قبض أهل البيت (عليهم السلام) والمرجعية العلمية للأُمّة الإسلامية
قبض أهل البيت (عليهم السلام) والمرجعية العلمية للأُمّة الإسلامية
شـذى الخفاجي
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة :
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين وعلى آله الطيبين الطاهرين وأصحابه المنتجبين، وبعد:
جاءت الرسالة الإسلامية الخاتمة لهداية الإنسان وتحريره من جميع ألوان الانحراف في فكره وعاطفته وسلوكه، وتحريره من ضلال الأوهام وظلمة الخرافات، وتحريره من الانسياق وراء الشهوات والمطامع، وتحرير سلوكه من الرذيلة والانحراف الخلقي; بتهيئة العقول والقلوب للتلقي والاستجابة للمنهج الإلهي المرسوم، واستتباعها بالعمل الايجابي ـ وفق المفاهيم والقيم الإلهية الثابتة ـ الذي يترجم الآراء والنصوص إلى مشاعر وعواطف وأعمال وممارسات وعلاقات متجسدة في الواقع.
وهداية الإنسان تعني تغيير محتواه الداخلي في عقله وقلبه وارادته لينسجم مع المنهج الإلهي في الحياة، ويكون فكره وعاطفته وسلوكه وحدة واحدة لا ازدواجية فيها ولا تناقض، ومهمة الهداية تحتاج إلى مرجعية علمية لها اطلاع شامل ومتكامل على أسس وقواعد المنهج الإلهي بجميع أبعاده ومجالاته، لتكون ميزاناً ومعياراً توزن به الافكار والعواطف والممارسات; لمعرفة قربها وبعدها عن تلك الاسس والقواعد، وهذه المرجعية العلمية تجسدت في أهل البيت (عليهم السلام)لأنّهم تلقوا العلم عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو المرجع العلمي الوحيد بعد القرآن الكريم، وتلقي هذا العلم ابن عن أب عن جد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) جعل أهل البيت (عليهم السلام) مناراً هادياً للتصورات وللممارسات الميدانية وكما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «في كل خلف من أمتي عدول من أهل بيتي ينفون عن هذا الدين تحريف الضالّين»([1]).
ومرجعية أهل البيت (عليهم السلام) العلمية موضع اتفاق من قبل المسلمين جميعاً، فمن الناحية النظرية فالأحاديث متواترة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) تؤكد على هذه المرجعية، ومن الناحية العملية كان أهل البيت (عليهم السلام) مرجعاً لجميع معاصريهم بما في ذلك بعض أئمّة المذاهب والكثير من الفقهاء.
والدلالة على مرجعيتهم العلمية واضحة من خلال الحديث التالي: «انّي تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر: كتاب الله حبل ممدود من السّماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي ولن يتفرّقا حتّى يردا عليّ الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما».
وقد ورد هذا الحديث بصيغ مختلفة تشترك في مضمون واحد([2]).
ومن الطبيعي ان يكونوا مرجعاً علمياً للامة الإسلامية لتلقيهم العلوم من منبعها الأساسي، من رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومن ابيهم عليّ بن أبي طالب مدينة علم الرسول (صلى الله عليه وآله) كما جاء في الروايات.
وفي بحثنا نتطرق إلى بعض خصائص هذه المرجعية العلمية من حيث ذاتياتها وآراء المعاصرين لها اضافة إلى المراجعة الميدانية لها من قبل الفقهاء والعلماء من مختلف المذاهب.
مرجعية الإمام علي (عليه السلام) العلمية
إنّ المرجعية العلمية مسؤولية عظيمة في حركة الامم التكاملية لتحقيق الهداية والصلاح في الحياة، وخصوصاً في الأُمّة الإسلامية السائرة نحو اقرار المنهج الإلهي في واقع الحياة، ولذا فانّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم يتوقف عن الاعداد لهذه المرجعية، فكان يستثمر جميع الفرص المتاحة لهذا الاعداد اضافة إلى توجيه انظار الصحابة إلى هذه المرجعية، فقد أخذ الإمام علىّ العلم عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)وكان اكثر الصحابة اختصاصاً به وهو القائل: «وقد علمتم موضعي من رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالقرابة القريبة والمنزلة الخصيصة... ولقد كنت أتّبعه اتّباع الفصيل أثر امّه، يرفع لي في كلّ يوم من اخلاقه علماً ويأمرني بالاقتداء به»([3]).
وسئل: مالك أكثر اصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) حديثاً فقال: «انّي كنت إذا سألته انبأني وإذا سكتّ ابتدأني»([4]).
وقد أشاد رسول الله (صلى الله عليه وآله) بمرجعية عليّ (عليه السلام) العلمية في اكثر من موضع وفيما يلي نذكر بعضاً من أقواله (صلى الله عليه وآله): «انا مدينة العلم وعليّ بابها فمن أراد المدينة فليأتها من بابها»([5]).
«انا دار الحكمة وعلىّ بابها»([6]). «علي عيبة علمي»([7]).
«قسمت الحكمة عشرة أجزاء، فاعطي علي تسعة اجزاء والناس جزءاً واحداً»([8]).
«أعلم بالسنة والقضاء بعدي عليّ بن أبي طالب»([9]).
واشار الإمام علي (عليه السلام) الى أعلميته التي استقاها من المنهل الاساسي والمصدر الأول وهو رسول الله (صلى الله عليه وآله) حيث يقول: «علمني رسول الله (صلى الله عليه وآله) ألف باب كل باب يفتح ألف باب»([10])، «كنت أدخل على رسول الله ليلاً ونهاراً، وكنت إذا سألته أجابني وان سكت ابتدأني، وما نزلت عليه آية إلاّ قرأتها، وعلمت تفسيرها وتأويلها»([11]).
«والله ما نزلت آية إلاّ وقد علمت فيما نزلت وأين نزلت وعلى من نزلت! انّ ربّي وهب لي قلباً عقولاً ولساناً طلقاً»([12]).
«انّ في صدري هذا لعلماً جمّاً علّمنيه رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولو أجد له حفظة يرعونه حقّ رعايته ويروونه عنّي كما يسمعون منّي اذاً لأودعتهم بعضه»([13]).
ومرجعية الإمام علي (عليه السلام) العلمية لم تأت من فراغ وانما من دراسة مستفيضة تلقاها عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وتلقاها رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن الوحي، ولهذا فلا غرابة إذا ترقى علمه ليكون عالماً بالكتب السماوية التي سبقت القرآن الكريم، وممّا جاء في قوله ـ وهو الصادق ـ «والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة لو ثنيت لي الوسادة لحكمت بين أهل التوراة بتوراتهم وبين أهل الانجيل بانجيلهم وأهل الزبور بزبورهم وبين أهل الفرقان بفرقانهم»([14]).
وقد اعترف الصحابة بأعلميته وبمرجعيته من خلال معايشتهم له واطلاعهم على علمه وعلى دوره في الحكم على الافكار والقضايا والأحداث، وهذا الاعتراف شهادة واقعية على هذه المرجعية.
الخليفة الثاني: (علىّ أعلم الناس بما أنزل الله على محمد) ([15]).
أم المؤمنين عائشة: ( عليّ اعلم الناس بالسنة) ([16]).
عبدالله بن مسعود: (انّ القرآن انزل على سبعة أحرف ما منها حرف إلاّ له ظهر وبطن وانّ عليّ ابن أبي طالب عنده منه علم الظاهر والباطن) ([17]).
عبدالله بن عبّاس: (كنّا نتحدث انّ النبي (صلى الله عليه وآله) عهد إلى علي سبعين عهداً لم يعهده إلى غيره).
وقال: «إذا حدّثنا ثقة عن عليّ بفتيا لا نعدوها»([18]).
وفي مجال القضاء كان علىّ أقضى الأُمّة بشهادة الخليفة الثاني حيث يقول: (علىّ اقضانا) ([19]).
وقد روى أبو سعيد الخدري عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنّه قال: «أقضى هذه الأُمّة عليّ» ([20]).
وبأعلميته اعترف الشعبي وهو القائل: (ما كان احد من هذه الأُمّة أعلم بما بين اللوحين وبما انزل على محمد من عليّ) ([21]).
وفي مرجعيته العلمية قال ابن أبي الحديد المدائني: قد عرفت أنّ أشرف العلوم هو العلم الإلهي، لأنّ شرف العلم بشرف المعلوم، ومعلومه أشرف الموجودات، فكان هو أشرف العلوم، ومن كلامه (عليه السلام) اقتبس، وعنه نقل، وإليه انتهى، ومنه ابتدأ فانّ المعتزلة تلامذته وأصحابه ... والاشعرية ينتهون باخرة إلى استاذ المعتزلة ومعلّمهم، وهو علي بن أبي طالب (عليه السلام).
وأما الامامية والزيدية فانتماؤهم إليه ظاهر
ومن العلوم: علم الفقه; وهو (عليه السلام) اصله وأساسه، وكلّ فقيه في الإسلام فهو عيال عليه، ومستفيد من فقهه; اما اصحاب أبي حنيفة كأبي يوسف ومحمد وغيرهما، فأخذوا عن أبي حنيفة، وأما الشافعي فقرأ على محمد بن الحسن، فيرجع فقهه ايضاً إلي أبي حنيفة; وأبو حنيفة قرأ على جعفر بن محمد (عليه السلام) وقرأ جعفر على أبيه (عليه السلام) وينتهي الأمر إلى عليّ (عليه السلام)، واما مالك بن أنس فقرأ على ربيعة الرأي، وقرأ ربيعة على عكرمة وقرأ عكرمة على عبدالله بن عبّاس، وقرأ عبدالله بن عبّاس على علىّ بن أبي طالب.
وايضاً فانّ فقهاء الصحابة كانوا: عمر بن الخطاب وعبدالله بن عبّاس، وكلاهما أخذ عن علىّ (عليه السلام) أما ابن عبّاس، فظاهر، وأمّا عمر فقد عرف كل احد رجوعه إليه في كثير من المسائل التي اشكلت عليه وعلى غيره من الصحابة...
ومن العلوم: علم تفسير القرآن، وعنه أخذ، ومنه فرّع، وإذا رجعت إلى كتب التفسير علمت صحة ذلك; لأنّ اكثره عنه وعن عبدالله بن عباس، وقد علم الناس حال ابن عباس في ملازمته له، وانقطاعه إليه، وانّه تلميذه وخريجه، وقيل له: اين علمك من علم ابن عمّك؟ فقال: كنسبة قطرة من المطر إلى البحر المحيط...) ([22]).
رجوع الصحابة إلى الامام علي (عليه السلام)..
من الوقائع المشهورة رجوع الصحابة إلي الإمام علي (عليه السلام) والأخذ برأيه في أغلب مجالات العلم والمعرفة وفي الفقه والقضاء، وكانوا سرعان ما يتركون رايهم أو حكمهم لرأيه وحكمه ايماناً منهم بأعلميته، ولا يجدون حرجاً في رجوعهم إليه، فقد (كان أبو بكر وعمر يشاورانه ويرجعان إلى رأيه، وكان كل الصحابة مفتقراً إلى علمه) ([23]).
فقد كان الخليفة الأوّل إذا نزل به امر دعا جمع الصحابة وعلى رأسهم عليّ بن أبي طالب واستشارهم في الأمر([24]).
وكان إذا عجز عن الاجابة على بعض المسائل دعا علياً (عليه السلام) فأجابه عنها، فمثلاً سأله اليهود عن مسائل متعددة فحوّل الجواب إلى عليّ فأجابهم([25]).
واستشاره فى شارب خمر ادعى أنّه شربها ولم يعلم بالتحريم، فأجابه الامام (عليه السلام) بما ينسجم مع قواعد الشريعة، فخلى أبو بكر سبيله ولم يحدّه([26]).
ورجع الخليفة الثاني لرأيه في مجالات عديدة، فقد استشاره في عقوبة شارب الخمر، فقال له: أرى أن تجلده ثمانين([27]).
ودعا عمر امرأة لما بلغه عنها أمر مريب فأرتاعت وسقط جنينها، فقال له عليّ (عليه السلام): «أما المأثم فأرجو أن يكون محطوطاً عنك وأرى عليك الدية»([28]).
ورجع إلى رايه في عدم رجم امرأة اعترفت بالفجور، فقال له: ما بال سلطانك على ما في بطنها([29]).
وترك رأيه إلى رأي عليّ (عليه السلام) في أحكام وقضايا عديدة ومنها([30]):
امرأة أجهدها العطش فمرت على راع فاستسقته فأبي إلاّ أن تمكنه من نفسها ففعلت، فقال عليّ: هي مضطرة إلى ذلك فخل سبيلها، ففعل.
امرأة مجنونة أراد رجمها فانتزعها علىّ من ايديهم، وقال: هذه مبتلاة فلعله أتاها وهو بها، فترك عمر رجمها.
وأراد رجم امرأة ولدت لستة اشهر، فقال علىّ:«انّ الله عزّوجلّ وعلا يقول: (وحمله وفصاله ثلاثون شهراً) وقال تعالى: (وفصاله في عامين)» فالحمل ستة اشهر والفصال في عامين، فترك رجمها.
ورجع إلى رأيه في أمور كثيرة في الفقه والقضاء وفي قسمة بعض الأموال، وفي أمور خطيرة عبّر عنها بالهلاك، وقد اعترف بدور علىّ في انقاذه من الهلاك حيث يقول:
(لولا علي لهلك عمر).
(اعوذ بالله من معضلة ليس لها أبو الحسن).
(لا أبقاني الله بعدك يا أبا الحسن).
(اللّم لا تنزل بي شديدة إلاّ وأبو الحسن إلى جنبي) ([31]).
وقال في حقّه تقديماً له على غيره: (لا يفتينّ احد في المسجد وعليّ حاضر) ([32]).
وكان الخليفة الثالث يرجع إليه في الكثير من الأحكام والقضايا، وكان إذا جاءه الخصمان قال لاحدهما اذهب ادع علياً، وقال للآخر: اذهب فادع طلحة والزبير... فان قالوا ما يوافق رأيه أمضاه وإلاّ نظر فيه بعد([33]).
ويشير عليه بالحكم الأصوب فيأخذ برأيه([34]).
ومن سيرة عليّ (عليه السلام) استنبط الفقهاء أحكام عديدة، ومن ذلك استنباط أحكام البغاة من وقعة الجمل وصفين([35]).
وعليّ هو القائل: «سلوني عن طرق السماوات فانّي أعرف بها من طرق الأرضين، ولو كشف الغطاء ما ازددت يقيناً».
وحول هذا الحديث قال سعيد بن المسيّب: (لم يكن أحد من أصحاب رسول الله يقولها إلاّ عليّ بن أبي طالب»([36]).
مرجعية الامامين الحسن والحسين (عليهما السلام) العلمية
وردت روايات متواترة ومستفيضة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) تنص على التمسك بالكتاب والعترة الطاهرة ومنها:
قوله (صلى الله عليه وآله): «إنّي تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلّوا بعدي أحدهما اعظم من الآخر: كتاب الله... وعترتي أهل بيتي ولن يتفرقا حتّى يردا علي الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما»([37]).
والتسمك يدل دلالة واضحة على مرجعيتهم العلمية، فرسول الله (صلى الله عليه وآله) لا يأمر بالتمسك بمن لا يتصف بالعلم والمعرفة والادراك، وهنالك دلالة واضحة في كثير من الروايات.
ومنها: قوله (صلى الله عليه وآله): «ألا إنّ مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح... من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق»([38]).
والنجاة المتحققة بالتمسك بأهل البيت (عليهم السلام) والاقتداء بهم والأخذ بتعاليمهم تعني أنّهم مرجعية علمية للمسلمين، وبهذه الصفة هم ملاك النجاة، والدعوة للاقتداء باهل البيت (عليهم السلام) مع عدم اتصافهم بالمرجعية العلمية تغرير بالقبيح وهو محال على رسول الله (صلى الله عليه وآله).
والمقصود بأهل البيت (عليهم السلام) هم أهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهم: علي وفاطمة والحسن والحسين كما دلت على ذلك الروايات المستفيضة، وكما ورد في تفسير آية التطهير([39]).
وفي الواقع العملي كان الحسن والحسين مهوى افئدة المسلمين وكانا مرجعين لعموم المسلمين ولخصوص الفقهاء والعلماء.
فكان الحسن (عليه السلام) يجلس في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) ويجتمع الناس حوله ولمزيد الاطلاع مراجعة كتاب: أهل البيت، اصدار مؤسسة البلاغ، الملاحق رقم 1، 2، استفيدت من مئات المصادر.
فيتكلم بما يشفي غليل السائلين ويقطع حجج المجادلين([40]).
وقد وصفه وأخاه الحسين الخليفة الثالث قائلاً: فطموا العلم فطماً وحازوا الخير والحكمة([41]).
واستفتى اعرابي عبدالله بن الزبير وعمرو بن عثمان، فأشارا عليه بالحسن والحسين([42]).
كتب إليه الحسن البصري: (أما بعد فانّكم معشر بني هاشم الفلك الجارية، واللجج الغامرة والاعلام الشاهرة، أو كسفينة نوح (عليه السلام) التي نزلها المؤمنون ونجا فيها المسلمون»([43]).
وقال عنه الحافظ إسماعيل بن كثير: ( أحد علماء الصحابة وحلمائهم وذوي ارائهم) ([44]).
وقال خير الدين الزركلي: (كان عاقلاً حليماً محباً للخير فصيحاً من أحسن الناس منطقاً وبديهة، وكان معاوية يوصي أصحابه باجتناب محاورة رجلين هما: الحسن بن عليّ وعبدالله بن عبّاس، لقوة بداهتهما) ([45]).
وقد تتلمذ على يديه اكثر من 50 فقيهاً وعالماً([46]).
وحدث عنه المئات من الصحابة والتابعين، ومنهم عائشة أم المؤمنين كما هو مدون في كتب التاريخ والتراجم([47]).
وأمّا الحسين (عليه السلام) فكان أفضل أهل زمانه في العلم والمعرفة بالكتاب والسنة([48]).
فقد تلقى العلم عن أبيه وعن جدّه رسول الله (عليه السلام) وكان يحدث عنهما وعن امّه فاطمة (عليها السلام).
قال عنه الخليفة الثاني: فانّما انبت ما ترى في رؤوسنا الله ثم أنتم([49]).
وقال عنه محمد بن الحنفية: انّ الحسين اعلمنا علماً واثقلنا حلماً([50]).
ووصفه يزيد بن مسعود النهشلي قائلاً: ذوالشرف الأصيل والرأي الأثيل، له فضل لا يوصف، وعلم لا ينزف([51]).
وكان الإمام عليّ (عليه السلام) يوجّه السائلين اليه ليجيبهم على اسئلتهم في مختلف جوانب العلم والمعرفة([52]).
مرجعية الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) تلقى العلم عن أبيه وعن عمّه الإمام الحسن (عليه السلام)، وكان يحدث عنهما وعن جده عليّ (عليه السلام) وعن فاطمة الزهراء (عليها السلام) وعن أم سلمة وصفيّة.
قال أبو بكر بن أبي شيبة: أصحّ الاسانيد كلّها: الزهري عن علىّ بن الحسين عن أبيه عن عليّ([53]).
وكان مرجعاً لكثير من الفقهاء والعلماء المعاصرين له، وقد اعترف عبدالملك بن مروان باعلميته ومرجعيته العلمية قائلاً: انّك لذوفضل عظيم على أهل بيتك، وذوي عصرك، ولقد أوتيت من العلم والدين والورع، ما لم يؤته أحد مثلك قبلك إلاّ من مضى من سلفك([54]).
وفيما يلي نستعرض ما قيل في علمه وفقهه وافضليته: الزهري: ما رأيت قرشياً افضل من علي بن الحسين.
أبو حازم المدني: ما رأيت هاشمياً أفقه من عليّ بن الحسين.
الذهبي: كان له جلالة عجيبة، وحقّ له والله ذلك، فقد كان أهلاً للامامة العظمى لشرفه وسؤدده وعلمه وتألهه وكمال عقله([55]).
سعيد بن المسيب: ما رأيت قط أفضل من عليّ بن الحسين، وما رأيته قط إلاّ مقت نفسي([56]).
شهاب الدين النويري: وكان رحمه الله ثقة ورعاً مأموناً كثير الحديث من أفضل أهل بيته وأحسنهم طاعة([57]).
ابن حجر الهيثمي: خلف اباه علماً وزهداً وعبادة([58]).
وكان له الدور الأكبر في رد الالحاد والزندقة والافكار الضالة، وكانت له ردود على الانحراف الفكري والعقائدي كالغلو والتجسيم والتفويض، وله ردود على شطحات بعض فرق المتصوفة والفلاسفة والمتكلمين، وله مناظرات لكشف الدس والتزييف الذي ادخل على الإسلام، وله مناظرات مع علماء عصره في مسائل العقائد والفقه والاصول.
وكانت له آراء لمعالجة الازمات التي يمر بها المسلمون كالأزمة السياسية والاجتماعية والخلقية وغيرها من الأزمات. استقدمه عبدالملك بن مروان يستشيره في جواب ملك الروم عن بعض ما كتب فيه من أمر السكّة وطراز القراطيس([59]).
عبّر عنه أبو الفضل الالوسي برئيس العارفين ثم ذكر شعره الذي جاء فيه: إنّي لاكتم من علمي جواهره كيلا يرى الحق ذو جهل فيفتننا فرب جوهر علم لو أبوح به لقيل لي: أنت ممّن يعبد الوثنا([60]).
حدث عنه ابنه محمد الباقر (عليه السلام) وزيد، وعبدالله بن الحسين، والزهري، وعمرو بن دينار، وعشرات الفقهاء والرواة.
ومن تتبع ادعيته المجموعة في كتاب الصحيفة السجادية وجدها زاخرة بالعلوم المتنوعة وفي جميع المجالات اضافة إلى تراثه العلمي في كتب الحديث والسيرة.
مرجعية الإمام محمّد الباقر (عليه السلام)
وقد اعترف بعض معاصريه بمرجعيته العلمية للفقهاء وعموم الناس، وفي ذلك قال عبدالله بن عطاء: ما رأيت العلماء عند أحد أصغر علماً منهم عند أبي جعفر، لقد رأيت الحكم عنده كأنّه متعلم([61]).
وقال محمد بن المنكدر: ما رأيت أحداً يفضل على عليّ بن الحسين حتّى رأيت ابنه محمداً أردت ان اعظه فوعظني.وقد اعترف بهذه المرجعية جمع من الرواة والمحدثين ومن كتبوا في علم الرجال ومنهم: الذهبي: جمع بين العلم والعمل والسؤدد والشرف والثقة والرزانة، وكان أهلاً للخلافة([62]).
صلاح الدين الصفدي: جمع العلم والفقه والديانة والثقة والسؤدد، وكان يصلح للخلافة([63]).
ابن حجر الهيثمي: أظهر من مخبآت كنوز المعارف وحقائق الأحكام والحكم واللطائف، ما لا يخفى إلاّ على منطمس البصيرة أو فاسد الطوية والسريرة([64]).
واعترف الحاكم الاموي هشام بن عبدالملك بمرجعيته العامة فقال له: يا محمد لا تزال العرب والعجم تسودها قريش ما دام فيهم مثلك([65]).
وسمي كذلك لبقره العلوم واستنباطه الحكم، وكان عارفاً بالخطرات معرضاً عن الجدال والخصومات([66]).
وقال المنصور العباسي: لو حدثني أهل الأرض كلهم ما قبلت منهم، ولكنّه محمد بن عليّ.
وفي الواقع العملي كان مرجعاً للفقهاء والعلماء من بقايا الصحابة والتابعين، فقد روي انّ جابر بن عبدالله الانصاري على شيخوخته كان يأتيه ويتعلم منه ويقول: يا باقر لقد اوتيت الحكم صبياً([67]).
وقال قتادة فقيه أهل البصرة: لقد جلست بين يدي الفقهاء وأمام ابن عباس فما اضطرب قلبي من أي أحد منهم مثل ما اضطرب قلبي منك([68]).
وفي حوار بين الإمام الباقر والإمام أبي حنيفة ذكره الشيخ محمد أبو زهرة ثم علّق عليه بالقول: ومن هذا نتبيّن امامة الباقر للعلماء يحاسبهم على ما يبدر منهم وكأنّه الرئيس يحاكم مرءوسيه ليحملهم على الجادة، وهم يقبلون طائعين تلك الرئاسة([69]).
وقد حدث عنه جملة من الفقهاء والعلماء ومنهم: ابناؤه، وعطاء بن أبي رباح، وعمروبن دينار، والزهري، وربيعة الرأي، والاعمش، والاوزاعي، وابن جريح.
وقد روي عنه أخبار المبتدأ، وأخبار الانبياء، وكتب عنه المغازي وآثروا عنه السنن، واعتمدوا عليه في مناسك الحج التي رواها عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)وكتبوا عنه تفسير القرآن. وروت عنه الخاصة والعامة الاخبار، وناظر من كان يرد عليه من أهل الاراء، وحفظ عنه الناس كثيراً من علم الكلام([70]).
وسئل عن الحديث يرسله ولا يسنده فقال: إذا حدثت بالحديث فلم أسنده، فسندي فيه أبي زين العابدين عن ابيه الحسين الشهيد عن ابيه علي بن أبي طالب عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن جبرئيل عن الله عزّ وجلّ([71]).
وهو الذي اخبر المنصور بملك الأرض شرقها وغربها وطول مدته، وقال: وليلعبنّ بهذا الملك صبيانكم كما يلعب بالكرة([72]).
وكانت له مواقف حاسمة من أصحاب الضلالة كالزنادقة والغلاة والمجسمة والمفوضة.
مرجعية الامام جعفر الصادق (عليه السلام)
الإمام جعفر الصادق نتاج قرن كامل من العظائم يحني لها الوجود البشري هاماته ويدين بحضارته... فاتح العالم الفكري الجديد.
وهو شجرة باسقة تترعرع في كل ورقة من أوراقها خصيصة من خصائص أهل البيت في عصر جديد للعلم، تعاونت فيه اجيال ثلاثة متتابعة منه ومن أبيه وجده([73]).
وكانت داره جامعة كبيرة تموج بالحكماء وأهل العلم يجيب على اسئلتهم ويحل مشاكلهم، دون التفات إلى نحلهم ومذاهبهم أو فرقهم ومقاصدهم، وقد جمع أصحابه المتقربون اليه دروسهم في أربعمائة كتاب وسموها الاصول الأربعمائة([74]).
وعد الرواة عنه من الثقات على اختلافهم في المقالات والديانات فكانوا أربعة آلاف رجل([75]).
وله كلام في صناعة الكيمياء، وكان تلميذه جابر بن حيان قد ألّف كتاباً يشتمل على ألف ورقة تتضمن رسائل جعفر الصادق وهي خمسمائة رسالة([76]).
وقد شهد له الرواة والباحثون والمؤلفون بالعلم والمعرفة، وفيما يلي نستعرض أقوال بعض منهم:
اليافعي: السيد الجليل سليل النبوة ومعدن الفتوة، وانّما لقب بالصادق لصدقة في مقالته، وله كلام نفيس في علوم التوحيد وغيرها([77]).
كمال الدين محمد بن طلحة: هو من عظماء أهل البيت وساداتهم، ذوعلوم جمة.... يتتبع معاني القرآن الكريم، ويستخرج من بحر جواهره([78]).
ابن حجر الهيثمي: نقل الناس عنه من العلوم ما سارت به الركبان وانتشر صيته في جميع البلدان([79]).
محمد أمين السويدي: كان بين اخوته خليفة أبيه ووصيه نقل عنه من العلوم ما لم ينقل عن غيره([80]).
روى عنه اولاده، وفقهاء عصره وائمة المذاهب ومنهم: مالك بن أنس، وأبو حنيفة، وسفيان الثوري، وسفيان بن عيينة، ومعاوية بن عمّار، ويحيى بن سعيد الانصاري.
قال عنه محمد أبو زهرة: كان له فضل الاستاذية على أبي حنيفة ومالك، فحسبه ذلك فضلاً، ولا يمكن أن يؤخر عن نقص، ولا يقدّم غيره عليه عن فضل، فهو ممن جمع الله تعالى له الشرف الذاتي والشرف الاضافي([81]).
وكان استاذاً لسفيان الثوري وكان يقول له: لا أقوم حتى تحدثني([82]).
وكان أبو حنيفة يقول: لولا السنتان لهلك النعمان([83]).
وقال أيضاً: ما رأيت أحداً أفقه من جعفر بن محمد... فكان يقول في المسألة: أنتم تقولون فيها: كذا وكذا، وأهل المدينة يقولون: كذا وكذا، ونحن نقول: كذا وكذا... ثم قال أبو حنيفة: اليس قد روينا أنّ أعلم الناس أعلمهم باختلاف الناس([84]).
واعترافاً منه بهذه المرجعية سئل مرة: إذا قيل عن البعض انّه وقف ماله للامام فمن يكون المستحق؟ فقال: يكون المستحق جعفر الصادق، لأنّه هو الإمام بالحق.
وكانت هذه الفتوى منه سبباً لنقمة العباسيين عليه وانزالهم به بعض المظالم([85]).
وكان الامام مالك قد تلقى العلم منه في اوقات معينة، وكان يقول: لقد اختلفت اليه زماناً... وكان من العلماء والعباد والزهاد الذين يخشون الله... وجعل يعدد فضائله وما رآه من فضائل غيره من اشياخه في خبر طويل([86]).
ولكنّه لم يرو عنه في أيام بني أمية حتّى ظهر أمر بني العباس، وكان لا يروي عنه حتى يضمه إلى آخر([87]).
وكان مرجعاً في حماية العقيدة من التيارات العقائدية والفلسفية والالحادية، وكانت له مواقف حاسمة من الغلاة والزنادقة والوضاعين، وهو الذي فتح باب التخصص في العلوم.
مرجعية بقية الائمة (عليهم السلام)
في عصر الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) انتشرت التيارات والمذاهب الفلسفية والعقائدية والاجتهادات الفقهية ومدارس التفسير والرواية، وتوسعت دائرة الالحاد والزندقة والغلو، ودخلت علوم جديدة في استنباط الاحكام كالمنطق والفلسفة والكلام وعلوم اللغة، ورويت الاحاديث المدسوسة والاخبار الكاذبة.
وفي هذه الاجواء كان الإمام الكاظم (عليه السلام) مرجعاً وملاذاً للتصدي للانحراف العقائدي والفكري، حيث اغنى الأُمّة بالرواية الصحيحة والحديث والتفسير السليم، وكان لطلابه الدور الأساسي في مواجهة الانحراف، فقد بلغ عدد الرواة الذين رووا عنه اكثر من ثلاثمائة.
وقد ركز (عليه السلام) على المصادر الاساسية للفكر والتشريع في مواجهته للتيارات المنحرفة أو المتأثرة بغير المنهج الإسلامي.
وقد اعترف حكام زمانه بهذه المرجعية واوجسوا منها خيفة لأنّها ستكون مرجعية عامة تتجاوز العلم إلى غيره، فقال له هارون العباسي حين رآه جالساً عند الكعبة: أنت الذي تبايعك الناس سرّاً؟ فقال: أنا إمام القلوب وأنت إمام الجسوم([88]).
وكان أهل المدينة يسمونه زين المجتهدين([89]).
وقد اعترف الرواة والمؤلفون في السيرة والرجال بغزارة علمه ودوره في نشر العلم والمعرفة ومنهم: الذهبي: كان صالحاً عالماً عابداً متألهاً([90]).
جمال الدين الاتابكي: يدعى بالعبد الصالح لعبادته، وبالكاظم وكان سيّداً عالماً فاضلاً سنيّاً جواداً ممدحاً مجاب الدعوة([91]).
ابن حجر الهيثمي: وارث أبيه علماً ومعرفة وكمالاً وفضلاً، سمّي الكاظم لكثرة تجاوزه وحلمه، وكان معروفاً عند أهل العراق بباب قضاء الحوائج عند الله، وكان أعبد أهل زمانه وأعلمهم واسخاهم([92]).
ابن الصباغ المالكي: اقترع قبة الشرف وعلاها وسما إلى أوج المزايا فبلغ أعلاها وذللت له كواهل السيادة وامتطاها وحكم في غنائم المجد فاختار صفياها فاصطفاها([93]).
وخلّف الكاظم (عليه السلام) ابنه علياً الرضا (عليه السلام) فكان كأبيه في خصائصه وكان أعلم أهل زمانه في أجواء ازدياد عدد العلماء والفقهاء والفلاسفة، وقد نشط البحث والتأليف والتدوين وتصنيف العلوم والمعارف، ونشأت المدارس والتيارات الفلسفية والفكرية، وكان الإمام علي الرضا (عليه السلام) يتقدم العلماء في مناظراته مع المفسرين والفلاسفة وعلماء الكلام، وكانت له ردود على الزناقة والغلاة استطاع من خلالها تحجيم أفكارهم وشبهاتهم.
وقد جمع له المأمون العباسي علماء سائر الملل والأديان مثل: الجاثليق، ورأس الجالوت، ورؤساء الصابئين، وأصحاب زرادشت، ونسطاس الرومي، فسألوه فقطعهم واحداً بعد واحد([94]).
وكتب الرسالة الذهبية إلى المأمون فكتبها بماء الذهب، وهي رسالة شاملة لجميع أسس الإسلام من الحلال والحرام والفرائض والسنن.
ويقول محمد بن عيسى اليقطيني: لما اختلف الناس في امر أبي الحسن الرضا (عليه السلام) جمعت من مسائله مما سئل عنه وأجاب عنه خمس عشرة الف مسألة([95]).
استقبله في نيسابور عشرون الفاً من الفقهاء والعلماء والرواة وأصحاب الحديث([96]).
وانّ من أسباب تقريبه من قبل المأمون وجعله ولياً للعهد هو كونه مرجعاً علمياً للامة وهذه المرجعية هي الاساس في مرجعيته الاجتماعية والسياسية.
ونكتفي بنقل آراء ثلاثة من الباحثين في حقّه: يوسف بن إسماعيل النبهاني: أحد اكابر الائمة ومصابيح الأُمّة، من أهل بيت النبوة، ومعادن العلم والعرفان والكرم والفتوة، كان عظيم القدر مشهور الذكر وله كرامات كثيرة([97]).
جمال الدين الاتابكي: كان إماماً عالماً سيد بني هاشم في زمانه وأجلّهم، وكان المأمون يعظّمه ويبجله ويخضع له ويتغالى فيه حتى إنّه جعله وليّ عهده من بعده([98]).
الذهبي: كان علىّ الرضا كبير الشأن، أهلاً للخلافة([99]).
وكان الإمام محمد الجواد (عليه السلام) على صغر سنّه مرجعاً علمياً للكثير من الفقهاء والعلماء على مختلف مذاهبهم، ففي احد مواسم الحج اجتمع من فقهاء بغداد والامصار ثمانون ليشاهدوه ويتعلموا من علمه([100]).
ولمقامه العلمي اختاره المأمون كما ورد في قوله: أما أبو جعفر محمد بن علىّ فقد اخترته لتبريرزه على كافة أهل الفضل في العلم والفضل مع صغر سنّه والاعجوبة فيه بذلك، وأنا أرجو أن يظهر للناس ما قد عرفته منه، فيعلموا أنّ الرأي ما رأيت فيه([101]).
وفي مجلس ضم الإمام الجواد وعدداً من الفقهاء من مذاهب متنوعة ابدى كل منهم رأيه في أحد المسائل القضائية، فترك المعتصم العباسي اراءهم وأخذ برأي الامام الجواد (عليه السلام)، وفي ذلك قال ابن أبي داود للمعتصم: (وقد تسامع الناس بذلك من وراء بابه، ثم يترك أقاويلهم كلهم لقول رجل يقول شطر هذه الأُمّة بامامته، ويدّعون أنّه اولى منه بمقامه ثمّ يحكم بحكمه دون حكم الفقهاء) ([102]).
وكانت له محاورات ومناظرات عديدة مع المتكلمين والفلاسفة والفقهاء فكان رأيه راجحاً على آرائهم.
وبعد رحيله إلى الرفيق الاعلى خلف ابنّه علياً الهادي، ومن أجل الحيلولة دون الوصول إلى مقامات أبيه أمر المعتصم عمر بن الفرج أن يختار له معلماً يبغض أهل البيت (عليه السلام) فاختار محمد بن جعفر الجنيدي، وعهد إليه أن يمنع أنصار أبيه من الاتصال به، وبعد فترة من الزمن سأل عمر الجنيدي عن حاله فقال: (انّه ملي أبواباً استفيده منه، فيظنّ الناس انّي اعلّمه، وأنا والله اتعلم منه).
والتقى به ثانية وسأله: (ما حال هذا الصبي) فأنكر عليه الجنيدي، وقال: دع عنك هذا القول، والله تعالى لهو خير أهل الأرض، وأفضل من برأه الله تعالى... وانّه حافظ القرآن من أوله إلى آخره ويعلم تأويله وتنزيله([103]).
وكدليل على مرجعيته العلمية انّ أهل المدينة قد ضجّوا ضجيجاً عظيماً حينما سمعوا بأنّ المتوكل أراد نقله إلى بغداد ثم سامراء، ولم يسكنوا إلاّ بعد ان حلف لهم المأمور به انه لا بأس عليه ولن يصاب بمكروه، ولما دخل على المتوكل قال له: فتشت داره فلم أجد فيها غير المصاحف وكتب العلم([104]).
وكان العلويون يعظمونه ومنهم عم أبيه زيد بن الامام موسى الكاظم، وكان شيخاً كبيراً يجلس بين يديه تكريماً له، وفي أحد الايام تصدر زيد المجلس، فلما أقبل الامام وثب عن مكانه وأجلسه فيه وجلس بين يديه متأدباً مع صغر سن الامام وكبر زيد([105]).
وحينما يختلف الفقهاء في مسألة شرعية أو قضية قضائية كان المتوكل يبعث على الامام ليرى رأيه فيتبناه([106]).
وكتب ملك الروم إلى أحد بني العباس مسألة فجمع العلماء فلم يجيبوا عن ذلك على كثرة عددهم واختلاف مذاهبهم، وكان الجواب عند الإمام علي الهادي([107]).
وكانت له ردود على أهل الجبر والتفويض وعلى الغلاة والزنادقة وعلى أفكار الصوفيين، وكانت له مراسلات مع الكثير من الفقهاء والعلماء يجيبهم على اسئلتهم.
وممّا قيل فيه من قبل العلماء والباحثين:
أبو عبدالله الجنيدي: والله تعالى لهو خير أهل الأرض، وأفضل من برأه الله تعالى([108]).
اليافعي: كان متعبداً فقيهاً إماماً([109]).
الأربلي: لا تذكر كريمة إلاّ وله فضيلتها، ولا تورد حسنة إلاّ وله تفصيلها وجملتها، ولا تستعظم حالة سنيّة إلاّ وتظهر عليه أدلتها استحق ذلك بما في جوهر نفسه من كرم تفرّد بخصايصه، ومجد حكم فيه على طبعه الكريم([110]).
وبعد رحيله إلى الرفيق الأعلى كان ابنه الحسن العسكري (عليه السلام) مرجعاً علمياً لكثير من الفقهاء والعلماء على صغر سنه، وكونه محاصراً في سامراء بعيداً عنهم وعن الأُمّة، وعلى الرغم من شدة الظروف إلاّ انّه استطاع ان يعدّ ثلة من الرواة ومن الفقهاء، وكانت له مراسلات مستمرة مع الكثير من العلماء يجيب على اسئلتهم واستفساراتهم ويسدد آراءهم، وله محاورات عديدة مع المخالفين له في الفقه والعقيدة.
وقد اعترف المعاصرون بفضله ومنهم أحمد بن عبيد الله بن خاقان وكان من مخالفي أهل البيت، وقد قال في حقّه: ما رأيت ولا عرفت بسرَّ من رأى رجلاً من العلويّة مثل الحسن بن علي في هديه وسكونه وعفافه ونبله وكرمه عند أهل بيته وبني هاشم وتقديمهم إيّاه على ذوي السنّ منهم والخطر، وكذلك القوّاد والوزراء وعامّة الناس([111]).
وقد اعترف الباحثون بمرجعيته العلمية وبفضله على الفقهاء والعلماء ومنهم: الشبراوي الشافعي: من بيت عالي الرتبة سامي المحلّة فلقد طاول السماء علا ونيلا وسما على الفرقدين منزلة ومحلاً([112]).
ابن الصباغ المالكي: واحد زمانه من غير مدافع وسيد أهل عصره وامام أهل دهره أقواله سديدة وأفعاله حميدة... كاشف الحقائق بنظره الصائب مظهر الدقائق بفكره الثاقب([113]).
يوسف إسماعيل النبهاني: الحسن العسكري أحد أئمّة سادتنا أهل البيت العظام، وسادتهم الكرام([114]).
ابن شدقم: كان الحسن العسكري إماماً هادياً وسيداً عالياً ومولى زكياً([115]).
([1]).الصواعق المحرقة: 231.
([2]).مسند أحمد 3: 394، سنن الترمذي 5: 663، مجمع الزوائد 9: 163.
([3]).نهج البلاغة: 300.
([4]).الطبقات الكبرى 2: 33، الصواعق المحرقة: 189.
([5]).كفاية الطالب: 221.
([6]).الصواعق المحرقة: 189.
([7]).مختصر تاريخ دمشق 18 : 18 .
([8]).حلية الأولياء 1: 65.
([9]).بحار الانوار: 40: 150.
([10]).مختصر تاريخ دمشق 18: 18.
([11]).م . ن 18 : 18.
([12]).الطبقات الكبرى 2: 338.
([13]).بحار الانوار 40 : 129.
([14]).تذكرة الخواص: 25، فرائد السمطين 1: 339، شرح نهج البلاغة 20: 283.
([15]).شواهد التنزيل 1: 30.
([16]).مختصر تاريخ دمشق 18: 26.
([17]).فرائد السمطين 1: 355.
([18]).الطبقات الكبرى 2: 338.
([19]).المناقب للخوارزمي: 47، الصواعق المحرقة: 195، تاريخ الخلفاء: 135.
([20]).المناقب: 41.
([21]).شواهد التنزيل 1: 30.
([22]).شرح نهج البلاغة 1، 17، 18.
([23]).المنتظم 5: 68.
([24]).كنز العمّال 5: 627.
([25]).ذخائر العقبى: 80.
([26]).مناقب آل أبي طالب 2: 397.
([27]).تاريخ المدينة المنورة 2: 732.
([28]).اعلام الموقعين 1: 215، ابن قيم الجوزي، دار الجيل، بيروت.
([29]).ذخائر العقبى: 81.
([30]).ذخائر العقبى: 81، 83.
([31]).فرائد السمطين 1: 344، الطبقات الكبرى 3: 339، تاريخ الخلفاء: 171، ذخائر العقبى: 82.
([32]).شرح نهج البلاغة 1 : 18.
([33]).السنن الكبرى 10: 112.
([34]).الموطأ 2: 825.
([35]).تذكرة الخواص: 39.
([36]).تذكرة الخواص: 34، 35.
([37]).سنن الترمذي 5: 663.
([38]).المستدرك على الصحيحين: 3: 151، مجمع الزوائد 9: 168.
([39]).جامع البيان 22: 6: الدر المنثور 6: 603.
([40]).الفصول المهمة: 155، نور الابصار: 173.
([41]).الخصال: 1: 136.
([42]).عوالم الامام الحسن 16: 98.
([43]).تحف العقول: 166.
([44]).البداية والنهاية 8: 16.
([45]).الاعلام 1: 230.
([46]).جنات الخلود: 20.
([47]).سير اعلام النبلاء 3: 246، ترجمة الامام الحسن من تاريخ دمشق: 165.
([48]).الكواكب الدرية 1: 58.
([49]).الاصابة 1: 333.
([50]).بحار الانوار 10: 140.
([51]).اعيان الشيعة: 4: 195.
([52]).معاني الاخبار: 401.
([53]).سير اعلام النبلاء 4: 391، تهذيب التهذيب 7: 269.
([54]).المدخل إلى موسوعة العتبات المقدسة: 195.
([55]).سير اعلام النبلاء 4: 387، 391، 398.
([56]).تاريخ اليعقوبي 2: 303.
([57]).نهاية الارب 21: 324.
([58]).الصواعق المحرقة: 302.
([59]).مختصر تاريخ دمشق 17: 230.
([60]).روح المعاني 6: 190.
([61]).الوافي بالوفيات 4: 102.
([62]).مرآة الجنان 1: 194.
([63]).البداية والنهاية 9: 309.
([64]).مختصر تاريخ دمشق 23: 79.
([65]).سير أعلام النبلاء 4: 402.
([66]).الوافي بالوفيات 4: 102.
([67]).علل الشرايع: 234.
([68]).اثبات الهداة 5: 176.
([69]).تاريخ المذاهب الإسلامية: 689.
([70]).الارشاد: 264.
([71]).إعلام الورى: 294.
([72]).الصواعق المحرقة: 307.
([73]).الامام جعفر الصادق: 4، 63، المستشار عبدالحليم الجندي.
([74]).ائمتنا 1: 420.
([75]).الارشاد: 271.
([76]).وفيات الأعيان 1: 327.
([77]).مرآة الجنان 1: 304.
([78]).كشف الغمة 2: 154.
([79]).الصواعق المحرقة: 305.
([80]).سبائك الذهب: 74.
([81]).الإمام الصادق: 3.
([82]).الإمام الصادق: 3.
([83]).تاريخ المذاهب الإسلامية: 702.
([84]).سير أعلام النبلاء 6: 258.
([85]).تاريخ العلويين: 200، محمّد أمين غالب.
([86]).تاريخ المذاهب الإسلامية: 397.
([87]). تهذيب التهذيب 2: 88.
([88]). الصواعق المحرقة: 309.
([89]). الارشاد: 298.
([90]). تاريخ الإسلام: 417.
([91]). النجوم الزاهرة 2: 122.
([92]). الصواعق المحرقة: 307.
([93]). الفصول المهمة: 232.
([94]). مناقب آل أبي طالب 4: 380.
([95]).الغيبة: 73، الشيخ الطوسي، مؤسسة المعارف ـ قم ـ 1411 هـ
([96]).الصواعق المحرقة: 310.
([97]). جامع كرامات الاولياء 2: 256.
([98]).النجوم الزاهرة 2: 175.
([99]).سير أعلام النبلاء 9: 392.
([100]).بحار الانوار 50: 105.
([101]).كشف الغمّة 2: 354.
([102]).تفسير العياشي 1: 319.
([103]).حياة الامام علي الهادي: 25، 26 ـ باقر شريف القرشي عن: مآثر الكبراء 3: 95.
([104]).تذكرة الخواص: 322.
([105]).حياة الامام علي الهادي: 27.
([106]).مناقب آل أبي طالب 4: 437، تاريخ بغداد 12: 56.
([107]).الدمعة الساكبة 3: 140.
([108]).مآثر الكبراء 3: 9.
([109]).مرآة الجنان 2: 161.
([110]).كشف الغمّة 2: 399.
([111]).الكافي 1: 503.
([112]).الاتحاف بحب الاشراف:: 179.
([113]).الفصول المهمة: 290.
([114]).جامع كرامات الاولياء 1: 389.
([115]).حياة الامام العسكري: 66.