دور الجامعات والمثقفين والنخب من العوامل المساعدة للخروج من الأزمات
دور الجامعات والمثقفين والنخب
من العوامل المساعدة للخروج من الأزمات
محمد حافظي جللو
منسق الجمعيات الجعفرية ورئيس جمعية أهل البيت(ع)
وأستاذ حوزوي جامعي في غينيا – كوناكري - 28/11/2015
بسم الله الرحمان الرحيم
وصل اللهم وسلم على أشرف الخلق وأعز المرسلين سيدنا محمد بن عبد الله وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين وصحبه الأخيار المنتجبين
الجامعة مؤسسة تعليمية وتربوية في المراحل العلمية المتقدمة ، وتلعب دورا أساسيا في تكوين الطلاب علميا وثقافيا وحتى سلوكيا ، ثم هؤلاء الطلاب بدورهم يقومون بممارسة ما تعلموه من معارف وسلوك ثم نشره في المجتمع ، وكذلك أيضا يمثلون الكوادر الذين يستلمون مسؤوليات بلدانهم في المستقبل، لأنهم الطبقة المتعلمة ﴿وقل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب﴾ الزمر-9
والجامعة باعتباره كونها هي التي تحتضن الطلاب والدارسين في آخر مراحل دراستهم الأكاديمية ، فإنها تزودهم بما عندها من مفاهيم ومعارف كل في مجال تخصصه ، ومن المعلوم أن الأمور بخواتمها ، فإن ختمت الدراسات من الجامعات بخير وصلاح فسيؤتي ثمارها خيرا وصلاحا ، وأما إذا اختتمت بما يختم على القلوب والسمع فلا ينتظر من هكذا طلاب وعلماء إلا ضيق الأفق والموت العلمي والعبث بحياة المجتمعات. يقول تعالى : ﴿ وما يستوي الأعمى والبصير ولا الظلمات ولا النور ولا الظل ولا الحَرور وما يستوي الأحياء ولا الأموات إن الله يُسمع من يشاء وما أنت بمسمع من في القبور﴾ فاطر -22.
الجامعة والتدخلات الخارجية
نظرا لأهمية دور الجامعة ومشاركتها في إعداد وتكوين أفراد المجتمعات من الناحية العلمية والثقافية والسلوكية ، فإن بعض الدول أو المنظمات أو المؤسسات الرسمية منها والخاصة تقوم بالتدخل - السافر أو المستور- في شئون بعض الجامعات ، وخاصة جامعات الدول المستضعفة ، من المسلمين وغير المسلمين ، لغرض السيطرة عليهم وعلى ثروات بلدانهم ومن تلك التدخلات الكثيرات:
- التدخل بوضع برامج الجامعة من خطط وكتب، لهدف السيطرة العلمي والثقافي على هذا أو ذاك البلد، وذلك لا يتم عادة إلا بالتنسيق مع وزارة التربية والتعليم العاجزة عن توفير مستلزمات جامعتها لسبب من الأسباب.
- التدخل بالمساعدات المادية أو بإرسال أساتذة الذين من خلال تدريسهم وتفردهم بالطلبة يتسرعون ببث ما عندهم من أفكار مسمومة وسلوك مشئومة، كفكرة العَلمنة والإلحاد والاستخفاف بالدين ورموزه ومقدساته وخاصة الدين الإسلامي ، لغرض القضاء على كل ما هو قيم وجِدِّي للهيمنة على ثروات تلك البلدان .
- التدخل بتقديم منح دراسية وأخرى تدريبية للطلاب والأساتذة البلدان المقصودة السيطرة عليها ، وهؤلاء عندما يرجعون إلى بلدانهم حاملين – في الغالب- شهادات عالية ، يساندون بشكل أو بآخر على أن يستلموا وظائف مهمة ومَناسِبَ رفيعة تمكنهم تمرير الأفكار والسياسات التي تزودوها أو تملى عليهم من تلك الجهات المانحة للمنح...
- التدخل بإنشاء جامعات غربية في الدول المستضعفة ودعمها بكل الإمكانات اللازمة ، والعمل كذلك على أن يكون خريجها هم الذين يستلمون مهام بلدانهم في المستقبل، وبالتالي ماذا يا ترى يقدمون لمجتمعهم - وهم قد كُوِّنوا علميا بثقافة الغرب- إلا بما تعلموه من تلك الجامعات ، إلا من عصمه الله بفضله ورحمته وأخرجه من تلك الثقافة المخربة.
نعم هذه التدخلات لو كانت لأهداف صافية ولمساعدات خالصة ، لكان ذلك (التدخل) عملا محمودا وإنجازا كبيرا.
دور المثقفين والنخب
ولا ندخل في الجدل حول تعريف الثقافة وتحديد من هو المثقف وإن كان من المفيد التذكير أن الثقافة الإسلامية ترتكز على حفظ وتحكيم العقائد والقيم الإسلامية السامية ، وأعني بالعقائد هنا : التوحيد والنبوة والمعاد ، وأعني بالقيم الإسلامية مجموع الأخلاق الحسنة التي يدعو إليها الإسلام، ومنها : التقوى والعدل والإيثار والصدق والشجاعة والكرم والانفتاح وحب الخير للآخرين...
فالمسلم المثقف هو الملتزم فكريا وعمليا بالقيم الإسلامية الحية المنبثقة من الإيمان بالتوحيد والنبوة والمعاد ، وهذا هو الذي يحتاج إليه المجتمع الإسلامي والإنساني وهو الذي يؤثر على الساحة الإسلامية تأثيرا مثمرا ، ويشارك في إيقاظ أمته وإنهاضه وتثقيفه بثقافة نافعة....
وأما ثقافة الغرب المبنية على المادية والتي ترى أن الاعتقاد بالمسائل غير المادية نوع من الاعتقاد بالخرافات ، وأنه يجب على الإنسان أن لا يقبل الشيء الذي لا يراه ولا يحسه وإلا أصبح خياليا...
كما ترى الثقافة الغربية أن الدين مجموعة من العقائد والطقوس المتعلقة بالحياة الشخصية للأفراد ، وليس له - أي الدين- أيَّ ارتباط بالحياة المادية للناس ، وهذا عين فصل الدين عن مسرح الحياة ، ليتصرفوا هم بحياة المجتمع الإنساني بما يحلوا لهم من سن قوانين ، وفرض سلوكيات خليعة ، ومنهجية حياة بعيدة عن الدين وقيمها الحية ، مع أن قيم الإسلام مناسبة وملائمة لكل زمان ومكان ، وقائمة لقيادة الحياة بتطور وازدهار ....
المطلوب لتحقيق دور إيجابي للجامعات والمثقفين في عملية الخروج من الأزمات
لتقوم الجامعات والمثقفين والنخب بالدور الحقيقي للعلم وللإنسان ، فلا بد أن تكون الأهداف عالية ونبيلة ، ففي المجال العلمي والإنساني يجب أن يكون لخدمة العلم والإنسان ، ومنه تطوير العلم ، وتحرير الإنسان والوطن من هيمنة القوى الشيطانية التي تعمل على استعباد الإنسان للإنسان بدلا من استعباده لله خالق العباد والبلاد ، وكما تسعى للسيطرة على الإنسان وعلى ثروات بلده... ولتحقيق تلك الأهداف الشيطانية يقومون بخلق أزمات بين الأمة الواحدة وبين أهل البلد الواحد أو أهل الدين الواحد ، بل وحتى بين الذين يعيشون تحت مظلة مذهب واحد ، وثقافة واحدة...
في هذا المجال حتى لا يكون كلامي مجرد طوباويات أو تمنيات... أقول أن أوثق السبل وأضمن الوسائل لتحقيق هدف الجامعات والمثقفين والنخب في العالم الإسلامي والعالم المستضعف لحل الأزمات وخاصة في هذه الأزمنة المتلاطم أمواجها ، والمختلط أوراقها ، والمسلط فجارها... هو الاستفادة من خبرة الجامعات والمثقفين والنخب من الجمهورية الإسلامية في إيران ، الجمهورية التي من الله بها على العالم الإسلامي والعالم المستضعف ، بيد مفجرها الإمام الخميني رحمة الله عليه ، وبقيادة قائدها الحكيم الإمام علي خامنئي دام ظله الوارف بمساندة شعب إيران العظيم ، قفد قطع إيران شوطا طويلا في التقدم العلمي على مختلف الميادين والتقدم الثقافي والاجتماعي والسياسي والاستعدادي للعدو ، وأعتقد أن الجامعات والمثقفين والنخب في الجمهورية الإسلامية في إيران لا يبخلون على تقديم خبراتهم في هذا المجال لمن يرغب إليه من المسلمين .....
والمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب تحت رئاسة آية الله الشيخ الأراكي حفظه الله وسدد خطاه باستطاعتهم من خلال هذه الاجتماعات تحفيز النخب المشاركة وغيرهم إلى الاستفادة بتلك الخبرات وتيسير الوسيلة إلى ذلك ، وتشجيع النخب على القيام بدورهم المهم - دينيا وعلميا وثقافيا - في مجتمعاتهم ، وأن ذلك ممكن جدا وليس من المستحيلات ، و الله هو المعين ، نعم المولى ونعم النصير.