أهل البيت (عليهم السلام) والمرجعية العلمية للأُمّة الإسلامية

أهل البيت (عليهم السلام) والمرجعية العلمية للأُمّة الإسلامية

 

 

أهل البيت (عليهم السلام) والمرجعية العلمية للأُمّة الإسلامية

 

عبد الحليم إبراهيم المنسي (العزمي)

المشرف العام على مجلّة الإسلام ( وطن)

 

بسم الله الرحمن الرحيم

المقدمة :

ان الأئمّة من أهل البيت (عليهم السلام) ما كانوا مجتهدين ولا مستنبطين ولكن كانوا رواة سنة لذا فان كل ما صدر عنهم كان سنة وهم يروون ابناً عن أب عن جد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وفي ذلك يقول: الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) (حديثى حديث أبي وحديث أبي حديث جدي، وحديث جدي حديث أبيه وحديث أبيه حديث علي بن أبي طالب وحديث على حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله) وحديث رسول الله (صلى الله عليه وآله) قول الله عز وجل).

ولهذا اصبح أئمة أهل البيت (عليهم السلام) مصدراً للحديث والرواية وبيان أحكام الشريعة والكشف عن غوامضها.

ان حياتهم المباركة بما أنها حلقات متواصلة مترابطة متفاعلة، لا فاصلة فيها ولا غريب مجهول يخترق امتدادها حتّى تتصل برسول الله (صلى الله عليه وآله) فهي تشكل مدرسة وتجربة حية يتجسد فيها الإسلام، وتطبق فيها أحكامه وتحفظ مبادئه وكل ذلك يؤكد لنا الثقة بصفاء المصدر، ونقاء العطاء وأصالة ما صدر عن آل البيت (عليهم السلام).

وإذا عرفنا كل ذلك استطعنا ان نعرف الاجواء والبيئة والمدرسة العلمية التي نشأ فيها وأخذ عنها اتباع أهل البيت (عليهم السلام) فنعرف أن مدرستهم في الحديث والتفسير ومعارف العقيدة والتوحيد وسائر علوم الشريعة إنّما هي النقل

(252)

الأمين والامتداد النزيه لمعارف النبوة، ونقاء الشريعة وأصالة المصدر.

والأحاديث الكثيرة التي وردت عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو يحرض ويحفز على متابعة الإمام علي (عليه السلام) بل يامر المسلمين بذلك وينهى عن مخالفته ويصرح بأن الحق معه ولذلك فجعل ائمة أهل البيت هم المراجمعية العلمية للامة إنّما هو بأمر من الله ورسوله (صلى الله عليه وآله) وليس إلى الحق والجنة سبيل غير مذهب أهل البيت وهو مذهب رسول الله (صلى الله عليه وآله).

فقد روى الشيخ سليمان الحنفى القندوزى في كتابه ينابيع المودة الباب الرابع عن فرائد السمطين لشيخ الإسلام الحموينى بسنده عن سعيد بن جبير عن ابن عباس (رضي الله عنهما) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) (يا علي أنا مدينة العلم وانت بابها ولن توتى المدينة إلّا من قبل الباب، وكذب من زعم أنّه يحبنى ويبغضك لانك منى وانا منك. لحمك لحمى، ودمك دمي، وروحك من روحي، وسريرتك من سريرتي، وعلانيتك من علانيتي، سعد من أطاعك، وشقي من عصاك، وربح من تولاك، وخسر من عاداك، فاز من لزمك، وهلك من فارقك، مثلك ومثل الأئمّة من ولدك بعدي، مثل سفينة نوح من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق، ومثلهم مثل النجوم كلما غاب نجم طلع نجم إلى يوم القيامة).

ويصرح النبي (صلى الله عليه وآله) في حديث الثقلين الذي اتفق علماء المسلمين على صحته انكم ما ان تمسكتم بالقرآن وبأهل بيته وعترته لن تضلوا بعده أبداً.

والثقل كل نفيس خطير مصون. وهذا كذلك إذ كل منهما معدن للعلوم الدينية والاسرار والحكم العلية والاحكام الشرعية ولذا حث (صلى الله عليه وآله) على الاقتداء والتمسك بهم والتعلم منهم.

فكل هذه التاكيدات المتتالية من النبي (صلى الله عليه وآله) في حقّ أهل البيت تبين ان سعادة الدنيا والآخرة منحصرة في التمسك بالقرآن والعترة معا وان طريق الحقّ واحد وهو الذي سار فيه أهل بيته.

فهم حماة الدين من تحريف الضالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين.

قد ذكر ابن حجر الهيتمى في الصواعق المحرقة ص 90 قال: وأخرج الملا في سيرته حديث: (في كل خلف من امتى عدول من أهل بيتى ينفون عن هذا الدين تحريف الضالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين).

وذكره المحب الطبري أيضاً في ذخائر العقبى ص 17 عن ابن عمر.

الفصل الأول

الإمام على المرجعية العلمية للامة الإسلامية

الإمام علي (عليه السلام) هو باب مدينة علم رسول الله (صلى الله عليه وآله) مصداقا للحديث الذي اخرجه البزار والطبراني في الأوسط والحاكم والعقيلي وابن عدي عن ابن عمر، والترمذي والحاكم عن الإمام على قال: قال رسول الله: (انا مدينة العلم وعلي بابها).

وقال الإمام علي: علمني رسول الله (صلى الله عليه وآله) الف باب من العلم واستنبطت من كل بالب الف باب (التفسير الكبير للفخر الرازي 8/21).

وقال ابن عباس رضى الله عنهما: والله لقد أعطى علي بن أبي طالب (عليه السلام) تسعة اعشار العلم وايم الله قد شارككم في العشر العاشر. (ابن الاثير في اسد الغابة 4/100).

ولا يشك المحق البصير والمدقق الخبير بان أحداً من أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله)لا يقاس بالإمام علي (عليه السلام) في العلم والمعرفة، فهو اعلمهم قاطبة وكلهم كانوا يحتاجون إليه في علم الدين وكانوا يراجعونه في المسائل والأحكام وكان غنياً عنهم. روى العلّامة القندوزي الحنفي في كتابه يناييع المودة الباب الرابع عشر في غزارة علمه (عليه السلام) روايات كثيرة في هذا المعنى وكلها من الكتب المعتبره لدى العامة فقال: وعن الكلبي قال ابن عباس: علم النبي (صلى الله عليه وآله) من علم الله سبحانه وعلم عليّ من علم النبي (صلى الله عليه وآله) وعلمى من علم عليّ وما علمى وعلم الصحابة في علم عليّ إلّا كقطره في سبعة ابحر.

وفي أواخر الباب روى عن المناقب عن عمار بن ياسر (رحمه الله) قال: كنت مع أمير المؤمنين (عليه السلام) سائرا فمررنا بواد مملوءة نملا فقلت: يا أمير المومنين ترى أحداً من خلق الله تعالى يعلم عدد هذا النمل؟

قال: نعم يا عمار، أنا أعرف رجلا يعلم عدده ويعلم كم فيه ذكر وكم فيه أنثى.

فقلت: من ذلك الرجل ؟

فقال: يا عمار ما قرات في سورة يس الآية 12: (وكل شيء احصيناه في امام مبين)!.

فقلت: بلى يا مولاى، قال: انا ذلك الإمام المبين.

وروى أيضاً عن أبي ذر (رحمه الله) قال كنت سائراً مع علي (عليه السلام) إذ مررنا بواد نمله كالسيل فقلت: الله أكبر جل محصيه قال (عليه السلام) : لا تقل ذلك ولكن قل : جل بارؤه. فوالذى صورنى وصورك، إني احصى عددهم واعلم الذكر منهم والانثى باذن الله عز وجل.

ابن أبي الحديد يصف علوم الإمام علي (عليه السلام):

قال ابن أبي الحديد في مقدمته على شرح نهج البلاغة: وما اقول في رجل تعزى إليه كل فضيلة، وتنتهى إليه كل فرقه وتتجاذبه كل طائفة فهو رئيس الفضائل وينبوعها وأبو عذرها، وسابق مضمارها، ومجلى حلبتها كل من بزغ فيها بعده فمنه أخذ وله اقتفى، وعلى مثاله احتذى.

وقد عرفت أن أشرف العلوم هو العلم الالهى لان شرف العلم بشرف المعلوم، ومعلومه اشرف الموجودات..

ومن كلامه (عليه السلام) اقتبس وعنه نقل واليه انتهى ومنه ابتدأ.

ومن العلوم علم الفقه وهو (عليه السلام) أصله وأساسه وكل فقيه في الإسلام فهو عيال عليه ومستفيد من فقهه.

ومن العلوم علم تفسير القرآن وعنه أخذ ومنه فرع وإذا رجعت إلى كتب التفسير علمت صحة ذلك..

ومن العلوم علم الطريقة والحقيقة وأحوال التصوف وقد عرفت ان ارباب هذا الفن في جميع بلاد الإسلام إليه ينتهون وعنده يقفون.

ومن العلوم علم النحو العربية وقد علم الناس كافة أنّه هو الذي ابتدعه وأنشأه وأملى على أبي الأسود الدؤلى جوامعه وأصوله، من جملتها: الكلام كله ثلاثة أشياء: اسم وفعل وحرف، ومن جملتها تقسيم الكلمة إلى معرفة ونكرة، وتقسيم وجوه الاعراب إلى الرفع والنصب والجر والجزم.

وهذا يكاد يلحق بالمعجزات لان قوة البشرية لا تفى بهذا الحصر ولا تنهض بهذا الاستنباط. أ هـ.

رجوع أبي بكر (رحمه الله) إلى عليّ (عليه السلام):

عن محمّد بن المنكدر ان خالد بن الوليد كتب إلى أبي بكر أنّه وجد رجل في بعض ضواحى العرب ينكح كما تنكح المرأة وأن أبا بكر جمع لذلك ناسا من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان فيهم علي بن أبي طالب (عليه السلام) اشدهم يومئذ قولا فقال: ان هذا ذنب لم تعمل به أمة من الامم إلّا أمة واحدة فصنع بها ما قد علمتم أرى أن تحرقوه بالنار، فكتب إليه أبو بكر أن يحرق بالنار (كنز العمال: 5/ 469 ح 13643).

رجوع عمر (رحمه الله) إلى عليّ (عليه السلام): عن ابن عباس (عليه السلام) قال أتى عمر بمجنونة قد زنت فاستشار فيها أناسا، فأمر بها عمر أن ترجم; فمر بها علي ابن ابي طالب (عليه السلام) فقال: ما شأن هذه؟ قالوا: مجنونة بنى فلان زنت، فأمر بها عمر أن ترجم قال: فقال: ارجعوا بها ثم أتاه فقال: يا عمر أما عملت أن القلم قد رفع عن ثلاثة: عن المجنون حتّى يبرأ وعن النائم حتّى يستيقظ وعن الصبى حتّى يعقل؟ قال: بلى، قال: فما بال هذه ترجم؟ قال لا شيء قال: فارسلها قال: فجعل يكبر.

ورواه في الباب بطرق آخر قال في بعضها فجعل عمر يكبر (سنن أبي داود: 4/140 ح 4399 صحيح البخارى 6/2499 باب 7 سنن الدارقطنى 3/139 ح 173).

 حد شارب الخمر:

عن ثور بن زيد الديلى ان عمر بن الخطاب استشار في الخمر يشربها الرجل فقال له على ابن طالب (عليه السلام) نرى أن يجلد ثمانين فإنّه إذا شرب سكر وإذا سكر هذى، وإذا هذى افترى (أو كما قال) فجلد عمر في الخمر ثمانين، (موطّأ الإمام مالك بن انس ص186).

ورواه الشافعي في مستنده في كتاب الاشربة ص 166 والحاكم في مستدرك الصحيحين 4/357، وذكره السيوطي في الدر المنثور في ذيل تفسير قوله تعالى: (يا ايها الذين آمنوا إنّما الخمر والميسر) (المائدة:90)، وروى الدارقطنى في سننه ص 346 كتاب الحدود حديثا قال في اخره قال علي (عليه السلام) أنّه إذا شرب سكر وإذا سكر هذى وإذا هذى افترى وعلى المفترى ثمانون جلدة فامر به عمر فجلد ثمانين وذكره المتقى في كنز العمال 3/101.

فقه الغنائم:

عن حارثة بن مضرب قال: جاء ناس من أهل الشام إلى عمر فقالوا: انّا قد أصبنا أموالا وخيلا ورقيقا نحب أن يكون لنا فيها زكاة وطهور، قال ما فعله صاحباي قبلي فأفعله، فاستشار عمر عليّاً (عليه السلام) في جماعة من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال علي (عليه السلام): هو حسن ان لم يكن جزية يؤخذون بها راتبه. (مستدرك الصحيحين للحاكم 1/400).

ورواه الطحاوى في شرح معانى الاثار في كتاب الزكاة باب الخيل السائبة.

الحجر الأسود ينفع ويضر:

عن أبي سعيد الخدري قال: حججنا مع عمر بن الخطاب فلما دخل الطواف استقبل الحجر فقال: إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أنّي رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) قبلك ما قبلتك فقال له علي (عليه السلام): بلى يا عمر أنّه يضر وينفع، قال: بم؟ قال: بكتاب الله ،تبارك وتعالى، قال: وأين ذلك من كتاب الله؟، قال: قال الله عز وجل: (وإذا أخذ ربك من بنى آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربّكم قالوا بلى) (الاعراف: 172) خلق الله آدم ومسح على ظهره فقررهم بأنّه الرب وأنهم العبيد وأخذ عهودهم ومواثيقهم وكتب ذلك في رق وكان لهذا الحجر عينان ولسان فقال له: افتح فاك، قال: ففتح فاه فالقمه ذلك الرق وقال: أشهد لمن وافاك بالموافاة يوم لقيامة وانّي اشهد لسمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: (يؤتى يوم القيامة بالحجر الأسود له لسان ذلق يشهد لمن استلمه بالتوحيد) فهو يا عمر يضر وينفع. فقال عمر أعوذ بالله ان اعيش في قوم لست فيهم يا أبا حسن.(مستدرك الصحيحين 1/628 ح1682).

التاريخ الإسلامي :

عن سعيد بن المسيب يقول: جمع عمر الناس فسألهم من أي يوم يكتب التاريخ؟ فقال علي بن أبي طالب (عليه السلام) من يوم هاجر رسول الله (صلى الله عليه وآله) وترك أرض الشرك ففعله عمر (مستدرك الصحيجين: 3/14).

ورواه ابن جرير في تاريخه: 2 / 112 وذكره المتقي في كنز العمال: 5 / 244 مرتين قال في احداهما: أخرجه البخاري في تاريخه الصغير والحاكم في مستدركه وقال في ثانيهما: عن ابن المسيب قال: أوّل من كتب التاريخ عمر لسنتين ونصف من خلافته فكتب لستّ عشرة من الهجرة بمشورة علي بن أبي طالب (عليه السلام).

عليك الدية با عمر:

عن الحسن يقول: ان عمر بلغه ان امراة بغية يدخل عليها الرجال فبعث اليها رسولا فاتاها الرسول فقال: أحبيبى أمير المومنين ففزعت فزعا فوقعت الفزعة في رحمها فتحرك ولدها فخرجت فاخذها المخاض فالقت غلاما جنينا فاتى عمر بذلك فأرسل إلى المهاجرين فقص عليهم أمرها، فقال: ما ترون؟ فقالوا : ما نرى عليك شيئا يا أمير المومنين إنّما أنت معلم ومؤدب. وفي القوم علي (عليه السلام) وعلى ساكت قال: فما تقول أنت يا أبا الحسن؟ قال: أقول: ان كانوا قاربوك في الهوى فقد اثموا وان كان هذا جهد رايهم فقد أخطأوا وأرى عليك الدية إلى ان قال ـ يعنى عمر ـ صدقت. (سنن البيهقي 6/123) .

حبلك على غاربك:

عن أبي الحلال العتكى قال: جاء رجل إلى عمر بن الخطاب فقال: أنّه قال لامراته: حبلك على غاربك، فقال عمر: واف معنا الموسم، فاتاه الرجل في المسجد الحرام فقص عليه القصة، فقال: ترى ذلك الاصلع يطوف بالبيت اذهب إليه فسله ثم ارجع فاخبرنى بما رجع اليك فذهب إليه فإذا هو علي (عليه السلام) فقال: من بعثك إلى؟ فقال: أمير المومنين، قال: أنّه قال لامراته: حبلك على غاربك، فقال: استقبل البيت واحلف بالله ما اردت طلاقا، فقال الرجل: وأنا أحلف بالله ما اردت إلّا الطلاق قال بانت منك امرأتك. (سنن البيهقى 7/343).

عدة المعتدة:

عن الشعبي قال: أُتي عمر بن الخطاب بامراة تزوجت في عدتها فاخذ مهرها فجعله في بيت المال وفرق بينهما وقال: لا يجتمعان وعاقبهما، فقال علي (عليه السلام) ليس هكذا ولكن هذه الجهالة من الناس ولكن يفرق بينهما ثم تستكمل بقية العدة من الأول ثم تستقبل عدة أخرى لها على المهر بما استحل من فرجها قال: فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: يا ايها الناس ردوا الجهالات إلى السنّة (سنن الييهقى: 7/442). وذكره المحب الطبري في الرياض النضرة: 2/196.

 ولدت لستّة أشهر:

عن أبي الأسود الدؤلى ان عمر أتى بامراة ولدت لستّة أشهر فهمّ برجمها فبلغ ذلك علياً (عليه السلام) فقال: ليس عليها رجم فبلغ ذلك عمر إلى ان قال: فسأله فقال: (والوالدات يرضعن اولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة)(البقرة: 233)، قال: (وحمله وفصاله ثلاثون شهراً) (الاحقاف: 15) فستّة أشهر حمله وحولان تمام رضاعته، لا حدّ عليها أو قال: لا رجم عليها. قال فخلّى عنها. (سنن البيهقى: 7/442).

وذكره المحب الطبري في الرياض النضرة 2/194 وقال فيه: فترك عمر رجمها وقال: لولا على لهلك عمر ، قال أخرجه العقيلى وأخرجه ابن السمان ، وذكره المتقى أيضاً في كنز العمال: 3/96، 228 وابن عبد البر في استيعابه: 2/461.

أنت خيرهم فتوى:

عن سعيد بن السيب قال: خرج عمر بن الخطاب على أصحابه يوما فقال: افتونى في شيء صنعته اليوم، فقالوا ما هو يا أمير المومنين؟، قال مرت بى جارية لي فأعجبتنى فوقعت عليها وانا صائم قال: فعظم عليه القوم وعليّ (عليه السلام) ساكت فقال: ما تقول يا ابن أبي طالب؟ قال: جئت حلالا ويوما مكان يوم، فقال: انت خيرهم فتوى. (طبقات ابن سعد: 2/ القسم2/ 102).

غداء وعشاء:

عن أبي امامة بن سهل بن حنيف قال: مكث عمر زمانا لا ياكل من بيت المال شيئا حتّى دخلت عليه في ذلك خصاصة وارسل إلى أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله)فاستشارهم فقال: قد شغلت نفسى في هذا الأمر فما يصلح لي منه؟. فقال عثمان بن عفان: كل وأطعم، قال: وقال ذلك سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل وقال لعليّ (عليه السلام)ما تقول انت في ذلك؟ قال: غداء عشاء.

قال فاخذ عمر بذلك. (طبقات ابن سعد: 3/ القسم 1/221).

عن سعيد بن المسيب قال: كان عمر يتعوذ بالله من معضلة ليس فيها أبو حسن.

وذكره ابن الاثير في اسد الغابة 4/22 وابن حجر في اصابته: 4/ القسم 1/270 وفي تهذيب التهذيب: 7/327 وذكره ابن عبد البر في استيعابه: 2/461 والمتقى في كنز العمال: 5/241.

شربوا الخمر وتأوّلوا:

عن أبي عبد الرحمن السلمى، عن علي (عليه السلام) قال: شرب نفر من أهل الشام الخمر وعليهم يومئذٍ يزيد بن أبي سفيان وقالوا: هي حلال وتلوا: (ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيها طعموا) (المائدة: 93) فكتب فيهم إلى عمر فكتب عمر أن ابعث بهم إلى قبل أن يفسدوا من قبلك فلما قدموا على عمر استشار فيهم الناس فقالوا: يا أمير المومنين نرى أنهم قد كذبوا على الله وشرعوا في دينهم ما لم يأذن به الله فاضرب أعناقهم وعليّ (عليه السلام) ساكت فقال: ما تقول يا أبا الحسن فيهم؟ قال أرى أن تستتيبهم فان تابوا ضربتهم ثمانين ثمانين لشربهم الخمر وان لم يتوبوا ضربت أعناقهم فانهم قد كذبوا على الله وشرعوا في دينهم ما لم يأذن به الله فاستتابهم فتابوا فضربهم ثمانين ثمانين.

وذكره العسقلانى في فتح البارى: 15/73 وقال أخرجه ابن أبي شيبة وذكره السيوطى في الدر المنثور في ذيل تفسير قوله تعالى: (إنّما الخمر والميسر)(المائدة:90).

ائت عليا فاسأله:

عن عبد الرحمن بن أُذينه العبدى عن أبيه أُذينة بن سلمة العبدى، قال: أتيت عمر بن الخطاب فسالته من أين اعتمر؟، فقال: ائت عليا فاسأله، قال ابن عبد البر (إلى آخر الحديث) وفيه قال عمر: ما اجد لك إلّا ما قال عليّ. وذكره المحب الطبري في الرياض النضرة: 2/195.

ثلاث أسألك عنهن:

عن ابن عمر قال: قال عمر بن الخطاب لعلي بن أبي طالب (عليه السلام) يا أبا الحسن ربما شهدت وغبنا، ثلاث أسألك عنهن هل عندك منهن علم؟ قال عليّ (عليه السلام): وما هن؟ قال: الرجل يحب الرجل ولم ير منه خيرا، والرجل يبغض الرجل ولم ير منه شراً، قال علي (عليه السلام): نعم، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ان الأرواح في الهواء جنود مجندة تلتقى فتشام فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف، قال: واحدة، والرجل يتحدث بالحديث نسيه وذكره، قال علي (عليه السلام): سمعت رسول الله يقول: ما من القلوب قلب إلّا وله سحابة كسحابة القمر بينا القمر يضيء إذ علته سحابة فأظلم إذ تجلت، قال عمر: اثنتان، والرجل يرى الرؤيا فمنها ما يصدق ومنها ما يكذب، قال نعم سمعت رسول الله يقول ما من عبد ولا امة ينام فيستثقل نوماً إلّا يعرج بروحه في العرش فالتي لا تستيقظ إلّا عند العرش فتلك الرؤيا تصدق والتى تستيقط دون العرش فهي الرؤيا التي تكذب فقال عمر: ثلاث كنت في طلبهن فالحمد لله الذي أصبتهن قبل الموت (كنز العمال 6/406).

مولاي ومولى كل مسلم:

عن عمر وقد نازعه رجل في مسألة فقال: بينى وبينك هذا الجالس ـ واشار إلى علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقال الرجل: هذا الابطن! فنهض عمر عن مجلسه وأخذ بتلابيبه حتّى شاله من الأرض ثم قال: أتدرى من صغرت؟ مولاى ومولى كل مسلم الرياض النضرة: 2/170.

الزانية الحامل:

عن زيد بن على عن أبيه عن جده قال: أُتي عمر بامرأة حامل قد اعترفت بالفجور فامر برجمها فتلقاها علي (عليه السلام) فقال: ما بال هذه فقالوا: أمر عمر برجمها فردها علي (عليه السلام) وقال: هذا سلطانك عليها فما سلطانك على ما في بطنها؟ ولعلك انتهرتها أو أخفتها، قال: قد كان ذلك، قال: أوما سمعت رسول الله قال: لا حد على معترف بعد بلاء؟ أنّه من قيد أو حبس او تهدد فلا اقرار له. فخلى سبيلها (الرياض النضرة 2/195).

الزانية المضطرة:

عن عبد الرحمن السلمى، قال: أتى عمر بامراة أجهدها العطش فمرت على راع فاستقته فأبى ان يسقيها إلّا ان تمكنه من نفسها ففعلت فشاور الناس في رجمها فقال له علي (عليه السلام) هذه مضطرة إلى ذلك فخل سبيلها، ففعل (الرياض النضرة 2/196).

لا ابقاني الله بعدك يا علي:

عن أبي سعيد الخدري سمع عمر يقول لعلي (عليه السلام) ـ وقد سأله عن شيء فاجابه ـ : أعوذ بالله ان أعيش في قوم لست فيهم يا أبا الحسن. وفي رواية: لا أبقانى الله بعدك يا على. (الرياض النضرة 2/197).

عن يحيى بن عقيل قال: كان عمر يقول لعلي (عليه السلام) إذا سأله ففرج عنه: لا ابقانى الله بعدك يا على (الرياض النضرة 2/197).

الزناة الخمسة:

روى الحميدي في كتاب الجمع بين الصحيحين قال: في خلافة عمر بن الخطاب جاؤوا بخمسة رجال زنوا بامرأة وقد ثبت عليهم ذلك فأمر الخليفة برجمهم جميعا. فاخذهم لتنفيذ الحكم فلقيهم الإمام علي بن أبي طالب وأمر بردهم، وحضر معهم عند الخليفة وسأله هل أمرت برجمهم جميعا؟ فقال عمر: نعم فقد ثبت عليهم الزنا، فالذنب الواحد يقتضى حكما واحدا. فقال على: ولكن حكم كل واحد من هؤلاء الرجال يختلف عن حكم صاحبه. قال عمر: فاحكم فيهم بحكم الله فإني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: عليّ اعلمكم وعليّ أقضاكم، فحكم الإمام عليّ (عليه السلام) بضرب عنق أحدهم ورجم الآخر وحد الثالث وضرب الرابع نصف الحد وعزر الخامس. فتعجب عمر واستغرب فقال: كيف ذلك يا أبا الحسن؟! فقال الإمام على: اما الأول فكان ذميا زنى بمسلمة فخرج عن ذمته والثانى محصن فرجمناه واما الثالث: فغير محصن فضربناه الحد والرابع عبد مملوك فحده نصف واما الخامس فمغلوب على عقله فعزرناه. فقال عمر: لولا على لهلك عمر، لا عشت في أُمة لست فيها يا أبا الحسن!

عجز عمر عن حل المعضلات وخضوعه لعلي: ذكر العلّامة نور الدين المالكى في كتابه الفصول المهمة/18، في القسم الثالث من الفصل الأول / ونسب الكلام المرموز إلى رجل مجهول ولكن العلّامة الكنجى الشافعي روى باسناده في كتابه كفاية الطالب الباب السابع والخمسون عن حذيفة بن اليمان أنّه لقى عمر بن الخطاب فقال له عمر: كيف اصبحت يابن اليمان؟ فقال: كيف تريدنى اصبح؟! اصبحت والله اكره الحق واحب الفتنة واشهد بما لم اره واحفظ غير المخلوق واصلى على غير وضوء، ولى في الأرض ما ليس لله في السماء. فغضب عمر لقوله وانصرف من فوره وقد اعجله امر وعزم علي اذى حذيفة لقوله ذلك.

فبينا هو في الطريق إذ مر بعلي بن أبي طالب فرأى الغضب في وجهه فقال: ما اغضبك يا عمر؟!

فقال: لقيت حذيفة بن اليمان فسألته كيف أصبحت؟ فقال: أصبحت اكره الحق فقال (عليه السلام): صدق يكره الموت وهو حق.

فقال: يقول: واحب الفتنة قال (عليه السلام): صدق يحب المال والولد وقد قال الله تعالى: (إنّما اموالكم واولادكم فتنة) (الانفال :28)، فقال: يا على يقول: واشهد بما لم اره فقال (عليه السلام): صدق يشهد لله بالوحدانية والموت والبعث يوم القيامة والجنّة والنار والصراط ولم ير ذلك كله فقال: يا على وقد قال: اننى أحفظ غير المخلوق قال (عليه السلام): صدق يحفظ كتاب الله تعالى القرآن وهو غير مخلوق قال: ويقول اصلى على غير وضوء فقال (عليه السلام): صدق يصلى على ابن عمى رسول الله (صلى الله عليه وآله) على غير وضوء وهي جائزة.

فقال: يا أبا الحسن قد قال: أكبر من ذلك فقال (عليه السلام): وما هو؟ قال: قال: ان لي في الأرض ما ليس لله في السماء قال (عليه السلام): صدق له زوجا وتعالى الله عن الزوجة والولد.

فقال عمر: كاد يهلك ابن الخطاب لولا على بن أبي طالب.

رجوع عثمان إلى عليّ (عليه السلام):

عن محمّد بن يحيى بن حبان قال: كانت عند جدي حبان امراتان هاشمية وانصارية فطلق الانصارية وهي ترضع فمرت بها سنة ثم هلك عنها ولم تحض فقالت: انا ارثه لم احض، فاختصمتا إلى عثمان بن عفان فقضى لها بالميراث فلامت الهاشمية عثمان فقال: هذا عمل ابن عمك هو اشار علينا بهذا ـ يعنى علي بن أبي طالب (عليه السلام) (الموطأ ص 36).

ورواه الشافعي في مسنده في كتاب العدد 171 وذكره ابن حجر في اصابته: 8 القسم 1/204 وابن عبد البر في استيعابه 2/764 والمحب الطبري في الرياض النضرة 2/197.

قال الإمام مالك في الموطأ ص 176: ان عثمان بن عفان أُتي بامراة قد ولدت في ستة اشهر فامر بها ان ترجم فقال له على ابن ابي طالب (عليه السلام) ليس ذلك عليها ان الله تبارك وتعالى يقول في كتابه: (وحمله وفصاله ثلاثون شهرا)(الاحقاف: 15) وقال: (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد ان يتم الرضاعة) (البقرة: 233) فالحمل يكون ستة اشهر فلا رجم عليها فبعث عثمان في اثرها فوجدت قد رجمت.

الولد للفرش وللعاهر الحجر:

عن الحسن بن سعد عن ابيه ان يحنس وصفية كانا من سبى الخمس فزنت صفية برجل من الخمس فولدت غلاما فادعاه الزانى ويحنس فاختصما إلى عثمان فرفعها إلى علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقال على: اقضى فيهما بقضاء رسول الله (صلى الله عليه وآله): «الولد للفراش وللعاهر الحجر» وجلدهما خمسين خمسين (مسند الإمام احمد 1/104).

وذكره المتقي الهندى في كنز العمال: 3/227 قال اخرجه الدورقي.

رجوع معاوية إلى الإمام عليّ (عليه السلام) :

عن سعيد بن المسيب; أن رجلا من أهل الشام يقال له ابن خيبري وجد مع امرأته رجلا فقتله أو قتلهما معاً، فاشكل على معاوية بن أبي سفيان القضاء فيه; فكتب إلى أبي موسى الأشعري يسأل له عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) عن ذلك، فسأل أبو موسى عن ذلك عليّ بن أبي طالب، فقال له عليّ (عليه السلام): إنّ هذا الشيء ما هو بأرضي، عزمت عليك لتخبرني، فقال له أبو موسى: كتب إليّ معاوية بن أبي سفيان أن أسألك عن ذلك، فقال عليّ (عليه السلام): أنا أبو حسن، إن لم يأت بأربعة شهداء فليعط برمته. (الموطّأ ص 126).

ورواه البيقي في سننه بطرق متعدّدة: 8/237، 10/147، والشافعي في مسنده ـ كتاب الجائز والحدود ـ ص 204، وذكره المتقي في كنز العمال: 7/300.

قال: وكان معاوية يكتب فيما ينزل به ليسأل له عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)عن ذلك، فلمّا بلغه قتله قال: ذهب الفقه والعلم بموت ابن أبي طالب، فقال له أخوه عتبة: لا يسمع هذا منك أهل الشام، فقال به: دعني عنك. (الاستيعاب: 2/463).

رجوع عائشة وابن عمر إلى الإمام علي (عليه السلام) في المسائل المشكلة: قد ثبت من الصحاح وغيرها من الكتب المعتبرة رجوع عائشة وابن عمر إلى علي (عليه السلام) في الوقائع المشكلة، وفيما يلى جملة منها:

1 ـ عن شريح بن هانى، قال: أتيت عائشة أسألها عن المسح على الخفين، فقالت: عليك بابن أبي طالب فاسأله. (صحيح مسلم في كتاب الطهارة، باب المسح على الخفين).

2 ـ عن شريح بن هانى، قال: سألت عائشة عن المسح على الخفين، فقالت: ائت عليا فانه أعلم بذلك منى.

وفي فتح البارى في شرح البخارى: 16/168 قال: وأخرج ابن أبي شيبة بسند جيد، عن عبد الرحمن بن أبزى، قال: انتهى عبدالله بن بديل بن ورقاء الخزاعى إلى عائشة يوم الجمل وهي في الهودج، فقال: يا أم المؤمنين أتعملين إني أتيتك عندما قتل عثمان فقلت: ما تأمرينى، فقلت: الزم عليا (عليه السلام) فسكتت، فقال: اعقروا الجمل، فعقروه، فنزلت أنا وأخوها محمّد فاحتملنا هودجها فوضعناه بين يدى علي (عليه السلام)، فأمر بها فأدخلت بيتا.

ورواه النسائى في سننه: 1/32، وابن ماجة في سننه: ص 42 وأحمد بن حنبل في مسنده: 1/96، 100، 113، 117، 210، 133، 146، 149، 6/110، والطحاوى في شرح معانى الآثار في كتاب الطهارة: 49 ـ 50، وأبو حنيفة في مسنده: ص 129، وذكره المتقى في كنز العمال: 5/147.

3 ـ عن أبي مجلز، أن رجلا سأل ابن عمر فقال: إني رميت الجمرة ولم أدري رميت ستا أو سبعا؟، قال: ائت ذلك الرجل ـ يريد علياً (عليه السلام) ـ فذهب فسأله. (سنن البيهقى: 5/149).

توريث الخنثى:

عن الشعبي، عن عليّ (عليه السلام) أنّه قال: الحمد لله الذي جعل عدونا يسألنا عمّا نزل به من أمر دينه، إنّ معاوية كتب إليّ يسألني عن الخنثى، فكتبت إليه أن ورثه من قبل مباله. (كنز العمال: 6/21).

وقال المناوي في فيض القدير في الشرح ما هذا لفظه: وفي شرح الهمزية إنّ معاوية كان يرسل يسأل عليّاً (عليه السلام) عن المشكلات فيجيبه، فقال أحد بنيه: تجيب عدوك، قال: أما يكفينا أن احتاجنا وسألنا.

عن أبي حازم، قال: جاء رجل إلى معاوية فسأله عن مسألة، فقال: سل عنها عليّاً بن أبي طالب فهو أعلم، قال: يا أمير المؤمنين جوابك فيها أحبّ إليّ من جواب عليّ، قال: بئس ما قلت، لقد كرهت رجلا كان رسول الله يغزره العلم غزراً، ولقد قال له: أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبيّ بعدي، وكان عمر إذا أشكل عليه شيء أخذه منه. (الرياض النضرة: 2/195).

وذكره ابن حجر في صواعقه ص 107، وفي فتح الباري في شرح البخاري: 17/105 قال: عن قيس بن أبي حازم قال: جاء رجل إلي معاوية فسأله عن مسألة، فقال: سل عنها عليّاً (عليه السلام)، قال ـ يعني معاوية ـ: ولقد شهدت عمر أشكل عليه شيء فقال: ها هنا عليّ (عليه السلام).

الفصل الثاني

أئمّة أهل البيت المرجعية العلمية للأُمّة

علم الحسنين (عليهما السلام) وما حدثا به عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) :

روى صاحب تاريخ بغداد 9/366: بسنده عن مجاهد قال: جاء رجل إلى الحسن والحسين (عليهما السلام) فسألهما فقالا: ان المسألة لا تصلح إلّا لثلاثة، لحاجة مجحفة، أو لحمالة مثقلة، أو دين فادح، فأعطياه، ثم أتى ابن عباس فأعطاه ولم يسأله، فقال له الرجل: أتيت ابنى عمك فسألانى ولم تسألنى فقال ابن عباس: أنبأنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنهما كانا يغران العلم غرا، أقول: يغران العلم غرا، أي: يزقان العلم زقا، وغر الطير فرخه أي زقه الطعام. (مجمع الزوائد: 3/100، المعجم الصغير للطبرانى: 1/184ـ185، ترجمة الإمام الحسين (عليه السلام) من تاريخ دمشق: ص 138 ح 176).

الإمام علي بن الحسين (زين العابدين) (عليه السلام):

وصف ابن حجر في كتابه الصواعق المحرقة، الإمام على بن الحسين بقوله: (زين العابدين هو الذي خلف أباه علما وزهداً وعبادة). (أهل البيت، توفيق أبو علم).

وعن أبي حازم وسفيان بن عيينة كان كل منهما يقول: (ما رأيت هاشميا أفضل من على بن الحسين، ولا أفقه منه)(ابن الجوزى، تذكرة الخواص).

ان مثل هذه الشخصية الفذة المرموقة التي كانت تحتل موقع الإمام والأستاذية والأعلمية، لحرية أن يصفها العلماء بمثل هذه الأوصاف، ويركن اليها المسلمون في اخذ الحديث والفقه والتفسير والعقيدة، وسائر علوم الشريعة المقدسة.

وقد قلد الإمام السبط الشهيد الحسين بن على (عليهما السلام) الوسام وشهادة الاعتراف بالامامة والزعامة الدينية لولده (على زين العابدين)، وفي ذلك أوضح دليل على مقام هذاالامام والأخذ بما صدر عنه من علوم ومعارف ورواية...الخ.

فقد ورد عن الإمام جعفر بن محمّد الصادق (عليه السلام): (ان الحسين (عليه السلام) لما سار إلى العراق استودع أم سلمة رضى الله عنها الكتب والوصية فلما رجع على بن الحسين (عليه السلام) دفعتها إليه) (الطبرسى، اعلام الورى باعلام الهدى ص 252).

ومن المحقق أن أول من ألف ودون في دنيا الإسلام هم أئمة أهل البيت، فهم الرواد الأوائل الذين خططوا مسيرة الأمة الثقافية وفجروا ينابيع العلم والحكمة في الأرض، وممن ألف من الأئمّة الطاهرين الإمام زين العابدين فقد كانت مؤلفاته نموذجا رائعا لتطور الفكر الإسلامي وتقدم الحركة الثقافية والعلمية، فقد انشغل المسلمون في عصر الإمام بالحروب والثورات ضد حكام الجور مما سبب تفكك المجتمع، ولكن وجود الإمام فتح أفاقا مشرقة من العلم لم يعرفها الناس من ذى قبل، فقد تعرض لعلوم الشريعة الإسلامية من الحديث والفقه والتفسير وعلم الكلام والفلسفة.

ومن هذه الكتب التي ألفها (الصحيفة السجّادية) فهي من ذخائر التراث الإسلامي، ومن مناجم كتب البلاغة والتربية والأخلاق والأدب في الإسلام.

ومن المؤلفات القيمة للامام زين العابدين (المناجاة الخمس عشرة)، وهي من القيم الروحية في الإسلام فقد عالج بها الإمام كثيرا من القضايا النفسية كما فتح بها آفاقا مشرقة للاتصال بالله تعالى.

ومنها (رسالة الحقوق) وهي من المؤلفات المهمة في الإسلام التي وضعت المناهج الحية لسلوك الانسان وتطوير حياته وبناء حضارته على أسس تتوفر فيها جميع عوامل الاستقرار النفسى، ووقايته من الاصابة بأى لون من ألوان القلق والاضطراب، بعد أن نظر أبعاد حياته وعلاقاته مع خالقه ونفسه وأسرته ومجتمعه وحكومته ومعلمه وغير ذلك. ليتم بذلك انشاء مجتمع اسلامى تسوده العدالة الاجتماعية والعلاقات الوثيقة بين أبنائه من الثقة والمحبة.

يقول الإمام زين العابدين مبينا سعة علومه وأنواره:

يا رب جوهر علم لو أبوح به لقيل لي أنت ممن يعبد الوثنا ولاستحل رجال صالحون دمى يرون أقبح ما يأتونه حسنا (راجع كتاب الإسلام وطن ـ للإمام السيّد محمّد ماضي أبي العزائم ص 70).

وروى سفيان بن عيينة عن الزهري قال: دخلت على علي بن الحسين فقال: يا زهرى، فيم كنتم؟ قلت: كنا نتذاكر الصوم، فأجمع رأيي ورأي أصحابي على أنّه ليس من الصوم شيء واجب، إلّا شهر رمضان، فقال: يا زهرى، ليس كما قلتم، الصوم على أربعين وجها: عشرة منها واجب كوجوب شهر رمضان، وعشرة منها حرام، وأربع عشرة منها صاحبها بالخيار، ان شاء صام، وان شاء أفطر، وصوم النذر واجب، وصوم الاعتكاف واجب. قال الزهرى: قلت: فسرهن يا ابن رسول الله(صلى الله عليه وآله).

قال: أما الواجب: فصوم شهر رمضان، وصوم شهرين متتابعين في قتل الخطأ لمن لم يجد العتق، وصيام ثلاثة أيام كفارة اليمين لمن لم يجد الاطعام، وصيام حلق الرأس، وصوم دم المتعة لمن لم يجد الهدي، وصوم جزاء الصيد، يقوم الصيد قيمته ثم يقسم ذلك الثمن على الحنطة.

وأما الذي صاحبه بالخيار: فصوم الاثنين والخميس، وستة أيام من شوال بعد رمضان، وصوم عرفة، ويوم عاشوراء، كل ذلك صاحبه بالخيار.

وأما صوم الاذن: فالمرأة لا تصوم تطوعا إلّا باذن زوجها، وكذلك العبد والأمَة. وأما صوم الحرام: فصوم الفطر والأضحى، وأيام التشريق، ويوم الشك، نهينا أن نصومه لرمضان، وصوم الوصال حرام، وصوم الصمت حرام، وصوم نذر المعصية حرام، وصوم الدهر، وصوم الضيف لا يصوم تطوعا إلّا باذن صاحبه، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «من نزل على قوم فلا يصومن تطوعا إلّا باذنهم». ويؤمر الصبى بالصوم إذا لم يراهق تأنيساً وليس بفرض، وكذلك من أفطر لعلة من أول النهار ثم وجد قوة في بدنه امر بالامساك وذلك تأديب الله عز وجل وليس بفرض. وكذلك المسافر إذا اكل من اول النهار ثم قدم أمر بالامساك.

وأما صوم الاباحة: فمن أكل أوشرب ناسياً أجزأه صومه وأما صوم المريض والمسافر فقال قوم: يصوم، وقال قوم: لا يصوم وقال قوم: ان شاء صام وان شاء أفطر، وأما نحن فنقول: يفطر في الحالين، فان صام في السفر والمرض فعليه القضاء. (البداية والنهاية، ج 5 ص 153 ـ 154).

الإمام محمّد بن علي الباقر (عليه السلام):

أما ولده محمّد بن على الذي لقب بالباقر لتوسعه في العلوم والمعارف فهو كأبيه اشهر من عرف المسلمون في الورع والزهد والعلم والمعرفة وبذلك يشهد العلماء والرواة والمحدثون، ويروى الصحابى الجليل جابر بن عبدالله الانصارى أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أخبره بأنه سيدرك ولده محمّد الباقر (عليه السلام) وامره أن يقرئه السلام.

فقد روى هذا الصحابى الجليل: (قال لي رسول الله (صلى الله عليه وآله) وآله يوشك أن تبقى حتّى تلقى ولدا لي من الحسين يقال له: محمّد، يبقر العلم بقرا، فإذا لقيته فاقرئه منى السلام) (ابن الصباغ في الفصول المهمة واليعقوبى في تاريخه والشبلنجى في نور الابصار وابن الجوزى في تذكرة الخواص).

وقد ادرك هذا الصحابى الإمام الباقر (عليه السلام) وهو صبى وأبلغه تحية جده رسول الله (صلى الله عليه وآله).

ان في هذه الشهادة النبوية وفي التعريف الكفاية للاعتراف بمقام هذا الإمام والاعتماد عليه، والرجوع إليه، والاخذ عنه وتشكل حياته وحياة ولده جعفر الصادق أغنى فترة من فترات التاريخ الإسلامي في الحديث والرواية والتعريف بعلوم الإسلام.

وقد كان العلماء والرواة والمفسرون وطلاب المعرفة الإسلامية في تلك الفترة يرون في الإمام الباقر قمة لا تدانيها قمة، وعلما لا يرتفع إلى جانبه علم.

فقد وصفه ابن العماد الحنبلى بقوله: (أبو جعفر محمّد الباقر كان من فقهاء أهل المدينة، وقيل له: الباقر; لانه بقر العلم أي شقه وعرف أصله وتوسع فيه). (شذرات الذهب ج 1 ص 149).

ونقل ابن الجوزى عن احد اعلام التابعين عطاء قوله في الإمام محمّد الباقر (عليه السلام): ما رايت العلماء عند احد أصغر علما منهم في مجلس أبي جعفر الباقر.

الإمام جعفر بن محمّد الصادق (عليه السلام):

أما ولده جعفر الصادق (عليه السلام) فقد أسهب العلماء في الثناء عليه وعلى آبائه واعظام مقامهم، نذكر من هذه الأقوال ما نصه:

نقل العلّامة المحقق السيّد محسن الأمين: أن الحافظ ابن عقدة الزيدى جمع في كتاب رجاله أربعة آلاف رجل من الثقات الذين رووا عن جعفر بن محمّد فضلا عن غيرهم وذكر مصنفاتهم.

ونقل ابن شهرآشوب في كتابه مناقب آل أبي طالب عن كتاب الحلية لأبى نعيم ما نصه:

إن جعفراً الصادق حدث عنه من الأئمّة والأعلام: مالك بن أنس، وشعبة بن الحجاج، وسفيان الثورى، وابن جريج، وعبدالله بن عمرو، وروح بن القاسم، وسفيان بن عيينة، وسليمان بن بلال، واسماعيل بن جعفر، وحاتم بن اسماعيل، وعبد العزيز بن المختار، ووهب بن خالد، وابراهيم بن طحان، وآخرون غيرهم، قال: أخرج عنه مسلم في صحيحه محتجا بحديثه، وقال غيره: وروى عنه مالك، والشافعى، والحسن بن صالح، وأبو أيوب السختيانى، وعمر بن دينار، وأحمد بن حنبل، وقال أنس بن مالك: ما رأت عين ولا سمعت أذن، ولا خطر على قلب بشر أفضل من جعفر الصادق فضلا وعلما وعبادة وورعا.

وتحدث الأستاذ الشيخ محمود أبو زهرة من علماء الأزهر الشريف عن الإمام الصادق في مقدمة كتابه (الإمام الصادق) ص3 فقال: أما بعد فاننا قد اعتزمنا بعون الله وتوفيقه أن نكتب عن الإمام جعفر الصادق، وقد كتبنا في سبعة من الأئمّة الكرام، وما أخرنا الكتابة عنه لأنه دون أحدهم، بل ان له فضل السبق على أكثرهم، وله على الأكابر منهم فضل خاص، فقد كان أبو حنيفة يروى عنه ويراه أعلم الناس باختلاف الناس، وأوسع الفقهاء احاطة، وكان الإمام مالك يختلف إليه دارسا راويا، وكان له فضل الأستاذيه على أبي حنيفة ومالك، فحسبه ذلك فضلا، ولا يمكن أن يؤخر عن نقص، ولا يقدم غيره عليه عن فضل، وهو فوق هذا حفيد على زين العابدين الذي كان سيد أهل المدينة في عصره، فضلا وشرفاً وديناً وعلماً، وقد تتلمذ له ابن شهاب الزهرى، وكثيرون من التابعين، وهو ابن محمّد الباقر الذي بقر العلم ووصل إلى لبابه، فهو ممن جمع الله تعالى له الشرف الذاتى والشرف الاضافى بكريم النسب، والقرابة الهاشمية والعترة المحمدية.

وكان عمرو بن المقدام يقول: إذا نظرت إلى جعفر بن محمّد علمت أنّه من سلالة النبيين.

ووصفه المؤرخ الشهير اليعقوبى بقوله: وكان أفضل الناس وأعلمهم بدين الله، وكان أهل العلم الذين سمعوا منه إذا رووا عنه قالوا أخبرنا العالم. (تاريخ اليعقوبى ج 2 ص381).

وهذا قبس من تعريف العلماء والرواة والمحدثين وشهاداتهم تكشف عن مقام أهل البيت (عليهم السلام) وموقعهم العلمى والايماني الفريد.

كان الإمام جعفر الصادق من رجال التصوف، وكان واحداً من رجال السلسلة الذهبية.. وهي السلسلة المتصلة من مدينة العلم (صلى الله عليه وآله)، إلى بابها الأعظم سيدنا على كرم الله وجهه..إلى سيد شباب أهل الجنة..وسيد الشهداء الإمام الحسين.. إلى الإمام على زين العابدين إلى ولده الإمام محمّد الباقر إلى الإمام جعفر الصادق، إلى أن تلتقى مع السلاسل الأخرى.

فالإمام الصادق سلطان دولة العارفين، وكعبة يقصدها أقطاب المرشدين والمسترشدين.. وبحراً لكنه ما حوى غير الدرر.. وشمساً ولكن لم يستفد من نورها إلّا كل قمر، هو فرع من فروع الدوحة المحمدية.. وغصن من أغصان شجرة الأصل النورانية.

في مجلسه تتلمذ ـ كما يقول أرباب الاحصاءات ـ أربعة آلاف من الرواة وكتب عنه أربعمائة كاتب كلهم يقول: قال جعفر بن محمّد.

فأي مجلس كان ذلك المجلس؟ تتراءى فيه أشياء من رسول الله (صلى الله عليه وآله)بعضه مادى يجرى في أصلاب رجل بعد رجل، وبعضها معنوى يتراءى في معانيه وفحوى مقولاته لكل هؤلاء.. وليس بالمجلس لجاجة ولا حجاج عقيم.. يقول لتلاميذه: من عرف شيئاً قل كلامه فيه.. وانما سمى البليغ بليغاً لأنه يبلغ حاجته بأدنى سعيه.

سفيان الثورى:

دخل عليه سفيان الثوري وقال: علمنى يا ابن رسول الله مما علمك الله. قال: يا ثورى خذ عني ثلاثاً:

1 ـ إذا أردت النعمة فأدم شكرها لأن الله تعالى يقول: (لئن شكرتم لأزيدنكم) (ابراهيم: 7).

2 ـ إذا استبطأت رزقك فأكثر من الاستغفار لأن الله تعالى يقول : (فقلت استغفروا ربكم أنّه كان غفارا * يرسل السماء عليكم مدرارا * ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا) (نوح: 10 ـ 12).

3 ـ وإذا حزبك أمر.. أي شغلك فأكثر من قول: (لا حول ولا قوة إلّا بالله) فانها مفتاح الفرج وكنز من كنوز الجنة.

قال الثوري: هذه ثلاث.. وأي ثلاث؟

والثوري هو مضرب الأمثال في عصره في الورع والسنن والفقه، للعراق كافة، وكانت له في مجابهة الخليفة مواقف لا يمل الحديث عنها.

مالك بن أنس:

وكان من تلاميذ الإمام الصادق امام المدينة مالك بن أنس الذي وصف مجلس الإمام الصادق بقوله: كنت أرى جعفر بن محمّد، وكان كثير الدعابة والتبسم، فإذا ذكر عنده النبي اخضر واصفر. ولقد اختلفت إليه زمانا فما كنت أراه إلّا على الطهارة ولا يتكلم فيما لا يعنيه. وكان من العلماء والعباد والزهاد الذين يخشون الله. وما رأيته قط إلّا ويخرج وسادة من تحته ويجعلها تحتى.

لقد كان الإمام مالك يجد ريح الرسول في مجلس ابن ابنته.. ويحس، أو يكاد يلمس، شيئا ماديا، يتسلسل من الجد لحفيده، وأشياء غير مادية تملك اللب والقلب، فالرؤية متعة والسماع نعمة، والجوار ـ مجرد الجوار ـ تأديب وتربية.. وفي كل أولئك طرائق قاصدة إلى الجنة.

وكان من تلاميذ الإمام الصادق المحدثون العظماء.. يحيى بن سعيد محدث المدينة، وابن جريج وابن عيينة محدثا مكة.. وابن عيينة هو المعلم الأول للشافعى في الحديث.

عمرو بن عبيد:

ويجيء للمناظرة عمرو بن عبيد زعيم المعتزلة، الذي لم يضحك أبو حنيفة طول حياته بعد أن قال له عمرو ـ إذ ضحك مرة في ابان مناظرته ـ: يا فتى تتكلم في مسألة من مسائل العلم وتضحك ؟ ! والذى يبلغ من وقاره أن يراه الرائى فيحسبه أقبل من دفن والديه. فإذا انتهى الكلام قال عمرو للامام: هلك من سلبكم تراثكم ونازعكم في الفضل والعلم.

عبدالله بن المبارك:

ويجىء امام خراسان عبدالله بن المبارك وهو امام فقه، وبطل معارك، تتلمذ للامام الصادق زمانا ولأبى حنيفة، فتعلم ما جعله يخفى بطولاته في الفتوح وهو القائل في حق الإمام الصادق: أنت يا جعفر فوق الـ مدح والمدح عناء إنّما الأشراف أرض ولهم أنت سماء جاز حد المدح من قد ولدته الأنبياء لولا العامان لهلك النعمان: أما أبو حنيفة النعمان امام الفقه فكان له حال عجيب ومواقف غريبة مع الإمام، حيث يقول أبو حنيفة: قال لي الخليفة أبو جعفر المنصور: يا أبا حنيفة ان الناس قد فتنوا بجعفر بن محمّد فهيئ له من المسائل الشداد، فهيأ له أربعين مسألة، والتقى الامامان بالحيرة في حضرة المنصور، ويقول أبو حنيفة في اللقاء: أتيته فدخلت عليه وجعفر بن محمّد جالس عن يمينه، فلما بصرت به دخلتنى الهيبة لجعفر الصادق بن محمّد ما لم يدخلنى لأبى جعفر المنصور، فسلمت عليه، وأومأ فجلست، ثم التفت إليه، وقال: هذا أبو حنيفة، قال: نعم، ثم التفت إلى وقال: يا أبا حنيفة ألق على أبي عبدالله من مسائلك، فجعلت ألقى عليه فيجيبنى، فيقول أنتم تقولون كذا، وأهل المدينة يقولون كذا، ونحن نقول كذا، فربما تابعنا، وربما تابعهم، وربما خالفنا جميعا، حتّى أتيت على الأربعين مسألة. ثم قال أبو حنيفة، ان أعلم الناس أعلمهم باختلاف الناس.

ويقول أبو حنيفة جئت إلى المدينة واستأذنت عليه فحجبنى. وجاء قوم من أهل الكوفة استأذنوا لهم فدخلت معهم. فلما صرت عنده قلت: يا ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله): لو أرسلت إلى أهل الكوفة فنهيتهم أن يشتموا أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فانى تركت فيها أكثر من عشرة آلاف يشتمونهم! فقال: لا يقبلون منى، فقلت: ومن لا يقبل منك وأنت ابن رسول الله؟ فقال الصادق: أنت أول من لا يقبل منى. دخلت بغير اذنى. وجلست بغير أمرى. وتكلمت بغير رأيى. وقد بلغنى أنك تقول بالقياس. فقلت: نعم أقول به.. فقال: ويحك يا نعمان أول من قاس ابليس حين أمر بالسجود لآدم فأبى وقال: خلقتنى من نار وخلقته من طين.

هل قست رأسك يا نعمان؟ فقلت: كيف؟ فقال: لماذا كان ماء العين ملحا؟ وماء الأذن والأنف مرا؟ ولم كانت الحرارة في المنخرين؟ وفيهما شعيرات كالغربال؟ ولم كانت العذوبة في الشفتين؟ فقلت: لا أدري !

قال: أليست هذه الحواس في رأسك؟ فقلت: علمنى يا ابن رسول الله ! فقال: أما العينان فهما شحمتان.. ولولا الملح فيهما لذابتا. والماء المر في الأذنين حجاب من الحشرات والهوام كالنمل والبرغوث، ولو دخلت لأتلفت المخ والأعصاب، والحرارة في المنخرين.. ومرارة الماء فيهما تحفظ الدماغ من النتن.. أما الشعيرات فانها تدخل الهواء على الرئتين فتدفئه ان كان باردا وترطبه ان كان هواء حارا حتّى لا تتأثر الرئتان.. أما عذوبة الشفتين فلكى تستطعم بهما الطعام والشراب وتميز بهما الحلو من الحامض، وليعرف الناس حلاوة منطقك.

يا أبا حنيفة أي الذنبين أعظم.. قتل النفس أم الزنا؟ فقلت: القتل، قال: فلم قبل الله شاهدين في قتل النفس، ولم يقبل في الزنا إلّا أربعة شهود؟ أيقاس هذا؟ قلت: لا.

قال: فأيهما أكبر البول أم المنى؟ قلت: البول. قال: فلماذا أمر في البول بالوضوء، وأمر في المنى بالغسل؟ أيقاس هذا؟ قلت: لا.

قال: أيهما أكبر الصلاة أم الصوم؟ قلت: الصلاة، قال: فلم وجب على الحائض أن تقضى الصوم، ولا تقضى الصلاة؟ أيقاس ذلك؟ قلت: لا.

قال: فأيهما أضعف المرأة أم الرجل؟ قلت: المرأة، قال: فلم جعل الله للرجل سهمين في الميراث وللمرأة سهما؟ أيقاس ذلك؟ قلت: لا.

قال: وقد بلغني أنك تقرأ آية من كتاب الله: (ثم لتسألن يومئذ عن النعيم).. أنّه الطعام الطيب والماء البارد في اليوم الصائف. قلت: نعم. قال: لو دعاك رجل وأطعمك وسقاك ماء باردا، ثم امتن عليك. ما كنت تنسبه إليه؟ قلت: البخل. قال: أفبخل علينا؟ قلت: فما هو؟ قال: حبنا أهل البيت.

ثم تناول أبو حنيفة الطعام مع الإمام الصادق، فرفع الإمام يده حمداً لله، ثم قال: اللهم هذا منك ومن رسولك.. قال أبو حنيفة: يا أبا عبدالله أجعلت مع الله شريكا؟ قال الإمام: ان الله يقول في كتابه: (وما نقموا إلّا أن أغناهم الله ورسوله من فضله)، فقال أبو حنيفة: لكأنى ما قرأتها قط في كتاب ولا سمعتها إلّا في هذا الموقف.

وانقطع أبو حنيفة إلى مجالس الإمام طول عامين قضاهما بالمدينة، وفيهما يقول: (لولا العامان لهلك النعمان) وكان لا يخاطب الإمام الصادق إلّا بقوله: جعلت فداك يا ابن بنت رسول الله.

جابر بن حيان:

وتتلمذ على يد الإمام الصادق العالم الكيميائي جابر بن حيان والمؤرخون متفقون على تلمذته للامام، وعلى صلته أو تأثره به في العلم والعقيدة.. وينقل ابن النديم قوله: (ألفت ثلاثمائة كتاب في الفلسفة وألفا وثلاثمائة رسالة في صنائع مجموعة، وآلات الحرب، ثم ألفت في الطب كتابا عظيما.. ثم ألفت كتبا صغارا وكبارا.. وألفت في الطب نحو خمسمائة كتاب أخرى.. ثم ألفت في المنطق على رأى أرستطاليس، ثم ألفت كتاب الزيج أيضاً نحو ثلاثمائة ورقة.. ثم ألفت كتابا في الزهد والمواعظ.. وألفت كتبا في العزائم كثيرة حسنة، وألفت في الأشياء التي يعمل بخواصها كتبا كثيرة.. ثم ألفت بعد ذلك نحو خمسمائة كتاب نقضا على الفلاسفة ثم ألفت كتابا في الصنعة يعرف بكتاب الملك. وكتابا يعرف بالرياض).

وجابر بن حيان يعتبر الإمام الصادق هو صاحب المدد والالهام له في كل هذه العلوم فيقول: (وحق سيدى ـ الإمام الصادق ـ لولا أن هذه الكتب باسم سيدى لما وصلت إلى حرف من ذلك إلى الأبد).

الإمام موسى بن جعفر الكاظم(عليه السلام):

أما الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) فهو ابن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام)، تربى في كنف أبيه فاكتسب منه العلم والورع ومكارم الأخلاق، لذا شهد له أبوه بجلالة قدره وعظيم مكانته، أنّه ولده موسى، هو سيد أهل البيت (عليه السلام)، والامام الذي يرجع إليه في أخذ العلوم والمعارف.

فقد ورد عنه (عليه السلام) أنّه قال لأحد أصحابه: (ان ابنى هذا الذي رأيت لو سألته عما بين دفتى المصحف لأجابك فيه بعلم).

ووصفه علماء الرجال والسير بأنه العالم الصادق، والمتعبد المشهور بالورع والتقوى، وعظمة الشأن، وسمو الخلق، نذكر من هذه الشهادات ما قاله الحافظ الرازى في موسوعته الرجالية بقوله: (موسى بن جعفر بن محمّد بن على ابن الحسين بن علي بن أبي طالب روى عن أبيه، روى عنه ابنه على بن موسى وأخوه على بن جعفر، سمعت أبي يقول ذلك عبدالرحمن، قال: سئل أبي عنه فقال: ثقة صدوق، امام من أئمة المسلمين). (الحافظ الرازى، الجرح والتعديل، ج 8، ص 139).

وقال فيه محمّد بن أحمد الذهبى: كان موسى من أجود الحكماء ومن عباد الله الأتقياء. (ميزان الاعتدال ج 3 ص 209).

وقال كمال الدين محمّد بن طلحة الشافعي: هو الإمام الكبير القدر، العظيم الشأن، الكبير المجتهد الجاد في الاجتهاد، المشهور بالعبادة، المواظب على الطاعة، المشهور بالكرامات، يبيت الليل ساجدا وقائما، ويقطع النهار متصدقا، وصائما، ولفرط حلمه، وتجاوزه عن المعتدين عليه دعي كاظما. (مطالب السؤول ص 18).

وقال مؤمن الشبلنجى: كان موسى الكاظم (رضي الله عنه) أعبد أهل زمانه، وأعلمهم. (نور الأبصار ص 218).

الإمام عليّ بن موسى الرضا (عليه السلام):

أما ولده على بن موسى الرضا (عليه السلام) فقد كان كآبائه في العلم والورع وكمال الأخلاق، وقد تولى الزعامة الدينية ومهمة الامامة من بعد أبيه، وقد بلغ من المجد والمكانة ما أرغم الخليفة العباسى المأمون أن يعهد له بالخلافة من بعده، رغم الصراع والعداء المستحكم بين العلويين والعباسيين.

وقد شهد العلماء والفقهاء والفلاسفة في مجالس العلم والحوار، وفي كتب الرجال والسير بمكانة الإمام على الرضا (عليه السلام) العلمية، ومقامه الكريم، وما اتسم به من الورع والتقوى.

ننقل من هذه الأقوال: قال الواقدى: كان ثقة، يفتى بمسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله)وهو ابن نيف وعشرين سنة، وهو من الطبقة الثامنة من التابعين من أهل المدينة. (ابن الجوزى، تذكرة الخواص، ص 198).

أما أبوه موسى بن جعفر الذي عرفنا مكانته العلمية، وورعه وتقواه، فانه يشهد له بالعلم، ويرشد إلى الأخذ عنه بقوله لأبنائه: هذا أخوكم على بن موسى، عالم آل محمّد، فسلوه عن أديانكم، واحفظوا ما يقول لكم.

الإمام محمّد بن على الجواد(عليه السلام):

أما الإمام الجواد(عليه السلام) فهو كآبائه وأسلافه الأطهار في العلم والزهد والتقى.

قال سبط ابن الجوزى: محمّد الجواد، وهو محمّد بن على بن موسى بن جعفر بن محمّد بن على بن الحسين بن على بن أبي طالب، وكنيته: أبو عبدالله، وقيل أبو جعفر، ولد سنة خمس وتسعين ومائة، وتوفى سنة مائتين وعشرين، وكان على منهاج أبيه في العلم والتقى والزهد والجود. (تذكرة الخواص، ص 202).

وروى محمّد بن عمار قال: كنت عند على بن جعفر بن محمّد جالسا بالمدينة، وكنت أقمت عنده سنتين أكتب عنه ما سمع من أخيه ـ يعنى موسى بن جعفر الكاظم ـ إذ دخل عليه أبو جعفر محمّد بن على الرضا المسجد، مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فوثب على بن جعفر بلا حذاء ولا رداء، فقبل يده، وعظمه. فقال له أبو جعفر: يا عم اجلس رحمك الله. فقال: يا سيدى كيف أجلس وأنت قائم؟ فلما رجع على بن جعفر إلى مجلسه، جعل أصحابه يوبخونه، ويقولون له: أنت عم أبيه، تفعل به هذا الفعل؟ فقال: اسكتوا، إذا كان الله عز وجل ـ وقبض على لحيته ـ لم يؤهل هذه الشيبة وأهل هذا الفتى، ووضعه حيث وضعه، أأنكر فضله؟! نعوذ بالله عما تقولون، بل أنا عبد له. (مدينة المعاجز ص 454).

وقال محمود بن وهيب البغدادى الحنفى: محمّد الجواد بن على الرضا، كنيته أبو جعفر، ثم قال: وهو الوارث لأبيه علما وفضلا، وأجل اخوته قدرا وكمالا. (جوهر الكلام ص 147).

الإمام عليّ بن محمّد الهادي (عليه السلام):

أما الإمام علي الهادي (عليه السلام) بن الإمام محمّد الجواد (عليه السلام) فكان له من عظيم الفضل ورفيع الشأن، علما وورعا، ما كان لآبائه الكرام، ويكني بأبي الحسن العسكري.

قال مؤمن الشبلنجى: ومناجاته (رضي الله عنه) كثيرة، قال في الصواعق: كان أبو الحسن العسكرى وارث أبيه علما وسخاء. (نور الأبصار ص 155).

قال عبد الحي بن العماد الحنبلى: أبو الحسن علي بن محمّد بن علي الرضا ابن الكاظم موسى بن جعفر الصادق، العلوي، الحسيني، المعروف بالهادي، كان فقيها اماما متعبدا. (شذرات الذهب ج 2 ص 129).

قال الحافظ عماد الدين أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير: وأما أبو الحسن علي الهادي فهو ابن محمّد الجواد بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمّد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين الشهيد بن علي ابن أبي طالب أحد الأئمّة الاثنى عشر، وهو والد الحسن بن علي العسكري، وقد كان عابدا زاهدا، نقله المتوكل إلى سامراء، فأقام بها أزيد من عشرين سنة بأشهر، ومات بها هذه السنة ـ أربع وخمسين ومائتين. (البداية والنهاية ج 11 ص 15).

وروى عن يحيى بن هرثمة الذي أرسله المتوكل العباسي لجلب الإمام علي الهادي من المدينة إلى سامراء: فذهبت إلى المدينة، فلما دخلتها ضج أهلها ضجيجا عظيما، ما سمع الناس بمثله، خوفا على عليّ، وقامت الدنيا على ساق، لأنه كان محسنا اليهم، ملازما للمسجد، لم يكن عنده ميل إلى الدنيا، فجعلت أسكنهم، وأحلف لهم إني لم أؤمر فيه بمكروه، وأنه لا بأس عليه، ثم فتشت منزله، فلم أجد إلّا مصاحف وأدعية، وكتب العلم، فعظم في عينى. (ابن الجوزى، تذكرة الخواص، ص 202).

الإمام الحسن بن على العسكرى (عليهما السلام):

أما الإمام الحسن العسكرى بن على الهادى (عليهما السلام) فهو أيضاً كآبائه الكرام في العلم والمعرفة والورع والجهاد. وقد شهد العلماء وأصحاب السير له بذلك، نذكر من هذه الأقوال:

1 ـ قال شمس الدين أبو المظفر يوسف بن قزاغلى سبط ابن الجوزى: كان عالما ثقة، روى الحديث عن أبيه عن جده. (تذكرة الخواص ص 203)

2 ـ قال على بن الصباغ المالكى: مناقب سيدنا أبي محمّد الحسن العسكرى دالة على أنّه السرى ابن السرى، فلا يشك في امامته أحد ولا يمترى، واعلم أنّه ان بيعت مكرمة فسواه بايعها وهو المشترى، واحد زمانه من غير مدافع، ونسيج وحده من غير منازع، وسيد أهل عصره، وامام أهل دهره، أقواله سديدة، وأفعاله حميدة. (الفصول المهمة ص 290).

الإمام محمّد بن الحسن (عليهما السلام):

ان الأحاديث التي وردت عن طريق أئمة الحديث والرواية من مختلف مذاهب المسلمين كثيرة جداً، وتجمع على أن اسم المهدى هو محمّد، وأنه من أهل بيت النبوة، واختلفوا في تحديد شخصه، والذى ثبت عند اتباع أهل البيت أنّه الإمام محمّد بن الحسن العسكرى بن علي الهادي بن محمّد الجواد بن علي الرضا ابن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمّد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين السبط الشهيد بن علي بن أبي طالب، وأنه ولد في النصف من شعبان سنة 255 هـ في سر من رأى، وأنه بقدر الهي ما زال موجوداً وغائباً، وأن ظهوره سيكون في وقت كما ورد في الحديث الشريف، تملأ فيه الأرض ظلماً وجوراً ليملأها قسطا وعدلا، وأن عيسى (عليه السلام) يصلى خلفه.

هذا تعريف مختصر بأئمّة أهل البيت (عليهم السلام) ومقامهم ومكانتهم، وهم المرجعية العلمية للأمة، فعنهم أخذ الفقه والحديث والتفسير وعلوم العقيدة والشريعة وغيرها.