واقع المرأة المسلمة ومسؤوليتها

واقع المرأة المسلمة ومسؤوليتها

 

 

واقع المرأة المسلمة ومسؤوليتها

 

الدكتورة لاله افتخاري

نائبة في مجلس الشورى الاسلامي - ايران

 

(يا أيها الناس انا خلقناكم من ذكرٍ وانثي .....)

انّ المجتمع الإسلامي قائم علي العدل والكمال والعبودية لله فالمسيرة الإنسانية المتكاملة تنتهج برنامجاً تربوياً وتتكامل شيئاً فشياً نحو الكمال الإلهي لتُحقق الإرادة الربانية الداعية إلى إقامة العدل في الأرض والعبودية الخالصة لله والتسليم لأوامره ونواهيه ، محطمة قيود عبودية ماسواه وصولاً إلى الحرية الفطرية المودعة لدي الإنسان ليكون مصداقاً لقول امير الاحرار علي بن أبي طالب (ع) «لاتكن عبد غيرك وقد خلقك الله حراً» وبالإرادة الحرة والفارغة من كل قيود النفس الامارة باستطاعة الإنسان ان يصل إلى ملكوت المعبود، وليتعرف علي مكانته وقدره عندالله من اجل السعي إلى أداء الرسالة الفردية والاجتماعية ، الملقاة علي عاتقه ،كي لايعجز بعد تقبله للامانة والرسالة التي عجز عنها الجميع.

ان الحديث هنا عن الإنسان المرأة وشأنها وموقعها ودورها بشكل عام كيف كان ينظر اليها؟ وماهو المتوقع منها؟واين هي في ظل نظام الحكم الإسلامي خلال التجربة الحديثة في الجمهورية الإسلامية الايرانية ؟

انّ وضع المرأة لدى الحضارات والاقوام وحتى ابناء الديانات المختلفة كان متفاوتاً، ولكن الاستقراء يشير إلى أنها لم تكن ذا مكانة اجتماعية مرموقة تساعدها على تقديم وترجمة ما لديها من طاقات ومواهب في الواقع المعاش فأوضاعها تتغير بتغير الحضارات والمناطق والحكّام، بل وحتى بتغير الوضع الإقتصادي والسياسي الحاكم آنذاك؛ فهي عند قوم سلعة تجارية يتصرف بها الزوج كيفما يشاء ومحكومة بالتبعية المطلقة، تباع وتشترى وتورث لأنها جزء المال ومن حق الجميع ان يستثمره حين التملّك، وعند قوم آخرين تدعى إلى القيام بالبغاء المقدس ارضاءً للرب وتقربا له، ومنهم من يرى انها شر لابد منه وجسد بلا روح، ويؤمر بدفنها مع الزوج بعد موته بل أصبح الفرض عند قوم حرق جسد المرأة بعد وفاة زوجها تطهيراً للارض من دنس وجود جثتها على الأرض، وكل هذه الافعال جاءت انتزاعاً من فلسفات مفكري تلك الحضارات، لذلك لم نشاهد آثار المرأة في الفن والعلوم والثقافة والسياسة، والادب الا في الجوانب السلبية منها. وقد حصروا دور المرأة بالانجاب والرضاعة وما شابههما، وكان وأد البنات واسترقاق النساء من الامور الشائعة خاصة بعد انتهاء الحروب والغلبة لفريق على الآخر.

فهذه هي اوضاع المرأة على نحو الاجمال لدى البابليين واليونان والرومان والهنود والصينيين والفرس والعرب قبل الإسلام. نعم لا ننسى ان هناك حالات شاذة في التاريخ منقولة عن بعض الاقوام تحكي عن تكريم المرأة وسلطتها وتدبيرها كما هو الحال لدى بعض الفراعنة المصريين وطبقات اشرافية فارسية وبعض نساء العرب، لكنها كانت حالات يتيمة، وقد مر التاريخ عليها مر الكرام لكونها ماكان لها دور  تغييري مؤثر في مجتمعاتها.

اما الغرب المعاصر فقد فرض حمل الشعارات الليبرالية المتعددة منها تحرير المرأة من كل التقاليد السلفية في الدول الإسلامية، واستغل أيضاً لوصول قيادات سياسية إلى مراكز الحكم. وتَغَنّى به الغرب للضغط على عالم مضطهد من أساسه، واستمر هذا الاستغلال حينما وسع الغرب دائرة تحرير المرأة إلى العلاقات الجنسية والاباحية اللامحدودة حتى شملت الشذوذ الجنسي وأقر القوانين في بلاده لصالح أهدافه المكنونة وطالب دول العالم بالتبعية احتراماً لحرية المرأة، واقام المؤتمرات الدولية تحت مظلة الأمم المتحدة ترويجاً لهذا السلوك الرخيص والهدّام للاسرة والمجتمع. وقد اصبح لهذه الحركة المتطرفة في عالمنا الإسلامي قيادات تابعة فكريا للعلمانية بكل ما تحمل من سلبيات امثال كسروي، أخوندزاده وقاسم امين وهدى الشعراوي ونوال السعداوي وغيرهم ظناً منهم ان المرجعية والتخلف المتفشي في المجتمع الإسلامي هو نتيجة الالتزام بأحكام الإسلام واعرافه، غفلة منهم ان العكس هو الصحيح؛ فمنذ ان ابتعد أو أبعد المجتمع الإسلامي وقياداته عن القرآن الكريم وشريعة السماء، واستبد الحكام برأيهم واضطهدوا أبناء الأمة الإسلامية خلافاً لحكم الله، واتبعوا القوانين الوضعية المستوردة من بلاد الغرب جَروّا العالم الإسلامي إلى ما نحن فيه. وفتحوا الباب على مصراعيه امام التدخلات الأجنبية في شؤون العالم الإسلامي بحجة مطالبة النخب الفكرية ودعوتهم وطلبهم من الغرب لمساعدتهم في طريق التحرير وانقاذهم من الرجعية السوداء الحاكمة في كافة بلاد الإسلام، وهو ما قام بتنفيذه الغرب في أوطاننا الإسلامية خلال القرن الماضي. واليوم نشاهد ان الوقاحة الغربية وعلى رأسها السلطة السياسية الأمريكية وصلت إلى مرحلة بحيث تطالب بالتغيير في أهم مسائل العالم الإسلامي من سياسته وتعليمه وحقوق المرأة فيه كي تخسر الامة الإسلامية آخر ثروة تمتلكها في الجانب العقائدي والاجتماعي الأسري وتحضِّر لسيطرة حكومات أكثر تبعية وانسجام وطاعة لتقبل سلبيات العولمة على حساب شعوبنا الإسلامية.

لكن انتصار الثورة الإسلامية بقيادة الامام الخميني الراحل « رحمه الله» اعاد للحياة الإنسانية الصورة اللامعة للرؤية الإسلامية الحضارية المستنيرة لشخصية المرأة ودورها في الحياة بمختلف شؤونها الفردية والاجتماعية ،المعنوية والمادية استجابة لقوله تعالي :

(ان المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيراً والذكرات اعد الله لهم مغفرة واجراً عظيما) الاحزاب /25.

لو لم يكن في القرآن الكريم سوى هذه الآية المباركة لكانت كافية على بيان مقام المرأة ودورها وشأنها عند الله، فكما ذكر المفسرون للقرآن الكريم ان هذه الآية جاءت تأكيداً للمساواة الإسلامية بين المرأة والرجل في دائرة التقييم الالهي للعمل الملتزم بالخط المستقيم، وأنهما سواء في حصولهما على ثواب التزامهما، من الله تماماً كمساواتهما في عقاب الله لهما على اعمالهما السيئة، لأن مسألة العمل في قيمته لا تتصل بالشخص في ذكوريته وأنثويته، بل بالعناصر الإيمانية في حركة العمل في داخل الذات، في العقل والقلب، وبالعناصر الموضوعية في شروط العمل واجزائه وفي النتائج الايمانية والسلبية في مواقعه. في ضوء ذلك، قد تعلو درجة المرأة عند الله عندما ترتفع في ايمانها وعملها عنده، فكانت هذه الآية وسائر الآيات القرآنية الاخرى التي نزلت في تحديد موقع المرأة ودورها الإنساني والرسالي جواباً لما تتطلع اليه من ان يكون لها نصيب من الوحي الإلهي تتشرف وتتكرم به، لا سيما على صعيد مشاركتها للرجال من الحيز الذي يذكر فيه الله العاملين في طاعته وفي سبيله بخير، وهذا التطلع انما انطلق من وعيها للدور الذي تقوم به في الساحة الإسلامية حيث شاركت في الدعوة، وفي الهجرة إلى الحبشة ، وفي تحمل قسوة الاضطهاد من المشركين، وفي سقوطها شهيدة تحت سياط الكفر وتعذيبه، جنباً إلى جنب الرجل، وفي الهجرة إلى المدينة، وفي مفارقة الأهل والازواج فراراً بدينها ، وفي خروجها إلى الجهاد لتكون في الجبهة المساندة للمعركة فتسقي العطشى، وتضمد الجرحى وتقوم بشؤون المقاتلين، وتتحرك في حياتها الخاصة والعائلية والعامة في خط الالتزام الذي تقف فيه عند طاعة الله والإخلاص له في المواقع المتنوعة والمواقف المختلفة.

وقد شاهدنا أيضاً كل مصاديق العزة للمرأة في اداء دورها الإنساني والرسالي في حركة الثورة الإسلامية منذ خمسة عقود إلى يومنا هذا. إنها شاركت في الجهاد ضد نظام الشاه ودخلت السجون وتحملت التعذيب والقهر و علقت علي اعواد المشانق و وقفت صامدة امام رصاص جلاوزةالشاه قبل انتصار الثورة الإسلامية وحشمت الأزواج والأولاد وشدّتهم للقيام بالدفاع عن النظام الإسلامي في حرب الثماني سنوات المفروضة من الاستكبار العالمي الغربي والشرقي معاً ولم يكن صدام لوحده ، وخرجت إلى الجهاد لتشارك الرجل في جبهات القتال وفي الجهة المساندة الجرحي وتهتم بشؤون المجاهدين في سبيل الله وما ابتعدت يوماً عن نهج الحق والهداية بفضل الله ،فهذا هو النموذج الرسالي الذي قدمته الجمهورية الإسلامية إلى المجتمع الإنساني والدولي المعاصر من دون تفريق في الأجناس والأعراق والألوان إلاّ اقتضته طبيعة الخلقه الإنسانية المباركة وبعد انتهاء الحرب المفروضة قامت المرأة الإيرانية المسلمة بدورها البناء في كافة مجالات الحياة الاجتماعية والتربوية والسياسية و.......

ومع كل ما ذكر عن دورها الاجتماعي فهي لاتنسي دورها الرسالي في بناء الأسرة التي يتوقف عليها المجتمع وان ديمومة الحياة البشرية وعمران الأرض يتوقف على اقامة الأسرة وفقاً لمبادئ الفطرة الإنسانية باعتبار الإنسان الموجود الاجتماعي الذي لا يعيش لحاله كفرد منعزل أو مجرد أفراد بعيدين عن العلائق والوشائج والصلات التي تجعل منهم نسيجاً واحداً وهو المجتمع. حكمة الخلق تقتضي بناء الأسرة من الرجل والمرأة، وكل منهما يشكل ركنا أساسيا في الخلية الأسريّة، ولا يمكن الاستغناء عن احدهما، ولا يكتمل المجتمع أو يتكامل إلاّ بهما معاً.

وانهما المصدر الوحيد للتكاثر البشري وباقترانهما الشرعي يقوم المجتمع البشري، ولذلك كان الزنا محرما في جميع الشرائع السماوية.

فالنصوص الآمرة بتكوين الأسرة وقيامها كثيرة مذكورة في مصادرها. فالزواج في الإسلام ميثاق غليظ ومسؤولية على عاتق كل من المرأة والرجل يجب عليهما حفظه  والدفاع عنه رغم كل الظروف الصعبة التي يمكن ان تعترضهما، فاعتبر كلاً منهما لباس الآخر، يحفظه ويستره ويحميه، وكان البعض سكنا للآخر وارتباط القلب بالقلب هو فوق كل ارتباط واقتران وعقد وشراكة عادية؛ فالزواج كما يقول المرحوم الشيخ محمود شلتوت: كلمة توحي بالاختلاط القوي والامتزاج الشديد. فالوجود الاسري عامل تكوين وانتاج المشاعر والعواطف والقيم لدى كل من المرأة والرجل على حد سواء ولم يقتصر فيه على مجرد استمتاع واشباع كل من الرجل والمرأة لحاجاته الجنسية المشروعة كما هو قول الدكتور شوقي احمد دنيا.

فتدمير الأسرة بالذات من الأهداف الإستراتيجية التي يسعى الغرب السياسي لتحقيقه برفع شعارات الدفاع عن حقوق المرأة والمطالبة بمساواتها للرجل، وحريتها وتحريرها من سجن البيت والحجاب وسلطة الرجل، وكانت لهذه الدعوات آذان صاغية في عالمنا الإسلامي،

 فالمرأة المسلمة في ايران اليوم وبعد مرور ثلاثة عقود على انتصار الثورة الإسلامية، قد أثبتت فشل كل الادعاءات التي رفعها قادة التحرر والانفلات في الحركة الفيمينية العالمية، وخاصة القيادات العلمانية في عالمنا الإسلامي هؤلاء الذين ربطوا التخلف بالتبعية الدينية.

فهي اليوم بحضورها الايجابي والمؤثر في جميع مجالات الحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية والاقتصادية، من دخولها المجلس النيابي وتولّيها المراكز الحكومية الرئيسية إلى القضاء والرياضة والوصول إلى اعلي المستويات العالمية والحصول على المدارج العلمية العليا. فكل هذه التغييرات حصلت مقرونة بالالتزام الديني ورعاية لمبادئ الإسلام الحنيف.

فلم يكن الحجاب والتبعية لقوانين السماء هو العامل الرئيسي في التخلف والدونية، فالداء الحقيقي الذي اوجب انزلاق وسقوط المجتمع الإسلامي وهبوطه العلمي والتقني والتكنولوجي في بلادنا الإسلامية هو الابتعاد عن المنهجية القرآنية في اتباع آيات الله وإحكامه وفي احترام حرية الرأي وإعطاء الناس حقوقهم التي منحها الله لهم، فكل معاناة المجتمع الإسلامي هي نتيجة إقامة حكومات مستبدة لا تمت إلى شعوبها بصلة، واتباع افكار مستوردة غير منسجمة مع العقل الإسلامي معلبة بإطارات غربية فارغة من كل محتوى ايجابي والتي أدخلت المجتمع الإسلامي في دوّار محيّر، فأصبح بعيداً عن المنهج القرآني من جهة وغير متقبل للافكار المستوردة من جهة أخرى.

لكن اليوم بفضل جهاد المجاهدين في سبيل الله ودماء الشهداء و جهود الاصلاحيين من العلماء والمفكرين في سبيل هداية الشعوب للعودة إلى قرآنهم وإسلامهم وثقافتهم وحضارتهم الخالدة، عمت الصحوة الإسلامية كافة بقاع العالم الإسلامي مشعة ماحولها وبات الجيل المسلم المعاصر يقدم النجاح تلوالآخر علي مختلف الصعد الجهادية والعلمية والتربويةمن اجل بناء مجتمع ايماني قائم علي العدل والوسطية والتطور في شتّي المجالات الحياتية.

وفي الخاتمة اشكر المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية علي إتاحتي هذه الفرصة للحضور في هذا الوسط العلمي المبارك والمشاركة بهذه الورقة المتواضعة .

وآخر دعوانا ان الحمد لله ربّ العالمين