التقريب والتقارب بين الشعوب

التقريب والتقارب بين الشعوب

 

 

التقريب والتقارب بين الشعوب

 

 

 

سماحة الشيخ سعيد شعبان

أمير حركة التوحيد الإسلاميّة في لبنان

وعضو المجلس الأعلى للمجمع

 

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى صحبه المجاهدين المخلصين ومن سار على دربه بإحسان إلى يوم الدين.

أمّا بعد:

فالتقريب والتقارب مطلوب بين جميع شعوب الأرض لأنّ الناس من أصل واحد، والله تعالى يعلن وحدة الإنسانية بقوله سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إنّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إنّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾(1).

والوحدة بين المسلمين أصل من أُصول الدين، والمذاهب هي التي فرّقت جمعهم، وليس في القرآن حديث عن التفرّق إلاّ في معرض الذم، ﴿وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ $ يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ $ وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾(2).

الله تعالى يوحّد ونحن نفرّق؛ وقد

___________________________

1 - سورة الحجرات: 13.

2 - سورة آل عمران: 105 - 107.

 

ـ(42)ـ

 

تركنا صلّى الله عليه وآله وسلّم على المحجّة البيضاء، ليلها كنهارها، تركنا وكتاب الله تعالى بين أيدينا: ﴿لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾(1). وكلّ فساد في الأرض هو صناعة إنسانية ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾(2).

الفساد هو من صنع البشر، والصلاح هو من صنع الله، وكلّ شيء يَسْجُدُ لله إلاّ الناس اختلفوا، فمنهم من سجد لـه، ومنهم من عصاه ﴿أَلَمْ تَرَ أنّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ إنّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاء﴾(3) عندما يصل الحديث عن الناس يختلف الأمر بعضهم سجد لله وبعضهم سجد لهواه أو لشيطانه، ومن هنا أخبر الله تعالى عن الكافرين والمشركين فقال ﴿فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلاَلَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ اللّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ﴾(4).

وشرّ الأمور محدثاتها، وكلّ محدثة بدعة، شرّ الأمور ما أحدثناه نحن وبنينا عليه العلاقات الحميمة أو العلاقات اللّدودة التي نقيم عليها خصوماتنا العديدة؛ نحن نعتقد أنّ الحرّية التي منحها الإسلام للإنسان حرّية لا تقف عند حدود، أعطاه حقّ اختيار الجنّة واختيار النّار ﴿وَقُلِ الحقّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقًا﴾(5) إنَّها حريّة امتاز بها الإنسان عن الملائكة وامتاز بها الإنسان عن كلّ الخلائق، ومن هنا كانت الأمانة في عنق الإنسان تختلف عن الأمانة في عنق الملائكة، فالملائكة لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، والله تعالى يقول لنا: ﴿قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لّنَا مَا هِيَ قَالَ إنّه يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُواْ مَا تُؤْمَرونَ﴾(6).

ولكنّه ترك لنا الطاعة أو المعصية حتّى يبتلينا، والابتلاء صعب، وتحمّل الأمانة أصعب، ولكن الإنسان قَبِل تحمّل الأمانة، وحمل الحقّ في الحياة ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ

___________________________

1 - سورة فصلت: 42.

2 - سورة الروم: 41.

3 - سورة الحج: 18.

4 - سورة الأعراف: 30.

5 - سورة الكهف: 29.

6 - سورة البقرة: 68.

 

ـ(43)ـ

 

وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أنّ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إنّه كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا﴾(1).

عندما نجتمع للحديث عن التقريب نكون ما زلنا بعيدين عن الإسلام، إنّنا عندما نتحدّث عن الوحدة نكون أقرب إلى التقوى، التقريب يكون بين المتباعدين، وإذا بحثنا عن أسباب التباعد لم نرها إلهية، إنّما هي أسباب إنسانية - كما قدمنا - ولقد أسهمنا في التباعد أيّما إسهام بسبب عصبياتنا الشخصية أو القبلية أو القومية أو المذهبية والطائفية ﴿فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ زُبُرًا كلّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ﴾(2)، نحن نفرح كثيراً بأن يتعصّب بعضنا ضدّ الآخر، وهو الشرك الذي سماّه الله في القرآن ﴿مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ $ مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كلّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ﴾(3). إنّه الشرك الذي يحرم أو يحرّم الله على من يأخذ حياته به الجنّة ﴿لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إنّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إنّه مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ﴾(4).

الفكر الإنساني هو مجال للاعتقاد وهو مناط التكليف، فالله تعالى خلق الإنسان وخلق لـه العقل ليميّز بين المسائل، وبين الحقّ والباطل، فإنّ استُخدم هذا العقل في إيجاد الفتاوى للتفريق بين النّاس فهو عقل شيطاني وإن استخدم هذا العقل من أجل معرفة الحقّ واتّباعه، يصبح هذا العقل من نعم الله ويكون سببا لدخول المؤمنين في رحمة الله تعالى.

لا أظنّ أنّ أُمّة من الأُمم أُصيبت بالفتن كما أُصيبت أُمّتنا، مع أنّ الحقّ مازال فيها ثابتاً ومحفوظاً وبيّناً، ولذا استطاع الأعداء أنّ ينفذوا من ثغرات الخلاف إلى داخل أُمّتنا والى داخل صفوفها، وأنتم تشاهدون واقع الأُمّة الإسلاميّة على امتداد العالم الإسلامي بل على امتداد الكرة الأرضية المسلمون اليوم هم اضعف شعوب الأرض، وتستطيع

___________________________

1 - سورة الأحزاب: 72.

2 - سورة المؤمنون: 53.

3 - سورة الروم: 31 - 32.

4 - سورة المائدة: 72.

 

 

ـ(44)ـ

أمريكا أنّ تعبث بهم كما يعبث الهرّ بالفأرة مع المحافظة على كرامة الناس وسمعتهم وأقدارهم، تستطيع أمريكا أنّ تعبث بأكثرنا، وتستطيع إسرائيل أنّ تطوّع كلّ العرب للتّعاون مع أمريكا لأنّ العرب لم يعتمدوا الإسلام عقيدة ومنهاج حياة. لذلك، أصبحت كلّ دولة من الدول تدافع عن حدودها، وما رأينا المسلمين يدافعون عن أرض الإسلام. صنع لنا الاستعمار حدوداً وقال جزيرة أبو موسى تبقى نقطة خلاف، فاختلفنا على أبي موسى، ولو أنّنا آمنّا بوحدة العالم الإسلامي لاسترحنا من قضية حلايب وأبي موسى والصحراء الكبرى، كلّ هذه ألغام زرعها الاستعمار في بلادنا من أجل أنّ نختلف على قطعة من الأرض بعد أنّ اختلفنا على الدين وفي الدين، متى كان يتحدّث المسلم عن شبر من الأرض ويختلف عليه مع أخيه المسلم ؟ أما جعل الله تعالى أرض الإسلام وديار الإسلام عند حدود أرض الكفر وديار الكفر، هل ما نزال نتحدّث أين يقف الجندي المسلم في حلايب، هل هي قسم من السودان أو جزء من مصر ؟ إنّها الروح التي زرعها الاستعمار في عالمنا الإسلامي ونجح في زرع الألغام التي يفجّرها متى شاء. أُنظر إلى العراق كيف يمزّق بعد موت الروح الإسلاميّة فالأكراد يريدون حكماً ذاتياً، والاستعمار أصبح اليوم يغار على الشيعة في الجنوب ويحاول أنّ يوفّر لهم غطاءً جوياً ليحميهم من بأس صدام، وهو الذي صنع صدّاماً؛ الاستعمار صنع بنفسه صدام حسين، ونحن اليوم نقول: إنّ الحقّ مع الأكراد وإنَّ العرب يظلمونهم والحقّ مع الشيعة، السنّة يظلمونهم، ومن هنا دخل الاستعمار من القوميّة والطائفيّة والعرقيّة والعنصريّة إلى داخل أمّتنا، والرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول: «أنت على ثغرةٍ من ثغر الإسلام، فلا يوتَيَنَّ من قِبَلِك » أنت حارس من حرّاس الإسلام، وأنت جندي من جنود الإسلام فلا تفتح البوابة التي أنت عليها للعدوّ.

 إنّ الدفاع عن الأقاليم التي قسمها الاستعمار بعد سقوط الخلافة تشبه ما قاله المنافقون في معركة الأحزاب عندما طرح المنافقون قضيّة البيت الواحد لا قضيّة المدينة

 

 

ـ(45)ـ

الواحدة ﴿وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا $ وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النبيّ يَقُولُونَ إنّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إنّ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا﴾(1) بدأت قضيّة البيت لا قضيّة المدينة يثيرها المنافقون، كلّ يريد أنّ يدافع عن بيته، ولو تخلّى عن حدود المدينة الكبرى ﴿يَقُولُونَ إنّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ﴾ ولم يقولوا إنّ وطننا عورة وإنّ المدينة مهدّدة بكاملها. إنّه أُسلوب النفاق الذي وصم الله تعالى به المنادين بحماية البيوت ﴿يَقُولُونَ إنّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إنّ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا﴾ إنّه الفرار من التكليف العام وترك المسؤوليّة الجماعيّة من أجل أنّ تصبح المدينة بيوتاً لا بيتاً واحداً يحمي جميع المسلمين وأرض المسلمين، من هنا نقول: بأنّه يجب أنّ نتخلّص من قضية البيوت والحدود والجزر والأقاليم التي نجح الاستعمار في زرعها ألغاماً في جسد الأُمّة الواحدة التي كان عليها أنّ تؤمن بكلام الله قبل أنّ تؤمن بخطط الاستعمار التقسيميّة التي جعلتنا شيعاً وأحزاباً وأقاليم ودولاً وأوطاناً.

جاء الإسلام ليحمي كلّ القوميّات التي أسلمت فأصبح العربي أخ العجمي وأصبح التفاوت بينهم بالتقوى والعمل الصالح ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إنّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إنّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾(2) من هنا انطلقت مسيرة الفكر الإسلامي من الأصل القرآني لا من الأصل الاستعماري الذي قبلنا معادلاته في بلادنا وبنينا على أساسها علاقتنا الدولية والإقليميّة والوطنيّة.

الحديث عن وحدة المذاهب حديث يطول ولا يؤدّي إلى وحدة الأُمّة. إنّ الحديث عن وحدة الدين هو الذي يؤدّي إلى وحدة الأُمّة، أمّا المذاهب فهي بعدد الأفكار البشرية لأنّ الفكر البشري لا يمكن إلا أنّ يكون مميّزاً كبصمات الأصابع، فكما تختلف بصمات الرجال وبصمات البشر عن بعضها فإنّ الفكر الإنساني سيبقى متميّزاً، وإنّ مصادر الفكر البشري هي قمع وإرهاب فكري قد حرّمه الله تعالى عندما قال ﴿ وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ

___________________________

1 - سورة الأحزاب 12 - 13.

2 - سورة الحجرات: 13.

 

 

ـ(46)ـ

حتّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ﴾(1)، ﴿لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾(2).

أُترك للفكر الإنساني أنّ يبحث ويفكر لأنّ التكليف الشرعي لا يكون إلاّ بالفكر وسلامة الفكر، وإذا أخذ ما وهب أسقط ما أوجب، إذا ما أخذ الله العقل أسقط التكليف الشرعي، أُترك للفكر الإنساني أنّ يبحث عن الحقّ بطلاقة وأجعله يؤمن بالكفر بالموروثاث حتّى يتحقّق من صلاحها، أنا مسلم لأنّني خلقت من أبوين مسلمين، هذا ما قاله لي أحد النصارى، أنا مسيحيّ لأنّي خلقت - أو ولدت - من أبوين نصرانيين فهل يجوز تقليد الآباء؟ إنّ تقليد الآباء محرّم في الإسلام لأنّ الأب قد يكون مجوسياً أو يهودياً أو نصرانياً أو مسلماً وقد يكون سنّياً أو شيعيّاً، وقد أرث عن أبي كلّ العاهات الفكرية لأنّه أبي، أو أرث عن طائفتي كلّ العاهات الدينيّة لأنّني من تلك الطائفة، ذلك أكبر مرض ووباء أصيب به الفكر الإنساني والفكر الإسلامي من تلك الأفكار﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ﴾(3) تقتدي بأبيك، أرأيت لو كان أبوك ضالاً مضلاًّ أتتّبعه ؟ هذا ما كانت تقوله الجاهلية ﴿وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ﴾(4) إنّ الصفاء القرآني والصفاء والتحرّر الذي يعرف الحقائق بدقّة بخلاف الفكر الوارث لأمراض الآخرين سواء كانوا من الآباء أو من العلماء الذين كثيراً ما يعلّمون الناس شيئاً غير الإسلام، كثير من العلماء يعلّمون تلاميذهم كلّ شيء إلا الإسلام، وأقولها بصدق بأنّ سبب التباعد فيما بيننا هم العلماء قبل الاستعمار لأنّ العالم في حوزته أو في جامعته الإسلاميّة يبدأ بالحديث عن الفوارق بين الطوائف ولا يحاول أنّ يحرّر عقل طلاّبه وفكر

___________________________

1 - سورة يونس: 99.

2 - سورة البقرة: 256.

3 - سورة البقرة: 170.

4 - سورة الزخرف: 23.

 

 

ـ(47)ـ

طلابه من العوالق الموروثة بل إنّه يؤكّد لـه على العوالق الموروثة، وإذا ما حاول أنّ يفكر خارج الفكر الطائفي أو المذهبي يعتبره خارجاً على الأصول الشرعية، وما أظنّ أنّ الموروثات الطائفية من الأصول الشرعية، بل هي من البدع الإنسانية التي أصابتنا.

كنت في الصغر أُصلّي في المسجد العمري في بيروت، فكنت أرى الشيعة والسنّة يصلّون في مسجد واحد فما تأذّى أحد منهم من أحد، كنت صغيراً ابن عشر سنين أو ابن خمس عشرة سنة أدخل مع والدي إلى المسجد العمري في بيروت، وأرى الشيعي يتميّز في أنّه يخلع ثوبه الخارجي ويلبس ثوباً نظيفاً ويصلّي مع المصلين في بيروت، وما كنّا نشعر بأنّ هذا يجب أنّ يكون بعيداً عنّا أو أنّ نكون بعيدين عنه. هكذا عرفنا الإسلام ديناً واحداً، لذلك عندما ألقيت محاضرة في الحوزة الحجازية في قم في ما مضى قلت للطلبة وللعلماء: أتريدون أنّ تعرفوا من هو شيخ الضلال من شيخ الهداية ؟ شيخ الضلال الذي يعلّمك بماذا تختلف مع المسلمين وشيخ الهداية هو الذي يعلّمك بماذا تتّفق مع المسلمين.

هذا هو المعيار الذي على العلماء أنّ يضعوه نصب أعينهم عندما يربّون الأُمّة الإسلاميّة. نحن عندما أيّدنا الثورة الإسلاميّة لم نؤيّدها لأنّها شيعيّة، بل أيّدناها لأنّها دولة إسلامية وثورة إسلامية، من هذا المنطلق جئنا نؤيّدها واعترض المعترضون وألّف المؤلّفون فينا كتباً، تعرفون كتاب «وجاء دور المجوس» أصابني كثير من الأذى ممّن ألّفوه لأنّني لي مقربة من الثورة الإيرانية، قال كتاب «وجاء دور المجوس» في الجزء الثاني «وإنّ الشيخ سعيد شعبان تشيّع وزوّج أُخته بشيعي، وزوج ابنته بشيعي ولئن كان صغيراً يوم تزوّجت أُخته بشيعي، فكيف يزوّج ابنته بشيعي؟ » هذا ما قاله مؤلف الكتاب وأنا أقول لكم بأنّني لم أتسنّن حتّى أتشيّع (تكبير الحاضرين)، أنا لم أتسنّن حتّى أتشيع، أنا أسلمت منذ البداية وعلمت أنّ الإسلام هو دين الله ﴿إنّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللّهِ فإنّ اللّهِ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾(1).

___________________________

1 - سورة آل عمران: 19.

 

 

ـ(48)ـ

﴿وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾(1).

نعم، أنا أسلمت وبكلّ فخر لأنّني لم أحفل بتعصّب السنّة ولا بتعصّب الشيعة، واخترقت ذلك الجدار الكثيف الذي بناه الفكر الطائفي والفكر المذهبي بين أبناء الأُمّة الواحدة التي كان يجب أنّ تعتصم بحبل الله قبل أنّ تعتصم بحبال المفرّقين وبحبال المشركين الذين فرّقوا دينهم وكانوا شيعاً، هذه الحقيقة أقولها وكثير من الحقائق التي يجب أنّ نتعلّمها من القرآن الكريم.

إنّني إذ أبارك هذا المجمع وأدعو للذين دعوا إليه، أطلب منهم أنّ يحقّقوا الوحدة في إيران قبل أنّ يحقّقوها خارج إيران، ففي إيران عدّة طوائف من المسلمين وغير المسلمين والعدل أساس الملك، ويجب أنّ يشعر كلّ مواطن في إيران بأنّه أخذ نصيبه الوافي من الإسلام وهو العدل والقسط الذي أمرنا الله تعالى أنّ نعطيه لأهل الكتاب، فكيف لا يكون ذلك مع المسلمين من إخواننا. إنّ الله تعالى يقول: ﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أنّ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إنّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾(2).

إنّ القسط هو شريعة الله، والعدل أساس الملك، فعلى كلّ مواطن في إيران أنّ يشعر بالعدل يوزّع بين الناس بالقسط، لا أنّ تشعر طائفة بأنّها مغبونة وأن تشعر طائفة أخرى بأنّها ممتازة، فإنّ هذا يؤدّي في النهاية إلى الانهيار، ويبقى الكفر مع العدل ولا يبقى إسلام مع الجور، وهذه قاعدة تعرفونها، ورُويت عن الإمام علي عليه السلام.

أرجو أنّ نعلم بأنّ الخطوة الجديدة التي يجب أنّ نخطوها أنّ لا نُشعر قادماً على إيران من العالم الإسلامي بأنّه غريب، فالسودان أزالت التأشيرات بينها وبين الدول الإسلاميّة والعربية (تأشيرة الدخول) لتأكيد وحدة العالم الإسلامي، فأنت تستطيع أنّ

___________________________

1 - سورة آل عمران: 85.

2 - سورة الممتحنة: 8.

 

 

ـ(49)ـ

تدخل السودان بجوازك دون أنّ تطلب تأشيرة مسبقة، هذه خطوة إيجابية يجب أن نخطوها، والجمهورية أسبق من السودان في مضمار إعلان إسلاميّة الثورة، وإنّي لأرجو الله تعالى الذي وحّدنا على كلمة التوحيد أنّ يوحد صفوفنا وأن يجمعنا وإيّاكم على حبّه وحبّ نبيّه وحبّ عمل صالح يقرّبنا إليه وأن يخرج من قلوبنا العصبيّة المذهبيّة والقوميّة والعنصريّة التي عبث به العابثون واستطاع أنّ يلعب على التناقضات فيها المستعمرون، وليس الحقّ على العدوّ، إنّما الحقّ على من جارى العدوّ ووافقه على خططه وقبل أنّ يكون عربياً أو كردياً بربرياً أو فارسياً. الحقّ ليس على العدوّ، بل الحقّ على من ضيّعوا الإسلام فضاعوا به، واحفظوا قولـه صلّى الله عليه وآله وسلّم «احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فسأل الله» اللهم إنّا نسألك وحدة عليك تبعدنا عن الافتراق في المذاهب والقوميّات والحدود والأوطان ﴿رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَآ إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾(1).

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

___________________________

1 - سورة البقرة: 128.