة بها، وكذلك دول مجلس التعاون الخليجي وجامعة الدول العربية على المستوى القومي.

ج ـ الوحدة الاقتصادية: وهي الوحدة التي تؤسس على المصالح أو المنافع الاقتصادية بين التجمعات أو الدول أو التكتلات الدولية.

والوحدة الاقتصادية تهدف لخدمة مصالح ومنافع مشتركة، حيث يبحث الإنسان أو التجمع أو الدول عمن يشترك معهم منفعياً ليتكاملوا من حيث القدرات ويجعلون من هذه الوحدة أداة لحفظ وتعظيم مصالحهم ومنافعهم المشتركة.

وكنموذج على ذلكن السوق الأوربية المشتركة ودول الآسيان ومنظمة الدول المصدرة للنفط أوپك ومجلس الوحدة الاقتصادية العربية.

د ـ الوحدة السياسية: وهي الوحدة التي تؤسس على أسس وقيم الحزب أو الدولة أو مجموعة الدول.

والوحدة السياسية تهدف لخدمة غايات ومصالح متعددة، حيث يبحث الإنسان أو التجمع أو الدول عمن يشترك معهم بالقيم والمفاهيم السياسية ويجعلون من هذه الوحدة أداة لتعظيم قدراتهم وحفظ كياناتهم مع العمل على تسيدها.

وكنموذج على ذلك، الاتحاد الأوروبي ، أو اتحادات قوى اليسار في بعض الدول مع اختلاف الأيديولوجيات بينها.

أيضاً كما أسلفنا فحتى المفسدين في الأرض والطغاة يسعون إلى الوحدة وبشروطهم ، وفي التاريخ أمثلة على ذلك كالإسكندر وناپوليون وغيرهم من الديكتاتوريين الذين سعوا إلى توحيد الأمم تحت إمرتهم وبقوة النار والحديد ومن خلال القوة العسكرية.

إن أنواع الوحدة المذكورة أعلا تختلف باختلاف الغايات وأيضاً بالآليات، مما يؤثر على مدى ديمومتها ويتعلق ذلك بديمومة الأغراض التي أنشات من أجلها هذه الوحدات، كما أن القيادات أو صناع القرار يعتبرون عنصر أساسي في عملية استدامة الوحدة من عدمها.

يتضح من الأنواع المختلفة الوحدة بأنها تشترك في أسس معينة وهي:

أ ـ التكتل لخدمة أهداف مشتركة.

ب ـ حفظ الخصوصية للتجمعات والتكتلات المشكلة للوحدة.

وهذا يتماشى مع النظرية الحديثة للإدارة الإستراتيجية ـ التعاون التنافسي أو (التعافس) أي دمج الكلمتين التعاون والتنافس (Co'opetition) بحيث يتعاون المتنافسون بشكل تكاملي مع حفظ الخصوصية لكل طرف دون المساس بالطرف الآخر بشكل سلبي أو تنافري قد يؤثر على المشتركات وبالتالي يخسر الجميع.

فقد تم تعريف نظرية التعافس (Co'opetition) كالآتي:

إن مصطلح (Co'opetition) قد تم استخدامه من قبل السيد نادار (Nadar) الرئيس التنفيذي لشركة نوفل (Novell) وقد تم استخدامه في الأبحاث الإستراتيجية من قبل براندنبرجر وستيوات 1966 وبراندنبرجر ونيلبف 1996 . المقصود بالمصطلح هو التركيز على المصالح المشتركة للمنافسين وهو بمثابة جسر يربط بشكل تكاملي بين المتنافسين.

هذا وقد ذكر براندنبرجر و نيلبف الآتي:

أحياناً تكون أفضل الطرق للنجاح بأن تسمح للآخرين ومن ضمنهم منافسيك بأن ينجحوا، وذلك بالبحث عن طرق تؤدي لنتيجة ربح / ربح لكل الأطراف.

هذه النظرية وتطبيقاتها تساعد بشكل كبير على تعظيم القدرات وخلق العمق الاستراتيجي لأي كيان أو تجمع في مناحي متعددة مما يساعد على الاستفادة من طاقات وقدرات الغير وتسخير القدرات الذاتية الخاصة لأغراض أخرى قد لا يتاح لها المجال في التوحد أو المشتركات مع آخرين، وبذلك يكون التجمع أو الدولة قد نظمت أولوياتها بشكل إستراتيجي ووفق أحدث نظم الإدارة وأطولها أمداً.

بناء على ما تقدم، يبقى علينا أن ننظر للواقع المعاشر للأمتين الإسلامية والعربية منذ تأسيس الكيان الصهيوني كناتج عن الحرب العالمية الثانية ونتسائل، هل من الممكن إيجاد وحدة إستراتيجية للنظم الرسمية الأعضاء في هيئة الأمم المتحدة المخطوفة من قبل الصهيونية العالمية، والأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي وجامعة الدول العربية، ونظراً لأدائهما العاجز إزاء القضية المحورية للأمتين الإسلامية والعربية ألا وهي قضية فلسطين وتحرير المقدسات؟ كذلك، ما هي الأرضية والمنهجية لتأسيس الوحدة الإستراتيجية للمجتمع المدني الإسلامي والعربي والإنساني نظراً للنجاحات المتكررة للمقاومات الشعبية والتي عجزت عنها النظم الرسمية لأكثر من ستين عاماً؟

الفصل الثاني

الدور الرسمي لتعزيز الوحدة

بالنظر لماهية الوحدة وأسسها ، ورغم وجود ما يجمع بشكل أكبر بكثير مما يفرق، وذلك من مشتركات عقائدية وثقافية واجتماعية بين الشعوب المسلمة، وكذلك من شؤون اقتصادية وفق لغة المصالح للأنظمة والدول، إلا أن الحال ورغم وجود مؤسسات رسمية على مستوى الدول ما زال بعيداً عن حدود الوحدة وبالتالي المنعة، حيث يتعامل النظام العالمي مع الأمة الإسلامية وكذلك العربية كدول مختلفة ومتفرقة ذات مصالح مختلفة، مما أضعف النظام الرسمي الإسلامي والعربي، وجعله عاجزاً عن صناعة أو تغيير الواقع الدولي لصالح قضاياه الحقة.

أيضاً ، تختلف مشروعية الأنظمة الرسمية في الأمة الإسلامية من حيث تمثيلها للشعوب من جهة، وتطبيقها للقيم الإسلامية، وهذا ما أسس لضعفها وتبعثر جهودها وضعف دپلوماسيتها ومنعتها، فقد أشار أمير قطر في خطابه للدعوة لاجتماع قمة عربية بعد العدوان الصهيوني على غزة في شهر يناير 2009 م بأنه إذا أردنا أن يستمع العالم لنا، فعلينا أن نستمع لشعوبنا، وقد أصاب بذلك عين الحقيقة لأساس المنعة للشعوب ومصدر قوتها، وهو انطلاق القيادة من القاعدة للتتماسك كوحدة واحدة ، مما يجعل لكلمة القادة الرسميين قوة وصدى لا يمكن تجاهله أو اللعب على تناقضه.

** معوقات النظم الرسمية الإسلامية للوحدة.

بناء على ما تقدم، ونظراً لكون النظم الرسمية الإسلامية أعضاء بالمؤسسات الدولية، إضافة لتعطيلها مختلف الخيارات الإستراتيجية المتاحة لها، والتزامها فقط بالمفاوضات كخيار استراتيجي أوحد ويتيم، لم يبقى لها سوى العمل الدپلوماسي وفق شرعة الأمم ومواثيق المنظمات الدولية، وللتعرف على سعة أفق التحرك المتاح لها، علينا بالتدقيق على هذه المواثيق الملزمة للدول الأعضاء، حتى نستوضح السقف الأعلى لهذه الأنظمة.

* آليات العمل ضمن منظمة الأمم المتحدة.

قبل التطرق لنظم وآليات العمل لهيئة الأمم المتحدة يتحتم التعرف على الظروف الموضوعية التي أفضت إلى تأسيس هذه المنظمة، ونورد أدناه لنبذة مختصرة لهذه الهيئة الأممية:

وضع تسمية (الأمم المتحدة) رئيس الولايات المتحدة الأسبق فرانكلين د. روزفلت، واستخدم هذا الاسم للمرة الأولى في إعلان الأمم المتحدة الصادر في 1 كانون الثاني / يناير 1942 ، خلال الحرب العالمية الثانية، عندما أخذ ممثلو 26 أمة من حكوماتهم تعهدا بمواصلة القتال سوياً ضد قوات المحور.

وقد اشترك في وضع ميثاق الأمم المتحدة ممثلو 50 بلد في أثناء مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالنظمة الدولية، الذي عقد في سان فرانسيسكو في الفترة من 25 نيسان / ابريل إلى 26 حزيران / يونيو 1945 .

وقد تباحث هؤلاء المفوضون على أساس مقترحات أعدها ممثلو الاتحاد السوفييتي والصين والمملكة المتحدة والولايات المتحدة في دمبارتون أوكس في آب / أغسطس 1944 . ووقع الميثاق ممثلو البلدان الخمسين يوم 26 حزيران / يونيو 1945 . ووقعته بعد ذلك پولندا، التي لم يكن لها ممثل في المؤتمر، فأصبحت واحدا من الأعضاء المؤسسين البالغ عددهم 51 دولة.

وبرزكيان الأمم المتحدة رسمياً إلى حيز الوجود يوم 24 تشرين الأول/ أكتوبر 1945 ، عندما صدق على الميثاق كل من الاتحاد السوفييتي والصين وفرنسا والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة الأمريكية، ومعظم الدول الموقعة عليه . ويحتفل بيوم الأمم المتحدة في 24 تشرين الأول/ أكتوبر من كل عام.

يتضح من هذا التعريف المختصر الظروف الموضوعية لنشأة المنظمة الأممية، حيث تم تبني الفكرة من قبل رئيس الولايات المتحدة الراحل فرانكلين د. روزفلت وكان ذلك إبان الحرب العالمية الثانية وهم الأممي. وتم وقع مقترحات الميثاق والاتفاق عليها من قبل المنتصرين في الحرب العالمية الثانية وهم أربعة من الأعضاء الدائمي العضوية الخمس في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والمعني بالحفاظ على السلم الدولي . ونورد أدناه لمقتطفات من الميثاق والنظام الداخلي والنظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية بغية التعرف على النظام العالمي الحالي ولعبة الأمم التي تم تصميمها لإدارة الشؤون الدولية وفق المنظور العام لصائغي هذه الوثائق التي شكلت واقعنا الحالي ولا زالت رغم بعض المحاولات المتواضعة لإدخال بعض التغييرات خصوصاً بالنسبة لنظام التصويت ليعكس المتغيرات الدولية الحالية.

النظام الداخلي لمجلس الأمن.

الفصل السابع ـ التصويت:

المادة 40 : يجري التصويت في مجلس الأمن وفقا للمواد ذات الصلة في الميثاق وبالنظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية.

مقتطفات من ميثاق الأمم المتحدة.

نحن شعوب الأمم المتحدة...

وقد آلينا على أنفسنا ان ننقذ الأجيال المقبلة من ويلات الحرب التي في خلال جيل واحد جلبت على الإنسانية مرتين أحزانا يعجز عنها الوصف ، وأن نؤكد من جديد إيماننا بالحقوق الأساسية للإنسان وبكرامة الفرد وقدره وبما للرجال والنساء والأمم كبيرها وصغيرها من حقوق متساوية ، وأن نبين الأحوال التي يمكن في ظلها تحقيق العدالة واحترام الالتزامات الناشئة عن المعاهدات وغيرها من مصادر القانون الدولي وأن ندفع بالرقي الاجتماعي قدما، وأن نرفع مستوى الحياة في جو من الحرية أفسح.

وفي سبيل هذه الغايات اعتزمنا...

أن نأخذ أنفسنا بالتسامح، وأن نعيش معا في سلام وحسن جوار، وأن نضم قوانا كي نحتفظ بالسلم والأمن الدولي، وأن نكفل بقبولنا مبادئ معينة ورسم الخطط اللازمة لها ألا تستخدم القوة المسلحة في غير المصلحة المشتركة، وأن نستخدم الأداة الدولية في ترقية الشؤون الاقتصادية والاجتماعية للشعوب جميعها.

 

الفصل الأول

في مقاصد الهيئة ومبادئها.

المادة 1

مقاصد الأمم المتحدة هي :

1 ـ حفظ السلم والأمن الدولي.

2 ـ إنماء العلاقات الودية بين الأمم على أساس احترام المبدأ الذي يقضي بالتسوية في الحقوق بين الشعوب وبأن يكون لكل منها تقرير مصيرها.

3 ـ تحقيق التعاون الدولي على حل المسائل الدولية ذات الصبغة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإنسانية.

4 ـ جعل هذه الهيئة مرجعاً لتنسيق أعمال الأمم وتوجيهها نحو إدراك هذه الغايات المشتركة.

تعتبر هذه المقدمة أو الديباجة من ميثاق الأمم المتحدة من الأمور التي تتوق إليها النفس البشرية وتحمل قيم سامية يصعب على أي طرف رفضها أو المطالبة بنقيضها، إلا وإنه كما يقال إن الشيطان يمكن في التفاصيل، وعادة ما يلجأ كل طرف لتفسير المصطلحات والمفردات وفق منظورة الخاص لمضامين تلك المصطلحات، فمنظور الدول الشيوعية كالاتحاد السوفييتي السابق والصين يختلف عن منظور الدول الغربية كالولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا (الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن) بالنسبة للحرية والعدل والمساواة والرقي الاجتماعي ، فهذه مصطلحات حمالة أوجه أي تتحمل العديد من التفسيرات بناء على المعتقدات، وفي حال عدم الاتفاق على تعاريف محددة لها بين الأطراف المعنية فمن السهل التلاعب بها واستخدامها لتبرير المواقف والأحداث تماما كما يحدث اليوم بالنسبة لمصطلحات الإرهاب والاعتدال والعقلانية وغيرها من المصطلحات التي يتم تفريغها من مضامينها الحقيقية وملؤها بمضامين تخدم الأغراض السياسية للدول دائمة العضوية صاحبة القرار ، فعلى سبيل المثال يتم التحدث عن المساواة وحفظ الكرامات للأفراد والأمم وكذلك عدم استخدام القوة المسلحة في غير المصلحة المشتركة ، وهنا من اليسير للمتابع للأمور على مسرح الأحداث الدولية أن يرى عدم المساواة بين الدول والشعوب وازدواجية المعايير خصوصا في قضية الصراع العربي الصهيوني والذي يتم التستر على جميع التجاوزات للصهاينة من استهانة بأبسط حقوق وكرامات الإنسان والشعوب، بل بتبرير جميع تلك التجاوزات على أنها أعمال دفاع عن النفس وفي المقابل يتم التعامل مع أي عمل مقاوم للاحتلال والتجاوز على الحقوق من الجانب العربي على أنه عمل من أعمال الإرهاب، وهذا ثابت في  التغطية الأمريكية لتلك التجاوزات باستخدام حق النقض الفيتو لصالح الكيان الصهيوني .

أيضا مأتم من حرب عدوانية على الإنسان والجماد في لبنان بأسره وقتل لنفس المحترمة والبريئة في الحرب التي شنها العدو الصهيوني على لبنان الشقيق في يونيو 2006 م ، وكذلك العدوان المستدام على الشعب الفلسطيني والذي توج بالعدوان الهمجي على غزة في ديسمبر 2008 م، حيث تم تغطية هذه الجرائم المعادية للإنسانية من خلال آليات العمل الحاكمة في مجلس الأمن . والشواهد كثيرة منذ احتلال الكيان الصهيوني لأرض فلسطين عام 1948 م وحتى تاريخه.

أيضا يتم التعامل مع قرارات مجلس الأمن بصفة انتقائية وبشكل مسيس وفق رغبات الدول الدائمة العضوية صاحبة حق النقض الفيتو وخصوصاً الولايات المتحدة الأمريكية صاحبة الفضل الأكبر في استخدام هذا الحق الجائر وبشكل وصائي على سائر الأمم لتعويم الكيان الصهيوني وإعطائه الحصانة الكاملة ضد أي نوع من أنواع المساءلة والمحاسبة والردع ، ويظهر ذلك جلياً بالقرارات التي يتم تطبيقها على الجانب العربي والإسلامي وغيره من الأمم الأخرى التي قد تعتبر أمم مارقة وفق المنظور الأمريكي، وذلك بالمقارنة مع القرارات التي تخص الكيان الصهيوني والتي لا يتم تفعيلها ، بل في حال المطالبة بتفعيلها يتم التعليل بأن عملية التفعيل ستضر بالعملية السياسية في الشرق الأوسط.

 المادة 2

تعمل الهيئة وأعضاؤها في سعيها وراء المقاصد المذكورة في المادة الأولى وفقاً للمبادئ الآتية:

1 ـ تقوم الهيئة على مبدأ المساواة في السيادة بين جميع أعضائها.

2 ـ لكي يكفل أعضاء الهيئة لأنفسهم جميعا الحقوق والمزايا المترتبة على صفة العضوية يقومون في حين نية بالالتزامات التي أخذوها على أنفسهم بهذا الميثاق.

3 ـ يفض جميع أعضاء الهيئة منازعاتهم الدولية بالوسائل السلمية على وجه لا يجعل السلم والأمن والعدل الدولي عرضة للخطر.

4 ـ يمتنع أعضاء الهيئة جميعاً في علاقاتهم الدولية عن التهديد باستعمال القوة أو استخدامها ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأية دولة أو على أي وجه آخر لا يتفق ومقاصد الأمم المتحدة.5 ـ يقدم جميع الأعضاء كل ما في وسعهم من عون إلى الأمم المتحدة في أي عمل تتخذه وفق هذا الميثاق ، كما يمتنعون عن مساعدة أية دولة تتخذ الأمم المتحدة إزاءها عملاً من أعمال المنع أو القمع.

6 ـ تعمل الهيئة على أن تسير الدول غير الأعضاء فيها على هذا المبادئ بقدر ما تقتضيه ضرورة حفظ السلم والأمن الدولي

7 ـ ليس في في هذا الميثاق ما يسوغ لـ الأمم المتحدة أن تتدخل في الشؤون التي تكون من صميم السلطان الداخلي لدولة ما.

وهنا أيضاً تحمل بنود المادة ما هو متفق عليه كمبادئ لحفظ الحقوق والكرامات إلا أنه يتم التجاوز عليها كما أسلفنا ، فقد تم اسقاط النظام الصدامي في العراق دون أي غطاء من الأمم المتحدة وذلك عائد للتهديد الفرنسي باستخدام حق النقض الفيتو في مجلس الأمن مما أدى إلى انكشاف الموقف الأمريكي والبريطاني في عملية سوء استخدام السلطة والقوانين والتجاوز على السلم الدولي وفق بنود ميثاق الأمم المتحدة ، والأخذ على عاتقهم بالتصرف خارج نطاق شرعة الأمم ، وكذلك الحال بالنسبة لعدم مشروعية التدخل بالسلطان الداخلي لأي دولة فقد شهدنا تدخلا سافراً في القضايا الداخلية وبتفاصيلها الدقيقة في الشأن اللبناني والفلسطيني ومحاولة تسيس القضايا وفق المنهجية الاستراتيجية للولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة.

الفصل الثاني.

في العضوية:

6 ـ إذا أمعن عضو من أعضاء الأمم المتحدة في انتهاك مبادئ الميثاق جاز للجمعية العامة أن تفصله من الهيئة بناء على توصية مجلس الأمن.

الذي يغطي جرائمه وفق هذا الامتياز الظالم والذي يتم من خلاله انتهاك ميثاق الأمم المتحدة  بشكل دائم ومتواصل حيث يتم إفراغ مواده من أي قيمة تذكر بالنسبة للأمم والشعوب المتجاوز عليها ، ولا يملك أحد إمكانية تفعيل هذا البند من الميثاق.

التصويت:

المادة 18 :

1 ـ يكون لكل عضو في الأمم المتحدة  صوت واحد في الجمعية العامة

2 ـ تصدر الجمعية العامة قراراتها في المسائل الهامة بأغلبية ثلثي الأعضاء الحاضرين المشتركين في التصويت.

وتشمل هذه المسائل: التوصيات الخاصة بحفظ السلم والأمن الدولي، وانتخاب أعضاء مجلس الأمن غير الدائمين، وانتخاب أعضاء المجلس الاقتصادي والاجتماعي، وانتخاب أعضاء مجلس الوصاية وفقا لحكم الفقرة الأولى 1 (ج) من المادة 86 ، وقبول أعضاء جدد في الأمم المتحدة  ووقف الأعضاء عن مباشرة حقوق العضوية والتمتع بمزاياها وفضل الأعضاء ن والمسائل المتعلقة بسير نظام الوصاية، والمسائل الخاصة بالميزانية.

الفصل الخامس

في مجلس الأمن :

تأليفه :

المادة 23

1 ـ يتألف مجلس الأمن من خمسة عشر عضواً من الأمم المتحدة  ، وتكون جمهورية الصين وفرنسا ، واتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية والمملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وآيرلندا الشمالية والولايات المتحدة الأمريكية اعضاء دائمين فيه . وتنتخب الجمعية العامة عشرة اعضاء آخرين من الأمم المتحدة  ليكونوا اعضاء غير دائمين في المجلس ويراعى في ذلك بوجه خاص وقبل كل شيء مساهمة أعضاء الأمم المتحدة  في حفظ السلم والامن الدولي وفي مقاصد الهيئة الأخرى، كما يراعى أيضا التوزيع الجغرافي العادل.

المادة 25

يتعهد أعضاء الأمم المتحدة  بقبول قرارات مجلس الأمن وتنفيذها وفق هذا الميثاق.

في التصويت:

المادة 27

1 ـ يكون لكل عضو من أعضاء مجلس الأمن صوت واحد.

2 ـ تصدر قرارات مجلس الأمن في المسائل الإجرائية بموافقة بتسعة من أعضائه.

3 ـ تصدر قرارت مجلس الأمن في المسائل الأخرى كافة بموافقة أصوات تسعة من أعضائه يكون من بينها أصوات الأعضاء الدائمين متفقة، بشرط أنه في القرارات المتخذة تطبيقاً لأحكام الفصل السادس، والفقرة 3 من المادة 52 ، يمنع من كان طرفا في النزاع عن التصويت.

النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية:

المادة 55

1 ـ تفصل المحكمة في جميع المسائل برأي الأكثرية من القضاة الحاضرين.

2 ـ إذا تساوت الأصوات رجح جانب الرئيس أو القاضي الذي يقوم مقامه.

فيما تقدم من نظام التصويت في هذه الهيئة الدولية، فإنه من الجلي بأنه يتم بشكل وصائي كامل على كافة الأمم والشعوب في القضايا المصيرية وذلك عائد لشرطية أصوات الأعضاء الدائمين متفقة، وهنا مكمن حق النقض الفيتو التي عانت منه الشعوب والأمم ، وهذا ما يجعل من النصوص الواردة في ميثاق الأمم المتحدة  مجرد قطعة أدبية لا تساوي الحبر على الورق بالنسبة للشعوب والأمم التي يمارس عليها التمييز بمعايير مزدوجة من خلال حق النقض الفيتو وفق المنظور الوصائي للدول الدائمة العضوية والحاكمة للعبة الأمم، ولتوثيق ما خلصنا اليه نورد أدناه إحصائيات عن استخدام حق النقض الفيتو تم ذكرها بتقرير في مجلة الوطن الالكترونية في 8 أبريل 2003 م :

منذ تأسيس الأمم المتحدة  عام 1945 استخدم الاتحاد السوفييتي وروسيا حق الفيتو (النقض) 120 مرة والولايات المتحدة 76 مرة وبريطانيا 32 مرة وفرنسا 18 مرة بينما استخدمته الصين خمس مرات يذكر أن كلمة فيتو غير موجودة أصلا في ميثاق الأمم المتحدة  . وينص الميثاق على أنه لا يمكن أن يصدر قرار من مجلس الأمن الا بعد أن يكون هناك تسعة أصوات من الأعضاء الخمسة عشر في المجلس ، بينهم 5 أعضاء دائمين ... خلال الحرب الباردة ، استخدم الاتحاد السوفييتي حق الفيتو باستمرار وبشكل روتيني وفي السنوات الأخيرة استخدمت الولايات المتحدة حق الفيتو باستمرار لحماية الحكومة الاسرائيلية من الانتقادات الدولية أو من محاولات الحد من أعمال الجيش الاسرائيلي.

* آليات العمل ضمن منظمة الإسلامي

على الصعيد الإسلامي لا زالت موقعية الدول الإسلامية ككتلة هامشية على المسرح الدولي وذلك من حيث تشكيل وصناعة القرار الأمم المتحدة  ، حيث يتم التعامل معها كدول متفرقة أو كمجاميع اقليمية كدول مجلس التعاون الخليجي على سبيل المثال أو قومية كجامعة الدول العربية فيهي بطبيعة تشكيلها لها مصالح وأهداف مختلفة قد تتعارض في عدة قضايا وعلى مختلف الأصعدة ، كما أن نظمها الحاكمة تختلف عن بعضها البعض من حيث المنطلقات والآليات والغايات فاغلبها لا يطبق التعاليم الإسلامية كحاكمية والبعض منها يسترشد ببعض احكام الاسلام بشكل محدود قد لا يتعدى الأحوال الشخصية ، أما البعض الآخر فلا يتعامل مع الاسلام الا في أضيق حالاته الشعائرية أو كمراسم محدودة بحدود دور العبادة لا علاقة لها بالحياة العامة وشؤون تنظيم وتصريف مصالح الأمة على مختلف الأصعدة.

قبل التطرق لمدى أهلية منظمة للعب دور حيوي ومنافس على الصعيد الدولي قد يرقى بها مستقبلا للمنافسة القطبية بناء على المنهجية الحضارية:

ان منظمة المؤتمر الإسلامي التي تضم في عضويتها سبعاً وخمسين دولة منظمة دولية تحشد مواردها وتوحد جهودها وتتحدث بصوت واحد للدفاع عن مصالحها وتامين رقي ورفاهية شعوبها وكل المسلمين في العالم.

تأسست المنظمة في الرباط بالمملكة المغربية في الثاني عشر من رجب 1389 هـ الموافق 25 سبتمبر 1969 م خلال المؤتمر الاول لقادة العالم الإسلامي الذي عقد في العاصمة المغربية على اثر الحيق الاجرامي الذي تعرض له المسجد الاقصى المبارك في الحادي والعشرين من اغسطس 1969 م على يد عناصر صهيونية في مدينة القدس المحتلة وبعد ستة اشهر من هذا الحديث التاريخي عقد في جد بالمملكة العربية السعودية المؤتمر الاول لوزراء خارجية الدول الإسلامية الذي قرر إنشاء الامانة العامة للمنظمة كي تقوم بمهمة التنسيق بين الدول الأعضاء وعين أمينا لها وحدد مقرها مؤقتا في مدينة جدة إلى أن تحرر مدينة القدس الشريف مقر المنظمة الدائم.

وفي محرم 1392 هـ (فبراير 1972م) أقرت الدورة الثالثة للمؤتمر الإسلامي لوزراء الخارجية ميثاق منظمة المؤتمر الإسلامي الذي جعل في طليعة أهدافه تعزيز التضامن بين الدول الإسلامية في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والعلمية والاجتماعية .

إن ممثلي:

مملكة أفغانستان ، الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، دولة الامارات العربية المتحدة ، دولة البحرين ، جمهورية تشاد، جمهورية مصر العربية ، الجمهورية الغينية ، الجمهورية الاندونيسية ، ايران ، المملكة الاردنية الهاشمية، دولة الكويت، الجمهورية اللبنانية، الجمهورية العربية الليبية، ماليزيا ، جمهورية مالي، الجمهورية الإسلامية الموريتانية، المملكة المغربية، جمهورية النيجر، سلطنة عمان، الجمهورية الإسلامية الباكستانية، دولة قطر، المملكة العربية السعودية، جمهورية السنغال، جمهورية سيراليون الجمهورية الصومالية الديمقراطية جمهورية السودان الديمقراطية ، الجمهورية العربية السورية الجمهورية التونسية الجمهورية التركية، الجمهورية العربية اليمنية.

المجتمعين في جدة من 14 إلى 18 محرم 1392 هـ الموافق 29 فبراير إلى 4 مارس 1972 م (ثلاثين عضوا) إذ يشيرون إلى مؤتمر ملوك ورؤساء دول وحكومات البلدان الإسلامية المنعقد في الرباط في الفترة ما بين 9 و 12 رجب عام 1389 هـ الموافق 22 إلى 25 سبتمبر 1969م

ويشيرون إلى مؤتمر وزراء الخارجية الإسلامي الأول المنعقد في جدة بتاريخ 15 ـ 17 محرم 1390 هـ الموافق 23 إلى 25 مارس 1970 م ومؤتمر وزراء الخارجية الإسلامي الثاني المنعقد في كراتشي بتاريخ 27 ـ 29 شوال 1390 هـ ، الموافق 26 ـ 28 ديسمبر 1970 م.

وهم مقتنعون بأن عقيدتهم المشتركة تشكل عاملاً قوياً لتقارب الشعوب الإسلامية وتضامنها.

وإذ يقررون الحفاظ على القيم الروحية والأخلاقية والاجتماعية والاقتصادية الموجودة في الاسلام والتي تظل عاملا من العوامل الهامة لتحقيق التقدم بين أبناء البشر.

ويعيدون التاكيد بتقيدهم بميثاق الأمم المتحدة وحقوق الإنسان الأساسية التي تعتبر أغراضها ومبادئها أساساً لتعاون مثمر بين جميع الشعوب.

ويصممون على توثيق أواصل الصداقة الاخوية والروحية القائمة بين شعوبها وحماية حريتها وتراث حضارتها المشتركة المبنية خاصة على مبادئ العدل والتسامح وعدم التمييز . ويعملون على تعزيز السعادة البشرية، وتقدمها وحريتها في كل مكان.

ويقررون توحيد جهودهم لإقامة سلام عالمي يوفر الأمن والحرية والعدالة لشعوبهم وجميع شعوب العالم.

وقد حدد الميثاق أهداف المنظمة كما يلي:

1 ـ تعزيز:

أ ـ التضامن الإسلامي بين الدولي الأعضاء.

ب ـ التعاون بين الدول الأعضاء في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعلمية.

ج ـ كفاح جميع الشعوب الإسلامية من أجل الكرامة والاستقلال والحقوق الوطنية.

2 ـ التنسيق في المجالات التالية:

أ ـ حماية الأماكن المقدسة.

ب ـ دعم كفاح الشعب الفلسطيني ومساعدته على استرداد حقوقه وتحرير أراضيه.

3 ـ العمل على :

أ ـ استئصال التمييز العنصري والاستعمار بكل أشكاله.

ب ـ توفير الجو الملائم لتنمية التعاوين والتفاهم بين الدول الأعضاء في المنظمة وبقية دول العالم.

وعدد الميثاق المبادئ التي يجب على الدول الأعضاء أن تسير على هديها لتحقيق أهداف المنظمة، وتتلخص هذه المبادئ فيما يلي:

1 ـ المساواة التامة بين الدول الأعضاء.

2 ـ احترام حق تقرير المصير وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء .

3 ـ احترام سيادة كل دولة واستقلالها وسلامة أراضيها.

4 ـ تسوية أي نزاع قد ينشأ بين الدول الأعضاء بالطرق السلمية كالمفاوضات ، الوساطات والتوفيق والتحكيم.

5 ـ الالتزام بعدم اللجواء إلى القوة ا, التهديد باستخدامها ضد وحدة أية دولة أو سلامة ترابها أو استقلالها السياسي.

ومن أجل تحقيق هذه الأهداف تأسست في إطار المنظمة مجموعة من الأجهزة والمؤسسات الرئيسية والمتفرعة واللجان المتخصصة.

وتتكون منظمة المؤتمر الإسلامي من الأجهزة الرئيسية التالية:

مؤتمر القمة الإسلامي

يعرف كذلك بمؤتمر القمة الإسلامي وهو أعلى هيئة في المنظمة ، ويعقد مرة كل ثلاث سنوات لرسم سياسة المنظمة ، وينتخب رئيس المنظمة الذي يتولى هذا المنصب إلى حين عقد الدورة التالية.

المؤتمر الإسلامي لوزراء الخارجية:

يجتمع بصفة دورية مرة كل سنة لدراسة تقرير مرحلي بشأن تنفيذ قراراته التي اتخذت في إطار السياسات التي وضعتها القمة الإسلامية . لبحث الوسائل اللازمة لتنفيذ السياسة العامة للمنظمة، ويتخذ قرارات ذات مصلحة مشتركة تتماشى مع أهداف المنظمة ومقاصدها.

بالتدقيق في أسماء الدول المؤسسة لمنظمة المؤتمر الإسلامي يتضح التباين الشديد بين أنظمة الدول ومدى قربها أو بعدها عن تعاليم الاسلام وطرحه الحضاري وحاكميته ، حيث أن بعض المؤسسين يتسم بالعلمانية المتطرفة والمحجمة للدور الإسلامي والبعض الآخر يقدم القومية على ما سواها وآخرين يتعاملون مع الاسلام الحضاري كطقوس عبادية لا تتعدى فعالياتها دور العبادة ، انتهاءا باخرين ممن ياخذون بشيء من الاسلام لتعزيز الحاكمية وترك أمور أخرى وفق الاجتهادات والتفسيرات الخاصة.

معظمم المؤسسين قد تتعارض أنظمة الحكم في بلدانهم مع الحاكمية الإسلامية بشكل مطلق والبعض منهم بشكل جزئي، وهذا بدوره يضعف المنظمة ويبعدها عن تطبيق أهدافها وذلك عائداً لتناقض الأهداف مع نظم الحكم لعدد من المؤسسين ففاقد الشيء لا يعطيه اذ لا يمكن أن تطالب الغير بالالتزام والترويج لما لا تمارسه كحقيقة وواقع في الحياة العملية.

مع ملاحظة تاريخ تأسيس المنظمة وهو في الثاني عشر من رجب 1389 هـ الموافق 25 سيتمبر 1969 م خلال المؤتمر الاول لقادة العالم الإسلامي الذي عقد في العاصمة المغربية على اثر الحريق الاجرامي الذي تعرض له المسجد الاقصى المبارك في الحادي والعشرين من اغسطس 1969 م ، نلاحظ بانه وبعد مرور ما يقارب أربعين عاما لم نتقدم نحو تحرير القدس الشريف بل ان مسلسل التنازلات آخذ بالتسارع إلى حد بات يوصف بالانبطاح الكامل والاذعان لما كان يوما ما يعتبر من المحرمات ، بل فاق ذلك للترويج لشروط استسلامية بعد سلسلة من الانهزامات من قبل النظم الرسمية الممثلة للدولة العربية ولاسلامية، ولم يوقف هذه السلسلة على الجيش الذي لا يقهر الا الانتصارات من قبل قوى شعبية متواضعة التجهيز في مقابل تجهيزات الدول ، وهي المقاومة الإسلامية في لبنان التي هزمت العدو الصهيوني وأجبرته على الإندحار من جنوب لبنان المحتل ، كما تصدت له في حربه الشاملة على لبنان في صيف 2006 م وردته مندحراً خائباً ومن دفعه وسانده وأيده في سبيل استيلاد شرق أوسط جديد.

أيضا وفي فلسطين فقد دحرت المقاومة الشعبية وعلى رأسها منظمتي حماس والجهاد الإسلامي العدو الصهيوني من قطاع غزة وهاهم يعانون الأمرين ليس من العدو الصهيوني ، بل من النظم الرسمية التي تعمل على التصدي لاي نوع من أنواع المقاومة ضد عدو الأمة المشترك ، وأعمال تعزيز كفاح جميع الشعوب الإسلامية من أجل الكرامة والاستقلال والحقوق الوطنية، والتنسيق في مجالات دعم كفاح الشعب الفلسطيني ومساعدته على استرداد حقوقه وتحرير أراضيه حسب ما ورد في ميثاق المنظمة .

هذا بدوره يدل على عدم خدمة الاهداف التي أنشات لها هذه المنظمة.

أما على صعيد أجهزة المنظمة وبالتدقيق في الأعمال والمهام الموكلة إليها، يتضح ضعف المنظمة حيث لا تملك أي أجهزة للتنفيذ والمتابعة كما أنه لا وجود لآليات منتظمة لمتابعة قضايا العالم الإسلامي والعمل على رفعها على أعلى مستويات الأجندات الدولية ، اذ لا وجود لآليات تعزز من أمن دول العالم الإسلامي والحفاظ على السلم الأهلي فيها ، كما أنه لا وجود لأي نوع من أنواع آليات التحكيم وفض النزاعات بين الدول الأعضاء ، وأخيراً لا وجود لأي اتفاقية وهيئة عسكرية اسلامية للدفاع عن الدول الأعضاء ضد أي عدوان، وما القدس الشريف الا بافضل دليل وكذلك الغزو الصدامي لدولة الكويت حيث لا وجود لدور رادع من قبل المنظمة لهذه الاحتلالات والاعتداءات مما يهمش دورها ويقلصها إلى مجرد منبر للتعبير عن وجهات النظر دون أي آليه تذكر للتنفيذ.

أيضا تلتزم منظمة المؤتمر الإسلامي بميثاق الأمم المتحدة  والذي بدوره يلزمها بلعبه الأمم والتي تمعن في تهميش دور وقضايا دول العالم الإسلامي ، مما يحد أيضاً من أعمال المناورة لدى المنظمة في التصدي لقضايا المسلمين أيضاً وبالنظر إلى دورية الاجتماعات فهي كل ثلاثة سنوات لمؤتمر القمة الإسلامي وسنويا للمؤتمر الإسلامي لوزراء الخارجية ، والى آلية التصويت في المنظمة والتي تعتمد على أغلبية الثلثين، يتضح من كل ذلك بروتوكولية العمل في هذه المنظمة وعدم قدرتها على التصدي لقضايا المسلمين.

مما تقدم يتضح محدودية العمل والتصدي لقضايا المسلمين والعرب في المنظمات الدولية ، وبالتالي عدم جدوى التوسل بهذه المنظمات لاستعادة الحقوق خصوصا عندما تفتقر الدول الأعضاء لآليات الردع أو تسقط من حسابها جميع الخيارات الاستراتيجية المتاحة لها عدا المفاوضات مما يجعل دبلوماسيتها خالية من الأسنان.

** الادوار السياسة للنظم الرسمية الداعمة للوحدة.

نظرا لمحدودية الأدوات للنظم الرسمية ، نعتقد بوجوب الانطلاق من الخيارات السياسية الادنى لنصرة قضايا الأمة واهمها الامتناع عن التصدي للعمل الشعبي المقاوم ضد عدو الأمة والتكامل بين الدورين الرسمي والأهلي والمتمثل بمؤسسة الحكم وهيئات المجتمع المدني لإزالة الشكوك وتعزيز الأدوار بشكل تبادلي كل في موقعه مع الالتزام بالعمل السلمي ومقاومة الفتن الداخلية والخارجية بشكل مشترك لسد الثغرات على الدخلاء.

كذلك نوصي بتعزيز الأنشطة البينية على المستويين الأهلي والرسمي نحو التنسيق في مختلف القطاعات الاقتصادية وسياساتها وتشجيع التكامل الاقتصادي وتبادل المنافع بين الدول الإسلامية لهدف تعزيز القوة الاقتصادية وتعظيم المصالح المشتركة مما يمهد لتحرير القرار السياسي بشكل تدريجي من أي ضغوط وأعمال إبتزاز سياسي.

الفصل الثالث

الدور الأهلي التكاملي لبناء إستراتيحية الوحدة

منذ مؤتمر مدريد للسلام بين العرب والصهاينة، عمدت دولنا العربية بتحديد السلام كخيار إستراتيجي أوحد وأسقطت أو عطلت باقي الخيارات الإستراتيجية، مما كشف الموقف العربي بالكامل للصهاينة وداعميهم. فقد توالت على هذه الأمة المصائب والنوائب التي أدت بهم للإستفراد والإستضعاف حتى غدت عملية السلام المزعوم، عمليات إستسلام وإذعان لشروط الأعداء التي لا تنتهي على كل دولة على حدة، فقد بدأنا بالأرض مقابل السلام وانتهينا بالتفاوض على إزالة بعض الحواجز هنا وهناك والإستئذان لنيل تراخيص الحركة والإنتقال من مكان لآخر خلافاً لحرية النقل والانتقال ضمن وثيقة حقوق الإنسان المعتمدة لدى شرعة الأمم. إن إسقاط أو تعطيل بقية الخيارات الإستراتيجية ومنها العسكري والأمني والإقتصادي والثقافي وكذلك الإعلامي، يجعل من الدپلوماسية العربية مجرد حالة مجاملاتية، أي ما يصطلح عليه بدپلوماسية خالية من الأسنان لا تغير الحال إلا لما هو أسوأ وتستجدي العطايا والرحمة من جلاديها من خلال التعامل بردود الأفعال مما جعل هذا الرقم الكبير للأمة مجرد رقم هامشي على الساحة الدولية.

هذا وتمر علينا في هذه الحقبة الزمنية من تاريخ أمتنا الكريمة فرصة كبيرة للتحول من حال المتلقي إلى حال المبادرة الإسترايتيجية لصناعة واقعنا ومستقبلنا واستعادة كامل السيادة على قراراتنا المصيرية لأمتنا دون أي تدخل من الوسيط المنحاز والغير نزيه أو توابعه الذين أمعنوا بإذلال أمتنا العزيزة ، وكذلك الانتقال من الهامش الدولي إلى المشاركة بصناعة القرار الدولي، فنشهد اليوم تحولات دولية كبيرة على المستوى السياسي والاقتصادي والمالي قد تعمل لصالح أمتنا في حال إغتنمنا الفرصة وتكاملنا بطاقاتنا وقوانا المتنوعة التي حبانا الله بها، مع الإستفادة من التضامن الشعبي والمدني الدولي والغير مسبوق لنصرة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني الصابر، والإستعداد من قبل العديد من الدول الإسلامية والعربية لمحاكاة حركة الشعوب الأبية المستعدة للتضحية والوفاء. فما شهدناه من حراك سياسي محموم في الدول العربية والإسلامية وعلى أعلى المستويات، يحتم علينا إستثماره والبناء عليه للتكامل في أعمال ومخرجات المجتمع المدني لإستعادة عزة هذه الأمة وكرامتها ووحدة كلمتها.

** تداخل هيئات المجتمع المدني

بما أن شعوب المنطقة تتمتع بالعديد من المشتركات الاجتماعية والثقافية والعقائدية والفنية، بإمكانها الإنطلاق من خلالها لتعزيز العلاقات البينية لهيئات المجتمع المدني بصفتهم صناع الرأي في كل دولة من دول المنطقة وذلك للتقريب بين الآراء لدى مختلف الشعوب خصوصاً بالنسبة للقضايا الرئيسية والملفات الأساسية، فعليهم تكثيف اللقاءات والمنتديات الفكرية والخروج من الحالة الپروتوكولية إلى الحالة العملية بتأسيس مشاريع مشتركة تعمل على تفعيل توصيات المنتديات الفكرية ميدانياً والتقريب بين وجهات النظر بين صناع الرأي وصناع القرار في الدول المعنية. في هذا السياق نوصي بالاستفادة من الدپلوماسية الشعبية كأداة للتواصل والتقريب بين الأفكار والآراء وردم هوة الشك بين شعوب المنطقة وكذلك الأنظمة الرسمية، أيضاً العمل على توحيد مضامين المصطلحات السياسية وبالتالي الفهم المشترك، وتعريفها لإيجاد لغة واحدة داعمة للأهداف العامة والمسارات الخاصة بتفعيلها وإخراجها لأرض الواقع ، فالشواهد كثيرة على المواقف الشعبية الداعمة للقرار الشرق أوسطي الموحد وقد تجلى ذلك بدفع الموقف الشعبي لدعم المواجهة مع الصهاينة على الجبهتين الفلسطينية واللبنانية.

** الدپلوماسية الشعبية لخدمة المجتمع المدني.

تعتبر الدپلوماسية الشعبية من الآليات الفعالة للتواصل المستدام بهدف التوافق على المشتركات وتحصينها ، وكذلك العلاقات بين مختلف الشرائح الاجتماعية والفكرية لتحصين العمل المؤسسي من خلال النسيج الاجتماعي العام والمتمثل بهيئات المجتمع المدني بمختلف تخصصاتها ، حيث إن الدپلوماسية الشعبية معنية بالأساس بمحادثات طويلة المدى لإبراز أفكار مستحدثة وليس لتغيير سياسات بشكل فوري، ومن الممكن أن يصبح بعض المشاركين بها أعضاء في مؤسسة الحكم في المستقبل، مما يمكنهم من الاستفادة من خبراتهم المكتسبة من الإنخراط بالدپلوماسية الشعبية للتأثير على السياسية العامة.

بناء على ما تقدم يتوجب علينا الاستفادة من هذه الأداة لتعزيز التواصل والتوافق بين مختلف المجتمعات الإسلامية لتحصين الثغور وسد الثغرات التي يتسلل منها الخصوم للوقيعة بين شعوب المنطقة من خلال اللعب على التناقضات وتضخيم الاختلافات وتحويلها لخلافات ونزاعات تذهب ريحنا وتؤلبنا على بعض كما هو حاصل في محاولات تخويف العالم العربي من جارتهم الإسلامية ايران بغية توهين شعوب المنطقة بمختلف قومياتهم ليسهل التعامل معهم كأمم مختلفة وليس أمة واحدة موحدة يصعب السيطرة عليها وتوجيهها وإبتزازها.

** الاتحاد الإسلامي لهيئات المجتمع المدني.

بناء على تقدم الموقف الشعبي الحر من قيود المنظمات الرسمية الدولية واستثماراً للجهود والطاقات المدنية الكبيرة التي أخذت بزمام المبادرة لنصرة المقاومة وحقوق الشعوب، نعتقد بوجوب استثمار وترشيد طاقات هيئات المجتمع المدني من خلال تأسيس اتحاد اسلامي لهيئات المجتمع المدني، ينسق الفعاليات الأهلية للأمة وفق منظور استراتيجي متوافق عليه ومشخص من قبل أوعية التفكير الاستراتيجي الإسلامية. وبهذا الشأن نورد بملحق هذه الورقة مشروع النظام الأساسي للاتحاد الإسلامي لهيئات المجتمع المدني للتداول بين صناع الرأي في المجتمع المدني الإسلامي وتطويره وإخراجه للواقع العملي لخدمة الرسالة والأهداف المذكورة أدناه:

المهمة (الرسالة)

تكامل الطاقات والقدرات للمجتمع المدني الإسلامي ضمن أطر إستراتيجية عامة متوافق عليها، تأخذ بزمام المبادرة لصناعة الواقع والمستقبل ، وتعزز ثقافة المبادرة لتحصين المقاومة واستعادة الحقوق وثبيت منعة الأمة.

الأهداف العامة:

أ ـ توحيد المسار الاستراتيجي للأمة وتكامل الأدوار بناء على القدرات والمواقع .

ب ـ حشد الطاقات الفكرية العقلائية لمواجهة التحديات على مختلف الأصعدة.

ج ـ تفعليل الدپلوماسية الشعبية لنصرة قضايا الأمة.

د ـ تعزيز التواصل مع مختلف هيئات المجتمع المدني الدولية الفاعلة لمناصرة للحقوق.

هـ التنسيق مع النظم الرسمية الداعمة للشعوب وثقافة المقاومة وإستراجاع الحقوق وصيانتها.

و ـ استقراء المنعطفات ومراجعة البرامج بشكل دوري.

الفصل الرابع

توصيات البحث

بناء على ما تقدم في هذا البحث من تحليلات عن مبادرة هيئات المجتمع المدني لتشكيل إستراتيجية الوحدة ، نخلص إلى التوصيات الآتية:

أولاً ـ العودة لمنابع ودوافع الحضارة الإسلامية على مختلف الأصعدة العامة المعنية بإدارة شؤون الأمة واستعادة مقدمات وأسس المسار الريادي الدافعة للابتكار والإبداع، وترسيخ العدالة الاجتماعية المتمثلة في المجموعة القيمية التي تحاكي مضامين حقوق الإنسان بعناويتها العامة المعنية بالحريات والمساواة وتكافؤ الفرص.

ثانيا ـ إنشاء هيئة إسلامية مستقلة للاستشارات والدراسات الاستراتيجية عبارة عن وحدة تفكير استراتيجي اسلامية تشكل من الكفاءات الإسلامية لترشيد القرار على مختلف الأصعدة، لتكامل طاقات الأمة البشرية والمادية وكذلك الرسمية والمدنية في أطر الأهداف الاستراتيجية المبادرة.

ثالثاً ـ تعزيز ثقافة المقاومة للمجتمع المدني وتحصينها بثقافة المبادرة خصوصاً المجتمع المدني المسلم لضمنان التفوق في مختلف أنواع المعارك ومنها معركة كسب العقول والقلوب، وذلك من خلال الإلتزام الراشد بالعقيدة الإسلامية ونظرتها لحرية الإنسان المطلقة من أي عبودية لغير الله سبحانه وتعالى ، وعدم الركون للذل والمسكنة مهما بلغ العدو والظالم من طغيان وجبروت ، واستدامة مواجهة المنكر السياسي في إدارة شؤون الأمة على مختلف مناحيها بغض النظر عن انعدام التكافىء في ميزان القوى من المناحي المادية.

رابعا ـ تنمية علاقات سياسية شعبية بين هيئات المجتمع المدني المؤثرة في العالم العربي والإسلامي أولاً ودون استثناء، وثانياً تفعيل دپلوماسية التعامل بشكل موضوعي لضمان الحضور الدائم بالساحات المختلفة لتحقيق المسار الاستراتيجي للامة عند التوافق عليه ، وتحديد جهة وآليات التحكيم والوساطات والمتابعة لفض النزاعات البينية.

خامساً ـ التوافق بين هيئات المجتمع المدني الإسلامية على منهجية سياسية بناء على نظم الأولويات بالنسبة للقضاايا المصيرية المشتركة، وتحديد الأعداء والأصدقاء ، للانطلاق نحو عمل منهجي منظم يوزع الطاقات حسب القدرات والإمكانات وفق الظروف الموضوعية لكل طرف تحقيقاً للأهداف المتوافق عليها.

سادساً ـ استدامة الروح المعنوية العالية من قبل عقلاء الأمة مما يوجب على قادة الرأي والمثقفين في المجتمع المدني المبادرة بالآتي:

1 ـ التواصل المستدام بينهم.

2 ـ بناء شبكات فكرية وعملانية بين مختلف هيئات المجتمع المدني تمهيداً للتغيير الاستراتيجي نحو المبادرة والانتهاء إلى خطط العمل الدافعة للتغيير الاستراتيجي من خلال النماذج الفكرية لصناع الرأي وصناع القرار .

3 ـ تحديد المشتركات وتوحيد المصطلحات توافقياً.

4 ـ متابعة خصائص العدو واستشراف تحركاته وتطلعاته ووسائل المواجهة الخاصة به.

5 ـ تبيان تأثير المقاومة بمختلف أنواعها السلبي والايجابي على العدو من خلال دراسات وتحاليل علمية موثقة.

6 ـ مخاطبة مجتمع العدو وبلغتهم ومن خلال ثقافتهم ضمن إطار الحرب النفسية.

7 ـ التواجد المستدام في مختلف وسائل الاعلام الناطقة بلغات مختلفة.

8 ـ الإلتزام بالموضوعية عند تناول مختلف الموضوعات والترفع عن الشخصانية.

9 ـ تكامل القدرات والإمكانات التكافلية لتعزيز صمود المجتمع المدني الحاضن.

10 ـ تعزيز ثقة المجتمع الحاضن بثقافته على مختلف الأصعدة والمراحل التربوية.

سابعاً ـ التكامل بين الدورين الرسمي والأهلي والمتمثل بموسسات الحكم وهيئات المجتمع المدني لإزالة الشكوك وتعزيز الأدوار بشكل تبادلي كل في موقعه مع الإلتزام بالعمل السلمي ومقاومة الفتن الداخلية والخارجية بشكل مشترك لسد الثغرات على الدخلاء وتحصين الثغور على مختلف الجبهات.