دراسة قرآنية في التوحيد والشرك

دراسة قرآنية في التوحيد والشرك

 

 

دراسة قرآنية في التوحيد والشرك

 

علي الرباني الكلبايكاني

 

بسم الله الرحمن الرحيم

البحث حول التوحيد والشرك من الأبحاث المحورية في القرآن الكريم، فقد نزلت في هذا المجال مئات الآيات تعرضت للبحث عنه من جهات مختلفة، ويحكي لنا القرآن أن الدعوة إلى التوحيد ومكافحة الشرك ومنازلة المشركين من الأهداف الأصولية لبعث الأنبياء والرسل، يقول سبحانه ﴿ولقد بعثنا في كلّ أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت...﴾([1]) ويقول: ﴿وما أرسلنا من قبلك من رسول إلاّ نوحي إليه أنّه لا إله إلاّ أنا فأعبدون﴾([2]) وقد كانت سيرة الأنبياء في هداية الناس إلى السعادة والفلاح أن يبدؤوا قبل كلّ شيء بالدعوة إلى التوحيد ورفض الشك فيحكي لنا القرآن سيرة نوح، وهود، وصالح، وشعيب: بأن أول كلمة يلقونها إلى أقوامهم هي أنّه «لا اله لهم غير الله سبحانه»، فعليهم أن يوحدوه في العبادة، قال سبحانه: ﴿... يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره...﴾([3])، هذا ثم أن مسألة التوحيد والشرك، والإيمان والكفر، إحدى المسائل

(100)

العقائدية التي نشأ البحث والجدال فيها بين المسلمين في أواسط القرن الأول الهجري واستمرت إلى يومنا هذا؛ فما وقع النزاع فيه آنذاك هو أ، ارتكاب الذنوب ـ خصوصاً الكبيرة منها ـ هل يؤدي إلى الشرك أو لا ؟ فمن قائل بأن ارتكاب الذنب شرك صريح كالخوارج، ومن قائلٍ بأن الذنب يخرج فاعله من الإيمان ولكن لا يدخل في الشرك بل هو فسق وهو منزلة بين الإيمان والشرك كالمعتزلة، إلى غير ذلك من المذاهب والآراء.

وما زالت الفرق تتشاجر ـ ولك منها ترمي أختها بالشرك والكفر ـ فيما يتعلق بأوصافه تعالى وأفعاله، كالبحث عن صفات الله الأزلية، هل زائدة على الذات أو لا ؟ فطائفة قالت بالعينية، ورمت القائل بالزيادة إلى الشرك، وطائفة قالت بالزيادة ونسبت القائل بالنفي إلى الشرك مجتجة بأن لازمه تعطيل الذات عن الصفات، وهو إنكار لما ثبت بالضرورة من الدين، إلى غير ذلك من المسائل، كمسألة خلق الأفعال، والجبر والتفويض، والرؤية ونحوها.

وفي القرون الأخيرة حدث خلاف آخر في المسألة بظهور الوهابية ن فانهم قد فسروا الشرك في العبادة بما يستوعب قذف أكثرية الأمة الإسلاميّة بالشرك، ويصير التوحيد ملك مطلق لأتباع الوهابية، واستتبع ذلك حوادث مؤلمة في تاريخ الإسلام، من تخريب الآثار والأبنية، وقتل النفوس البريئة، وتشديد العداوة والبغضاء بين المسلمين.

وعلى هذا فالبحث حول التوحيد والشرك من الأبحاث المهمة في مجال العقائد الإسلاميّة، وإذ كان القرآن الكريم ـ الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ـ هو المصدر الأول للمسلمين في معارف دينهم وأحكام شريعتهم، فيجب عرض العقائد عليه حتّى يتميز الطيب من الخبيث والصحيح من المزيف، وهذا ما نتبناه في دراستنا هذه في مسألة التوحيد والشرك، ونضع البحث عنها في فصلين وخاتمة:

(101)

الفصل الأول في التوحيد.

الفصل الثاني في الشرك.

الخاتمة في تبيين بعض الابهامات في المقام.

الفصل الأول: في التوحيد

التوحيد في اللغة بمعنى جعل الشيء واحداً، وإذا أطلق على الله كان معناه الاعتقاد بوحدانيته، ووحد زيد أي آمن بأن الله واحد، أو قال: لا إله إلاّ الله، والبحوث المتعلقة بالتوحيد في القرآن تتلخص بالعناوين التالية:

ألف: أسس التوحيد ومراحله، وهي:

1 ـ التوحيد في الألوهية.

2 ـ التوحيد في الخالقية.

3 ـ التوحيد في الربوبية.

4 ـ التوحيد في العبادة.

ب: براهين التوحيد.

ج: آثار التوحيد وثمراته.

فلنبحث عن تلكم العناوين بذكر نماذج من آيات الذكر الحكيم وتفسيرها، مراعين في ذلك جانب الاختصار فنقول:

1 ـ التوحيد في الألوهية:

هذا هو الأساس الأول لمسألة التوحيد، وقد ركز القرآن عليه بكلمات وأساليب

(102)

مختلفة، تارة في قالب الإثبات مشفوعاً بأدوات التأكيد، وأخرى في قالب النفي(نفي إله غير الله)، وثالثة: بالنهي عن اتخاذ إله غير الله، ورابعة: بقصر الألوهية في الله تعالى بأدوات الحصر والقصر. وإليك فيما يلي نماذج من الآيات في ذلك:

﴿وإلهكم إله واحد...﴾([4]).

﴿إنّ إلهكم لواحد﴾([5])

﴿قل هو الله أحد﴾([6])

﴿... ما كان معه من إله...﴾([7])

﴿... إنّما الله إله واحد...﴾([8])

﴿...إنّما هو إله واحد...﴾([9])

﴿..إنّما إلهكم إله واحد..﴾([10])

﴿... لا إله إلاّ هو...﴾([11])

وهذا الأسلوب أكثر الأساليب في التعبير عن توحيد الألوهية

﴿... من إله غير الله..﴾([12])(استفهام انكاري)

﴿إله مع الله...﴾([13])(استفهام انكاري)

وهناك آيات تنهى عن اتخاذ إله غير الله سبحانه، قال تعالى: ﴿لا تجعل مع الله إلها آخر..﴾([14]).

(103)

وقال: ﴿ولا تجعلوا مع الله إلها آخر...﴾([15])

وقال: ﴿ لا تتخذوا إلهين اثنين...﴾([16])

حقيقة الألوهية ومميزاتها: 

للألوهية المختصة بالله تعالى سمات تتميز بها، وهي مجموعة من الصفات الكمالية التي تتصف بها ذاته، فقد نص القرآن على أن الأسماء الحسنى مختصة بالله تعالى حيث قال: ﴿ولله الأسماء الحسنى فأدعوه بها...﴾([17]) وقد قدم الخبر في قوله: ﴿ولله الأسماء الحسنى﴾ وجيء بالأسماء محلى باللام، والجمع المحلى باللام يفيد العموم، ومقتضى ذلك أن كلّ اسم أحسن في الوجود فهو لله سبحانه لا يشاركه فيه أحد، وإذا كان الله سبحانه ينسب بعض هذه المعاين إلى غيره ويسميه به كالعم والحياة والخلق والرحمة فالمراد بكونها لله، كون حقيقتها له وحده لا شريك له.

وظاهر الآيات بل نص بعضها يؤيد هذا المعنى كقوله تعالى: ﴿... أن القوة لله جميعاً..﴾([18])وقوله: ﴿فإن العزة لله جميعاً...﴾([19]) وقوله: ﴿ولا يحيطون بشيء من علمه إلاّ بما شاه...﴾([20])، وقوله: ﴿هو الحي لا إله إلاّ هو﴾([21]) «فله سبحانه حقيقة كلّ اسم أحسن لا يشاركه غيره إلاّ بما ملكهم منه كيفما أراد وشاء»([22]).

ثم إنّ المبدأ لجميع تلك النعوت الجميلة كونه سبحانه هو الحق المطلق، حقا في

(104)

ذاته، حقاً في صفاته، وحقاً في أفعاله، تنص على ذلك جملة من آيات الذكر الحكيم نأتي بنماذج منها: 

يقول سبحانه: ﴿ذلك بأن الله هو الحق وأنه يحيي الموتى..﴾([23]).

ويقول: ﴿ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل...﴾([24]).

ويقول: ﴿يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ويعلمون أن الله هو الحق المبين﴾([25]).

ويقول: ﴿فذلكم الله ربكم الحق فماذا بعد الحق إلاّ الضلال﴾([26]).

ـ ﴿ثم ردوا إلى مولاهم الحق﴾([27]).

ـ ﴿الحق من ربك فلا تكونن من الممترين﴾([28]).

ـ ﴿انا أنزلنا إليك الكتاب بالحق..﴾([29]).

ـ ﴿...إنّ الحكم إلاّ لله يقص الحق..﴾([30]).

ـ ﴿وهو الذي خلق السموات والأرض بالحق...﴾([31]).

ـ ﴿...ألا إنّ وعد الله حق...﴾([32]).

ـ ﴿فتعالى الله الملك الحق...﴾([33]).

ـ ﴿.. والله يقول الحق وهو يهدي السبيل﴾([34]).

ـ ﴿... الله يقضي بالحق والذين يدعون من دونه لا يقضون بشيء..﴾([35]).

(105)

إلى غير ذلك من الآيات في هذا المجال، والجميع كما ترى الله سبحانه بأنه مطلق الحق، والحق المطلق، قال الراغب: «أصل الحق المطابقة والموافقة، كمطابقة رجل الباب في حقه لدورانه على استقامته، والحق يقال على أوجه: 

الأول: يقال لمجد الشيء، بسبب ما تقتضيه الحكمة ولهذا قيل في الله تعالى هو الحق.

والثاني: يقال للموجد بحسب مقتضى الحكمة ولهذا يقال فعل الله تعالى كله حق.

والثالث: من الاعتقاد المطابق لما عليه ذلك الشيء في نفسه كقولنا: اعتقاد فلان في البعث والثواب والعقاب والجنة والنار حق»([36]).

والحاصل: إنّ المقصود من كونه تعالى حقا: أنّه سبحانه موجود قائم بذاته غني في وجوده وصفاته، جميل في أسمائه وأفعاله ثابت، باق، لا يشوبه بطلان لا في مرتبة ذاته ولا في صفاته وأفعاله، وهذا هو(وجوب الوجود) في مصطلح الفلاسفة الإلهيين، قال الحكيم السبزواري في منظومته في الحكمة:

«ما ذاته بذاته، لذاته موجود، الحق العي صفاته»

وقال في شرحها: «قولهم: بذاته لذاته كالظرف والمجرور إذا افترقا اجتمعا وإذا اجتمعا افترقا، فالمراد بالأول نفي الحيثية التقيدية كما في موجودية الماهية الإمكانية وبالثاني نفي الحيثية التعليلية كما في موجودية الوجودات الخاصة الإمكانية»([37]).

والى هذا أشار لبيد الشاعر بقوله: 

«ألا كلّ شيء ـ ما خلا الله ـ باطل وكل نعيم لا محالة زائل» ومن الآيات الجامعة لنعوت الألوهية الآيات الثلاثة من آخر سورة الحشر، وهي قوله سبحانه: 

(106)

﴿هو الله الذي لا إله إلاّ هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم * هو الله الذي لا إله إلاّ هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون* هو الله الخالق الباري المصور له الأسماء الحسنى يسبح له ما في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم﴾([38]).

حقيقة وحدانيته تعالى:

تنقسم الوحدة الحقيقية([39]) إلى الحقة وغير الحقة، فالحقة منها ما تكون الوحدة عين ذات الواحد، كوحدة الصرف من كلّ شيء وحينئذ يكون فرض الكثرة فيها فرضا للمتناقضين، فنحن إذ نتصور صرف الماء ـ مثلاً ـ فلا يعقل له اثنينية وكثرة، إلاّ إذا خالطه غيره، فصرت الشيء لا ينتثنى ولا يتكرر([40]).

والوحدة غير الحقة ما كانت الوحدة زائدة على ذات الواحد، وهي أما عددية، وإما مفهومية؛ فالأول: كوحدة كلّ فرد من ماهية، والثاني: كوحدة كلّ صنف من نوع أو نوع من جنس.

واللائق بذاته والوهيته تعالى هو الوحدة الحقة، يقول العلامة الطباطبائي في هذا المجال: «والقرآن ينفي في عالي تعاليمه الوحدة العددية عن الاله جل ذكره، فإن هذه الوحدة لا تتم إلاّ بتميز هذا الواحد من ذلك الواحد بالمحدودية التي تقهر، وإذا كان الله سبحانه قاهراً غير مقهور، وغالبا لا يغلبه شيء لم تتصور في حقه وحدة عددية، قال

(107)

تعالى: ﴿...هو الله الواحد القهار﴾([41]) فهو تعالى واحد بمعنى أنّه من الوجود بحيث لا يحد بحد حتّى يمكن فرض ثان له فيما وراء ذلك الحدّ، وهذا معنى قوله تعالى: ﴿قل هو الله أحد﴾([42]) فإن لفظ أحد إنّما يستعمل استعمالاً يدفع إمكان فرض العدد في قباله، يقال: ما جاء من أحد، ينفي به أن يكون قد جاء الواحد وكذا الاثنان والأكثر، فاستعمال لفظ أحد في قوله ﴿...هو الله أحد﴾ في الإثبات من غير نفي ولا تقييد أو وصف يفيد أن هويته تعالى بحيث يدفع فرض من يماثله في هويته بوجه، سواء كان واحداً أو كثيراً، فهو محال بحسب الفرض الصحيح مع قطر النظر عن حاله بحسب الخارج.

ولذلك ترى أن الآيات التي تنعته بالقهارية تبدأ أولاً بنعت الوحدة، ثم تصفه بالقهارية لتدل على أن وحدته لا تدع لفارض مجالاً لأن يفرض له ثانياً مماثلاً بوجه، فضلاً عن أن يظهر في الوجود وينال الواقعية والثبوت، قال تعالى: ﴿.. أرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار﴾([43]) وقال تعالى: ﴿... قل الله خالق كلّ شيء وهو الواحد القهار...﴾([44]) وقال: ﴿لمن الملك اليوم لله الواحد القهار﴾([45]) وقال: ﴿ وما من إله إلاّ الله الواحد القهار﴾([46])، «فرتبة القهارية في جميع الآيات على صفة الوحدة»([47]).

وقال الإمام علي ـ عليه السلام ـ: «القول في أن الله واحد على أربعة أقسام: فوجهان منها لا يجوزان على الله عز وجل، ووجهان يثبتان فيه، فأما اللذان لا يجوزان عليه فقول القائل: واحد يقصد به باب الأعداد، فهذا ما لا يجوز، لان مالا ثاني له لا يدخل في باب الأعداد، أما ترى أنّه كفر من قال: إنه ثالث ثلاثة ؟ وقول القائل هو واحد من الناس يريد به النوع من الجنس فهذا ما لا يجوز لأنه تشبيه، وجل ربنا وتعالى عن ذلك.

(108)

وأما الوجهان اللذان يثبتان فيه فقول القائل: هو واحد ليس له في الأشياء شبه، كذلك ربنا، وقول القائل: إنه عز وجل احدي المعنى، يعني به أنّه لا ينقسم في وجود ولا عقل ولا وهم، كذلك ربنا »([48]).

 

2 ـ التوحيد في الخالقية:

الركن الثاني للتوحيد هو التوحيد في الخالقية، ويعده القرآن من شؤون الألوهية، إذ يصف الله تعالى في كثير من آياته بوصف الخالقية ويجعله دليلاً على بطلان الوهية غيره سبحانه ويقول:

﴿الحمد لله الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور...﴾([49]).

﴿هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الّذين من دونه...﴾([50]).

﴿...إذا لذهب كلّ إله بما خلق...﴾([51]).

﴿واتخذوا من دونه آلهة لا يخلقون شيئاً..﴾([52]).

﴿هو الله الخالق الباري المصور...﴾([53]).

إلى غير ذلك من الآيات، وتدل على حصر الخالقية في الله سبحانه طائفة من الآيات نأتي ببعضها: 

﴿... قل الله خالق كلّ شيء وهو الواحد القهار﴾([54]).

﴿هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض...﴾([55]).

(109)

﴿الله خالق كلّ شيء وهو على كلّ شيء وكيل﴾([56]).

﴿ذلكم الله ربكم خالق كلّ شيء لا إله إلاّ هو...﴾([57]).

﴿أفرأيتم ما تمنون * أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون﴾([58]).

 

معنى حصر الخالقية في الله سبحانه:

لا يعني باختصاص الخالقية بالله تعالى، نفي السببية والفاعلية عن الإنسان وغيره من الأشياء فيما يصدر منها من الآثار والأفعال. فإن القرآن نفسه يسند إلى الإنسان أفعالا ويعده مسؤولاً في قبالها، مثاباً ومعاقباً عليها، كما يسند إلى الظواهر الطبيعية أفعالا وآثاراً تخصها، وهذا واصح لكل من له إلمام بالقرآن الكريم ولا نرى حاجة إلى ذكر نماذج له.

فالمقصود بانحصار الخالقية في الله تعالى أمران:  أحدهما: أعداء وجود الأشياء، والآخر: الاستقلال في الفعل والتأثير، لا مطلق الفاعلية والتأثير ولو على سبيل التابعية من جانبه سبحانه، حتّى ينافي قانون السببية العام أولاً، وفاعلية الإنسان، وتأثيره في أفعاله الإرادية ثانياً، وهذان من الأصول التي توافق على قبولها الحس والعلم والبرهان والقرآن فبإنكار قانون السببية ينسد باب إثبات وجود الله تعالى، كما أن إنكار تأثير الإنسان في أفعاله يؤدي إلى الجبر الباطل.

يقول العلامة الطباطبائي: «القرآن ينظم النظام الموجود مثل ما ينتظم عند حواسنا وتؤيده عقولنا بما شفعت به من التجارب، وهو أن أجزاء هذا النظام على اختلاف هوياتهم وأنواعها فعالة بأفعالها، مؤثرة متأثرة في غيرها ومن غيرها، وبذلك يلتئم النظام الموجود الذي لك جزء منها ارتباط تام بكل جزء، وهذا هو قانون العلية العام في الأشياء، وهو أن كلّ ما يجوز له في نفسه أن يوجد وأن لا يوجد فهو إنّما يوجد عن غيره.

(110)

فالمعلول ممتنع الوجود مع عدم علته، وقد أمضى القرآن الكريم صحة هذا القانون وعمومه، ولو لم يكن صحيحاً أو تخلف في بعض الموارد لم يتم الاستدلال به أصلاً، قد استدل القرآن به على وجود الصانع ووحدانيته وقدرته وعلمه وسائر صفاته.

فإن قلت: إنّ القرآن الكريم إذا ينسب خلق كلّ شيء إليه تعالى ويحصر العلة الفاعلة فيه كان لازمه إبطال رابطة العلية والمعلولية بين الأشياء، فلا مؤثر في الوجود إلاّ الله وإنّما هي عادته تعالى جرت أن يخلق ما نسميه معولاً عقيب ما نسميه علة من غير أن تكون بينهما رابطة توجوب وجود المعلول منها عقيب العلة، فالنار التي تستعقب الحرارة نسبتها إلى الحرارة والبرودة على السواء، والحرارة نسبتها إلى النار والثلج على السواء، غير أن عادة الله جرت أن يخلق الحرارة عقيب النار والبرودة بعد الثلج من غير أن يكون هناك إيجاب واقتضاء بوجه أصلاً.

لقت: هذا النظر يبطلقانون العلية والمعلولية العام الذي عليه المدار في القضاء العقلي، وببطلانه ينسد باب إثبات الصانع ولا تصل النوبة مع ذلك إلى كتاب الهي يحتج به على بطلان رابطة العلية والمعلولية بين الأشياء، وكيف يسع أن يبطل القرآن الشريف حكماً صريحاً عقلياً ويعزل العقل عن قضائه ؟ وإنّما تثبت حقيقته وحجيته بالحكم العقلي والقضاء الوجداني، وهو إبطال النتيجة لدليلها الذي لا يؤثر إلاّ إبطال النتيجة لنفسها.

وهؤلاء إنّما وقعوا فيما وقعوا من جهة خلطهم بين العلل الطولية والعرضية، وإنّما يستحيل توارد العلتين على شيء إذا كانتا في عرض واحد، لا إذا كانت إحداهما في طول الأخرى»([59]).

توحيد الخالقية ومشكلة قبائح الأفعال: 

إنّ هاهنا مشكلة ينبغي تحليلها، وهي أن لازم القول بعموم خالقيته تعالى قضاء

(111)

لأصل التوحيد، أن يكون أفعال العباد أيضاً مخلوقا له سبحانه، ولازمه انتساب القبائح إليه تعالى وتقدس، ومن هنا ذهبت المعتزلة إلى نظرية التفويض وقالوا: إنّ الإنسان هو الفاعل لأفعاله ولا صلة لها بمشيئته وقدرته سبحانه، قال القاضي عبد الجبار: «وقوعه(فعل الإنسان) بحسب الدواعي يكشف عن اختصاص الفعل بنا وحدوثه من جهتنا»([60]).

وقد استشهد على ذلك بقوله تعالى: ﴿..فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر...﴾([61]) فقال:  «فقد فوض الأمر في ذلك إلى اختيارنا»([62]).

وقال أيضاً بعد الإشارة إلى أن في أفعال الإنسان ما هي قبيحة عقلاً وشرعاً وأنه تعالى حكيم يقبح صدور القبيح عنه: «فلا يجوز أن يكون الله تعالى خالقها»([63]).

وقال في توجيه قوله تعالى:  ﴿الله خالق كلّ شيء..﴾([64]): «إنّ المراد من الكلّ، هو أكثر الأشياء فلا يشمل أفعال الإنسان»([65]).

ويلاحظ عليه: أن عمومية الخلقة ولزوم استناد كلّ واقعية في وجودها إلى الإرادة الأزلية والقدرة المطلقة مما يحكم به العقل الصريح، والأحكام العقلية غير قابلة للتخصيص، كما أن العمومات القرآنية التي تنص على عمومية خلقته تعالى أيضاً أبية عن أي تقييد وتخصيص، هذا مضافاً إلى أن هناك آيات وردت في موارد خاصة من الأفعال القبيحة تصرح بأنها لا تقع إلاّ بأذن الله تعالى ـ أعني التكويني ـ منها ما تحكي عمل السحرة في عهد سليمان ـ عليه السلام ـ يقول سبحانه: ﴿..فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلاّ بإذن الله...﴾([66]) فمن الواضح أنّه ليس المراد بالأذن في الآية هو الأذن التشريعي بل المقصود منه الأذن التكويني الراجع إلى إيجاده

(112)

وخالقيته تعالى.

والجواب عن أصل الأشكال أن يقال: إنّ للأفعال جهتين: جهة واقعيتها بما هي حركات صادرة من الإنسان، وجهة موافقتها للأحكام العقلية والشرعية فالأفعال بالقياس إلى الجهة الأولى لا تتصف إلاّ بالحسن، لأن لك شيء باعتبار أنّه فعل صدر من الله تعالى جميل وحسن، قال سبحانه: ﴿الذي أحسن كلّ شيء خلقه..﴾([67]) وهذا هو الحسن التكويني الحقيقي.

وأما بلحاظ الجهة الثانية فهي تنقسم إلى حسنة، وقبيحة، وهذان حسن وقبح تشريعيان اعتباريان، فما كانت منها موافقة لرضى الشارع وحكم العقل والفطرة كانت حسنة وما خالفت فهي قبيحة. وهذا الحسن والقبح منوط باختيار الإنسان الموهوب من الله سبحانه، فيستند إليه لا إلى الله تعالى، لكن باعتبار أن هناك أسباباً متعددة من الله كالعقل والفطرة والنبوة ونحو ذلك، لو لا ها لما وفق الإنسان لاختيار الفعل الحسن، صح إسناد الحسنات من أفعال العباد إلى الله تعالى، بل كان هو أولى من الإنسان بحسناته كما ورد في الحديث القدسي([68]) قال الطباطبائي: «إنّ ظاهر قوله تعالى: الله خالق كلّ شيء...﴾([69]) يعمم الخلقة لكل شيء، ثم قوله تعالى: ﴿الذي أحسن كلّ شيء خلقه...﴾([70]) يثبت الحسن لكل ما خلقه الله ويتحصل من الآيتين أن كلّ مخلوق فهو متصف بالحسن، فالخلق والحسن متلازمان في الوجود. فكل شيء هو من جهة أنّه مخلوق لله أي بتمام واقعيته الخارجية حسن، فلو عرض له عارض السوء والقبح كان من جهة النسب والإضافات وأمور أخرى غير جهة واقعيته ووجوده الحقيقي الذي ينسب به إلى الله سبحانه والى فاعله المعروض له.

(113)

ثم أنا نحصل من كلامه تعالى على موارد كثيرة يذكر فيها السيئة والظلم والذنب وغيرها ذكر تسليم، فلنقض بضمها إلى ما تقدم بأن هذه المعاني معان وعناوين غير حقيقية لا تحلق الشيء من جهة انتسابه إلى الله سبحانه وخلقه له، وإنّما تلحق الموضوع الذي يقوم الأثر والعمل به من جهة وضع أو نسبة أو إضافة، فإن كلّ معصية وظلم فإن معه من سنخه ما ليس بمعصية وإنّما يختلفان من جهة اشتمال أحدهما على مخالفة أمر تشريعي أو عقلي، أو اشتماله على فساد في المجتمع أو نقض لغاية دون الآخر، وتلك أمور وضعية تلحق الأشياء بحسب انطباقها على المصالح والمفاسد الاجتماعية المستعقبة للمدح والذم أو الثواب والعقاب فإنما هي أمور لا تتعدى طور الاجتماع ولا يدخل في دار التكوين أصلاً، إلاّ آثارها التي هي من أقسام الثواب والعقاب مثلاً»([71]).

3 ـ التوحيد في الربوبية:

نص القرآن الكريم على أن الله سبحانه هو رب كلّ شيء ومدبره، خلق الأشياء ثم هداها إلى غاياتها وجهزها بالأدوات اللازمة لحياتها، وأن هذه الربوبية من شؤون ألوهيته ومالكيته للأشياء، قال سبحانه: 

﴿الحمد لله رب العالمين﴾([72]).

﴿قل أغير الله أبغي ربا وهو رب كلّ شيء..﴾([73]).

﴿ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين﴾([74]).

﴿...ذلكم الله ربكم له الملك لا إله إلاّ هو...﴾([75]).

(114)

﴿فتعالى الله الملك الحق لا إله إلاّ هو رب العرش الكريم﴾([76]).

﴿رب السموات والأرض وما بينهما....﴾([77]).

﴿رب المشرق والمغرب وما بينهما....﴾([78]).

﴿الله ربكم ورب آبائكم الأولين﴾([79]).

﴿...ثم استوى على العرش يدبر الأمر...﴾([80]).

﴿يدبر الأمر من السماء إلى الأرض...﴾([81]).

﴿قال ربنا الذي أعطى كلّ شيء خلقه ثم هدى﴾([82]).

﴿الذي خلق فسوى * والذي قدر فهدى﴾([83]).

ثم إنّ هذه الربوبية العامة تتجلى في الأشياء بصور مختلفة حسب ما تقتضيه استعداداتها وغاياتها، وإذا كان الإنسان ذا استعدادات فكرية وغايات عقلانية يحتاج إلى تربية معنوية وهداية تشريعية، وعلى هذا فإرسال الرسل وإنزال الكتب السماوية ووضع القوانين والتكاليف الدينية وغفران الذنوب، وتنفيذ الشفاعة ونحو ذلك جميعاً من مظاهر ربوبية الله تعالى وتدبيره للإنسان، كما أن له ربوبية وتدبيراً تكوينياً كغيره من الظواهر الكونية؛ هذا بطل التوحيد، خليل الرحمن u يقول في احتجاجه على الوثنيين: ﴿فأنهم عدولي إلاّ رب العالمين * الذي خلقني فهو يهدين * والذي هو يطعمني ويسقين * وإذا مرضت فهو يشفين * والذي يميتني ثم يحيين * والذي أطمع أن يعفر لي خطيئتي يوم الدين* رب هب لي حكماً وألحقني بالصالحين﴾([84]).

(115)

وقال سبحانه: ﴿قل هل من شركائكم من يهدي إلى الحق؟ قل الله يهدي للحق..﴾([85]).

﴿أم هم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله...﴾([86]).

﴿... وهو العزيز الغفور﴾([87]).

﴿قل لله الشفاعة جميعاً له ملك السموات والأرض...﴾([88]).

وبما تقدم في تفسير حصر الخالقية في الله سبحانه يتضح المراد من اختصاص الربوبية والتدبير بالله تعالى. فليس المراد في التأثير عن الأسباب والعلل مطلقاً، وإبطال قانون السببية، بل المقصود نفي الاستقلال في التأثير. فالأشياء كما هي متعلقة الوجود وقائمة الذوات بوجوده ومشيئته سبحانه كذلك ليس لها أي استقلال فيما يترتب عليها من الآثار. وأيضاً لم يفوض أمر التدبير كلاً أو جزءاً إلى شيء من الأشياء سواء في ذلك الجن والملك، والموجود السماوي والأرضي.

والدليل على ذلك: أن القرآن يسند فعلاً واحداً إلى الله والى غيره من الموجودات، فاسند توفي الأنفس إلى الله تعالى وقال: ﴿.. الله خلقكم ثم يتوفاكم...﴾([89]) وأسندها إلى ملك الموت وقال: ﴿قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم...﴾([90]). ونسب كتابة ما يفعله الإنسان بخفاء وقال: ﴿... والله يكتب ما يبيتون...﴾([91]). ونسب أيضاً إلى الملائكة وقال: ﴿... بلى ورسلنا لديهم يكتبون﴾([92])، وفي ذلك يقول العلامة الطباطبائي: «الملائكة وسائط بينه تعالى وبين الأشياء بدءاً وعوداً على ما يعطيه القرآن الكريم، بمعنى أ،هم أسباب للحوادث فوق الأسباب المادية في العالم المشهود، قبل حلول الموت والانتقال إلى

(116)

نشأة الآخرة وبعده.

ولا ينافي هذا استناد الحوادث إلى أسبابها القريبة المادية فإن السببية طولية لا عرضية أي إنّ السبب القريب سبب للحادث والسبب البعيد سبب السبب.

كما لا ينافي توسطهم واستناد الحوادث إليهم استنادها إليه تعالى وكونه هو السبب الوحيد لها جميعاً على ما يقتضيه توحيد الربوبية، فإن السببية طولية كما سمعت، لا عرضية، وليس لشيء من الأسباب استقلال قباله تعالى حتّى ينقطع عنه فيمنع ذلك استناد ما اسند إليه إلى الله سبحانه على ما يقول به الوثنية من تفويضه تعالى تدبير الأمر إلى الملائكة المقربين، فالتوحيد القرآني ينفي الاستقلال عن لك شيء من كلّ جهة؛ لا يملكون لا نفسهم نفعاً ولا ضراً ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً»([93]).

وقال ـ عند البحث عن اختصاص الحكم بالله تعالى ـ: «نظرية التوحيد التي يبني عليها القرآن الشريف بنيان معارفه لما كانت تثبت حقيقة التأثير في الموجود لله سبحانه وحده لا شريك له، كان الحكم الذي هو نوع من التأثير والجعل له تعالى، سواء في ذلك الحكم في الحقائق التكوينية أو في الشرائع الوضعية الاعتبارية، وقد أيد كلامه تعالى هذا المعنى، كقوله: ﴿... إنّ الحكم إلاّ لله...﴾([94])، وقوله: ﴿... إنّ الحكم إلاّ لله أمر ألا تعبدوا إلاّ إياه...﴾([95]) إلى غير ذلك من الآيات.

غير أنّه تعالى ربما ينسب الحكم ـ وخاصة التشريعي منه ـ في كلامه إلى غيره، كقوله تعالى: ﴿... يحكم به ذوا عدل منكم...﴾([96])، وقوله: ﴿يحكم بها النبيون﴾([97]) إلى غير ذلك من الآيات، وضمها إلى القبيل الأول يفيد أن الحكم الحق لله بالأصالة وأولاً لا

(117)

يستقل به أحد غيره، ويوجد لغيره بأذنه وثانياً. ولذلك عد تعالى نفسه أحكم الحاكمين وخيرهم لما أنّه لازم الأصالة والاستقلال والأولية، فقال:  ﴿أليس الله بأحكم الحاكمين﴾([98])، وقال: ﴿...وهو خير الحاكمين﴾([99]).

والآيات المشتملة على نسبة الحكم إلى غيره تعالى بأذن ونحوه ـ كما ترى ـ تختص بالحكم الوضعي الاعتباري، وأما الحكم التكويني فلا يوجد فيها ـ على ما أذكر ـ ما يدل على نسبته إلى غيره من الانتساب بأذنه ونحوه، كالعلم والقدرة والحياة والخلق والرزق والأحياء وغير ذلك في آيات كثيرة لا حاجة إلى إيرادها.

ولعل ذلك مراعاة لحرمة جانبه تعال لا شعار الصفة من الاستقلال الذي لا مسوغ لنسبته إلى هذه الأسباب المتوسطة كما أن القضاء والأمر التكويني كذلك، ونظيرتها في ذلك ألفاظ البديع والبارئ والفاطر وألفاظ أخر يجري مجراها بمعان تنبئ عن نوع من الاختصاص، وإنّما كف عن استعمالها في غير مورده تعالى رعاية لحرمة ساحة الربوبية»([100]).

4 ـ التوحيد في العبادة:

هذا القسم من التوحيد هو العمدة في رسالة الأنبياء وأساس دعوتهم، يقول سبحانه: ﴿ولقد بعثنا في كلّ أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت...﴾([101]). وقد ذكرنا سابقاً نماذج من الآيات الدالة على أن الدعوة إلى عبادة الله سبحانه ورفض عبادة غيره من الآلهة المزعومة كانت في صدر برامجهم، ومن هنا يظهر أن الانحراف في توحيد العبادة كان أكثر من غيره.

(118)

ولا خلاف بين الأمة الإسلاميّة في اختصاص العبادة بالله سبحانه، فهذه قاعدة دينية لا ينكرها أحد منهم، ومع ذلك فربما ينسب بعضهم بعضاً إلى الشرك في العبادة فيما يفعلونه في تعظيم قبور الأولياء والصالحين والتوسل بهم ونحو ذلك، بتوهم أن هذه الأفعال عبادة، وعبادة غيره سبحانه شرك.

فاللازم علينا قبل كلّ شيء تحديد حقيقة العبادة وتفسيرها حتّى يصح لنا قضاء حق في هذا المجال، فنقول: المشهور في تعريف العبادة أنها مطلق الخضوع والتذلل في مقابل الغير، اونهايته.

ويرد عليه: أولاً: لو كانت العبادة مرادفة في المعنى للخضوع والتذلل، لما أمكننا أن تعتبر أي إنسان موحداً لله، لأن البشر ـ بفطرته ـ يخضع لمن يرى له تفوقا وجمالاً أو كرامة ونعمة، كالتلميذ يخضع لأستاذه، والولد لوالديه والمحب لحبيبه.

وثانياً: إنّ القرآن الكريم يأمر الإنسان بأن يتذلل لوالديه ويقول: ﴿واخفض لهما جناح الذل من الرحمة...﴾([102]).

وثالثاً: إنّ الله تعالى أمر ملائكته بالسجود الذي يعد غاية الخضوع لآدم.

ورابعاً: إنّ يعقوب مع زوجته وولده سجدوا ليوسف: ﴿...وخروا له سجداً...﴾([103]).

وعلى هذا فالعبادة المختصة بالله تعالى ليست بمعنى الخضوع والتذلل قولاً أو فعلاً فقط، بل لها ركن آخر، وهو الخضوع لمن يعتقد بألوهيته أو بعض شؤونها كالربوبية ونحوها. فهذا هو العبادة التي تنحصر في الله سبحانه والآتيان بها لغيره شرك، ويتضح هذا بالتدبر في الآيات الداعية إلى عبادة الله سبحانه والناهية عن عبادة غيره، إذ لجميع يعلل

(119)

ذلك بأنه سبحانه هو الإله الحق، الواجد لجميع نعوت الألوهية من العلم المحيط والقدرة المطلقة والحياة الباقية وأن له جميع شؤون الألوهية من الخالقية والأحياء والأمانة والهداية والتدبير وغير ذلك، فأي خضوع صدر من الإنسان لشيء من الأشياء باعتقاد أنّه واجد جميع شؤون الألوهية أو بعضها، كان عبادة وإذا كانت الألوهية وشؤونها مختصة بالله تعالى كانت العبادة هذه منحصرة فيه، والآتيان بها لغيره شرك في العبادة فلنأت بنماذج من الآيات الدالة على ما ذكر: 

1 ـ إياك نعبد وإياك نستعين﴾([104]).

تدل الآية على حصر العبادة في الله سبحانه، وهي واقعة بعد الإذعان بألوهية تعالى وبعض نعوتها وشؤونها كالرحمانية والرحيمية، والربوبية العامة.

2 ـ ﴿يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم...﴾([105]).

3 ـ ﴿ وما أرسلنا من قبلك من رسول إلاّ نوحي إليه أنّه لا إله إلاّ أنا فأعبدون ﴾([106]).

4 ـ ﴿ذلكم الله ربكم لا إله إلاّ هو خالق كلّ شيء فأعبدوه...﴾([107]).

5 ـ ﴿ولله غيب السموات والأرض واليه يرجع الأمر كله فاعبده...﴾([108]).

هذا في جانب الإثبات، اعني الدعوة إلى عبادته سبحانه، فترى أنها معللة بالألوهية وشؤونها، وأما في جانب الإنكار، أعني رفض عبادة غيره تعالى والتنذير على المشركين في مسألة العبادة فإليك نماذج من آيات الكتاب المجيد الدالة على ما ذكرنا: 

6 ـ ﴿أتدعون بعلاً وتذرون أحسن الخالقين، الله ربكم ورب آبائكم الأولين ﴾([109]).

(120)

7 ـ ﴿قل أتبعدون من دون الله ما لا يملك لكم ضراً ولا نفعاً..﴾([110]).

8 ـ ﴿... أتبعدون ما تنحتون والله خلقكم وما تعملون﴾([111]).

9 ـ ﴿ويعبدون من دون الله ما لا يملك لهم رزقا...﴾([112]).

10 ـ ﴿والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئاً وهم يخلقون ﴾([113]).

11 ـ ﴿والذين تدعون من دونه لا يستطيعون نصركم...﴾([114]).

إلى غير ذلك من الآيات، والجميع كما ترى تذم المشركين وتوبخهم على انهم كانوا يعبدون ما ليس له شأن من شؤون الألوهية، كالمالكية والخالقية، والربوبية.

وتدل أيضاً على هذا الآيات الحاكية لدعوة الأنبياء أقوامهم إلى عبادة الله تعالى إذ كانوا يعللون ذلك،بأن لا اله إلاّ هو فهم يستدلون على توحيد العبادة بتوحيد الألوهية يعني إذا ليس هناك اله إلاّ الله فيجب حصر العبادة فيه، قال سبحانه: ﴿... اعبدوا الله ما لكم من إله غيره...﴾([115]).

قال العلامة الطباطبائي ـ إجابة عما يقول الوهابيون أن الحلف بغير الله من الشرك ـ: «أن أراد أن في اليمين بغير الله إعظاما للمقسم به وإجلالاً لأمره ففيه نوع خضوع وعبادة له وهو الشرك، فما لك إعظام شركاً إلاّ إعطاء عظمة الربوبية المستقلة التي يستغني بها عن غيره، وإن أراد أن مطلق الإعظام كيفما كان لا يجوز في غير الله فهو مما لا دليل عليه، بل القاطع من الدليل خلافه»([116]).

(121)

براهين وحدانيته تعالى:

إلى هنا فرغنا عن البحث حول أسس التوحيد ومراحله، وتبين أن المرحلة الأولى هي الأساس لغيرها من المراحل، فالتوحيد في الربوبية والخالقية من شؤون التوحيد في الألوهية، كما أن التوحيد في العبودية نتيجة لما تقدمها من المراحل الثلاث، فينبغي أن نبحث الآن حول براهين وحدانيته سبحانه، وإذا اتضح مما تقدم البرهان على مسألة التوحيد في العبادة، فلنركز البحث هنا على التوحيد في الألوهية وتابعيه.

البرهان الأول: قال سبحانه: ﴿لو كان فيهما آلهة إلاّ الله لفسدتا...﴾([117]).

«تقرير الاستدلال بوجهين: الأول: بمني على كون المراد بفساد السماء والأرض بطلان وجودهما وعدم تحققهما رأساً فيقال: لو وجد إلهان ـ ويتصفان لا محالة بصفات الألوهية من العلم والقدرة والإرادة وغير ذلك ـ فإذا قصد إيجاد مقدور معين، فوقوعه إما أن يكون بهما فيلزم مقدوراً بين قادرين مستقلين، بمعنى استقلال كلّ منهما بإيجاده، وهو محال. وإما أن يكون بأحدهما، فيلزم الترجيح بلا مرجح، لان المقتضي للقادرية ذات الإله وللمقدورية إمكان الممكن، فنسبة الممكنات إلى الإلهين المفروضين على السوية من غير رجحان»([118]).

الثاني: «مبني على أن يكون المراد من فساد الأرض والسماء، اختلال النظم والسنن الحاكمة عليهما، فيقال: لو فرض للعالم آلهة فوق الواحد لكانوا مختلفين ذاتاً، متباينين حقيقة وتباين حقائقهم يقضي بتباين تدبيرهم فتتفاسد التدبيرات وتفسد السماء والأرض، لكن النظام الجاري نظام واحد متلائم الأجزاء في غاياتها، فليس للعالم

(122)

آلهة فوق الواحد وهو المطلوب.

فإن قلت: يكفي في تحقق الفساد ما نشاهده من تزاحم الأسباب والعلل، وتزاحمها في تأثيرها في المراد هو التفاسد.

قلت: تفاسد العلتين تحت تدبيرين غير تفاسد هما تحت تدبير واحد، ليحدد بعض أثر بعض وينتج الحاصل من ذلك، وما يوجد من تزاحم العلل في النظام من هذا القبيل، فإن العلل والأسباب الراسمة لهذا النظام العام على اختلافها، تمانعها، وتزاحمها لا يبطل بعضها فعالية بعض، يعنى أن ينتقض بعض القوانين الكلية الحاكمة في النظام ببعض، فيختلف عن مورده مع اجتماع الشرائط وارتفاع الموانع، فهذا هو المراد من إفساد مدبر عمل مدبر آخر.

بل السببان المختلفات المتنازعان حالهما في تنازعهما حال كفتي الميزان المتنازعين بالارتفاع والانخفاض، فإنهما في عين اختلافهما متحدان في تحصيل ما يريده صاحب الميزان ويخدمانه في سبيل غرضه وهو تعديل الوزن بواسطة اللسان»([119]).

«وقد سأل هشام بن الحكم من الإمام الصادق ـ عليه السلام ـ وقال: ما الدليل على أن الله واحد ؟ فأجاب الامام عنه بقوله: اتصال التدبير وتمام الصنع، كما قال عز وجل: ﴿لو كان فيهما آلهة إلاّ الله لفسدتا﴾([120]).

ربما يقال: إنهما لا يتمانعان، لأن ما يريده أحدهما يكون حكمه فيريده الآخر بعينه، والجواب: إنّ كلامنا هنا في صحة التمانع لا في وقوعه، وصحة التمانع يكفي في الدلالة لأنه يدل على أنّه لابد من أن يكون أحدهما متناهي المقدور فلا يجوز أن يكون إلها»([121]).

(123)

 البرهان الثاني: ﴿.. وما كان معه من إله إذا لذهب كلّ إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض...﴾([122]).

«في الآية حجتان على وحدانية الاله: 

إحداهما: قوله: ﴿... إذا لذهب كلّ إله بما خلق...﴾ ويه راجعة إلى برهان التمانع الذي تقدم بيانه، وحاصله: أن تعدد الإله مستلزم التدبير المؤدي إلى الاختلال في نظم العالم وفساده.

والأخرى: قوله: ﴿... ولعلا بعضهم على بعض...﴾ بيانها: أن التدابير الجارية في الكون مختلفة، منها التدابير العرضية كالتدبير ين الجاريين في البر والبحر، وفي الماء والنار، ومنها التدابير الطولية التي تنقسم إلى تدبير عام كلي حاكم وتدبير خاص جزئي محكوم، كتدبير العالم الأرضي، وتدبير النبات الذي فيه، وكتدبير العالم السماوي وتدبير كوكب من الكواكب التي في السماء وكتدبير العالم المادي برمته وتدبير نوع من الأنواع المادية.

فبعض التدبير، وهو التدبير العام الكلي يعلو بعضا، بمعنى أنّه بحيث لو انقطع عنه ما دونه بطل ما دونه لتقومه بما فوقه، كما أنّه لو لم يكن هناك عالم أرضي أو التدبير الذي يجري فيه بالعموم لم يكن عالم إنساني، ولا التدبير الذي يجري فيه بالخصوص.

 ولازم ذلك أن يكون الإله الذي يرجع إليه نوع عال من التدبير عالياً بالنسبة إلى الإله الذي فوض إليه من التدبير ما هو دونه وأخص منه وأخس، واستعلاء الإله على الإله الذي فوض إليه من التدبير ما هو دونه وأخص منه وأخس، واستعلاء الإله على الإله محال، لاستلزامه بطلان استقلال المستعلى عليه في تدبيره وتأثيره. إذ لا يجامع توقف التدبير على الغير والحاجة إليه الاستقلال، فيكون السافل منهما مستمداً في تأثيره محتاجاً فيه إلى العالي، فيكون سبباً من الأسباب التي يتوسل بها إلى تدبير ما دونه لا إلهاً مستقلا بالتأثير، فيكون ما فرض، إلهاً غير اله، بل سبباً يدبربه الأمر هذا خلف»([123]).

(124)

البرهان الثالث: ﴿قل لو كان معه آلهة كما يقولون إذاً لابتغوا إلى ذي العرش سبيلاً﴾([124]).

«قال أكثر المفسرين: معنى قوله:  ﴿... إذاً لابتغوا إلى ذي العرش سبيلاً﴾ أي لطلبوا سبيلاً إلى معازة مالك العرش ومغالبته ومنازعته فإن المشتركين في الإلهية يكونان متساويين، في صفات الذات، ويطلب أحدهما مغالبة صاحبه ليصفو له الملك»([125]).

«وبعبارة أخرى: الذي يقول به المشركون أن هناك آلهة دون الله يتولون جهات التدبير في العالم على اختلاف مراتبهم، والواحد منهم رب لما يدبره، كإله السماء وإله الأرض، وإله الحرب، وإله قريش.

وإذا كانوا شركاء من جهة التدبير لكل واحد منهم الملك على حسب ربوبيته والملك من توابع الخلق الذي يختص به سبحانه حتّى على معتقدهم، كان الملك مما يقبل في نفسه أن يقوم به غيره تعالى ـ وحب الملك والسلطنة ضروري لكل موجود ـ كانوا بالضرورة طالبين أن يتنازعوه في ملكه وينتزعوه من يده حتّى ينفرد الواحد منهم بالملك والسلطنة ويتعين بالعزة والهيمنة تعالى الله عن ذلك.

ونقل عن بعض قدماء المفسرين كمجاهد وقتادة، أن المراد من ابتغائهم سبيلا إلى ذي العرش طلبهم التقرب والزلفى منه لعلوه عليهم، وتقريب الحجة: أنّه لو كان معه آلهة كما يقولون لطلبوا التقرب منه تعالى والزلفى لديه لعلمهم بعلوه وعظمته، والذي كان حاله هذا الحال لا يكون إلها فليسوا بآلهة.

ولا يتلاءم مع قوله بعد ذلك ﴿سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيراً﴾ فإنه ظاهر في أن لقولهم في ثبوت الآلهة المستلزم لابتغائهم سبيلاً إلى الله محذوراً عظيماً لا تحتمله ساحة العظمة والكبرياء مثل كون ملكه في معرض ابتغاء سبيل إليه وتهاجم غيره

(125)

عليه»([126]).

فهذه براهين ثلاثة أقامها القرآن لإثبات وحدانيته تعالى من الألوهية وما يتفرع عليها من الخالقية والربوبية.

ثمرات التوحيد: 

الإيمان بالله تعالى وحده بجميع مراتب التوحيد هو الأساس لسعادة الإنسان في الدارين، فما من خير وبركة وأمن وسلامة، وكمال وسعادة إلاّ وهو نابع عن التوحيد الكامل، يقول سبحانه: ﴿الّذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون﴾([127]).

﴿إنّ الّذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة إلاّ تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون﴾([128]).

﴿الله ولي الّذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور...﴾([129]).

﴿الّذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله...﴾([130]).

﴿الّذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب﴾([131]).

﴿إنّ الله يدافع عن الّذين آمنوا...﴾([132]).

﴿... وإن الله الهادي الّذين آمنوا...﴾([133]).

﴿... وما عند الله خير وأبقى للذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون﴾([134]).

(126)

﴿واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا...﴾([135]).

إلى غير ذلك من الآيات المبينة لثمرات الإيمان وآثاره المباركة في حياة الإنسان الفردية والاجتماعية والدنيوية والاخروية، يطلب الباحث عنها مجالاً آخر.

«روى الصدوق بإسناده عن معاذ بن جبل قال: كنت رديف النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ فقال: يا معاذ هل تدري ما حق الله ـ عز وجل ـ على العباد ؟ ـ بقولها ثلاثاً ـ قلت: الله ورسوله أعلم، فقال رسول الله: حق الله ـ عز وجل ـ على العباد أن لا يشركوا به شيئاً، ثم قال ـ صلى الله عليه وآله ـ: هل تدري ما حق العباد على الله ـ عز وجل ـ إذا فعلوا ذلك ؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: إنّ الله لا يعذبهم، أو قال أن لا يدخلهم النار»([136]).

«وروى بإسناده عن علي ـ عليه السلام ـ في قول الله ـ عز وجل ـ ﴿هل جزاء الإحسان إلاّ الإحسان﴾([137]). قال علي ـ عليه السلام ـ: سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ يقول: إنّ الله ـ عز وجل ـ قال: ما جزاء من أنعمت عليه بالتوحيد إلاّ الجنة»([138]).

«وروى بإسناده عن زيد بن أرقم عن النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ قال: من قال لا اله إلاّ الله مخلصا دخل الجنة، وإخلاصه أن تحجزه لا إله إلاّ الله عما حرم الله عز وجل »([139]).

الفصل الثاني: في الشرك

الشرك اسم من شرك واشرك، جمعه اشراك، ويجيء بمعنى النصيب ومنه قوله تعالى ﴿... وما لهم فيهما من شرك...﴾([140]). والشركة اختلاط النصيبين وخلط الملكين

(127)

فصاعداً، وقيل هو أن يوجد شيء لائنين فصاعداً، عيناً كان ذلك الشيء أو معنى، كمشاركة الإنسان والفرس في الحيوانية، والشريك المشارك جمعه شركاء، وأشرك فلان بالله أي جعل له شريكا.

 

الشرك يقابل الحنيفية:

ويؤكد القرآن في كثير من آياته أن الشرك يقابل الحنيفية التي كان عليها إبراهيم الخليل ـ عليه السلام ـ وهي التي فطر الله الناس عليها، والحنيف في اللغة في مقابل الجنيف بمعنى المائل إلى الاستقامة، وعلى هذا، فالتوحيد قائم على منهج الاستقامة والاعتدال وتقتضيه الفطرة الإنسانية السليمة، والشرك خارج عنه، مائل إلى الجنف والاعوجاج في العقيدة والعمل، يقول سبحانه:

1 ـ ﴿ما كان إبراهيم يهودياً ولا نصرانياً، ولكن كان حنيفاً مسلماً وما كان من المشركين﴾([141]).

2 ـ ﴿قل صدق الله فاتبعوا ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين﴾([142]).

3 ـ ﴿إني وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين﴾([143]).

4 ـ ﴿قل إنني هذاني ربي إلى صراط مستقيم، ديناً قيماً ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين﴾([144]).

5 ـ ﴿وأن اقم وجهك للدين حنيفاً ولا تكونن من المشركين﴾([145]).

(128)

6 ـ ﴿إنّ إبراهيم كان أمة فأنتا لله حنيفا لوم يك من المشركين﴾([146]).

7 ـ ﴿ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين﴾([147]).

8 ـ ﴿حنفاء لله غير مشركين به...﴾([148]).

المشرك ساقط عن الإنسانية وآيس من الرحمة الإلهية:

ويركز القرآن أيضاً على أن المشركين لا برهان لهم، مع أن التوحيد ـ مضافاً إلى أنّه مما تقتضيه الفطرة الإنسانية ـ قامت عليه براهين عقلية واضحة ـ كما عرفت في الفصل السابق ـ فالإشراك بالله تعالى خروج عن مقتضى الفطرة ومخالف لحكم العقل وطريق مظلم لا عاقبة لسالكه إلاّ الضلالة والشقاء المؤبد يقول سبحانه: 

﴿...أإله مع الله ؟ قال: هاتوا برهانكم إنّ كنتم صادقين﴾([149]).

﴿ومن يدع مع الله إلهاً آخر لا برهان له...﴾([150]).

﴿... ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالاً بعيداً﴾([151]).

﴿... من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار...﴾([152]).

 والله سبحانه يشبه المشرك في شركه وسقوطه به من أعلى درجات الإنسانية إلى هاوية الضلال فيصيده الشيطان، بمن سقط من السماء فتأخذه الطير، حيث يقول: ﴿... ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير...﴾ وفي تشبيه آخر يقول: ﴿... أو تهوي به الريح في مكان سحيق...﴾([153]).

فالمشرك في غاية البعد عن طريق الفطرة ومنهج العقل وشؤون الإنسانية،

(129)

فالمشرك يظلم نفسه كما أنّه يظلم خالقه ومولاه العظيم ظلما عظيما يقول سبحانه: ﴿وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه: يا بني لا تشرك بالله إنّ الشرك لظلم عظيم([154]).

والمشرك إذا مات على شركه يحرم من أسباب المغفرة الإلهية كالشفاعة ونحوها، يقول سبحانه: 

﴿إنّ الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء...﴾([155]).

أقسام الشرك ومظاهره: 

الشرك أما يتعلق بالعقيدة وأما بالعمل والأول على ثلاثة أقسام: 

1 ـ الشرك في الألوهية.

2 ـ الشرك في الخالقية.

3 ـ الشرك في الربوبية.

والثاني هو الشرك في العبادة والطاعة وينقسم إلى جلي، وخفي. فالأول: هو المبحوث عنه في الكلام والفقه، والثاني: يقع البحث عنه في علم الأخلاق، والقرآن الكريم تعرض للبحث عن جميع هذا الأقسام في جملة من آياته، واليك البيان: 

1 ـ الشرك في الألوهية: 

من اعتقد بأن هناك موجوداً سوى الله سبحانه، واجداً لنعوت الألوهية، قائماً بذاته، مستقلاً في وجوده وكمالات وجوده، فقد اشرك بالله تعالى في الوهيته، وحكي التصريح هذا عن قوم وطائفة من الوثنيين من أن للشر خالقاً وراء خالق الخير، وهو قديم ليس بحادث ولا مخلوق، وسيوافيك البحث عنه في الشرك في الخالقية.

(130)

ومع ذلك فهذا الشرك لازم للقائلين بأن الله سبحانه يحل في بدن بعض الأشخاص أو يتحد به، كما يحكى عن النصارى وبعض المتصوفة والقرآن الكريم يكفر النصارى في اعتقادهم في الله تعالى وينسب إليهم القول بألوهية المسيح ـ عليه السلام ـ إذ يقول: ﴿لقد كفر الّذين قالوا إنّ الله هو المسيح ابن مريم...﴾([156]).

﴿لقد كفر الّذين قالوا إنّ الله ثالث ثلاثة...﴾([157]).

ويؤيد ذلك ما حكاه عنهم أصحاب الملل والنحل في أمر المسيح ـ عليه السلام ـ، يقول الشهرستاني: «فلما رفع المسيح إلى السماء اختلف الحواريون وغيرهم فيه، وإنّما اختلافهم يعود إلى أمرين: 

أحدهما: كيفية نزوله واتصاله بأمة وتجسد الكلمة.

والثاني: كيفية صعوده واتصاله بالملائكة وتوحد الكلمة.

أما الأول: فأنهم قضوا بتجسيد الكلمة ولهم في كيفية الاتحاد والتجسيد كلام: فمنهم من قال: «اشرق على الجسد اشراق النور على الجسم المشف»، ومنهم من قال: «انطبع فيه انطباع النقش في السمع» ومنهم من قال: «ظهر به ظهور الروحاني بالجسماني »، ومنهم من قال: «تدع اللاهوت بالناسوت»، ومنهم من قال: «مازجت الكلمة جسد المسيح ممازجة اللبن الماء، والماء اللبن».

واثبتوا لله تعالى أقانيم ثلاثة، قالوا: البارئ تعالى جوهر واحد، يعنون به القائم بالنفس(لا التحيز والحجمية) فهو واحد بالجوهرية ثلاثة بالاقنومية ويعنون بالأقانيم الصفات، كالوجود والحياة والعلم وسموها: الاب والابن وروح القدس وإنّما العلم تدرع وتجسد دون سائر الاقانيم.

ثم افترقت النصارى اثنتين وسبعين فرقة، وكبار فرقهم ثلاث: الملكانية

(131)

والنسطورية، واليعقوبية.

اليعقوبية قالوا: «انقلبت الكلمة(العلم) لحماً ودماً فصار الاله هو المسيح وهو الظاهر بتجسده، بل هو هو » وعنهم اخبرنا القرآن الكريم: ﴿لقد كفر الّذين قالوا إنّ الله هو المسيح ابن مريم...﴾، والمكانية قالوا: «أن الكلمة اتحدت بجسد المسيح وتدرعت بناسوته»، ويعنون بالكلمة: اقنون العلم، ويعنون بروح القدس: اقنوم الحياة، ولا يسمون العلم قبل تدرعه ابناً، بل المسيح مع ما تدرع به ابن، فقال بعضهم: «إنّ الكلمة ما زجت جسد المسيح كما يمازج الخمر أو الماء أو اللبن ».

وصرحت الملكانية بان الجوهر غير الاقانيم، وذلك كالموصوف والصفة وعن هذا صرحوا بالتثليث واخبر عنهم القرآن: ﴿لقد كفر الّذين قالوا إنّ الله ثالث ثلاثة..﴾([158]).»

وقد ابطل القرآن نظرية التثليث والاعتقاد بألوهية المسيح ـ عليه السلام ـ تارة بأنه جرى في حياته على ما جرى عليه غيره من أبناء جلدته فكان يجوع ويشبع ويأكل ويشرب، يعرض له التعب والراحة. إلى غير ذلك من حالات الإنسان قال سبحانه: ﴿لقد كفر الّذين قالوا إنّ الله ثالث ثلاثة وما من إله إلاّ الله ﴾ إلى أن قال: ﴿ما المسيح ابن مريم إلاّ رسول قد خلت من قبله الرسل وأمة صديقة كانا يأكلان الطعام، انظر كيف نبين لهم الآيات ثم انظر أنى يؤفكون﴾([159]). وقد خص أكل الطعام من بين جميع الأفعال بالذكر لكونه من أحسنها دلالة على المادية واستلزاما للحاجة والفاقة المنافية للألوهية.

وأخرى بما كان يفعله من الدعاء والعبادة لله تعالى، قال سبحانه: ﴿لن يستنكف المسيح أن يكون عبداً لله ولا الملائكة المقربون...﴾([160]). فعبادة المسيح أول دليل على أنّه ليس بإله، وأن الألوهية لغيره لا نصيب له فيها، فأي معنى لنصب الشيء نفسه في مقام

(132)

العبودية والمملوكية لنفسه ؟

هذا مضافاً إلى أن المسيح ـ عليه السلام ـ كان يدعو بني إسرائيل إلى عبادة الله سبحانه معللاً ذلك بأن الله ربه وربهم جميعاً، قال تعالى ﴿لقد كفر الّذين قالوا إنّ لله هو المسيح ابن مريم، وقال المسيح: يا بني إسرائيل، اعبدوا الله ربي وربكم إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة...﴾([161]).

والاناجيل مشحونة بأن الروح طائع لله ورسله، مؤتمر للأمر، محكوم بالحكم ولا معنى لأمر الشيء نفسه ولا لطاعته لذاته، ولا لانقياده وائتماره لمخلوق نفسه.

وإنّما مشحونة أيضاً بدعوته إلى الله سبحانه، وهي وان لم تشتمل على هذا اللفظ الجامع في القرآن ﴿اعبدوا الله ربي وربكم﴾ لكنها مشتملة على الدعوة إلى عبادة الله، وعلى اعترافه بأنه ربه الذي بيده زمام أمره وعلى اعترافه بأنه رب الناس، ولا تتضمن دعوته إلى عبادة نفسه ولا مرة مع ما فيها من قوله: «أنا وابي واحد نحن»([162]) فمن الواجب أن يحمل ـ على تقدير صحته ـ على أن المراد: أن إطاعتي إطاعة الله كما قال تعالى في كتابه الكريم: ﴿من يطع الرسول فقد أطاع الله...﴾([163]).

2 ـ الشرك في الخالقية:

لم يحكم القرآن عن الأمم السالفة انحرافاً في مسألة الخالقية وإشراكاً فيها، والآيات الحاكية لعقائد المشركين في عصر الرسالة تنص على انهم كانوا مقرين بأن الخالقية منحصرة في الله سبحانه، كما يقول: 

﴿ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله...﴾([164]).

(133)

﴿ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله فأنى يؤفكون﴾([165]).

﴿ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن خلقهن العزيز العليم﴾([166]).

الإجابة عن شبهة الثنوية: 

قد اشتهر في كتب العقائد والملل أن الثنوية والمجوس كانوا قائلين بخالقين، خالق الخير ويسمى بـ «يزدان» أو النور، وخالق الشر ويسمى بـ «اهرمن» أو الظلمة يقول الشهرستاني: «أن التثنية اختصت بالمجوس حتّى اثبتوا اصلين اثنين، مدبرين قديمين، يقتسمان الخير والشر، والنفع والضر، والصلاح والفساد، يسمون أحدهما: النور، والآخر:  الظلمة وبالفارسية: يزدان وهرمن ـ إلى أن قال: ـ إلاّ أن المجوس الأصلية زعموا أن الاصلين لا يجوز أن يكونا قديمين ازليين، بل النور ازلي، والظلمة ازليان قديمان بخلاف المجوس، فإنهم قالوا بحدوث الظلام، وهؤلاء قالوا بتساويهما في القدم»([167]).

ومنشأ شبهة الثنويين أن الحوادث التي نشاهدها في عالم الطبيعة على قسمين: ما تكون نافعة لحياة الإنسان وتسمى خيراً، وما تكون ضارة لها وتسمى شراء وهما متقابلان متضادان لا يصح استنادهما إلى مبدئ واحد، للزوم السنخية بين الفعل وفاعله، وإذا كان الله تعالى خيراً محضاً في ذاته فلا يصح استناد الشرور إليه، فهناك مبدئ آخر يصدر عنه الشرور.

وقد أجيب عن شبهتهم بأن ماهية الشر عدمية ووصف الشرية للحوادث المؤلمة ليست من الأوصاف الوجودية الثابتة لها في نفسها، وإنّما هي تنتزع عند أضافتها إلى الإنسان فللذئب ـ مثلا ـ صفات وجودية وأجهزة حيوية هي من لوازم نوعيته لازمة له

(134)

في حياته تعد خيراً له، وإنّما يأتي حديث الشرية إذا قيس إلى الإنسان وتضرره به، وهذا وصف انتزاعي لا واقعية له وراء واقعية منشأ انتزاعه.

ومن الواضح أن الذي يحتاج إلى الجاعل هو الوجود النفسي للأشياء، لا ما يتأخر عن وجودها وينتزع في ظرف الإضافة والمقايسة.

فإن قلت: كون الشر عدماً أو أمراً إضافياً لا ينافي كونه من الأمور الواقعية والمشهور عند الفلاسفة أن لاعدام المضاف حظا من الواقعية.

قلت: نعم، ولكن هي تابعة في الجعل لمناشئ انتزاعها، فالمجعول بالحقيقة من الأشياء هي وجوداتها النفسية، وأما الوجودات الاضافية فهي مجعولة بالتبع أو بالعرض، والمفروض أن وجوداتها النفسية خيرات لاشرية فيها أذن لا حاجة إلى جاعل آخر وراء جاعل الخيرات([168]).

3 ـ الشرك في الربوبية: 

«يظهر بالتدبر في آيات الكتاب المبين أن الشرك في الربوبية كان شائعاً بين الأقوام السالفة، فعلى الرغم من إقرارهم باختصاص الخالقية بالله سبحانه، كانوا معتقدين بأرباب متعددة ويحسبون أن الله تعالى رب الأرباب فهذا إبراهيم ـ عليه السلام ـ يركز في احتجاجاته مع المشركين في عصره على أبطال ربوبية الكواكب، وغيرها مما كانوا يعبدونها قال تعالى: 

﴿فلما جن عليه الليل رأى كوكباًَ قال: هذا ربي فلما أفل، قال: لا أحب الآفلين * فلما رأى القمر بازغاً، قال: هذا ربي فلما افل، قال: لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين * فلما رأى الشمس بازغة، قال: هذا ربي هذا أكبر، فلما أفلت قال: يا قوم إني بريء مما تشركون﴾([169])

(135)

ويحكي سبحانه احتجاجه مع نمرود، ويقول: ﴿ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك، إذ قال إبراهيم: ربي الذي يحيي ويميت، قال: أنا أحيي وأميت، قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب، فبهت الذي كفر، والله لا يهدي القوم الظالمين﴾([170]).

فظاهر السياق أن نمرود كان يدعي لنفسه الربوبية فقام إبراهيم ـ عليه السلام ـ بالاحتجاج عليه وأبطال دعواه، بأن للرب شؤوناً من الإحياء والأمانة والتصرف في عالم التكوين بما يشاء ونمرود وإن تمكن من التمويه والتغليط في مسألة الأحياء والأمانة، ولكن عجز عن ذلك فيما احتج عليه إبراهيم ـ عليه السلام ـ من أن ربه هو الذي يأتي بالشمس من المشرق، فإن يصدق هو في دعوى الربوبية فليأت بها من المغرب، فبهت الذي كفر. ومما يدل على الشرك في الربوبية ما يحكيه القرآن عن يوسف ـ عليه السلام ـ من كلامه لصاحبيه في السجن، حيث قال: ﴿يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار﴾([171]).

ويدل على ذلك أيضاً ما يقصه القرآن من دعوى فرعون حيث كان يقول: ﴿أنا ربكم الأعلى﴾([172])، ومن هنا حين جاء موسى وهارون إليه وقالا له انهما رسولان من الرب المتعال، ﴿قال: فمن ربكما يا موسى؟﴾ وأجابه موسى و﴿قال ربنا الذي أعطى كلّ شيءٍ خلقه ثم هدى﴾([173]).

فقول فرعون(فمن ربكما) ليس إنكار لوجود خالق الكل وإنّما هو طلب منه للمعرفة بحال من اتخذاه إلها ورباً، فهو يقدر ولو كتقدير المتجاهل أن موسى وأخاه يدعوانه إلى بعض الإلهة التي يتخذ فيما بينهم ربا من دون الله، فيسأل عنه»([174]).

(136)

ويدل على ذلك أيضاً ما يحكيه القرآن عن المشركين يوم القيامة إذ يختصمون ويقولون: ﴿تالله إنّ كنا لفي ضلال مبين * إذ نسويكم برب العالمين﴾([175]).

ومما يشعر بذلك قوله سبحانه: ﴿ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة، ثم يقول للناس كونوا عباداً لي من دون الله ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون * ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أرباباً أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون؟﴾([176]).

موقف المشركين في عصر الرسالة في الربوبية: 

الآيات النازلة في هذا المجال على طائفتين: طائفة منها تنص على أن المشركين في عصر الرسالة كانوا معترفين بتوحيد الربوبية كاعترافهم بتوحيد الخالقية، وطائفة أخرى أنهم كانوا مشركين في الربوبية.

فمن الطائفة الأولى الآيات التالية: 

﴿قل من يرزقكم من السماء والأرض، أمن يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت، ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر ؟ فسيقولون الله...﴾([177]).

﴿ولئن سألتهم من نزل من السماء ماء فأحيا به الأرض بعد موتها ؟ ليقولن الله﴾([178]).

﴿قل من رب السموات السبع ورب العرش العظيم ؟ * سيقولون لله، قل: أفلا تتقون * قل من بيده ملكوت كلّ شيءٍ وهو يجير ولا يجار عليه إنّ كنتم تعلمون ؟ سيقولون لله، قل: فأنى تسحرون﴾([179]).

(137)

ومن الطائفة الثانية الآيات التالية: 

1 ـ ﴿قل من رب السموات والأرض ؟ قل: الله، قل: أفاتخدتم من دونه أولياء لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضراً، قل هل يستوي الأعمى والبصير؟ أم هل تستوي الظلمات والنور ؟ أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم ؟ قل: الله خالق كلّ شيءٍ وهو الواحد القهار﴾([180]).

الآية تركز على بطلان مذهب المشركين في اعتقادهم بأن هناك أولياء غير الله تعالى وهي مشتملة على الفقرات التالية: 

ألف: يأمر الله سبحانه نبيه الأكرم ـ صلى الله عليه وآله ـ بأن يسأل المشركين من رب السموات والأرض ثم يأمره بأن يجيب نفسه بأنه هو الله تعالى، فالمجيب كالسائل هو النبي، لا المشركون.

ب: استفهام توبيخي يؤنب المشركين فيما اتخذوا من الأولياء الّذين لا يملكون نفعا ولا ضرا لأنفسهم فضلاً عن كونهم مالكين لنفع أو ضر لغيرهم.

ج ـ تنبيه تمثيلي للمشركين في بطلان عقيدتهم في أمر الأولياء غير الله،فبالنظر إلى الدلائل الواضحة لتوحيد الولاية كان الموحد هو البصير والمشرك هو الأعمى، كما أن طريق التوحيد نور، وسبيل الشرك ظلمات.

د: برهان آخر على بطلان الاعتقاد بولاية غيره تعالى، فإن الولاية من شؤون الخالقية، وإذ لا خالق إلاّ الله فهو الولي دون غيره.

والحاصل أن الظاهر من الآية أن المشركين كانوا معتقدين بولاية معبوداتهم في عرض ولاية الله، وانهم يملكون نفعاً وضراً لمن يعبدهم، وهذا من شؤون الربوبية.

2 ـ ﴿قل أغير الله أبغي ربا وهو رب كلّ شيءٍ...﴾([181]).

(138)

ظاهر الآية أن هناك من المشركين من كان يعتقد بربوبية غيره سبحانه، وأنهم كانوا يقترحون على النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ أن يوافقهم في ذلك.

3 ـ ﴿واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزا﴾([182]) فكان الداعي للمشركين فيما اتخذوه من الالهة حصولهم على عزة واقتدار فكانت الالهة بزعمهم مالكين للعزة والاقتدار، ويرده القرآن بقوله:(إنّ العزة لله جميعاً).

4 ـ يدل على هذا جميع الآيات الناهية عن عبادة غيره تعالى والمخطئة للمشركين فيما كانوا يدعون من دون الله، معللة في ذلك بأنهم لا يملكون نفعاً ولا ضراً، ولا ذرة من أمر التدبير: ﴿قل: ادعوا الّذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة في السموات والأرض، وما لهم فيهما من شرك وماله منهم من ظهير﴾([183]).

ومن الشواهد التاريخية لذلك أن بدعة الشرك وعبادة الأصنام في الجزيرة العربية نشأت من عمرو بن لحي فإنه في سفره إلى نواحي الشام رأى الناس يعبدون الاصنام، فسألهم عن ذلك فأجابوه بأنهم يستعينون بها في حل مشاكلهم، فاستحسنه عمرو، فأخذ منهم أصناماً واتى بها إلى الحجاز، ووضع صنماً باسم هبل على الكعبة ودعا الناس إلى عبادته([184]).

فظاهر هذا النقل أن عبادة الأصنام في مكة كانت بداعي الاستعانة بها في حل المصاعب في حياتهم، وهذا اعتقاد بنوع من الربوبية.

نقلت عن بعض شعراء الجاهلية بعد تشرفه بالإسلام أبيات تدل على أن المشركين كانوا معتقدين بربوبية آلهتهم، وهي:

«أرباً واحداً أم ألف رب ادين إذا تقسمت الأمور

(139)

عزلت اللات والعزى جميعا كذلك يفعل الجلد الصبور

ولكن أعبد الرحمن ربي ليغفر ذنبي الرب الغفور»([185]).

ومن المشهور أن ثعلباً بال على صنم لبعض المشركين، فقيل في ذلك:

«أرب يبول الثعلبان برأسه لقد ذل من بالت عليه الثعالب»([186]).

وجه الجمع بين الآيات:

ويمكن أن يقال في وجه الجمع بين الطائفتين: أن الربوبية على قسمين ربوبية كلية تتعلق بالقوانين العامة الجارية في العالم كالإحياء والاماته وحركة الشمس والقمر والليل والنهار، ونزول المطر ونحو ذلك فهم كانوا معترفين باختصاصها بالله الخالق سبحانه، وربوبية جزئية تتصل ببعض ما للإنسان من الشؤون الحيوية كالظفر، والغلبة والسلامة وكثرة الرزق ونحو ذلك، فكانوا مشركين في هذه المجالات. قال العلامة السيد محسن الأمين: «انهم وان اعتقدوا أن الرازق، الخالق، المحيي، المميت، المدبر للأمر، الملك لما في السموات والأرض، هو الله كما دلت عليه الآيات التي ذكرها(يعني محمّد بن عبد الوهاب ) إلاّ أن لا شيء يدلنا على أنهم لا يعتقدون في الأصنام والأوثان ومعبوداتهم من الجن والأنس والملائكة أنّه لا تأثير لها في الكون وأن التأثير وحده لله تعالى وهي شافعة فطق إذ يجوز أن يعتقدوا أن لها تأثيرا بنفسها بغير ما في الآيات المستشهد بها، فتشفي المرضى وتنصر على الأعداء وتكشف الضر وغير ذلك، وأنها تشفع عند الله حتما ولا يرد شفاعتها، أو أن الله تعالى جعل لها قسطا من التأثير أو كله إليها، بل ظاهر الآيات هو ذلك مثل قوله تعالى: ﴿قل ادعوا الّذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر

(140)

عنكم ولا تحويلا﴾([187]).

وظاهر قوله تعالى حكاية عن أهل جهنم: ﴿قالوا وهم فيها يختصمون: تالله إنّ كنا لفي ضلال مبين، إذا نسويكم برب العالمين ﴾([188]).اعتقادهم أنها مساوية لرب العالمين وان لم يكن مع جميع الوجوه بل يخرج عنه الأمور المذكورة في الآيات المستشهد بها في كلام ابن عبد الوهاب، وذلك كاف في الشرك والكفر.

وذلك أيضاً ظاهر جميع الآيات الدالة على اتخاذهم آلهة من دون الله وشركاء لله ونحو ذلك»([189]).

وقد اتضح بما تقدم عدم صحة ما يدعيه الوهابيون من أن الشرك في تاريخ الأمم كان منحصراً في الشرك في العبادة وأن الأنبياء إنّما أرسلوا إلى الناس، ليدعوهم إلى التوحيد في العبادة، وقد جعلوا هذا أصلاً في رمي سائر المسلمين إلى الشرك فيما يفعلونه في التبرك بقبور الأنبياء والصلحاء، والتوسل بهم، ونحو ذلك، فإن هذه الأفعال تشابه ما كان المشركون في عصر الرسالة يفعلونها لآلهتهم، مع إقرارهم بتوحيد الربوبية وغيرها تكذبها، وقد بينا عند البحث عن التوحيد في العبادة، أن حقيقة العبادة ليست هي الأعمال الخضوعية بظاهرها وصورتها، بل التي تحقق بها العبادة هو الاعتقاد بألوهية المخضوع له أو ربوبيته.

4 ـ الشرك في العبادة والطاعة: 

قد بينا فيما سبق معنى العبادة وقلنا أنها خضوع وتذلك ناشئ عن الاعتقاد بألوهية المخضوع له وربوبيته فيمن خضع لغيره سبحانه بأي خضوع كان فقد أشرك بالله تعالى في معبوديته، وللشرك في العبادة مراتب في الظهور والخفاء واظهر مراتبه وأجلاها عبادة

(141)

الأصنام ونحوها على ما كان معهوداً بين المشركين في عهد الأنبياء عموماً، ونبينا ـ صلى الله عليه وآله ـ خصوصاً وهذا القسم هو المصطلح في كتب الكلام والفقه، والآيات الآمرة بإخلاص العبادة لله تعالى والناهية عن الشرك فيها كثيرة جداً وقد أشرنا إلى نماذج منها عند البحث عن التوحيد في العبادة، ونكتفي هذا بذكر آية منها وهي قوله سبحانه: ﴿وقضى ربك إلاّ تعبدوا إلاّ إياه...﴾([190])

ومن مراتب الشرك في العبادة، الإطاعة لمن لم يجب طاعته من الله تعالى، واليه يشير قوله سبحانه: ﴿ألم أعهد إليكم يا بني آدم ألا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين...﴾([191])، والمراد بعبادة الشيطان طاعته فيما يوسس ويأمر به، وقيل: المراد بعبادته عبادة الالهة من دون الله وإنّما نسبت إلى الشيطان لكونها بتسويله وتزيينه، وهو تكلف غير موجب([192]).

وقال سبحانه: ﴿أقرأيت من اتخذ إلهه هواه...﴾([193]) أي انقاد لهواه انقياده للاله، لا أنّه اعتقد بألوهية هواه واستحقاقه للعبادة.

وقال سبحانه: ﴿اتخذوا أحبارهم ورهبانهم ارباباً من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلاّ ليعبدوا إلهاً واحداً لا إله إلاّ هو سبحانه عما يشركون﴾([194]).

واتخاذهم الأحبار والرهبان أرباباً من دون الله هو إصغاؤهم لهم وأطاعتهم من غير قيد وشرط، ولا يطاع كذلك إلاّ الله سبحانه، قوله: ﴿وما أمروا إلاّ ليعبدوا إلهاً واحداً لا إله إلاّ هو...﴾ جملة حالية، أي اتخذوهم أرباباً والحال هذه، ففي الكلام دلالة أولاً: على أن الاتخاذ بالربوبية بواسطة الطاعة كالاتخاذ بها بواسطة العبادة، فالطاعة إذا

(142)

كانت بالاستقلال كانت عبادة، ولازم ذلك أن الرب الذي هو المطاع من غير قيد وشرط وعلى نحو الاستقلال اله، فإن الإله هو المعبود الذي من حقه أن يعبد، يدل على ذلك كله قوله تعالى: ﴿وما أمروا إلاّ ليعبدوا إلها واحداً﴾ حيث بدل الرب بالإله، وكان مقتضى الظاهر أن يقال: وما أمروا ألا ليتخذوا رباً واحداً، فالاتخاذ للربوبية بواسطة الطاعة المطلقة عبادة، واتخاذ الرب معبوداً اتخاذ له إلهاً. وثانياً: على أن الدعوة عبادة الله وحده فيما وقع من كلامه تعالى كقوله تعالى: ﴿لا إله إلاّ أنا فاعبدون ﴾([195]) وقوله: ﴿فلا تدع مع الله إلها آخر...﴾([196]) وأمثال ذلك، كما أريد بها قصر العبادة بمعناها المتعارف عليه تعالى كذلك، أريد قصر الطاعة عليه تعالى، وذلك أنّه تعالى لم يؤاخذهم في طاعتهم لأحبارهم ورهبانهم إلاّ بقوله عز من قائل: ﴿... وما أمروا إلاّ ليعبدوا إلهاً واحداً لا إله إلاّ هو...﴾([197]).

روى الكليني بإسناده عن الصادق ـ عليه السلام ـ: في قوله عز وجل: ﴿اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله...﴾ فقال: «أما والله ما دعوهم إلى عبادة أنفسهم ولو دعوهم إلى عبادة أنفسهم لما أجابوهم، ولكن حللوا لهم حراماً وحرموا عليهم حلالاً فعبدوهم من حيث لا يشعرون»([198])

وفي هذا المعنى عدة روايات رواها العياشي في تفسيره([199]) وفي بعضها جاء «ولكنهم أطاعوهم في معصية الله» وروي هذا المعنى في الدر المنثور عن عدة من أصحاب الطرق عن حذيفة.

وعلى هذا الأساس فكل معصية صدرت من الإنسان فهي شعبة من الشرك، فإن

(143)

العاصي أطاع الشيطان ونفسه الأمارة بالسوء ومن أمره بذلك ودعا إليه وهذا الشرك هو الشرك الخفي المبحوث عنه في كتب الأخلاق ولعله إليه يشير قوله سبحانه: ﴿وما يؤمن أكثرهم بالله إلاّ وهم مشركون﴾([200]) فقال الإمام الصادق ـ عليه السلام ـ في تفسير الآية: «يطيع الشيطان من حيث لا يعلم فيشرك»([201]).

كلّ رياء شرك:

ومن أقسام الشرك الخفي الرياء في العبادة فإنه إشراك غيره تعالى فيها، واليه يشير قوله سبحانه: ﴿فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً﴾ فقد ورد في روايات الفريقين تفسير الشرك فيها بالرياء في العبادة.

ففي الدر المنثور عن أبي حاتم عن سعيد بن جبير، قال النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ: أن ربكم يقول: أنا خير شريط فمن أشرك معي في عملي أحداً من خلقي تركت العمل كله له، لوم أقبل إلاّ ما كان لي خالصاً، ثم قرأ النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ:

﴿فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً﴾([202]).

وفيه اخرج احمد وابن أبي الدنيا وابن مردو يه والحاكم، والبيهقي عن شداد بن أوس قال: سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ يقول: من صلى يرائي فقد أشرك، ومن صام يرائي فقد أشرك، ومن تصدق يرائي فقد أشرك، ثم قرأ: ﴿فمن كان يرجو لقاء ربه...﴾([203]).

وفي تفسير العياشي عن علي بن سالم عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ قال: قال الله تبارك وتعالى: أنا خير شريط من أشرك بي في عمله لم اقبله إلاّ ما كان لي خالصاً([204]).

(144)

وفي الكافي عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ: «كلّ رياء شرك، أنّه من عمل للناس كان ثوابه على الناس، ومن عمل لله كان ثوابه على الله »([205]).

وفيه عنه ـ عليه السلام ـ في قوله الله عز وجل: ﴿فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً ﴾ قال: الرجل يعمل شيئاً من الثواب لا يطلب به وجه الله، إنّما يطلب تزكية الناس يشتهي ان يسمع به الناس، فهذا الذي أشرك بعبادة ربه([206]).

وزبدة المقال: أن من أطاع غير الله سبحانه باعتقاد أن له نصيباً من الألوهية والربوبية كان من الشرك الجلي يحرم ذبيحته وزواجه ونحو ذلك من الأحكام المذكورة في علم الفقه، ولكن لو أطاع لا بهذا الاعتقاد وكان في معصية الله تعالى كان من الشرك الخفي، كما أنّه لو أتى بعمل عبادي رياء كان أيضاً من شعب الشرك الخفي.

واما الإطاعة لمن يدعو إلى الله سبحانه فهو أمر مستحسن عقاً وشرعاً، ويدور أمرها بين الوجوب والندب، قال سبحانه: ﴿من يطع الرسول فقد أطاع الله...﴾([207])

وكذلك الخضوع والتذلل في مقابل غيره سبحانه، فإن كان ناشئاً عن الاعتقاد بأن للمخضوع له نصيباً من الألوهية والربوبية، كان شركاً يقابل التوحيد في أول مراتبه(الشرك الجلي) وأن لم يكن كذلك، وكان ما يخضع به لغيره تعالى منهياً عنه كالسجود في الشريعة المحمدية كان محرماً من أقسام الشرك الخفي، وأن كان المخضوع له ممن يجب أو يحسن تعظيمه وتكريمه، كالقرآن الكريم، والكعبة المشرفة والأنبياء، وأولياء الله، كان ذلك الخضوع ممدوحاً، وفي غير ذلك يدور أمره بين كونه عملاً عقلائياً أو سفهياً، وليس من الشرك في شيء.

وبهذا الضباط في الشرك في العبادة والطاعة يظهر ما في مذهب الوهابية من الخبط

(145)

والوهن، حيث رموا أكثر المسلمين بالشرك فيما يأتون به من الأفعال الخضوعية للنبي الأكرم ـ صلى الله عليه وآله ـ وأهل بيته المعصومين والصلحاء من أمته، يريدون بذلك تعظيمهم وتكريمهم وهذا في الحقيقة تعظيم لله تعالى وتكريم له كما لا يخفى.

خاتمة المطاف: 

نبحث فيها عن ثلاث مسائل تتعلق بمسألة التوحيد والشرك وهي:

1 ـ صفات الله تعالى الأزلية.

2 ـ حصر العلم بالغيب في الله سبحانه.

3 ـ بحث حول الغلو والتفويض.

فنقول:

1 ـ صفات الله تعالى الأزلية:

اختلفت كلمة المتكلمين في أن صفات الله تعالى الأزلية، كالعلم، والقدرة، والحياة وغيرها هل هي زائدة على ذاته تعالى، أو عين ذاته ؟ فالأشاعرة والماتريدية على الأول، والإمامية والمعتزلة على الثاني، قال الشيخ المفيد: «أقول أن الله ـ عز وجل ـ حي لنفسه لا بحياة(زائدة)، وأنه قادر لنفسه، وعالم لنفسه لا بمعنى ـ إلى أن قال ـ وهذا مذهب الإمامية كافة والمعتزلة إلاّ من سميناه(يريد أبا هاشم المعتزلي ومن تبعه) وأكثر المرجئة وجمهور الزيدية وجماعة من أصحاب الحديث والحكمة»([208]).

وقال شارح المقاصد: «عند أهل الحق له صفات أزلية على الذات، فهو عالم له علم، قادر له قدرة حي له حياة وكذا في السميع والبصير والمتكلم وغير ذلك، ـ إلى أن

(146)

قال ـ وخالف في القول بزيادة الصفات أكثر الفرق كالفلاسفة والمعتزلة ومن يجري مجراهم من أهل البدع والأهواء، وسموا القائلين بها بالصفاتية، وكلام الإمام الرازي في تحقيق إثبات الصفات وتحرير محل النزاع، ربما يميل إلى الاعتزال»([209]).

وقال صاحب المواقف: «ذهبت الأشاعرة إلى أن له(تعالى) صفات زائدة(على ذاته) فهو عالم بعلم، قادر بقدرة، مريد بإرادة، وعلى هذا، وذهبت الفلاسفة والشيعة إلى نفيها، والمعتزلة لهم تفصيل يأتي في كلّ مسألة»([210]).

وليعلم أن محل النزاع هو واقعية الصفات ومصاديقها لا مفاهيمها، فلا خلاف في أن مفاهيم الصفات مغايرة لمفهوم الذات، كما أنها متغايرة في نفسها، وإنّما البحث في أن مصاديق الصفات أيضاً مغايرة للذات، زائدة عليها، أو هناك حقيقة بسيطة بوحدتها تكون مصداقاً للصفات المختلفة، كما أن النفس الإنسانية ـ مثلا ـ بوحدتها مصداق لمفاهيم العلم والعالم والمعلوم باعتبارات ثلاثة، فالمصداق واحد، وأن كانت المفاهيم متكثرة.

ولسنا هنا بصدد البحث عن دلائل الطرفين، وإنّما المقصود بالبحث هو أن القول بالزيادة هل مستلزم للشرك في الألوهية أولا ؟ فالمشهور بين النافين للزيادة أنها تستلزم القول بتعدد الإله القديم، وهو شرك في الألوهية، قال الشهرستاني: «والذي يعم المعتزلة في الاعتقاد: القول بأن الله تعالى قديم والقدم أخص وصف ذاته، ونفوا الصفات القديمة لأنه لو شاركته الصفات في القدم الذي هو أخص الوصف لشاركته في الألوهية»([211]).

وقد أجابت الأشاعرة عنه بوجوه:

(147)

الأول: أن الصفات وأن كانت زائدة على الذات ولكن لا يقال هي غير الذات كما لا يقال هي عينه يقول الشهرستاني: «قال أبو الحسن: البارئ عالم بعلم، قادر بقدرة حي بحياة مريد بإرادة متكلم بكلام وهذه الصفات أزلية قائمة بذاته تعالى، لا يقال هي هو ولا يقال هي غيره»([212]).

وقال البلاقلاني: «صفات ذاته قديمة أزلية، ولا يقال أنها هو ولأغيره ولا صفاته متغايرة في أنفسها»([213]).

وقال أبو حفص النسفي في عقائدة:(وله صفات أزلية قائمة بذاته، وهي لا هو ولأغيره)([214]).

وقال ابن خلدون ـ بعد الإشارة إلى نظرية المعتزلة ـ بأن لازم القول بالصفات القديمة، تعدد الإله القديم «وهو مردود بأن الصفات ليست عين الذات ولأغيرها»([215]).ويلاحظ عليه، أن الحقائق والواقعيات لا تتغير بالعبارات والألفاظ فإن القول بالزيادة لا ينفك عن الكثرة مصداقاً، فإن كانت الصفات قديمة يلزم تعدد القدماء، وأن كانت حادثة لابد لها من موجد وجاعل، وهو أما الذات وأما غيره، وكلاهما مستحيل، وأما الثاني فواضح، وأما الأول فلأن لازم الزيادة خلو الذات عن الصفات فهي موجودة في مرتبة وراء مرتبة الذات، وفاقد الكمال لا يكون موجداً له.

الثاني أن الذي ينافي التوحيد في الألوهية هو القول بتعدد ذوات قديمة، لا القول بتعدد صفات قديمة لذات واحدة قال مؤلف وشارحه « والجواب أن النصارى إنّما كفروا لأنهم اثبتوا الأقانيم ذوات لاصفات، فأنهم قالوا بانتقال اقنوم العلم إلى المسيح، والمستقل بالانتقال لا يكون إلاّ ذاتاً، واثبات المتعدد من الذوات القديمة هو الكفر إجماعاً

(148)

دون إثبات الصفات القديمة في ذات واحدة»([216]).

أقول: محصل هذا الجواب، أن القول بزيادة الصفات على الذات وان كان مستلزماً لتعدد القدماء لكنه لا يقاس إلى ما اعتقد به النصارى، ولا دليل على أن هذا من موجبات الكفر والشرك وهو صحيح لو أريد من الشرك ما يخرج القائل به عن الإسلام رأساً، فقياس القائل بالصفات القديمة الزائدة بمقالة النصارى في الاقانيم ليس بسديد ومع ذلك فهذا القول لا يلائم كمال الإخلاص في توحيد الألوهية قال الإمام علي ـ عليه السلام ـ: «وكمال توحيده الإخلاص له، وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه، لشهادة كلّ صفة أنها غير الموصوف، وشهادة كلّ موصوف أنّه غير الصفة»([217]).

الثالث: أن الصفات وأن كانت قديمة لكن ليست بواجبة الوجود، بل هي ممكنات في ذواتها، لواز لذاته تعالى، قال التفتازاني: «إنّما واجبة لذات الواجب تعالى وتقدس، واما في نفسها فهي ممكنة، ولا استحالة في قدم الممكن إذا كان قديماً قائماً بذاته القديم واجباً به غير منفصل عنه، فليس كلّ قديم الهاً حتّى يلزم من وجود القدماء لئلا يذهب الوهم إلى أن كلا منها قائم بذاته موصوف بصفات الألوهية»([218]).

ويلاحظ عليه: أنّه وأن يدفع محذور تعدد القديم، لكن يرد عليه أن الإمكان ملازم للنقص والحاجة والقول بأن صفاته تعالى الأزلية ممكنة لا يلائم الاعتقاد بأن ذاته تعالى مستجمعة لجميع الكمال ولا يعقل ذات اكمل منه، أضف إلى ذلك، أن الممكن لابد له من موجد، وحينئذ يتجه ما تقدم من الأشكال على الوجه الأول.

والحاصل: أن نظرية الزيادة ليست بصحيحة على أساس القواعد العقلية، ولا هي مطابقة لما هو المستفاد من الأدلة الشرعية والمتسالة عند الإلهيين من أن ذاته تعالى

(149)

واجدة لجميع الكمالات الوجودية بذاته، ولا يشوبه نقص ولا يخالطه إمكان، فهي منافية للتوحيد الكالم، ولكن قياسها بنظرية النصارى في الاقانيم الثلاثة ـ كما عن المعتزلة ـ في غير محله بل القائلون بالزيادة مسلمون، تجري عليهم أحكام الإسلام في مناسباتهم الاجتماعية فليس كلّ باطل شركاً في الألوهية.

واتضح بما تقدم أن ليس المراد من إطلاق الشرك في الأحاديث المروية عن أئمة أهل البيت ـ عليهم السلام ـ على القول بزيادة الصفات، هو الشرك الصريح أو كالصريح، بل معناه الدقيق الذي لا يظهر إلاّ بالتأمل، وليس منافياً للايمان والإسلام الذي هو الموضوع للأحكام المختصة بالمسلمين في مناسباتهم الدينية في التناكح والتوارث ونحو ذلك والدليل الواضح على ذلك سيرتهم العملية في مناسباتهم الاجتماعية مع أصحاب تلك المقالة فلم يرو ولا حديث واحد أن الأئمة ـ عليهم السلام ـ احترزوا عنهم ولم يعاملوهم معاملة غيرهم من فرق المسلمين، هذا مع أن أسناد الشرك بمعناه المعروف إنّما يصح إذا كان القائل ملتزماً به أو كان لازما بيناً لمعتقده و إلاّ لم يبق على البسيطة إلاّ مسلمون قلائل.

2 ـ اختصاص العلم بالغيب بالله تعالى: 

نص القرآن الكريم على أن علم الغيب مختص بالله تعالى لا يشاركه فيه غيره قال سبحانه:

﴿قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلاّ الله﴾([219]).

وقال: ﴿ولله غيب السموات والأرض واليه يرجع الأمر كله...﴾

وقال: ﴿... وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلاّ هو...﴾

وقال: ﴿فقل إنّما الغيب لله ﴾.

(150)

وعلى ضوء هذه الآيات كان الاعتقاد بعلم الغيب لملك أوجن أو إنسان أو غير ذلك شركاً في الوهيته تعالى، لأن علم الغيب من نعوت الألوهية، لكن المقصود منه العلم بالغيب على وجه الاستقلال وبالذات، لا الحصول عليه بوحي من الله سبحانه، أو الهام أو غير ذلك من الأسباب الإلهية للوقوف على الغيب، وهذا مقتضى الجمع بين الطائفة المتقدمة، وطائفة أخرى من الآيات تثبت الوقوف على الغيب لغيره سبحانه بأذنه ومشيئته قال تعالى:

﴿ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك...﴾([220]).

﴿تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك...﴾([221])

﴿عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحداً إلاّ من ارتضى من رسول...﴾([222]).

كما أن المقصود من الآيات النافية لعلم الغيب عن النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ ناظرة إلى علمه به ذاتاً ومستقلاً، قال سبحانه:  ﴿قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب..﴾([223])

﴿... ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير...﴾

قال العلامة الطباطبائي: قوله تعالى: ﴿إلاّ من ارتضى من رسول﴾ يفيد أن الله تعالى يظهر رسله على ما شاء من الغيب المختص به، فالآية إذا انضمت إلى الآيات التي تخص علم الغيب به تعالى، أفاد ذلك معنى الأصالة والتبعية، فهو تعالى يعلم الغيب لذاته وغيره يعلمه بتعليم من الله، وبه يظهر أن ما حكى في كلامه تعالى من إنكارهم(الرسل) العلم بالغيب أريد به نفي الأصالة والاستقلال دون ما كان بوحي»([224]).

وقال ملا علي القاري: «وبالجملة فالعلم بالغيب أمر تفرد به سبحانه ولا سبيل

(151)

إليه للعباد إلاّ بأعلام منه والهام أو بطريق المعجزة أو الكرامة، أو إرشاد إلى الاستدلال بالإمارات فيما يمكن فيه ذلك، ولهذا ذكر في الفتاوى أن قول القائل عند رؤية هالة القمر أي دائرته سيكون مطراً مدعياً الغيب ليس علامة، ثم اعلم أن الأنبياء لم يعلموا المغيبات من الأشياء إلاّ ما اعلمهم الله تعالى احياناً، وذكر الحنفية تصريحا بتكفير من اعتقد أن النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ، يعلم الغيب لمعارضة قوله تعالى: ﴿قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلاّ الله﴾([225])

كذا في السايرة، لمصاحب النبراس تحقيق جامع في المقام نأتي به، قال: «أن للناس في مسألة الغيب كلمات غير منقحة والتحقيق أن الغيب ما غاب عن الحواس، والعلم الضروري والعلم الاستدلالي قد نطق القرآن بنفي علمه عمن سواه تعالى، فمن ادعى أنّه يعلمه كفر، ومن صدق المدعى كفر، وأما ما علم بحاسة أو ضرورة أو دليل فليس بغيب ولا كفر في دعواه.

وبهذا التحقيق اندفع الأشكال في الأمور التي يزعم أنها من الغيب وليست منه لكونها مدركة بالسمع أو البصر أو الدليل: 

أحدها: أخبار الأنبياء لأنها مستفادة من الوحي ومن خلق العلم الضروري فيهم أو من انكشاف الكوائن على حواسهم.

ثانيها: خبر الولي لأنه مستفاد من النبي أ« من رؤيا صادقة أو من إلهام الهي أو من النظر في اللوح المحفوظ وهو ثابت من أهل الكشف منعه بعض الفقهاء.

ثالثها: أخبار المحاسب بالكسوف والخسوف لأنه بدلائل هندسية قطعية.

رابعاً: أخبار المنجم والرمال لأن النجوم والرمل علمان استدلاليان منزلان على بعض الأنبياء ثم اندرسا وخلط الناس فيهما، فمن استدل بقاعدة نبوية أصاب في الخبر.

(152)

خامسها: خبر الكاهن لأنه مما يخبره الجن عن مشاهدة أو سماع عن الملائكة الّذين عرفوا الكوائن المستقبلية بالوحي.

ثم نقول قد نطق كثير من الأحاديث وأقوال السلف بكفر المنجم والكاهن ومن يصدقهما وذكره غير واحد من المحققين أن التكفير خاص بمن يدعي علم الغيب أو يزعم النجوم مدبرة بالاستقلال أو يزعم الجن عالمه بالغيب».([226])

وقد يمنع من إطلاق العامل بالغيب على غيره سبحانه مطلقاً لما يتبادر منه إلى الأذهان العامية من الاستقلال والأصالة في ذلك، وهو من نعوت الألوهية، قال الشيخ المفيد ـ بعد الإشارة إلى أن الأئمة ـ عليهم السلام ـ كانوا يعرفون ضمائر بعض العباد والحوادث المستقبلة بتعليم الله سبحانه اياهم اكراماً لهم ولطفاً للعباد في طاعتهم وامانتهم ـ «فأما إطلاق القول عليهم بأنهم يعلمون الغيب فهو منكر بين الفساد، لأن الوصف بذلك إنّما يستحقه من علم الأشياء بنفسه لا بعلم مستفاد، وهذا لا يكون إلاّ لله عز وجل»([227]).

ويشهد بذلك كلام الإمام علي ـ عليه السلام ـ في جواب رجل من قبيلة كلب، حين أخبر ـ عليه السلام ـ ببعض الملاحم، فقل الرجل: لقد أعطيت يا أمير المؤمنين علم الغيب، علم الساعة وما عدده الله سبحانه بقوله: ﴿ إنّ الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا نكسب غداً وما تدري نفس بأي أرض نموت...﴾([228])

فيعلم الله ما في الأرحام من ذكر أو أنثى، وقبيح أو جميل، وسخي أو بخيل، وشقي

(153)

أو سعيد، ومن يكون في النار حطباً أو في الجنان للنبيين مرافقاً، فهذا علم الغيب الذي لا يعلمه أحد إلاّ الله، وما سوى ذلك فعلم الله نبيه فعلمنيه، ودعا لي بأن يعيه صدري، وتضطم عليه جوانحي»([229])

قال المحقق البحراني: «أن المراد بعلم الغيب هو العلم الذي لا يكون مستفاداً عن سبب يفيده وذلك إنّما يصدق في حق الله تعالى إذ كلّ علم لذي علم علاه فهو مستفاد من وجوده أما بواسطة أو بغير واسطة فلا يكون علم غيب وأن كان اطلاعاً على أمر غيبي لا يتأهل للاطلاع عليه كلّ الناس، بل يختص بنفوس خصت بعناية الهية، كما قال تعالى: ﴿عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحداً إلاّ من ارتضى من رسول...﴾([230]) وقال العلامة الطبرسي: «لا نعلم أحداً منهم ـ الإمامية الاثني عشرية ـ استجاز الوصف بعلم الغيب لأحد من الخلق، وإنّما يستحق الوصف بذلك من يعلم جميع المعلومات لا بعلم مستفاد وهذا صفة القديم سبحانه العالم بذاته لا يشركه فيه أحد من المخلوقين ومن اعتقد أن غير الله يشركه في هذه الصفة فهو خارج عن ملة الإسلام.

وأما ما نقل عن أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ ورواه عنه الخاص والعام من الأخبار بالغائبات في خطب الملاحم وغيرها كإخباره عن صاحب الزنج، وعن ولاية مروان بن الحكم وأولاده، وما نقل في هذا الفن عن أئمة الهدى ـ عليهم السلام ـ فإن جميع ذلك متلقي من النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ مما اطلعه الله عليه.

فلا معنى لنسبة من روى عنهم هذه الأخبار المشهورة إلى أنّه يعتقد كونهم عالمين بالغيب، وهل هذا الاسب قبيح وتضليل لهم بل تكفير، ولا يرتضيه من هو بالمذاهب خبير؟»([231]).

(154)

هذه نماذج من أقوال علماء الشيعة والسنة في مسألة علم الغيب، فهم متفقون على أن علم الغيب مختص بالله سبحانه لا يشاركه فيه أحد من خلقه، وعلم غيره تعالى بالمغيبات إنّما هو علم أقاضى منه سبحانه أما بلا واسطة وأما بواسطة، فإن جوزنا تسمية هذا بـ «علم الغيب» بينه وبين علم الغيب لله سبحانه بالاستقلال والأصالة وعدمهما، وأن لم نجوزه، فنقول أنّه سبحانه(عالم الغيب) ولا نسمي غيره بهذا الاسم، بل نقول عالم بالمغيبات ونحو ذلك.

والمخالف في هذه المسالة هم الغلاة في حق الأنبياء والأئمة وأولياء الله تعالى، وهذا آخر ما أردنا أن نبحث عنه في الخاتمة.

3 ـ الغلو والتفويض: 

«الغلو في اللغة بمعنى تجاوز الحدّ، ففي السعر يقال غلاء، وفي القدر والمنزلة: غلو وفي السهم غلوة، وأفعالها جميعاً: غلا يغلو»([232]).

ومعنى المصطلح في الشرع: هو التجاوز عن الحدّ في الأنبياء والصالحين من عباده سبحانه من الاعتقاد بالوهيتهم أو ربوبيتهم ونحو ذلك مما يختص بالله تعالى، قال سبحانه: ﴿يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلاّ الحق إنّما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته...﴾([233])، فاعتقادهم بألوهية المسيح ـ عليه السلام ـ كان غلوا في حقه، كما أن الشرك في الربوبية الشائع عند الأمم الماضية وفي عهد الرسالة كان من مصاديق الغلو في حق الهتهم.

موقف أئمة أهل البيت ـ عليهم السلام ـ في الغالين:

السابر في روايات الشيعة يجد أن أئمة الهدى ـ عليهم السلام ـ بالغوا في مكافحة الغالين

(155)

ومنازلتهم وواجهوهم بالتكفير واللعن وتبرؤوا منهم بصراحة وتأكيد، وقد جمع العلامة المجلسي ما روي عنهم في هذا المجال في باب خاص من بحاره يبلغ عددها زهاء مائة رواية نشير إلى بعضها: 

1 ـ عن الإمام علي ـ عليه السلام ـ قال: «اللهم اني بريء من الغلاة كبراءة عيسى بن مريم من النصارى: اللهم أخذلهم أبداً ولا تنصر منهم أحداً»([234])

2 ـ عن الإمام الصادق ـ عليه السلام ـ قال: «احذروا على شبابكم الغلاة لا يفسدوهم فإن الغلاة شر عظيم، يصغرون عظمة الله ويدعون الربوبية لعباد الله.»([235])

3 ـ وعنه ـ عليه السلام ـ قال: «لعن الله عبدالله بن سبأ أنّه أدعى الربوبية في أمير المؤمنين وكان والله أمير المؤمنين عبدالله طائعاً، الويل لمن كذب، الويل لمن كذب علينا، وأن قوماً يقولون فينا مالا نقول في أنفسنا، نبرأ إلى الله منهم»([236]).

4 ـ وقال ـ عليه السلام ـ: «لا تقاعد وهم ولا تواكلوهم ولا تشاربوهم ولا تصافحوهم ولا توارثوهم»([237]).

5 ـ وسئل الإمام الرضا ـ عليه السلام ـ عن الغلاة والمفوضة، فقال: «الغلاة كفار والمفوضة مشركون، من جالسهم، أو خالطهم، أو وأكلهم، أو شاربهم، أو وأصلهم، أو زوجهم، أو تزوج إليهم أو أمنهم أو ائتمنهم على أمانة أو صدق حديثهم أو أعانهم بشطر كلمة خرج من ولاية الله عز وجل وولاية الرسول ـ صلى الله عليه وآله ـ وولايتنا أهل البيت.»([238])

موقف علماء الإمامية في الغلو والغالين: 

طبقاً لتلكم الروايات الكثيرة قد خالف علماء الإمامية الغالين، وصرحوا

(156)

بتكفيرهم وخروجهم عن ملة الإسلام نأتي بنماذج من أقوالهم:

1 ـ قال أبو إسحاق إبراهيم بن نوبخت مؤلف كتاب الياقوت في علم الكلام: «وقول الغلاة يبطل أصله، استحالة كون الباري تعالى جسماً، ومعجزات أمير المؤمنين معارضة بمعجزات موسى وعيسى ـ عليهما السلام ـ.»([239])

2 ـ قال الشيخ الصدوق: «اعتقادنا في الغلاة والمفوضة أنهم كفار بالله جل اسمه، وأنهم شر من اليهود والنصارى والمجوس.»([240])

3 ـ قال الشيخ المفيد: «والغلاة من المتظاهرين بالإسلام هم الّذين نسبوا أمير المؤمنين والأئمة من ذريته ـ عليهم السلام ـ إلى الألوهية والنبوة، ووصفوهم من الفضل في الدين والدنيا إلى ما تجاوزوا فيه الحدّ وخرجوا عن القصد وهم ضلال كفار حكم فيهم أمير المؤمنين ـ عليهم السلام ـ بالقتل والتحريق بالنار، وقضت الأئمة ـ عليهم السلام ـ بالاكفار والخروج عن الإسلام.»

والمفوضة صنف من الغلاة وقولهم الذي فارقوا به من سواهم من الغلاة اعترافهم بحدوث الأئمة وخلقهم ونفي القدام عنهم، وإضافة الخلق والرزق مع ذلك إليهم، ودعواهم أن الله سبحانه وتعالى تفرد بخلقهم خاصة، وأنه فوض إليهم خلق العالم بما فيه وجميع الأفعال([241]).

4 ـ وقال المجلسى: «أن الغلو في النبي والأئمة ـ عليهم السلام ـ إنّما يكون:

أ ـ بالقول بالوهيتهم.

ب ـ أو بكونهم شركاء لله في المعبودية أو في الخلق والرزق.

(157)

ج ـ أو أن الله تعالى حل فيهم أو اتحد بهم.

د ـ أو انهم يعلمون الغيب بغير وحي أو الهام من الله تعالى.

هـ ـ أو بالقول في الأئمة ـ عليهم السلام ـ انهم كانوا أنبياء.

و ـ أو القول بتناسخ أرواح بعضهم إلى بعض.

ز ـ أو القول بأن معرفتهم تغني عن جميع الطاعات ولا تكليف معها بترك المعاصي. والقول بكل منها الحاد وكفر وخروج عن الدين كما دلت عليه الأدلة العقلية والآيات والأخبار السالفة وغيرها وقد عرفت أن الأئمة تبرؤوا منهم وحكموا بكفرهم وأمروا بقتلهم، وأن قرع سمعك من الأخبار الموهمة لشيء من ذلك فهي أما مؤولة، أو هي من مفتريات الغلاة».

ولكن افرط بعض المتكلمين والمحدثين في الغلو لقصورهم عن معرفة الأئمة ـ عليهم السلام ـ وعجزهم عن إدراك غرائب احوالهم وعجائب شؤونهم، مع أنّه قد ورد في أخبار كثيرة: «لا تقولوا فينا ربا وقولوا ماشئتم ولن تبلغوا» وورد:  «أن أمرنا صعب مستصعب لا يحتمله إلاّ ملك مقرب أو نبي مرسل، أو عبد مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان» وورد: «لو علم أبو ذر ما في قلب سلمان لقتله» وغير ذلك.

فلابد للمؤمن المتدين أن لا يبادر برد ما ورد عنهم من فضائلهم ومعجزاتهم ومعالي أمورهم إلاّ إذ ثبت خلافه بضرورة الدين أو بقواطع البراهين أو بالآيات المحكمة أو الأخبار المتواترة([242]).

الأقوال في كرامات الأولياء:

اتفقت الإمامية على جواز صدور الكرامات من أولياء الله تعالى، ورواياتهم في ذلك ـ خاصة فيما صدر من العترة الطاهرة من الكرامات ـ متواترة ووافقهم على ذلك

(158)

اكثر علماء أهل السنة من الأشاعرة والماتريدية ولكن خالفهم جمهور المعتزلة وجعلوا الكرامات من خصائص الأنبياء ـ عليهم السلام ـ.

قال الإمام الرازي: «الكرامات جائزة عندنا، خلافاً للمعتزلة والأستاذ أبي إسحاق منا، لنا التمسك بقصة مريم وآصف، ثم تتميز الكرامات عن المعجزات بتحدي النبوة.»([243]).

وقال العضدي: أنها(الكرامات) جائزة عندنا واقعة خلافاً للأستاذ أبي إسحاق والحليمي منا وغير أبي الحسين من المعتزلة، لنا: أما جوازها فظاهر على أصولنا، وأما وقوعها فلقصة مريم، وقصة أصحاب الكهف، وشيء منها لم يكن معجزة لفقد شرطه، وهو مقارنة الدعوى والتحدي.»([244]).

وقال الإمام أبو جعفر النسفي: «وكرامات الأولياء حق، فتظهر الكرامات على طريق نقض العادة للولي من قطع المسافة البعيدة في المدة القليلة وظهور الطعام والشراب واللباس عند الحاجة، والمشي على الماء والطيران في الهواء وكلام الجماد والعجماء، واندفاع التوجه من البلاء وكفاية المهم عن الأعداء وغير ذلك.»

وقال التفتازاني في شرح كلامه: «الولي هو العارف بالله تعالى وصفاته حسب ما يمكن، المواظب على الطاعات، المجتنب عن المعاصي، المعرض عن الانهماك في اللذات والشهوات، وكرامته ظهور أمر خارق للعادة من قبله غير مقارن لدعوى النبوة، فما لا يكون مقروناً بالإيمان والعمل الصالح يكون استدراجاً، وما يكون مقروناً بدعوى النبوة يكون معجزة.

والدليل على حقية الكرامة ما تواتر من كثير من الصحابة ومن بعدهم بحيث لا يمكن انكاره، خصوصاً الأمر المشترك وأن كانت التفاصيل آحاداً، وأيضاً الكتاب

(159)

الناطق بظهورها من مريم وصاحب سليمان ـ عليه السلام ـ .»([245]).

نختم دراستنا بكلام من الإمام زين العابدين ـ عليه السلام ـ في حق أولياء الله تعالى ومنزلتهم الرفيعة عنده سبحانه وسبب وصولهم إلى تلك المرتبة الشامخة، قال: «جهلوا والله أمر الله وأمر أوليائه، أن المراتب الرفيعة لا تنال إلاّ بالتسلم لله جل ثناؤه، وترك الاقتراح عليه والرضا بما يدبرهم به، أن أولياء الله صبروا على المحن والمكارة صبراً لم يساوهم فيه غيرهم فجازاهم الله عز وجل بأن أوجب لهم نجح جميع طلباتهم،لكنهم مع ذلك لا يريدون منه إلاّ ما يريده لهم.»([246]).

وفقنا الله تعالى لما يحبه ويرضاه، وجعلنا ممن يعمل في دنياه لعقباه.

 

[1] ـ سورة النحل: 36.

[2] ـ سورة الأنبياء: 25.

[3] ـ سورة الأعراف: 59، 65، 73، 85.

[4] ـ سورة البقرة: 163.

[5] ـ سورة الصافات: 4.

[6] ـ سورة الإخلاص: 1.

[7] ـ سورة المؤمنون: 91.

[8] ـ سورة النساء: 171.

[9] ـ سورة الأنعام: 19، و سورة إبراهيم: 52، و سورة النحل: 51.

[10] ـ سورة الأنبياء: 108، و سورة فصلت: 6.

[11] ـ سورة البقرة: 163، 255، و سورة آل عمران: 2، 6، 18. و سورة النساء: 87.

[12] ـ سورة الأنعام: 46، و سورة القصص: 71، 72.

[13] ـ سورة النمل: 60 ـ 62، 64.

[14] ـ سورة الإسراء: 22، 39.

[15] ـ الذاريات: 51.

[16] ـ سورة النحل: 51.

[17] ـ سورة الأعراف: 180، وبهذا المضمون سورة الإسراء: 110، سورة طه: 8، سورة الحشر: 24.

[18] ـ سورة البقرة: 165.

[19] ـ النساء: 139.

[20] ـ سورة البقرة: 165.

[21] ـ سورة المؤمن: 66.

[22] ـ سورة الميزان 8: 343، 344.

[23] ـ سورة الحج: 6.

[24] ـ سورة الحج: 62.

[25] ـ سورة النور: 25.

[26] ـ سورة يونس: 32.

[27] ـ سورة الأنعام: 62.

[28] ـ سورة البقرة:  147.

[29] ـ سورة النساء: 105.

[30] ـ سورة الأنعام: 57.

[31] ـ سورة الأنعام: 73.

[32] ـ سورة يونس: 55.

[33] ـ سورة طه: 114.

[34] ـ سورة الأحزاب: 4.

[35] ـ سورة غافر:  20.

[36] ـ المفردات للراغب، كلمة(حق) بتلخيص.

[37] ـ شرح المنظومة لناظمها، المقصد الثالث، الفريدة الأولى.

[38] ـ سورة الحشر: 22 ـ 24.

[39] ـ واما الوحدة، غير الحقيقية فتسميتها ـ كما يبدو من عنوانها ـ بالوحدة تجوزاً، كوحدة زيد وعمرو في الإنسانية فالوحدة بالحقيقة صفة الإنسانية وتنسب إلى زيد وعمرو مجازا.

[40] ـ والى هذا أشار الحكيم السبزواري في منظومة الحكمة: 

« وماله تكثر قد حصلا فقيه ما سواه قد تخللا»

[41] ـ سورة الزمر: 4.

[42] ـ سورة الإخلاص:  1.

[43] ـ سورة يوسف:  39.

[44] ـ سورة الرعد: 16.

[45] ـ سورة المؤمن: 16.

[46] ـ سورة ص:  65.

[47] ـ الميزان: 6: 88 ـ 91، بتلخيص.

[48] ـ التوحيد للصدوق: الباب 3، الحديث 3.

[49] ـ سورة الأنعام: 1.

[50] ـ سورة لقمان 11.

[51] ـ سورة المؤمنون: 91.

[52] ـ سورة الفرقان: 3.

[53] ـ سورة الحشر: 24.

[54] ـ سورة الرعد: 16.

[55] ـ سورة فاطر: 3.

[56] ـ سورة الزمر: 62.

[57] ـ سورة غافر:  62.

[58] ـ سورة الواقعة: 59.

[59] ـ الميزان في تفسير القرآن 7: 293 ـ 298 بتلخيص.

[60] ـ شرح الأصول الخمسة: 345.

[61] ـ الكهف: 29.

[62] ـ شرح الأصول الخمسة: 362.

[63] ـ المصدر نفسه: 358.

[64] ـ الرعد: 16.

[65] ـ شرح الأصول الخمسة: 383.

[66] ـ البقرة: 102.

[67] ـ السجدة: 7.

[68] ـ التوحيد، للصدوق، الباب 55، الحديث 13.

[69] ـ الزمر: 62.

[70] ـ السجدة 7.

[71] ـ الميزان 7: 296.

[72] ـ الفاتحة: 2.

[73] ـ الأنعام: 164.

[74] ـ الأعراف: 54.

[75] ـ الزمر: 6.

[76] ـ المؤمنون: 116.

[77] ـ مريم: 65.

[78] ـ الشعراء: 28.

[79] ـ الصافات: 126.

[80] ـ يونس: 3.

[81] ـ السجدة: 5.

[82] ـ طه: 50.

[83] ـ الأعلى: 3.

[84] ـ الشعراء: 77 ـ 83.

[85] ـ يونس: 35.

[86] ـ الشورى: 21.

[87] ـ الملك: 2.

[88] ـ الزمر: 44.

[89] ـ النحل: 70.

[90] ـ السجدة: 11.

[91] ـ النساء: 81.

[92] ـ الزخرف: 80.

[93] ـ الميزان 20: 182 ـ 184، بتلخيص.

[94] ـ الأنعام: 57، ويوسف: 67.

[95] ـ يوسف: 40.

[96] ـ المائدة: 95.

[97] ـ المائدة 44.

[98] ـ التين: 8.

[99] ـ الأعراف: 87.

[100] ـ الميزان 7: 115 ـ 117، بتلخيص.

[101] ـ النحل: 36.

[102] ـ الإسراء: 24.

[103] ـ لاحظ الإلهيات على هدى الكتاب والسنة والعقل 2: 99 ـ 100، ويوسف: 100.

[104] ـ الفاتحة:  5.

[105] ـ البقرة: 21.

[106] ـ الأنبياء: 25.

[107] ـ الأنعام: 102.

[108] ـ هود: 123.

[109] ـ الصافات: 124.

[110] ـ المائدة: 76.

[111] ـ الصافات: 95.

[112] ـ النحل: 73.

[113] ـ النحل: 20.

[114] ـ الأعراف: 197.

[115] ـ الأعراف: 59، 65، 73، 85.

[116] ـ الميزان 6: 211 ـ 213 بتلخيص.

[117] ـ الأنبياء: 22.

[118] ـ شرح المقاصد، منشورات الرضي بقم 4: 34 ـ 35 وشرح المواقف 8: 41.

[119] ـ الميزان في تفسير القرآن 14: 267.

[120] ـ التوحيد للشيخ الصدوق: 250، دار المعرفة.

[121] ـ مجمع البيان في تفسير القرآن، دار أحياء التراث العربي 7، 8: 44.

[122] ـ المؤمنون: 91.

[123] ـ الميزان: 15: 62، 63.

[124] ـ الإسراء: 42.

[125] ـ مجمع البيان 5، 6: 417.

[126] ـ الميزان 13: 106، 107.

[127] ـ الأنعام: 82.

[128] ـ فصلت: 30.

[129] ـ البقرة: 257.

[130] ـ النساء: 76.

[131] ـ الرعد: 28.

[132] ـ الحج: 38.

[133] ـ الحج: 54.

[134] ـ الشورى: 36.

[135] ـ آل عمران: 103.

[136] ـ التوحيد، الباب 1، الحديث 28.

[137] ـ الرحمن: 60.

[138] ـ المصدر السابق، الحديث 29.

[139] ـ المصدر السابق، الحديث 27.

[140] ـ سبأ: 22.

[141] ـ آل عمران: 67.

[142] ـ آل عمران: 95.

[143] ـ الأنعام: 79.

[144] ـ الأنعام: 161.

[145] ـ يونس: 105.

[146] ـ النحل: 120.

[147] ـ النحل: 123.

[148] ـ الحج: 31.

[149] ـ النمل: 64.

[150] ـ المؤمنون: 117.

[151] ـ النساء: 116.

[152] ـ المائدة: 72.

[153] ـ الحج: 31.

[154] ـ لقمان: 13.

[155] ـ النساء: 48 ـ 116.

[156] ـ المائدة: 17 و 72.

[157] ـ المائدة: 73.

[158] ـ الملل والنحل، دار المعرفة 1: 220 ـ 225 بتلخيص.

[159] ـ المائدة: 72 ـ 75.

[160] ـ النساء: 172.

[161] ـ المائدة: 72.

[162] ـ انجيل يوحنا، الاصحاح العاشر.

[163] ـ لاحظ الميزان 3: 288 ـ 291. والآية في سورة النساء: 80.

[164] ـ لقمان 25 والزمر: 38.

[165] ـ الزخرف: 87.

[166] ـ الزخرف: 9.

[167] ـ الملل والنحل، دار المعرفة1: 232 ـ244.

[168] ـ راجع في تفصيل ذلك كتب الفلسفة والكلام.

[169] ـ الأنعام: 76 ـ 78.

[170] ـ البقرة: 258.

[171] ـ يوسف: 39.

[172] ـ النازعات: 24.

[173] ـ طه: 49، 50.

[174] ـ الميزان 14: 165.

[175] ـ الشعراء: 97،98.

[176] ـ آل عمران: 79، 80.

[177] ـ يونس: 31.

[178] ـ العنكبوت: 63.

[179] ـ المؤمنون: 86 ـ 89.

[180] ـ الرعد: 16.

[181] ـ الأنعام: 164.

[182] ـ مريم: 81.

[183] ـ سبأ: 22.

[184] ـ السيرة النبوية لابن هشام 1: 79.

[185] ـ بلوغ الأرب 2: 349.

[186] ـ هذا البيت للكسائي كما جاء في كتاب: حياة الحيوان الكبرى للدميري 16: 247.

[187] ـ الإسراء:  56.

[188] ـ الشعراء: 96 ـ 98.

[189] ـ كشف الارتياب في اتباع محمّد بن عبد الوهاب:  170.

[190] ـ الإسراء: 23.

[191] ـ يس: 60.

[192] ـ الميزان 17: 102.

[193] ـ الجائية: 23.

[194] ـ التوبة: 31.

[195] ـ الأنبياء: 25.

[196] ـ الشعراء: 213.

[197] ـ الميزان: 9: 245 ـ 246.

[198] ـ الكافي الأصول، ج 2، كتاب الإيمان والكفر، باب الشرك، الحديث 7.

[199] ـ تفسير العياشي 2: 86، 87.

[200] ـ يوسف: 106.

[201] ـ الكافي، الأصول 2، كتاب الإيمان والكفر، باب الشرك، الحديث 3.

[202] ـ الميزان 13: 406، نقلا عن الدر المنثور.

[203] ـ الميزان 13: 406 نقلا عن الدر المنثور.

[204] ـ تفسير العياشي 2: 353.

[205] ـ الكافي الأصول، ج 2، كتاب الإيمان والكفر، باب الرياء الحديث 3.

[206] ـ المصدر السابق، الحديث 4.

[207] ـ النساء: 80.

[208] ـ أوائل المقالات 4: 52 من مصنفات الشيخ المفيد.

[209] ـ شرح المقاصد 4: 69،70.

[210] ـ شرح المواقف 8: 44 للاشاعرة في الصفات الأزلية أربعة مذاهب، الأول: نفي عينيتها وغيريتها وهذا مذهب قدمائهم، الثاني: أنها غير الذات وهي ممكنة صادرة بالإيجاب، هذا مذهب متاخريهم، الثالث: الميل إلى العينية، الرابع: السكوت(النبراس: 201، 202).

[211] ـ الملل والنحل 1: 44.

[212] ـ الملل والنحل 1: 95.

[213] ـ الأنصاف، علم الكتب: 59.

[214] ـ شرح العقائد النسفية: 36، 37.

[215] ـ مقدمه ابن خلدون، دار القلم، بيروت: 464.

[216] ـ شرح المواقف 8: 197، 198.

[217] ـ نهج البلاغة، الخطبة الأولى.

[218] ـ شرح العقائد النسفية: 38.

[219] ـ النمل: 65.

[220] ـ آل عمران: 44.

[221] ـ هود: 49.

[222] ـ الجن: 26.

[223] ـ الأنعام: 50.

[224] ـ الميزان 20: 53 ـ 55.

[225] ـ شرح فقيه اكبر: 185.

[226] ـ النبراس، شرح لشرح العقائد النسفية تأليف حافظ محمّد عبد العزيز الفرهادي: 574، 575.

[227] ـ اوائل المقالات، من مصنفات الشيخ المفيد 4: 67.

[228] ـ لقمان: 34.

[229] ـ نهج البلاغة، الخطبة 128.

[230] ـ شرح نهج البلاغة 1: 84.

[231] ـ مجمع البيان 6، 5: 205.

[232] ـ المفردات للراغب: 364، 365.

[233] ـ النساء: 171.

[234] ـ بحار الانوار 25: 265.

[235] ـ المصدر السابق.

[236] ـ المصدر السابق: 286.

[237] ـ المصدر السابق: 269.

[238] ـ المصدر السابق: 273.

[239] ـ الياقوت في علم الكلام، مكتبة المرعشي بقم: 74.

[240] ـ الاعتقادات في دين الإمامية: 71.

[241] ـ تصحيح الاعتقاد منشورات الرضي بقم: 111، 112.

[242] ـ بحار الأنوار 25: 346 ـ 347.

[243] ـ تلخيص المحصل: 372.

[244] ـ شرح الموقف 8: 289.

[245] ـ شرح العقائد النسفية: 105 ـ 106.

[246] ـ بحار الأنوار 46: 22، نقلا عن أمالي الصدوق ورواه الفتال في روضة الواعظين.