دور علماء الدين والحوزات العلمية

دور علماء الدين والحوزات العلمية

  

دور علماء الدين والحوزات العلمية

 

                                                      الشيخ عدنان عبد الرحمن عبد الرزاق احمد العاني

  

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وعلى اله الطيبين الطاهرين واصحابه الغر الميامين ومن اقتفى اثرهم وسار على نهجهم الى يوم الدين.

أما بعد ...

ان الله سبحانه وتعالى امر رسوله الكريم (ص) بالدعوة اليه بالحكمة والموعظة الحسنة فقال تعالى : ( ادعو الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي احسن ) ([1]) .

وما احوج العلماء الى التخلق بهذه الاية الكريمة والعمل بها ، وعليهم ان يحسنوا عرض الاسلام على الناس في الخطاب ، والابتعاد عن التطرف والمواقف المتشنجة، والابتعاد عن ارغام الاخرين على تبني اراء مسبقة يدين بها هذا التطرف او ذاك.

واقصاء من يخالفهم الرأي او الفهم ، ولو كان من ملتهم ودينهم . وعلى العلماء ان لا يتعصبوا باقوال بعض السابقين او المعاصرين من العلماء، ويضنوها هي الحق الذي لا محيد عنه ويضربون باراء سائر علماء الامة عرض الحائط. فلم يلتفتوا اليها لا من قريب ولا من بعيد ، مدفوعين بتعصب بغيض واتباع اعمى. وان المتطرفين قد تمسكو بنصوص ضنية تحتمل الاختلاف وتعدد الاراء وللعلماء فيها اقوال، الا انهم تمسكوا باحد هذه الاقوال ونبذوا ما سواه وكفرو مخالفيهم واخرجوهم من الدين وللاسف كانت نتيجة هذه المواقف المتطرفة تشويه للاسلام دين السماحة والسلام ، مما دعى اعداء الاسلام ان يستغلوا هذه المواقف وراحوا يرمونه بما ليس فيه من تطرف وارهاب واقصاء للاخرين ، فصار اسم الاسلام رديف للارهاب والتطرف.والسبب في ذلك ان نفر ممن ينتسبون لهذا الدين العظيم الذين اساءوا تطبيق الاسلام بالشكل المخالف لهدي النبي (ص) المبعوث رحمة للعالمين.

فقد قطعت تحت رايته الرقاب وسفكت تحت رايته الدماء وانتهكت تحت رايته الحرمات ضلماً وجهلاً ، من اجل ذلك فأن الكثير من الناس يتخوفون من الدعوة الاسلامية ، ويعتقدون انما جاء به محمد بن عبد الله (ص) هو سبب البطش والانتقام والعنف والارهاب ، لهذا كان واجباً على العلماء الربانيين ان يصححوا هذه المفاهيم المغلوطة عن الاسلام ويساعدوا المجتمع ان يخرج من الازمات التي تمر به ، ويعيدون لحمته مرة اخرى ليخرج من هذه الازمات وهو معافى.

فعلى العلماء المخلصين ان يدرسو العلوم الاسلامية بأمعان واتقان ويفهموا المقاصد الشرعية ، ويوازنوا بين المصالح والمفاسد ، ويقفوا على فقه الاولويات وسلم الضروريات ، ويطلعوا على السيرة النبوية وما فيها من عبر في اليسر والتيسير ، ودروس رائعات في اقالة العثرات ومغفرة الزلات ، وقبول المعذرة عن الهفوات.

وان مسألة الوحدة ليست نوعاً من الترف او حديث مجاملات هنا وهناك ، بل تعتبر في حقيقتها مسألة مهمة عالجها الشرع واكد على دورها واهميتها وقال تبارك وتعالى : (أن هذه امتكم امة واحدة وانا ربكم فاعبدون) ([2]) . (1) وقال سبحانه : (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم اذ كنتم اعداءاً فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته اخوانا) ([3]) . (2).

كما ذم الذين يفرقون ابناء امة الاسلام ونفى عنه الانتماء لهذا الدين فقال سبحانه وتعالى : (ان الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شيء انما امرهم الى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون ) ([4]) . (3) لذلك فأن من اهم الواجبات التي ينبغي على كل مسلم ان يعمل على تحقيقها هي وحدة الامة واعتبارها اهم الثوابت التي لا يمكن التفريط بها.

ان الامة التي جمعتها كلمة التوحيد أمة واحدة لا يفرقها ما سواها .لقد اكد النبي (ص) على الخطورة السياسية التي يمثلها تفريق الامة فقال (ص): (انه سيكون هناك هنات وهنات ،فمن جاءكم يريد ان يفرق امر هذه الامة اضربوه بالسيف كائناً من يكون ) ([5]) . (4) كما رفض (ص) اي حكم يستهدف ضمير الانسان او تكفير المؤمن ، وليس ببعيد عنا قصة اسامة ابن زيد (رض) الذي يحدث فيقول قال: (فصحبنا القوم فهزمناهم ،والحقت انا ورجل من الانصار رجلاً منهم قال : فلما غشيناه قال: لا اله الا لله قال الانصاري :كف عنه ،فطعنته برمحي حتى قتلته ،فلما قدمنا بلغ ذلك رسول الله  (ص) قال :فقال لي : يا اسامة اقتلته بعدما قال لا اله الا الله قلت يا رسول الله انما كان متعوذاً ،قال :اقتلته بعدما قال لا اله الا الله، قال :وما زال يكررها حتى تمنيت لم اكن اسلمت قبل ذلك اليوم([6]) ..(5) وان المرء ليعجب اشد العجب الم يقرأ تلك الروايات اولائك الذين يفتون ويفتكون بالمسلمين بغير ذنب سواى انه يختلفون عنهم في بعض التصورات وربما يتفقون معهم بها ، الا ان القتل وتفريق الشمل بالنسبة لهم هدف.

لقد اعتبر النبي (ص) ان مجرد اسم المسلم او المؤمن كأن يدفع تلك التصورات فقال : الا أونبئكم لم سمي المؤمن مؤمناً لايمانه الناس على انفسهم واموالهم ، الا أونبئكم من المسلم ؟ من سلم الناس من يده ولسانه . وبذلك يتبين لك ان مثل تلك التصورات عن تكفير الناس ليس لها اصل في الكتاب والسنة مع ما فيها من خسائر دفع الناس من غير تبرير.

ان دور العلماء والمرجعيات في عمليات التقريب وتوحيد المجتمع يحتاج منها الى المسؤولية العالية وبأهمية هذا المشروع، كما يحتاج الى تخطيط وعمل وجهد لتحقيق ذلك.ولا بد من الاقرار بأن الاختلافات الطبيعية لا يمكن تجاوزها ابداً قال تعالى : (ولا يزالون مختلفين ) ([7]) . (1). وكذلك من اهم طرق تأليف القلوب هو العدل بين الناس بحيث لا يكون هناك تفريق على اساس دين لو لون او جنس او عرق فإذا لم يكن هناك عدل ادى الى تمزيق المجتمع ، كما ينبغي التشجيع على التقارب لا سيما عن طريق العمل او عن طريق التصاهر، فأن هذا يجمع القلوب المختلفة ويؤلف بينهم.

كما يجوز ترك المستحبات بقصد تأليف القلوب، اذا كانت هذه المستحبات تحدث اختلافاً بينهم لذلك ترك رسول الله (ص) تغيير بناء البيت لما رأى في ابقاءه تأليف للقلوب.

فأن دور علماء الدين والحوزات العلمية للخروج من الازمات مهم جداً ليرتقوا بمجتمعاتهم الى سلم النجاح والتأليف بين ابناء الامة وتوحيد صفوفها . فعليهم ان يبينوا لهم ان فقهاءنا الاوائل كانوا على علم كامل بالفارق بين الثوابت والمتغيرات،ولذا لم يقبلوا ان تأخذ اجتهاداتهم على انها مسلمات ، وكان شعارهم( اذا صح الحديث فهو مذهي) فأنهم كتبوا لزمان غير زماننا ومشاكل غير مشاكلنا في كثير من النواحي، وانه لمن الظلم ان نعالج مشكلات القرن الواحد والعشرين وما بعده بحلول وضعها فقهاءنا بالعهود السابقة.

فعلى العلماء ان يعملوا في انتقاء احكام من فقه هؤلاء العظماء تناسب ظروفنا ، وتصلح لعصرنا ،وان يضيفوا اليها اجتهاداتهم ،مما فاتهم ذكره ولم يصل اليهم خبره . فتأتي فتواهم منسجمه مع تطورات الحياة، وغير متمردة على اسس الثوابت حتى لا تزل ولا تضل.ان جميع احكام الشريعة روعي فيها التيسير والتخفيف ،وان هذا التيسير قانون ارسى دعائمه الشرع الحكيم من خلال مصدرية الاساسين القران والسنة.وهذه بعض الادلة على ذلك قال تعالى : ( وما جعل عليكم في الدين من حرج ) ([8]) . (2) وقال سبحانه : (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) ([9]) . (3) وقال تعالى : ( لايكلف الله نفساً الا وسعها ) ([10]) . (4).

ومن السنة المطهرة قال (ص) :: (بعثت بالحنفية السمحة) ([11]) . (5) وقال (ص) : (ان خير دينكم ايسره ،ان خير دينكم([12]) . أيسره ) (6) وقال : (ص) (يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا ) ([13]) . (7) والاحاديث في هذا الباب كثيرة .

ولكن للاسف ان المتعصبين الذين غيروا جانب السماحة واليسر في الاسلام واظهروه للناس ديناً جامدا صعباً لا يقبل المرونة ولا يتصف بالواقعية، لذلك وقعت الجفوة بين الاسلام والمسلمين.

فعلى علماء الدين والحوزات العلمية ان تحبب الدين للامة بما فطر عليه التيسير والتخفيف، والترفق بالامة من خلال الوقوف بهم على سماحة الاسلام وترك الورع للخاصة من الناس. فإذا استطاعوا ان يلزموا الجمهور الاكبر بالحد الادنى المسموح من الدين فيكون قد حققوا نتائج رائعة .

وارى لزاماً علية هنا ان اذكر فتوى المرجع الديني الاعلى السيد علي الحسيني السيستاني دام ضله (الجهاد الكفائي) ضد عصابات داعش المجرمة فقد زحفت الحشود الشعبية، نحو المحافظات المنكوبه في الموصل وصلاح الدين والانبار وقد استطاعوا من احتواء هجوم الاعداء ومواجهته وتكبيد داعش المجرمة الخسائر الفادحة بالسلاح والارواح ، وازالة تهديدات التي وصلت الى اطراف بغداد. وهذه الانتصارات اعطت الفرصة الكافية للقوات المسلحة من جيش وشرطة التي انهارت بشكل عجيب ، امام هذه العصابات ان تعيد نفسها مرة اخرى، وطردت بعض القيادات الغير كفوءة ، واعطت المجال لابناء العشائر في التطوع لمسك اراضيهم بعد التحرير ومشاركة اخوانهم في قتال داعش. وبذلك فوتت الفرصة على امريكا واسرائيل وبعض دول المنطقة التي تقوم بتمويل هذه الزمر وذلك بتقسيم المنطقة على اسس قومية وطائفية وبعض ذلك يسهل الوقيعة بينها وبين دول الاستكبار العالمي. والصهيونية هي المستفيدة من هذا التقسيم ، في استنزاف ثروتها لقتل شعوبها.

الا ان الحشد الشعبي الابطال استطاع ان يسحق زمر الارهاب الداعشي في كثير من المناطق ويحررها مع اخوانهم من الجيش والشرطة وابناء العشائر. ولكن للاسف الشديد ان القوات الامريكية وقوتها الجوية غير جادة في ضرب هذا التنظيم الذي انشأوه فكانو هم الذين يدعمونه بالاسلحة التي يحتاجونها وكذلك يدعمونهم لوجستياً، بينما يقومون بضرب قوات الحشد الشعبي البطلة بحجة الخطأ. ولكن لايمان هذا الحشد المبارك بمبادئه ووطنه لا محالة فأن النصر قادم ان شاء الله لان هؤلاء الابطال عاهدوا الله اما النصر واما الشهادة.

(ربنا اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالايمان ولاتجعل في قلوبنا غلاً للذين امنوا ربنا انك رؤوف رحيم)

وأخر دعوانا الحمدلله رب العالمين



[1]- سورة النحل : الاية 125.

[2]- سورة الانبياء: الاية 92.

[3]- سورة ال عمران: الاية 103.

[4]- سورة الانعام : الاية 159.

[5]- صحيح مسلم.

[6]- صحيح البخاري.

[7]- سورة هود : الاية 118.

[8]- سورة الحج : الاية 8.

[9]- سورة البقرة : الاية رقم 158.

[10]- سورة البقرة : الاية 286.

[11]- رواه الامام احمد.

[12]- رواه الامام احمد.

[13]- رواه البخاري.