دور التفاهم الفكري في التقريب
دور التفاهم الفكري في التقريب
سماحة العلاّمة السيد محمّد حسين فضل الله
عضو المجلس الأعلى للمجمع
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد وعلى آله الطيّبين وصحبه المنتجبين وعلى جميع أنبياء الله المرسلين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
عنوان هذا المؤتمر «دور التفاهم الفكري في التقريب» هكذا أُريد لهذا العنوان أنّ يتحرّك في أبحاث المؤتمر، وأُُحب في البداية أنّ أتساءل، هل مشكلة المسلمين في كلّ تاريخهم فيما اختلفوا فيه من شؤون العقيدة في تفاصيلها في علم الكلام والذي أصرّوا فيه أنّ يبقى الفكر واحداً في كلّ مذهب فلا يتغيّر، أو فيما اختلفوا فيه من شؤون الفقه الذي من الصعب أنّ ترى فيهاً شيعياً يلتزم في مرحلة من المراحل فقهاً سنّياً في بعض المسائل، أو ترى فيها سنّياً بمثل هذه الطريقة؟
كان التاريخ قد انطلق حتّى لدى العلماء بشكل أنّ يبقى الفكر الكلامي والفكر الفقهي - إذا صحّ التعبير - سنّيّا. على طول الخطّ مهما بحث الباحثون وشيعيّاً في الجانب الآخر على طول الخط مهما بحث الباحثون، حتّى إذا اقترب أحدهم فاكتشف إمكانيّة
ـ(30)ـ
صواب فكر الآخر، حاول أنّ يلفّ ويدور ليتكلّف الكثير ممّا يجعله يقف عند مواقعه من دور أنّ يتحرّك خطوة واحدة.
في كلّ التاريخ، وفي كلّ الكتب التي أُلّفت لم يحصل هنالك تطوّر بالمعنى الكبير في مستوى الأبحاث التي بحثت، هل يمكن أنّ تكون هناك مجموعات من الناس أمام نصوص يمكن أنّ يتنوّع فيها الاجتماع ؟ هل يمكن أنّ تبقى عند موقع واحد لا تتحرّك منه خطوة واحدة؟ ماذا يعني ذلك ؟
إنّ المشكلة ليست مشكلة فكر بين علماء المسلمين، ولا أتكلّم عن الشعوب الإسلاميّة، إنّ المشكلة هي مشكلة نفسيّة، باعتبار أنّ الشيعي يقرّر أنّ يبقى شيعيّاً مهما كلّفه ذلك من تأويل، وأنّ السنيّ يقرّر أن يبقى سنيّاً ليست لدينا أيّها الأخوة والأخوات فيما نراه مذهبيّة فكريّة، إنّما لدينا مذهبية طائفية، نحن نتحرّك بروحيّة عشائرية فيما نتّفق عليه في كلّ دائرة من الدوائر الإسلاميّة، هناك المذهب الفكري السنّي أو المذهب الفكري الشيعي فيما يعيشه الوجدان الشيعي أو فيما يعيشه الوجدان السنّي لذلك، عندما كانت المشكلة نفسية هناك رفض لكلّ فريق، الشيعي يفكّر أنّ يكون شيعياً قبل أنّ يفكّر أنّ يكون مسلماً، ثمّ شيعياً، أو مسلماً في خطّ التشيع، والسنّي يفكر أنّ يكون سنّياً قبل أنّ يفكّر أنّ يكون مسلماً في خطّ التسنّن. لو كان الإسلام هو الفكر الذي نلتزمه لأمكننا أنّ نضيء الإسلام على كلّ ما اختلفنا فيه لنجد نور الحقيقة في ذلك كلّه ولأنّ المشكلة كانت نفسيّة، وكانت الظروف القاسية المتنوّعة تزيد هذا التشنّج والتوتّر النفسي سوءاًً. لذلك انطلقت الأبحاث في آلاف الكتب في علم تستطيع أنّ تخشع أمامه لعمقه ودقّته، ولكن النفوس كانت في اتّجاه آخر، كان العقل يكتب الفكرة وكانت النفوس تنسف الفكرة.
ـ(31)ـ
لذلك، هل القضيّة، قضيّة تفاهم فكري، أو هي قضيّة حاجز نفسي يجعلنا نمتنع أنّ نفكر ولو لحظة في إمكانية أنّ نلتزم شيئاً من فكر الآخر، حتّى أنّنا إذا أردنا أنّ ندرس الواقع في كلّ مذهب من هذه المذاهب لرأينا أنّ هنالك حالة قمع فكري في داخل كلّ مذهب ؟ هل يتجرّأ عالم سنّي في الدائرة العلمية أنّ يتبنىّ رأياً شيعيا في مسألة كلامية أو فقهية؟ وهل يتجرأ عالم قادَه اجتهاده إلى ما يوافق الفكر السنّي في مسألة كلامية أو فقهية أنّ يتبنّى الفكر السنّي ؟ إنّنا نلاحظ أنّ هنا - في مثل هذه الحالة - وهناك حملة تشويه وتشهير وتضليل وتفسيق، وإذا تسامحنا كما نتسامح في التكفير، فلا مانع أنّ تكون هناك حملة تكفير بطريقة وبأُخرى.
إنَّنا نتحدّث دائماً في المسألة السياسيّة عن الحريّات السياسيّة: إنّ هذا الشعب لا يجد الحرّية في أنّ يعبّر عن رأيه السياسي، أو ذاك الشعب، نتيجة ضغط الحاكم أو نتيجة ضغط الحكّام بشكل عامّ؛ ولكنَّنا في الوقت نفسه لا نملك في مجتمعاتنا - حتّى العلميّة - مثل هذه الحريّة الفكريّة باعتبار أنّه ممنوع على الشيعي أنّ يجتهد خارج نطاق هذا الخطّ، وممنوع على السنّي أنّ يجتهد خارج نطاق هذا الخطّ. إنَّنا نلاحظ أنّ هناك سجالاً - بكلّ صراحة - في كلّ مفردات الخلاف بين السنّة والشيعة فيما هو الفكر السنّي الذي ينتقده عالم شيعي أو الفكر الشيعي الذي ينتقده عالم سنّي، ولكن قولوا لي - والكثرة منكم من أهل العلم-: هل تبحث قضايا كلّ مذهب في داخله، ولاسيّما في المسألة الكلاميّة بالطريقة التي يبحث فيها ما يختلف فيه الفكر السنّيّ عن الفكر الشيعيّ؟ هناك المسألة الكلاميّة في الإطار الشيعيّ وفي الإطار السُّنّي تتحرَّك على أساس إبقاء المسلَّمات التي قد لا تكون مسلَّمات عندما ندرسها دراسة علميّة، ولذلك، فإنَّني أتصور أنّ علينا أنّ نعود إلى المسألة الفكرية التي تتحرَّك بموضوعيّة بحيث إنّ الإنسان يقف أمام القضيّة وقفة حياديّة، حتّى يكون محايداً أمام ما يلتزمه. ونحن نقرأ القرآن كثيراً - أيُّها الإخوة - ولكن
ـ(32)ـ
لو أردنا أنّ ندرس كلّ حوزاتنا وجامعاتنا، هل استطعنا أنّ نهتدي بهدى القرآن في أُسلوب البحث؟
هناك آية قد لا يكتشفها الكثيرون توحي إلى النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم وهو يحاور الكفار، كيف يكون أُسلوبه في حوار الكفار؛ الآية تقول: ﴿قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ﴾(1).
الشك هو الذي يحكم حركة البحث في الفكرة؛ أنّ لا تنطلق إلى الفكرة على أساس أنّ الحقّ معك حتّى لو كنت مقتنعا بأن الحقّ معك، وأنَّ الباطل مع الآخر، أنّ تنطلق على أساس أنّك والآخر تقفان على أرض واحدة، الفكرة أمامكما وأنت تملك أنّ ترددها بين الضلال والهدى، والفكرة أمام الآخر بنفس الطريقة، وعند ذلك تبحثان على أساس أنّ البحث هو الذي يُؤدّي إلى الفكرة، وليست القناعات السابقة هي الَّتي تؤثّر على الالتزام بالفكرة، ولهذا كنّا نقول: إنّ الأُسلوب القرآني يتقدّم على الأُسلوب المعروف الذي كان أسلوباً لدى كثير من علمائنا المتقدّمين، وهو أسلوب يأخذ به الناس: «رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب» إنّه يجعل شيئاً ذاتيا رأيي صواب بنسبة 70% ورأي غيري خطأ بنسبة 30%، القرآن لا يقول ذلك، لا يدخل المسألة الذاتية في المسألة العلمية وإنّما يقول: ﴿وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ﴾.
هل كان النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم شاكّاً وهو الذي جاء بالصّدق وصدَّق به ؟! ولكن أسلوب البحث كان يَتَحَرّك في هذا الاتّجاه.
في القرآن الكريم أسلوب البحث ينطلق من البعد عن الضوضاء، البعد عن الجوّ الجمعي الذي يتحرَّك فيه الناس ليكفّروا ويفسّقوا ويؤيّدوا: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أنّ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثمّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةٍ إنّ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَّكُم بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ﴾(2).
___________________________
1 - سورة سبأ: 24.
2 - سورة سبأ: 46.
ـ(33)ـ
إنّ المسألة كانت، أنَّ الجميع يهتفون هو مجنون ولم يردّ عليهم النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم بحسب الأسلوب القرآني: وبأنّي لست مجنونا»، لأنّ الصوت لا يسمع في الضجيج، ولكنّه قال لهم: تخلّصوا من هذا الجوّ الانفعالي، لأنّكم في الجوّ الانفعالي لا تستطيعون أنّ تملكوا فكركم ورأيكم، ولكن تفرّقوا مثنى وفرادى وستعرفون النتيجة من خلال الفكر، الفكر الهادئ والعقل الهادئ، والعقل الموضوعي.
لذلك، أخشى - أيّها الأحبَّة - إنَّنا تحوّلنا إلى مقلِّدين في المسألة الكلاميّة إذا كنّا نحرّك الاجتهاد في المسألة الفقهيّة، وهذه نقطة أُحبّ أنّ أثيرها على مستوى المنهج؛ وهناك نقطة ثانية في هذا الاتجاه، وهي أنَّنا نلاحظ أنّ هناك حديثاً في كلّ حوزاتنا وجامعاتنا: أنّ المسألة التي تثار دائماً، هي الفقه الشيعي، الفقه السنّي، الفقه الحنفي، المالكي، الشافعي إلى آخر ما هناك، أنَّنا نحاول أنّ نؤكّد الفواصل، وأن نضع الحواجز بين فقه وفقه، في الوقت الذي نعرف أنّ كلّ الفقهاء من سنّة وشيعة إنّما تبنّوا هذا الرأي أو ذاك الرأي انطلاقاً من أنّ هذا استفاد من القرآن، أنّ هذا الشيء واجب، وأنَّ ذاك استفاد من القرآن، أنّ هذا الشيء مستحب، وما إلى ذلك، لم ينطلق أحدهم فيما يتحرَّك به من بحث من صفة سنيّة بالمعنى الذاتي للصفة، أو من صفة شيعيّة، حتّى أنّنا عندما نلاحظ بعض الأَشياء التي مثّلت حدّاً فاصلاً في الغالب بين السنّة والشيعة كما في القياس، إنّنا نرى أنّ كثيرين من السنّة - لأنّ المذهب الظاهري لا يرى القياس - الذين تبنَّوا حجيّة القياس إنّما تبنَّوها على أساس ما قدّموه من الآيات التي يرون أنّها تدلّ على حجيّة القياس، أو من الأحاديث الواردة في السنّة التي تدلّ على حجيّة القياس، وعندما نفى الآخرون من السنّة - كالمذهب الظاهري - ومن الشيعة حجيّة القياس نفوها من موقع أنّ هذه الآيات لا تدلّ وأنَّ هذه الأحاديث لا تثبت أمام النقد من خلال السند، ولا تثبت أمام النقد من خلال المضمون.
ـ(34)ـ
إذن المسألة كانت هي أنّ هؤلاء يتحدّثون على أساس الكتاب والسنّة وأُولئك يتحدّثون على أساس الكتاب والسنّة، ليست هناك خصوصية شيعية في هذا الرأي الرافض، وليست هناك خصوصيّة سنّية في هذا الرأي الموافق حتّى انَّ الشيعة الذين نقلوا أحاديث أئمّتهم: «أنّ السنّة إذا قيست مُحِقَ الدّين» لم ينقلوها على أساس أنَّها حالة تعبّدية وإنّما أشاروا إلى الحديث الآخر الوارد عن أئمّة أهل البيت عليهم السلام «إنّ دين الله لا يُصابُ بالعقول» وقالوا بأنَّ مشكلة القياس هي أنَّنا لا نستطيع أنّ نفهم عمق المفاسد والمصالح التي تتحرَّك في خلفيات الأَحكام، وإذا لم نعرف المصلحة بشكل قطعي، وإنّما ظننَّا، والظنَّ لا يغني من الحقّ شيئاً فالقضية تتحرَّك في هذا الاتجاه، وحتّى القياس في الرفض الفقهي الشيعي لم ينطلق من حالة تعبّدية، بل انطلق من حالة أصولية عامّة في قضية حجّية الظنّ وعدم حجيّة الظنّ فيما لا نصل إلى القطع، وإلا فالسنَّة والشيعة يتّفقون على حجيّة القياس في العلّة المنصوصة القطعية، أو في القطعيّات التي يمكن أنّ نقطع فيها بالملاك، وهكذا عندما نأتي إلى ما يختلف فيه الشيعة والسنّة في فهم القرآن، أو ما يختلفون فيه في عموم القرآن وخصوص الأحاديث، أو ما أشبه ذلك من قضية الأحاديث في مسألة التوثيق وما إلى ذلك.
إنَّنا نلاحظ أنّ هناك فقهاً إسلاميّاً قد يتبنّاه شخص و يرفضه شخص آخر تماماً كما هي المسالة في الدائرة السنّية وكما هي المسألة في الدائرة الشيعية.
لذلك، لماذا لا ننطلق على أساس أنّ نطرح الفقه إسلامياً ؟ تطرح المسألة بعيداً عن خصوصية شيعيّة أو سنية ويتحدّث العلماء كلٌّ بحسب دليله المنطلق من المصادر الأساسية لحجيّة التشريع، ونحن نلاحظ أنّ من العلماء المسلمين الشيعة من كان أسلوبه هو هذا الأسلوب وهو العلاّمة الحلّي في كتاب «المنتهى» وفي كتاب «التذكرة»؛ فإنّه كان
ـ(35)ـ
ينقل المسألة ويثير الأدلّة الواردة عن طريق أهل السنّة على نسق ما يثير الأدلة الواردة عن طريق أهل الشيعة ويتحدّث عن الخلاف بشكل مختلط، لا بشكل يضع المسألة الشيعيّة هنا والمسألة السنّية هناك لذلك، حتّى أنّ نقول فقه مقارن، حتّى أنّ نقول الفقه على المذاهب الأربعة، الفقه على المذاهب الخمسة، هذا تأكيد للفواصل؛ إنّ علينا أنّ ننطلق على أساس أنّ يكون فقهنا المستقبلي فقهاً إسلامياً يعرض إلى الأقوال بدون تعقيد، وعلى هذا الأساس فإنَّني أقترح على إخواننا في مجمع التقريب الذين فكّروا بإنشاء جامعة المذاهب الأربعة أو المذاهب الخمسة أنّ يقولوا: «الجامعة الإسلاميّة» لأنّ ذلك يعطينا فكرة أنّا مسلمون عندما نختلف كما نحن مسلمون عندما نتّفق، وأن نعرف أنّ خلافنا من داخل الإسلام، وليس خلافنا من خارج الإسلام، فيمتنع بعضنا أنّ يكفّر الآخر لأنّ لعبة التكفير - هذه التي فرضت نفسها على الواقع - في أنَّنا تجاوزنا المفهوم القرآني في الكفر والإيمان، وأصبحنا نتحدّث عن الكفر والإيمان على أساس آخر، وسّعنا الكفر حتّى أصبح أنّ يخالف الإنسان حديثاً أقبله أنا ويرفضه هو أنّ أكون كافراً لأنّي خالفت السنّة، أو يخالف أحدنا مفهوماً قرآنياً من خلال اجتهاد في فهم القرآن لا يتقبّله الآخر فيقول إنّني كافر أو أقول إنّه كافر لأنّي خالفت القرآن والسنة وهو خالف القرآن والسنَّة، ولم أخالف القرآن والسنّة لأنّ ما خالفته على أساس أنّ القرآن لا يدلّ عليه وأنّ السنّة لا تدلّ عليه.
تلك نقطة أحببت أنّ أثيرها، وهناك نقطة أُخرى وهي أنّ الواقع الذي نعيشه الآن فيما أتصوّره في مسالة التمزق بين المسلمين ليس هو المسألة الفكرية، فقد استطاع المسلمون أنّ يتعرّفوا على كلّ ما عند بعضهم سواء كان ما عند بعضهم قضايا خرافية، فهناك خرافات في كتب السنّة والشيعة لا يلتزمها السنّة والشيعة، أو قضايا علميّة، وهناك جدل طويل طول الزمن في المسائل الفكريّة. إنّ المشكلة التي أصبحت تفرض نفسها على الواقع
ـ(36)ـ
الإسلامي هي مشكلة سياسية، ولا أُريد أنّ أقول إنَّها مشكلة سياسيّة من خلال الأوضاع الداخلية للمسلمين ولكنّي أتصور - ولا أتحدث عن ذلك استنتاجاً وإنّما أتحدّث عنه على أساس متابعة معلومات - أنّ الكفر العالمي الذي يتمثّل في التبشير ويتمثّل في الإلحاد وما إلى ذلك يعمل بكلّ قوّةٍ في أنّ لا يصير المسلمون إلى قوّةٍ على أساس الوحدة، كما إنّنا نعرف أنّ هناك تعاوناً أساسيّاً بين الاستكبار العالمي المتمثّل في أمريكا وأوروبا وروسيا الآن ودول أُخرى وبين دوائر التبشير؛ لا نريد بهذا الحديث أنّ نثير مسألة الإسلام والمسيحية ولكنّنا نريد أنّ نثير مسألة الدوائر الموجودة في العالم التي تقف في مواجهة الإسلام كلّه وقد عرفنا ذلك فيما عشناه من مسألة البوسنة والهرسك، ونعرف ذلك في أكثر من موقع يفرض على المسلمين فيه - كما في إندونيسيا وغيرها - أنّ يغيّروا أسماءهم أو يغيّروا دينهم وما إلى ذلك، لا أُريد أنّ أدخل في هذا الجدل.
هناك نقطة، هي أنّ الاستكبار العالمي يعمل على أنّ يمزّق وحدة المسلمين، وإذا عرفنا أنّ أغلب أنظمة المسلمين لا تملك القوّة أمام الاستكبار العالمي بل تعيش حالة انعدام وزن ولاسيّما في الظروف الحاضرة التي يعيش فيها العالم العربي وكثير من مواقع العالم الإسلامي حالة انعدام الوزن السياسي أمام أمريكا. إنَّنا عندما نلاحظ ذلك وقد لاحظناه فيما تتحرك به القضيّة الفلسطينيّة، لأنّ العرب لم يستطيعوا أنّ يقاوموا الضغوط التي فرضتها عليهم أمريكا، ولذلك فهناك فرصة قريبة للتّوقيع على ورقة «الطابو» لإسرائيل لتنتهي المسألة الفلسطينيّة تماماً.
إنّ الاستكبار العالمي - أيُّها الأحبَّة - قد وظَّف عندنا ملوكاً و رؤساء وأُمراء وجمعيّات من أجل أنّ تمنع التقارب بين المسلمين، ومن أجل أنّ تمنع اللقاء بين المسلمين.
إنّنا نجد في كلّ مرحلة من المراحل آلاف الكتب التي تصدر من أجل مواجهة هذا المذهب
ـ(37)ـ
أو ذاك المذهب من دون أنّ يُفسح المجال للقاء إسلامي علمائي مصغّر يصارح فيه المسلمون بعضهم بعضاً، ولكن المطلوب كتابنا وكتابكم، ردّ على هذا، وردّ على الردّ حتّى يشغل المسلمون عن واقعهم بخلافاتهم المذهبيّة. الوحدة الإسلاميّة ممنوعة استكبارياً ولأنّها ممنوعة فهناك حراس لهذا المنع في البلاد الإسلاميّة.
لذلك، أنَّني اَعتبُر أنّ مسألة الوحدة الإسلاميّة هي جزء من مسألة الواقع السياسي الذي ينطلق على أساس حرّية الحركة السياسية لدى المسلمين.
إنَّنا كما نقاتِل من أجل أنّ تتحرَّر أرضنا فعلينا أنّ نقاتل - وليس من الضروري أنّ يكون القتال بالسلاح - من أجل وحدتنا لأنّ قصّة الوحدة هي قصّة الإسلام.
أيُّها الأحبَّة: إذا كنتم تريدون إسلاماً عالمياً كما يريده الله منكم، وإذا كنتم تريدون أنّ ينطلق الإسلام ليصنع حضارته في العالم، فإنّ الوحدة الإسلاميّة، وهي الوحدة في التنوّع، والوحدة في الإطار ووحدة الثوابت مع تنوّع التفاصيل، مسألة تتّصل بقضايا المصير، وإنَّنا في المرحلة الحاضرة التي نعيش فيها نواجه أقسى حملة استكبارية كافرة ضدّ الإسلام كلّه وضدّ المسلمين كلّهم. لقد صنعوا لنا بدعة جديدة أنّ هناك مسلمين متطرّفين؛ وأنَّ هناك مسلمين معتدلين، وأنَّ علينا أنّ نواجه المسلمين المتطرّفين، إنَّها لعبة أرادوا أنّ يصنعوا لنا فيها عناوين نتقاتل فيها من جديد و نتمزّق فيها من جديد، هناك إسلام واحد وليس هناك إسلام متطرّف ومعتدل، هناك إسلام ينطلق في سبيل الله بالموعظة والحكمة الحسنة، وينطلق في سبيل الله بالجهاد في سبيل الله، الجهاد في موقع يلتزمه المسلمون جميعاً، والرفق والحكمة في موقع يلتزمه المسلمون جميعاً، ولكنَّ مشكلتنا أنّ أمريكا عندما تجد أيّ فريق في العالم حتّى من غير المسلمين معارضاً.
ـ(38)ـ
لسياستها فإنّها تصنع لـه عنواناً من قاموسها السياسي؛ فهؤلاء إرهابيون وهؤلاء أُصوليون مسلمون، وهؤلاء معتدون ولكنّنا نقول ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ فإنّ تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾(1).
والحمد لله ربّ العالمين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
___________________________
1 - سورة آل عمران: 64.