دور الصحوة الإسلامية في رسم وحدة هوية الأمة
دور الصحوة الإسلامية في رسم وحدة هوية الأمة
الدكتور خالد رمزي سالم كريم (البزايعة)
الإعلامي والمفكر الإسلامي- المملكة الأردنية الهاشمية
مقدمة
الحمدلله الملك الجواد.. الهادي الى سبل الرشاد.. الذي خلق الخلق كما أراد .. وجعل الأرض مهاداً.. والجبال أوتاداً.. وأنزل من السماء ماء مباركا .. لتخرج به الأرض زرعاً ونباتاً .. وأنعم علينا بنعم كثيرة لا تحصيها الأعداد.. وأشهد ألّا إله إلا الله وحده لا شريك له .. المنزه عن الصاحبة والأولاد .. شهادةً أدخرها ليوم الميعاد.. وأستعين بها على الكرب والشداد .. وأشهد أن محمدا عبده صلى الله عليه وسلم عبد الله ورسوله .. الذي جعله الله بركة ورحمة للعباد .. أما بعد:
فهذه شريعة الله تعالى أنزلها لخلقه .. لتؤخذ أحكامها وتُطبق في شتى الميادين .. فإنْ طلب أحد العباد السعادة في غيرها .. ضل وشقي .. وخرج منها صفر اليدين ملجوما بالخسارة والذلة.. ومن أيقن أنها نعمة من الخالق .. ووطَن نفسه على عمل ما يحب الرب جلّ جلاله .. نال رضاه وأحبه .. وكان من الفائزين .. يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من آتى الله بقلب سليم .
أما بعد ...
فمن نعم الله تعالى عليّ أن هيأ لي المشاركة بمؤتمر التقريب بين المذاهب السادس والعشرين والذي جعل عنوانه الرئيس " النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم رمز هوية الأمة الإسلامية الواحدة " والذي يدل بلا مجاملة ولا نفاق أن الجمهورية الإسلامية الايرانية رائدة الحركة الفكرية الثقافية الإسلامية بلا منازع , فالاهتمام بالاصلاح ومكافحة الفساد والتقريب بين المذاهب و ووضع معالم للصحوة وإلغاء التبعية الغربية الظالمة (الأمريكوصهيوني) , خرج جميعه بمبادرات إيرانية إسلامية هدفها جمع الكلمة وتوحيد الصف بوسائل شتى وأساليب مختلفة لتعاد للأمة العربية الإسلامية مكانتها وهيبتها على مستوى العالم أجمع ,لذا تستحق إيران حكومة وشعبا كل تقدير وثناء ومتابعة خطى, للوصول لكل مفيد نافع للأمة الإسلامية قاطبة .
ومن هنا أخترت الكتابة بموضوع بالغ الأهمية , ويكاد يكون مطلب العصر الحديث لعلماء وشباب الأمة العربية والإسلامية على حد سواء ألا وهو" دور الصحوة الإسلامية في رسم معالم وحدة هوية الأمة " فالصحوة الإسلامية التي تسري في شوارع وعقول الأمة العربية والإسلامية , إن وجهت بطريقة سليمة منضبطة بعيدة عن التأثير الغربي والصهيوني ستصل بنا للصف الواحد , والكلمة الواحدة , والقلب الواحد , والحكم الواحد...نعم بالصحوة الإسلامية نستطيع أن نكون أقوياء لنا هيبتنا وكلمتنا , ونستفيد من خيرات أرضنا , ونستطيع كذلك و بكل ثقة التخلص من الهيمنة الاقتصادية والسياسية الغربية على الثروات العربية والإسلامية .
وللعلم فإن لإيران الإسلامية بلد الثورة والصحوة الحقيقية ديّن ثقيل على كاهل الأمة العربية والإسلامية على حد سواء, وذاك لأنها أخذت زمام التوعية والتثقيف على مستوى دولي للأمة جمعاء , بأهمية التقريب بين المذاهب الإسلامية المختلفة , والتي تنحدر من مصدر واحد وإن اختلفت الأفهام وتنوعت الرؤى , وعملت كذا الجمهورية الإسلامية على طرح موضوع الصحوة الإسلامية بما له وعليه على طاولة النقاش واستدعت لذلك العلماء والمفكرين ورجال الإعلام والشباب وأشركت المرأة والشعر بما له وعليه , لتخرج من ضيق المفهوم إلى وحدة الصف ونبذ الخلاف ووضوح المعالم للأمة جمعاء .
وهنا تبرز أهمية الصحوة الإسلامية بمفهوما العام والخاص معا للتقريب بين المذاهب الإسلامية و إبراز هوية الأمة الموحدة ذات الكلمة والموقف الواحد.
وفي الختام سيعمل الباحث على وضع تمهيد يظهر من خلاله الهجمة الغربية الإعلامية الشرسة - والتي تتضمن الإساءة لرسولنا محمد صلى الله عليه وسلم , وديننا الحنيف , ولا تفرق في ذاك بين شيعي وسني أو حنفي وزيدي أو جعفري - و مصدرها الغرب المتمثل بالولايات المتحدة الأمريكية ومعسكرها الأوربي , ثم يتناول الباحث بعد ذلك مفهوم الصحوة الإسلامية و ما يتعلق بها من معوقات داخلية وخارجية , ثم بعد ذلك يطرح الباحث دور الصحوة الإسلامية في رسم وحدة الأمة , ثم التوصيات للسادة في مجمع التقريب العالمي للتقريب بين المذاهب .
الباحث : الدكتور خالد رمزي كريم
التمهيد : الإعلام الغربي والإساءة لشخص الرسول محمد صلى الله عليه وسلم.
تَمُرُّ الأُمَّة الإسلامية بواقعٍ يتسم بالضعف، والتخلف، والتقهقر، والتقوقع، والشعور بالنقص، والرضا بالتبعية للصهيونية والصليبية المتطرفة (اليمين المتطرف)، التي اتخذت من دول العالم الأول مكاناً استطاعت من خلاله بسط ثقافاتها ومعتقداتها في عقر ديار الإسلام؛ بل أضحت التحديات التي ينبغي على الأُمَّة مواجهتها ومجابهتها ذات فوارق عن تحديات العصور السالفة، فهي تحديات مرتبطة بعصر العولمة والتكنولوجيا وهيمنة (الميديا) الإعلامية، والتكتلات الاقتصادية، والإمبريالية الرأسمالية، وغيرها من وسائل القوة المادية التي لم يشهد لها التاريخ مثيلاً من قبل.
واليوم يدور النقاش حول موضوع بالغ الأهمية وهو دور الصحوة الإسلامية في رسم وحدة هوية الأمة في ظل ضعف الأمة الإسلامية وتردي حالها من جهة و الهيمنة الإعلامية الغربية والإساءة المتعمدة لشخص رسولنا محمد من جهة أخرى .
نعم , بلا صحوة إسلامية منضبطة واضحة المعالم والحدود لن يكون للهوية الإسلامية أي تميز ولا توحد ولا ثقل سياسي أو اقتصادي .
لذا ينبغي على علماء الأمة ومفكريها استغلال عنصر الشباب والذي هو ركيزة التفوق وطريق النجاح ومعبر التنمية والتطور ...ويصدق لذلك حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : "نصرت بالشباب "
والصحوة اليوم غدت مطلبا أساسيا وهدفا رئيسا لكافة الأطياف الإسلامية السياسية منها وغير السياسية (الصوفية)... لذا ينبغي لهذه الصحوة أن تكون منضبطة واعية مستقرة ذات أهداف وغايات واضحة المعالم....يقودها أهل العلم والفقه ويرسم لهم معالم الطريق أهل الحل والعقد بكل عصر ...ترسخ التاريخ وتبني المعارف وتزيل كل مخالف وتوحد الصف وتتبنى الكلمة الواحدة والقبلة الواحدة والهدف الواحد ....نعم الصحوة هي الوحدة بكل ما فيها من معاني إيجابية ....وهي ضد الفرقة والاختلاف والمعاني السلبية ....
لذا ينبغي اليوم أن نكون جادين مع موضوع الصحوة فهما وتنظيما وتربية .....وأن نعمل بجهد متواصل مدروس لإزالة كل معيق لها داخليا وخارجيا, لكي نرسم بأمان هوية وحدة الأمة .
ومقدساتنا الإسلامية ....هويتنا ...تاريخنا ...والحفاظ عليها فرض شرعي وحضاري لا يمكن التنازل عنه يوما ما تحت أي مبرر.
فقرآننا الكريم ...وقدسنا ...وكعبتنا ...وترابنا ...ودمائنا ....ووحدتنا....نظافة قلوبنا ....ومحاربة عدونا ...كلها مقدسات مصونة شرعا وعقلا .
وقبيل البدء بتعريف الصحوة وبيان دورها في رسم وحدة هوية الأمة وأهم المعوقات لها داخليا وخارجيا وبيان واجبنا نحو مقدساتنا , لابد ومن باب التذكير فقط بالقول أن الولايات المتحدة الأمريكية (وحلفائها بالناتو ) تسعى جاهدة اليوم لترسيم حدود الاستعمار الجديدة للشرق الأوسط والتي تعتمد الغزو الفكري والثقافي والتبعية الاقتصادية , وتعتمد أيضا هدم الهوية الإسلامية تاريخا وحضارة , وما دعمها للكيان الصهيوني المحتل إلا شكلا من أشكال التمييز والكراهية ضد أبناء فلسطين أولا , وباقي أبناء المعمورة , وفيه إظهار لزيف ما ترفع من شعارات الديمقراطية وحقوق الإنسان ودليلنا في ذلك الحرب العراقية وأفغانستان البارحة وليبيا وسوريا اليوم ....فأمريكا حيثما كانت مصلحتها كانت هي ...وبغض النظر عن الثمن ...انهيار أمم ..دماء تسيل ..أشلاء تقطع ...فالعالم كله مجبور اليوم لرضاعة الديمقراطية الأمريكية بالنكهة التي تريدها واشنطن.
وفي عالمنا العربي يتلاعب الإعلام المأجور لصالح الغرب (خاصة الولايات المتحدة الأمريكية) بعقول وفكر الشباب العربي المقلد للغرب...فيجعل من العدو صديقا والعكس ...حتى بات العربي المسلم ينتظر نشرة الأخبار ليبني الحكم عليها !!!
وكما هو واضح للعيان فإن الغرب دائما ما يروج لما يسمي (الإسلاموفوبيا) ويوم الحادي عشر من سبتمبر ربما يكون أكثر الأيام التي يسعي الغرب من خلالها إلي بث روح الخوف من الإسلام , واتهام الإسلام بما هو منه براء , واتهام المسلمين بالتعصب والإرهاب والوحشية, وبالتالي هم يحاولون اللعب علي وتر التعصب والتشدد, وإثارة المسلمين واستغلال غيرتهم علي دينهم ونبيهم للترويج بالافتراءات التي يلصقونها بالإسلام والمسلمين, وبعد الإساءات المتكررة لرسول الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم أعتقد أن نصرته ستتحقق من خلال إتباع منهج النبي صلي الله عليه وسلم وليس بالتكسير والعنف وإرهاب الآمنين وغيرها, نصرة النبي صلي الله عليه وسلم تكون بالالتزام بما جاء به واجتناب ما نهي عنه, وأن نسير علي هديه صلي الله عليه وسلم.
إن أعداء الإسلام والمتربصين به , يسعون من وقت لآخر لإحداث بالونات اختبار لقياس مشاعر المسلمين , وأيضا قياس رد فعلهم تجاه بعض الإساءات; حتى إذا اطمأنوا أن ردة الفعل هينة وأن المسلمين لن يتحركوا أو يحركوا ساكنا تمادوا في غيهم وتمادوا في أفعالهم المسيئة للإسلام وللمسلمين , وأكثروا من الإساءة وبالتالي كان لا بدّ من وقفة أمام كل هذه الإساءات والافتراءات على الإسلام وعلى نبيه حتي نردع هؤلاء ونوقفهم عند الحد الذي لا يستطيعون أن يتجاوزوه مرة أخرى.
نعم لقد رفض المسلمون في أقطار الأرض تلك الحملة المسعورة التي هاجمت القرآن الكريم تارة , ورسولنا محمد صلى الله عليه وسلم تارة أخرى , وحاولت تدنيس قداسته بصور شتى , وحالات تتعدى العدّ والذّكر؛ فكيف نقرأ هذه الحملة الشرسة؟ وما واجبنا تجاه كل هذه الأحداث التي تنتهك حرماتنا ، وتدنِّس مقدساتنا ، وتهاجم وحدتنا الإسلامية ، وتنتقص تعاليم شريعتنا باسم التقدم والمدنية ؟ إنني من خلال هذه المقدمة لا أجد عملاً واجباً على المسلمين اليوم مثل وجوب الوقوف أمام هذه الدعوات ، والسير بخطى ثابتة لدحضها وتفنيد شبهها ، بعيداً عن السير بخطى العاطفة أو القرارات الوقتية الآنية ، ولهذا وذاك , فإنه ليسرني أن أقدم عبر هذه المؤتمر الدولي المميز بمكوناته وحضوره , بعضاً من الأفكار التي أحسب أنها خطوات مهمة للوقوف في وجه هذا التيار الجامح.
أولا: ما الصحوة الإسلامية المنشودة ؟ وكيف نفهمها في ظل الهيمنة الغربية الممنهجة المدروسة ؟
أولا": ما حاجتنا للصحوة الإسلامية في ظل الفرقة والشتات وضياع الكلمة ؟
ثانيا : ما دور العلماء والمفكرين في بناء فكر الصحوة الإسلامية , ورسم معالمها ؟
ثالثا: هل الصحوة الإسلامية الناشئة بالشارع العربي والإسلامي مؤهلة وقادرة على رسم وحدة هوية الأمة الإسلامية ؟
هذه الأسئلة لابدّ من الوقوف عليها طويلا والأتيان بإجابات صارمة واضحة للإنطلاق منها في بناء جيل التحرر والصحوة الصادقة الواعية , لمكافحة كل يد تريد طمس هوية الأمة الإسلامية أو النيل من الصف العربي الإسلامي الواحد...
فالدول العربية والإسلامية اليوم مطالبة بالدعوة لتناسي الخلافات والنزاعات والانشغال بهموم الأُمَّة، وذلك لا يتأتى إلاَّ بالقدوة الصالحة، وإقامة المؤتمرات التنويرية. والضامن الوحيد في ذلك هو: القوة والأمانة، حيث إنَّ التحدي الذي يجابه الأُمَّة هو سبب أساسي في إشعال نار الفتنة الداخلية، فإذا كان ما وقع بين الأوس والخزرج بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم ، كما في حديث جَابِر بْنَ عَبْد ِاللَّهِ ـ رَضِي اللَّه عَنْهمَا ـ قَالَ: كُنَّا فِي غَزَاةٍ فَكَسَعَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَالَ الأَنْصَارِيُّ: يَا لَلأَنْصَارِ، وَقَالَ الْمُهَاجِرِيُّ: يَا لَلْمُهَاجِرِينَ، فَسَمِعَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: مَا بَالُ دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ؟ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَسَعَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ!! فَقَالَ: دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ، فَسَمِعَ بِذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ فَقَالَ: فَعَلُوهَا، أَمَا وَاللَّهِ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ، فَبَلَغَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَامَ عُمَرُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : دَعْهُ لا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَه،ُ وَكَانَتِ الأَنْصَارُ أَكْثَرَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ حِينَ قَدِمُوا الْمَدِينَةَ، ثُمَّ إِنَّ الْمُهَاجِرِينَ كَثُرُوا بَعْدُ)، وما هذه إلاَّ بعد أنْ تبيَّن للمنافقين واليهود في المدينة أثر الوحدة الإسلامية بين أعداء الأمس وأخوة اليوم، فإنَّ الخطر المعاصر على الأُمَّة في غياب القدوة النموذجية المماثلة للعصر الذهبي للإسلام، أدى لنتائج وخيمة تتجرع الأُمَّة الإسلامية ويلاتها الحسية والمعنوية، فالجهل والتخلف والتبعية صارت سمات تتعلق بكثير من دول العالم الإسلامي.
وبيعدا كل البعد عن معاني النفاق والمجاملة , أرى أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية تستحق وبجدارة أن تكون رائدة التغيير للعالم العربي والإسلامي على حد سواء , وذاك لما تبذله من جهود مضنية جادة إقليما وعربيا وإسلاميا , لإعادة بناء هيكل الأمة الصحيح , وتوحيد صفها, ولم شملها ,وإطلاق صحوتها بالمسار السليم , فهي بذلك تمتلك زمام المبادرة دوما , و تستقبل العقول والكفاءات لتعيد لها رسم المسار والبناء والتخطيط الممنهج المدروس تربية وتنظيما , إيران باتت اليوم رقما صعبا للغرب المعادي للأمة الإسلامية بعد صمود طويل وصبر عجيب أدى بكل الظروف إلى تطور علمي ومعارفي تقني مميز, وجعل من إيران الدولة المميزة بشتى المجالات لا على مستوى الشرق أوسط بل تعداه لرقم عالمي يحترم ويقدر.
و في عالمنا الإسلامي نحن أيضا بحاجة إلى الدعوة لمحاربة الظلم والفساد، وخلق فرص التعليم والعمل، وإقامة العدل بين الرعية، فالنبي صلى الله عليه وسلم بوصفه القائد الأعلى كان لا يميز على أصحابه.
وأما المعوِّقات العصرية فهي شبيهة بمعوِّقات الأمس، فالمنهج النبوي العملي والقولي قد تنبأ بكل ما يحصل للأُمَّة من معوِّقات وتحديات وفرص.
وعليه؛ فإننا يمكن أنْ نقسم المعوِّقات إلى قسمين اثنين تربطهما علاقة زوجية، صعبة الْبَيْنِ والفراق إن لم تكن مستحيلة، وقد أدّى كلا الطرفين واجبه بإخلاص وتفانٍ، ونجحت المهمة في تحطيم كل مقومات الوحدة والقوة التي تتخذ من شعار العالمية الإسلامية رمزاً لها، فعاش كل تحت كنف ما جاءه بفضل عطائه .
نظرات في ماهية الصحوة الإسلامية و المعوقات الداخلية والخارجية
تعريف الصحوة الإسلامية " بالظاهرة الاجتماعية التي تعني عودة الوعي للأمة وإحساسها بذاتها واعتزازها بدينها وكرامتها واستقلالها السياسي والاقتصادي والفكري وسعيها للنهوض بدورها الطبيعي في بناء حضارة الإنسان باعتبارها خير أمة أخرجت للناس".
ولهذه الصحوة أسباب داخلية وأخرى خارجية :
أولا ـ الأسباب الداخلية: ونعني بها امتلاك الأمة الإسلامية لمقومات فكرية حضارية ونظرية متكاملة متمثلة بالدين الإسلامي الحنيف، الذي يمتاز بشموله للقيم والأفكار والعقيدة والشريعة في شؤون الدنيا والآخرة.
ثانيا ـ الأسباب الخارجية: لقد افتتنت الأمة المسلمة بالحضارة المادية الواردة من شرق الأرض وغربها وغلبت على أمرها أمام هذا الهجوم الحضاري الجديد وساهم في ذلك انحسار الإسلام من الناحية الميدانية بفعل عوامل متعددة ولمدة طويلة، وكذلك غياب القيادة الأمينة وانشغال حكام المسلمين بالأمور الشخصية وضمور روح الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حيث ساعدت هذه العوامل على مضاعفة جهل الأمة بروح الإسلام إضافة إلى الشعارات البراقة التي رفعها المستعمرون في تحرير المسلمين وتطويرهم، وتزامن ذلك مع التطور التكنولوجي الذي استخدمه الغزاة كدليل لإثبات تطورهم ورقيهم الحضاري.
ومن الأسباب الخارجية كذلك حالة الصراع والتهافت بين الحضارات الحديثة من أجل السيطرة على العالم الثالث، والنتائج المريرة التي جنتها البشرية من تلك الصراعات والظلم الواضح والصريح الذي عانت منه، مما دفع الشعوب إلى أن تثأر لكرامتها وتحفظ وحدتها الفكرية والسياسية والاقتصادية بحثاً عن البديل الذي يكفل لها الخلاص من التجارب المظلمة التي مرّت بها تحت نير القوى المستكبرة المتلبسة بشعار الحضارة والتطور، فوجدت الشعوب المسلمة في الإسلام المنقد الأكبر والأمل العظيم فراحت تثأر له وتدافع عنه وتطالب به وتثأر لكرامتها المهدورة تحت وطأة التسلط الأجنبي، فترى ثورة هنا وهناك مطالبة بالحرية والاستقلال وبناء الحضارة الإسلامية على أرض الإسلام.
هذه هي الصحوة وهذه أسبابها، فهي لم تكن عملاً مفاجئاً بل كانت تعبيراً عن معاناة الشعوب الإسلامية منذ أن خضعت بلادها لهيمنة الأجنبي وفرضت عليها أحكام غير عادلة, فبثت سموم الحضارة المستوردة في المجتمعات الإسلامية، فأخذت هذه الشعوب تتحسس بوجود حالة من التناقض الكبير بين إيمانها برسالتها وعقيدتها من جهة والذي يملي عليها نوعاً من الحياة الدينية والالتزامات الشرعية المنبثقة من الشريعة الإسلامية وبين المد الحضاري الجديد الذي يعمل على سلخها من هويتها وعقيدتها والتزامها من جهة أخرى , فانطلقت صيحات الرفض من المخلصين والمصلحين من أبنائها الواعين وفي بقاع مختلفة من العالم الإسلامي لكل ما هو غريب عن جسم الأمة وفكرها وقيمها الحضارية الخالدة.
وقد تنبأ لهذه الصحوة أساتذة الاجتماع والسياسة والمصلحون فهذا المفكر الشهيد (السيد قطب )يبشر بالصحوة في كتابه «المستقبل لهذا الدين» وكذلك أستاذ العلوم السياسية حامد ربيع، بل أن جميع القيادات الفكرية والسياسية العالمية توقعت هذه الصحوة منذ ستّين عاماً، فالأستاذ( سميث) في جامعة مونتيرال له كتاب «الإسلام اليوم» صدر في الخمسينات، لفت نظر المسؤولين في بلاده إلى هذه الصحوة، وكذلك العالم الانكليزي (وات) اصدر كتاباً سنة 1964 بحث فيه الإسلام في العصور الوسطى وتوقع الصحوة ووصفها بأنها سوف تقود إلى إيديولوجية رابعة تحكم العالم المعاصر في نهاية القرن العشرين.
على أن أخطر وثيقة بهذا الخصوص تعود إلى عالم روسي هو( زوجانوسكي) حيث كتب في أعقاب الثورة الشيوعية محاولاً تقييم تلك الثورة ومتسائلاً متى وأين تأتي الثورة العالمية الثالثة ؟؟؟ مشيراً إلى الثورتين الفرنسية والشيوعية وإلى أن كل منهما قد فشلت من ناحية معينة , وأن العالم بحاجة إلى ثورة قادمة تستطيع أن تصحح من مسارات الحركة الإنسانية، ثم تنبأ بأن تلك الثورة لن تأتي إلاّ من العالم الإسلامي وكان هذا التنبؤ عام 1919.
ولذلك فيمكن أن نحدد الموانع والمعوقات للصحوة بالعوامل الداخلية والخارجية.
أبدا بالتحديات الداخلية لأنها الأهم والأخطر على المشروع الإسلامي , هذه التحديات تتمثل في العديد من الظـواهـر، من ذلك :
§ظاهرة تعددية الكيانات والفئات والمشاريع على الساحة الإسلامية .. مما يستهلك طاقاتها في صراعات داخلية تشغلها عن أداء دورها،كما عن مواجهة خصومها وما يراد بها ويعد لها .
فليس هنالك من مشروع إسلامي عالمي واحد في مواجهة تحدي العولمة أو عالمية التحدي .
§ظاهرية اختلاف وتناقض المنهجيات الإسلامية المعتمدة،وبخاصة في السنوات العشر الأخيرة حيث طفت على ساحة العمل الإسلامي أنماط شتى من المنهجيات الموغلة في التطرف والغلو،بجانب أخرى قبورية توشك أن تعطل دورة الحياة ، وسنة الأخذ بالأسباب ؟
§ظاهرة التخلف ورفض التطور،والعمل على تأصيل هذا المنحى،إذ هو بزعم أصحابه،ابتداع في الدين .. مما يؤدي إلى الجمود عن فهم طبيعة العصر،والقعود عن الإعداد المتكافئ ومستوى العصر ؟
§ظاهرة إنكفاء وتدني المستوى التربوي بمفهومه الكامل ومنه الروحي،نتيجة تعطل العمل بفقه الأولويات ، وغلبة النزعات الشخصية،وتعدد مراكز القوى،وعدم ملاءمة المناهج والبرامج التربوية مع تحديات ومتطلبات العصر،وعدم الأخذ بسنة الثواب والعقاب ، وندرة المربين وضعف المحاضن التربوية .
§عدم الأخذ بوسائل العصر في إعداد الكوادر القيادية وتأهيلها، عبر دورات تدريبية،بحسب المهمات والأدوار والاختصاصات .
§عدم الاهتمام بمعايير ومتطلبات الجودة والإتقان في قطاعات العمل المختلفة ، في زمن بات الأداء والإنتاج في العالم ، كما المؤسسات ، محكوما بشهادة (الايزو)، مما يخالف النص النبوي القائل: " إن الله يحب من أحدكم إذا عمل العمل أن يتقنه ".
المعوقات الخارجية للصحوة الإسلامية :
وأما أهم المعوِّقات خارجية فتتمثل باللوبي الصهيوني العالمي واليمين المتطرف الصليبي
وهي ما يفسره مسرح الحياة الحاضرة والتاريخ الموثوق، إنَّ العصرنة المادية التي صارت بيد أعداء البشرية جمعاء ـ أي اللوبي الصهيوني الذي لعب في ماضي الأُمَّة أبشع أدوار الغدر والخيانة ـ فالأُمَّة أحوج ما تكون لخطط النبي صلى الله عليه وسلم في تعامله مع هذا السرطان الذي يتخذ شعاراً كاذباً: (شعب الله المختار)، ويصف الخالق بصفات تشمئز منها الأذان وتقشعر منها الجلود: " لَقَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّذِيْنَ قَالُوا إِنَّ اللهَ فَقِيْرٌ وَّنَحْنُ أَغْنِيَاءَ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ", " وَقَالَتِ الْيَهُوُدُ يَدُ اللهِ مَغْلُوُلةٌ غُلَّتْْ أَيْدِيْهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ …".
لقد وجد الغدر اليهودي الفرصة سانحة في ظل غياب الوعي المصحوب بمراعاة حقوق الله تعالى عن الأُمَّة، فأصبح الوعي من أجل الشهرة والمال والجاه والسلطان، فعملوا فيه بسياسة: (فَرِّقْ تَسُدْ)، وصَحَّ القول: " إذا صارت فتنة بين اثنين ففتش عن اليهودي".
علم اليهود أنَّ السبيل الوحيد للسيطرة على العالم هو التحكم في معطيات الإنسانية المادية والمعنوية، كالاقتصاد، والإعلام، والسياسة، فعمدوا لأكبر قوة اقتصادية عالمية لتطويعها وقيادتها بعصيهم الشوكية، وما دولة إسرائيل إلاَّ جزء من ذلك المخطط القذر.
ونجح اليهود في هذا المخطط لسببين اثنين:
أولهما: إيمان اليهود وإخلاصهم لكافة أطياف الغدر والخيانة، فهم شعب مجرد من الإنسانية والعواطف، بل نظرته للإنسانية أنها خلقت من أجل خدمة شعب الله المختار.
وثانيهما: تخلف الأُمَّة الإسلامية عن القيام بواجباتها تجاه الله سبحانه وتعالى، مما أورثها الخوف من غيره، ومن ثم الرضا بالذل والهوان والتبعية : " فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوُهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِيْنَ"، بل وتحقيق كافة متطلبات الأعداء من أجل الاحتفاظ بحفنة عيش يُسَدُّ بها الرمق أو التربُّع على عرشٍ خربٍ لا يخدم إلاَّ حفنة من البشر، فصارت السياسة توريثاً، والوزارة والسفارة تدهيناً.
ومن وراء الكواليس وخلف الأبواب؛ يقف اليمين المتطرف المسيحي متعاونا مع اللوبي الصهيوني بضلالاتهم أكبر عائق نحو وحدة الأُمَّة الإسلامية، وأكبر داعم لسياسة اليهود التوسعية، يعتبر جورج دبليو بوش، مسيحياً متديناً، لما يقوم به من نشاط تعبدي كنسي منتظم، وهو أبين مثال شاهد على خدمة النصرانية المتطرفة للصهيونية، لقد غزا العراق من أجل بني صهيون ، وهو يتذرع بذريعة محاربة الإرهاب من جهة، ومن جهة أخرى بذريعة دول محور الشر، والبقية تترى على أشباه العراق....واليوم يريد النظام الأمريكي إرضاء إسرائيل بضرب إيران عسكريا بحجة السلاح النووي... بعدما دخل سوريا بمعاونة أذناب العرب والمسلمين ...فدمرت سوريا وقتل عشرات الآلوف , كل ذلك خدمة لأمن إسرائيل واقتصاد إسرائيل وتحقيقا لأحلام بني صهيون ,فغدت سوريا أشلاء مبعثرة تخلت الأمة عنها إرضاء للهيمنة الأمريكية والتبعية الاقتصادية لصندوق النقد الدولي ...طبعا وما خفي أعظم .
خلاصة ما تقدم : المشروع الأمريكي والصهيوني لا يلتقيان أبدا مع أهداف ومفهوم الصحوة الإسلامية المنشودة لتحقيق التكامل بجميع النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية , لذا لن تتأخر الولايات المتحدة الأمريكية و الحركة الصهيونية العالمية عن زرع بؤر التوتر والفتنة بين البلدان العربية والإسلامية , كيلا تقوم الصحوة المنشودة , وهي بذاك تحافظ على فرقة الأمة, وإبقاء الخلافات وتوسعة دائراتها , وتبقى الساحة مناسبة للعدوان الداخلي بين الأشقاء وأبناء الأمة الواحدة ...وأمثلة ذلك كثيرة للأسف, فهناك المشاكل الحدودية ما بين السعودية واليمن , وهناك النزاع الداخلي بين الاشقاء في البحرين , وهناك التوتر المغربي الجزائري على الصحراء الغربية , وهناك النزاعات الطائفية الداخلية في لبنان , وهناك قتل للنهضة والقوة السورية بأسم الربيع العربي , وهناك حالة الانقسام السوداني وأثرها على دول المحيط , وهناك النزاع اليميني المتعثر للإصلاح .....وهناك التآمر العربي الغربي على بعض الدول العربية والإسلامية وهناك المؤامرة الغربية على إيران لمنعها من النووي السملي ....
لذا نرى أن الأمة الإسلامية بالمجمل بحاجة ماسة للصحوة الإسلامية , دونما تأثير أو توجيه غربي صهيوني .
ومما ساعد الغرب في بناء مشروعهم , أن العالم الإسلامي يعيش أزمة أخلاقية لا مثيل لها مذ بعثة رسولنا وحبينا محمد صلى الله عليه وسلم , سواء ما يتعلق منها بحكام المسلمين والخوف من زوال المناصب أو من عامة الناس وتقليدهم الأعمى للحضارة الغربية بكل ما فيها من حسن وسيء.
ويرى الباحث أن أهم أسباب الأزمة الأخلاقية في المجتمع الإسلامي تتمثل بالآتي:
• ضعف التدين في نفوس المسلمين .
• التصور الخاطئ لشرائع الإسلام و أحكامه وروحه.
• غياب القدوة الصالحة في كثير من المجالات .
• طغيان الجانب المادي و الاهتمامات الدنيوية في العلاقات والأعمال .
• قلة البرامج التوعوية والأنشطة التي تعنى بالجانب الأخلاقي.
• قلة التربية الخلقية في مناهج التعليم على كافة المستويات .
• عدم سن أنظمة وقوانين تحافظ على المبادئ والقيم الأخلاقية العامة وتوقع العقوبات المناسبة على مرتكبي الجرائم الأخلاقية المتجددة.
نظرات في بيان ماهية هوية الأمة الإسلامية وأسباب ضعفها
إن المسار التاريخي قد أفرز فسحة في البناء الحضاري اسمها (القابلية للاستعمار)، وهذه الفسحة تعكس تنامي عوامل التفكك في الأبعاد الفكرية و السياسية والاقتصادية والاجتماعية كما تعكس تراجعاً كبيراً في الانتماء العقائدي للشباب في تلك المساحة الاستعمارية التاريخية، فهنا إذن مساحة تسمح للبؤر الناشئة في عصر التفكك والضعف بالارتباط بمركز آخر للتلقي والتوجيه ونفس الشيء يحدث بالنسبة للوعي عندما يبدأ بالتواصل مع مرجعيات مغايرة وليس المهم أنها تابعة للمركز الاستعماري بقدر ما هي مبتعدة عن المركز الحضاري الأصلي وهو في قضيتنا هنا الحضارة الإسلامية، وبالتالي فإن الوعي سيبدأ بالتغير وستفقد المقولات الأصلية التي تكون الهوية هيمنتها عليه فيغدو القبول بمقولات الآخر شيئاً مألوفاً،وبسلوكيات الآخر وطريقة تفكيره وربما يتنامى ذلك أيضاً للاعتقاد!!
وهذا يعني إلغاء التجانس (الاقتصادي، الاجتماعي، السياسي، الثقافي، الفكري، الاعتقادي) ذلك الذي يعد أهم مظهر من مظاهر وحدة الحضارة وتحديد الهوية، ولذا يمكن أن نعرف ذاك التجانس بأنه (العناصر المشتركة التي تصلح كمقومات لبناء هوية مجتمع واحد للأمة)، وعليه فإن مقابلة أي تعدد سيعني زوال ذلك التجانس الذي يفرز الحضارة ويبني الهوية، فكما أن قضية الهوية الشخصية يعد أزمة موجبة للعلاج فإنه لابد للنظر إليها من خلال أزمة أخرى أكثر إيجابا للعلاج هي أزمة الهوية المجتمعية التي تسبب الضياع الفردي والذوبان في المغاير.
وتستعمل كلمة(هوية) في الأدبيات المعاصرة لأداء معنى كلمة Identity التي تعبر عن خاصية المطابقة: مطابقة الشيء لنفسه، أو مطابقة لمثيله، وفى المعاجم الحديثة فإنها لا تخرج عن هذا المضمون، فالهوية هي: حقيقة الشيء أو الشخص المطلقة، المشتملة على صفاته الجوهرية، والتي تميز عن غيره، وتسمى أيضاً وحدة الذات.
ولذلك فإذا اعتمدنا المفهوم اللغوي لكلمة هوية أو استندنا إلى المفهوم الفلسفي الحديث فإن المعنى العام للكلمة لا يتغير، وهو يشمل الامتياز عن الغير، والمطابقة للنفس، أي خصوصية الذات، وما يتميز الفرد أو المجتمع عن الأغيار من خصائص ومميزات ومن قيم ومقومات.
وخلاصة الأقوال: إن الهوية الثقافية والحضارية لأمة من الأمم، هي القدر الثابت، والجوهري والمشترك من السمات والقسمات العامة، التي تميز حضارة هذه الأمة عن غيرها من الحضارات، والتي تجعل للشخصية طابعاً تتميز به عن الشخصيات الأخرى.
مظاهر ضعف الهوية الإسلامية لدى الشباب المسلم
تتكاثر المظاهر التي قد يراها البعض انفتاحاً وتقدماً ورقياً في حين يراها الآخرون إذلالاً وتبعية وذوباناً للهوية.
يمكنك أن ترى أزمة الهوية الإسلامية في الشباب الذي يعلق علم أمريكا في عنقه وفي سيارته، وفي الشباب الذي يتهافت على تقليد الغربيين في مظهرهم ومخبرهم، وفي المسلمين الذين يتخلون عن جنسية بلادهم الإسلامية بغير عذر ملجئ ثم يفتخرون بالفوز بجنسية البلاد الكافرة وفي المذيع المسلم الذي يعمل بوقاً لإذاعة معادية لدينه من أجل حفنة دولارات،...... وفي أستاذ الجامعة الذي يسبح بحمد الغرب صباح مساء... وفي كل ببغاء مقلد يلغي شخصيته ويرى بعيون الآخرين ويسمع بآذانهم وباختصار: يسحق ذاته ليكون جزءاً من هؤلاء الآخرين " أيبتغون عندهم العزة "؟!
وبلغت الأزمة بلغت إلى حد أن الأمة صارت تستورد قيمها من غيرها, لتبني حضارتها ولاشك أن هذه أعظم مخادعة للذات ؛ لأنها تبني بيتها على جرف هار، إن من يتصور أن في اتباع قيم الآخرين ومناهج حياتهم الوقاية من بطش أمم شاء الله لها العلو في الأرض زمناً والإفساد فيها إلى حين لهو واهم؛ لأن صدام الحضارات والأديان والثقافات أصبح حقيقة واقعة ومعلوم من التاريخ والواقع بالضرورة.
ويرى آخرون : إن الخطر الأكبر الذي يتهدد الأمم والشعوب في هذا العصر، هو ذلك الخطر الذي يمسّ الهوية الثقافية والذاتية الحضارية والشخصية التاريخية للمجتمعات الإنسانية في الصميم، والذي قد يؤدي إذا استفحل، إلى ذوبان الخصوصيات الثقافية التي تجمع بين هذه الأمم والشعوب، والتي تجعل من كل واحدة منها، شعباً متميزاً بمقومات يقوم عليه كيانه، وأمة متفردة ً بالقيم التي تؤمن بها وبالمبادئ التي تقيم عليها حياتها.
ومهما تكن الألفاظ الجامعة التي يوصف بها هذا الخطر الذي بات اليوم ظاهرةً تكتسح مناطق شتى من العالم، بما فيها المناطق الأكثر نموّاً والأوفر تقدّماً في المجالات كافة، وأياً كانت طبيعة هذه الظاهرة وحجمها والأدوات التي تستخدم في تحريكها، فإن مما لاشك فيه أن الهوية والثقافة بخصوصياتهما ومكوّناتهما ومقوماتهما، هما المستهدف في المقام الأول، وأن الغاية التي يسعى إليها الماسكون بأزّمة السياسة الدولية في هذه المرحلة، هي محو الهويات ومحاربة التنوع الثقافي، والعمل على انسلاخ الأمم والشعوب عن مقوماتها، لتندمج جميعاً في إطار النموذج الأمريكي الأقوى إبهاراً، والأشدّ افتتاناّ في العصر.
أهم المظاهر التي تدل على أزمة الهوية لدى الشباب المسلم :
1- الانبهار الشديد بالتقدم الغربي على مستوى التكنولوجيا والحضارة المادية.
2- التطلع لمشابهة الغربيين والأمريكيين وغيرهم من الشعوب المتقدمة مع الشعور بالدونية.
3- التحرر من القيم المقيدة للسلوك الإباحي تشبها بالتحرر الغربي الجنسي والسلوكي.
4- ضعف الولاء والانتماء للتشكيل الإسلامي القيمي والمبادئ والمعيشي.
الوسائل والآليات الغربية لمحو الهوية العربية الإسلامية لدى جيل الشباب المعاصر :
1- تحريف المفاهيم الدينية، كي تتفق مع الأفكار الفكرية التي تروجها العولمة المعاصرة، وذلك باستبعاد الإيمان بالغيبيات واعتباره مضادا للعقلانية العلمانية.
2- إيجاد فئات وشرائح ومؤسسات في المجتمعين العربي والإسلامي تعمل كوكيل للثقافة الغربية، وذلك بتقديم المساعدات المالية لمشاريع أبحاثها وعقد الندوات واللقاءات التي تدعم توجهاتها الثقافية للهيمنة على الثقافتين العربية والإسلامية.
3- إنشاء مجموعة من المراكز والمؤسسات التي تؤثر مباشرة على الثقافة العربية، مثل: الجامعات التبشيرية ومراكز اللغات والترجمة ومؤسسات خيرية ومدارس أجنبية يتمثل دورها جميعاً في التأثير الفكري والتربوي واللغوي على طلبة العلم والمعرفة، وفرض مناهجها وأفكارها مع التقليل من مواد اللغة العربية والتربية الإسلامية.
4- يعد الإعلام مرتعاً خصباً وميزاناً فسيحاً يتم من خلاله الغزو الثقافي لإشاعة السموم والفتن من أجل تحطيم القيم والثوابت الأخلاقية، ولقد تحولت وسائل الإعلام إلى قنوات لنشر الرذيلة والانحطاط بالغريزة البشرية وانهيار السلوك الإنساني والتباس الحق بالباطل.
5 - إن قنوات التلفزة تشكل تهديداً خطيراً ومعول هدم للهوية الإسلامية الحضارية والثقافية من خلال بث البرامج والأفلام والمسلسلات الخليعة والمسرحيات الهابطة.
لذلك يعد تناول موضوع هوية الأمة الإسلامية من الموضوعات ذات الحساسية الفائقة لدى كافة علماء الأمة الإسلامية , لما له من خطر عظيم يتمثل بهدم بنيان حضاري وتراث فكري لأمة حكمت العالم بكتاب سماوي يرسي قواعد العدل والمساواة , ويعلي من شأن القيم الأخلاقية الراقية .
دور الصحوة الإسلامية في رسم وحدة هوية الأمة الإسلامية
الصحوة الإسلامية تهدف بمفهومها العام للحفاظ يقينا على هوية الأمة موحدة من غير تبديل ولا أنحراف ولا تغيير للمحتوى ولا لبس للباطل ولا تقليد أعمي ...فالصحوة مرداها حماية معالم الهوية تميزا عن الغير ومطابقة للذات ...وإليك بعض النقاط العامة التي تبين كيف من الممكن للصحوة الإسلامية أن تلعب دورا رئيسا في رسم وحدة هوية الأمة .
1- بناء الإنسان المتكامل , ليكون بحجم التحدي , وتربيته على أخلاقيات عقائدية تمنحه المناعة الحضارية المطلوبة، ولعل أهم مرحلة في هذه التربية العمل على إشاعة وترسيخ القيم العقائدية والإيمانية؛ لأن بها وقف الجيل الأول من الأمة في وجه كل اختراق, واستطاعوا ترسيخ المبادئ العامة للإبداع الحضاري , الذي يكرم الإنسان كيفما كان نوعه ولونه وجنسه فبدون هذه الخطوة الأساسية ومع تفشي آفة القطيعة بين العقيدة والسلوك في حياة المسلم المعاصر لن يكون بإمكاننا الوقوف طويلاً في وجه الزيف الحضاري القادم.
1- بناء الإنسان المتكامل , ليكون بحجم التحدي , وتربيته على أخلاقيات عقائدية تمنحه المناعة الحضارية المطلوبة، ولعل أهم مرحلة في هذه التربية العمل على إشاعة وترسيخ القيم العقائدية والإيمانية؛ لأن بها وقف الجيل الأول من الأمة في وجه كل اختراق, واستطاعوا ترسيخ المبادئ العامة للإبداع الحضاري , الذي يكرم الإنسان كيفما كان نوعه ولونه وجنسه فبدون هذه الخطوة الأساسية ومع تفشي آفة القطيعة بين العقيدة والسلوك في حياة المسلم المعاصر لن يكون بإمكاننا الوقوف طويلاً في وجه الزيف الحضاري القادم.
2- تصحيح بعض المفاهيم الخاطئة التي أصابت ثقافتنا، مما أدى إلى انحراف الفرد والمجتمع، فالتوكل أصبح تواكلاً، والإيمان بالقدر أصبح عجزاً وقعوداً عن العمل، والزهد أصبح خمولاً وقعوداً عن العمل، والعبادة رهبنة وانقطاع عن الحياة، وذكر الله _سبحانه وتعالى_ أصبح تمتمات وهمهمات وأقوال بلا أفعال، كما يجب أن نوضح ونبرز المقاييس الثقافية الإسلامية الصحيحة وتفعيلها في الإنتاج الثقافي الذي يحمل مفاهيمها الحقيقية.
3- يجب على الأمة الإسلامية أن تسارع في الاستفادة من مكتسبات التكنولوجيا في وسائلها الإعلامية، خاصة الأقمار الصناعية والقنوات التلفزيونية واستعمالها في توعية وتثقيف الأطفال والشباب وحمايتهم من الوقوع في فلك الانحراف والضلال وحماية وجود الأمة الإسلامية وغيرها من خطر الغزو العلمي والتكنولوجي الجديد، وبخاصة أن الثقافة الإسلامية ثقافة عالمية، ورسالة الإسلام جاءت للبشرية جمعاء، كما أخبرنا بذلك القرآن الكريم قال تعالى: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ" (الحجرات:13).
4- تجديد الخطاب الثقافي الإسلامي وتطويره، بحيث يلائم روح العصر مع ضرورة الحفاظ على أصالة الثقافة الإسلامية ومضمونها من أجل خدمة الهوية الإسلامية.
5- ضرورة وضع ضوابط وقيود وإشراف من قبل مختصين عند استخدام شبكة الإنترنت، وبخاصة فيما يتعلق بالبرامج الإباحية والمنافية لقيم وثقافة المجتمعات الإسلامية.
6- ينبغي إنشاء مراكز ثقافية إسلامية موحدة تهتم بدراسة قضايا العصر، سواء كانت ثقافية أم اجتماعية أم حضارية فور ظهورها ومن ثم متابعة تطورها ووضع التصور السليم للموقف الإسلامي إزاءها، وهذا يتطلب عقد الندوات العلمية والمؤتمرات الثقافية وإيجاد مراكز ثقافية موحدة، لا يعني إطلاقاً إلغاء التنوع والتعدد الثقافي، وإنما يعني السعي نحو تأسيس رؤية ثقافية كونية ناتجة عن التفاعل الإيجابي والحر بين مختلف مراكز الفكر والثقافة، فالتوحد ضمن حقيقة التعدد والاتفاق ضمن حقيقة التنوع .
7- الانفتاح على الثقافة الغربية والاستفادة من تطورها العلمي والتكنولوجي ينبغي أن يكون من خلال استراتيجية تضمن إيجابية هذا الانفتاح؛ لأن الانفتاح المذموم هو الذي أدى إلى ذوبان الشخصية الثقافية بسبب الانهيار والاغتراب عبر منافذ الاختراق والتغريب، والإسلام لا يمنع الانفتاح المحكم الرامي نحو الاستفادة من علوم الآخرين النافعة.
8- المشروع الحضاري الإسلامي لا يمكن أن يحقق تميزه الإسلامي، ومن ثم أداء دوره العالمي وفق منهج الله إلا إذا ركن إلى العلم الشرعي بمعناه الواسع وتم تأهيل العالم المسلم بحيث تكون دراسته لعلم الشريعة دراسة تأصيلية مرتبطة بالوقائع الحية التي تعيشها الأمة والعالم في هذا العصر.
9- إيجاد بيئة صالحة للحوار بين أتباع المذاهب الإسلامية المختلفة يسودها لغة العلم والحوار , ويطغى عليها ثوب الأدب والرشد , وغايتها الوصول لحال واحد يجمع شتات الأمة وإن أختلفت اجتهاداتهم الفقهية .
10- إيجاد منبر إعلامي حر (غير مسيس) خاص بالمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب يشارك به الاساتذة والعلماء من شتى الدول الإسلامية والعربية , كبادرة راقية للأمة للتواصل والتفاهم .
راجيا من الله تعالى التوفيق والسداد لكل من شارك بهذا المؤتمر الطيب الراقي ,شاكرا رئيس المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب, والسادة أعضاء المجمع العالمي , لجهودهم الطيبة النيرة المميزة لنجاح هذا المؤتمر المشرف.
والله ولي التوفيق
وأقبلوا فائق الحترام والتقدير.