حقوق وواجبات المسلمين في الدول غير الاسلامية

حقوق وواجبات المسلمين في الدول غير الاسلامية

 

 

حقوق وواجبات المسلمين في الدول غير الاسلامية

 

                                                                                     أ.د.جعفر عبد السلام

أستاذ القانون الدولي والامين العام لرابطة الجامعات الإسلامية

 

تمهيد: خطة البحث

نحن نعيش اليوم في مجتمعات متعددة الأجناس والألوان والأديان، ولم يعد هناك مجتمع متَّحِد في كل العناصر، فسمة الحياة اليوم هي الاتساع، والحركة، والترابط بين البشر، ولم تعد هناك دولة تستطيع أن تدعي بأنها يمكنها أن تعيش بمعزل عن غيرها. الكل يحتاج إلى الآخر، والموارد مُوزعة على كافة القارات بحيث يبدو التكامل فيها، كما أن التكامل يبدو مميزاً أساسيا للبشر الذي يعيش في أماكن متعددة وفي دول متعددة ومناخات وتضاريس مختلفة. وكل ذلك أوجد حركة للبشر بين الدول المختلفة، ولا يمكن أن يكون المسلمون استثناء من ذلك.

لقد خرجوا من الجزيرة العربية إلى بلاد فارس شرقًا، وبلاد الشام غربًا وشمالاً، رحلوا لينشروا الإسلام في كل مكان؛ تنفيذًا لأوامر الله -تعالى- وأوامر النبي الكريم r {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ}[المائدة:67]، وقولهr: ((بلغوا عني ولو آية))؛ لذلك انطلق المسلمون في كل مكان. كانوا جنودًا يحملون السلاح، لكنهم كانوا في نفس الوقت دعاة، ومن ثم كانوا على خلق قويم، وكانت أسلحتهم نفسها ذات أخلاق. كانت وصايا الرسول r والخلفاء تسبق خُطاهم ((امضوا باسم الله وعلى بركة رسول اللهr، لا تقتلوا شيخًا كبيرًا ولا طفلاً صغيرًا ولا امرأة، وستجدون أناسًا فرغوا أنفسهم للعبادة في الصوامع فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له)). ومن أمثال: ((لا تتمنوا لقاء العدو وسلوا الله العافية، وإذا لقيتموه فاثبتوا واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف))، وأيضًا:((لا تقاتلوهم قبل أن تدعوهم إلى ثلاثة خصال، فإن أجابوكم إلى أي منها فأطلقوهم. وادعوهم إلى الدخول في الإسلام، فإن أجابوكم فلهم ما لكم من حقوق وعليهم ما عليكم من التزامات، هم إذن مسلمون. ولا ينبغي أن تحِلُّوا دماء من يقبل الدعوة منهم لأن هذا هو الهدف الأساسي للحرب في الإسلام).

لذلك نهاهم الله أن يشككوا فيمن أعلن إسلامه ابتغاء الغنيمة. يقول تعالى: {وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً}[النساء:94]، فإن أبوا الدخول في الإسلام، فاعرضوا عليهم الصلح -والصلح هدنة- بشرط أن يفتحوا الباب أمام المسلمين لنشر الدعوة. ومن ثم يتحقق هدف الغزو ولو لم يدخل المسلمون الديار.

والخيار الآخر هو القتال، بطائفة مشروطة من القيود على استخدام السلاح، وأولها ما تشير إليه الآية الكريمة {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}[البقرة:190] أي لا تتجاوزوا ما تتطلبه ضرورات القتال، وهو إخراج الخصم من المعركة بأقل الخسائر الممكنة.

وفي خلال خمسين سنة فقط، هي عمر معارك الإسلام، فتح المسلمون العالم المعروف، والذي احتاجت أوروبا إلى خمسمائة سنة إلى الدخول فيه.

أقول: إن هذه الجيوش الإسلامية هي التي نشرت الإسلام في ديار كثيرة، وعاشت فيها، واختلطت بأهلها، وكونت ديار المسلمين الواسعة كما نراها اليوم.

كذلك ذهب المسلمون إلى أوروبا عن طريق الأندلس وعن طريق صقلية، وعاشوا هناك وانتشروا في أماكن عديدة. وكانت الدولة العثمانية هي امتدادًا للتواجد الإسلامي في أوروبا، إذ دخل الإسلام إلى دول أوروبية عديدة، مثل: دول البلقان ووسط أوروبا، كما أدى السلوك الطيب للرحالة والتجار المسلمين الذين دخلوا جنوب شرق آسيا إلى دخول شعوب كثيرة في الإسلام مثل إندونيسيا. وفي العصور الحديثة رحل كثير من المسلمين إلى أوروبا لتعمير ما خرَّبته الحرب العالمية الأولى، ثم الثانية، ومن ثم كوَّنوا تجمعات بشرية مهمة في فرنسا وفي ألمانيا وبلجيكا وإنجلترا، وكل الدول الأوروبية تقريبًا، لكن هذه التجمعات لم تكن مثقفة كما لم يكونوا دعاة، ومن ثم فلم يفيدوا الإسلام كثيرًا، وإن كانوا بالفعل قد أفادوا الدول التي عاشوا فيها.

كما أن الرحلات والبعثات العلمية أخذت طريقها في الوقت الحاضر لتنهل من علوم أوروبا وأمريكا، بعد أن تخلَّف المسلمون في مواكبة علوم العصر. والنتيجة هي أن المسلمين الآن يعيشون في مختلف أنحاء العالم وفي كل القارات، بعضهم يعيش كأقلية مُهَمَّشة أو غير مهمشة، وبعضهم كونوا تجمعات مهمة في العديد من الدول، في أفريقيا وفي آسيا.

وما يعنينا في هذه الدراسة بحسب الأصل، هو أن نبين كيف يعيش المسلمون في دول الأقليات، وما يتمتعون به من حقوق بحسب الواقع، حيث نريد أن نبحث فيما يخصهم من حقوق وواجبات فعلاً، ثم ماذا تقرر لهم المواثيق الدولية والقانون الدولي من حقوق.

ولعل المقارنة هنا مهمة، وأعني بذلك شرح موقف الإسلام ممن يعيشون في دار الإسلام، وما يعطيه لهم من حقوق. ثم أتناول حقوق المسلمين في الدول الأخرى. وسأتناول حقوق المسلمين الذين يعيشون كأقليات في دول غير إسلامية. أما القسم الرابع فهو قسم اجتهادي، أحاول فيه وضع دستور للعلاقة التي يجب أن تقوم بين المسلمين وبين الدول التي يعيشون فيها.

 

والله ولي التوفيق

 

القسم الأول

حقوق غير المسلمين في الدول الإسلامية

     من الصفحات المشرقة في شرعنا الإسلامي تلك المتعلقة بحقوق غير المسلمين في دولة الإسلام، فهذه الحقوق تقع في دائرة واسعة، وترتبط بمجموعة من الأمور الأساسية التي يقوم عليها الشرع الإسلامي، أهمها:

1- نظرية الحقوق والحريات الأساسية في الشريعة، وهذه النظرية تقوم على حماية مصالح الإنسان في الجسم والعقل والدين والمال والنسل.

2- من ناحية أخرى فهي تقوم على التسليم بالاختلاف بين الناس في الخلق، واعتبار هذا الاختلاف من ضرورات الكون، ومما لا يمكن تجاوزه بحال، بل ينبغي أن يترتب عليه جملة من النتائج للاستفادة منه وتعظيمه، وليس للسيطرة على الناس والهيمنة على فكرهم وأرزاقهم وجملة حياتهم. بعبارة أخرى يجب إرساء تعاون بين البشر على أساس تكاملهم، ووجود مزايا نسبية بين كل فرد وفئة يكون تعظيمها لصالح البشر بشكل عام.

3- أن ممارسات المسلمين من خلال الدولة الإسلامية تؤكد على جملة هذه الحقوق والحريات الأساسية للمخالفين في الرأي والعقيدة، سواء في حالة السلم أم في حالة الحرب، فهناك دساتير واضحة لسلوك المسلم وعلاقاته بغير المسلم في حالات العلاقات الدولية السلمية، وكذلك في حالات العلاقات غير العادية أو النزاعات والحروب.

4- أن هذه الحقوق والحريات لصيقة بالإنسان، بصرف النظر عن جنسه أو دينه أو لونه، فالناس أمام الله سواسية، وخلقهم جميعًا من أب واحد هو آدم -عليه السلام-، وكل الناس لآدم وآدم من تراب، لذا فإن مؤتمرًا عن حقوق المسلمين في البلاد الأخرى مسألة مهمة لإلقاء الضوء على تلك الصفحات المجيدة من شرعنا الإسلامي، وإيضاح ما تمتع ويتمتع به غير المسلمين في الدول الأخرى من حقوق، ومن الجدير ألا تكون الدراسة قاصرة على الماضي فحسب، أو على أساس النصوص والممارسات الأصلية لدولة الإسلام الأولى، وإنما لتشمل كذلك التمتع بهذه الحقوق في الدول الإسلامية الحديثة.

 وتأتي أهمية هذا المؤتمر من زاوية أخرى أساسية، هي ضرورة النظر في الادعاءات القديمة والحديثة على السواء، والتي تكيل التهم للإسلام والمسلمين بعدم معرفة حقوق الإنسان، أو بالأحرى أنهم لا يحترمون حقوق الإنسان خاصة لغير المسلمين.

      وستكشف هذه الدراسة -بشكل أو بآخر- مقارنة واضحة بين دولة الإسلام وغيرها من حيث مدى احترام الحقوق والحريات للبشر بشكل عام. كذلك من المهم أن نذكر أن الحقوق والحريات الأساسية للإنسان تستند في الوقت الحاضر إلى ما يعرف بالوثيقة الدولية لحقوق الإنسان، وهي تتكون من ثلاثة أقسام:

القسم الأول: هو الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1948م.

والقسم الثاني: هو العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية والذي أقرته ألامم المتحدة عام 1966م.

أما القسم الثالث: فهو العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والذي أقرته الجمعية في نفس العام.

لقد وصلت البشرية إلى هذه الوثائق بعد صراع طويل بين السلطة والحرية، وبعد تقدم طويل شهدته البشرية في مجال إقرار الحقوق والحريات للإنسان، وهي تمثل رصيدًا للبشرية ساهمت فيها كلها بشكل أو بآخر، وإن غلبت عليها الصبغة العلمانية، أي البعد بينها وبين الأصل الديني لها، وهو تجاهل لا يمكن التسليم به؛ لأن الشرائع السماوية أسهمت -بشكل أو بآخر- في تقرير هذه الحقوق والحريات، وطورتها ممارسات الدولة الإسلامية طوال تاريخها الطويل. لذلك إذا كنا سنهتم بتقديم دراسة على أساس الشريعة الإسلامية وممارسات الدولة الإسلامية، إلا أننا سنهتم -بشكل أو بآخر- بالوثيقة الدولية لحقوق الإنسان، وكذلك بالممارسات الحديثة المتصلة بهذه الحقوق والحريات.

      لذلك سنبدأ دراستنا بعرض نظرية إسلامية أصيلة في تقرير سنة الاختلاف بين البشر والمزايا التي تترتب عليها.

أولا: سنة الاختلاف بين البشر وما يترتب عليها من آثار في الفقه الإسلامي:

      ينبهنا القرآن الكريم إلى أن الخلاف بين البشر سُنَّة من سُنن الله في خلقه، وأمر اقتضته إرادة الله -سبحانه وتعالى- لتنويع الثقافات، ولتفعيل العلاقات بين البشر.

       يقول سبحانه وتعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِلْعَالِمِينَ}[الروم:22].

      ويقول أيضًا: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}[الحجرات:31].

      وقد ورد في أسباب نزول هذه الآية، أنه لما كان فتح مكة، أمر الله بلالاً حتى علا ظهر الكعبة فأذن، فقال عتاب بن أسيد بن أبي العاص: ((الحمد لله الذي قبض أبي حتى لا يرى هذا اليوم)). وقال الحارث بن هشام: ((ما وجد محمد غير هذا الغراب الأسود موذنًا؟!)). وقال سهيل بن عمرو: ((إن يريد الله شيئًا يغيره)). وقال أبو سفيان: ((إني لا أقول شيئًا أخاف أن يخبر به رب السماء)).

      فأتى جبريل الرسول r وأخبره بما قالوا، فأقروا به، فأنزل الله هذه الآية وزجرهم عن التفاخر بالأنساب والتكاثر بالأولاد والازدراء بالفقراء، فإن المدار على التقوى وليس على خلافها.([1])

لذلك اقتضت حكمة الله -تعالى- وبديع صنعه أن خلق البشر مختلفين في صورهم وألوانهم وثقافتهم، وهذا الاختلاف تنوع يثري الحياة ويبهجها، ويجعل لها جاذبية وبهجة.([2])

وهكذا نجد الإسلام يهتم بالفوارق الفردية ويجعلها مزايا وليست أسبابًا للتفاخر والاستعلاء على الناس لأي سبب.

وبين الرسول r ذلك بجلاء، فيقول r: ((يا أيها الناس إن الله قد أذهب عنكم عببة الجاهلية وتعاظمها بآبائها، فالناس رجلان: رجل بر تقي كريم على الله، وفاجر شقي هين على الله، والناس بنو آدم وخلق الله آدم من تراب)).

وهكذا نستطيع أن نحدد موقف الإسلام من قضية الاختلاف بين البشر في النقاط التالية:

1- أن هذا الاختلاف طبيعي وآية من آيات الله في خلقه.

2- أنه لا يبرر على الإطلاق أي ادعاءات بالتفوق من قبل جنس على جنس أو لون على لون.

3- أن الإسلام ساوى بين كل الناس بشكل عام في مجمل الحقوق والمزايا، وأنه منع بشكل مطلق نعرات الجاهلية وتفاخرها بالأنساب والأحساب. ونلاحظ أن الرسول r قضى وقتًا طويلاً في محاربة العنصرية؛ لتوحيد الأمة وجعلها تستفيد من كافة عناصرها.

4- أن الإسلام -حتى في مجال العقيدة- يعترف بالآخر المخالف معه دوليا وداخليا. وفي أول وثيقة دستورية ظهرت في العالم، نجده قد قرر حقوقًا لكافة العناصر القاطنة في المدينة من مسلمين وأهل كتاب ووثنيين طالما تراضوا على أحكام الصحيفة. هذه الحقوق تمثل في مجملها اعترافًا بهم، وتقريرًا للحقوق المختلفة للجميع، وفي مقدمتها حرية العقيدة.

5- أنه طوال مراحل تاريخ الدعوة والدولة أسهم غير المسلمين في الحياة في المجتمع الإسلامي، وكان من نتائج ذلك: تكوين الحضارة الإسلامية التي ازدهرت فيها العلوم والفنون والآداب، وكانت في جملتها خلاصة لعبقريات الشعوب التي انضمت تحت حكم الإسلام، وعملت على الرقي بالمجتمع، وسواء اقتنعت به وآمنت أم ظلت على عقيدتها الأصلية. وحتى الآن، نجد غير المسلمين في الدول الإسلامية يمثلون نسبة كبيرة من سكان كل دولة إسلامية.

نقرر هذا مع اعتقادنا بوجود فترات انكسار في تاريخ الدولة الإسلامية، شهدت فيها نكسات فيما يتعلق بوضع غير المسلمين، وفترات أخرى شهد غير المسلمين فيها تميزًا واضحًا عن المسلمين، خاصة بعد أن استقرت أغلب الدول الإسلامية، ودخلت عصر الامتيازات الأجنبية بشكل أو بآخر.

ثانيًا: نظرية الحقوق والحريات الأساسية في الإسلام ومدى تطبيقها على غير المسلمين:

        تقوم نظرية الحقوق والحريات في الإسلام على أعمدة ثلاثة، ترتد إليها كافة الحقوق والحريات المعروفة قديمًا وحديثًا، هذه الأعمدة هي: العدالة، المصالح، الحرية. استخلصنا هذا من دراسات عديدة أُجريت حول حكم التشريعات في الإسلام.

        ويرتبط بالعدالة جملة من الحقوق، أولها الحق في المساواة، فلا عدالة دون أن يكون هناك مساواة بين البشر في مختلف الأوضاع، وفي المزايا التي يمكن أن تتحقق لهم في النظام الاجتماعي الذي يعيشون فيه. ويهتم الفقه الدستوري المعاصر بهذا المبدأ ويتوسع في بيان أفكار المساواة أمام القانون، وأمام مختلف مرافق الدولة.

          ونجد أساسًا متينًا لفكرة العدالة في التشريع الإسلامي، ونجد أن القرآن الكريم يضع أساسها في العديد من آياته، كما أن السنة تكفلت بدورها بالتنبيه إلى ضرورة سيادة العدالة والمساواة بين البشر.

        ونجد في مبادئ الإسلام وأحكامه ما يعزز العدالة التوزيعية والعدالة التعويضية بين الناس، دون تمييز بسبب الجنس أو الدين. فالقرآن الكريم يقرر نصًا في توزيع الفيء على الكافة. يقول سبحانه وتعالى: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}[الحشر:7].

     أما العدالة التعويضية وهي تعني التعامل العادي والمنصف بين البشر، فقد وردت فيها العديد من الآيات، لعل من أهمها ما ورد في قوله سبحانه وتعالى: {وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ *  أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ * وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ}[الرحمن:7-9].

       ولقد طُبِّق ذلك جيدًا في الدولة الإسلامية، وأدى هذا التطبيق إلى عدالة التوزيع منذ أن اعتمد عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- بناء الأرض في أيدي من يقوم بزراعتها من غير المسلمين ومن أصحاب البلاد المفتوحة، على أن يدفعوا خراجًا عادلاً عنها للدولة، ورفض قسمتها على الفاتحين. وساد ((فقه السوق)) في الإسلام، والذي عرف عدالة بين البائعين والمشترين، ولم يميز أبدًا بين مسلم وغير مسلم في هذه الأحكام.

        ويرتبط بالعدالة طائفة واسعة من حقوق القضاء عرفها الإسلام وطبقها دائمًا بشكل جيد على كل المواطنين، بصرف النظر عن دينهم وعقيدتهم، على ما يتجلى بوضوح في كتب أدب القضاء، وفي دستور واضح يتجلى في كتاب عمر بن الخطاب إلى القاضي ابي موسى الأشعري، وفي خطاب تصلح دراسته أرسله الخليفة علي بن أبي طالب إلى واليه على مصر الأشتر النخعي ضمن دستور دائم للعلاقة بين الراعي والرعية بشكل عام.

       كما تظهر صفحات الإسلام مصابيح مضيئة تعرف كيف يقضي الخلفاء. وحكام المسلمين أمام القاضي متساوين مع خصومهم من أهل الكتاب، بل يرفض الخليفة علي بن أبي طالب أن يناديه القاضي عمر بن الخطاب بكنيته ولا ينادي خصمه اليهودي بكنية مثله، وكم حكم القاضي شريح وأمثاله لصالح غير المسلم على المسلم. بل إن الخليفة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قد استدعى عمرو بن العاص وابنه من مصر إلى المدينة لكي يقتص منه بالضرب بالدرة، واقتص منه المصري الذمِّي أمام والده وأمام الخليفة.

        ولا نكاد نجد موقفًا يرتبط بالعدالة والمساواة تم التمييز فيه بين مسلم وغير مسلم في ديار الإسلام، بما في ذلك تولي الوظائف العامة، فقد كان يتولاها من يكون مستوفيا لشروطها من أهل الكتاب، بل سادت أعمال المحاسبة وتحصيل الأموال العامة فيهم.)[3] (

الجــزية

        قد يقول قائل: إن غير المسلمين من أهل الكتاب كانت تُفرَض عليهم جزية لم تكن تفرض على المسلمين. والرد على ذلك أن المسلمين يدفعون الزكاة ولا يدفعها غير المسلمين. والجزية تدفع نظير التزام الدولة الإسلامية بحماية غير المسلمين ونظير الخدمات التي تقدم لهم، وبالتالي فهي لا تمثل تفرقة بين المسلمين وغيرهم في الأعباء العامة. ومع ذلك استجاب الخلفاء لمن رفض دفع الجزية من القبائل العربية وغيرها ودفع مقابل الحماية تحت مسمى آخر.

الذمي والمستأمن

ينقسم شعب الدولة الحديثة إلى قسمين: مواطنين، وأجانب.

        فالمواطنون هم الذين تربطهم بالدولة رابطة ولاء، تتمثل في ميلادهم على إقليم الدولة أو ميلادهم لشخص يحمل جنسيتها. وتعرف أنظمة الجنسية أحكامًا متعددة تستهدف التحقق من الولاية. كما تجيز الأنظمة اكتساب جنسية الدولة في زمن لاحق على ميلاد الشخص عن طريق التجنس أو الزواج من أحد المواطنين في الدولة. ولا يوجد مساواة بين المواطنين والأجانب مهما كانت مدة إقامة الأجنبي على إقليم الدولة، فهو لا يتمتع بما اصطُلِح عليه بالحقوق السياسية، وهي تشمل كمًا واسعًا من الحقوق، وهي الترشيح لمجالس التشريع أو الحكم، والانتخاب، وتولي الوظائف العامة، فهي حقوق قاصرة على المواطنين، كما لا يتمتعون بشرف الانضمام إلى الجيش، وهناك تفرقة واضحة بين المواطنين وغيرهم في تولي المهن الحرة، بل وفي ممارسة بعض أنواع من التجارة حسب قوانين كل دولة.

      ولا تعرف الدولة الإسلامية هذه التفرقة بين المسلمين وغيرهم في دولة الإسلام. فالمقيم في الدولة الإسلامية إقامة دائمة، والذي كان يسمى ذميا في الماضي، والآن هو مواطن مثل غيره من المواطنين، له كل الحقوق وعليه كل الالتزامات، ولو لم يكن مسلمًا.

أما المستأمن فقد كان يدخل الدولة الإسلامية لمهمة مثل السفارة أو التجارة، وتحميه الدولة حتى تنتهي هذه المدة.  وواضح أن المستأمن غير مسلم وغير مقيم في الدولة الإسلامية؛ لذا ترتبط إقامته بعهد الأمان الذي أعطي له من حيث المدة ومن حيث التمتع بالحقوق والالتزام بالواجبات.

 

القسم الثاني

وضع المسلمين في البلاد غير الإسلامية

        يختلف وضع المسلمين في البلاد غير الإسلامية بحسب الدولة التي يعيشون فيها، أو يقيمون فيها بشكل عام. فهناك بلاد أوروبية عاشوا فيها منذ زمن بعيد، مثل: أقاليم يوغوسلافيا السابقة، وقد ضمَّت إليها دولة البوسنة والهرسك، والتي يشكل المسلمون فيها أغلبية، ولكن التعصُّب الأوروبي أذاق المسلمين فيها كل ألوان الاضطهاد ومحاولات الإبادة، حيث ارتكب في حق المسلمين هناك ما يمكن أن نطلق عليه "جريمة إبادة الجنس"، والتي جعلت مجلس الأمن ينشئ محكمة خاصة لمحاكمة مجرمي الحرب، الذين قتلوا الآلاف وانتهكوا أعراض الملايين من النساء المسلمات، وطردوا وشرَّدوا الملايين الأُخر من ديارهم، وكل هذا لا لشيء إلا لأن المعتَدَي عليهم يريدون أن يعبروا عن آمالهم ويقرِّروا مصيرهم. المسألة الشرقية قديمة ومؤداها ألا تقوم دولة مسلمة في البلاد الأوروبية، كذلك بعد أن قامت البوسنة كدولة مستقلة بعد انحلال يوغوسلافيا السابقة وانضمامها للأمم المتحدة كدولة مستقلة. لم يقبل المتعصبون من الصرب ذلك، وأقدموا على تحطيم هذه الدولة، وفعلوا ما فعلوا بشعبها، حتى تدخلت مجموعة من دول الاتحاد الأوروبي عن طريق حلف "الناتو"، فوضعوا نهاية للمذابح والمآسي، مقابل تفتيت وحدة الدولة، وعمل نظام قانوني خاص يوزِّع السلطة على الأجناس الثلاثة التي توجد في الدولة: الصرب، الكروات، والمسلمين.

       أما في الدول الأوروبية الأخرى، فالمسلمون يعيشون هناك كأقليات مُهمَّشَة في الغالب وفي أحياء غير راقية، وأغلبهم من العمال اليدويين، استطاعوا مع ذلك أن يتحركوا لإجبار المجتمع الأوروبي أن يعترف بهم وبحقوقهم، وإن كانت الأحزاب اليمينة في هذه البلاد تكره تواجدهم فيها، وتسعى إلى طردهم إلى بلادهم الأصلية. لكنهم نجحوا في أن يحصلوا على كثير من الحقوق العامة، ويسعون الآن إلى الحصول على حقوقهم السياسية أُسوَة بباقي المواطنين، باعتبارهم مواطنين قضوا جزءًا كبيرًا من حياتهم في هذه البلاد، كما أنه من أبنائهم وأحفادهم -ولو كان في الدول الأوروبية ويتحدث لغتها- من نسي أصله تمامًا، وبالتالي فلا يمكن أن يذهب إلى بلد آخر.

       وتعتبر الولايات المتحدة الأمريكية من الدول التي هيأت للمسلمين هناك حياة طيبة، خاصة أن المسلمين فيها ليسوا من الطبقة العاملة وحدها، بل هناك علماء ومفكرون ومخترعون يتبوءون مكانة مهمة في النسيج الاجتماعي والسياسي لهذه الدولة، التي لا يوجد فيها مواطنون أصليون، بل الكل جاء من بلاد أخرى، عدا الهنود الحمر الذين أبادت معظمهم القوى الدخيلة.

        ومع تزايد حالات الإرهاب واستخدام العنف في الولايات المتحدة ونسبة ذلك إلى المسلمين، خاصة ما تواضع الغرب على تسميته بـ "تنظيم القاعدة"، وهو تنظيم أقامته الولايات المتحدة مع دول أخرى للقضاء على الاتحاد السوفيتي، حيث اتخذ من أفغانستان وبعض المدن الباكستانية -بيشاور- مقرًا له. تراجع الموقف بالنسبة للمسلمين، بل صدرت قوانين خاصة تسمح بتعقبهم وتصنفهم في قوائم المشتبه فيهم، وتجيز لسلطات الضبط أن تتنصت على مكالماتهم، بل وأن تحتجزهم وتوقِّفهم خلافًا للأحكام السائدة والتي لا تطبقها الحكومة -للأسف- إلا على المسلمين. وساءت معاملة رجل الشارع العادي للمسلمين، خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر، وأصبح من يعيش في الولايات المتحدة من المسلمين يعاني معاناة شديدة، ولا يتمتعون بجملة الحقوق والحريات التي يتمتع بها المواطن العادي في الولايات المتحدة الأمريكية.

           ورغم البيانات العديدة التي تخرج من الولايات المتحدة بشأن المعاملة الطيبة للمسلمين وعدم التمييز، وأنهم ليسوا إرهابيين بل فئة ضالة منهم لا تمثل الجميع، إلا أنه مما يؤسَف له أن مثل هذه الأقوال لا نجد لها صدى في الواقع.

         ونرى حملات مستمرة من قبل المجتمع الغربي والولايات المتحدة الأمريكية ضد المسلمين والإسلام، وتصدر الكتب ضد النبي r وضد المسلمين بشكل عام، تتهمهم بالتخلف ومحاولة هدم الحضارة الغربية عن طريق الإرهاب. وهكذا تأزَّم موقف المسلمين بشكل كبير في العالم الغربي.

 

القسم الثالث

 حقوق الأقليات المسلمة  في المواثيق الدولية

        إن إقرار حقوق المواطن لم يعد صعبًا في أي مكان، خاصة في دول الاتحاد الأوروبي، حيث قامت هذه الرابطة الاتحادية أولاً وقبل كل شيء على الاشتراك في رعاية حقوق الإنسان وتقديس الديمقراطية وإعلاء قيمة الفرد. وتكتسب هذه الحريات أهميتها بوجود مؤسسات تحمي حقوق الإنسان وتحافظ عليها. إن منظمة شعبية برلمانية مثل مجلس أوروبا هدفها الرئيسي كفالة حقوق الإنسان الأوروبي، فضلاً عن لجنة أوروبية تعني بفحص أية شكاوى تقدم من المواطنين الأوروبيين ضد دولهم، وتقوم بتسوية أية انتهاكات لحقوق الإنسان الأوروبي وحرياته، بما في ذلك حقها في إحالة أي شكوى ضد الدولة إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، لاشك أن هذه المؤسسات تكفل إشباعًا مناسبًا للحفاظ على حقوق الإنسان وحرياته بالنسبة للإنسان الأوروبي.

        لكن الأقليات التي تعيش في أوروبا خاصة من المسلمين، لا يتمتعون بنفس الحقوق، وليس من السهل عليهم الوصول إلى المؤسسات القائمة في دول الاتحاد لكفالة حقوقهم لأسباب كثيرة. بل إن العديد من الأوروبيين ينتقدون الاتجاه السائد في كثير من الدول الأوروبية، وخاصة فرنسا ـ لإبعاد الأجانب ـ ووقف الهجرات إلى الدول الأوروبية من جنوب وغرب البحر المتوسط. بل أن أحد الكتاب ـ مثل جارودي ـ انتقد بشدة الاتجاه اليميني في فرنسا، ذلك الاتجاه الذي يريد إرجاع المسلمين من حيث أتوا، ويري أن ذلك تنكر للجميل، فقد شارك المسلمون في إعادة بناء ما خربته الحربين الأولى والثانية في أوروبا، ولم يبخلوا بجهد و لا وقت في سبيل تحسين الحياة في القارة الأوروبية، ودفعوا ثمنًا غاليا في هذا الإسهام الكبير لإعادة بناء أوروبا.

         ومن ثم فالمناداة بإبعادهم وترحيلهم إلى بلادهم يعني مقابلة الإحسان بالإساءة. بل انتقد الهجوم الشرس في الجمعية الوطنية الفرنسية على الأقليات التي تعيش في أوروبا، وفي فرنسا بشكل عام وقارن مشاهد الحرية التي كانت تجري على هذه الساحة وفي هذا المكان منذ ميرابو وفولتير بما يجري الآن، حيث لم يستسغ أبدًا هذه الدعاوى الموجهة ضد حقوق الإنسان والمنكرة للجميل، والمضادة ـ وهذا الأهم ـ للتقاليد والأعراف الفرنسية في تقديس الحرية واحترام حقوق الأفراد.

        وقد اهتمت الهيئات الدولية منذ وقت طويل بحماية الأقليات. وقامت عصبة الأمم بتبني الاتفاقيات التي عقدت من قبل لحماية الأقليات الأوروبية في الدولة العثمانية والدول التي تفرعت عنها، وفي المناطق التي كانت محكومة من الدولة العثمانية من قبل، مثل بلغاريا ومنطقة البلقان واليونان.

        وكانت هذه الاتفاقات تهتم أساسًا بتحقيق مجموعة من الحقوق والحريات التي تكفل عدم التمييز بين هذه الأقليات وبين المواطنين في الدولة، وكانت تهتم كذلك بإعطاء دور لعصبة الأمم في المراقبة لمعاملة هذه الأقليات واتخاذ ما يلزم لإنصافهم ورد أية مظالم تقع عليهم.

ومع ذلك فإن المجتمع الدولي يحقق تطويرًا في هذا الشأن بعد قيام الأمم المتحدة. سواء من ناحية القواعد والمبادئ و المعايير التي يجب أن تتم معاملة الأقليات وفقًا لها، تم استخلاصها بشكل عام وضمنت الوثيقة الدولية لحقوق الإنسان، تلك الوثيقة المكونة من ثلاثة أعمال قانونية هي: الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1948 وكذلك العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية وقد أقرتهما الجمعية العامة للأمم المتحدة كذلك عام 1966وضعتهما في شكل اتفاق لهدف ظاهر، هو قيام الدول بالتصديق عليه والتزامها به بأعلى درجات الالتزام باعتبارها جزءًا من تشريعها الداخلي.

         ومن ناحية أخرى، فإن الوثيقة الدولية قد اهتمت بقضية الحماية الدولية لحقوق الإنسان، واهتمت بالنموذج الأوروبي، فالحماية تتولاها جهتان تتبعان الأمم المتحدة، إحداهما لجنة تختص بحماية الحقوق المدنية والسياسية، والأخرى تهتم بحماية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، ويوجد كذلك بروتوكول ملحق بالعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية تقبل الدول الموقعة عليه الاختصاص الإلزامي للجنة في حالة تقديم أي شكوى ضدها.

         وسوف أعرض في هذه الورقة لأهم المبادئ التي وردت في مختلف الوثائق الدولية، خاصة الوثيقة الدولية لحقوق الإنسان والتي تتصل بحماية حقوق الأقليات في القانون الدولي، ثم نتعرض للوثائق التي صدرت من منظمات أخرى خاصة اليونسكو.

أولاً: مبادئ حماية الأقليات في الوثيقة الدولية لحقوق الإنسان

       تقرر كافة المواثيق الدولية مبدأ المساواة بين الناس في التمتع بالحقوق والحريات دون تمييز من أي نوع.

        فالمادة الثانية من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تنص على أنه ((لكل إنسان حق التمتع بجميع الحقوق والحريات المذكورة في هذا الإعلان دونما تمييز من أي نوع ولاسيما التمييز في العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي سياسيًا أو غير سياسي أو الأصل الوطني أو الاجتماعي أو الثروة أو المولد أو أي وضع آخر. وفضلاً عن ذلك لا يجوز التمييز على أساس الوضع السياسي أو القانوني أو الدولي للبلد أو الإقليم الذي ينتمي إليه الشخص سواء كان مستقلاً أو موضوعًا تحت الوصاية أم غير متمتع بالحكم الذاتي أم خاضعًا لأي قيد آخر على سيادته)).

       ومعلوم أن هذا النص قد ورد في بداية الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بعد نص المادة الأولي الذي يقول : ((أن الناس يولدون جميعًا أحرارًا ومتساوين في الكرامة والحقوق وهم قد وهبوا العقل والوجدان وعليهم أن يعاملوا بعضهم بعضًا بروح الإخاء)).

         فالبداية في نظرية الحقوق والحريات العامة هو تساوي الناس في التمتع بها، وبالتالي لا ينبغي أن يكون الخلاف في الجنس أو الدين أو اللون أو اللغة أو الرأي أو لأي سبب آخر، مؤثرًا على التمتع بمختلف الحقوق والحريات. وتؤكد (المادة 7)من الإعلان نفس المبدأ، وإن اتصلت بالممارسة أكثر، فقد قررت أن الناس جميعًا سواء أمام القانون، وهم يتساوون في التمتع بحماية القانون دون تمييز، كما يتساوون في حق التمتع بحماية القانون دون تمييز، وكذلك يتساوون في حق التمتع بالحماية من أي تمييز ينتهك الإعلان، وتأتي المواد الأخرى في الإعلان لتقرر جوانب من وسائل حماية المساواة: فالمادة (8) من الإعلان تقرر حق الأشخاص في اللجوء إلى المحاكم الوطنية لإنصافهم الفعلي من أية أعمال تنتهك الحقوق الأساسية التي منحها الدستور والقانون لهم. كذلك لكل إنسان الحق على قدم المساواة التامة مع الأخرين ـ في أن تنظر قضيته محكمة مستقلة ومحايدة، نظرًا منصفًا وعمليًا (المادة 10).

       وفي صدد الأقليات نجد الإعلان العالمي ينص على حق آخر، هو أن لكل فرد حق التماس ملجأ في بلدان أخرى والتمتع به خلاصًا من الاضطهاد. كما ينص على أن لكل فرد حق في حرية التنقل، كما لكل فرد حق في مغادرة أي بلد بما في ذلك بلده وفي العودة إليها (المادة 13).

      فمن المعلوم أن قدرًا كبيرًا من الأقليات المسلمة قد مارست حقها في الانتقال من بلدها إلى بلاد أخرى، من أجل حياة أفضل، ومن ثم فإن إعمال هذا النص يقتضي كفالة سائر الحقوق لها، بما في ذلك حق القرار إلى  المكان الذي ترغب في الإقامة فيه، ويعتبر هذا الحق من أكثر الحقوق التي تتعرض الأقليات الإسلامية في مختلف الدول لانتهاكه، كما أن القوانين المحلية، بل والقانون الدولي التقليدي يعطي لمختلف الدول الحق في إبعاد الأجانب خاصة غير المقيمين إقامة طويلة في الدولة.

أما باقي مواد الإعلان فهي تعطي لكل الأشخاص الحقوق التالية:

* الحق في الحصول على الجنسية ولا يجوز حرمان أي شخص من جنسيته، ولا من حقه في تغيير جنسيته (المادة 15).

*  الحق في الزواج وتكوين أسرة ودون أي قيد يرجع إلى العرق أو الدين أو الجنسية (المادة 16).

*  حق التملك (المادة 17)

*  حرية العقيدة (المادة 18).

*  حق الرأي والتعبير (المادة 19).

*  حق الاشتراك في الاجتماعات والجمعيات السلمية.

*  الحق في الضمان الاجتماعي (المادة 22)

*  الحق في العمل، وحرية اختيار العامل العمل الذي يناسبه (المادة 23).

*  حق الملكية الفكرية (المادة 27) وكذا قرر الإعلان الحق في مستوى معيشي مناسب.

*  الحق في التعليم.

* الحقوق السياسية.

      لكنه يجب التوقف عند الحقوق السياسية ونرى كيف عالجها الإعلان. ففي صدد الحقوق التي عددناها نجد أن الإعلان يعطيها (لكل شخص)، لكن جاء في المادة (21) وذكر  أن لكل شخص حق المشاركة في إدارة الشئون العامة لبلده إما مباشرة وإما بواسطة ممثلين يختارون في حرية. وباقي الفقرات ذكرت أن لكل شخص حق تقلد الوظائف العامة في بلده بالتساوي مع الآخر، وإن إرادة الشعب هي مناط سلطة الحكم ويجب أن تتجلى هذه الإرادة من خلال انتخابات نزيهة تجري دوريًا بالاقتراع العام وعلى قدم المساواة بين الناخبين وبالتصويت السري أو بإجراء مكافئ من حيث ضمان حرية التصويت.

        فالنص على أن هذه الحقوق تمارس في بلد الشخص يثير تساؤلات عديدة. فهل يعني ذلك ضرورة أن يحمل الشخص جنسية الدولة حتى يكون له الحق في إدارة الشئون العامة أو في تقلد الوظائف العامة أو في الاشتراك في المجالس التشريعية أو المحلية ؟

       إن المبادئ القانونية سواء في القانون الداخلي أو الدولي تجري على أساس أن تقتصر الحقوق السياسية على المواطنين، أي الذين يحملون جنسية الدولة،ولكن النص الوارد هنا يساير الاتجاهات الحديثة التي تعطي للشخص الذي يعيش في مكان ما ويتخذه بلدًا له، الحق في ممارسة الحقوق السياسية وإلا لكان الإعلان قد استخدم مصطلح الجنسية فتعبير (في بلده) ، لا يتطابق مع تعبير (الجنسية).

         إن الكثير من الأشخاص الذين يحملون جنسيات دولهم، قد هاجروا إلى بلاد أخرى، وأصبحوا يعيشون فيها، ويعملون لها، ويمارسون حياتهم الطبيعية في رحابها دون أن يحملوا جنسيتها، وكثير منهم لا يعود إلى بلده إلا زائرًا، بل ويساعد أشخاص من أسرته على الهجرة للإقامة معه في الموطن الجديد، فهل يمكن أن نحرمه من الحقوق السياسية في هذا المكان الذي توطن فيه تمامًا وأصبح جزءًا منه؟

       إن هذا المفهوم لا يمكن أن يتفق مع مدلول حقوق الإنسان وحرياته، بل من التعسف الشديد أن يحرم الإنسان من المشاركة في الحياة السياسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية في المكان الذي يعيش فيه.

      ونقرأ في ديباجة العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية ما يعزز فكرة المساواة بين البشر جميعهم، وعدم جواز التمييز بينهم لأي سبب كان إذ تري الدول الأطراف في العهد أن الإقرار بالحقوق لجميع أعضاء الأسرة البشرية يعبر عن كرامة أصيلة فيهم، ومن حقوق متساوية وثابتة، يشكل وفقًا للمبادئ المعلنة في ميثاق الأمم المتحدة أساس الحرية والعدل والسلام في العالم.       وإذ تقر بأن هذه الحقوق تنبثق من كرامة الإنسان الأصيلة فيه وإذ تدرك أن السبيل الوحيد لتحقيق المثل الأعلى المتمثل وفقًا للإعلان العالمي لحقوق الإنسان في أن يكون البشر أحرارًا ومتحررين من الخوف والفاقة هو سبيل تهيئة الظروف الضرورية لتمكين كل إنسان من التمتع بحقوقه الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وكذلك بحقوقه المدنية والسياسية.

ونجد عبارات مماثلة في ديباجة العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية.

        وقد عالج العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية قضية حقوق الأقليات بشكل مفصل، في أكثر من مادة من مواد العهد. فالمادة(27) من العهد تنص على أنه ((لا يجوز في الدول التي توجد بها أقليات أثنية أو دينية أو لغوية أن يحرم الأشخاص المنتسبون إلى الأقليات المذكورة من حق التمتع بثقافتهم الخاصة أو المجاهرة بدينهم وإقامة شعائرهم أو استخدام لغتهم بالاشتراك مع الأعضاء الأخرين في جماعتهم)).

فهذا النص يبيح للأقليات أن تتعامل مع بعضها البعض بالشكل الذي يؤكد ذاتيتها وثقافتها الخاصة، ويوفر لها حرية العقيدة بمدلولها الواسع وكذا حق استخدام لغتهم الخاصة. هذا بالإضافة إلى تمتعهم بالحقوق الأخرى المقررة في العهد بالتساوي مع مختلف أفراد الدولة التي يوجدون فيها.

       ونجد المادة(26) من العهد تقرر مثلاً((أن الناس جميعًا سواء أمام القانون ويتمتعون دون أي تمييز بحق متساو في التمتع بحمايته. وفي هذا الصدد يجب أن يحظر القانون أي تمييز وأن يكفل لجميع الأشخاص على السواء حماية فعالة من التمييز لأي سبب كالعرق أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي سياسيًا أو غير سياسي أو الأصل القومي أو الاجتماعي أو الثروة أو النسب أو غير ذلك من الأسباب)).

       فلا يجوز لأي سبب كان أن يميز القانون فئة على فئة بأن يقتصر تولي الوظائف العامة على فئة معينة على أساس ديني أو قومي، وإلا فما معنى المساواة أمام القانون ؟

* إبعاد الأجنبي:

        من المقرر في القانون الدولي أن من حق كل دولة أن تنظم المسائل الخاصة بالإقامة على إقليمها وأن تقصر الإقامة الدائمة عليه لمن يتمتعون بجنسيتها دون سواهم، وبالتالي فإن القواعد العرفية الدولية تسمح بإبعاد الأجانب. لكن القانون الدولي لحقوق الإنسان يفرض على الدولة بعض القيود في هذا الصدد، فنجد المادة (13) من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية تنص على أنه : ((لا يجوز إبعاد الأجنبي المقيم بصفة قانونية على إقليم دولة طرف في هذا العهد إلا تنفيذًا لقرار اتخذ وفقًا للقانون، وبعد تمكينه ـ ما لم تحتم دواعي الأمن القومي خلاف ذلك، من عرض الأسباب المؤيدة لعدم إبعاده ومن عرض قضيته على السلطة المختصة أو على من تعينه أو تعينهم خصيصًا لذلك، ومن توكيل من يمثله أمامها أو أمامهم)).

          وهكذا يعطي هذا النص للأجنبي الذي يتقرر إبعاده عن البلد الذي يقيم فيه الحق في أن يدافع عن نفسه ضد هذا القرار بالشروط الآتية:

1- أن يكون الأجنبي مقيمًا بصفة قانونية في البلد الذي تقرر إبعاده عنه. والإقامة القانونية تقتضي أن يكون الأجنبي قد وصل إقليم الدولة بإذن منها، وأن يكون بقاؤه فيها قد تم وفقًا لأحكام القانون. وهو شرط يحرم العديد من الأشخاص من ضمانة التظلم ضد قرار الإبعاد. ونرى أن التساهل في الدخول والإقامة من قبل الدولة يجب أن يفسر على أنه أعطى للشخص حقًا في الإقامة، كأن يدخل للسياحة وتستمر إقامته في الدولة لمدة أطول دون اعتراض منها على ذلك أو كأن يمارس عملاً في الدولة عليه طلب ولا يقبل عليه عادة المواطنون فسكوت الدولة هنا يجب تفسيره على أنه رضاء باستمرار إقامة الأجنبي، طالما أنه يمارس عملاً شريفًا ومقبولاً. ونفس الشيء ينطبق في حالة عضو البعثة العلمية الذي لا تكفي المدة التي منحت له لاستكمال الدراسة، فيستمر في الإقامة في الدولة حتى تنتهي دراسته. ويفترض استمرار الأذن طالما أن الغرض لم يتغير.

2- يجب أن يتم الإبعاد تنفيذًا لقرار تتخذه السلطة التي يحددها القانون لاتخاذ هذا القرار، وفي الحالات وللأسباب التي يقررها قانون الإقامة الخاص بكل دولة.

3- أن يمكن الأجنبي من التظلم من القرار أمام السلطة المختصة التي يعينها القانون لذلك. ولم يشترط النص للأسف أن تكون هذه السلطة هي السلطة القضائية وهذا عيب كبير في نص في عهد دولي يقرر الحقوق الأساسية للإنسان.

وعمومًا فأرى أن العمل في معظم الدول قد تجاوز هذا النص، والقانون المصري ـ على سبيل المثال ـ يتيح لمن صدر ضده قرار بالإبعاد أن يتظلم منه أمام القضاء، ويجيز للقضاء الإداري أن يلغي هذا القرار.

إن الأجنبي الذي أقام لفترة طويلة في إقليم دولة ما، ينبغي أن يكون له الحق في الحصول على جنسيتها، أو يعطى ـ على الأقل ـ الحق في الإقامة الدائمة على هذا الإقليم، طالما كان له عمل يؤديه لخدمة هذا المجتمع؛ ونستند في ذلك إلى المبررات الآتية:

1- الحق الأساس الذي تقرره المواثيق الدولية في المساواة بين الناس، فكيف يتحقق مثل هذا الحق عملاً إذا كان من حق الدولة أن تطرد شخصًا عاش على إقليمها وقدم عمله وجهده وخبرته لها؟

2- وما هي الأفضلية التي تتحقق لشخص ولد لوطن أو على إقليم الدولة فحصل على جنسيتها الأصلية بمجرد الميلاد، حتى ولو لم يكن يؤدي أي خدمة لبلده، ومن شخص اختار الحياة في دولة ما، وأخذ يعمل لصالحها، وعاش فيها وأنجب أولاده داخلها، ولكن لعدم الميلاد لأحد مواطنيها أو لأنه لم يولد في الإقليم نجده يمكن طرده منها في أي وقت ودون سبب؟

        إن هذا بلاشك يتعارض مع الحق في المساواة:

3- إن الشرائع السماوية تعطي للإنسان الحق في أن ينتقل من بلده وأن يهاجر إلى بلد آخر أفضل في معاملته،ويتيح له ممارسة حقوقه، وخاصة حق ممارسة شعائر عقيدته. ولننظر إلى أحكام القرآن الكريم في هذه المسألة. يقول تعالى:

{إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً * إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً * فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوّاً غَفُوراً* وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً} [النساء: 97 - 100] فهنا يفرض الله الهجرة على المستضعفين ويعذبهم في الآخرة إذا عاشوا مستكينين في المكان الذي وجدوا فيه لذا نصر الإسلام بالهجرة إلى الحبشة أولاً وإلي المدينة بعد ذلك.

كما نرى الكثير من مواطني الدول النامية عندما هاجروا إلى بلاد أخرى، لمعت أسماؤهم وتميزوا في مجالات العلوم والفنون المختلفة مثل الطبيب المصري مجدي يعقوب، والعالم المصري أحمد زويل ومن قبل فاروق الباز، وغيرهم ، وغيرهم.

4- إن الكثير من الدول الكبرى قد تكونت من العناصر المهاجرة ولم تكن الدول تهتم كثيرًا بأمور الجنسية، ولكن للأسف يتحكم من استفادوا من الهجرة دون ضابط، فيمن يرغبون فيها دون سند إلا الأنانية، والخوف من المشاركة في الرزق، والرغبة في التشدد والتحكم في الأخرين.

لذا أري ضرورة وضع قواعد للهجرة وتسهيل الانتقال من دولة إلى دولة، بشكل أكثر مرونة، يراعي ظروف الدول النامية، وضيق فرص العمل والرزق فيها، ويراعي أن الأرض لله والخلق كلهم بيده، وأن حقوقهم على هذه الدنيا يجب أن تكون متساوية.

ونخلص من ذلك إلى أن الوثيقة الدولية لحقوق الإنسان والمكونة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان 8491، والعهدين الدوليين للحقوق المدنية والسياسية، والحقوق الاقتصادية والاجتماعية ،تعطي للأقليات حقوقًا واسعة بإقرارها الحق في المساواة بين جنس البشر، وبوضعها ضمانات واضحة للأقليات في حالات الإبعاد. ولكن لازالت قضية الأقليات في حاجة إلى ضمانات أكثر، وتقرير حقوق مراقبة تنفيذها عن طريق اللجان المعنية بذلك والتي شكلت بمقتضى أحكام الوثيقة.

ثانيًا: حقوق الأقليات في بعض الوثائق الأخرى

نجد أن العديد من المنظمات، خاصة الجمعية العامة للأمم المتحدة، ومنظمة العمل الدولية، ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة للعلوم قد أصدرت العديد من المواثيق التي تمنع التمييز والفصل العنصري بشكل عام، والتميز ضد الأقليات بشكل خاص من ذلك:

1 ـ إعلان الأمم المتحدة للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري والصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 20 نوفمبر عام1963 القرار رقم 1904(180).

2 ـ الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، الجمعية العامة (200) 21 ديسمبر 1965

3 ـ الاتفاقية الدولية لقمع جريمة التمييز العنصري والمعاقبة عليها قرار الجمعية العامة رقم 3068 (082) نوفمبر 1973.

4 ـ اتفاقية منع التمييز في مجال الاستخدام والمهنة، المؤتمر العام لمنظمة العمل الدولية يونيو 1958.

5 ـ اتفاقية منع التمييز في مجال التعليم ، المؤتمر العام لليونسكو في ديسمبر 1960.

6 ـ الاتفاقية الخاصة بالمساواة في الأجور، المؤتمر العام لمنظمة العمل الدولية في يونيو 1951.

7 ـ الاتفاقية الخاصة بالقضاء على أشكال التمييز ضد المرأة ، الجمعية العامة للأمم المتحدة ديسمبر 1979.

8 ـ إعلان بشأن العنصر والتمييز العنصري، المؤتمر العام لليونسكو في دورته العشرين نوفمبر 1978.

9 ـ إعلان بشأن القضاء على جميع أشكال التعصب والتمييز القائم على أساس الدين أو المعتقد.

10 ـ إعلان بشأن المبادئ الأساسية الخاصة باستخدام وسائل الإعلام في دعم السلام والتفاهم، وتقرير حقوق الإنسان ومكافحة العنصرية، المؤتمر العام لليونسكو في نوفمبر 1978.

وسأقف على بعض ما ورد في هذه الإعلانات والاتفاقيات مما يتصل بحقوق الأقليات في الدول التي يتواجدون فيها، وأهم هذه الإعلانات هو الإعلان الصادر من اليونسكو بشأن العنصر والتمييز العنصري في نوفمبر عام 1978.

       فالمادة التاسعة من هذا الإعلان يتضمن حقوقًا واضحة للأقليات فقد جرى نصها على النحو الآتي:

1- إن مبدأ تساوي جميع الناس وجميع الشعوب في الكرامة والحقوق، بصرف النظر عن العنصر أو اللون أو الأصل، مبدأ من مبادئ القانون الدولي مقبول ومعترف به عمومًا. وتبعًا لذلك فإن أي شكل من أشكال التمييز العنصري تمارسه دولة ما يشكل انتهاكًا للقانون الدولي يستتبع مسؤوليتها الدولية.

2- يتوجب، حيثما كان ذلك ضروريًا، اتخاذ تدابير خاصة تكفل للأفراد والجامعات المساواة في الكرامة والحقوق، مع تفادي وَسْم تلك التدابير بطابع تبدو معه منطوية على تمييز عنصري. وفي هذا الشأن ينبغي إيلاء عناية خاصة للجماعات العنصرية أو الإثنية المتحيّفة اجتماعيًا أو اقتصاديًا بحيث تكفل لها، على قدم المساواة الكلية مع غيرها من الجماعات ودونما تمييز أو تقييد، حماية القوانين والأنظمة والانتفاع بمزايا التدابير الاجتماعية النافذة، ولاسيما في مجالات الإسكان والعمالة والصحة، وبحيث تحترم أصالة ثقافتها وقيمها، وبحيث تيسر لها سبل الترقي الاجتماعي والمهني، وخصوصًا عن طريق التعليم.

3- ينبغي أن يتاح لجماعات السكان الأجنبية الأصل، وخصوصًا للعمال المهاجرين وأفراد أسرهم الذين يسهمون في تنمية البلد المضيف، الانتفاع بتدابير مناسبة تستهدف ضمان أمنها واحترام كرامتها وقيمها الثقافية، وتيسر تكيّفها مع الوسط الذي يستقبلها، وكفالة الترقي المهني لها، لكي يتمكن أفرادها، لدى عودتهم لاحقًا إلى بلدهم الأصلي، من الاندماج فيه والإسهام في تنميته. كما ينبغي أن تيسر لأبناء هذه الجماعات إمكانيات تعلم لغتهم الأصلية.

4- إن أوجه اختلال التوازن في العلاقات الاقتصادية الدولية تسهم في تفاقم العنصرية والتحيز العنصري، ومن ثم ينبغي لجميع الدول أن تسعى إلى الإسهام في إعادة تشكيل النظام الاقتصادي الدولي على أساس أكثر إنصافًا.

والحقوق التي توردها هذه المادة للأقليات واضحة هي:

1 ـ حماية القوانين والأنظمة في داخل الدول التي يقيمون فيها دون أي تفرقة بينهم وبين المواطنين.

2 ـ الحق في الانتفاع بمزايا التدابير الاجتماعية المقررة في هذه الدول وعلى سبيل المثال المساواة مع غيرهم.

3 ـ أن تكون لهم مزايا التأمين الصحي، والمزايا التي تمنحها الدول للمواطنين في مجالات العمالة والإسكان والصحة.

4 ـ الحق في احترام القيم والثقافة الخاصة بهم، كما يجب أن يتيسر لهم سبل الترقي الاجتماعي والمهني وخاصة عن طريق التعليم.

5 ـ نص الإعلان على حقوق أخرى للأقليات تتصل بضمان أمنها واحترام كرامتها وقيمها الثقافية، ويهمني هنا النص الصريح على حقها في تيسير تعليم لغتهم الأصلية لأبنائهم وتؤكد الفقرة الأولى من هذه المادة على مبدأ قانوني هام وتعتبره من مبادئ القانون الدولي، وهو مبدأ تساوي جميع الشعوب وجميع الناس في الكرامة والحقوق بصرف النظر عن اللون أو العنصر أو الأصل، وترتب على ذلك المسئولية الدولية للدولة إذا انتهكت هذا المبدأ والمسئولية الدولية تتضمن إمكان محاكمة من ينتهك المبدأ من المسئولين فيها، أو حتى من أفراد الشعب، وقد اعتبرت العنصرية جريمة دولية تستحق العقاب عليها بمقتضى اتفاقية صدرت من الأمم المتحدة.

       والواقع أن هذا الإعلان لا يكتفي ببيان حقوق الأقليات وإعلانها، وإسباغ الصفة القانونية عليها، بل أنه يتضمن العديد من الأفكار البناءة بشأن أسباب العنصرية، ودورها في تهديد البشرية ونشوب الحرب، وسنتعرض لبعض ما ورد في هذا الإعلان من مبادئ لأهميتها الفائقة.

* المساواة بين البشر في مفهوم اليونسكو:

        تعلن ديباجة الإعلان أن الحرب العالمية قد نشبت بسبب التنكر للمبادئ الديمقراطية مبادئ كرامة البشر وتساويهم والاحترام المتبادل فيما بينهم، وبسبب الترويج لمذهب تفاوت البشر والتمييز العنصري.

        وتعلن اليونسكو اقتناعها التام بأن وحدة الجنس البشري في جوهره، وبالتالي المساواة الأصلية بين جميع الناس وجميع الشعوب، اللتين يعترف بهما في أنبل صيغ الفلسفة والأخلاق والدين لتكونان مثلاً أعلى يتجه إلى الالتقاء عنده اليوم العلم والأخلاق.

       كما تقتنع اليونسكو بحق الاختلاف، وترى مساهمة مختلف الشعوب كل وفق عبقريته الخاصة، في تقدم الحضارات والثقافات التي تشكل في تعددها، وبفضل تداخلها الترات المشترك للإنسانية.

وتقول المادة الأولى من الإعلان إن البشر ينتمون جميعًا إلى نوع واحد وينحدرون من أصل مشترك واحد وهم يولدون متساوين في الكرامة والحقوق.

         كما تعلن هذه المادة أنه لجميع الأفراد والجماعات الحق في أن يكونوا مغايرين بعضهم لبعض، وفي أن ينظروا إلى أنفسهم،وفي أن ينظر الناس لهم هذه النظرة، بشرط ألا يؤدي ذلك إلى تفضيل أي فكر عنصري.

        كما أن هذا الإعلان يتعرض لقضايا علمية هامة هي:

ـ إن الفروق بين الجماعات والأفراد ترجع إلى عوامل جغرافية وتاريخية وسياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية ولا يجوز أن تتخذ ذريعة لأي تصنيف متفاوت المراتب للأمم والشعوب، وإن كل النظريات التي تقوم على العنصرية تفتقد أي أساس علمي.

ـ تعارض العنصرية مع مقتضيات قيام نظام دولي يتسم بالعدل.

ـ تعارض العنصرية مع مبادئ حقوق الإنسان وحرياته ونص مبدأ المساواة في الكرامة والحقوق وبالتالي لا يمكن قبوله.

ـ أن الفصل العنصري يمثل جريمة ضد الإنسانية وضد ضمير البشر وكرامته.

 

القسم الرابع

نموذج اجتهادي للعلاقة التي يجب أن تكون بين المسلم والدولة التي يعيش فيها

       إن عدد المسلمين في أوروبا يصل إلى حوالي عشرين مليون مسلم، وهم الآن في تزايد مستمر، ومن المحتمل أن يتضاعف هذا العدد خلال سنوات قليلة. وقد أصبحوا يمثلون شريحة حية في المجتمع الأوروبي وتبوءوا مكانًا مهمًا في أوروبا، كما أن أبناء المسلمين باتوا يشكلون نسبة كبيرة من طلاب المدارس والجامعات الأوروبية.

       إن المسلمين يمارسون الحريات الإسلامية في مختلف المجتمعات الأوروبية وعلى رأسها ما يتصل بالعقيدة، وبالرأي والتعبير وسائر الحقوق التي يكفلها الاتحاد الأوروبي للمواطنين الأوروبيين وعلى قدم المساواة.

       لذا، باتت الشروط التالية دستورًا للعلاقة بين المسلم والدولة التي يعيش فيها:

1- على المسلمين أن يتعاونوا فيما بينهم على التعامل وفقًا للقيم والمبادئ الإسلامية، وأن يتواصلوا دائمًا بالحق والصبر في حماية هذه القيم والمبادئ وفي إقامة أركان الإسلام وشعائره.

2- يجب على المسلمين أن يحافظوا على هويتهم والسمات المميزة لهم، باعتبارهم خير أمة أخرجت للناس، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ولا يخل ذلك بالواجب الملقى عليهم باعتبارهم مواطنين أو مقيمين في احترام القوانين الخاصة بالمجتمع الذي يعيشون فيه، كما أن ذلك لا يمنع من التفاعل مع الميادين الجديدة لحكم العلاقات الدولية في ظل العولمة.

3- يجب على المسلمين الاندماج في المجتمع الذي يعيشون فيه، وأن يتعلموا لغته، وأن ينفتحوا على مختلف وجوه الحياة فيه، كما يجب عليهم أن يؤهلوا أنفسهم لتولي مسئوليات أساسية وفعالة في هذه المجتمعات دون أن يؤثر ذلك على تحكمهم بدينهم.

4- يجب أن يكون المسلمون في أوروبا جسورًا للتواصل بين المجتمع الأوروبي والمجتمعات الإسلامية بما يحقق المصالح المشتركة للبلاد الأوروبية والبلاد الإسلامية وينمي العلاقات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بينهم.

5- يجب على الدول الأوروبية التي تعيش فيها التجمعات الإسلامية أن تسهل لهم سبل ممارسة الحقوق والحريات المعترف بها في المواثيق الأوروبية والدولية، خاصة في مجال بناء المساجد، وتخصيص الأماكن المناسبة للصلاة اليومية وصلاة الجمعة والأعياد، والسماح لهم بإجازات مدفوعة الأجر في أعيادهم الدينية، كما أنه ينبغي على تلك الدول مساعدة المسلمين على الاندماج دون الذوبان فيها في أعمال منتجة ومشروعات مشتركة.

6- يجب على الدول الأوروبية أن تسمح بتدريس التربية الدينية لأبناء المسلمين في مختلف مراحل الدراسة فيها، وكذا أن تسمح بإنشاء مدارس يقيمها المسلمون لتعليم الدراسات الإسلامية واللغة العربية والحضارة الإسلامية والتاريخ الإسلامي.

7- هناك أهمية قصوى في إنشاء هيئات علمية متخصصة في الدراسات الجامعية والدراسات العليا في أوروبا تعنى بالدراسات الإسلامية بمختلف فروعها، مع الاعتراف بشهاداتها وتسهيل حق الالتحاق بالوظائف العامة وممارسة مختلف الأعمال لخريجيها.

8- على أجهزة الإعلام التي تصدر في أوروبا الكف عن الإساءة إلى الإسلام والمسلمين، والسماح لهم بحرية التعبير عن أنفسهم وعن عقيدتهم خلال مدد محدودة في أجهزة الإعلام الرسمية.

9- إن الإسلام دين سلام وسماحة بين مختلف الناس ويدعو المسلمين من مختلف مصادره إلى التعارف مع غيرهم والتعاون معهم.

10- ضرورة وجود هيئة إسلامية تمثيلية للمسلمين لدى الاتحاد الأوروبي أسوة بالهيئة التمثيلية للكاثوليك والبروتستانت واليهود، وذلك حتى يمكن التشاور معهم فيما يخص التشريعات الخاصة بأمور الأقليات في أوروبا وما يخص شئون المسلمين.

11- على الجاليات الإسلامية المقيمة في أوروبا أن تتمسك بمبادئ وقيم تعاليم الدين الإسلامي، وأن تتعاون فيما بينها على البر والتقوى، وأن يبتعدوا عن الشقاق وسوء الأخلاق؛ ليمثلوا القدوة الحسنة في المجتمعات التي يعيشون فيها.

12- يجب إسقاط كل دعاوى الإرهاب والاتهام بمعاداة الغير التي تلصق بالإسلام زورًا وبدون أي أساس. وبناء على ذلك فإن من يمارس إرهاب الغير أو تخويفه بعيد عن الإسلام وتعاليمه وأحكامه ويستحق العقاب إعمالاً لقوله تعالى:: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ}[المائدة:33].

 

الخلاصـــــة

 

  تناولنا في هذه الدراسة العلاقة التي يجب أن تقوم بين المسلمين والآخر في دار الإسلام، وفي الدول الحديثة، سواء أكانت من ديار الإسلام أو من غيرهم. وقد استبان من هذه الدراسة الحقائق الآتية:

1- قاعدة المساواة بين المسلمين وغيرهم في كافة الحقوق والالتزامات، وإن كانت هذه المساواة ليست حسابية، بل نوعية وتحتمل تمتع غير المسلمين بشكل عام بكافة الحقوق والالتزامات، وإن كانت وظيفة الخلافة أو الولاية العامة تقتصر على المسلمين وبالشروط التي حددها الفقهاء.

2- أن هذه  القواعد تعتبر مرجعية للمسلمين في التعامل مع غير المسلمين في كل وقت وحين، كما إنها تعتبر مصدرًا لكثير من القواعد التي تقررت في الوثائق الدولية لحقوق الإنسان، والتي صدرت وتصدر بكثرة من المنظمات الدولية التي انضمت إليها سائر الدول الإسلامية.

3- أن المسلمين يجب أن يطوروا هذه الوثائق، وأن يتمسكوا بتطبيقها في كل مكان، وأن ينبهوا اللجان والهيئات المعنية بمراقبة هذه الحقوق إلى أي خرق أو تجاوز لها، ويجب أن يشكلوا لجانًا في مختلف الدول التي يعيشون فيها لمراجعة التشريعات والتدابير والإجراءات الأخرى الماسة بحقوقهم، ولفت النظر إليها، والإصرار على تعديلها بمعاونة الدول الإسلامية والمجتمع الدولي بشكل عام.

4- يجب أن يكون المسلمون في بلاد الأقليات الإسلامية قدوة لغيرهم، وأن يلتزموا بالسلوك الإسلامي، وأن يكونوا دعاة للهداية والأعمال المفيدة لدينهم وللبلاد التي يعيشون فيها في نفس الوقت، وأن يكونوا ممثلين حقيقيين للإسلام في هذه البلاد.

 

      وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

 

 

([1])  القرطبي, أحكام القرآن, 16/34, طبعة دار الفكر ـ بيروت.

([2]) كانت شكوى كثير من المفكرين والأدباء أنه إذا ما قابلت عشرة أشخاص في يوم واحد, فلن تسمع من أي منهم أي فكرة جديدة, بسبب ضحالة الثقافة التي لا تتوافر إلا بالنبوغ والاختلاف والاطلاع على طبائع البشر.

([3]) ما عدا الولاية العامة والرئاسة العامة للدولة, بل هي في قريش على قول, وفي آل بيت المسلمين في قول آخر.