شمولية الوحدة الإسلاميّة

شمولية الوحدة الإسلاميّة

 

 

شمولية الوحدة الإسلاميّة

 

 

الأُستاذ يوسف الدجيري

رئيس المؤسسة الإسلاميّة في جمهورية مالي

 

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم صلّ على محمّد وعلى آل محمّد وارحم محمّداً وآل محمّد وبارك على محمّد وعلى آل محمّد كما صلّيت وترحمت وباركت على إبراهيم في العالمين إنّك حميد مجيد.

﴿ بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَالْعَصْرِ $ إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ $ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ$﴾(1).

إخواني في العقيدة والملّة أُحيّيكم بتحيّة الإسلام، وأقول لكم جميعاً: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته سلام الله عليكم من إخوانٍ لكم في الدين يعايشون تجاربكم، يعيشون معكم بقلوبهم وبأرواحهم وبكلّ ما أُوتوا من نفيس في تلك البلاد النائية؛ في القارة الأفريقيةٍ السمراء، فيما وراء الصحراء ربوع آمنة مؤمنة تنتمي إلى هذا الجسم الأقدس، جسم الأُمّة الإسلاميّة الذي إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.

إخواني، إنّني في مستهل كلامي هذا أُريد أن أُعرب عن تقديري وشكري

_______________________________________

1 - سورة العصر.

ـ(304)ـ

للمسؤولين في هذه الدولة الذين جعلوا من أولويات هممهم العمل لتوحيد كلمة المسلمين والتقارب بين المذاهب الإسلاميّة كلَبِنَة لابدَّ منها في سبيل هذا التوحيد، لأنّنا نرى مثلكم تماماً أنّ كلمة التوحيد، «أشهد أن لا اله إلاّ الله، أشهد أنَّ محمداً رسول الله» صلّى الله عليه وآله وسلم لن تثبت فينا وتترسّخ إلا إذا واكبها توحيد الكلمة؛ «كلمة التوحيد مع توحيد الكلمة». ولهذا فانّنا نرى لزاماً علينا – على الرغم من أنّا جئنا في وقت متأخّر جدّاً – أن نلقي بدلونا في الدلاء وأن نقول كلمة ولو كانت وجيزة فيما نستشعر به في أعماقنا تجاه هذا الحفل المبارك.

إخواني: إنّني أُهنّئ إخوتي هنا وهم قد رأوا التقريب بين المذاهب الإسلامية لا تذويب بعضها في بعض، فنحن نرى مثلكم تماماً أنّ هذه المذاهب حقائق موضوعيّة موجودة تعيش فينا – شئنا ذلك أو أبينا – ولا نستطيع في محفل مثل هذا المحفل أو في اجتماع أن نلقي كلمة أو نمضي إمضاءً ونقول: انتهى كلّ شيء، ذابت الفوارق وانتهت المشكلة وأصبح المسلمون بدون فوارق. هذه الفوارق موجودة، وهذه المذاهب موجودة، ونحن لا ندعو إلى تذويبها، إنّما ندعو إلى أن يكون هنالك نوع من التقارب، أو بعبارة أخرى أن يفهم السنّي كلّما يشاكلُه أو كلّما يصعب عليه فهمه من مواقف الشيعي، وأن يفهم الشيعي كلّما يصعب عليه فهمه من مواقف السنّي، لكي يعرف هؤلاء وأولئك أنّهم إخوان وإنّما ينطلقون من منطلق اجتهادي فحسب.

أمّا الوحدة فموجودة أصلاً، ربّنا واحد، كلمتنا واحدة، رسولنا واحد، قبلتنا واحدة، أُمّتنا أُمّة واحدة: ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾(1) بما أنّ هذه الثوابت موجودة، وربما أنّ الفروع مسائل اجتهاديّة فإنّني أعتبر أنّ أهّم شيء الآن أن يفهم الشيعيّ – وهو شيعي – لماذا يتصرّف السنيّ هذا التصرّف ولماذا لا يتصرّف هذا التصرّف ؟ وأن يفهم السنيّ – وهو سنيّ – لماذا يتصرّف الشيعي هذا التصرّف ولماذا

_______________________________________

1 - سورة الأنبياء: 92.

ـ(305)ـ

لا يتصرّف هذا التصرّف ولا يكون ذلك إلاّ بالفقه المقارن، وتكوين لجان فنّية متخصّصة في الميادين المختلفة تقوم كلّ لجنة بدراسة ناحية من النواحي التي فيها اختلاف بين المذاهب، ويحاول بقدر المستطاع أن يعرض وجهات نظر كلّ من المذاهب، ويظهر في نفس الوقت المغالاة والتطرّف الذي ربما يذهب ببعض الناس في فرقة من الفرق أو في مذهب من المذاهب إلى بعض التصرفات التي يكون المذهب بريئاً منها.

ولهذا فإنّني أُثني على الكلام الوجيه والتوصيات الوجيهة التي توجّه بها مولانا سماحة الشيخ آية الله الجنّاتي كمنهج عمل يجب أن نسير على هديه، وأُثني كذلك على الأُسلوب العملي جدّاً الذي تقدّم به الشيخ سعيد شعبان حفظه الله في ضرورة أن لا تكون هنالك مسائل لا نتطرّق إليها في البحث، يجب أن نبحث كلّ شيء لكن في مستويات فنيّة، ليست في الجلسات العامة، وأن تكون هناك لجان متخصّصة في موضوع أو في موضوعين وأن تنظر هذه الموضوعات في جميع أبعادها، من الناحية السنّيّة ومن الناحية الشيعيّة، وتظهر نقاط الوفاق بين المذاهب ونقاط الخلاف، وتشرح أُسس الخلاف في كلّ مذهب.

ولا تقتصر على ذلك، بل أن يكون هنالك توجيه إعلامي مركز في الجبهة الشيعيّة وفي الجبهة السنّية لكي يفهم العامّة من المسلمين: لماذا يتصرّف إخوانهم هذا التصرف ؟ لا تنفرون منهم، لا تنجّسوهم، لا تمجّسوهم !. إنّما ينطلقون من منطلق اجتهادي وحسب، والمجتهد إن أصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر واحد، أمّا أن تكون المعرفة حكراً للعلماء فقط وللفقهاء فقط وأن يكون هؤلاء على دراية بأمرهم وعلى بصيرة من أمرهم ويترك الشعب المسلم يؤوّل هذه الأمور تأويلات فيها كثير من الإفراط والتفريط فهذا هو عين الخطر! ويجب علينا حينذاك أن تكون لدينا تربية مركّزة، لا على مستوى العلماء فقط، بل من العلماء إلى الشعب المسلم في كلّ مكان.

ـ(306)ـ

إخواني: أمّا بخصوص ما تفضّل به الأخ الشيخ الذي تكلّم عن أندونيسيا فإنّي أُثني على كلّ كلمة قالها، وأرى كذلك أنّ الأبعاد الإسلاميّة الأخرى التي هي غير محصورة في منطقة الشرق الأوسط، وما حواليها يجب – علينا بصفتنا مسلمين – أن نلتفت إلى ذلك، وأن نعرف أنَّ الثقل في الأُمّة الإسلاميّة في تلك البلاد، وأن نعرف أن مستقبل الأُمّة الإسلاميّة في تلك البلاد التي قليلاً ما نتكلّم عنها.

أنا أعتقد أنّ الوحدة الإسلاميّة لا يمكن أن تكون حكراً لمنطقة معيّنة بل يجب على البلاد الأخرى وبخاصة بلاد الثقل في العالم الإسلامي أن يكون لها نصيب في ذلك.

أيّها الإخوة: يوجد في القارة الأفريقية السوداء ما يربو على 300 مليون من المسلمين؛ ففي نيجريا وحدها يوجد 200 مليون مسلم أي 70 % من الشعب النيجيري، ويبلغ عددهم في النيجر 10 ملايين أي 95 % من الشعب النيجري، وفي غانا يبلغ عدد السكان 25 مليون نسمة، ويشكل المسلمون 50 %، وفي توغو عدد السكان 6 ملايين، ويشكّل المسلمون 50% وفي بنين عدد السكان 5 ملايين، ونسبة المسلمين 50 %، وفي تشاد عدد الكسان 8 ملايين ونسبة المسلمين 90 %، وفي الغابون عدد السكان 4 ملايين، ونسبة المسلمين 60 %، والسنغال عدد السكان 10 ملايين ونسبة المسلمين 95 %، وجمهورية مالي عدد السكان 10 ملايين ونسبة المسلمين 95%، وغينيا عدد السكان 7 ملايين ونسبة المسلمين نحو 90 %، وساحل العاج عدد السكان 8 ملايين ونسبة المسلمين 60%، وبوركينا فساو عدد السكان 7 ملايين ونسبة المسلمين 60 %، لو حسبتم معي لرأيتم أنّ هذا العدد، عدد مهم جداً، والأهمّ من هذا أنّ هؤلاء المسلمين لا يرون فروقاً كبيرة بين تعاملهم مع الإسلام، وتعامل إخواننا الشيعة مع الإسلام.

اذهبوا إلى هذه المناطق واطّلعوا بأنفسكم ويسرّني أن أطلعكم على أنّ مستشار رئيس الجمهورية السيد إسحاق مدني قد زار أفريقيا أخيراً، وزار السنغال ووقف على

ـ(307)ـ

هذه الحقائق. المسلمون عندنا لم يسمعوا عن كلمة الشيعة وهم كلّهم سُنَّة يصلّون سابلين، والصلاة في القبور جاءت بمآسي كثيرة في بلادنا والمسلمين – في بلادنا المسلمة – يكنّون أكبر التقدير لرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم وآل البيت.

ولا ترى بين الأسماء اسماً أكثر من اسم سيدنا علي والسيدة فاطمة والحسن والحسين ثم يتبعه عمر وغيرهم، وهم لا يساوون بين هؤلاء وأيّ من الصحابة، هذه حقيقة معروفة في بلادنا.

وزيارة القبور والتوسّل بالأولياء والصالحين، هذه حقيقة لا نكاد نفهم الإسلام إلا من خلالها.

عند قيام الثورة الإسلاميّة في إيران كانت هناك حقيقة انذعر منها المستعمر والمستكبر، حيث يرى أنَّ صورة الإمام الخميني على كلّ الأبواب والصُّدور، وأمام كلّ السيارات، الناس يفتخرون بهذا الرجل، ويفتخرون بهذا العالم الكبير الذي بعثه الله رحمة لنا ليرفع راية الإسلام، والمسلمون في تلك المناطق لا يعرفون أين إيران وموقعها من الخارطة الجغرافية، وغير المسلمين كانوا معه لأنّهم يرون فيه تحدّياً صارخاً للهيمنة الغربيّة على العالم.

إذن، يجب أن يكون هناك – كما قال الأخ – توجيه للعمل الإسلامي لتلك المناطق النائية، وأن تكرّس كلّ الجهود على هذه المنطقة الوسطى من العالم، فنحن إخوانكم ومعكم في نفس الخندق، ونحارب جنباً إلى جنب معكم، ولنا ما لكم، وعلينا ما عليكم.

إخواني: لا أُحبّ أن أُطيل الحديث – وأنا آخر المتكلّمين – بل أُحب أن أوكّد ضرورة تكوين لجان تخصّصية في المسائل الوفاقيّة والخلافيّة للمذاهب الإسلامية: المالكيّة والحنفيّة والحنبليّة والشافعيّة والشيعيّة والثوريّة، وقد أعطانا الشيخ الجنّاتي حفظه الله لمسة عن ذلك، وكذلك ما تفضل به الشيخ السبحاني من ضرورة رفع الإبهام

ـ(308)ـ

بين الإخوة لكي لا يظن بعض الإخوان ببعضهم سوءاً وبعد ذلك تقوم الدراسات بشرح هذه المواقف للفرق الإسلاميّة بالكتاب والسنّة كي يتأكّد لدى الجهات الأخرى أنّه لا يوجد في الحقيقة إلا فروقات اجتهاديّة.

وبهذه الطريقة نستطيع أن ننزع من القلوب الحقد والضغائن وعملية النفاق التي تسود – عادة – الاجتماعات والمؤتمرات، وإذا خلونا بعضنا إلى بعض في ديارنا أو في جمعنا نقول يجب علينا أن نفهم أنّنا على الحقّ لا يا إخواني، إذا كان هناك شيء اسمه الحقّ الفردي بالأمس، فإنّ هناك أولويّة تحتّم علينا أن نغيّر مسار الأمور وأن يُفهم أن الحقّ في المصلحة العامّة للأُمّة الإسلاميّة اليوم. بالأمس كان يمكن لإيران ومالي وللسعودية وغيرها أن تعيش في منعزل عن العالم، ولكن مع تقدّم التقنيّة والتكنولوجيا ووسائل الإعلام أصبح بعض العالم قريباً من بعضه فيكون من واجبنا عندئذ أن نضع المصلحة العامة (مصلحة الأُمّة) فوق المصالح المذهبيّة والمصالح الطائفيّة.

أخيراً أكرّر لإخواني هنا: أنّ لكم إخواناً هناك معكم قلباً وقالباً، وإن شاء الله سيكون تواجدنا من الآن تواجداً مكثّفاً في هذه المؤتمرات وفي هذه اللقاءات، ونطلب منكم أن تقوموا بتكثيف وجودكم في تلك البقاع لكي يدخل الإسلام بكلّ مذاهبه تلك البقاع، ونتفادى فتنة العزلة وفتنة أن يكون أحدنا كالإنسان الأعور الذي لا يرى إلا بعين واحدة نحن نريد أن نرى بعين الشّيعي وعين السنّي، وعين الثّوري، وعين المالكي لأنّ الذي يجمعنا هو أهم بكثير من الذي يفرق بيننا.

شكر الله سعيكم، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.