الأسس والمصادر الاجتهادية المشتركة

الأسس والمصادر الاجتهادية المشتركة

 

 

الأسس والمصادر الاجتهادية المشتركة

 

وهبة الزحيلي

 

بسم الله الرحمن الرحيم

تقديم:

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على محمّد نبي الرحمة الذي لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه المهديين الّذين آمنوا به وآزروه ونصروه والتزموا منهجه ودعوته، وبعد:

نحن ـ المسلمين ـ اليوم في عصر المواجهة الحضارية والثقافية والسياسية مع الغرب والصهيونية العالمية بأشد الحاجة إلى وحدة الفكر والبناء، والعمل المشترك، من أجل قوة الأمة الإسلاميّة، والحفاظ على وجودها وعزتها من أي وقت مضى فكان لزاماً مؤكداً ضرورة تسوية الخلافات التاريخية والمشكلات المعاصرة، والتعريف بالجسور المتينة التي تقوم عليها وحدة الأمة، وبخاصة في المجالات الفقهية والأصولية، ولعلها أيسر الطرق لتوحيد طاقات المسلمين، لأن الخلاف بين المذاهب السنية والشيعية سهل يسير، ونقاطه قليلة محصورة، بسبب وحدة المصادر الاستنباطية، والاعتماد أصالة على القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، ووجوب رد كلّ نزاع أو خلاف إليهما، كما في قول الله تعالى: ]..فإن تنازعتم في شيءٍ فردوه إلى الله والرسول إنّ كنتم تؤمنون بالله

(62)

واليوم الآخر، ذلك خير وأحسن تأويلاً[([1]).

وغني عن البيان أن مبدأ الوحدة الإسلاميّة مقرر مفروض على امتنا في دستورهم المجيد، في مثل الآيتين الكريمتين، الأولى وهي قوله سبحانه: ]وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فأتقون[([2]).

وأول من يخاطب بضرورة العمل على توحيد أفكار الأمة المسلمة وطرح كلّ العراقيل والمعوقات أمامها هم العلماء الإثبات الّذين نضجت أفكارهم واختمرت معارفهم وعلومهم وترفعوا عن رعشات التعصب المذهبي، وأدركوا خطر الاستعمار الحريص على تجسيد التفرقة بين السنة والشيعة. وليس المقصود من الوحدة الإسلاميّة بداهة أن يتحول السني إلى شيعي أو بالعكس، لأن نقض الموروث ليس بالأمر الهين، بل لا جدوى من محاولات التغيير.

لذا بادرت إلى بحث موضوع «الأسس والمصادر الاجتهادية المشتركة» لا سهم بواجبي في هذا السبيل العلمي الخصب، لأن جميع المذاهب السنية والشيعية متفقة على ضرورة الاجتهاد وفرضيته في كلّ عصر، عملاً بأصول الأدلة الشرعية، وبعداً عما سمي بإغلاق باب الاجتهاد عند أكثر المتأخرين من علماء السنة بعد نهاية القرن الرابع الهجري تأثراً بظروف سياسية مؤقتة، وتعرضها لتيارات فكرية هدامة، ومحاولة إضعافها من زاوية الاجتهاد، علماء بأن من وراء تلك التيارات لم يكونوا مؤهلين للاجتهاد، وكان لهم غايات خبيثة ومحاولات مسمومة مشبوهة ويتميز الشيعة بأنهم لا يجيزون تقليد المجتهد الميت، بل لابد من كونه حياً حتّى يصح تقليده أو بأذن بتقليد حكم معين.

ومنهجي في البحث: هو إيراد مختلف المصادر الاجتهاد، وكان لهم غايات خبيثة ومحاولات مسمومة مشبوهة. ويتميز الشيعة بأنهم لا يجيزون تقليد المجتهد الميت، بل لابد من كونه حياً حتّى يصح تقليده أو يأذن بتقليد حكم معين.

ومنهجي في البحث: هو إيراد مختلف المصادر الاجتهادية، وتحديد أسسها، وتعريفها، وإيراد أهم دليل لأصحابها إثباتاً أو نفياً، ثم التقريب بين العلماء ببيان أوجه

(63)

الاتفاق والاختلاف بين المذاهب في كلّ واحد منها.

ولابد أولا أن احدد مصدر التشريع الأصلي المتفق عليه، ثم تبيان المصادر المعتبرة في الاستنباط في ساحة المذاهب الإسلاميّة.

وحدة المصدر التشريعي:

اتفق المسلمون في بحث الحاكم على أن مصدر جميع الأحكام الشرعية التكليفية والوضعية هو الله سبحانه وتعالى بعد البعثة النبوية وبلوغ الدعوة الإسلاميّة للناس([3])، سواء أكان ذلك بطريق النص من قرآن أو سنة بواسطة الفقهاء والمجتهدين؛ لأن المجتهد مظهر للحكم، وكاشف له، ومبين مراد الله بإصدار الحكم في غالب الظن، أم قطعا ويقينا، وليس المجتهد منشئاً أو واضعاً للحكم من عند نفسه، وبمحض عقله وفكره، لهذا قالوا: الحكم الشرعي: هو خطاب الله تعالى المتعلق بأفعال المكلفين بالاقتضاء أو التخيير أو الوضع والاقتضاء معناه الطلب، ويشمل طلب الفعل بالإيجاب أو الندب، وطلب الترك بالتحريم أو الكراهة. والتخيير الإباحة وهو استواء الفعل والترك والوضع: خطاب الله تعالى المتعلق بجعل الشيء سبباً أو مانعاً أو صحيحاً أو فاسداً أو عزيمة أو رخصة ([4]).

وقال الأصوليون والفقهاء أيضاً: لا حكم إلاّ لله أخذاً من قوله تعالى: ]...إنّ الحكم إلاّ لله...[ ([5]).

وأنكر الأستاذ محمّد تقي الحكيم التعريف ـ الذي جاء في القوانين المحكمة ـ للعقل

(64)

كأحد المصادر بأنه «حكم عقلي يوصل به إلى الحكم الشرعي، وينتقل من العلم بالحكم العقلي إلى العلم بالحكم الشرعي»([6]) قائلاً: والذي يؤخذ على هذا التعريف من وجهة شكلية تعبيره بالحكم العقلي، مع أنّه ليس للعقل أكثر من وظيفة الإدراك، وهو مقصود حتماً، وأظن أن التعبير بالحكم وانتشاره هو الذي أوجب أن يلتبس على بعض الباحثين في أن القائلين باعتبار العقل من الأصول يرونه هو الحاكم في مقابل الله عز وجل. وقرر بصراحة أن العقل مدرك وليس بحاكم([7]).

 

مصادر الاستنباط في المذاهب الفقهية:

مصادر الأحكام الشرعية: هي الأدلة الشرعية التي يستنبط منها الأحكام الشرعية.

ومصادر الاستنباط عند أهل السنة قسمان([8]): مصادر أساسية مستقلة ومصادر فرعية اجتهادية غير مستقلة. أما المصادر الأساسية المستقلة: فهي القرآن الكريم والسنة النبوية للأوامر الإلهية الآمرة بإطاعة الله والرسول، مثل قوله تعالى: ]يا أيها الّذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول...[([9]) وقوله ـ صلى الله عليه وآله ـ في حجة الوداع: «تركت فيكم أمرين ما إنّ اعتصمتم بهما، فلن تضلوا أبداً: كتاب الله وسنة نبيه»([10]). وفي رواية صحيحة أخرى: «كتاب الله وعترتي».

والمصادر الفرعية: هي الإجماع والقياس والاستحسان والاستصلاح (أو المصالح

(65)

المرسلة) والعرف وشرع من قبلنا ومذهب الصحابي والذرائع والاستصحاب.

ومصادر التشريع عند الزيدية: هي قضايا العقل المبتوتة، والإجماع الثابت بيقين، ونصوص الكتاب والسنة المعلومة، ومفهومات الكتاب والسنة المعلومة، ومفهومات أخبار الآحاد، وأفعال النبي وتقريراته، والقياس والاجتهاد (ومنه الاستحسان وسد الذريعة والمصالح المرسلة) والاستصحاب وهو ما يعرف بالبراءة الأصلية([11]).

ومصادر الاستنباط عند الإمامية أو الجعفرية أربعة: وهي الكتاب العزيز، والسنة، والعقل والإجماع ([12]) وما عداها فهو راجع إليها في أغلبية صوره.

وبما أن موضوع البحث مقصور على المصادر الاجتهادية المشتركة، فإني أخص بحثي بغير الكتاب والسنة المتفق على كونهما مصدري التشريع الأصليين، ومن العجب وجود الشبه الواضح في ميدان الفقه التفريعي بين الفقه السني والفقه الجعفري والزيدي في كثير من المسائل كما أن مصدر «العقل» عند الشيعة الإمامية وهو التفكر في المصدرين الأصليين المتفق عليهما يمكن أن يدخل تحته كثير من أنواع المصادر الاجتهادية عند أهل السنة، وهذان دليلان واضحان على أنّه في مجال التطبيق والاستنباط يكاد ألا يكون هناك خلاف جوهري في المصادر، وإنّما الخلاف في التسمية والاصطلاح، أو في الكثرة والقلة، أو في الشهرة في استعمال مصدر لدى أئمة مذهب، وانعدام تلك الشهرة في اتجاه إمام آخر، أو أن محل الخلاف أو النزاع غير متفق عليه، كما هو الشأن في الاستحسان على الاستحسان بالهوى والشهوة و محض الرأي من غير دليل شرعي، وهذا ما لا يقول به قطعاً كلا الإمامين: أبي حنيفة

(66)

ومالك، كما سيأتي بيانه.

ولقد أصاب الشيخ محمّد تقي الحكيم حينما قسم الاجتهاد إلى قسمين: الاجتهاد العقلي، والاجتهاد الشرعي([13]). وهذه القسمة واضحة بالإشارة إلى أن مختلف أئمة الاجتهاد بالرأي المتفق مع مقاصد الشريعة يعتمدون في الاستنباط على كلا القسمين على حد سواء.

أما الاجتهاد العقلي: فهو ما كانت الحجية الثابتة لمصادره عقلية محضة غير قابلة للجعل الشرعي، وينتظم في هذا القسم كلّ ما أفاد العلم الوجداني بمدلوله، كالمستقلات العقلية وقواعد لزوم دفع الضرر المحتمل، وشغل الذمة اليقيني يستدعي فراغاً يقينياً، وقبح العقاب بلا بيان وغيرها.

وأما الاجتهاد الشرعي: فهو كلّ ما احتاج لدليل شرعي إلى جعل حجيته من الحجج الشرعية، ويدخل ضمن هذا القسم: الإجماع والقياس والاستصلاح والاستحسان والعرف والاستصحاب وغيرها من مباحث الحجج والأصول العملية التي تكشف عن الحكم الشرعي.

وهذه آراء العلماء في مصادر التشريع الاجتهادية.

 

1 ـ الإجماع:

الإجماع مصدر من مصادر التشريع، اتفقت المذاهب الإسلاميّة الستة من السنة والشيعة على حجيته، وتعريفه بتعاريف متقاربة.

فتعريفه المعتمد عند جمهور أهل السنة هو: «اتفاق المجتهدين من أمة محمّد ـ صلى الله عليه وآله ـ

(67)

بعدوفاته، في عصر من العصور، على حكم شرعي»([14]) وهذا التعريف يتطلب اتفاق جميع مجتهدي الأمة من سنة وشيعة في عصر من العصور على حكم شرعي. واستدلوا على حجيته بأدلة من القرآن والسنة، وأقوى الأدلة: ما ثبت في السنة المتواترة تواتراً معنوياً وهو ورود أحاديث ثابتة بألفاظ مختلفة تثبت عصمة الأمة من الخطأ، منها: « لا تجتمع أمتي على الخطأ»([15]) ومنها: «لا تجتمع أمتي على ضلالة»([16]) ولابد للإجماع من مستند عند الجمهور، والمستند: هو الدليل الذي يعتمد عليه المجتهدون فيما أجمعوا عليه. ويصلح المستند أن يكون نصاً أو قياساً؛ لأن الإفتاء بدون مستند خطأ، لأنه يعتبر قولاً في الدين بغير علم، وهو منهي عنه بقوله تعالى: ﴿ولا تقف ما ليس لك به علم...﴾([17])([18]).

وفائدة الإجماع مع وجود المستند: إنّ كان المستند قطعياً فهو التأكيد، وإن كان ظنياً فهو رفع مرتبة الحكم من الظن إلى القطع واليقين.

وقد وقعت إجماعات كثيرة من الصحابة وغيرهم إذا كان المستند نصاً شرعياً، مثل الإجماع على إعطاء الجدة السدس في الميراث، وعلى منع بيع الطعام قبل قبضه، وعلى بطلان زواج المسلمة بالكافر، وعلى حرمة الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها في الزواج، وعلى وجوب العدة بموت الزوج ونحو ذلك([19])، وكذلك إذا كان المستند قياساً مثل تحريم شحم الخنزير قياساً على لحمه.

(68)

أما الإجماع الاجتهادي المحض: فلا نكاد نجد له مثالاً سوى شركة المضاربة، فقد أجمع العلماء على جوازها، وليس هناك نص صريح عليها، كلّ ما في الأمر أن الناس تعاملوا بها في عهد النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ، فأقرهم عليها، ولم ينكرها عليهم([20])، وربما كان هذا سنة تقريرية عند المتمسكين بالنص. وهي مشروعة عند الإمامية بنص من الإمام الصادق ـ عليه السلام ـ([21]).

وعرف الشيعة الإمامية الإجماع بأنه: «اتفاق جماعة يكون لاتفاقهم شأن في إثبات الحكم الشرعي» أي فلا يشترط اتفاق جميع العلماء، وهم يقولون: إنّ الإجماع حجة، لا لكونه إجماعاً، بل لاشتماله على قول الإمام المعصوم، وقوله بانفراده عندهم حجة، لأنه رأس الأمة ورئيسها، لا لكونه إجماعاً، وغير المعصومين لا يخالفونه عادة أو لا يقرهم على المخالفة، فالحجية عندهم منوطة بإجماع الأمة. وإذا كانوا يرون أن الإمام المعصوم غير موجود الآن، فلا يحدث إجماع أصلا بدونه([22]). والأئمة المعصومون أثنا عشر إماماً، وأنهم لا يخطئون في اجتهادهم. ولا يصلح القياس عندهم مستندا للإجماع.

ويرى الشيعة الإمامية والزيدية: أن إجماع العترة حجة، وأرادوا بالعترة أصحاب الكساء وهم السادة علي وزوجه فاطمة، وابناهما الحسن والحسين ـ عليهم السلام ـ([23])، وهم معصومون منزهون عن الخطأ في الاجتهاد، ولا تعترف الزيدية بالعصمة لغير هؤلاء من

(69)

أئمة آل بيت رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ، خلافاً للشيعة الإمامية الّذين يقولون ـ كما تقدم ـ بعصمة الأئمة الأثني عشر جميعهم([24]).

ويلاحظ أن أهل السنة: يعتبرون الإجماع حجة قائمة بذاتها، ويأتي في المرتبة الثالثة بعد الكتاب والسنة مباشرة في ترتيب الأدلة الشرعية.

ويرى الشيعة الإمامية أن حجية الإجماع بسبب حكايته عن الكتاب والسنة، بحيث يكشف عنهما أو عن أحدهما، وإلا فلا حجة له.

أما الزيدية: فيرون أن الإجماع المتواتر له قوة الأحاديث المتواترة، وهو الإجماع الثابت بيقين، ومقدم على نصوص الكتاب والسنة وظواهرها ومفهوماتها المعلومة([25]).

ويقول الشيعة الإمامية: إنّ الإجماع لم يقع، وهو غير ممكن، والمراد بحديث «لا تجتمع أمتي على الخطأ أو على الضلالة» نفي الخطأ والضلال عن الأمر تقرره الأمة باتفاقها واجتماع آرائها في أمر دنيوي وغيره، فضلاً عن أنّه ليس بمتواتر تواتراً معنويا، ولا تقصر الأمة على المجتهدين وأهل الحل والعقد فيها، وإنّما تشمل جميع الأفراد.

وبه يتبين أن جميع المذاهب الستة متفقة على اعتبار الإجماع حجة، ولكن حجيته تتفاوت قوة وضعفا لدى هذه المذاهب نتيجة اجتهادهم في الفهم والاستنباط([26]).

2 ـ العقل:

العقل المحض لا يعتبر مصدراً من مصادر التشريع أو الاستنباط عند فقهاء الشريعة الإسلاميّة بالاتفاق؛ لأنه لا يحقق العدالة المجردة، ولا المصلحة العامة الثابتة، ولا

(70)

الاستقرار المنشود، بسب تفاوت العقول البشرية في إدراك الأمور، واختلافها في مقاييس الخير والشر، وقصور إدراكها لحقائق الأشياء، واكتشاف آفاق المستقبل، وتأثرها بالمصالح الذاتية واندفاعها وراء الأهواء والشهوات، وحماية الثروات الخاصة والفئات المعينة.

حتّى إنّ المعتزلة الّذين يقولون: يصلح العقل لإدراك حسن الأشياء كالصدق والمروءة فتكون مأموراً بها، وادراك قبحها كالكذب والقتل، فتكون منهيا عنها، يقولون: إنّ هذا قبل البعثة النبوية، وإن العقل لا ينشئ هذه الأحكام ولا يضعها، وإنّما المنشئ لها هو الله رب العالمين، وحكم العقل مقصور على معرفة حكم الله تعالى في هذه الأشياء بواسطة إدراك صفات الحسن والقبح الذاتية فإذا أدرك ما فيها من حسن، أدرك حكم الله فيها، فيتعين عليه تركها ولا يتعدى عمل العقل معرفة الحكم وإدراكه، أما واضع الحكم ذاته ومشئه فهو الله رب العالمين.

ويقتصر دور المجتهدين باتفاق المذاهب الإسلاميّة على مجرد كشف الأحكام وإظهارها، بتفهم النصوص وتطبيقها والقياس عليها عند القائلين به، والاجتهاد في استخراج الأحكام منها، وليس فيه وضع للأحكام من عند أنفسهم، أو إنشاء لها بواسطة عقولهم وأفكارهم؛ لأنهم يستندون إلى الكتاب والسنة في كشف هذه الأحكام وبيانها، ولا يعتمدون على غيرها بتاتاً، سواء أكان الاجتهاد جماعياً أم فردياً.

فسلطة التشريع في الإسلام هي لله رب العالمين، وللرسول ـ صلى الله عليه وآله ـ، باعتبار أنّه رسول ومبلغ وحي الله إلى سائر الناس([27]).

والغزالي في مبحث دليل العقل والاستصحاب وهو الأصل الرابع لديه يعتبره دليلا على إدراك بعض الأحكام قبل البعثة، لا دليلاً على الحكم الشرعي ذاته، فيقول:

(71)

«دل العقل على براءة الذمة عن الواجبات وسقوط الحرج عن الخلق في الحركات والسكنات قبل بعثة الرسل ـ عليهم السلام ـ، وتأييدهم بالمعجزات، وانتفاء الأحكام معلوم بدليل العقل قبل ورود السمع، ونحن على استصحاب ذلك إلى أن يرد السمع»([28]). أي أن العقل يرشد إلى البراءة ويدل عليها، لا أنّه يقررها ويحكم بها.

والشيعة الإمامية والمعتزلة كالغزالي يعتبرون العقل مدركا وليس بحاكم، فهم كغيرهم من المسلمين ـ كما تقدم ـ يرون أن لا حكم إلاّ من الله تعالى، وهذا مقرر بإجماع الأمة، إلاّ أنهم يذكرون أن العقل إذا أدرك قبل البعثة حسن شيء أو قبحه، فينبغي على المرء أن يفعل الحسن ويترك القبيح، كوجوب قضاء الدين ورد الوديعة، والعدل والإنصاف، وحسن الدق النافع، وقبح الظلم وحرمته، وقبح الكذب مع عدم الضرورة، وحسن الإحسان واستحبابه([29])، فالعق ليستقل بإدراك الحسن والقبح. والمراد بالحسن هنا: هو ما يترتب على فعله المدح في الدنيا، والثواب في الآخرة، والمراد بالقبيح: ما يترتب على فعله الذم في الدنيا والعقاب في الآخرة. ولا يتوقف إدراك ذلك على الشرع، والشرع فقط مؤكد لحكم العقل فيما يعلمه من حكم الله تعالى([30]) وإذا أدرك الإنسان الحسن والقبح بهذا المعنى فيكلف به فعلاً أو تركا، ويترتب على ذلك الثواب أو العقاب في مخالفة ما أدركه العقل. فالحاكم حقيقة هو الشرع إجمالا، ولكن العقل في رأيهم كاف في معرفة حكم الشرع([31]).

والأشاعرة يخالفونهم في هذا الكلام بشقيه ك الإدراك والتكليف، لا،ه لو لم يكن الحسن والقبح في الأفعال بحكم الشارع نفسه، وكان بحكم العقل، لا ستحق تارك الحسن

(72)

وفاعل القبح قبل بعثة الرسل العقاب، وهذا مخالف لصريح الكتاب في قوله تعالى: ﴿.. وما كنا معذبين حتّى نبعث رسولا﴾([32]) وقوله سبحانه: ﴿ولولا أن تصيبهم مصيبة بما قدمت أيديهم فيقولوا: ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك ونكون من المؤمنين فلما جاءهم الحق من عندنا قالوا لولا أوتي مثل ما أوتي موسى...﴾([33]).

وأجاب الشيعة عن هذا الدليل بأن العقل ـ وأن كانت له وظيفة الإدراك ـ إلاّ أن إدراكه محدد بحدود خاصة لا تتجاوز الكليات، فالإدراك منحصر في الكليات ولا يتناول الأمور الجزئية، كما لا يتناول مجالات التطبيق إلاّ نادراً، والكليات لا تستوعب شريعة ولا تفي بحاجات البشر. بل إنّ ثبوت الشرائع من أصلها يتوقف على التحسين والتقبيح العقليين، ولو كان ثبوتها من طريق شعري لا ستحال ثبوتها([34]). وقال الشوكاني: «وبالجملة، فالكلام في هذا البحث طويل، وإنكار مجرد إدراك العقل لكون الفعل حسناً أو قبيحاً مكابرة ومباهتة. وأما إدراكه لكون ذلك الفعل متعلقا للعقاب فغير مسلم، وغاية ما تدركه العقل: أن هذا الفعل الحسن يمدح فاعله، وهذا الفعل القبيح يذم فاعله، ولا تلازم بين هذا وبين كونه متعلقا للثواب والعقاب»([35]).

والخلاصة: يرى الشيعة ـ كما قرر الشيخ محمّد تقي الحكيم وغيره ممن سبقه كالشيخ المظفر في أصول الفقه ـ أن العقل مصدر الحجج واليه تنتهي، فهو المرجع الوحيد في أصول الدين وفي بعض الفروع التي لا يمكن للشارع المقدس إلاّ أن يصدر حكمه فيها كأوامر الطاعة...وما ورد من الأوامر الشرعية بالإطاعة فإنما هو إرشاد وتأكيد لحكم العقل لا أنها أوامر تأسيسية. والإدراك العقلي لا يؤدي إلى إنكار الشرائع، بل الاحتياج

(73)

قائم على أتم صوره، لتدارك ما يعجز العل عن الولوج إليه، وهو أكثر الأحكام، بل كلها مع استثناء القليل([36]).

وفي تقديري أن الاعتماد على العقل ضروري في فهم أحكام التشريع، ولولا الإدراك العقلي لما امكن الاستنباط، والخلاف بين السنة والشيعة محصور في فترة ما قبل البعثة، وأما بعدها فهم متفقون مع غيرهم على أن مصدر جميع التكاليف الشرعية إنّما هو الشرع، وما لم ينص عليه الشرع فهو على الإباحة في رأي الشيعة وغيرهم([37])، ولا تلازم بين الإدراك العقلي وبين الثواب والعقاب، فهذان يحتاجان إلى تكليف من الشارع، ليتحقق في الفعل أو الترك معنى الطاعة أو العصيان.

3 ـ القياس:

القياس هو المصدر الرابع من مصادر التشريع عند أهل السنة، ومعناه عندهم: إلحاق أمر غير منصوص على حكمه([38])، أي أن وجود التشابه أو التماثل في معنى الحكم أو علته بين الأصول والفرع هو سبب القول بمشروعية القياس؛ لأن العقلاء يقررون للأشياء المتماثلة في المعنى حكما واحداً، والمنطق والعدالة يقضيان بذلك، فلا يعقل القول بتحريم الخمر (الشراب المتخذ من عصير العنب) بسبب الإسكار، وعدم تحريم النبيذ (أي شراب مسكر متخذ من غير العنب كالفواكه الأخرى والحبوب).

والقياس مظهر للحكم لا مثبت ولا منشئ له، والعلة أساس الحكم، وعمل المجتهد هو إظهار الحكم في الفرع بسبب اتحاد علة الحكم في المقيس والمقيس عليه وطريق

(74)

الإظهار أو الكشف أنّه إذا ورد نص في الكتاب أو السنة على حكم واقعة، وعرف المجتهد علة الحكم، ثم لاحظ وجود العلة نفسها في واقعة أخرى، فإنه يغلب على الظن الاشتراك في الحكم بين الواقعتين، فيلحق ما لم ينص عليه بما ورد فيه نص، ويسمى هذا الإلحاق القياس، والقياس قطعياً كان أو ظنيا وإن كان متفقاً عليه في المذاهب الأربعة من حيث المبدأ إلاّ أن المجتهدين قد يختلفون في ثمرته ونتيجته، وقد يقيس بعضهم،ولا يقيس بعض آخر، لوجود ما نع من القياس. مثل قياس الوصية على الإرث في حالة القتل، فيمنع الموصى له القاتل من الوصية عند الجمهور، كما يمنع الوارث القاتل من الإرث بالحديث النبوي: «ليس للقاتل من الميراث شيء» ([39])والعلة هي استعجال الشيء قبل أوانه، فيعاقب بحرمانه، وهذه العلة متحققة في تقل الموصى له الموصي. ولم يقس الشافعية الوصية على الإرث في جعل القتل مانعاً منها كجعل التقل مانعاً من الإرث، فأجازوا في الأظهر الوصية للقاتل، لأنها تمليك بعقد فأشبهت الهبة، وخالفت الإرث. وصروتها: أن يوصي لجاره ثم يموت، أو لإنسان فيقتله، فالقتل لا يمنع الوصية([40]).

وتعريف القياس عند الإمامية هو: «إثبات حكم في محل بعلة لثبوته في محل آخر بنفس العلة» أو هو «مساواة فرع لأصله في علة حكمه الشرعي»([41]).

وتعريفه عند الزيدية كما جاء في كتاب معيار العقول هو: «حمل الشيء على الشيء لضرب من الشبه».

وهذا التقارب في التعارف لا يعني الاتفاق على حجية القياس «فأهل السنة يعتبرونه مصدرا رابعاً بعد المصادر الثلاثة الأولى وهي: الكتاب والسنة والإجماع. أما

(75)

الشيعة الإمامية فلا يعتبرونه مصدراً رئيساً، وإنّما هو قرينة كسائر القرائن، وليس هو حجة إلاّ في صورتين فقط»([42]).

الأولى: أن يكون القياس بنفسه موجباً للعلم بالحكم الشرعي.

الثانية: أن يقوم دليل قاطع على حجيته إذا لم يكن بنفسه موجبا للعلم.

أي أن القياس القطعي هو الحجة دون القياس الظني، فما كان مسلكه قطعياً أخذ به، وما كان غير قطعي لا دليل على حجيته قال الشيخ محمّد تقي الحكيم: «والشيء الذي لا اشك فيه هو أن المنع عن العمل بقسم من أقسام القياس يعد من ضروريات مذاهب الإمامية، لتواتر أخبار أهل النبي في الردع عن العمل به، لا أن العقل هو الذي يمنح التعبد له ويحيله»([43]).

وقد ذكر الكليني الآثار المختلفة عن الإمام جعفر الصادق ـ عليه السلام ـ في رد الأمر إلى الكتاب والسنة في جميع ما يحتاج إليه الناس([44]).

وذكروا قصة إنكار القياس عن الإمام الصادق في لقائه بأبي حنيفة، لان أول من قاس إبليس([45]).

وردد هذه الكلمة أيضاً داود الأصفهاني، فالإمامية كالظاهرية والشوكاني وهم نفاة القياس يقولون: إنّ القياس الظني جائز عقلاً، ولكن لم يرد في الشرع ما يدل على وجوب العمل بالقياس.

ورد الشهرستاني على عبارة داود وغيره: «إنّ أول من قاس إبليس» بقوله: «لقد ظن أن القياس أمر خارج عن مضمون الكتاب والسنة، ولم يدر أنّه طلب حكم الشرع

(76)

من مناهج الشرع، ولم تنضبط قط شريعة من الشرائع إلاّ باقتران الاجتهاد بها، لأن من ضرورة الانتشار في العالم الحكم بأن الاجتهاد معتبر، وقد رأينا الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ كيف اجتهدوا، وكم قاسوا خصوصاً في مسائل المواريث من توريث الإخوة مع الجد، وكيفية توريث الكلالة (من لا والد له ولا ولد) وذلك مما لا يخفى على المتدبر لأحوالهم»([46]). والواقع أن امتناع إبليس عن السجود لآدم مبني على ما تخيله من علة للحكم، وهو ليس بعلة، فإن تخيل أن الأمر بالسجود يقتضي أن يبتني على أساس التفاضل العنصري، وهو يعتقد بأنه أفضل في عصنره من آدم لكونه مخلوقاً من نار، وآدم مخلوق من طين.

ويظل الفرق بين أهل السنة والشيعة قائماً بالنسبة للقياس المظنون الذي يعتمد في استنباط علته على مسالك ظنية كالمناسبة والسبر والتقسيم، واطراد العلة، وسلامة العلة عن النقيض، ولك ذلك لا دليل في تقدير الإمامية على حجيته، لأنه مجرد ظن، وإن الظن لا يغني من الحق شيئاً.

والذي يبدو لي أن منزلة العقل من الأدلة عند الشيعة كمنزلة القياس منها عند أهل السنة، ولكن المقصود من الدليل العقلي عند الشيعة بمذهبيها الإمامي والزيدي غير واضح تماماً وبعضهم فسر دليل العقل بالبراءة أو بالاستصحاب أو بدليل الخطاب أي مفهوم المخالفة([47]) وحسم العلامة المظفر في كتابه «أصول الفقه» الخلاف في دليل العقل حينما قال: وكيفما كان، فالذي يصلح أن يكون مراداً من الدليل العقلي المقابل للكتاب والسنة هو: «كلّ حكم للعقل يوجب القطع بالحكم الشرعي».

لكن الفرق بين السنة والشيعة أن حكم العقل دليل مستقل عن الكتاب والسنة

(77)

ومصدر ثالث عند الإمامية وأول عند الزيدية، وليس دليلا مستقلا عند فقهاء السنة.

ومرد الخلاف في حجية القياس بنحو واضح هو مسألة تعليل النصوص([48])، فنفاة القياس يلتزمون التمسك بظاهر النصوص ويقصرون بيان النصوص على العبارة وحدها ولا يتجاوزونها إلى غيرها، ومثبتو القياس يأخذون بمبدأ تعليل النصوص ووسعوا معنى دلالاتها، فقالوا: إنّ الدلالة على الأحكام تكون بألفاظ النصوص، وبالدلائل العامة التي تبينها مقاصد الشريعة في جملة نصوصها وعامة أحوالها.

فنص آية ﴿.. إنّما الخمر..﴾([49]) يدل على تحريم الخمر بالعبارة، وفيه دلائل تشير إلى أن كلّ ما فيه ضرر غالب يكون حراماً، بدليل آية: ﴿.. قل فيهما إثم كبير...﴾([50]).

وحينئذ يكون القياس في الحقيقة إعمالا للنص وليس خروجاً عن النص، كما يذكر منكرو القياس. فالخلاف راجع إذن إلى مسألة تعليل النصوص، فالمثبتون قرروا أن الأحكام الشرعية معللة معقولة المعنى، والعلة باعثة على نقل الحكم من الأصل إلى الفرع. وونفاة القياس قرروا أن النصوص غير معللة تعليلا من شأنه تعدية الحكم إلى ما وراء النص([51]).

والمنهج العام في القرآن الكريم والسنة النبوية يدل على استعمال القياس([52])، فمن الآيات القرآنية: قوله تعالى: ﴿ولقد جاء آل فرعون النذر. كذبوا بآياتنا كلها فأخذناهم أخذ عزيز مقتدر. أكفاركم خير من أولئكم أم لكم براءة في الزبر﴾([53]) والزبر: الكتب التي

(78)

أنزلها الله تعالى، فهذا إنذار من الله سبحانه إلى كفار قريش بإنزال العذاب عليهم، كما عذب آل فرعون، لتماثلهم في السبب وهو تكذيب الرسل. وفي هذا تعدية للحكم الذي كان لقوم فرعون إلى من جاء بعدهم.

ومن السنة النبوية: وقائع عملية وأقوال مروية تدل على استعمال الأقيسة التي لها دلالة التواتر المعنوي، مثل النيابة في الحج وهي «أن رجلا من خثعم جاء إلى الرسول ـ صلى الله عليه وآله ـ، فقال: إنّ أبي أدركه الإسلام، وهو شيخ كبير لا يستطيع ركوب الرحل، والحج مكتوب عليه أفأ حج عنه ؟ قال: أنت أكبر ولده ؟ قال: نعم، قال: أرأيت لو كان على أپيك دين فقضيته عنه، أكان يجزئ ذلك عنه ؟ قال: نعم، قال: فاحجج عنه»([54]).

فالرسول ـ صلى الله عليه وآله ـ قاس هنا دين الله على دين العباد في وجوب القضاء أو الإنابة في الحج.

والخلاصة: اتفقت المذاهب كلها على العمل بالقياس المقطوع به كالقياس المنصوص العلة والقياس الذي قطع فيه بنفي تأثير الفارق بين الأصل والفرع وانحصر الخلاف في القياس المظنون العلة، ومن الصعب تجاوزه أو نفيه، وإلاّ لم يوجد اجتهاد بالرأي أصلاً، أي الرأي المتفق مع روح الشريعة ومقاصدها العامة، لا الرأي المحض النابع من الفكر الذاتي والهوى الشخصي.

4 ـ المصادر التبعية:

إنّ المستقلات العقلية أو حكم العقل المقرر دليل ثالث عند الإمامية، ودوره في إدراك الأحكام الشرعية، وإن لم يكن حاكماً عليها في رأي الشيعة الإمامية يتفق تماماً مع ما قرره فقهاء السنة من اعتماد مصادر تبعية في الاستنباط تعتبر بمثابة قواعد عامة أو

(79)

كليات مبدئية ([55]) تقرر ضرورة الانتباه إلى مصلحة عامة تتفق مع جنس مصالح التشريع التي بنيت الأحكام عليها، أو تراعي ما تتفق عليه الأمة مما هو ملائم للشرع، عملاً بالقاعدة أو الأثر المروي عن عبدالله بن مسعودt: «ما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن، وما رآه المسلمون قبيحا فهو عند الله قبيح » وهذه المصادر: ما حقق علماء السنة لا تصلح أن تكون أدلة مستقلة في مقابل الكتاب والسنة، وإنّما هي قواعد كلية. وبذلك يتفق علماء السنة والشيعة على هذا الاتجاه العام وهذا ما أيده بعض علماء الشيعة([56]).

وحكم العقل في التكاليف الشرعية مقبول في المذاهب الإسلاميّة إذا كان بناء على ما جاء به الشرع من عموميات، ولم يرد نص بالتحليل أو بالتحريم، فإذا كان في شيء مصلحة، ولم يرد نهي عنه، وكان خالياً من الفساد، فهو بحكم العقل مباح، وعكس ذلك إذا كان في شيء مضرة كتعاطي المخدرات، ولم يرد نص بتحريمه، كان بحكم العقل حراماً؛ لأن الله لا يرضى لعباده الضرر، ولايريد الفساد.

أما حكم العقل المقابل للكتاب والسنة بوصفه دليلاً مستقلا عنهما على أنّه مدرك لا حاكم، فهو مقبول عند الشيعة الإمامية والزيدية، مرفوض عند علماء السنة([57]).

ويحسن استعراض المصادر التبعية لا لتماس بعض وجوه الوفاق والالتقاء بين السنة والشيعة عملا، وان لم يصرح به نظريا.

أولا: الاستحسان:

اشتهر الحنفية بالأخذ بالاستحسان، وأيدهم المالكية والحنابلة حتّى قال الإمام

(80)

مالك t: «الاستحسان تسعة أعشار العلم» وأنكر الإمام الشافعي الاستحسان المقول بمحض الرأي الخارج عن أدلة الشرع ومضامينه، فقال في كتابه الرسالة: «من استحسن فقد شرع» أي وضع شرعاً جديداً.

وحقيقة الاستحسان يتناول أمرين([58]):

1 ـ ترجيح قياس خفي على قياس جلي، بناء على دليل

2 ـ استثناء مسألة جزئية من أصل كلي أو قاعدة عامة، بناء على دليل خاص يقتضي ذلك. وتعريفه: أنّه العمل أو الأخذ بأقوى الدليلين([59]).

ويكون الاستحسان بحسب الدليل الذي يثبت به، وهو إما النص أو الإجماع أو الضرورة أو القياس الخفي أو العرف، أو المصلحة ونحو ذلك مثال الاستحسان بالعرف: إجارة الحمام بأجرة معينة دون تحديد سابق لقدر الماء المستعمل في الاستحمام، ومدة الإقامة في الحمام. ومثله شرب الماء من أيدي السقائين من غير تقدير سابق.

ومثال الاستحسان بالضرورة: تطهير الآبار أو الأحواض التي تقع فيها نجاسة بنزح مقادير معينة من الدلاء بحسب حجم الدلو ومقدار النجاسة. ومثال الاستحسان بالمصلحة صحة وصية المحجور عليه لسفه في سبيل الخير، تحصيلاً للثواب وجلب الخير للموصي، بعد موته، مع عدم الإضرار به في حال حياته، وتضمين الصناع مع أنهم أمناء، حفاظاً على أموال الناس.

والمعروف عن الشيعة والظاهرية أنهم ينكرون العمل بالاستحسان، فهم من النفاة، ويقول الشيعة عن الاستحسان بالإجماع: إنه عمل بالإجماع على الحكم بالخصوص لا على استحسانه([60]).

(81)

لكن يلاحظ أن العمل بالعرف مقبول عند الشيعة إذا وصل الحكم الذي يقوم عليه إلى زمن المعصومين واقر من قبلهم، وعندها يكون إقرار المعصوم هو الدليل، لا الاستحسان العرفي، وإقرار المعصوم من السنة عندهم، وهذا يطابق ما قالوا في الإجماع.

والاستدلال بأثر ابن مسعود «ما رآه المسلمون حسناً، فهو عند الله حسن» وإنّما هو في تقديرهم لتأكيد قاعدة الملازمة بني حكم العقل وحكم الشرع، أي ما أطبق العقلاء على حسنه فهو عند الله حسن([61]).

وانتهى الباحث الشيخ تقي الحكيم إلى القول: إنّ كان المراد بالاستحسان «هو خصوص الأخذ بأقوى الدليلين» فهو حسن ولا مانع من الأخذ به، إلاّ أن عده أصلا في مقابل الكتاب والسنة ودليل العقل لا وجه له([62]).

وفي التطبيقات أو الاجتهادات الفرعية لا أجد لبعض الاجتهادات عند الإمامية تسويغاً إلاّ بالاستحسان، وإن طلب الشفعة بعد العلم بالبيع فوري، لا على التراخي، لكنهم قالوا بجواز إمهال أو تأجيل الشفيع في طلب الشفعة لمدة ثلاثة أيام إذا أدعى الشفيع غيبة الثمن، فيؤجل ثلاثة أيام([63]). وسئل الإمام جعفر الصادق عن رجل طلب شفعة، فذهب ولم يحضر ؟ قال: ينتظر ثلاثة أيام([64]).

ثانيا: المصالح المرسلة أو الاستصلاح:

اشتهر المالكية بالأخذ بالاستصلاح، وأقرهم الجمهور([65])، مثل جمع المصحف وتدوين الدواوين وتضمين الصناع، وأخذ به الغزالي إنّ كانت المصلحة ضرورية قطعية كلية، أي من إحدى الضروريات الخمس وهي حفظ الدين والنفس والعقل والنسب

(82)

والمال، ويجزم بحصول المصلحة فيها، وتكون موجبة لفائدة عامة للمسلمين، مثل قتل بعض المسلمين الاسارى الّذين تترس بهم الأعداء حتّى لا يقتحموا بلاد المسلمين ويتذرعوا بدريئة الاسرى أثناء تقدمهم، ففي ذلك مصلحة عامة للمسلمين، وحفظ جماعة المسلمين أقرب إلى مقصود الشرع من حفظ مسلم واحد أو عدد محصور. ومثل توظيف الخراج على الأراضي المملوكة للأغنياء إذا خلا بيت المال من الأموال ولم يكن من مال المصالح ما يفي بحاجات الجند، ولو اشتغل الجنود بالكسب لخيف دخول الكفار بلاد المسلمين، فيوظف الخراج دفعاً لأشد الضررين وأهون الشرين.

أما الشيعة الإمامية: فلا يقولون بالمصالح المرسلة إلاّ ما رجع منها إلى حكم العقل على سبيل الجزم، وما عداه فهو ليس بحجة([66])، واتفق فقهاء الشيعة على منع الفتوى بالمصالح المرسلة([67])، فهم كالشافعية الّذين ينكرون الاستحسان والاستصلاح، لان من استحسن أو استصلح فقد شرع وكلاهما متابعة للهوى ([68])، هذا في الواقع إنكار للمصالح التي لم يعتبرها الشرع ولو في الجملة، والادق أنهم كالغزالي، يقول المحقق القمي: «والمصالح إما معتبرة في الشرع وبالحكم القطعي من العقل، من جهة إداراك مصلحة خالية من المفسدة كحفظ اليدن والنفس والعقل والمال والنسل، فقد اعتبر الشارع صيانتها، وترك ما يؤدي إلى فسادها([69]). ومثبتو العمل بالمصالح المرسلة ت وان أوهم هذا التعبير شيئاً من اللبس ـ هم في الواقع يأخذون بها إذا كانت من جنس المصالح التي بنى الشرع الحكم عليها، وقد استدلوا بأفعال الصحابة واجتهاداتهم، مثل جمع المصحف

(83)

 وتدوينه بحرف واحد، وقتل الجماعة بالواحد، وتضمين الصناع، مع أنهم في الأصل أمناء على ما في ايديهم من أموال الناس، منعاً من تهاونهم، مع حاجة الناس إليهم، قال الغمام علي كرم الله وجهه « لا يصلح الناس إلاّ ذاك».

والخلاصة: اتفق المحققون من السنة والشيعة على أن المصالح المرسلة لا تصلح كالاستحسان دليلاً مستقلاً في مقابل الكتاب والسنة، ولا في مقابل العقل عند الشيعة الإمامية. والعلماء متفاوتون في مقدار الأخذ بها، فأكثرهم أخذاً بها مالك ويليه أحمد ثم يليه الحنفية، ثم الشافعي من واقع تفريعات مذهبه ونقول الثقات عنه في تأصيلها. ومع هذا اؤيد الغزالي وابن دقيق العيد في ضرورة الاحتياط في الأخذ بها، لان الاسترسال فيها فيه حرج، ويحتاج إلى دقة في الفهم، وعمق في الاستنباط([70]).

ويلاحظ أن الإمامية كالشافعية في أن الصانع أو الأجير المشترك كالملاح والمكاري لا يضمن ما يتلف في يده إلاّ بالتفريط أو التعدي على الأصح؛ لأن يده يد أمانة لا يد ضمان([71])

ثالثا: سد الذرائع:

الذريعة كما ذكر ابن القيم وهو أسلم التعاريف: هي كلّ ما كان وسيلة وطريقاً إلى الشيء([72])، والشيء يقصد به الأحكام الشرعية من طاعة أو معصية وهذا يشمل سد الذرائع؛ أي الحيلولة دون الوصول إلى المفسدة إذا كانت النتيجة فساداً؛ لأن الفساد ممنوع، وفتح الذرائع: ومعناه الأخذ بالذرائع إذا كانت النتيجة مصلحة، لأن المصلحة مطلوبة، قال القرافي([73]).

(84)

«إعلم أن الذريعة كما يجب سدها، يجب فتحها، وتكره وتندب وتباح، فغن الذريعة هي الوسيلة، فكما أن وسيلة المحرم محرمة، فوسيلة الواجب كالسعي للجمعة والحج...»

فإذا أدت الذريعة إلى قربة وخير أو عمل مبرور كانت مطلوبة، لأن المصلحة مطلوبة، وإذ أدت إلى ممنوع هو مفسدة أو مضرة كانت ممنوعة، لأن المفاسد أو المضار ممنوعة.

ويكن حكم الذريعة أو الوسيلة ـ كما ذكر القرافي وابن القيم وجماعة ـ حكم ما أفضت إليه من تحريم أو تحليل، والوسيلة إلى أفضل المقاصد أفضل الوسائل، إلى ما يتوسط متوسطة؛ فإذا كان الجهاد فريضة فكل الأعباء والمتاعب المؤدية إليه يكون المجاهد مثابا عليها، لقوه تعالى ﴿ذلك بأنه لا يصبهم ظلما ولا نصب ولا مخمصة في سبيل الله، ولا يطؤون موطئاً يغيظ الكفار، ولا ينالون من عدو نيلاً إلا كتب لهم به عمل صالح..﴾([74]).

وبما أن الفاحشة حرام، كون النظر إلى عورة الأجنبية حراماً، لأنه يؤدي إلى الفاحشة.

وتكون وسيلة المحرم محرمة، ووسيلة الواجب واجبة، وهذا مبني على القاعدة المشهورة المقررة عند جماهير العلماء وهي مقدمة الواجب: «ما لا يتم الواجب إلاّ به فهو واجب».

وقد اعتبر الإمامان مالك وأحمد مبدأ الذرائع أصلاً من أصول الفقه([75])، سواء تعينت الوسيلة للغاية أم لم تتعين، ويتفق أكثر الفقهاء على الحالة الأولى. قال ابن القيم([76]).

(85)

أن سد الذرائع ربع الدين. ثم أورد حوالي مائة دليل من الآيات والأحاديث على اعتبار الوسائل. وأخذ بالمبدأ الإمامان أبو حنيفة والشافعي في بعض الحالات، وأنكرا العمل به في حالات أخرى، وأنكره ابن حزم الظاهري مطلقاً.

وأخذ الشيعة الإمامية بالذرائع فتحا وسدا، وبخاصة إذا كانت بمعنى المقدمة، فإنهم كالشافعية يعتبرون المقدمة تابعة في حكمها للمقدم له أو الغاية، على اختلاف في معنى هذه التبعية وفي حدودها من حيث الإطلاق والتقييد. وأنكر بعض المتأخرين كالشيخ حسين الاصفهاني والسيد محسن الحكيم والسيد أبو القاسم الخوئي تبعيتها للنتيجة أو الغاية في حكمها، وقررا أن لها حكها المستقل المأخوذ من أدلته الخاصة. وانتهى المحقق العلامة محمّد تقي الحكيم إلى اعتبار سد الذرائع وفتحها أصلا في مقابل الأصول على أنها من السنة، أو العقل أخذاً بقاعدة الملازمة وانتقد اعتبارها عند مالك وأحمد وابن تيمية وابن القيم من أصول الأحكام في مقابل بقية الأصول وأما ما ورد على لسان الشرع مما هو صريح بالردع عن الآتيان بالمقدمات المحرمة، فهو من قبيل الإرشاد إلى حكم العقل.والتأكيد له،لا أنها أحكام تأسيسية([77]).

وفي تقديري وتقدير المحققين كالقرافي أن ما دلت عليه نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية من الأخذ بالذرائع لا إشكال في الأخذ به، مثل النهي في القرآن استعمال كلمة «راعنا» في آية ﴿يا أيها الّذين آمنوا لا تقولوا راعنا، وقولوا انظرنا واسمعوا..﴾([78]) والنهي عن سب آلهة المشركين أمامهم حتّى لا يحملهم ذلك على سب الإله الحق في آية: ﴿ولا تسبوا الّذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم...﴾([79]).

(86)

ومثل الشواهد القولية والعملية الكثيرة من السنة كالنهي عن شتم الرجل أبوي غيره حتّى لا يكون ذريعة إلى سب أبوي نفسه، والنهي عن خطبة المعتدة كيلا يؤدي إلى الزواج في العدة، والنهي عن بيع وسلف لئلا يؤدي إلى الربا، والنهي عن قبول هدي المقترض لئلا يتخذ ذريعة إلى تأخير الدين لاجل الهدية، فيكون ربا.

وينحصر محل الخلاف في الذرائع في البيوع الربوية أو بيوع الآجال، ومنها بيوع العينية، لأنه يتوسط في التعامل بالربائين، كأن يبيع الشخص سلعة بثمن مؤجل ثم يشتريها من المشتري بثمن معجل أقل، فيكون الفرق ربا. لقد حرم المالكية والحنابلة([80]).

هذه البيوع بسبب كثرة قصد الناس التواصل بها إلى ممنوع شرعاً في الباطن كبيع بسلف، وسلف بمنفعة وروي في السنة حديث يمنع من بيع العينة وهو: «إذا ضمن الناس بالدينار والدرهم، وتبايعوا بالعينة، وابتعها أذناب البقر، وتركوا الجهاد في سبيل الله، أنزل الله عليهم بلاء، فلا يرفعه حتّى يراجعوا دينهم»([81]).

ومنع أبو حنيفة بيع العينة لا بسبب الذرائع، وإنّما بسبب فساد البيع الثاني لعدم تمام البيع الأول، وللنهي عن بيع الشيء قبل قبضه وصحح الشافعي هذا البيع لسلامته في الظاهر واستيفاء أركانه وشرائطه، وترك ناحية القصد الباطن إلى الله بتقرير الإثم والعقاب الاخروي، أي أن العقد حرام للنهي عنه، صحيح في الظاهر، حتّى يقوم الدليل على قصد الربا المحرم([82]).

وأما الإمامية فيرون في الأصح أو الأشبه كراهة بيع المكيل أو الموزون قبل قبضه، وليس البيع حراماً ولا باطلاً، لان المشتري باع ما يملكه بمجرد انعقاد العقد([83])، وهم

(87)

لا يبطلون العقد بالباعث السيئ، أو الخبيث.

جاء في المختصر النافع في فقه الإمامية ص (146) ويصح أن يبتاع ما باعه نسيئة قبل الأجل بزيادة ونقصان بجنس الثمن وغيره، حالاً ومؤجلاً إذا لم يشترط ذلك. وفي الاتجاه الجديد منع الإمام الخميني في البيع والعلامة باقر الصدر كلّ بيع يتخذ في الظاهر سبيلاً للربا.

رابعاً: العرف:

العرف: هو ما اعاده الناس وساروا عليه من كلّ فعل شاع بينهم، أو لفظ تعارفوا إطلاقه على معنى خاص لا تألفه اللغة، ولا يتبادر غيره عند سماعه، وهو بمعنى العادة الجماعية. وقد شمل هذا التعريف العرف العملي والعرف القولي([84]).

وبعبارة أخرى: العرف: ما تعارفه الناس، وساروا عليه من قول أو فعل أو ترك، ويسمى العادة([85]).

والفرق بينه وبين الإجماع: أنّه يكفي فيه سلوك الاكثرية من عوام وخواص، فهو أشبه بالسيرة، وأما الإجماع فمبناه اتفاق الأمة أو مجتهديها.

وهو حجة في التشريع عند فقهاء السنة إذا كان عرفا صحيحاً: وهو ما تعارفه الناس دون أن يحل حراماً أو يحرم حلالاً، كتقديم عربون في عقد الاستصناع، وقسمة المهر إلى مقدم ومؤخر. أما العرف الفاسد فلا يعمل به، وهو ما تعارف الناس، ولكنه يحل حراماً أو يحرم حلالا، كتعارفهم أكل الربا والتعامل مع المصارف الربوية بالفائدة، واختلاط النساء بالرجال في المناسبات العامة كالحفلات والزفاف، والرقص والغناء المبتذل.

لذا قالوا: العادة محكمة، والثبات بالعرف ثابت بدليل شرعي. والمعروف عرفاً

(88)

كالمشروط شرطاً وتطبيقاته كلّ ما ورد به الشرع مطلقاً، ولا ضابط له فيه ولا في اللغة، يرجع فيه إلى العرف، كالحرز في السرقة، والتفرق في البيع، ووسائل تحقيق القبض في تسلم المعقود عليه أو العوض([86]).

والأئمة الأربعة بنوا بعض أحكامهم على أعراف زمانهم، وتتغير الأعراف بتغيير الأزمان، والوقائع متجددة، والحاجة إلى معرفة حكم الله فيها مستمرة، لأن شريعة الله تخاطب الناس في كلّ العصور([87])، لذا قال الإمام علي ـ عليه السلام ـ: «لم تخل الأرض من قائم لله بحجة» ورتب الإمامية على هذا القول الدعوة إلى فتح باب الاجتهاد، وكذلك مجدو السنة الّذين حاربوا التقليد وأعلنوا فرضية الاجتهاد، كالسيوطي في كتابه«الرد على من أخلد إلى الأرض وجهل أن الاجتهاد في كلّ عصر فرض» وكابن تيمية وابن القيم والشوكاني لكن انتقد العلامة محمّد تقي الحكيم أنّه لا موضع لإطلاق وتعميمات العبارات السابقة مثل العادة محكمة ونحوها ثم صرح بأن العرف ليس أصلا قائماً بذاته في مقابل الأصول، وذكر أن مجالاته ثلاثة([88]).

1 ـ ما يستكشف منه حكم شرعي فيما لا نص فيه، مثل الاستصناع وعقد الفضولي، إذا كان عرفاً عاماً يشمل مختلف الأزمنة والأمكنة، بما فيها عصر المعصومين. وهذا راجع إلى السنة فإنه يرجع للعرف لمعرفة حكم الشارع، ولابد من الرجوع إليه.

2 ـ ما يرجع إلى لتشخيص بعض المفاهيم التي أوكل الشارع أمر تحديدها إلى العرف، ثمل لفظ الإناء والصعيد، وأكثر مصارف الزكاة التي ذكرتها الآية المباركة، فهي عرفية ن ومنها مصرف الفقراء والمساكين وفي سبيل الله. وهذا أمر يتعلق بتحديد المراد من

(89)

السنة حكما أو موضوعاً.

3 ـ تحديد مراد المتكلمين، سواء أكان المتكلم هو الشارع أم غيره، ويشمل هذا الدلالات الالتزامية في مراد الشارع إذا كان منشأ الدلالة الملازمات العرفية، كحكم الشارع مثلاً بطهارة الخمر إذا انقلب خلاًُ، فهو ملازم عرفاً للحكم بطهارة جميع أطراف إنائه. ويدخل في هذا القسم تحديد مراد كلام غير الشارع في أبواب الإقرارات والوصايا والشروط والأوقاف وغيرها، سواء كان العرف عاماً أو خاصاً وهذا كالمجال الثاني مرجعه إلى السنة، لان الشارع أو كلّ تحديد موضوعاته إلى العرف، كما أو كلّ إليه تحديد مراد المتكلمين.

والحق أنّه لا خلاف في حجية العرف إلاّ في التكييف بين السنة والشيعة، فالفريق الأول اعتبروه حجة ودليلهم الحاجة والواقع واجتهاد الصحابة والفريق الثاني لم يسعهم إلاّ أن يعترفوا بحجية العرف ولكن بإرشاد الشارع، فالكلام متقارب أو واحد في الجملة وصرح بعض علماء الأصول من أهل السنة بما يتفق مع كلام الإمامية: إنّ العرف عند التحقيق ليس دليلا شرعياً مستقلا([89]).

خامساً: شرع من قبلنا:

وهو أحكام الشرائع التي أنزلها الله عز وجل على الأنبياء السابقين كإبراهيم وموسى وعيسى ـ عليهم السلام ـ، فصارت ديناً كالحنيفية ملة إبراهيم، واليهودية شريعة موسى، والنصرانية ديانة عيسى.

وانقسم أهل السنة بشأن هذا المصدر فريقين([90]). الجمهور (الحنفية والمالكية

(90)

والحنابلة) يرون أن ما صح من شرع من قبلنا شرع لنا ما لم ينسخ في شريعتنا، من طريق الوحي في القرآن أو السنة النبوية، لا من جهة كتبهم المبدلة، فيعمل به ما لم يرد في شرعنا خلافه، ولم يظهر إنكار له؛ لأنه شرع من الشرائع التي أنزلها الله، لوم يوجد ما يدل على نسخه، فنكون مطالبين به، لقوله تعالى: ﴿أولئك الذي هداهم الله فبهداهم اقتده...﴾([91]) وقوله سبحانه: ﴿ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفاً...﴾([92]).

وفريق الشافعية ومثلهم الأشاعرة والمعتزلة والشيعة: يرون أن شرع من قبلنا ليس شرعاً لنا مطلقا إلاّ ما أقرته شريعتنا، لقوله تعالى: ﴿... لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً...﴾([93]) ولأنه لو كان شرع السابقين شرعاً لنا لكان تعلمه ونقله وحفظه من فروض الكفايات كالقرآن والأخبار النبوية، ولرجع الصحابة إليها في مواضع اختلافهم حيث أشكل عليهم، كمسألة العول، وميراث الجدة، والمفوضة ن وبيع أم الولد، وحد الشرب، ربا النسيئة، ومتعة النساء، ودية الجنين، وحكم المكاتب إذا كان عليه شيء من النجوم، والرد بالعيب بعد الوطء، والتقاء الختانين، وغير ذلك من أحكام تقررها الأديان والكتب، ولم ينقل عنهم مراجعة التوارة، ولا يجوز القياس إلاّ بعد اليأس من الكتاب([94]).

ويمكن التوفيق بين الرأيين بأن أدلة المثبتين تدل على أصل إمضاء الشرائع السابقة واقرارها دون الأخذ بظواهرها جميعاً وإذا أقرت شيعتنا أصل الشرائع كانت حجة وعلينا اتباعها على كلّ حال، لكن الكتب المتداولة عند اليهود والنصارى ليست حجة بالنسبة الينا لتحريفها، وهذا متفق عليه.

(91)

ولدى التحقيق تبين أن شرع من قبلنا ليس دليلا مستقلاً من أدلة التشريع، وإنّما مردود إلى الكتاب أو السنة، لأنه لا يعمل به إلاّ إذا قصه الله تعالى أو رسوله ـ صلى الله عليه وآله ـ من غير إنكار أو تصريح بالقبول، ولم يرد في شرعنا ما يدل على نسخه، والسكوت عنه لدى جماعة المثبتين في قوة الإقرار في مجال التشريع([95]).

وقرر جماعة من الأصوليين كإمام الحرمين الجويني والمازري والماوردي والشوكاني أنّه لا فائدة عملية ولا ثمرة للخلاف بالنسبة إلينا، بل يجري مجرى التواريخ المنقولة.

سادساً: مذهب الصحابي:

قول الصحابي أو مذهبه: هو الاجتهاد الصادر عنه قولاً أو سلوكا من غي معرفة مستند له. وفي حجيته أقوال أشهرها اتجاهان([96]):

اتجاه الجمهور (الحنفية والمالكية والحنابلة): أنّه حجة شرعية مقدمة على القياس، لما ورد في شأن الصحابة من أحاديث مثل: «اقتدوا باللذين من بعدي: أبي بكرو عمر»([97]).

«عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي»([98]).

ولان احتمال سماعهم عن النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ قائم، ولأن اجتهادهم أقرب للإصابة في الرأي ببركة صحبة النبي، واطلاعهم على أسرار التشريع وأحوال التنزيل وأسباب نزوله، ويتميزون بالعدالة والفضل في

(92)

السبق للإسلام، ومناصرته، وتثبيت الدين، وفهم مراميه ومقاصده العامة والخاصة.

واتجاه الشافعية وجمهور الأشاعرة والمعتزلة والشيعة: أنّه ليس بحجة: لأن الصحابي من أهل الاجتهاد، والمجتهد يجوز الخطأ أو السهو عليه، فلا يجب على التابعي المجتهد ولا من بعده العمل بمذهبه، والذي يروى عنه لا يرقى إلى مرتبة الخبر المرفوع، وكان الصحابة يقرون التابعين على اجتهادهم، وكان للتابعين آراء مخالفة لمذهب الصحابي، فلو كان قول الصحابي حجة على غيره، لما ساغ للتابعي الاجتهاد، ولأنكر عليه الصحابي مخالفته لقوله.

ويلاحظ أن محل النزاع في حجية قول الصحابي هو بالنسبة لغير الصحابة وهم من بعد الصحابة من التابعين ومن بعدهم، لا مجتهدة الصحابة.

والواقع أن مذهب الصحابي كمشرع مثل القرآن والسنة لا يقبل بحال، واما مذهبه كمجتهد فهو كبقية المجتهدين، يؤخذ من قوله ويرد، فلا يكون مذهب الصحابي دليلاً شرعياً مستقلاً فيما هو مقول بالاجتهاد المحض؛ لأن المجتهد يجوز عليه الخطأ، ولم يثبت أن الصحابة ألزموا غيرهم بأقوالهم. ومرتبة الصحبة وان كانت شرفاً كبيراً، لا تجعل صاحبها معصوما، ولا تلازم ـ كما قال الشوكاني([99]) ـ بين فضل الصحابة وارتفاع درجتهم وعظمة شأنهم، وبين جعل كلّ واحد منهم بمنزلة رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ في حجية قوله، والزام الناس باتباعه، فإن ذلك مما لم يأذن الله به، ولا ثبت عنه فيه حرف واحد. فإن كان قول الصحابي مما لا مجال للرأي والاجتهاد فيه، بأن كان قولاً يخالف القياس، فيعتبر من السنة، ولا خلاف فيه، لأنه لا محمل له الأسماع خبر فيه.

سابعاً: الاستصحاب:

الاستصحاب يعمل به إذا لم يوجد دليل آخر، قال الخوارزمي في الكافي: وهو

(93)

آخر مدار الفتوى. والذي عليه أكثر متأخري الأصوليين أنّه من قبيل الأصول لا الامارات وان كان يختلف عنها من بعض الجهات.

وتعريفه عند الأصوليين([100]): هو الحكم بثبوت أمر أو نفيه في الزمان الحاضر أو المستقبل، بناء على ثبوته أو عدمه في الزمان الماضي، لعدم قيام الدليل على تغيره. مثل أن يقال: الحكم الفلاني قد كان، ولم يظن عدمه، وكل ما كان كذلك فهو مظنون البقاء؛ لان الظن حجة متبعة في الشرعيات كاستدلال الشافعية على أن الخارج من غير السبيلين لا ينقض الوضوء: بأن الشخص كان على الوضوء قبل خروجه إجماعا، فيبقى على ما كان عليه.

وعرفه الأستاذ خلاف بقوله: استبقاء الحكم الذي ثبت بدليل في الماضي قائماً في الحال، حتّى يوجد دليل يغيره([101]).

ويسمى هذا الأصل عند متأخري الشيعة بالأصل الاحرازي، وبذلك يختلف عن الأمارة، لان الامارة تحكي عن الواقع والشارع، والاستصحاب لا يقرر الواقع فعلاً، وإنّما يأمرك باعتباره واقعا.

وللعلماء في حجيته أقوال ثلاثة([102]).

1 ـ مذهب أكثر المتكلمين كأبي الحسين البصري: وهو أنّه في نطاق الشرعيات ليس بحجة لان الثبوت في الزمان الأول يفتقر إلى الدليل، فكذلك في الزمان الثاني، لأنه

(94)

يجوز أن يكون هناك دليل وألا يكون، أما الحسيات فتجري على أساس الاستصحاب بإجراء الله العادة فيها.

2 ـ مذهب أكثر المتأخرين من الحنفية: وهو أن الاستصحاب حجة للدفع والنفي لا للإثبات والاستحقاق، أي أنّه حجة لدفع ما يخالف الأمر الثابت بالاستصحاب، وليس هو حجة على إثبات أمر لم يقم الدليل على ثبوته فهو يصلح لأن يدفع به من ادعى تغير الحال، لا بقاء الأمر على ما كان، أي أن الاستصحاب لا يثبت به إلاّ الحقوق السلبية بمعنى بقاء الحقوق المررة الثابتة من قبل، دون إثبات حكم جديد، فالاستصحاب لبراءة ذمة ليس بحجة لبراءتها حقاً، بل يصلح فقط لمدافعة الخصم الذي يدعي شغل هذه الذمة، بدون دليل يثبت دعواه.

3 ـ مذهب أكثر العلماء وهم المالكية والشافعية والحنابلة والظاهرية: وهو أن الاستصحاب حجة مطلقا لتقرير الحكم الثابت، حتّى يقوم الدليل على تغييره، أي أنّه يثبت الحقين الايجابي والسلبي ما دام لم يقم دليل مانع من الاستمرار. وثمرة الخلاف بين هذا المذهب والمذهب الثاني تظهر في المفقود، فإنه في المذهب الثالث يتلقى خلوفاً ايجابيةً من غيره، فيرث من قريبه، وتثبت له الوصايا، استصحاباً لحياته، وتظل على ملكيته الحقوق التي كانت قبل فقده. وهذا هو الجانب السلبي، فهو يرث ولا يورث، وعند الحنفية لا يثبت له الارث والوصية من غيره، فلا يرث ولا يورث.

وللشعية الإمامية تفصيلات كثيرة في أقسام الاستصحاب، مفادها أنّه معتبر عندهم في الجملة أن توافرت فيه أركان سبعة مستفادة من تعريفه9 وهي اليقين، والشك، ووحدة المتعلق فيهما، ووحدة القضية المتيقنة والقضية المشكوكة في جميع الجهات (أي اتحاد الموضوع والمحمول والنسبة والحمل والرتبة...) واتصال زمان الشك بزمان اليقين

(95)

(أي ألا يتخلل بينهما فاصل من يقين آخر) وسبق اليقين على الشك([103]).

فيكون الاستصحاب حجة عند أكثر العلماء من السنة والشيعة؛ لان ما فطر عليه الناس وجرى به عرفهم في عقودهم وتصرفاتهم ومعاملاتهم أنهم إذا تحققوا من وجود أمر، غلب على ظنهم بقاؤه موجوداً، حتّى يثبت لهم عدمه، وإذا تحققوا من عدم أمر، غلب على ظنهم بقاؤه معدوما، حتّى يثبت لهم وجوده([104]).

قال العلامة محمّد تقي الحكيم([105]): والذي يبدو لي أن الاستصحاب من الظواهر الاجتماعية العامة التي ولدت مع المجتمعات ودرجت معها، وستبقى ـ ما دامت المجتمعات ـ ضمانة لحفظ نظامها واستقامتها، ولو قدر للمجتمعات أن ترفع يدها عن الاستصحاب لما استقام نظامها بحال.

وفرع العلماء على الاستصحاب المبادئ الشرعية الكلية التالية([106]). وهي: «الأصل بقاء ما كان على ما كان، حتّى يثبت ما يغيره» و«الأصل في الأشياء الإباحة» و«الأصل في الذمة البراءة من التكاليف والحقوق» وهو استصحاب البراءة، و«اليقين لايزول بالشك» أي لا يرفع حكمه بالتردد، لكن الإمام مالك لا يجيز الصلاة مع الشك بالطهارة، ويوجب الوضوء؛ لأن وإن كان الأصل بقاء الطهارة فإن الأصل أيضا بقاء الصلاة في ذمته.

الخلاصة:

يتبين مما تقدم أن هناك جسور التقاء كثيرة بين المذاهب الإسلاميّة من سنة وشيعة سواء في مجال المصادر أو في مجال التفريعات أو الفروع والتطبيقات الفقهية، مما

(96)

يدل على وحدة الأمة الإسلاميّة، وإمكان توحيدها في كلّ زمان ومكان، ما دام المصدران الأصليان وهما الكتاب والسنة أساس التشريع.

والخلاف الفقهي بين هذه المذاهب ليس خلافا جوهرياً يمنع من إمكان التلاقي، وإنّما هو خلاف في الفروع التي لا تضر، ما دام منشؤها الاجتهاد.

والأسس والمصادر الاجتهادية المشتركة ـ كما تقدم ـ كثيرة وواضحة، كلّ ما في الأمر الاختلاف في العناوين والأسماء أما في الواقع أو النتيجة فالكل يؤيد بعضهم بعضا من حيث لا يدري، والعبرة عادة بالنتائج. وقد تبين لدينا أن العقل المصدر الثالث عند الشيعة الإمامية يوازي المقرر عند فقهاء السنة من المصادر التبعية للتشريع التي هي في الواقع قواعد كلية ولا تصلح أدلة مستقلة في مواجهة الكتاب والسنة.

ويلاحظ أن بعض المصادر الأصلية والمصادر التبعية قسمان؛ قسم يعتمد على النقل وهو مذهب الصحابي وشرع من قبلنا والعرف، وقسم يعتمد على العقل وهو القياس وهو مذهب الصحابي وشرع من قبلنا والعرف، وقسم يعتمد على العقل وهو القياس والاستحسان والاستصلاح وسد الذرائع والاستصحاب. أما الإجماع فالسابق منه يعتمد على النقل عن المجمعين، والإجماع الذي يراد عقده يعتمد على العقل والنقل معا؛ لأنه يحتاج إلى معرفة مستند الإجماع، وبذل أقصى الجهد في تتبع كلّ ما له صلة بالمسألة التي يراد الإجماع عليها.

ولم أتحدث عن مجال البراءة الأصلية (وهو استواء الفعل والترك في حكم الشريعة) وما قد يلجأ إليه فقهاً من القرعة والاستخارة، كما لم أتحدث عن الاحتياط الشرعية والعقلي، لقلة الكلام والخلاف في شأنهما.

[1] ـ سورة النساء: 59.

[2] ـ سورة المؤمنون: 52.

[3] ـ الإحكام في أصول الأحكام للآمدي 1: 41، مرآة الأصول 1: 282، فواتح الرحموت شرح مسلم الثبوت 1: 51، التقرير والتحبير 2: 89 إرشاد الفحول للشوكاني: 6، الأصول العامة للفقه للأستاذ الشيخ محمّد تقي الحكيم: 280.

[4] ـ حاشية البناني على شرح جمع الجوامع 1: 63.

[5] ـ سورة الأنعام: 57.

[6] ـ أصول الفقه للمظفر 3: 108.

[7] ـ الأصول العامة، المرجع السابق: 280.

[8] ـ أصول الفقه الإسلامي للدكتور وهبة الزحيلي 1: 417 وما بعدها.

[9] ـ سورة النساء: 59.

[10] ـ أخرجه مالك بن أنس في الموطأ بلاغاً (جامع الأصول 1: 186) وأخرجه أيضاً الحاكم في المستدرك وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله وغيرهم.

[11] ـ إسلامنا في التوفيق بين السنة والشيعة للدكتور مصطفى الرافعي: 71 وما بعدها.

[12] ـ الأصول العامة: 442.

[13] ـ الأصول العامة: 571.

[14] ـ إرشاد الفحول: 63، أصول الفقه الإسلامي للدكتور وهبة الزحيلي 1: 490.

[15] ـ قال الكمال بن الهمام: ومن الأدلة السمعية على أن الإجماع حجة قطعية آحاد تواتر منها مشترك: لا تجتمع أمتي على خطأ، ونحوه كثير (النظم المتناثر في الحديث المتواتر للشيخ محمّد جعفر الكتاني: 104)

[16] ـ رواه الترمذي وحسنه عن ابن عمر بلفظ «إنّ الله لا يجمع أمتي على ضلالة، ويد الله على الجماعة ومن شذ شذ في النار.»

[17] ـ الزحيلي: المرجع السابق 1: 1558.

[18] ـ سورة الإسراء: 36.

[19] ـ مراتب الإجماع لابن حزم ونقد ابن تيمية له: 69 وما بعدها، 84، 91 ـ 98.

[20] ـ أصول الفقه للزحيلي 1: 574.

[21] ـ فقه الإمام جعفر الصادق 4: 109، شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام للمحقق الحلي 2: 381.

[22] ـ العناوين في المسائل الأصولية 2: 7، الأصول العامة للفقه المقارن: 268 ـ 269.

[23] ـ روى الترمذي عن أم سلمة، قلت: إنّ هذه الآية نزلت في بيتي ﴿إنّما يريد الله ليذهب عنكم الجرس أهل البيت ويطهركم تطهيرا﴾ (سورة الأحزاب: 33) قالت: وفي البيت رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ، وعلي وفاطمة وحسن وحسين، فجللهم بكسائه، وقال: اللهم هؤلاء أهل بيتي، فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً.(جامع الأصول 10: 100).

[24] ـ العناوين في المسائل الأصولية 2: 7. أصول الاستنباط للحيدري 1: 149، المبادئ العامة للفقه الجعفري 268، تقي الحكيم: 164 وما بعدها.

[25] ـ الدكتور مصطفى الرافعي: المرجع السابق: 71 ـ 90.

[26] ـ المرجع السابق: 92.

[27] ـ أصول الفقه الإسلامي، للدكتور وهبة الزحيلي 2: 922 ـ 924.

[28] ـ المستصفى 1: 127، ط مصطفى محمّد.

[29] ـ أعيان الشيعة 1: ق 2: 18.

[30] ـ المبادئ العامة للفقه الجعفري: للشيخ هاشم معروف الحسني: 353 وما بعدها.

[31] ـ الأصول العامة للفقه المقارن، الشيخ محمّد تقي الحكيم: 280 وما بعدها، أصول الفقه، للدكتور وهبة الزحيلي 1: 117 وما بعدها.

[32] ـ سورة الإسراء: 15.

[33] ـ سورة القصص: 47 ـ 48.

[34] ـ الشيخ تقي الحكيم، المرجع السابق: 291، 293، 297.

[35] ـ إرشاد الفحول: 8، طبع بالقاهرة.

[36] ـ المرجع السابق 299 ـ 300 أصول الفقه للمظفر 2: 30.

[37] ـ تقي الحكيم: 469، 513 وما بعدها.

[38] ـ اللمع للشيرازي: 51، مرآة الأصول شرح مرقاة الأصول لملا خسرو 2: 275، روضة الناظر وجنة المناظر لابن بدران 2: 227، مفتاح الوصول إلى بناء الفروع على الأصول: 91.

[39] ـ رواه النسائي والدار قطني، وقواه ابن عبدالبر، وأعله النسائي، والصواب وقفه على عبدالله بن عمرو، وهو حينئذ حديث حسن كما قال البيهقي.

[40] ـ مغني المحتاج 3: 43.

[41] ـ محمّد تقي الحكيم: 305.

[42] ـ الدكتور مصطفى الرافعي في المرجع السابق: 94.

[43] ـ الأصول العامة للفقه المقارن: 322، 358.

[44] ـ الأصول من الكافي 1: 59 ـ 62.

[45] ـ محمّد تقي الحكيم، المرجع السابق: 329، وبحث الشيخ محمّد جواد مغنية في رسالة الإسلام، العدد 16: 257 وما بعدها، ومصطفى الرافعي في المرجع السابق: 70.

[46] ـ الملل والنحل 1: 206.

[47] ـ الدكتور مصطفى الرافعي، المرجع السابق: 102.

[48] ـ أصول الفقه الإسلامي للدكتور وهبة الزحيلي 1: 620، 632.

[49] ـ سورة المائدة: 90.

[50] ـ سورة البقرة: 219.

[51] ـ الموافقات للشاطبي 4: 230 كشف الأسرار على أصول البزدوي 2: 1013 التوضيح والتلويح لصدر الشريعة ابن مسعود 2: 64، شرح العضد لمختصر المنتهى لابن الحاجب 2: 238.

[52] ـ إعلام الموقعين لابن قيم الجوزية 1: 130 وما بعدها.

[53] ـ سورة القمر: 41 ـ 43.

[54] ـ أخرجه البخاري ومسلم والنسائي عن ابن عباس t (نصب الراية لأحاديث الهداية للزيلعي 3: 154 وما بعدها).

[55] ـ مصطفى الرافعي، المرجع السابق: 103 نقلا عن العلامة المظفر في أصول الفقه.

[56] ـ الشيخ محمّد تقي الحكيم، المرجع السابق: 442.

[57] ـ المرجع السابق: 102.

[58] ـ أصول الفقه الإسلامي للزحيلي 2: 739.

[59] ـ محمّد تقي الحكيم، المرجعي السابق: 364.

[60] ـ المرجع السابق: 363، 376.

[61] ـ المرجع نفسه: 372، 375.

[62] ـ المرجع السابق: 337.

[63] ـ انظر شرائع الإسلام للحلي 4: 778.

[64] ـ فقه الإمام جعفر الصادق عليه السلام 4: 136.

[65] ـ الموافقات للشاطبي 1: 39، الأحكام في أصول الأحكام للآمدي 3: 138، المدخل إلى مذهب احمد: 138، إرشاد الفحول للشكوكاني: 212.

[66] ـ الأصول العامة للفقه المقارن: 372، 404.

[67] ـ المبادئ العامة للفقه الجعفري للشيخ هاشم معروف الحسني: 304، أصول الاستنباط للعلامة علي نسقي الحيدري: 265.

[68] ـ مصادر التشريع فيما لا نص عليه للأستاذ عبد الوهاب خلاف: 74.

[69] ـ القوانين المحكمة 2: 92.

[70] ـ الاعتصام للشاطبي 3: 307، الموافقات للشاطبي 1: 39.

[71] ـ شرائع الإسلام للحلي 2: 422، فقه الإمام جعفر الصادق 4: 281 ـ 283.

[72] ـ إعلام الموقعين 3: 147.

[73] ـ الفروق 2: 33.

[74] ـ سورة التوبة: 120.

[75] ـ الموافقات 2: 361، 4: 198 ـ 200 المدخل إلى مذهب أحمد: 138.

[76] ـ إعلام الموقعين 3: 171.

[77] ـ الأصول العامة للفقه المقارن: 410، 414 وما بعدها، المدخل للفقه الإسلامي لأستاذنا المرحوم محمّد سلام مدكور: 270.

[78] ـ سورة البقرة: 104.

[79] ـ سورة الأنعام: 108.

[80] ـ بداية المجتهد 2: 140 وما بعدها.

[81] ـ رواه أبو داود عن ابن عمر، وفي إسناده مقال، ورواه أحمد عن عطاء ورجاله ثقات، وصححه ابن القطان (سبل السلام 3: 41)

[82] ـ مغني المحتاج 2: 37 وما بعدها.

[83] ـ فقه الإمام جعفر الصادق عليه السلام 3: 244 ـ 245، شرائع الإسلام للحلي 2: 285.

[84] ـ أصول الفقه للدكتور الزحيلي 2: 828.

[85] ـ علم أصول الفقه للأستاذ خلاف: 99.

[86] ـ الفروق للقرافي 3: 283 أعلام الموقعين 3: 89 وسائل ابن عابدين 2: 115، الأشباه والنظائر للسيوطي: 80، 88 تكملة المجموع 11: 324 ـ 327.

[87] ـ د. مصطفى الرافعي، المرجع السابق: 108.

[88] ـ الأصول العامة للفقه المقارن: 422 ـ 424، 426.

[89] ـ علم أصول الفقه للأستاذ خلاف: 102.

[90] ـ فواتح الرحموت شحر مسلم الثبوت 2: 184، التقرير والتحبير 2: 209 مختصر ابن الحاجب: 218 وما بعدها، الابهاج في شرح المنهاج للسبكي 2: 180 في شرح المحلي على جمع الجوامع 2: 287، المدخل إلى مذهب احمد: 134، روضة الناظر 1: 400، أصول الاستنباط للحيدرية: 267، الأصول العامة للفقه المقارن: 330 وما بعدها، 434.

[91] ـ سورة الأنعام: 90.

[92] ـ سورة النحل: 123.

[93] ـ سورة المائدة: 48.

[94] ـ المستصفى 1: 134.

[95] ـ أصول الفقه الإسلامي للزحيلي 2: 849.

[96] ـ المستصفى 1: 135 الأحكام للامدي 3: 133 مرآة الأصول 2: 250 شرح العضد على مختصر المنتهى 2: 287، المدخل إلى مذاهب احمد: 135، أعلام الموقعين 1: 30، 4: 156، أصول الاستنباط للحيدري: 268، الأصول العامة للفقه المقارن: 439 ـ 442.

[97] ـ رواه الترمذي، وقال حديث حسن، ورواه أيضاً احمد وابن ماجه وابن حبان والحاكم عن حذيفة بن اليمان (تلخيص الحبير 4: 190).

[98] ـ رواه أبو داود وابن ماجه واحمد والدارمي وابن حبان والترمذي وصححة، والحاكم وقال: إنه على شرط الشيخين.

[99] ـ إرشاد الفحول: 214.

[100] ـ نزهة الخاطر شرح روضة الناظر 1: 389، كشف الأسرار 2: 1097، شرح المحلي على جمع الجوامع 2: 286، شرح العضد لمختصر المنتهى 2: 284، المدخل إلى مذهب احمد: 133 إرشاد الفحول للشوكاني: 208.

[101] ـ ما صدر التشريع فيما لا نص عليه: 127.

[102] ـ كشف الإسرار 2: 1098 أصول السرخسي 2: 225، مرآة الأصول 2: 267، مختصر ابن الحاجب: 217، الإبهاج للسبكي 3: 111 إرشاد الفحول: 227، المدخل إلى مذهب احمد: 133، نزهة الخاطر في شرح روضة الناظر 1: 389 وما بعدها، رسالة في أصول الفقه للسوطي: 76.

[103] ـ الأصول العامة: 454 وما بعدها 457، 475.

[104] ـ مصادر التشريع فيما لا نص فيه لخلاف: 128.

[105] ـ الأصول العامة: 459.

[106] ـ الأشباه والنظائر للسيوطي: 47، 48، غاية الأصول: 140، أصول الاستنباط للحيدري: 217، العناوين في المسائل الأصولية لكاظمي: 2: 55، 59، مصادر التشريع: 129.