وسائل التنصير ومخاطره

وسائل التنصير ومخاطره

 

 

وسائل التنصير ومخاطره

 

      د. خالد زهري

باحث و مفكر إسلامي ـ المغرب

 

          إن من أخطر ما يواجه المسلمين المقيمين في أوربا هو التنصير، الذي استطاع أن يستقطب الكثير منهم. لا أقول ذلك جزافا، بل إنه الواقع الذي عاينته بأم عيني. فلقد زرت فرنسا بضع مرات، ورأيت الكثير من شباب المسلمين الذين تنصروا، فصاروا أكثر نصرانية من النصارى، بل الخطير في الأمر أنهم تحولوا من مستقبلين للتنصير إلى مصدرين له.

            لقد أصبح النصارى يعتمدون على هؤلاء في تحقيق مآربهم في المغرب العربي، حيث صاروا أقدر من النصارى الإفرنج في تحقيق ذلك. ومراسلاتهم بالعربية لأبنائه، غدت تُوَجَّه من مغاربيين مقيمين في أوربا، وتحمل هذه الرسائل توقيعات أسماء إسلامية ومغاربية.

            ولا ينبغي أن ننقاد وراء تلك الدعوى، التي تنشر فكرة أن النصرانية فشلت في تنصير المسلمين. فهذه الدعوى، إما أنها كاذبة يقصد بها عدم تحفيز المسلمين ليستيقظوا في وجه هذا الخطر الداهم، وإما أنها واهمة تصدر من أفراد لا يفقهون شيئا من الواقع، ولا يدركون المخاطر التي تحاك في إفريقيا عامة وشمالها خاصة، والتي غدت مفضوحة، بحيث لا تخفى إلا عن بليد أو ساذج.

            إن التاريخ يحدثنا أن الكثير من الدول الإسلامية، تحولت، بفعل التنصير، إلى دول نصرانية، فضاعت هويتها النصرانية، وبقي من تبقى من المسلمين فيها بين مطرقة التنصير الداخلي وسندان التآمر الخارجي.

نضرب مثالا على ذلك بالفلبين، حيث إنها كانت عبارة عن مملكات إسلامية، ولا يشكل النصارى فيها إلا أقلية. فها هي الآن دولة نصرانية، أغلب أهلها نصارى، والمسلمون تحولوا فيها إلى أقلية تعاني مما لست في حاجة إلى تسويد القرطاس به، وفي العيان ما يغني عن الخبر.

أما عن القبائل الإفريقية الكثيرة، التي كانت مسلمة، ثم تنصَّرت، فحدث ولا حرج.

            إن بسبب المسلمين المغاربيين، المقيمين في أوربا، صار التنصير في المغرب العربي يأخذ مسارا خطيرا، وحقق نجاحات باهرة لا تخفى على أحد، بل إنهم الآن في طريقهم نحو تحقيق أقلية نصرانية في هذه المنطقة. ولا يخفى ما يترتب على ذلك من مطالبة هذه الأقلية؛ إن تحققت أهدافها ومآربها؛ بمطالب وخيمة العواقب.

            من هنا، صار لزاما علينا أن نبحث في المسألة من خلال تسليط الضوء على الطرق الجديدة في التنصير، والتي أصبحت تنفذ من قبل العرب المتنصرين المقيمين في أوربا، والناشطين في شمال إفريقيا.

            وعليه، فإنني في هذا البحث سأذكر بعض الطرق الخطيرة، التي بموجبها يسعى التنصير سعيا حثيثا في شمال إفريقيا، والتي تؤكد للأسف الشديد فشل المشروع الإسلامي في مواجهة هذه الحملة الشرسة، في الحين الذي يهدر جهوده في نزاعات فارغة، وجهود غير مثمرة، وبث أفكار تزيد من فرقة المسلمين وتشتت أوصالهم، عوض الوحدة من أجل خدمة الأمة، ونصرة دينها.

            وهذه الطرق هي:

- استثمار المبادىء الإسلامية في التنصير؛

- استدلال المنصـــرين بالقــرآن الكـــــريم؛

- التستر بأسماء المسلمــين في التنــصير؛

- التشكـيك في عصــمة القـــرآن الــكريــم؛

- التنصير بإرســال الكـتـــب والجـــوائـــز؛

- الدعـــوة إلــى الزيـــارات واللـقــــاءات؛

- الإلحــــاح فـــي طلـــب المـــــــراســـلة.

*  *  *

استثمار المبادئ الإسلامية في التنصير

            ومن الخطط المكشوفة للتبشير النصراني، أن المبشرين استغلوا الفراغ الحضاري، والجهل الثقافي، لدى المسلمين، من أجل استغلال المبادئ الأساس، المعتقَدة لدى المسلمين، قصد اتخاذها مطية لولوج ساحة المعتقد الإسلامي، لتفتيت أسسه، والإتيان على قواعده، وقناة لتسريب العقائد النصرانية، مغلفة بأقنعة مألوفة لدى المتلقي العربي والمسلم، بما لا يقبله منطق سليم، ولا يستسيغه عقل قويم.

            وبيان ما سطرته بأمثلة تزيده وضوحا، حيث إن معهدا تنصيريا، يسمي نفسه "المعهد الدولي للدراسة والإعلام"، ينشر إنجيل مرقس، بدون الإشارة إلى كونه إنجيلا، لا من قريب، ولا من بعيد، بل إنه يجعله بعنوان "قصة سيدنا عيسى"، في شكل كتيب يوزع مجانا، عن طريق المراسلات، الموجهة خاصة إلى شمال إفريقيا والمغاربيين المقيمين في الديار الأوربية.

وفي التقديم لهذا الكتيب، نلفي عبارات استقطابية مثل: "أيها الأخ العربي"، و "إخواني العرب".

لكن الأخطر من ذا وذاك، أن هذا التقديم يصدر بالبسملة (أي: بسم الله الرحمن الرحيم)، وتردف بدعاء معهود لدى المسلمين، ومألوف في أدعيتهم وصلواتهم، وهو: "لا إله إلا الله، له الحمد، ومنه الإنعام والجود والهداية"، ثم يختم بالتأمين الإسلامي: "آمين، يا رب العالمين".

            وبما أن الاسم "يسوع" يوحي بالمضمون النصراني لهذه الكلمة، فقد تم صياغة الإنجيل التضليلي المذكور برمته بتعويض اسم "يسوع" بالاسم الذي لا يخلق أي تساؤل لدى المتلقي المسلم، ولا يحرك فيه كوامن الشك وحوافز الريبة، وهو اسم "عيسى".

            ومن تجليات التمويه أيضا، تقديم العهد الجديد، لا بالاسم المشهور به، وهو "الإنجيل"، ولكن بمعناه ومدلوله اللغوي، في الأصل اليوناني، كما صنعوا في "إنجيل لوقا"، الذي ينشرون نسخة منه بعنوان: "الأخبار السارة"، دون أي تقديم، أو توطئة، تشير إلى ذلك، وتكشف عن سبب العدول عن الاسم المشهور والمعهود لدى الخاص والعام، إلى الشرح اللغوي اليوناني، الذي لا يعلمه إلا الخاصة ممن هم مختصون في دراسة الكتاب المقدس.

*  *  *

            أرسل مبشرون رسالة من مدينة "Luynes" بفرنسا، إلى صبية مغربية تبلغ من العمر أربع عشرة سنة، وتقطن بمدينة سلا بالمغرب، والرسالة مرفوقة بمطبوع يحمل عنوان "الله أكبر"، وتتصدره العبارة التالية: "بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، خالق كل الأشياء بكلمته، وصلاة، وتسبيحا، وشكرا، وسجودا، لمن صنعنا من تراب، وخلقنا على صورته، فأبدع تصويرا، إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون، وأشهد أن لا إله إلا هو، الواحد الأحد، الفرد الصمد، لا شريك له، هو ينقذ من الضلال، ويوفق للصواب، ويهدي إلى الصراط المستقيم".

ومن مدينة "مالقا" بإسبانيا، تصدر مجلة بعنوان "الأشبال"، لتوجه بالتنصير إلى أطفال المغرب العربي. وهي تتصدر بالبسملة القرآنية، وتستدل بآيات من القرآن الكريم، بسبل تمويهية، للتدليل على صحة المعتقدات والتعاليم النصرانية. وهذا بقصد جر أطفال المسلمين إلى التنصر، من حيث يظنون أنهم من الإسلام ينطلقون، وفي طريقه يسيرون.

 

استدلال المنصرين بالقرآن الكريم

            كما أن التمويه قد ينحو منحى آخر، بسبيل التصريح الكاذب والمجامل، كدعوى أن القرآن يتفق اتفاقا تاما مع ما ورد في الكتاب المقدس بشأن المسيح، كما جاء في كتاب "صلب المسيح وقيامته"، لمؤلفه "جون جلكرايست": "يقول الكتاب المقدس والقرآن: إن المسيح أجرى معجزات عظيمة كثيرة، أثناء خدمته في فلسطين، لمدة ثلاثة أعوام" ([1])

            فإن كان القرآنُ يتفق والكتابَ المقدسَ، على أن المسيح أجرى معجزات عظيمة([2])، فأين يوجد في القرآن أن خدمته في فلسطين كانت مدة ثلاثة أعوام؟!

            واستدل في الكتاب نفسه بالقرآن الكريم، بشأن قصة يونس، في الصافات (الآيات 139-148)، لمقارنتها بآية يونان([3]) النبي، التي استدل بها المسيح، في إثبات قيامته([4])، الواردة في "إنجيل متى" (12:39-40)، و"سفر يونان" (4:6-8)، ثم قال: "طبقا لما جاء في القرآن، وفي الكتاب المقدس، أجرى المسيح آيات وعجائب عديدة وسط شعب إسرائيل: "المائدة 110” –“أعمال الرسل 2:22[5]) ).

            وفي الرد على كتيب أحمد ديدات "قيامة أم إنعاش"، الذي حاول إثبات أن المسيح نزل حيا من الصليب([6])، فند جون جلكرايست النظرية بقوله: "وهي نظرية لا أساس لها من الصحة – لا في الكتاب المقدس، ولا في القرآن –، وقد تبرأ منها المسيحيون والمسلمون معا. والطائفة الوحيدة التي اعترفت بتلك النظرية هي الطائفة الأحمدية، التي اتهمت في باكستان بأنها طائفة غير مسلمة"([7])، ويقول: "ونحن على يقين أن المسلمين الأذكياء تبينوا الآن أن ديدات ليس عالما حقيقيا بالكتب المسيحية المقدسة"([8]).

وفي الرد على مسألة: "من دحرج الحجر"([9]) الذي على قبر يسوع، بعد صلبه المزعوم، يقول: "ويؤمن جميع المسلمين بالله وملائكته "البقرة: 285"، والقرآن يوافق على أن الملائكة الذين جاءوا لتدمير المدينة التي كان لوط مقيما فيها "العنكبوت: 31-34" هي مدينة سدوم المذكورة في الكتاب المقدس[10]))."

ثم يستنتج استنتاجا متهافتا، مفاده أن "القرآن يفرض على المسلمين، ليس الإيمان بالملائكة فقط، بل وبسلطانهم على شؤون الناس والأرض. وعليه فلا يوجد مسلم واحد يعترض على قول الإنجيل: إن ملاكا هو الذي دحرج الحجر[11]).")

            وجاء في كتاب "ماذا تفتكر عن المسيح"([12]):"فداود النبي طلب الغفران بالدموع، وإبراهيم الخليل استغفر ربه. ولكن، إن بحثت في الكتاب المقدس، أو في القرآن، لا تجد دليلا أو آية أن يسوع طلب الغفران، ولو مرة واحدة"([13]).

بيد أن القرآن الكريم يقول: "لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله ولا الملائكة المقربون، ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر فسيحشرهم إليه جميعا"([14]).

وعدم استنكافه عليه السلام، يدل على الخضوع التام، وكمال العبودية، لله تعالى. وهذا يقتضي كثرة الاستغفار، ودوام التوبة. والنصرانية ترى أن الغفران نعمة من الله، وبعبارة القس إسكندر جديد: "...والغفران ينال بالنعمة("([15]، وهذا هو مفاد قوله تعالى، في شأن عيسى عليه السلام، "إن هو إلا عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثلا لبني إسرائيل." ([16])فدوام عبوديته عليه السلام، تستلزم دوام طلب الغفران.

بل نلفيهم يستدلون على العقائد والتعاليم النصرانية بالقرآن الكريم، بما يناقض طبيعة الأشياء، ويجرد استدلالاتهم من مصداقية البحث والنظر.

                        والسؤال المريب، الذي يفرض نفسه، هو: متى كان المسيحيون يستدلون بالقرآن الكريم في إثبات عقائدهم؟!

وهذا يترتب عليه سؤال مريب آخر، وهو: متى كان المبشرون النصارى يتوددون إلى المسلمين، في سبيل تجذير مدعياتهم؟!

            فكيف يستساغ ذلك لدى المسلمين، والحال أن المسيحيين لا يعتقدون ابتداء بنزاهة القرآن الكريم، ويُسَفِّهُون عقائد المسلمين وشعائرهم؟!

لكن السبيل الجديد، في التمويه والتضليل، يجعل من هذه التساؤلات مكشوفة المقاصد والخبايا.

            هذا، وإنهم في واقع الحال، يعترفون بأن القرآن يحرم القول بالتثليث، وبصلب المسيح، وألوهيته، وغير ذلك من عقائدهم. ويقرون ذلك في الكثير من كتاباتهم.

ونمثل لذلك بالقبيسة التالية: "لكنهم يعتبرون([17]) أن هذه الكتب([18]) لم تعد ضرورية بعد أن أعطى الله إعلانه الكامل لمحمد. ويعترف القرآن بولادة المسيح من مريم العذراء، لكنه ينكر بنوته الإلهية. ويشير إلى معجزات المسيح في الشفاء، ويعترف المسلمون عامة، أن المسيح وهب قوة من الله لإقامة الموتى. لكن القرآن ينكر موت المسيح على الصليب، ويزعم أن واحدا من أعداء المسيح، أو من أصحابه، تغير بقوة الله إلى شكل المسيح فـــ "شبه لهم"، وصلب خطأ، عوضا عنه. ويقول إن المسيح رفع حيا إلى السماء، حيث هو اليوم"([19]).

 

التستر بأسماء المسلمين في التنصير

            وفي مراسلاتهم التنصيرية، مع العرب والمسلمين، تكون توقيعاتهم بأسماء وألقاب إسلامية. ففي مراسلتهم مع الصبية المغربية، المذكورة قبل حين، كانت باسم "الشيخ عبد الله"، ورئيس تحرير مجلة "كتابي" التنصيرية اسمه "محسن الشماع"، وفي مجلة "مفتاح المعرفة"، تجد الكاتبين فيها يحملون أسماء مثل: "عبد القادر"، و"سليم"، إلخ، وفي مجلة "المنار"، يكتب فيها أشخاص بأسماء من قبيل "عبد الرحيم". والمراسلات الشخصية ترسل بأسماء لا علاقة لها بالعرف الاجتماعي النصراني، بل هي إسلامية بشكلها ومضمونها مثل: "محمد"، "علي"، "خالد"، "العلوي"، وهلم جرا.

وواضح أن هذا مقصود لأمرين:

            أولهما، صعوبة الانسلاخ التام من المجتمع، لما يفضي إليه التنصر من الشعور بالغربة المُوحِشَة. ولا يخفى ما في ذلك من تعطيل لحركة التنصير. ويدل على ذلك مقولتهم: "...بل حتى عندما يقتنع مسلم أن المسيح هو المخلص الوحيد، يصعب عليه أن يعترف بإيمانه علنا، ويقطع علاقته بمجتمعه السابق" ([20]).فيكون التستر بأسماء المسلمين من قِبَلِ المنصرين، وحفاظ المتنصرين بأسمائهم الإسلامية، كفيلين بتذليل تلك العقبة.

وفي الآن نفسه، يشجع على الذوبان في مجتمع مسلم، لتيسير وظيفة الكِرَازَة وتقويتها، حيث إن الاكتساح سيكون من الداخل، ويدل على ذلك مقولتهم: "...وأسقف الكنيسة الإنجليكانية يحتفظ باسمه المسلم، للدلالة على أنه من الممكن في إيران أن يعترف المسلم علنا بإيمانه بالمسيح، وأن يخدمه بجرأة وشجاعة"([21]). وهذا هو الأمر الثاني.

            بل إنهم يستثمرون العرف الاجتماعي لدى العرب والمسلمين، بخصائصه ومميزاته، في تمرير خطابهم النصراني، مع التركيز على ما يكتنف هذا العرف من سلبيات اجتماعية، ومساوىء مشينة، مبغوضة  لدى المسلم العاقل، لأن الخطاب المباشر، برَدِّ تلك المساوئ إلى الإسـلام، لا إلى جهلة المسلمين – والإسلام من ذلك براء –، يؤدي حتما إلى مصادمة مــعدومة الثـمرة.

مثال ذلك، رواية باللغة الفرنسية، يوزعونـها في المغـرب العـربي، ولدى الجاليات المغاربية في فرنسا، وهي بعـــنوان:"Ourane"، لمؤلفها"Samuel Grandjean"، تحكي مأساة حقيقية، اكتنفت حياة صبي أعمى اسمه"Ourane"، منبوذ في المجتمع الجزائري. وظل يعاني، بسبب آفته وفقره الشديد، من ظلم المجتمع له، وتحقير الناس له، إلى أن أدركته بشارة المنصرين، فاعتنق ديانتهم، وغدا من دعاتها المخلصين.

 

التشكيك في عصمة القرآن الكريم

            إن الخطوات التشكيكية للمنصرين، الموصوفة آنفا، تفضي بهم إلى تشكيك أخطر. إذ يطفقون في التشكيك، في أول كتاب مقدس لدى المسلمين، وهو "القرآن الكريم"، لكن بسبيل لبقة وذكية، تحاشيا للأسلوب المباشر، الذي قد يؤدي إلى مصادمة معدومة الثمرة.

ونمثل لسبيلهم تلك، بما أوردوه في كتابهم "أخوان من كردستان"، أن من أسباب اعتناق المزعوم "سعيد الكردي"، قراءته لكتاب "مصادر الإسلام"، الذي "كتبه قسيس انكليزي، يبين فيه ما اقتبسه الإسلام من التوراة، ومن المؤلفات المسيحية الهرطوقية، ومن الدين الزوروستري، وغيرها"([22])!!! .

            ومع ذلك، نلفيهم في كتبهم التنصيرية، عند ذكرهم للقرآن، يصفونه بقولهم: "القرآن الكريم"، ويستنبطون منه – على جهة التكلف –، ما يوافق هواهم وتعاليمهم.

            لكن، نحيلهم في دحض مزاعمهم، إلى كتب المتعمقين في دراسة الكتب السماوية المقدسة، والتي قررت بالأدلة العلمية استحالة أن يكون القرآن من غير الله تعالى، وكشفت في المقابل – بالأدلة العلمية أيضا –عن الأخطاء الكثيرة المبثوثة في الكتاب المقدس، مما يفضي إلى القول بتطرق التحريف إليه، لاستحالة صدور الخطإ من الله تعالى.

ومن هذه الكتب، كتاب المفكر الفرنسي، الدكتور موريس بوكاي  "L’homme d’où vient-il : Les réponses de la science et des ecritures saintes"([23]).                                            

 

التنصير بإرسال الكتب والجوائز

            فشل المنصرون في إقامة مكتبات تبشيرية في المغرب العربي، لتوزيع كتبهم وبيعها، بسبب منع حكومات هذه الدول لمشاريع تهدف إلى أغراض تنصيرية.

ومن هنا، أقاموا مكتبات ذات طابع ثقافي وفكري، من حيث الظاهر، لكنها ذات أهداف تبشيرية محضة.

ونمثل لهذه المكتبات، في بلدي (المغرب) بمكتبة "كليلة ودمنة"، الكائنة في "شارع محمد الخامس"، بمدينة الرباط. وهي مكتبة يعرفها القاصي والداني، لموقعها الجغرافي البارز في الشارع المذكور، بحيث تظهر شاخصة لكل المارة الذين يكتظ بهم الشارع يوميا.

ودليلي فيما نسبته إلى هذه المكتبة ما يلي:

1- جاء في تقرير ألقي في المؤتمر، الذي عقدته "لجنة التنصير في لوزان"، بالتعاون مع "منظمة التنصير الدولية"، خريف سنة 1978، بمدينة "جلين آيري"، في ولاية "كولورادو"، بالولايات المتحدة الأمريكية: "خلال عقد السنوات القليلة الماضية، كان توزيع نسخ الكتاب المقدس والمطبوعات النصرانية ضئيلا جدا، إلا ما يتم بين منصر وآخر. إن مكتبات "جمعية الكتاب المقدس"، إما مغلقة، أو تزورها فئة قليلة جدا. والمكتبة الوحيدة الموجودة في المغرب، والأخرى في تونس، فيها كتب قليلة، ضمن مجموعة ضخمة من الكتب العلمانية، من أجل بقائهما مفتوحتين قانونيا"([24]).

2-  كنت أرسلت إلى مركز تنصيري اسمه:

"Service Biblique au Maroc"

الكائن في مدينة الدار البيضاء، أستفسره عن بعض الإشكالات الكتابية والنصرانية، وأطلب منه تزويدي بالكتاب المقدس، وفق الترجمة العربية الكاثوليكية. فجاء في مقدمة رسالة مدير المركز إلي، وذلك في تاريخ 10 نونبر 1995:

"السيد خالد زهري:

            سعدنا بوصول رسالتك المؤرخة بـ: 1/11/95. وقد طلبت منا إفادتك بمطبوعات عن الدراسات الكتابية. ولذلك، نخبرك بأننا نسعى جاهدين ألا نحرم القارىء المغربي من الاطلاع على كل ما يتعلق بالكتاب المقدس، بلغته العربية، كغيره من القراء العرب. لكن للأسف، لم تسمح لنا الحكومة المغربية بذلك. لهذا، نبيع الآن كل الكتب باللغات الأجنبية فقط، لأنه ليس لنا رخصة ببيعها بالعربية. لهذا، نأسف لعدم إرسالنا النسخة التي طلبت، لكنها موجودة باللغة الفرنسية في المكتبات المغربية، كمكتبة "كليلة ودمنة" بالرباط، ...".

3- كنت التقيت بمبشر من أمريكا اللاتينية – بعد أن راسلني بقصد الالتقاء به -، يقيم في المغرب، فسألته عن كيفية حصولي على كتابَيِ العهد القديم، وقاموس الكتاب المقدس، فأشار علي بأن أشتريهما من مكتبة "كليلة ودمنة".

4- كل من جال في المكتبة، يلاحظ أن الكثير من الكتب التنصيرية، مبثوثة في الرفوف.

            كل هذه المعطيات، تجعلنا نجزم أن مكتبة "كليلة ودمنة" –وغيرها كثير – ذات أهداف تنصيرية.

وبما أن هذا المنفذ ضيق، فإن طريقة إرسال الكتب التنصيرية بالمجان، تبقى ناجعة وفعالة في اكتساب قراء لها على صعيد واسع.

 

الدعوة إلى الزيارات واللقاءات

            وبعد أن يبثوا بذور الشك في نفس المخاطب العربي والمسلم، ويزودونه ببضاعة مزجاة، من المعرفة بالديانة النصرانية، تأتي الخطوة العملية، وهي الحديث عن "الشركة"، أي الشراكة الروحية، المتولدة من اللقاءات بين "المؤمنين المسيحيين". وذلك بناء على عدة آيات إنجيلية، منها:

- "وكان المؤمنون كلهم متحدين معا، فكانوا يتشاركون في كل ما يملكون، ويبيعون أملاكهم ومقتنياتهم، ويتقاسمون الثمن على قدر احتياج كل منهم، ويداومون على الحضور على الهيكل يوميا بقلب واحد، ويكسرون الخبز في البيوت، ويتناولون الطعام معا بابتهاج وبساطة قلب، مسبحين الله، وكانوا يلاقون استحسانا لدى الشعب كله. وكان الرب كل يوم يضم إلى الجماعة الذين يخلصون"([25]).

- ويذكر القس إسكندر جديد، أن الاجتماعات الروحية من وسائط النعمة، وسبل الانتصار على الخطية، يقول: "من المُسَلَّم به، أن الاجتماعات الروحية من أقوى الوسائل، التي أوجدها الله لنمو المؤمنين، وتقدمهم في الحياة المسيحية"([26]).

            وقبل اقتراح الانخراط في هذه الشركة على المخاطب، يتم إرسال كتب توضح أهمية الرباط الروحي والمحبة الأخوية. نمثل لها بكُتَيِّبَيْن، أحدهما بعنوان: "المحبة الأخوية"، ويتناول المواضيع التالية:

-      أهمية المحبة؛

-      فكرة الجسد الواحد؛

-      معطلات ترابط الجسد الواحد؛

-      المحبة العملية.

            والثاني بعنوان: "الرباط الروحي"، وهو يتناول المواضيع التالية:

-      التعارف؛

-      الثقة المتبادلة؛

-      تبادل الزيارات والضيافة؛

-      دراسة كلمة الله؛

-      الصلاة الجماعية؛

-      المعمودية؛

-      اجتماعات العبادة؛

-      المسامحة والإنذار.

            ومواضيع الكتيبين، تكشف بوضوح عن مضمونهما. وهما من إصدار "مدرسة كلمة الحياة" البروتستانتية في "مالقا" بإسبانيا.

            وقد تكون الدعوة إلى الشراكة، عن طريق الدعوة المباشرة إلى الانخراط في جمعية نصرانية. وتكون هذه الدعوة مرفقة بجائزة مُغْرية.

 

الإلحاح في طلب المراسلة

            وهذا انقطاع يحصل عند الإياس من انقياد المراسَل إليه لمخططهم التنصيري. لكن، حينما تكون المراسلات في بدايتها، ويكون الضحية المُتَرَبَّص به في أوج حماسه لمعرفة المزيد، بدافع الاستجابة الطبيعية لغريزة حب الاستطلاع، وتكون الأجوبة عن أسئلة الدروس المجانية مسترسلة، فإن الإلحاح من جانبهم يكون ملحوظا، حيث تتكثف مراسلاتهم، وتكثر استفساراتهم عن التأخير في الرد عليهم.

([1]) صلب المسيح وقيامته (وهو رد على ثلاثة كتيبات لأحمد ديدات) لجون جلكرايست، منشورات "Light of Life"، النمسا، د.ت.، ص. 4.

([2]) انظر مثلا معجزة إنزال  المائدة من السماء في (المائدة: 112 ـ 115)، ومعجزات خلق الطير من الطين، وإبراء الأكمه، الأبرص، وإحياء الموتى، والتنبؤ بالمخدرات، والتكلم في المهد، والتأييد بروح القدس في (آل عمران: 49)، و(المائدة: 110).

([3]) يونان" عند النصارى، هو "يونس" عند المسلمين.

([4])صلب المسيح وقيامته، ص. 15.

([5]) المرجع نفسه، ص. 20.

([6]) هذا على جهة الافتراض من أحمد ديدات، أي: لو سلمنا جدلا أن المسيح صلب، بحسب معتقدكم النصراني، فليس فيه دليل على صلبه حقا، كما هو مفصل في كتيب ديدات المذكور.

([7]) صلب المسيح وقيامته، ص. 32.

([8]) المرجع نفسه، ص. 33.

([9]) انظر تفصيل هذه المسألة في: متى 28: 1 – 8،  مرقس 16: 1 – 8،  لوقا 24: 1 - 12، يوحنا 20: 1 - 10.

([10])  صلب المسيح وقيامته، ص. 43.

([11]) المرجع نفسه، ص. 44.

([12])  يصدره معهد "نداء الرجاء" في ألمانيا، وهذا المعهد تابع لـ "مدرسة الكتاب المقدس بالمراسلة”.

([13]) ماذا تفتكر عن المسيح، دار الهداية - ريكون (RIKON)، د.ت.، ص. 5.

([14]) النساء: 172.

([15]) ماذا أصنع لكي أخلص، منشورات "نداء الرجاء"، شتوتكارت، ط.، د. ت.، ص. 31.

([16])  الزخرف: 59.

([17]) ضمير الجمع يعود إلى المسلمين.

([18]) أي: التوراة، والزبور، والإنجيل.

([19]) أخوان من كردستان، طبعة ألمانيا، ط. 1، 1993، ص. 43.

([20])  المرجع نفسه، ص. 5.

([21]) المرجع نفسه، ص. 5.

([22])  أخوان من كردستان، ص. 47.

([23]) وقد نقله إلى العربية فوزي شعبان بعنوان "أصل الإنسان بين العلم والكتب السماوية".

([24])  انظر كتاب "التنصير: خطة لغزو العالم الإسلامي" (ص. 381). وهو عبارة عن ترجمة كاملة لأعمال المؤتمر التبشيري المذكور، نشرتها دار النشر "MARC" بعنوان: The Gospel and Islam    وطبع في كاليفورنيا سنة 1978.

([25])  أعمال الرسل 2 :44-47. وانظر أيضا: متى 18 :19-20، يوحنا 13: 34-35، 1 كور 12: 13-27، غلاطية 6 :1 - 2.

([26]) ماذا أصنع لكي أخلص، ص. 21.