حقوق الانسان والأقليات بين الاسلام والغرب دراسة ومقارنة

حقوق الانسان والأقليات بين الاسلام والغرب دراسة ومقارنة

 

 

حقوق الانسان والأقليات بين الاسلام والغرب دراسة ومقارنة

 

المحامي الدكتور محمد أبو حسان

عضو محكمتي التمييز والعدل سابقاً

متخصص بالقانون والانثروبولوجي و الدراسات الإسلامية

  

 

الفصل الاول

حقوق الانسان والاقليات بين الاسلام والغرب:

نظرة تاريخية ومقارنة

 

في العصور القديمة كانت القواعد التنظيمية للمجتمع وشؤونه عرفية غير مكتوبة وكانت العلاقة بين الفرد والسلطة تخضع للعرف السائد, والعرف هو قانون شعبي ينشأ عن سلوك الافراد أنفسهم وحياتهم, ومن اعتيادهم على تصرف معين وبعبارة أخرى هو عبارة عن عادات ملزمة تنشأ تدريجيا دون أن يكون بالامكان تحديد الوقت الذي نشأت فيه ولا معرفة واضعيها, ففي تلك الازمنة كانت حقوق الافراد والحريات العامة تعاني من الويلات وكان من جملة أسباب هذا الوضع خضوعها لنظام عرفي لان القاعدة العرفية بطبيعتها لا تتوافق مع اقامة نظام محصن للحريات وللحقوق فهي غير مكتوبة وغير دقيقة ومطاطة. كما أنها تظل عرضة للتأويل والتحليل والتهرب, ومجال الحقوق والحريات العامة كثير الحساسية يلزمه الوضوح والدقة والصراحة لضمان حماية تلك الحقوق والحريات, وعندما تقدمت الحضارة وتركزت الدولة فأخذت على عاتقها التشريع المباشر بواسطة القوانين المكتوبة طويت (المرحلة العرفية) وبدأت (المرحلة القانونية) ومن أبرز صور هذه المرحلة, قانون حمورابي وقوانين صولون وقانون الالواح الاثني عشر فلم يعد مجال العلاقة بين الفرد والسلطة مجالا سائبا خاضعا للنزوات والاهواء وانما اصبح مجالا محكوما بقواعد قانونية, ولم يتوقف التطور عند هذا الحد, ولم يكتف الافراد بتنظيم أمورهم تجاه السلطة بهذا القدر بل انتقل بهم المقام الى مرحلة جديدة هي (المرحلة الدستورية) حيث اصبحت حماية حقوق الافراد والحريات العامة محكومة بقواعد قانونية دستورية ولم تعد مجرد قواعد تشريعية عادية يمكن تبديلها وتعديلها وفقا لمشيئة السلطات التشريعية المتعاقبة وانما قواعد أسمى مرتبة, لها القيمة الدستورية([1]) .

ان حقوق الافراد والحريات العامة لم تكن مصونة في الماضي حتى كان الانسان في كثير من الدول معرضا لضروب من الاعتداءات كالرق والمعاملة القاسية والعقوبات الشديدة والتعذيب والسجن التعسفي فقد كانت فكرة العدالة والمساواة غائبة عن أكثر المجتمعات, ففي اليونان القديمة كانوا يقتلون الاسرى ونادرا ما يسترقونهم وكان الرقيق عندهم يباع ولا حقوق له وكانوا يعذبون الانسان قبل أداء الشهادة أمام المحكمة اعتقادا منهم بأنه لا ينطق بالحقيقة الا بعد تعذيبة.

وبالرغم من أن الديمقراطية الاثينية تعتبر نموذجا للديمقراطيات, الا ان هذه الديمقراطية تضمنت الكثير من العيوب منها:- أنها اشترطت في المواطن الاثيني أن يكون من أبوين أثينيين وليس لسواه حق تملك الاراضي أو التمتع بالحقوق المدنية, ولهذا فانه لا يعتبر مواطنا أثينيا الاجنبي الذي يقيم في أثينا أبا عن جد أو العبيد الذين كانوا بمثابة أشياء متحركة تباع وتشتري .

فقد كان سكان أثينا يزيدون على أربعمائة ألف ولكن الرعايا الحقيقيين الذي يتمتعون بالحقوق المدنية لا يتجاوزون الاربعين ألفا وهذا يدل على  أن ديمقراطية أثينا تتنافى مع الديمقراطيات الحديثة([2])

ولم يكن للاجنبي مركز قانوني في المجتمعات السياسية القديمة فكان اليونان القدماء ينظرون الى غير اليونانيين أو (البرابرة) كما كانوا يسمونهم نظرتهم الى الاعداء الذين أعدتهم الطبيعة ليكونوا خدما وعبيدا لهم. كما أنه لم يكن يسمح للنساء عند اليونان بمباشرة الحقوق السياسية([3]) .

  كما وان الاغريق لم يعرفوا حرية المعتقدات الدينية فقد كان الجميع يدينون بدين واحد هو دين الدولة([4]) .

ويعتبر من أهم مبادىء ديمقراطية أثينا المساواة أمام القانون الا أن الحقيقة كانت على عكس ذلك لعدم وجود مساواه اجتماعية فقد كانت هناك أربع فئات من الرعايا يوزعون حسب ثرواتهم([5]) .

 وفي عهد الرومان الوثنيين عندما وقع الحريق الذي دمر قلب مدينة روما سنة64م ألقى نيرون التهمة على المسيحيين فأمر بابادتهم جميعا, وفي عهد الرومان المسيحيين حول هدريان مدينة القدس الى ركام ودمر جميع القرى اليهوديةوذلك في أعوام 132-135م([6]).

 كما اتبع جوستنيان سياسة الاضطهاد ضد اليهود في قانونه (260) 1712 X حيث اتهمهم بالانحراف عن معتقداتهم لعدم تصديقهم النبؤات عن السيد المسيح حسبما جاء به العهد القديم وقد أنذر اليهود الذين ينكرون قيام السيد المسيح من القبر بالطرد من البلاد, أما بالنسبة للوثنيين فقد أمر الامبراطور باغلاق جامعة أثينا مركز الافلاطونية الحديثة سنة 529م وأمر بتنصير الوثنيين في أسيا الصغرى وسوريا ومصر, ومن يرفض ذلك فيحكم عليه بالاعدام([7]).

وكانت شريعة الصين تقضى على أقرباء المجنون والصغير اللذين ارتكبا جريمة قتل بأشد أنواع العقوبات وأقساها التي أقلها القتل, ويسرى ذلك أيضا على الصبي والمجنون.حيث ان القانون الصيني القديم يقرهذا المبدأ مبدأ المسؤولية الجماعة كذلك في جريمة الخيانة الوطنية وفي الجرائم التي تشبهها وفي بعض جرائم القتل, ويوجه المسئولية والجزاء الى جميع أقرباء المجرم, وكذلك الى بعض طبقات منهم حسب اختلاف الجرائم بدون تفرقة بين العقلاء والمجانين([8]).

 أما خلال القرون الوسطى فقد كانت الدول الاوروبية حتى أواخر القرن الثامن عشر كانجلترا وفرنسا تحرم على الاسود أن يصبح قسا, كما كان الرقيق عندهم محروما من كل الحقوق لان الاسترقاق في مفهوم الكنيسة هو نتيجة طبيعية لخطيئة ادم, ولان الوسيلةالاقتصادية التي يستعملونها في الاعمال كانت لصالح السيد صاحب الارض في زرع الارض وعصر أعنابها وطحن حبوبها وخبزها الخ...

كما كانوا يعتبرون كل من هو ليس بأوروبي يكون عرضة للاسترقاق والاستفادة من ماله وارضه وهذا ما فعلوه عندما غزوا أمريكا الشمالية والجنوبية وكثيرا من بلاد العالم في اسيا وافريقيا فأنشأوا شركات لتحقيق أغراضهم في امتلاك بلاد العالم غير الاوروبي واستعباده.

وقد استمرت حقوق الانسان في اوروبا مهضومة حتى أواخر القرن الثامن عشر فأقاموا لغير الاوروبيين قوانين التفرقة العنصرية والقومية القائمة على قسوة المعاملة والعقوبات القاسية في أقل الاخطاء بل ولمجرد الشبهة, فكانوا يستعملون شتى العقوبات اللاانسانية مثل عقوبة بتر أعضاء الجسم وعقوبة جدع الانف وعقوبة قطع اليدين والاذنين وقلع العينين وعقوبة دق الرقبة وعقوبة الصلب العلني وعقوبة الحرق بعد الجلد القاسي وعقوبة  وشم الجسم بحرق يرمز الى جريمة معينة عن طريق الكي وحرق اللسان أو بتره .

     كل تلك العقوبات كانت تطبق سواء في المحاكم الجنائية أو المدنية بل وفي أقل الاخطاء, أما محاكم التفتيش التي أنشأتها الكنيسة فعقوبتها أشد من ذلك بكثير حيث يمتد العقاب الى ذوي المذنب وأقاربه وأصدقائه فقد عانى الانسان من قسوة المعاملة في العصور القديمة والوسطى في عهد الملكيات والبابوات المطلقة في اوروبا([9]).

     وتذكرالباحثة الفرنسية جرمين تيليون بأن تحرير العبيد قد تم تدريجيا في اوروبا الغربية حوالي القرن الحادي عشر لاسباب اجتماعية واقتصادية وليس لاسباب دينية لان الرسالة السادسة التي وجهها القديس بولس الى الايفيزيين يأمر فيها العبيد بطاعة سادتهم (مثل طاعة المسيح) أما في مجتمعات جنوب البحر الابيض المتوسط (أي المجتمعات الاسلامية) فالوضعية مغايرة تماما حيث شجع الاسلام بوضوح على تحرير العبيد([10]) الى درجة أن علماء المسيحية لاموا الاسلام (أي عابوا عليه) على ما أعطاه للنساء والعبيد من حقوق حسب ما ذكرت الباحثة الغربية ذائعة الصيت في دراسة الاديان المقارنة كارين أرمسترونغ في كتابها "محمد محاولة غربية لفهم الاسلام".

  ويذكر المؤرخ الغربي جبهار بأن المزروعات الجديدة وأساليب الزراعة التي اقتبسها الاوروبيون من المسلمين ثم ادخلوها الى أوروبا الغربية في ذلك العصر قد حسنت الاوضاع الاقتصادية للفلاحين والعبيد والاقنان الذين كانوا يعملون بالزراعة مما مكنهم من جمع المال اللازم ودفعة الى سادتهم الاقطاعيين لتحرير أنفسهم([11])

      ولهذا نلاحظ أنه حين أخذت تهب رياح الفقه الاسلامي على أوروبا من الاندلس وصقلية الاسلاميتين وجنوب فرنسا التي كانت تشكل مراكز الحضارة الاسلامية المتقدمة في أوروبا,  وحين نقل النورمانديون الانظمة القانونية والقضائية والادارية والمالية من صقلية الاسلامية النورماندية الى وطنهم الجديد في انجلترا وتحت التأثير الفقهي الجديد صدرت وثيقة العهد العظيم (الماجنا كارتا) سنة 1215م في انجلترا والتي كانت من ثمار ثورة النبلاء على الملك الذي هدد مصالحهم, وهي تحتوي على أحكام سياسية فيما يتعلق بحقوق الانسان وبضمان الحرية الشخصية لكل فرد من أفراد الرعية مهما اختلفت طبقته وتباينت درجته في المجتمع وقد كان لهذه الوثيقة أثرها البعيد في انجلترا وسائر أنحاء أوروبا الاقطاعية,ولذلك اعتبرها الملوك من البدع الخطرة المهددة لسلطانهم واعتبرها البابا باطلة مخالفة لتعاليم الدين والشرائع اللاهواتية, ولا غرابة في ذلك حيث أنها كانت تحمل مؤثرات فقهية اسلامية تلك المؤثرات المشبعة بروح الانسانية والعدالة والمساواة, والتي يؤدي الاخذ بها الى الاضرار بمصالح الملوك والباباوات على حد سواء وقد أصبحت هذه الوثيقة مع ما تبعها من شرائع أخرى, ومن أهمها قانون الحقوق سنة 1688م سندا للحقوق الفردية والحريات العامة ومصدرا لعدد من القواعد التي تحمي تلك الحقوق والحريات وأساسا للقانون العام البريطاني . كما أن الانجليز نقلوها بدورهم الى وطنهم الجديد في الولايات المتحدة الامريكية حيث شكلت القاعدة الاساسية لاعلانات الحقوق الامريكية([12]).

 أمافي التشريع الاسلامي, فان مضمون الحقوق والحريات أوسع مما يعرفها القانونيون المعاصرون للفرد, فالاسلام يعترف للفرد بحقه في عدم الاعتداء على حياته وجسمه وعقله وماله وعرضه, فقررت الشريعة عقوبات رادعة للمعتدين على حياة الناس وأجسامهم وعقولهم وأموالهم وأعراضهم. هذا بالنسبة للانسان المسلم أما بالنسبة للانسان غيرالمسلم, فان حريته الشخصية مضمونة عكس ما كانت تفعل أوروبا مع غير المسيحيين في محاكم التفتيش  وقوانينها,  لان القاعدة التي قررها الفقهاء المسلمون، بالنسبة لغير المسلمين في المجتمع الاسلامي, تنص على أن" لهم ما لنا وعليهم ما علينا" في الانفس والاموال والاعراض مع ضمان حرية العقيدة لغير المسلمين([13]).

 ولابد من التذكير هنا بأنه من المبادىء المقررة في الشريعة الاسلامية أنها تنبذ فكرة السيطرة وفكرة الخضوع في الشئون الدينية وفي الشئون الدنيوية معا. ففي نطاق العقيدة الدينية لم تقم ثمة سلطة وسيطة بين الخالق والمخلوق, اذ يتصل المخلوق بخالقه مباشرة. أما في نطاق شئون الدولة فيقوم الحكم على العدل والشورى والمساواة(بدلا من السيطرة والخضوع) وهي أسمى الاسس في سياسة الحكم, وان الدولة الاسلامية هي النظام الوحيد الذي قام على اساس تحرر الفرد من مبدأ السيطرة والخضوع الذي كان سائدا منذ وجد التجمع البشري وقد ترتب على نبذ فكرة السيطرة والخضوع المذكورة نتائج عديدة من أهمها :-

1-    انه لم يحدث في تاريخ الاسلام أن قام صراع بين السلطة الدينية والسلطة الدنيوية كما حدث في الانظمة الاخرى.

2-    كما أن الشريعة الاسلامية لا تقر نظام استغلال الشعوب الاخرى ولهذا فهي لا تأخذ بنظام الاحتلال العسكري كما لم تأخذ بنظام الحماية الاستعمارية والاستعمار([14]).

وفيما يتعلق (بالحرية) فانه من المعروف أن الانسان لا يشعر بالعدل في المجتمع الا اذا أحس أنه انسان حر, ولن يحس بهذه الحرية الا اذا تحرر من الخوف على حياته وامنه ورزقة ومستقبله وقد حرص الاسلام على أن ينبع الاحساس بهذا التحرر من داخل الانسان اولا وقبل تهيئة الوسائل لكفالة ذلك التحرر, ولهذا كان الهدف الاول للاسلام ان يحرر الوجدان البشري تحريرا كاملا وذلك بتحرير الانسان من عبادة  أحد غير الله لقوله تعالى(قل هو الله أحد الله الصمد, لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد).

وانطلاقا من هذا المبدأ العام قال الخليفة عمر بن الخطاب عبارته المشهورة (متى استعبدتهم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا) مخاطبا أحد الولاة, حين علم أن ابن الوالي قد أساء معاملة أحد المواطنين غير المسلمين, وذلك بعد أن مكن ذلك المواطن من الاقتصاص من ابن الوالي المذكور, ولهذا فان (الحرية) التي نص عليها ميثاق حقوق الانسان الذي وضعته الامم المتحدة في القرن العشرين والذي ورد به(الناس يولدون أحرارا متساوين) قد قررها الاسلام قبل أربعة عشر قرنا وكفلها للانسان الفرد بغض النظر عن لونه او عرقه او دينه([15]).

ان غير المسلم المقيم في دار الاسلام يتمتع بكافة الحقوق التي يتمتع بها المواطنون (المسلمون) بل أنه يتمتع بمزايا خاصة وهي انه يخضع لقوانينه الخاصة في شئون الاسرة وفي شئون الدين لا يحد من ذلك الا قيد النظام العام في رأي بعض فقهاء المسلمين وفي غير هذا النطاق تنطبق عليه القوانين الاسلامية كما تنطبق على سائر المسلمين في دار الاسلام وعليه أيضا ما على المسلمين من تكاليف ولا فارق في هذا الشان بينه وبينهم.

من ذلك فان الشريعة الاسلامية قد سبقت سواها من النظم القانونية بقرون في تنظيم مركز غير المسلمين المقيمين في دار الاسلام تنظيما يكفل لهم المعاملة بالمثل اذ اعتبرت أن لهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم. ولم يصل أي نظام قانوني في أية دولة متحضرة للان الى ما وصلت اليه الشريعة الاسلامية من الرقي والسمو في هذا النطاق.

ويكفي للدلالة على ذلك أن نذكر هنا ما كتبه الامام أبو يوسف للرشيد فقال : وقد ينبغي يا أمير المؤمنين أبرك الله أن تتقدم في الرفق بأهل ذمة نبيك وابن عمك محمد صلى الله عليه وسلم والتفقد لهم حتى لا يظلموا ولا يؤذوا ولا يكلفوا فوق طاقتهم ولا يؤخذ شيء من أموالهم الا بحق يجب عليهم. فقد روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال" من ظلم  معاهدا أو كلفه فوق طاقته فأنا حجيجه" وكان فيما تكلم به عمر بن الخطاب رضي الله عنه عند وفاته "أوصى الخليفة من بعدي بذمة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يوفى لهم بعهدهم وأن يقاتل من ورائهم ولا يكلفوا فوق طاقتهم " ([16]).

ويذكر المستشرق الانجليزي المحقق سير توماس ارنولد في سياق المقارنة بين المسلمين والمسحيين في مجال التسامح الديني " لم نسمع عن أية محاولة مدبرة لارغام الطوائف من غير المسلمين على قبول الاسلام, أو عن أي اضطهاد منظم قصد منه استئصال الدين المسيحي, ولو اختار الخلفاء تنفيذ احدى الخطتين لاكتسحوا المسيحية بتلك السهولة التي أقصى بها فرديناند ferdinand وايزابلا Isabela دين الاسلام أو التي جعل بها لويس الرابع عشر Louis XIV المذهب البروتستنتى مذهبا يعاقب عليه متبعوه في فرنسا, أو بتلك السهولة التي ظل بها اليهود مبعدين عن انجلترا مدة خمسين وثلاثمائة سنة. وكانت الكنائس الشرقية في اسيا قد انعزلت انعزالا تاما عن سائر العالم المسيحي الذي لم يوجد في جميع أنحائه أحد يقف في جانبهم باعتبارهم طوائف خارجة عن الدين. ولهذا فان مجرد بقاء هذه الكنائس حتى الان ليحمل في طياته الدليل القوي على ما قامت عليه سياسة الحكومات الاسلامية بوجه عام من تسامح نحوهم". ويضيف هذا المستشرق قوله "ان بقاء الكنيسة المسيحية الوطنية بعد الفتح العربي أكثر من ثمانية قرون, لشاهد على روح التسامح التي استطاعت وحدها أن تجعل مثل هذا البقاء أمرا ممكنا([17]).

 ولا نستغرب بعد ذلك اذا رأينا أن كثيرا من قادة الفرسان ورجال الدين الصليبيين الذين قدموا لمحاربة المسلمين قد اعتنقوا الاسلام عن طيب خاطر بعدها عرفوا حقيقة تعاليمه واعجبوا بشجاعة قادة المسلمين وتسامحهم وتواضعهم وخاصة السلطان صلاح الدين الايوبي مفضلين الاقامة في بلاد المسلمين بدلا من العودة الى بلادهم الاصلية مع رفاقهم وقد شمل ذلك الحملات الصليبية المختلفة ومنها الحملة الاولى والمرافقين لحملة الملك الانجليزي ريتشارد قلب الاسد والمرافقين لحملة الملك الفرنسي لويس التاسع كما فصل ذلك المستشرق الانجليزي توماس ارنولد في مؤلفه المشهور "الدعوة الى الاسلام."

 ومما يجدر ذكره أن المرافقين للملك ريتشارد بعد وفاته وتولي الملك جون مكانه, هم الذين أرغموا الملك جون على توقيع وثيقة الماجناكارتا(العهد الاعظم) عام1215م متأثرين بما عرفوه من تعاليم الاسلام ونتيجة لاختلاطهم وتعاملهم مع المسلمين وما لمسوه من روح التسامح لديهم في الاراضي المقدسة, وتعتبر هذه الوثيقة الاصل الذي انبعثت عنه مواثيق حقوق الانسان في الثورات الكبرى الثلاث الانجليزية والامريكية والفرنسية وأخيرا منظمة الامم المتحدة .

  ولا بد من التأكيد هنا أن وثيقة الاعظم(الماجنا كارتا Magna Charta ) تعد أول القواعد الدستورية التي قامت عليها النظم السياسية الحديثة, بما تضمنته من قواعد هامة تتعلق بحقوق الانسان وضمان الحرية الشخصية لكل فرد من أفراد الرعية مهما اختلفت طبقته وتباينت درجته في المجتمع, وقد كان لهذه الوثيقة أثرها البعيد في انجلترا وسائر أنحاء أوروبا الاقطاعية. بما كانت تحمله من مؤثرات اسلامية مشبعة بروح الانسانية والعدالة والمساواة والتسامح والتي يؤدي الاخذ بها الى الاضرار بمصالح الملوك والباباوات على السواء, ولذلك اعتبرها الملوك من البدع الخطيرة التي تهدد سلطاتهم كما اعتبرها البابا باطلة مخالفة لتعاليم الدين والشرائع اللاهويتة, وأنه لا قيمة لها مهددا الملك جون بالتكفير ان أقرها فاغتاظ الملك من هذا السلوك واشعر خليفة المسلمين بواسطة مندوب من قبله بأنه يريد اعتناق الاسلام تخلصا من وصاية الباباوات المنكرة كما يذكر العالم الغربي ميشلي في مؤلفه"تاريخ فرنسا", ولا بد من التذكير هنا بأن صدور وثيقة العهد الاعظم قد جاء نتيجة لثورة النبلاء على الملك جون حين شعروا بجهله واستبداده بالنسبة لما عرفــوه عـن سـلاطــين المسلمين ولهذا فان الملك جون قد منح هذا العهد للنبلاء متعهدا فيه أنه لن يفرض الظرائب دون موافقتهم وأنه ليس من حقه أن يسجن شخصا أو يوقع عليه عقوبة دون أن يبدي أسبابا معقولة تبررها([18]).

ومما تجدر الاشارة اليه ان  الحروب الصليبية والعلاقات التجارية مع العرب ...الخ  كانت هي السبب الحقيقي للتطورات السياسية التي حصلت في اوروبا الغربية ولو ان تلك التطورات لم تتم في فرنسا الا بعد حين ومعاناة وذلك نظرا لمعاكسة الكنيسة لها واقامتها العقبات في طريق كل اصلاح وتغيير .

ان عهد "سان لويز" الذي يباهون به حقا لما ظهر في عهده من الرقي في القوانين واللغة والاخلاق لم يكن يبلغ تلك الدرجة من البهاء لولا اقامة الملك بالقدس وتاثير الرجال المنورين الذين كانوا حوله عليه ونخص بالذكر منهم " فانسان دوبوفي" تلميذ ابيلار الذي كانت له حظوة كبرى ببلاط الملك "لويز التاسع" وهو الذي لخص له تعاليم الاسلام  وانجازات الحضارة العربية الاسلامية. ([19])

ان الامبرطور الجرماني فردريك الثاني الذي تربى على مبادىء المسلمين وتغذى بتعاليم الاسلام وكان يقتدي بهم قد اخذ عن العرب اسس تكوين دولته وتنظيمها كما تؤكد ذلك المستشرقة الالمانية زيجرد هونكه في كتابها " ص.443 شمس العرب تسطع على الغرب"  حيث اتجه فردريك الى تجديد نظام مملكته في صقلية ونايلي على قاعدة الحرية, ولهذا نلاحظ انه وفي القرن الثاني عشر تعددت رسوم العتق الممنوحة للافراد والجماعات وقد ابطل حق السيادة على املاك الموالي في عدة جهات فاخذت العبودية تتناقص تدريجيا حيث ظهرت في ايطاليا اول حركة سياسية كبرى ترمي الى تحرير الافراد وذلك بسبب موقعها الجغرافي وكونها اكثر اطلاعا على انظمة المسلمين الادارية . وفي 1224 اسس فرديك الثاني جامعة نابلي كما اظهر كل رعاية لجامعة باليرمو الطبية "التي أسسها المسلمون" حيث كانت تدرس في هاتين الجامعتين  علوم العصر على يد كثير من العلماء المسلمين وكان للفلسفة العربية الاسلامية ولشروح الفلاسفة العرب على فلاسفة اليونان النصيب الوافرفي  تنبيه العقول ونشر الوعي  في اوروبا وترغيب الناس في طلب العلم وفي النهضة الاوروبية بشكل عام». ([20])

وفي ظل الحكم الاسلامي وازدهار الحضارة الاسلامية في القرنين العاشر والحادي عشر الميلاديين كان اليهود ممثلين في أكثر من 250 حرفة وفي أكثر من 100 وظيفة أخرى, وقد كان وضعهم مختلفا عما كان عليه في اوروبا المسيحية التي لم تسمح لليهود أن يعملوا الا في الوظائف المحتقرة, ومن الناحية الاخرى فان اليهود لم يعرفوا في ظل الحكم الاسلامي الحياة في أحياء معزولة(جيتو) كما كانت حالتهم في اوروبا لان بيوت المسلمين والمسيحيين واليهود لم تكن مفصولة عن بعضها البعض عكس ما كانت الحال عليه في اوروبا المسيحية([21]).

 وعلى صعيد الاعلان العالمي لحقوق الانسان كما أقرته الجمعية العامة للامم المتحدة في العاشر من ديسمبر سنة 1948 في باريس, فقد بدأت الاسباب الموجبة لاصدار هذا الاعلان بالتركيز على ضرورة الاعتراف بالكرامة المتأصلة في جميع أعضاء الاسرة البشرية وبحقوقهم المتساوية الثابتة على اعتبار أن ذلك يشكل أساس الحرية والعدل والسلام في العالم . ولهذا فقد ربطت المادة الاولى من الاعلان العالمي لحقوق الانسان بين الولادة والحرية والكرامة وأكدت على التميز لدى الانسان عن سائر المخلوقات عندما خصته بامتلاك العقل والضمير.

وفي هذا الصدد نجد أن نظرة النموذج الاسلامي الى الانسان هي نظرة الى التكريم الذي وضعه الله فيه أي نظرة الى الجانب الديني بينما النماذج الاخرى تتجه نظرتها الى الجانب الاجتماعي في الانسان, فالتقويم الاسلامي يضفي على الانسان شيئا من القداسة ترفع قيمته فوق كل قيمة تعطيها له النماذج الاخرى, فقد قال تعالى" ولقد كرمنا بني ادم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا ([22])وفي خطبة الوداع حيث خاطب الرسول صلى الله عليه وسلم الجماعة بقوله" أيها الناس ان ربكم واحد, وان أباكم واحد, كلكم لادم وادم من تراب, ان أكرمكم عند الله أتقاكم, وليس لعربي على أعجمي ولا أبيض على اسود  فضل الا بالتقوى". ان هذه الخطبة يمكن وصفها بأنها أول اعلان عالمي بالمساواة وأول وثيقة لحقوق الانسان في التاريخ([23]). 

ان المواطنين غير المسلمين المقيمين اقامة دائمة في الدول الاسلامية يعتبرون من المواطنين الاصليين في هذه الدول ولا يجوز اعتبارهم من الاجانب لان الاجنبي لا يتمتع بنفس الحقوق المدنية والسياسية التي يتمتع بها هؤلاء المواطنون الذين يحملون جنسية الدولة الاسلامية ولان المبدأ المعمول به مساواتهم مع المسلمين في الحقوق والحريات الشخصية ([24]).

وضع الانسان (أي انسان) موضع التكريم :-

     وهذا ضمان أساسي حرص الاسلام على النص عليه واعلانه, ولم يصل فكر من الافكار ولا نظام من النظم قديما أو حديثا الى هذا التقدير الشامل للانسان.

حيث ان الاسلام لم يكتف بتقرير هذا الضمان واعلانه في قوله تعالى: (ولقد كرمنا بنى آدم) بل وضع المنهج التطبيقي الذي يجعله حقيقة واقعة في سلوك الناس, وهذا المنهج التطبيقي يتلخص في النقاط اللآتية:-

1- التقوى مقياس التفاضل : " يا أيها الناس انا خلقناكم من ذكر وأنثى, وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا, ان اكرمكم عند الله أتقاكم[25]) )

وقول الرسول(ص) "لا فضل لعربي على عجمي, ولا لأبيض على أسود أو احمر أو أصفر الا  بالتقوى"

2- الناس متساوون في أصل الخلقة: " يأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء.." ([26])وقول الرسول (ص) (كلكم لآدم وآدم من تراب"  .

3- المساواة الكاملة في الحقوق والواجبات : لقول الرسول (ص) (المسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم " وقوله: " انما أهلك من كان قبلكم  أنهم كانوا اذا سرق الشريف فيهم تركوه واذا سرق الضعيف فيهم أقاموا عليه الحد, وايم الله لو ان فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها ".

4- المرأة شقيقة الرجل : لقول الرسول (ص) "انما النساء شقائق الرجال ".

5- تحرى العدل ولو مع العدو اللدود : " ولا يجرمنكم شنآن قوم على الا تعدلوا, اعدلوا هو أقرب للتقوى... ([27])

6- الاختلاف في الدين لا يمنع البر والمودة: " لاينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا اليهم, ان الله يحب المقسطين"([28])

7- الاحسان الى اهل الكتاب في المجتمع المسلم :لقول الرسول (ص) " لهم ما لنا وعليهم ما علينا" وقوله" من كانت له ذمتنا فدمه كدمنا".

8- النهي عن الاحتقار او السخرية بأحد : " يأيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم, ولا نساء من نساء عسى ان يكن خيرا منهن , ولا تلمزوا أنفسكم , ولا تنابزوا بالألقاب, بئس الاسم الفسوق بعد الايمان, ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون" ([29]) " ويل لكل همزة لمزة([30]) وقول الرسول (ص) " بحسب امرىء من الشر ان يحقر اخاه المسلم".

 ولم يشعر الناس بقدر هذا الضمان الاساسى  للانسان الا في ظل الاسلام, فقد كانت الفلسفات والافكار قديما وحديثا على ان المرأة او العبد أو الاسود او المخالف في الدين احط درجة واقل شأنا, بل يجب أن يعاملوا بقسوة وغلظة كما تعامل الحيوانات, وقد قاست البشرية من جراء ذلك وما زالت تقاسي, و لم تشعر بطعم العيش الكريم والحياة العزيزة الا عندما حاولت ان تهجر هذه الافكار وان تهمل هذه الفلسفات.

 ويوم ان كان للاسلام السلطان ولشريعته السيادة, كان هذا الضمان يتحرك تحرك الحياة في نفس وسلوك كل انسان, وتعلمت البشرية كيف تنبذ هذه الافكار المظلمة وتقضى على هذه الفلسفات العقيمة.

 وحتى بعد أن عدت العوادي على بلاد الاسلام واقتحمت شرائع أخرى معقل شريعته ما زالت نتائج هذا الضمان محسوسة وملموسة لا يستطيع انكارها أحد([31]) .

نماذج مقارنة من التسامح بين المسلمين والمسيحيين كما ذكرها سير توماس و أرنولد :

     أ- من المؤكد أن المسيحيين من أهالي هذه البلاد قد آثروا حكم المسلمين على حكم الصليبيين. ويظهر أن أهالي فلسطين من المسيحيين, لما وقع بيت المقدس في أيدي المسلمين نهائيا (سنة 1244م) رحبوا بالسادة الجدد واطمأنوا اليهم ورضوا بحكمهم.

 كذلك دفع هذا الشعور نفسه, شعور الاطمئنان الى الحياة الدينية في ظل الحكم الاسلامي, كثيرا من مسيحي آسيا الصغرى , في ابان هذه الفترة ذاتها الى الترحيب بمقدم الاتراك السلاجقة, باعتبارهم مخلصين لهم من الحكومة البيزنطية البغيضة, لايسبب نظام الضرائب المجحف وحده, ولكن بسبب روح الاضطهاد التي ظهرت بها الكنيسة الاغريقية, والتي قمعت بمثل هذه القسوة, بدع أصحاب بولس ومحطمي الصور والتماثيل Icenoclasts كذلك . وطالما دعا الأهلون الاتراك في عهد ميخائيل الثامن, الى الاستيلاء على مدنهم الصغيرة في داخل آسيا الصغرى, تخليصا من استبداد الدولة, وكثيرا ما هاجر الاغنياء منهم والفقراء الى الولايات التركية.

ب- ويمثل لنا تاريخ الحرب الصليبية الثالثة, تلك الحرب المشئومة, حادثة على جانب عظيم من الأهمية وهي شبيهة بتلك الحادثة. والقصة كما ذكرها أودو الدويلي  Odo Deuil أحد رهبان القديس دينيس Denis الذي كان يشغل وظيفة قسيس خاص للويس السابع, وصحبه في هذه الحرب الصليبية, فكتب في وصفها نبذة هذا نصها:- بينما كان الصليبيون يحاولون شق طريقهم برا عن طريق آسيا الصغرى الى بيت المقدس, منوا بهزيمة فادحة على أيدي الترك في ممرات فريجيا Phrygia الجبلية (1148م) وبلغوا مدينة أتاليا Attalia  الساحلية بشق الانفس. وهنا, تمكن جميع الذين استطاعوا أن يرضوا المطالب الفادحة, التي كان يفرضها عليهم تجار الاغريق, من الابحار الى أنطاكية. بينما خلفوا وراءهم المرضى والجرحى تحت رحمة من الخونة من حلفائهم الاغريق الذين أخذوا مبلغ خمسمائة مارك من لويس، على شريطة أن يمدوا الحجيج بقوة من الحرس, وأن يعنوا بالمرضى حتى يصبحوا من القوة بحيث يمكن ارسالهم ليلحقوا بسائر زملائهم. ولكن لم يكد الجيش يغادر المكان حتى أخبر الاغريق الترك بموقف الحجيج الأعزل, ورقبوا في صمت, ما أصاب هؤلاء التاعسين من المجاعة والمرض وسهام العدو التي جرت عليهم الدمار والخراب وهم في طريقهم الى معسكرهم. وحاولت جماعة تبلغ ثلاثة آلاف أو أربعة آلاف, أن تلوذ بالفرار بدافع من اليأس, ولكن الترك, الذين كانوا قد بلغوا المعسكر وهجموا عليه ليتابعوا انتصارهم, أحدقوا بهم ومزقوهم شر ممزق. وكان يكون موقف من نجا من الموت منهم قد بلغ حد اليأس, لو أن منظر شقائهم لم يذب قلوب المسلمين ويستدر شفقتهم. فواسوا المرضى وأغاثوا الفقير والجائع الذي أشرف على الهلاك, وبذلوا لهم العطاء في كرم وسخاء. بل لقد اشترى بعضهم النقود الفرنسية, التي ابتزها الاغريق من الحجاج بالقوة أو الخداع, ووزعوها بسخاء بين المعوزين منهم. فكان البون شاسعا بين المعاملة الرحيمة التي لقيها الحجاج من الكفار وبين ما عانوه من قسوة اخوانهم المسيحيين من الاغريق الذين فرضوا عليهم السخرة, وضربوهم, وابتزوا منهم ما ترك لهم من متاع قليل, حتى ان كثيرا منهم دخلوا في دين منقذيهم بمحض ارادتهم. وكما يقول المؤرخ القديم : " لقد جفوا اخوانهم في الدين الذين كانوا قساة عليهم, ووجدوا الامان بين الكفار الذين كانوا رحماء عليهم, ولقد بلغنا أن ما يربو على ثلاثة آلاف قد انضمووا بعد أن تقهقروا الى صفوف الاتراك. آه, انها لرحمة أقصى من الغدر! لقد منحوهم الخبز. ولكنهم سلبوهم عقيدتهم, ولو اكتفوا بما قاموا لهم من خدمات".

وان زيادة اختلاط المسيحيين بالمسلمين وتقدير الصليبيين لفضائل خصومهم تقديرا أخذ ينمو على مر الزمن, وهي ظاهرة تميز المتأخرين من مؤرخى الحروب الصليبية عن السابقين منهم تمييزا واضحا جليا([32]).

الفصل الثاني

موقف الاسلام من الاقليات والديانات الاخرى

لقد ظهر الاسلام في مطلع القرن السابع الميلادي فانتشر في الجزيرة العربية أولا, ثم أخذ يمتد الى بقية البلدان المحيطة. وقد أحدث الاسلام ثورة في العلاقات الاجتماعية والسياسية والتي كانت قائمة عند ظهور الدعوة الاسلامية, فقد لعبت عوامل عديدة في انتشار الدعوة من أهمها صدقها وبساطتهاوأخلاقيات الناس الذين حملوا لواءها الى حماس المؤمنين وعبقرية قادة الاسلام الاوائل الذين كانوا متأثرين بوهج النبوة, مما شجع الشعوب الاخرى على اعتناقها للاسلام .

 فقد احترم الاسلام الديانات الاخرى, حيث قرر أولا حرية العقيدة والدين, فقال تعالىفي سورة البقرة " لااكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي ".

 كما أمر الاسلام المسلمين أن يؤمنوا بكل الاديان الالهية السابقة كما جاءت من عند الله, وأن يؤمنوا بجميع الانبياء والرسل والمبعوثين من عنده, فقد قال القرآن الكريم في سورة البقرة "امن الرسول بما أنزل اليه من ربه والمؤمنون كل امن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا واليك المصير".

 وأمر الاسلام بحسن معاملة الذين يعيشون في مجتمعه من أهل الاديان الاخرى كالمسيحيين واليهود, واعتبرهم أهل ذمة, أي لهم عهد الله وميثاقه ألا يصيبهم هضم ولا ظلم ولا اعتداء ما داموا لا يخونون ولا يعتدون, ودعا الاسلام الى حسن الحوار والكلام معهم, فقال القرآن الكريم " ولا تجادلوا أهل الكتاب الا بالتي هي أحسن ".

 وقد وضع الاسلام في معاملة من يعيشون في مجتمعه تلك القاعدة العادلة الراشدة "لهم ما لنا وعليهم ما علينا", وهذا الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول وهو على فراش الموت "أوصي الخليفة من بعدي بأهل الذمة خيرا, وأن يوفي لهم بعدهم وأن يقاتل من ورائهم "أي يدافع عنهم" "وألا يكلفهم فوق طاقتهم".

 ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم في النهي عن الاساءة في معاملة أهل الذمة "من اذى ذميا فأنا خصمه يوم القيامة, ومن كنت خصمه خصمته يوم القيامة "أي غلبته وحق عليه العقاب من الله عز وجل.

 وانطلاقا من ذلك يرى المالكية في حالة قتل المسلم للذمي (وهو غير المسلم) فانهم (ومن باب تشديد العقوبة) لا يجيزون لأولياء دم القتيل غير المسلم العفو عن القاتل المسلم, لانه بقتله الذمي يكون قد اعتدى على الدولة المتمثلة بالامام أي السلطان, في حين لو كان القاتل والقتيل من المسلمين فانه يجوز لاولياء الدم العفو عن القاتل .

ويرى الامام أبو حنيفة أن لأهل الذمة أن يشربوا الخمر في دار الاسلام دون أن يقام عليهم الحد, وقد أقام رأيه على الحرية الدينية فقرر أن الذمي يعفي من حد الشرب, لانه لا يخاطب في تحريم الخمر بالتكليف الرسمي والا كان ذلك تدخلا في حريته الدينية, ولا يحق لنا أن نجبره على أمر هو من التدين عندنا, ولذلك لم يجز أيضا التدخل بين المجوسي وامرأته اذا كانت احدى محارمه.

 ويقرر الاحناف أن ذلك هو مسلك السلف الصالح, اذ يروي أن عمر بن عبد العزيز كتب الى الحسن البصري يسأله: " لماذا نترك النصارى يأكلون الخنزير ويشربون الخمر ونترك المجوس يتزوجون بناتهم؟ فرد عليه الحسن: على هذا دفعوا الجزية وعلى هذا أقرهم السلف, انما أنت متبع لا مبتدع” . ([33])

 وحول قبول التعددية في المجتمع الاسلامي والتعايش بين المسلمين وغير المسلمين في المجتمع المذكور بسلام وأمان والاعتراف بحقوقهم فانه لا بد من الاشارة هنا الى ما ذكره أبو الحسن العامري (ت381/992م) في كتابه المعروف ب"الاعلام بمناقب الاسلام" بأن هناك ست منظومات اعتبرها وحدها المستحقة لاسم الدين وهي: الاسلام واليهودية والمسيحية والزرادشتية والوثنية والصابئة, ومستندة في ذلك أمران:-

ما ذكره القرآن الكريم في الأية القرآنية الجامعة: "ان الذين امنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا, ان الله يفصل بينهم يوم القيامة." ([34])

توافر أربع مشتركات فيها سماها أركان الدين وهي العقائد بين تلك الاديان مبينا عند كل ركن فضيلة الاسلام فيه على الديانات الاخرى... الخ([35]).

      ومن حسن العلاقة بين الاسلام وغيره من الاديان السماوية, أن الاسلام قد أباح للمسلم أن يتزوج غير المسلمة من أهل الكتاب فيجوز للمسلم أن يتزوج المسيحية أو اليهودية, وقد تزوج النبي صلى الله عليه وسلم السيدة صفية بنت حيي وهي من اسرة يهودية, وكذلك تزوج الرسول صلى الله عليه وسلم من السيدة مارية القبطية وهي من أسرة قبطية (مسيحية).

ان أهل الذمة: وهم على الغالب اليهود والنصارى وقد أوجدت المعيشة نوعا من التسامح كان غالبا على العلاقة بينهم وبين المسلمين الا فيما نذر. فلم تتدخل الحكومة في شعائرهم الدينية, وكان للنصارى بطريق يعينه الخليفة ويطلق عليه (الجاثليق النسطوري) أي رئيس المسيحيين الشرقيين وكذلك بطريق اليعاقبة. وكان البطريق يتمتع بنفوذ واسع بين أبناء طائفته.

  وكان لليهود أيضا رئيس ببغداد يطلق عليه (رأس الجالوت) وكان يجمع الضرائب من أبناء ملته ويرسل نصفها الى الخزينة. وانتشر اليهود شرقي العراق أيضا في همدان وأصفهان وشيراز وسمرقند.

 وقد تمتع اليهود والمسيحيون في الاندلس بالتسامح والمساواة فتعلموا العربية والفوا بها كتبهم ونظموا أشعارهم بل نقلوا أوزان الشعر العربي الى الشعر العبري, وأصبحت مدن اسبانيا ولا سيما قرطبة مراكز للدراسات العبرية ومن الفلاسفة  والشعراء المشهورين شلومون بن جبيرول الذي ولد في سرقسطة (1.22-1.53) وكتب في الفلسفة كتبا كثيرة أهمها "اصلاح النفس".

 وقد تقلد بعضهم المناصب الراقية في الدولة منهم سفراء ووزراء بل أن بعض الحرف كادت تكون مقصورة عليهم كالطب. ومن هؤلاء حسداي بن شبروط وكان طبيبا ممتازا يحسن عدة لغات فأرسله الخليفة عبد الرحمن الثالث سفيرا الى امبراطور الدولة الرومانية المقدسة واتخذه وزيرا وطبيبا ومترجما ثم استمر في الخدمة في عصر الحكم بن عبد الرحمن أيضا. كما استوزر أحد ملوك غرناطة االفيلسوف العالم شموئيل هنجيد(982-1.55م) ([36]). 

 وكانت علاقة التفاهم والتعاون سائدة في الدولة الفاطمية أيضا على العموم فقد تقلد يعقوب بن كلس اليهودي منصب الوزارة أيام المعز. واستوزر ابنه العزيز عيسى بن نسطورس النصراني وعين منشي بن ابراهيم اليهودي على بلاد الشام([37]).

 لقد أعطى المسلمون جميع الطبقات حقوقا متساوية واستبدلوا الضرائب الثقيلة بضرائب عادلة(الجزية والخراج). ثم أخذ اليهود حريتهم الدينية وصار لهم قضاة من ابناء طائفتهم. وتمتع المسيحيون كذلك بقوانينهم وتقاليدهم وفتحت أبواب الوظائف أمام المسلمين واليهود والمسيحيين على السواء. ونتيجة لهذة المعاملة الحسنة والعادلة اعتنق كثير من سكان البلاد الديانة الاسلامية([38]) .

 وفي صدد تعليقة على ما ورد في الآية القرآنية الكريمة "لا اكراه في الدين" يقول الفقيه الدستوري العربي المسيحي الدكتور أدمون رباط" " من الممكن دون مبالغة القول بأن الفكرة التي أدت الى انتهاج هذه السياسة الانسانية (الليبرالية) اذا جاز استعمال هذا الاصطلاح العصري, انما كانت ابتكارا عبقريا, وذلك لانه, وللمرة الاولى في التاريخ, انطلقت دولة هي دينية في مبادئها, ودينية في سبب وجودها ودينية في هدفها, الا وهو نشر الاسلام, الى الاقرارفي  الوقت ذاته بأن من حق الشعوب االخاضعة لسلطانها أن تحافظ على معتقداتها وتقاليدها وطراز حياتها, وذلك في زمن كان يقضي المبدأ السائد فيه باكراه الرعايا على اعتناق دين ملوكهم, بل حتى على الانتماء الى الشكل الخاص الذي يرتديه هذا الدين.. هذه القاعدة (الناس على دين ملوكهم) التي لم تندثر في البلاد الغربية الا بفضل الثورة الامريكية والثورة الفرنسية في النصف الثاني من القرن الثامن عشر, وتعرف هذه القاعدة بصيغتها اللاتينية (Cuius region, eius religio) وكان لا بد اذا لهذه السياسة الاسلامية المبنية على نصوص القران من أن تسفر عن نتيجتين حاسمتين ما لبثت اثارهما ماثلة في الشعوب العربية وهما: قيام الطوائف المسيحية على أساس النظام الطائفي من ناحية ودخول سكان الاقطار التي فتحها العرب في دين الاسلام من ناحية أخرى. فتلك الجماهير الكثيفة, التي تشكل كثرة أهالي سوريا ومصر والعراق, انما كانت تدين بالمسيحية وقد اعتنقت الاسلام بأفواج متلاحقة منذ القرن الاول من الهجرة بملء حريتها في حين أن من بقي من هؤلاء النصارى موزعين الى طوائفهم المعروفة بتسميتها المختلفة, انما هم شهود عدل عبر التاريخ على سماحة الاسلام, لان وجودهم كأهل ذمـة في الماضي انـما كان مبنيا علـى قـاعـدة شـرعيـة ثـابتـة (أي نص قرآني) وليس على شعور من طبيعته أن يتضاعف او يضعف كما ان من بقي من هؤلاء النصارى على دينه يقف شاهد عدل على انسانية هذا الدين([39]) "  .

كما يذكر المستشرق الاسباني (أوغاستو اولاغي) بأن الاسلام (الفكرة/القوة) قد انتشر بين السكان الاصليين في غرب أوروبا من خلال (ثورة ثقافية) حمل مشاعلها الفقهاء ولم ينتشربين هؤلاء السكان من خلال حملات عسكرية قادها الجنرالات.

كما ذكر بأن عدد سكان اسبانيا حين وصلها العرب المسلمون كان خمسة عشر مليونا([40]).

كما يذكر المؤرخ الغربي ادوارد باينج بأن عدد المسلمين في اسبانيا في القرن العاشر الميلادي بلغ ثلاثين مليونا. أما المؤرخ التركي ضيا باشا فيذكر أن عدد سكان قرطبة عاصمة الدولة الاسلامية قد زاد عن مليون نسمة في عهد الحكم([41]). ويذكر الباحث السويسري  روجية دوبا سكويه بأنه في وسعنا أن نحكم على ما كان للدين الاسلامي من جاذبية للمسيحيين من رسالة كتبت عام 1311م تقدر عدد السكان غرناطة المسلمين في ذلك الوقت بمائتي ألف كلهم (ما عدا خمسمائة منهم) من ابناء المسيحيين الذين اعتنقوا الاسلام وكثيرا ما كان المسيحيون يفضلون حكم المسلمين على حكم المسيحيين([42]) .

 ومما يجدر ذكره أن المناطق الاوروبية التي انتشر الاسلام بين سكانهالاصليين عن طيب خاطر مثل اسبانيا وجنوب فرنسا وصقلية وجنوب وشمال ايطاليا قد تحولت الى مراكز اشعاع للحضارة الاسلامية,  يرحل اليها طلبة العلم والمعرفة في كافة التخصصات من جميع أنحاء أوروبا وأكثر هؤلاء الطلبة يوفدون في بعثات على حساب بيت مال المسلمين .

كما أنه لا بد في هذه المناسبة من التأكيد بأن الدولة الاسلامية هي أول دولة أخذت بمبدأ (سيادة القانون) بمعناه الشامل قولا وعملا وذلك قبل أن يعرفه العالم بأربعة عشر قرنا, وأن ما يسمى اليوم بمبدأ المشروعة Principle of Legality  في القضاء الاداري والذي يعني أن تكون جميع تصرفات الجهة الادارية في اطار القانون بمعناه العام يتمثل في القاعدة الفقهية (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق) لقول الرسول (ص)" السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره ما لم يؤمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة" أي أن الطاعة مرتبطة بتطبيق أحكام القرآن والسنة وهما يمثلان ما يعرف اليوم بالنصوص الدستورية والقانونية([43]).

وفي الواقع العملي نجد أن الخليفة الاول أبو بكر الصديق قد أعلن سياسته في الحكم في الخطبة التي خطبها في المسجد بعد ان بايعه المسلمون بالخلافة حيث قال"أيها الناس,اني وليت عليكم ولست بخيركم, فان رايتموني على حق فأعينوني, وان رأيتموني على باطل فسددوني, أطيعوني ما أطعت الله فيكم, فان عصيته فلا طاعة لي عليكم... "

ولهذا نرى أن الوظيفة العامة في النظام الاسلامي تقوم على فكرة أساسية هي كونها خدمة اجتماعية محددة السلطة لقاء أجر معين. وهذا الفهم كان مجهولا كل الجهل في الامبراطوريات التي كانت متحكمة في العالم اذ ذاك. فقياصر الروم وأكاسرة الفرس كل واحد منهم كان يعد نفسه ملك الملوك والحاكم بأمره فوق البشر جميعا وأن ذواتهم مصونة لا تمس. وانهم لا يكلفون بخدمة رعاياهم وانما يعتبرون ان  رعاياهم هم خدام لهم وعبيد فضلهم. أما الاسلام فقد جعل الوظيفة العامة في أعلى قمتها متمثلة في الخليفة أو الامام فرضا واجبا على المسلمين وتكليفا بخدمة اجتماعية تجعل من الخليفة أو الامام واحدا  من المسلمين سواء بسواء. يختاره المسلمون برأيهم الحر وعليه مشاورتهم. فان حاد عن الشرع وأهمل مصالحهم عزلوه.وقد أمر الله سبحانه وتعالى رسول الكريم أن يقول للمسلمين "انما أنا بشر مثلكم" وجاء خلفاؤه من بعده ليقول كل واحد منهم "أني وليت عليكم ولست بخيركم".

 فاذا كان هذا هو أمر الخليفة أو الامام كقمة لوظائف الدولة في الاسلام فمن باب أولى تكون الوظائف الادنى من ذلك في جهاز الدولة.

 يتبين من ذلك أن المشروعية في الاسلام تقوم على رحمة الانسان للانسان, لان السلطة في الاسلام ليست تحكمية وانما هي مأمورة أن تقيم الحكم بين الناس جميع الناس, بغض النظر عن لونهم وجنسهم وعرقهم ودينهم وفقا لشرع الله, والالتزام بهذا الشرع ينطلق من الموقف الايماني الذي يؤدي الى قيام التوازن داخل النفس البشرية وداخل المجتمع وبين الامم والدول. ولا تعتبر أعمال السلطة الحاكمة مشروعة الا اذا التزمت شرع الله, ومن المعروف أن الاحكام الشرعية الواردة في القرآن والسنة تمثل (المشروعية العليا) التي لا يمكن مخالفتها وذلك على خلاف النظم الوضعية من حيث التزام السلطة الادنى بما تصدره السلطة الاعلى أيا كانت قراراتها وتصرفاتها.

ومن وسائل الرقابة على المشروعية وضمان تنفيذها في الدولة الاسلامية محكمة المظالم وولاية الحسبة.

 وكان يدخل ضمن اختصاصات قاضي المظالم صلاحية الغاء القرار أو التصرف الاداري المخالف لمبدأ الشرعية, ولقاضي المظالم أن لا يتوقف عند الالغاء في التصرف الخارج على الشرعية, بل يحكم بالعويض للمتضرر من أعمال وتصرفات أشخاص السلطة انطلاقا من قاعدة أن (لا ضرر ولا ضرار) وبذلك يكون قضاء المظالم قد أخذ بقضاء الالغاء وقضاء التعويض كما هو معمول به في القضاء الاداري المعاصر([44])

ويلاحظ ان الشريعة الاسلامية اخذت بمبدأ دعاوي الحسبةactions populaires التي يجوز رفعها ممن يهمهم حماية مبدأ المشروعية من الكافة دون ان تكون هناك مصلحة قائمة لديهم شخصيا من وراء طلب الالغاء كما هي الحال في دعاوي الالغاء في القانون التي يشترط فيها وجود المصلحة عند رفع الدعوى وان تظل المصلحة قائمة الى ان يحكم في الدعوى([45]).

وحول تأثير محكمة المظالم الاسلامية في تكوين القضاء الاداري الفرنسي وفي مقدمته (مجلس الدولة) نجد أن نابليون قد أنشأ مجلس الدولة الفرنسي (Conseil d'Etat ) بعد عودته من مصر مباشرة, فقد صدر قانون انشاء مجلس الدولة هذا عام 1799م وهذا أمر له دلالته فعلماء فرنسا الذين صاحبوا نابليون في غزوته الى مصر، درسوا وأطلعوا ومحصوا, كل في مجال اختصاصه, في مؤلفات العلماء المسلمين التي ترجم قسم منها الى اللغة اللاتينية ونخص بالذكر منها كتاب "الاحكام السلطانية" للامام الماوردي الذي يعتبر أهم كتاب في القانون الاداري الدستوري, وهو خير من بحث (قضاء المظالم) بشكل منسق وأسلوب غاية في الوضوح, وما مجلس الدولة الفرنسي وتنظيماته واختصاصاته الا صورة عما ورد في هذا الكتاب كما هو واضح من جداول المقارنة والدراسة االتحليلية التي وضعها الدكتور عبد الحميد الرفاعي في كتابه"القضاء الاداري بين الشريعة والقانون([46])".

وحول تأثير محكمة المظالم في نشأة (الامبودزمان) ومراقب الدولة: ان فكرة ديوان المظالم نشأت أساسا في الجزيرة العربية وعرف العرب قبل الاسلام " مراقب السوق " الذي كان مفوضا بحمل عصاته والتجول في الاسواق لحث التجار على التقيد بأصول المعاملات وحمل الجزارين وبائعي التمور على ابقاء معروضاتهم نظيفة, ومع مجيء الاسلام اخذت فكرة " مراقب السوق " ابعادا جديدة واصبحت مصالح الناس اكثر تعقيدا وتغير الاساس الفلسفي لهذه الفكرة اذا انها اصبحت ترتكز على مبدأ " الامر بالمعروف والنهي عن المنكر " واصبح الخليفة هو من يستمع الى شكاوى الناس ومظالمهم خصوصا في اوضاع وحالات لا تستوفي شرائط الدعوى القانونية واللجوء الى القضاء, واستمر الحال في عهد الخلافة العثمانية .

وفي عام 1812 قام ملك الدنمارك بزيارة الى الخليفة العثماني ولاحظ ان الخليفة يجلس في يوم محدد لسماع شكاوى الناس, واستفسر عن الامر وشرحت له مهمة الخليفة وديوان المظالم, واعجب بالفكرة وقام بنقل الفكرة الى بلاده, وهي اول بلد اصدر فيما بعد تشريعا خاصا بمؤسسة اطلق عليها اسم مؤسسة "الامبودزمان", بحيث يتم تعيين الامبودزمان من قبل البرلمان, وله حق البحث في المظالم والشكاوى التي تصل اليه وله حق الوصول الى المعلومات والوثائق اللازمة للتحقيق في الشكاوى وتدفع له مخصصات من البرلمان ويقدم تقريره للبرلمان, ولا يحق للجهاز التنفيذي ان يعيق عمله او يحجب عنه اية معلومات يطلبها, ومن الدنمارك انتقلت فكرة الامبودزمان الى العديد من الدول الاوروبية والتي بادر بعضها لتعيين "امبودزمان" لنشاط معين مثل "امبودزمان التأمين" في انجلترا بالاضافة الى "امبودزمان" آخرين في نشاطات مختلفة, واخذت بعض الدول بفكرة "مراقب الدولة". كما هو الحال في اسرائيل, ولمراقب الدولة في اسرائيل صلاحيات غير محدودة تقريبا, وعلى سبيل المثال : فقد فضح تقرير مراقب الدولة مقولات الحكومة الاسرائيلية من ان انشاء الجدار له مبرراته في لجم  العمليات الارهابية, حيث بين المراقب ان الغالبية العظمى من العمليات الاستشهادية تمت بمرور هؤلاء الاستشهاديين  من نقاط التفتيش الرسمية التي يقيمها الجيش الاسرائيلي.

وعلى سبيل الاستطراد, فان، الصفة الاساسية لاي مسؤول يتولى مهمة ديوان المظالم او الامبودزمان او مراقب الدولة هي الاستقلالية التامة والصلاحيات الواسعة لتمكينه من اداء مهامه, وبالتالي لا يمكن ان تتولى هذه المهمــة الا شخصية ذات  مصداقية عالية وذات مقدرة علمية اذ عليها ان تستوعب انها لا تسأل من قبل الجهاز التنفيذي,  وليس الجهاز التنفيذي هو الذي يمنح ويمنع عنها رواتبها ومستحقاتهـــا ومخصصات الديوان الذي تتولى ادارته, حيث انه يتبع مجلس الامة او البرلمان مباشرة ويسأل امامه, ويقدم تقريره له([47]).

ولا تعرف الشريعة الاسلامية نظرية (أعمال السيادة) تلك النظرية التي ابتكرتها السلطات الحاكمة في العالم الغربي للتهرب من الرقابة القضائية على أعمالها وتصرفاتها وبعبارة أوضح التهرب من تطبيق أحكام القانون عليها . ولهذا نجد أن نشأة المحاكم الادارية في فرنسا كان بقصد حماية الادارة من الخضوع للقضاء العادي في حين نجد أن نشأة قضاء المظالم في العالم الاسلامي كان بقصد حماية الافراد من طغيان الادارة والخشية من عدم قدرة القضاء العادي على اجبار السلطات الحاكمة وأصحاب النفوذ للالتزام بأحكام الشريعة واحترام المشروعية الاسلامية. والمثل السائد عندنا (سيدي وسيدك الله) وذلك بالنسبة للحاكم والمواطن على السواء يعني أن السيادة (الحاكمية) هي لله وحده أي للنصوص الشرعية المتمثلة بالدستور الذي يقره ممثلو الامة([48]).

 كما نلاحظ أن الدولة في أوروبا قد ضمت (العلمانية) الى(الديمقراطية) لمقاومة سلطة الكنيسة خلال الصراع بينهما على السلطة .

 ولهذا كنا نرى خلال التاريخ الاسلامي أن الفقهاء المسلمين كانوا يحرصون على سلامة تطبيق أحكام القاعدة الشرعية"لا اكراه في الدين" وأي حاكم كان يحاول الانحراف أو مخالفة هذه القاعدة كان يهب في وجهه هؤلاء الفقهاء المدافعون عن حقوق الناس مما جعل الاقليات غير المسلمة التي تعيش في المجتمعات الاسلامية تشعر وتتمتع بحرية الدين والعقيدة  في ظل الدولة الاسلامية الواسعة, ابتداء من حدود الصين شرقا مرورا بأفريقيا الى حدود فرنسا في أوروبا غربا.

 ومن أبرز الامثلة في هذا المجال, ما قام به الفقيهان المسلمان الامام الاوزاعي في بيروت والشام والليث بن سعد في مصر من جهود متواصلة للدفاع عن حقوق الاقليات غير المسلمة تلك الحقوق التي قررتها لهم أحكام الشريعة الاسلامية ومن ضمنها حرية الدين والعقيدة, هذا من ناحية, ومن الناحية الاخرى, فانه كان باستطاعة أي مواطن غير مسلم في الدولة الاسلامية أن يلجأ الى المحاكم الاسلامية وخاصة (محكمة المظالم) للحصول على كافة حقوقة ولو كان خصمه هو خليفة المسلمين نفسه. وقد سجل تاريخ القضاء الاسلامي صفحات مشرقة في هذا المجال تقف شاهد عدل على المساواة والعدالة التي كانت تسود بين المسلمين وغير المسلمين على حد سواء في المجتمع الاسلامي .

ويروي الباحث الامريكي لوتروب ستودارد Stoddard في كتابه "حاضر العالم الاسلامي" عن أحد الوزراء العثمانيين قوله بأنه اذا خطر ببال أحد حكام المسلمين التعرض الى المواطنين غير المسلمين في الدول الاسلامية. "كما وقع للسلطان سليم الاول العثماني تقوم في وجهه الملة ويقول له شيخ الاسلام, ليس لك على النصارى واليهود الا الجزية وليس لك أن تزعجهم عن أوطانهم. فيرجع السلطان عن عزمه امتثالا للشرع الشريف. لذلك بقي بين أظهرنا حتى في أبعد القرى وأصغرها

نصارى ويهود وصابئة وسامره ومجوس.. لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين, أما أنتم معشر الاوربيين فلم تطيقوا أن يبقى بين أظهركم مسلم واحد واشترطتم عليه اذا أراد البقاء بينكم أن يتنصر. ولقد كان في أسبانيا ملايين من المسلمين, وكان في جنوبي فرنسا وفي شمال ايطاليا وفي جنوبها مئات ألوف منهم, ولبثوا في هاتيك الاوطان اعصرا مديدة, وما زلتم تستأصلون منهم حتى لم يبق في جميع هذه البلدان شخص واحد يدين بالاسلام. وقد طفت بلاد أسبانيا كلها فلم أعثر فيها على قبر واحد يعرف أنه قبر مسلم([49])".

 فاذا علمنا أن عدد المسلمين في أسبانيا بلغ ثلاثين مليونا في القرن العاشر الميلادي, لم يبق منهم مسلم واحد اليوم في اسبانيا لادركنا عمق الكارثة التي حلت بهم([50]) .

 وفي الجانب الاخر نجد كارثة انسانية أعم وأشمل وهي التي حلت بالهنود الحمر سكان العالم الجديد الاصليين (أمريكا واستراليا..الخ) حيث يذكر عالم الانثروبولوجي المحقق بيار كلاستر في كتابه المشهور "مجتمع اللادولة" :-

1 ـ ان أسوأ تاريخ في سجل البشرية وحقوق الانسان هو التاريخ الاوروبي.

2 ـ ان أكبر مذبحة في التاريخ قد ارتكبها الاوروبيون بحق الهنود الحمر سكان العالم الجديد الاصليين المسالمين الطيبين العزل الذين كان عددهم عند وصول الاوروبيون الى بلادهم يتراوح بين ثمانين الى مائة مليون نسمة (ويعادلون ربع سكان العالم في ذلك الوقت) تمت ابادتهم من قبل الاوروبيين دون أدنى رحمة, لم ينج منهم الا قلة لا تذكر وهي التي تبعثرت في العالم الجديد كما نراها اليوم.

 وقد ورد وصف حي لاحدى المجازر التي شكلت المذبحة الرهيبة حيث ورد في احدى الروايات التاريخية التي دونها شهود عيان لتلك المجازر ما يلي "لقد اطلعت على تقرير بعث به المسمى لاس كازاس أسقف مدينة شيابا الى الملك شارل الخامس, فألفيت فيه أن هذا القسيس قدر بخمسة عشر مليونا عدد الضحايا الذين لم يرتكبوا جريمة سوى انهم لم يكونوا مسيحيين وذلك باعتراف قاتلهم([51])". وقد تطرق ذلك التقرير الى حسن أخلاق الهنود الحمر وصدق نواياهم , اما "الاولاد, الذين ولدوا نتيجة اغتصاب الاسبان  للبنات الهنديات من سكان القارة الجديدة, فكان الاسبان يدقونهم على الارض أو يسحقونهم بين الصخور" وكان هذا الاسقف وراهب اخر يدعى مارك ورنيس من شهود العيان لهذه المجازر المرعبة.

 ولئن كان الاسبان هم السابقون في انتهاج هذا المنهج الفظيع فقد التحق بهم الانجليز والالمان... الخ حيث دامت مطاردة الجنس البشري هناك قرونا عديدة.

ولقد أشار الفيلسوف الفرنسي ديدرو لهذه الفظائع الجافية بقوله "حادث غريب في بابه قد حارت العقول في اكتناهه وهو أن الحكومة الاسبانية جمعت بين الغباوة والتوحش لحد أن باتت مؤيدة لهذه الفظائع السمجة, بل أنها لم تقف عند هذا الحد, فانها جندت جنودا من الكلاب ومرنتهم على مطاردة الجنس البشري والتغذي بلحومه, أني لا أدري هل كان الوزير الاسباني يفقه أن هؤلاء الناس يحســون ويشعرون ويمشون على قدمين كالاسبان أنفسهم أم لا ولم تقف هذه الكارثة عند الهنود الحمر بل تعدتهم, ففي القارة الجديدة كان المسيحيون يملكون أرقاء مسيحيين مثلهم, فكونوا في ممالك اسبانيا- تلك الدولة التي حازت قصب السبق في التمسك بالتعاليم الكاثوليكية- هيئة اجتماعية دامت الى أواخر القرن التاسع عشر مقامة دعامتها على امتلاك المسيحي لاخيه في المسيحية([52]).

 ولا ننسى ضحايا مسلسل الحروب الدينية الدامية والاضطهاد الديني التي عانى منها الاوروبيون مئات السنوات, وضحايا كوارث الحربين العالميتين الاولى والثانية التي حصدت أرواح الملايين من البشر.

 ونحن لا نستغرب ارتكاب تلك المذابح وانتهاك حقوق الانسان الصارخ في ذلك الزمن عندما نشاهد اليوم وبالنقل الحي على شاشات التلفزيون, المذابح الجماعية المرعبة التي يرتكبها الصرب بحق الاقلية المسلمة في البوسنة وكوسوفو والروس بحق الاقلية الشيشانية المسلمة فأين وصلت حقوق الاقليات والانسان غير الاوروبي في الدول الاوروبية في هذا العصر! عصر منظمة الامم المتحدة والديمقراطية وحقوق الانسان والنظام العالمي الجديد. فهل نحن نعيش حقا في عصر الديمقراطية وحقوق الانسان أم انها خرافة كررناها فصدقناها وشعار حق يراد به باطل, لا ندري, أنه سؤال حائر يبحث عن جواب؟

 

الفصل الثالث

حقوق الاقليات والاجانب بين الشريعة الاسلامية والمجتمع الدولي

لقد تطورت حقوق الاقليات والاجانب على مر العصور تطورا كبيرا. فقد كان السكان عندما ينقسمون الى طبقة المواطنين وتضم الافراد الذين ولدوا في المدينة من أبوين من المواطنين الاحرار. وطبقة الاجانب وتضم الاحرار المقيمين في المدينة. وطبقة الارقاء.

 ولم تكن حقوق الطبقات واحدة أو متساوية. اذ بينما كان الاحرار لهم حق المشاركة في الحياة السياسية للمدينة وحق تولى الوظائف العامة فيها. فلم  يكن لللأرقاء حقوق مدنية أو سياسية أو حتى تولي الوظائف العامة. ([53])

وقد كان اليونان يعدون أنفسهم أرقى الشعوب ويطلقون على غيرهم اسم) برابره) ويعدونهم أعداءهم فلا يرعون لهم حرمة ولا عهدا حتى كان هومير في شعره الخالد يحل لصوصية البحر وأسلاب البر وكان ارسطو طاليس (384 الى 32. قبل الميلاد) يرى أن الخالق أوجد البرابرة  لان يكونوا أرقاء ويعد من الأعمال الشريفة محاربتهم لسلب ثورنهم واسترقاقهم فغير اليونانيين أعداء خوارج على القانون اخضاعهم واجب سياسي على اليونان لذلك كانوا في حروبهم معهم غاية في الخشونة والوحشية فاذا انتصروا قتلوا الجنود المهزومة وخربوا المدن المقهورة واسترقوا سكانها([54]) .

 وعند الرومان فانهم يصفون الشخص بصفة الاجنبي اذا كان من سكان البلاد التي خضعت لروما وأصبحت جزءا من الامبراطورية الرومانية ولم يكن متمتعا بالجنسية الرومانية ولا بصفة اللاتيني. أما البرابرة فهم الاشخاص الذين ينتمون الى دول لم ترتبط بأية معاهدة. أي ينتمون الى خارج حدود الامبراطورية. فهم وأموالهم حل لمن يستحوذ عليهم.

 وكان الرومان في بادىء الامر يطلقون على الاجنبي صفة العدو ومن ثم كان الاجنبي لا يتمتع بأية حماية قانونية. فيجوز لاي روماني أن يستولى عليه وعلى أمواله اللهم الا اذا استجار بأحد الرومان فيصبح حينئذ في حمايته.

 وحينما بدأت روما تغزو العالم القديم كانت تعقد معاهدات مع الدول الاجنبية تنظم المركز القانوني لرعاية هذه الدول في علاقاتهم بروما. ومن ثم أصبح يطلق

على هؤلاء الرعايا الاجانب صفة الاجانب بدلا من الوصف القديم بأنهم أعداء .

والشخصية القانونية عند الرومان لا توجد الا بتوافر ثلاثة عناصر هي الحرية-

الجنسيةالرومانية- الصفة العائلية. فان فقد الشخص أحد هذه العناصر فقد شخصيته القانونية([55]) .

 

القانون بين الاسلام والمسيحية :-

 يذكر العالم الغربي كويلريونج prof. T. Guyler Young. :-  انه ما من شك في ان الاسلام قد أسهم بصفة فعالة في تقدم الجماعة الانسانية, فانه قد استبدل بالنظام القبلى الذي ورثه- والذي يقوم على رابطة الدم – نظام الجماعة المشتركة في العقيدة, والتي يقوم ترابطها الاجتماعي على أساس من الاخوة والمساواة. فعندما قال رئيس احدى القبائل الحديثة العهد بالاسلام للرسول : " أنت أميرنا " , أجابه الرسول بما معناه : " الامير هو الله, لا أنا " .

ان النظرية القانونية الاسلامية وما جرى عليه العمل في صدر الاسلام يستمد قاعدة الوحدة والنظام من الله لا من " المدينة " ولا من الدولة. فالاسلام نظام تيواقراطى خالص, والمسلم الى اليوم يحس احساسا واضحا بحكم الله في الحياة اليومية. ولسنا نشك في أن الاسلام قد ورث هذا الجانب للمسيحية مع ما ورثه اياها في العصر المدرسي, وأن هذا لعب دورا في التيوقراطية الكاثوليكية في العصور الوسطى. ولكن الاسلام يختلف عن المسيحية الرومانية في أنه لا يتخذ لنفسه نظم الكنيسة والقسيسين والقرابين. ولقد تبدو البروتستانتية الخالصة دينا كهنوتيا اذا وازناها بالاسلام الذي يحرص على التوحيد الخالص والذي لا يحتمل أي تدخل بين الانسان وخالقه.

ان كثيرا من الكتاب الأوربيين الأوائل في القانون الدولي ـ من أمثال    (Gentiles, Victoria, Ayala  Bello) كانوا من أسبانيا أو ايطاليا, ولهذا ذهب بعض الباحثين الى أن أولئك المؤلفين- الذين ليس لأعمالهم نظائر في الآداب اليونانية والرومانية- قد تأثروا بالكتابات الاسلامية عن الجهاد والسير, وهم يحتجون بأن الاسلام سبق الى الاعتراف بحقوق العدو في السلم والحرب, وبأن النشأة الأولى لعلم القانون الدولي- متميزا من القانون العام ومن العلم السياسي – انما كانت في الاسلام.

انه من الصعب أن نقدرتأثير الاسلام على القانون والجماعة, ولكنا نختم هذه الفقرة بما قاله "سانتيلانا" : " ان من بين تراثنا الايجابي عن القانون العربي بعض نظم قانونية " كالشركة المحددة" , وبعض مصطلحات في القانون التجاري, وحتى لو صرفنا النظر عن هذه فان مما لا شك فيه أن المقاييس الأخلاقية العالية للقانون العربي كان لها تأثير حسن على تطور تصوراتنا الحديثة وفي هذا تكمن قيمتها الخالدة" .

ومن الجائر أن يكون ما ذكرناه من التأثيرات الخاصة قد عبر من طريق ولايات المدن الايطالية([56]).

ويقول العالم الغربي ج. ر. كرسويل J.R. Cresswell.:-أن كتاب العالمين الاسلامي والغربي اعتبروا الانسان نهاية في نفسه, لا مجرد وسيلة, ذلك أنه كائن ناطق باق, وأن له – بهذا – حقوقا أخلاقية . وهذا المذهب يرتبط به القول الذي أخذ به العالمان الاسلامي والمسيحي, وهو أن كل الأفعال والنظم الانسانية تخضع لتدبير الله, وعلى هذا يقوم عمود من أعمدة الديمقراطية,

وهو أن الناس- من الجهة الأخلاقية- متساوون, فليس لفرد أن يعتبر جاره- في الأساس والجوهر- في منزلة أخلاقية أدنى من منزلته : " انا خلقناكم من ذكر وأنثى, وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا, ان أكرمكم عند الله أتقاكم" ([57])

 ويترتب على ما تقدم ظاهرتان: أولاهما أنه ليس في الاسلام أقداس دينية sacraments)) تتطلب مراسمها كاهنا مقدسا, فأي مسلم يستطيع أن يقوم بأي شعيرة دينية, ويستطيع- الا في حالات خاصة- أن يقود الناس فيها, وبعض الوظائف الدينية يقوم بها فقهاء متخصصون- هم العلماء - وأي فرد ذي ذكاء وشخصية يستطيع أن يسمو الى تلك الوظيفة. الظاهرة الثانية أن العدالة في الاسلام منذ المبدأ كان يصرفها القاضي الأكبر الذي يجلس للمظالم, وأي شخص لم يستطع أن يحصل على العدل بالطرق العادية يمكنه أن يقف أمام هذه المحكمة ....

 فمن الوجهة التاريخية نستطيع أن نقول ان المثال الذي نشدته الحضارة الاسلامية- وهو عالم مسلم- لم يؤد غالبا الى المساواة في المعاملة والى التوزيع العادل لخيرات الدنيا, على النهج الذي قرره القرآن. فالآية القرآنية تقول : " وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها , واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا"([58])   وقد وجهت التعاليم الدينية ( في بعض العصور) لتناسب دنيا الامبراطورية والثروة التي تجمعت خلال الفتح. وشهدت المدة المملوكية ( من 648 الى 923هـ ومن 125. الى 1517م) تأسيس نوع من الاقطاع, يتألف من جزء من الأرض – مزروع في الغالب – تسلمه الدولة تسليما مؤقتا الى أمير أو الى محارب من طبقة عالية . وقد استمر هذا النموذج من الاقطاع في صورة تأجير أرض, ومزارعة بالاشتراك الى أيامنا الحاضرة.

 هذا النظام"الاقطاع" لا يتفق والأصل الاسلامي الذي دعا الى المساواة والاخوة, وليس يصح لنا أن نعتذر لهذا التطور التاريخي بأنه شىء غريب عن العالم الاسلامي, فان كل المنتفعين بهذه المنح- في المبدأ- كانوا مسلمين ولو اسميا.

هذا الى أن تصنيف الجماعة الى طبقات تضمنته نصوص قانونية.

وفي الأزمنة الحديثة, صادف هذا المثال الذي تنشدة الحضارة الاسلامية- وهو عالم مسلم- نزاعا وانقساما, وقد ساعد على هذا الاضطراب مجموعة من العوامل :

منها أن الفكرة الاولى في ايجاد جماعة اسلامية واحدة تربطها رابطة اللغة والقانون, لم تدركها عقول أوساط الناس- أو الزعماء- ادراكا قويا واضحا يخلق ترابطا وامتزاجا. ولم يكن هناك الا القليل من الحوادث التاريخية التي تهيىء الفرصة للنمو التدريجي للدولة التي تقوم على الشعب كما حدث في الغرب . فكان الرجل العادي يوجه ولاءه او انتسابه لزعيم شخص او لمنطقة محلية فيكون "شاميا" او "بغداديا" مثلا. وكان مما ساعد على هذا التوزيع في الولاء- قرون من الحكم الاجنبي امتدت الى العصر الحاضر . ولست اراني في حاجة الى ان اشير الى ان نظم الوصاية التي ابتكرت بعد الحرب العالمية الاولى كانت ذات اثر في ابراز هذه الاتجاهات الموزعة وتأكيدها , فلم تظهر اي وحدة سياسية منظمة تستطيع ان تجذب اليها ولاء الاشخاص([59]).

  و لقد كان من العوامل الرئيسية في تطوير معاملة الاقليات والاجانب والاعتراف لهم بمركز قانوني منظم ما أوردته الشريعة الاسلامية الغراء من أحكام تفصيلية في هذا الشأن.

 

 

الاسلام دين وجنسية ـ :

 عند ظهور الاسلام لم تكن رابطة الجنسية قد عرفت, وانما كانت الروابط روابط قبلية. لكن الاسلام جعل رابطة الدين هي المعيار , فالانتماء الى الاسلام هو الذي يربط الشخص بالأمة الاسلامية.

  فالدولة الاسلامية انما تعتمد في تكوينها على الوحدة الدينية, وأن جميع من شملتهم هذه الوحدة أمة واحدة وان اختلفوا في اللغة أو الجنس أو الحكومات أو سائر المميزات القومية لأن وحدة الدين عندهم تغلب هذه الفروق.

ولا شك أن النظام الذي كان يسود الدولة الاسلامية هو أول نظام ظهر في العالم كماهو معروف الان بالدولة الاتحادية. ففي داخل دار الاسلام لا توجد حدود اقليمية أو سياسية تفصل بين الشعوب التي تدين بالاسلام, لأن ولاية الاسلام واحدة, وهي تشمل الشعوب والأقاليم التي تنبسط عليها هذه الولاية, وكذلك الأمر فيما يتعلق بالجنسية فهي جنسية واحدة لأن الاسلام دين وجنسية معا([60]).

الذميون مرتبطون بالدولة الاسلامية:-

أن المسلمين والذميين كشعب لدار الاسلام يتمتعون سويا بما يسمى حديثا بالجنسية الاسلامية التي تربطهم بالدولة. الا أن الذميين لا يعتبرون مرتبطين بالأمة الاسلامية التي من أسسها الارتباط بالدين. وبذلك يجعل الفقه الاسلامي لفكرة الأمة مدلولا مختلفا عن فكرة الدولة.                        

 

 ويعتبر لكل من الأمة والدولة مركزا قانونيا محددا.

فالاسلام من حيث كونه عقيدة يعتبر المسلمين جميعا اخوانا في العقيدة أينما كانت اقامتهم, ومن حيث كونه جنسية فانه يضم المسلمين والذميين ويعتبرهم اخوانا في الوطن([61]) .

حقوق الذميين في الدولة الاسلامية:

يحق للذميين تولى الكثير من الوظائف العامة في الدولة, واذا وجد تفاوت في بعض الحقوق والواجبات بين المسلمين والذميين فانه في نطاق ضيق مرتبط بالعقيدة, ولا غرابة في هذا لآنها تفرقة على أساس عقائدي في دولة محكومة بعقيدة الاسلام, والتفاوت في بعض الحقوق والواجبات مسألة داخلية لا تؤثر على التمتع بجنسية الدولة حتى في عصرنا الحاضر. فالذميون في الجملة كالمسلمين في الحقوق العامة لأنهم كما يقول الامام علي بن أبي طالب: انما قبلوا عقد الذمة لتكون أموالهم كأموالنا ودماؤهم كدمائنا ولكثرة اسناد الوظائف الى الذميين قال أحد المؤرخين الأجانب "آدم متز":-

 من الأمور التي تعجب بها في الدولة الاسلامية كثرة عدد العمال والمتصرفين غير المسلمين" ويقول آخر " كانت كل مناصب الدولة مفتوحة أمام كل المسلمين واليهود والنصارى على السواء, بل كان علماء المسلمين يحثون على حماية حقوق أهل الذمة ومعاملتهم بالمثل فيروى أن قائد جيش التتار عند اغارتهم على دمشق وقع في يده بعض الأسرى من المسلمين واليهود والنصارى. فذهب ابن تيمية ومعه بعض العلماء ليطلبوا من القائد فك أسارهم. فاستجاب لهم القائد بالنسبة لأسرى المسلمين فقط. فلم يقبل العلماء منه ذلك, وأصروا على فك أسرى الذميين مع المسلمين لأن الاسلام يأمر بأن يكون لهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم.

وبلغ حرص الاسلام على العناية بأهل الذمة أن يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم, كما يروي أبو يوسف في كتاب الخراج "من ظلم معاهدا أو كلفه فوق طاقته فأنا حجيجه" وقد أخرج هذا الحديث أبو داود بلفظ " ألا من ظلم معاهدا أو انتقصه أو كلفه أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة([62]) "

واقع غير المسلمين الحالي في بلاد المسلمين:-

وقد أصبح الواقع في أكثر البلاد الاسلامية تحقيق المساواة التامة بين سائر أفراد الشعب دون نظر للعقيدة والدين في كافة الحقوق السياسية والحقوق العامة والخاصة, حيث النظم الحديثة في هذه البلاد قد فصلت الجنسية عن الدين وأقامتها على أساس آخر من الاقليم أو الدم أو الزواج أو التجنس, وأصبح التجنيد اجباريا على كل  مواطن في كثير من هذه البلاد, كما أن اشتراكهم في انتخاب رئيس الدولة وفي عضوية المجالس الشعبية أصبح حقا للأمة. لأن رياسة الدولة حاليا في كثير من  البلاد الاسلامية ليست لها الصبغة الدينية التي كانت للخلافة وان بقي لها شيء من معانيها.

كما أن عضويتهم في المجالس الشعبية لا يتصور- مع قلتهم في الدولة الاسلامية- أن تؤثر على الاتجاه العام, فضلا عن تمكينهم من عرض مشاكل ناخبيهم وامكان تقديم النصح وابداء الرأي العام والخاص بمصالحهم([63]).

فمن المعلوم أن الاسلام دين وجنسية معا. ولذلك كان اسلام الجماعة معناه انضمامها الى دار الاسلام. أي الى المجتمع الذي يضم جميع البلاد التي تمتد اليها ولاية المسلمين. وقد دعا الدين الاسلامي الى التسامح مع غير المسلمين والى وجوب احترام عقائدهم وعاداتهم وحقوقهم والتفقد لهم. وان المتتبع لنصوص القران الكريم والمأثور من الحديث النبوي الشريف يرى حقائق واضحة تسود معاملة المسلمين لغيرهم من الذميين والمستأمنين. وهي الحاكمة المميزة بين العمل الذي يقره الاسلام والعمل الذي لا يقره الاسلام. تلك الحقائق خمس وهي :

 

1- العدالة:-

قامت العلاقات الانسانية في الاسلام على اساس من العدالة واعتبار الناس جميعا سواء. وأنه لا تفاضل بينهم أمام الاحكام. وأن نصوص القران الكريم في ذلك كثيرة وأوضحها في معاملة المخالف المحارب بالعدل قوله تعالى: "ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا. اعدلوا هو أقرب للتقوى" وقوله تعالى: " يا أيها الذين امنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم " وقوله تعالى: " ان الله يأمر بالعدل والاحسان".

 

2-المعاملة بالمثل:-

دعا الاسلام الى العدالة المطلقة التي لا تعرف قريبا مواليا أو بعيدا معاديا ودعا الى قانون عادل في معاملة المسلم بغيره. وذلك القانون العادل هو قول محمد صلى الله عليه وسلم (عامل الناس بما تحب أن يعاملوك به) وبمقتضى هذا القانون العادل. قانون المعاملة بالمثل قانونا اسلاميا عادلا. وقد جاء في القران الكريم (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم واتقوا الله واعلموا أن الله مع المتقين).

 

3- الوفاء بالعهد:- 

جاء الاسلام داعيا الى السلام. ولذلك كان اذا جنح محاربة الى السلام العزيز الكريم سارع اليه. وقد قال تعالى: ( وان جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله ) والسبيل لاستقرار السلام والمعاهدات السليمة هو الوفاء بها وهذه المعاهدات لا تستمد قوتها من نصوصها فقط بل من نية عاقديها على الوفاء والذا حث القرآن على الوفاء باعهد واعتبر اخلاف المعاهدات من علامات النفاق وقال تعالى): وأوفوا بعهد الله اذا عاهدتم ولا تنقضوا الايمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيا ان الله يعلم ما تفعلون ) .

 

4-الاخلاق:-

ان العلاقات الدولية سواء كانت ثمة حرب أم سلم بعهد أو بغير عهد يجب أن تستودها الفضيلة. اذ أن قانون الاخلاق في الاسلام قانون عام وشامل. وان ما هو شران صنعته مع ابن وطنك يكون حتما شرا ان صنعته مع محاربك. لان المعاملة بمقتضى قواعد السلوك الفاضل حق لكل انسان يستحقه بمقتضى الانسانية التي هي وصف مشترك بين كل أبناء آدم. ولذلك نجد القرآن الكريم كلما أمر بالجهاد كان بجواره الامر بالتقوى. وتقوى الله قوامها الاستمساك بالفضيلة. والمعاملة بالمثل في الاسلام يجب أن تكون دائما في دائرة الفضيلة الاسلامية. فاذا كان العدو مثلا يمثل بالقتلى فلا يسوغ للمسلمين ان يمثلوا بالقتلى. كما يفعل العدو. وقد مثل المشركون في غزوة أحد بعم النبي حمزة ابن عبد المطلب فلم يفكر النبي عليه الصلاة والسلام في أن يمثل بأحد من قتلاهم بل كان ينهى عن ذلك فيقول (اياكم والمثلة ولو بالكلب) وكان عليه السلام يوصي أحد جيوشه فيقول: (انطلقوا باسم الله وبالله وعلى بركة رسول الله. لا تقتلوا شيخا فانيا ولا طفلا ولا صغيرا ولا امرأة ولا تغلوا وضعوا غنائمكم واحسنوا ان الله يحب المحسنين).

 

5- نصر الضعفاء:-

ان الاسلام لا يقر ظلم الضعفاء فقال تعالى (ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الارض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الارض ونرى فرعون وهامان وجنودها منهم ما كانوا يحذرون) تلك هي ارادة الله السرمدية وهي التي طالب بها سبحانه المؤمنين.ولهذا المبدأ كان الاسلام حريصا على حماية الحريات الانسانية.

ومن حيث تحديد نطاق الحقوق التي يجب أن يتمتع بها الاجنبي في اقليم الدولةالتي يقيم بها وبيان مضمون هذه الحقوق فقد ذهبت بعض الدول في العصر الحديث الى أن الحقوق التي يتمتع بها الاجانب في اقليم الدولة يجب ألا تتجاوز ما يتمتع به رعايا الدولة ذاتها من حقوق([64]).

 

حكم الاقطاعات:-

 لما ساد حكم الاقطاعات (في أوروبا) انقلبت معه الاسس القانونية انقلابا تاما فاصبحت جميع الاشخاص وجميع الاشياء أي جميع المخلوقات والموجودات الكائنة داخل حدود أية اقطاعة من الاقطاعات محكومة بقانون تلك الاقطاعة وحده دون غيره, بعد أن كان كل شخص يعامل بقانونه الخاص بعشيرته الاصلية, وقد زاد في سرعة هذا الانقلاب في فرنسا تجميع codification  القوانين السائدة في كل مديرية والمعروفة بالعادات  coulunesوتدوينها. وانحصرت نظرية حكم الاقطاعات, من الوجهة القانونية في قاعدة بسيطة مؤداها أن " جميع القوانين تعتبر عينية" أي اقليمية  Toutes coulumes sont reellesأو Omnes consuetudines sunt reales وبذلك التحق الاشخاص بالارض أو الاقليم فحكمهم قانونه دون أي قانون آخر وتلك نظرية اقليمية القوانين theorie de la territorialite des lois    في أقصى درجات تطرفها.

 وبينما كانت فرنسا والمانيا تتوغلان في نظام الاقطاعات في القرن العاشر وما بعده باعتباره الوسيلة الطبيعية لحمايتهما من الغزو والنهب المستمرين كانت ايطاليا منبتا لحركة تشييد حكومات أو جمهوريات صغيرة أو " بلديات " في مدنها المختلفة وصلت بها سنة الترقي في القرن الثاني عشر الى وضع قانون " بلدي أو مدني "خاص لكل منها وسميت هذه القوانين الخاصة statute  تمييزا لها عن القانون العام الساري على اقليم جميع الامبراطورية الذى يطلق عليه لفظ Lex وكانت هذه المدن الصغيرة الناشطة تقوم بحركة تجارية كبيرة فيها([65]).

ملاحظة:- ان ايطاليا اتجهت بهذا الاتجاه بحكم انتشار الثقافة الاسلامية في أنحائها المختلفة متأثرة بالأنظمة الاسلامية التي كانت مطبقة في جنوبها وفي جزيرة صقلية الاسلامية كما بينا ذلك في أبحاثنا السابقة.

 

القرون الوسطى:-

  وحتى في القرون الوسطى- وهي قرون وسطى بالنسبة للغرب, وهذه القرون تبدأ بعد ظهور الاسلام بستة قرون تقريبا, وتستمر حتى أواخر القرن الثامن عشر- كانت أحكام الملوك قوانين نافذة, فلا راد لقضائهم ولا معقب لحكمهم, فيحكمون بالموت على من يشاءون, ويحكمون بالحياة لمن يشاءون.

ولم تكن العقوبات تقع بالنسبة لأفعال الانسان الظاهرة, بل كانت تمتد أيضا الى المقاصد والنوايا, فكانت المقاصد والنوايا تعتبر في حالات متعددة من الجرائم التي يعاقب عليها الانسان بأقصى العقوبات.

ولم تكن للجرائم عقوبات محددة, فربما كانت الجريمة أمرا مختلفا في ضرره بل ربما لا ضرر فيه الا في أفكارالذين حكموا بذلك, ومع ذلك تبلغ العقوبة أحيانا حدا لا يصدقه العقل حيث تكون الاعدام أو الصلب, كتعدد الزوجات مثلا, وذلك لأن العقوبات كانت دون نظام أو قانون كما أن الجريمة لم يكن لها تصنيف بحسب ضررها وخطورتها , والذين يهتمون بدراسة الجرائم والعقوبات اليوم يحرصون على أن يبينوا للدارسين أن هذا التنظيم والتصنيف من الاعمال التي تعتبر غريبة على ما كان معمولا به في القرون الوسطى([66]).

 

سلطان القانون الدولي:-

القانون الطبيعي: ومصدر العدل والانسانية يجب تطبيقه على جميع الدول ولو لم يكن بينها أية معاهدة حتى الامم المتوحشة بعد اتخاذ ما يقتضيه الحال من التبصر والحيطة. ولكن للاسف لم تحترم الدول المتمدنة التي غرتها قوتها هذه المبادىء مع زنوج افريقيا وهنود أمريكيا وبولنيسى الاقيانوسية بل لم تحترمها مع الامم التي تخالفها في التربية العمومية.

أما القانون الوضعي: فقد نشأ في أوروبا بين دولها المستنيزة ولهذا السبب يسميه بعض المؤلفين القانون الاوروبي ولا يريدون تطبيقه الا في حق الدول الاوروبية والامريكية والاقيانوسية أي البقاع التي يسكنها أوروبيون تربطهم جامعة الدين والعادات والاخلاق والعلوم والفنون وتوحد افكارهم بنوع ما دراستهم المشتركة للمؤلفين عينهم أو النظريات عينها كما يربطهم تشابه سياسة الحكم في بلادهم وما اعتادوه من عقد المحالفات والمعاهدات وتبادل السفراء. قال ستوارث مل " ان تطبيق قواعد القانون الدولي على الامم المتوحشة هو انكار لمعنى القانون الذي اساسه التبادل ومقابلة المثل بالمثل أي احترام الدول لحقوق غيرها نظير قيام هذه بواجبات مماثلة وهو ما لا يمكن تصوره مع الامم المتوحشة". والواقع من حال الدول الاوروبية والامريكية انها لم تعتبر نفسها ملزمة تماما بواجبات نحو الامم الاسلامية والامم الاسيوية فان تركيا وعاصمتها في أوروبا وكانت تتعاهد مع الدول وتحاربها وتتبادل السفراء معها لم تعاملها هذه الدول البتة على قدم المساواة كواحد منها([67]).

 

القانون الدولي ومعاملة الاجانب:-

يتمتع الاجانب على العموم في العالم المتمدين بحقوق تقل في مجموعها كثيرا عن حقوق الاهالي ولاجل ادراك كنه هذه الحقوق يجب التمييز بين ما اصطلح على تسميته في هذا الموضوع الحقوق العامة والحقوق الخاصة والحقوق السياسية.

فالحقوق العامة Droits publics هي الحقوق التي تكتسب أو تستعمل في مواجهة الهيئة الاجتماعية بشكل عام كالحق في الحياة وحق اكتساب الاشياء الضرورية للحياة وللمتاع الحسن وحق التحرك والانتقال وحق التفكير والتكلم والكتابة واعتناق أي فكر من الافكار. وبالاخنصار الحق في أن يكون الانسان حرا.

والحقوق الخاصة Droits prives هي التي تكون للشخص قبل الاشخاص الاخرين على وجه التعيين في معاملاتهم المتبادلة مثل الحقوق العائلية وحق الملكية وحق الدائنية وحق التصرف بلا عوض وحق التقاضي بالتظلم أمام القضاء والسلطات الادارية ونحو ذلك .

الحقوق السياسية Driots politiques هي التي تسمح للشخص بأن يشترك بالفعل في نظام الحكومة بشكل من الاشكال([68]).

من المجمع عليه في عرف القانون الدولي أن على الدولة بوصفها عضوا في الانسانية جمعاء التزام يجب عليها بمقتضاه أن تعترف للأجانب المقيمين في اقليمها بحق ممارسة الحقوق الخاصة الاساسية وبعض الحقوق العامة. وما هذا الالتزام الدولي الا تفريعا على الأصل الدولي الذي يلزم الدولة باحترام الشخصية الانسانية في جميع الافراد ومواطنيين وأجانب.

فالاعتراف بالشخصية الانسانية للفرد يستتبع الاعتراف له بحق التمتع بالحقوق.

وقد تباينت وجهات النظر في الفقه فيما يتعلق يتحديد الحقوق التي يجب الاعتراف بها للأجانب تفريعا على مبدأ احترام الشخصية الانسانية فيهم. على أن من المجمع عليه فقها أن هناك حدا أدنى لهذه الحقوق يجب الاعتراف بها للأجانب تفريعا على مبدأ احترام الشخصية الانسانية. على ان المجمع عليه فقها ان هناك حدا ادنى لهذه الحقوق يجب على  كل دولة متحضرة أن تلتزمه وأن تعترف للأجانب المقيمين في اقليمها بالحقوق التي يتضمنها هذا الحد الادنى وهي  ترجع الى الاصول الخمسة التالية:

1- الاعتراف للأجنبي بالشخصية القانونية.

2- الاعتراف للأجنبي بحقوقه المكتسبة.

3- الاعتراف للأجنبي بالحرية التي تتطلبها الشخصية الانسانية.

4- الاعتراف للأجنبي بحق التقاضي.

5- الاعتراف للأجنبي بحقه في الحماية الادارية للدولة([69]).

 

اعلان حقوق الانسان :-

 ان الامل الذي يتعلق به الانسان في كل مكان هو اعلان حقوق الانسان, بل يعتبره العالم الوثيقة التي كتبت بحروف من نور لتحمى الانسان من مخاطر الظلم والجهل والمرض والحرمان، وتحقق له الآمال التي كان يحلم بها, فقد كان يحلم بحياة سعيدة بعيدة عن الاغلال والعبودية ينال فيها كل حقوقه ويحقق كل رغباته بعد القرون الطويلة الكالحة التي قاسى فيها ألوانا من البغي والظلم والذل والهوان.

هذا الامل الذي يتعلق به الانسان اليوم ليس الا سرابا يحسبه الظمآن ماء حتى اذا جاءه لم يجده شيئا, او على الاقل ليس هو الامل المنشود, اذ يقصر قصورا شديدا عما كان يدور في القلوب والاذهان من اماني عذاب .

ويمكن ان نبين قصور هذا الاعلان بالفقرات التالية:-

1- .كل الحقوق التي تضمنها هذا الاعلان , سواء أكانت حقوقا اقتصادية أم اجتماعية أم ثقافية, انما هي حقوق شخصية, بمعنى أن كل فرد يستطيع أن يتخلى عنها أو يتسامح فيها كيف اراد ومتى شاء.

2- هذه الحقوق التي نص عليها هذا الاعلان انما هي توصيات تستدر عطف حكام الدول حتى يتجاوبوا معها ويؤمنوا بها ويقوموا بتنفيذها متى شاءوا, وليست التزامات من المفروض عليهم أن يقوموا بها والا تعرضوا لما يستحقون من جزاء.

3- لقد أغفلت نصوص هذا الاعلان الحقيقة الاولى في هذا الوجود, وهي حقيقة هذا الكون وخالقه, وهذه الحقيقة هي أساس المعارف التي يعتبرها اعلان حقوق الانسان من الحقوق الثقافية للانسان.

4- ان التقدم العلمي الذي يسير دون أسس قويمة ودون ضوابط حكيمة يتضمن خطرا جسميا بل ينذر بهذا الخطر الجسيم, ولم يشر هذا الاعلان الى هذا الخطر المتوقع, الا ان فقرة جاءت في اعلان طهران الذي اتفق عليه المؤتمر العالمي لحقوق الانسان المنعقد في 21 ابريل 1968 , هذه الفقرة رقم 18 من هذا الاعلان تنص على انه : " اذا كانت الاكتشافات العلمية والتطور في فن الاختراع قد افسحا مجال النظر للتطور الاقتصادي والاجتماعي والثقافي, فانهما مع ذلك يهددان حقوق الانسان وحرياته, ويقتضيان اذن شيئا من اليقظة والانتباه" .

ومع هذا القصور من الناحية النظرية وهذا التناقض من الناحية الواقعية, فان حقوق الانسان الذي يكثر التحدث والاعلان عنها لم تجد حتى الان تصنيفا سليما وشاملا لها,ويبدو أن التعبير عن حقوق الانسان على ألسنة الذين ينادون بها انما هو تعبير عن فكر حبيس ما زال اسير قيود الماضى, او عن أمل ضيق لا يتعدى حدود الاقليم أو الجنس([70]).

 

الحقوق والحريات العامة في الاسلام:-

أن مصادر الشريعة الاسلامية الاصلية قد أوجبت الحقوق والحريات العامة مباشرة بأوسع العبارات حتى تتسع لمختلف الحريات المتصورة, يمكن التمييز فيها بالنظر الى دور السلطة العامة منها الى حقوق ايجابية أي تتضمن معونات وخدمات ايجابية تقدمها السلطة للأفراد, وحقوق سلبية تظهر في صورة قيود على تدخل السلطة او الحريات عامة.

أولا: الحقوق الايجابية:-

وتوجب على السلطات العامة (اولى الامر) تأمين الافراد في المجتمع الاسلامي ضد العوز والحاجة وحصولهم على حاجتهم الانسانية التي لا قيام لحياة بشرية دونها من مأكل وملبس ومشرب ومسكن وفقا لقولة تعالى: "ان لك الاتجوع فيها ولا تعرى وأنك لا تظمؤ فيها ولا تضحي"([71])

ونوع الاشباع يليق بقوله تعالى: " ولقد كرمنا بنى آدم"([72])  وصفة العمومية تلحق بهذه الحقوق شأن الحريات السلبية, بسبب كونها عامة لجميع الافراد مسلمين وذميين وفقا للمبدأ المقرر في الفقه الاسلامي " لهم مالنا وعليهم ما علينا" . عملا بقوله تعالى " وأن أحكم بينهم بما أنزل الله"([73])

وفي المقابل فرضت على حق الملكية الخاصة وظائف اجتماعية تمكن السلطات العامة من الوفاء بالتزاماتها الايجابية تجاه الافراد "التكافل الاجتماعي"  استناد الى قوله تعالى : " وآتوهم من مال الله الذي آتاكم"([74])  والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم"([75])  ان هذه الحقوق "الاقتصادية والاجتماعية" تقدم وظائف مرافق عامة تتجاوز الضبط . ويبقى الان التعرف على مجالات الضبط في الانشطة الفردية لمعرفة الحدود التي تقف عندها سلطاته.

ثانيا: الحريات العامة ـ:

او الحقوق السلبية بالنظر الى دور السلطة, التي توجب على السلطة احترام ممارستها من الافراد, وتقبل- من حيث المبدأ ان يندرج فيها مختلف التقسيمات الفقهيه للحريات العامة بمعنى الكلمة, تجمل في الاتي:

أ- الحريات الشخصية :ان عدت محور الحريات الفردية فان الشرع الاسلامي قد كلفها بالفعل وما يتفرع عنها من حريات, بعديد من آيات الاحكام القانونية وسننها.

1- حق الحياة"حرمة الروح" الحق الاول لكل انسان ومركز الدائرة لكافة الحقوق والحريات الاخرى, ومن الايات التي تكفلها ا"من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الارض فكأنما قتل الناس جميعا"([76])

2- حرية التنقل: وتتضمن حرية الفرد في الغدو والرواح والاقامة- فالقرآن اعتبر الابعاد (النفي) عقوبة نص عليها في حد الحرابة: "انما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الارض فسادا ان....او ينفوا من الارض([77])

3- حق الامن: من القبض التعسفي او اتخاذ اجراء يمس الحرية دون دلائل كافية على ارتكاب جريمة: "اجتنبوا كثيرا من الظن ان بعض الظن اثم"([78]) "ان جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ان تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين"([79])

ومن جهة اخرى فان الجرائم والعقوبات "حدود وتعازيز" لا تثبت الا بنص بغير خلاف.

4-  شخصية المسئولية: فلا يسأل الفرد الا عن فعله فقط دون فعل الاخرين: " ولا تزر وازرة وزر اخرى" ([80]) .  وحديث الرسول صلى الله عليه وسلم (الا لايجنى جان الا على نفسه) ابن تيميه.

ب - حرية الفكر:

1- حرية الراي : التي يمكن ان تكفل باقي الحريات وتفرضها, وقد حرص الاسلام على تأكيدها حتى لتبدو واجبا على الفرد, فهي كانت الوسيلة الى دعوة الاسلام وتوصيلها للناس, ومن الايات التي نصت عليها "ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن"([81]). ومن الاحاديث (لا يكن احدكم امعه يقول انا مع الناس ان احسنوا احسنت وان اساءوا اسأت, ولكن وطنوا انفسكم ان احسن الناس ان تحسنوا وان اساءوا ان تجنبوا اساءتهم) رواه الترمذي. والحديث المشهور ( افضل الجهاد كلمة حق عند امام جائر).

2- حرية التجمع وحرية تكوين الجمعيات: هي النتيجة المنطقية لحرية الرأى ومن الممكن ان تظهر في الامة التي تجتمع على مذهب واحد او نظرية واحدة او اكثرومن مدارس مختلفة يتقارب دعاتها " ولتكن منكم امة يدعون الى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر".

3- حرية العقيدة وحرية اقامة شعائرها: واضحة بجلاء في النصوص الشرعية على حرية غير المسلم في اعتناق الاسلام, وكفلت الشريعة حرية اقامة الشعائر الدينية لاهل الكتاب (المسيحيين واليهود) وفي ذلك قوله تعالى: "ولو شاء ربك لآمن من في الارض كلهم جميعا افأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين"([82])  "لا اكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي" ([83])

 4- الحماية من الاضطهاد الديني: للجماعات والاتجاهات الدينية واللادينية المختلفة يقول تعالى بوضوح كاف" ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم كذلك زينا لكل أمة عملهم ثم الى ربهم مرجعهم فينبئهم بما كانوا يعملون "([84])

والاسلام حريص على تجنيب السلطة ان تزعم التدخل في مكنون الصدور وبعبارة "السيوطي" (ولا يتصور الاكراه على شيء من افعال القلوب) طالما لم تظهر في صورة افعال مناهضة, وبهذا يقي الاسلام الافراد طغيان السلطة ان تحاسبهم عن خواطرهم ما فكروا فيه وما لم يفكروا.

-  حق مقاومة الظلم: وهو من اكثر الحقوق نصيبا من بحوث فقهاء المسلمين, ارتبط بصفة عامة ببحوثهم في موضوع الامامة او الخلافة ويشمل جانبين:

  أ – رفض طاعة السلطة فيما يخالف احكام الشرع: وتشمل حالة العصيان المدني فلا يتقدم احد لادائها حتى يسقط المستبد من نفسه : " ولا تطيعوا امر المسرفين, الذين يفسدون في الارض ولا يصلحون"([85])  " ولا تطع من اغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه و كان امره فرطا"([86])

  ب- مقاومة الظلم : وليس فحسب عدم الطاعة: لقوله تعالى  "لا ينال عهدى الظالمين" ([87])

" فقاتلوا التي تبغى حتى تفىء الى امر الله" سورة الحجرات  وهناك وفره من أيات الكتاب وأحكام السنة التي تفرض على السلطة الحاكمة احترام المراكز القانونية للأفراد([88]).

 

مـلحق

التحديات  التي تواجه الاقليات المسلمة وأولويات العمل الاسلامي :-

ان لكل أقلية مسلمة التحديات والمشكلات الخاصة بها وبأوضاعها في الوطن الذي تقيم فيه, وبالرغم من ذلك فانه يمكن اجمال التحديات المشتركة بين الأقليات المسلمة في العالم بالنقاط التاليه:-

 أ- التحديات التي تحد من حرية ممارسة الشعائر الدينية ـ:

ومن هذه التحديات ما يتعلق بعدم وجود مسجد ويفترض ان يكون المسجد مركزا ثقافيا اسلاميا تلحق به قاعة للمحاضرات وبيت للامام ومكتبة, وضمن التوجه الهندسي لبعض البلدان يلحق بالمسجد ايضا موقف للسيارات وقاعة للاجتماعات. وفي حال مشكلة عدم توفر الشيخ العالم الذي يشكل القدوة الصالحة لهؤلاء المسلمين هذا من حيث الصلاة, ومن حيث الصوم فهناك مشكلتان هما توفر الطعام والشراب الحلال وظروف العمل ووقت الدوام, ,اما الحج فهو يحتاج الى مدة كافية للسفر وأداء الفريضة مع مصاريف السفر والانتقال والاقامة وربما موافقة السلطات المختصة.

ب- التحديات المتعلقة بقضايا الأحوال الشخصية ـ:  

وأهم تلك التحديات تظهر بالأشكال التالية:

(1) اضعاف وحدة العائلة وتفككها وتلاشي رئاسة الاب لتلك العائلة, وما يتبع ذلك من فقدان التوجيه والارشاد والتربية على الطريقة الاسلامية.

(2) وجوب اجراء الزواج بعقد مدني كي يعترف به رسميا ولو أدى ذلك الى مخالفة فقه الاحوال الشخصية الاسلامي.

(3) اسقاط المانع الديني حيث يسمح للمسلمة بالزواج من غير المسلم.

(4) امكانية الطلاق لأتفه الاسباب, وما يتبع ذلك من آثار كتشتيت أفراد العائلة والمشاركة والمقاسمة للأموال عند الطلاق.

(5) عدم التقيد بعدد الطلقات والأصول المعروفة في ذلك شرعا.

(6) عدم تعدد الزوجات مع وجود ضرورة لذلك حسب فقه الاحوال الشخصية الاسلامي.

(7) عدم الاعتراف بموانع الزواج الا وفقا للقانون المدني ولو أدى ذلك الى مخالفة الاحكام الشرعية.

(8) توزيع التركة حسب القانون المدني لو أدى ذلك الى مخالفة توزيع التركات حسب الاحكام الشرعية.

ج- التحديات المتعلقة باللغة العربية:-

ان اللغة العربية هي لغة القرآن الكريم فهي لذلك اللغة الاسلامية الام, وتظهر التحديات في هذا المجال بتوفير المكان المناسب والمعلم المناسب والوقت المناسب حيث أن يوم الجمعة هو اجمالا يوم دوام رسمي للطلاب والموظفين والعاملين في غير الدول الاسلامية.

ولابد من التأكيد على أهمية تعليم الاطفال اللغة العربية ومبادىء الدين الاسلامي والتي تشكل جزءا أساسيا من الهوية الثقافية, ولا بد في هذه الحالة من الاستعانة بالمساجد والمراكز الاسلامية والمدارس والقاعات من أجل تعليم اللغة العربية والشريعة الاسلامية .

د- التحديات المتعلقة بالعادات الاجتماعية:-

ومن أهم الأمثلة على ذلك:

(1) الاختلاط والحجاب: فالاختلاط بين الرجال والنساء لغير ضرورة ودون أخذ التدابير الاحترازية في اللباس والمجالسة والتخاطب أمر غير جائز شرعا.  كما أن ظهور المرأة المسلمة بلباس محتشم أمر ضروري شرعا... وان وجود العائلات الاسلامية في المجتمعات غير الاسلامية قد يعرضها للاحراج في هذه الحالات ولا بد من وضع الحلول المناسبة  لازالة ذلك الحرج ولا بد من التذكير بمعركة الحجاب في المدارس الفرنسية.

(2) مراسم الدفن : فلئن كان الغربيون عامة والمسيحيون منهم يدفنون موتاهم بألبستهم ضمن صندوق خشبي وضمن حفرة يمكن أن تتشكل فنيا لتستوعب أكثر من ميت, الا أن المسلمين اجراءات أخرى أهمها أن الميت يغسل ويكفن بكفن أبيض ويصلى عليه ويدفن في قبر منفرد دون صندوقه الخشبي الذي يعرف بالتابوت.

(3) الأطعمة والأشربة: ومما يشكو منه المسلمون في سفرهم واقامتهم خارج المجتمعات الاسلامية مسألة الطعام والشراب والذبح الحلال وهي مسألة تسبب حرجا للمسلمين ولا بد من ايجاد المخرج لها لارتباطها بقوانين وأصول مرعية في تلك الاقطار غير الاسلامية.

(4) الزي واللباس : اذا كان اللباس مظهرا شكليا يستر به الانسان جسده ضمن مفاهيم ثقافية ودينية, الا أن اللباس أصبح بعفل تباين الثقافات أحد المظاهر الحضارية للشعوب وبذلك أصبح بالامكان الحديث عن لباس أوروبي واخر صيني وثالث هندي ورابع عربي وسادس افريقي.

والاسلام يوافق على أي من الالبسة التي تتفق مع معطياته الفكرية ومتطلبات في ممارسة العبادة وألوان الحياة التي أراد ان يؤصلها في نفوس أتباعه, ولم يفرض الاسلام نوعا محددا من اللباس الا في الحج, اذ اراد ان يوحد جميع الامم والشعوب في البستهم ويساوي بين الفقراء والاغنياء والحكام والمحكومين في مناسك الحج ومواقفه وذلك ضمن التوجه العالمي للاسلام نحو الوحدة الانسانية لبني البشر كافة بغض النظر عن ألوانهم وأعراقهم وأواطانهم. ([89])

 

اقترحات وحلول حول أولويات العمل الاسلامي :-

حيث أن لكل أقلية اسلامية مشاكلها الخاصة بها وبذلك فانه لا بد من دراسة التحديات التي تواجه كل أقلية من تلك الأقليات من أجل ايجاد الحلول المناسبة لها وضمن هذا الآطار فانني أقترح ما يلي :-

  أ-  تشكيل " لجنة خبراء " تضم علماء القانون والشريعية الاسلامية والاعلام وعلم الاجتماع والاحصاء والأنثروبولوجي... الخ. وأن يكون لهذه اللجنة مقر دائم في احدى العواصم التي تتوسط أماكن تواجد تلك الأقليات وأن ترتبط هذه اللجنة بالمؤتمر الاسلامي العالمي أو بالمؤتمر الاسلامي أو أية هيئة اسلامية مركزية شريطة أن تكون فاعلة ومعترف بها على مستوى العالم الاسلامي .

  ب- أن تقوم هذه اللجنة بتكليف من تراه مناسبا لدراسة أوضاع الأقلية المسملة في مكان اقامتها وتواجدها من أجل الوصول الى حصر التحديات الحقيقية لتلك الاقليات ومن ثم بلورة تلك التحديات والتنسيب بالحلول المناسبة لتلك التحديات .

  ج- ترفع تلك الدراسة للتحديات والحلول المناسبة لها الى " لجنة الخبراء " التي يكون عليها عقد ندوة بحضور الذين قدموا الدراسة ومندوبين أو ممثلين لتلك الأقلية المسلمة المعنية بذلك كي يجري استعراض التحديات والحلول المقترحة وبعد ذلك يصار الى تبني الحلول االتي يوافق عليها المجتمعون في تلك الندوة.

د- ترفع " لجنة الخبراء " التوصيات المنبثقة عن تلك الندوة الى الجهة المعنية بها في هيئات المجلس الاسلامي العالمي أو المؤتمر الاسلامي او اي هيئة مركزية يتفق عليها من أجل العمل على تنفيذها لأن التنفيذ يمكن أن يتطلب ارسال العلماء والمعلمين والخبراء والمهندسين الخ ..والأموال وقد يحتاج الى مساعدة الاقلية بطرق معنوية مثلا يتطلب اتصال هيئة المؤتمر الاسلامي أو حتى الدول الاسلامية بالدول التي تقيم بها تلك الاقلية لرفع الظلم او التحيز عنها في المجالات المختلفة كالسماح باقامة المدارس أو المساجد أو ارتداء الحجاب... الخ.

هـ - تعقد " ندوات دورية " بمعرفة " لجنة الخبراء " يحضرها ممثلون عن الأقليات الاسلامية في العالم من اجل تقوية الروابط بين تلك الأقليات وايجاد جسور تفاهم وتعاون بين المجتمعات والدول التي تقيم بها تلك الأقليات وبين المجتمعات والشعوب الاسلامية من جهة أخرى.

و- اصدار نشرة دورية بلغات عديدة تعنى بأخبار الأقليات الاسلامية في العالم وقضاياها.

ز- العمل على ترجمة كتب اسلامية في مواضيع مختلفة دينية وحضارية، تعبر عن حقيقة الاسلام من ناحية  ومساهمة علمائه في تقدم الحضارة الانسانية في الميادين المختلفة من الناحية الاخرى,  الى لغات مختلفة لتسهيل معرفة الاسلام والحضارة الاسلامية  من قبل تلك الاقليات ولاطلاع مواطني المجتمعات التي تقيم بها الآقليات على فهم الاسلام على حقيقته وليس على الصورة التي تنقل عبر وسائل الاعلام الأخرى.

ح- فتح آبواب الجامعات في الدول الاسلامية لتعليم أبناء الاقليات الاسلامية .

ط- فتح قنوات للاتصال مع :-

(1) هيئات ومؤسسات الأمم المتحدة المختلفة من أجل :

أ- الحصول على مساندتها المعنوية ودعمها المادي لمتطلبات الاقليات الاسلامية.

ب- تقديم الشكاوي حين يكون هناك ظلم واقع على الاقلية المسلمة في احدى المجتمعات او الدول لم تستطيع اللجنة ايجاد الحل الكافي لرفعة عنها.

ج- من أجل التوصل الى صياغة (وثيقة دولية) تحدد حقوق الاقليات وتوجد الوسائل الدولية لحمايتها.

(2) الاتصال مع الدول المختلفة ومؤسساتها الرسمية وغير الرسمية (الشعبية) من اجل تسهيل حياة الاقلية المسلمة في تلك المجتمعات .

(3) الاتصال مع جمعيات حقوق الانسان واي جهة تعنى بذلك من اجل العمل على حماية حريات وحقوق الاقليات المسلمة في انحاء العالم.

 

كما اضيف الاقتراحين المهمين التاليين الى الاقتراحات السابقة:-

1- مطالبة الفاتيكان بالاعتذار للعالم الاسلامي عما الحقتة محاكم التفتيش والحروب الصليبية بالمسلمين من مجازر وصلت الى حد  الابادة والويلات والتشريد لملايين المسلمين والتي توجت بالتهجير الجبرى لملايين المسلمين الاوروبيين واجلائهم عن اوطانهم الاوروبية مثل الاندلس وغيرها بالاضافة الى حرق امهات المكتبات الاسلامية في الاندلس والشرق الاوسط,  والتي كانت تضم مئات الألاف من اهم المخطوطات في الحضارة الاسلامية والحضارة العالمية, مع التركيز على ضمان حق العودة للمسلمين الاوروبيين الذين خرجوا من ديارهم الاوروبية خلال تلك الفترة المأساوية  االمظلمة في تاريخ البشرية,  وذلك اسوة بما فعلة الفاتيكان مع اليهود في السابق,  وهي سابقة يجب ان لا تنحصر باليهود وحدهم بل يجب ان تنسحب على المسلمين من باب اولى، لأن المأساة التي حلت بهم اشمل واعمق مما حل باليهود وفي مثل هذه المأساه الانسانية فانه يجب الابتعاد عن ازدواجية المعايير في المعاملة بين المسلمين واليهود لأن المأساه حلت بالطرفين.

2ـ ان الحاجة اصبحت ملحة لانشاء مكتب قانوني مركزي يعنى بشؤون الاقليات الاسلامية وملاحقة قضاياها وخاصة في اوروبا وامريكا الشمالية والجنوبية واستراليا نظرا لما تلاقيه تلك الأقليات من متاعب وصعوبات . على ان يكون مركزذلك المكتب في احدى تلك الدول وينبثق عن هذا المكتب فروع تنتشر في الدول المذكورة بحيث يقوم كل فرع بمساعدة الأقلية التي يتواجد فيها وملاحقة قضاياها وصيانة حقوقها وتزويد المكتب بالمعلومات عن وضع الاقلية التابعة له,  وعندما يعجز الفرع حل اية قضية فانه يرفعها الى المكتب المركزي ليتولى ملاحقتها لدى الجهات المختصة.

ولا بد لهذا المكتب من ايجاد علاقات قوية مع نقابات المحامين والحقوقيين في تلك الدول التي تضم الاقليات المسلمة بالاضافة الى نقابات المحامين والحقوقيين في  العالم الاسلامي,  ولا بد له من ايجاد علاقات وطيدة مع مؤسسات وجمعيات حقوق الانسان في  انحاء العالم.

 على ان يتولى المكتب اصدار نشرة دورية توضح احوال الأقليات المسلمة  من الناحية القانونية في تلك الدول .

الخلاصة :-

ان أخطر التحديات الحقيقية التي تواجه الأقليات الاسلامية وتهدد مصيرها ووجودها من آساسه تحديان:-

التحدي الأول: ويتمثل بالعمل على قتل تلك الأقليات وحتى ابادتها بالعفل كما يحدث الان في الحرب البشعة التي يشنها الصرب على البوسنة والهرسك في يوغسلافيا القديمة, وكما يحدث في الحرب التي تشنها دولة روسيا الاتحادية على مسلمي الشيشان المدنيين تلك الحرب التي تحرق الأخضر واليابس فتدمر البيوت فوق رؤوس سكانها من الاطفال والنساء والشيوخ العجز.

التحدي الثاني: ويتمثل بالعمل على تدمير هوية الأقليات الاسلامية الدينية والثقافة وتذويب أفراد تلك الأقليات وانهاء وجودها الديني والثقافي ومسحها من الخارطة الثقافية مسحا تاما.

 

قوانين مكافحة الارهاب الى أين؟:-

ان قوانين مكافحة الارهاب اصبحت اليوم الموضة الدولية المعمول بها في هذا العصر,  وهي بنصوصها المرنة الفضفاضة التي تتسع لكل شىء ما عدا العدالة تحولت الى شعار حق يراد به باطل, ففي حين كان بامكان دول العالم الاتفاق على نصوص موحدة لجميع الدول توازن بين الحريات ومكافحة الارهاب بعد الاتفاق على تعريف لاعمال الارهاب,  لا ان يترك الحبل على الغارب لكل دولة تضع القوانين التي تلائم مصالحها , دون التفات الى المجتمع الدولي وحريات وحقوق الافراد والشعوب والدول الاخرى.

لقد نسفت هذه القوانين جميع الضمانات المتعلقة بالحرية والديمقراطية وحقوق الانسان، تلك المكتسبات والحقوق التي كافحت وناضلت شعوب العالم مئات بل آلاف السنين من اجل الحصول عليها .

لقد تلقفت كثير من الدول في انحاء العالم  فكرة قوانين مكافحة الارهاب لوضع التشريع المناسب لها من اجل القضاء على قوى المعارضه الديمقراطية,  حيث اصبحت هذه القوانين  سلاح الحاكم الضعيف الذي يقضي به على اعدائه بايسر الطرق واقصرها.

كما اصبحت هذه القوانين تشكل سيفا مصلتا على رؤوس الافراد فقد استغلت ابشع استغلال  للتنكيل بالناس وخاصة المسلمين منهم وتقرير مصيرهم لا لجريمة اقترفوها ,  ولكن لمجرد تشابه الاسماء او ورود تقرير مشكوك في صحته اوالشك في نواياهم، هذا الشك المجرد اصبح كافيا لايداعهم في غياهب المعتقلات والسجون لمدة غير محددة قد يموتون خلالها او يخلى سبيلهم دون محاكمة لانه لا توجد ادله ضدهم تبرر احالتهم الى المحاكم.

لقد اصبحت هذه القوانين سلاحا فتاكا بيد المتطرفين والعنصريين والمستبدين من الحكام يجهزون به على خصومهم السياسيين وعلى كل من يشكل خطرا على مصالحهم او خططهم للسيطرة والهيمنه على الافراد والشعوب وثرواتها ومقدراتها.

ان هذه القوانين بما انتهت اليه اليوم اصبحت هي الارهاب الحقيقي بعينه الذي يشكل الخطر الداهم على مكتسبات الشعوب في الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان .

لقد اعادت هذه القوانين الحديثة وليدة القرن الحادي والعشرين شعوب العالم الى مجاهل القرون الوسطى المظلمة بل اصبحت تشكل وصمة عار طبعت على جبين هذا العصر: عصر الحضارة والتقدم والعولمة كما يزعمون .

لقد آن لشعوب العالم ان تتحد وان تتصدى لهذه الهجمة الشرسة على مكتسباتها التاريخية,  آن لها تفجر صيحات  الغضب والقهر في وجوه حكام هذا العالم وتناشدهم الابتعاد عن اللعب بنار تلك القوانين انها النار التي تحرق الاخضر واليابس وتقضي على آمال وطموحات الشعوب في التقدم والتحرر وتحقيق الحياة الافضل .

وبناء على ما تقدم فان اولويات العمل الاسلامي الحالية تتطلب ايجاد الوسائل العملية الفعالة والسريعة التي تكفل انقاذ تلك الاقليات من القتل والتدمير وحرب الابادة التي تتعرض لها ومن ثم تمكين تلك لاقليات من تقرير مصيرها طبقا لأحكام القانون الدولي, هذا من ناحية التحدي الأول. وأما من ناحية التحدي الثاني, فانه لا بد من العمل على ايجاد الوسائل الفعالة المناسبة لحماية الهوية الدينية والثقافية لتلك الأقليات االمسلمة التي يبلغ تعدادها حوالي نصف مليار نسمة, أسوة بباقي الآقليات التي تتمتع بالحرية الدينية والثقافية في آنحاء العالم, والا فما هو الهدف من رفع شعار الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان من قبل حماة النظام العالمي الجديد وهيئة الامم المتحدة, تلك الهيئة التي لا تضم ممثلا واحدا عن مسلمي العالم في مقاعد مجلس الامن الدولي الدائمة,  تلك المقاعد التي يقرر الجالسون عليها مصائر الامم والشعوب والاقليات وذلك في غياب الصوت الاسلامي في تلك المقاعد  بالرغم من أن عدد هؤلاء المسلمين يفوق المليار وسبعمائة مليون نسمة في الوقت الحالي, وبالرغم من أن الذين يتعرضون للقتل والابادة وهتك الاعراض والظلم والجوع والمرض في أنحاء العالم هم من المسلمين في الغالب.

فأين هي الديمقراطية وعدالة توزيع تلك المقاعد على المستوى الدولي وأين يصبح مصير النظام العالمي الجديد على ضوء تلك المعطيات التي أبرزت ورسخت وأضفت الشرعية على احداث قاعدة جديدة في التعامل الدولي تسمح بأن يكون العدو والخصم في القضية هو نفس القاضي والحكم في تلك القضية.

 

الخلاصة

للبحث المقدم من المحامي الدكتور محمد ابو حسان بعنوان " حقوق الانسان

 والاقليات بين الاسلام والغرب"

من المعروف  ان الشريعة الاسلامية قد سبقت سواها من النظم القانونية بقرون في تنظيم مركز غير المسلمين المقيمين في دار الاسلام تنظيما يكفل لهم المعاملة بالمثل اذ اعتبرت أن لهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم. ولم يصل أي نظام قانوني في أيةدولة متحضرة للان الى ما وصلت اليه الشريعة الاسلامية من الرقي والسمو في هذا النطاق.

     ويكفي للدلالة على ذلك أن نذكر هنا ما كتبه الامام أبو يوسف للرشيد فقال : وقد ينبغي يا أمير المؤمنين أبرك الله أن تتقدم في الرفق بأهل ذمة نبيك وابن عمك محمد صلى الله عليه وسلم والتفقد لهم حتى لا يظلموا ولا يؤذوا ولا يكلفوا فوق طاقتهم ولا يؤخذ شيء من أموالهم الا بحق يجب عليهم. فقد روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال" من ظلم  معاهدا أو كلفه فوق طاقته فأنا حجيجه" وكان فيما تكلم به عمر بن الخطاب رضي الله عنه عند وفاته "أوصى الخليفة من بعدي بذمة رسول الله صلى الله عيه وسلم أن يوفى لهم بعهدهم وأن يقاتل من ورائهم ولا يكلفوا فوق طاقتهم«.

      ويذكر المستشرق الانجليزي المحقق سير توماس ارنولد في سياق المقارنة بين المسلمين والمسحيين في مجال التسامح الديني " لم نسمع عن أية محاولة مدبرة لارغام الطوائف من غير المسلمين على قبول الاسلام, أو عن أي اضطهاد منظم قصد منه استئصال الدين المسيحي, ولو اختار الخلفاء تنفيذاحدى الخطتين لاكتسحوا المسيحية يتلك السهوله التي أقصى بها فرديناند ferdinand وايزابلا Isabela دين الاسلام أو التي جعل بها لويس الرابع عشر Louis XIV البروتستنتى مذهبا يعاقب عليه متبعوه في فرنسا, أو بتلك السهولة التي ظل بها اليهود مبعدين عن انجلترا مدة خمسين وثلاثمائة سنة. وكانت الكنائس الشرقية في اسيا قد انعزلت انعزالا تاما عن سائر العالم المسيحي الذي لم يوجد في جميع أنحائه أحد يقف في جانبهم باعتبارهم طوائف خارجة عن الدين. ولهذا فان مجرد بقاء هذه الكنائس حتى الان ليحمل في طياته الدليل القوي على ما قامت عليه سياسة الحكومات الاسلامية بوجه عام من تسامح نحوهم". ويضيف هذا المستشرق قوله "ان بقاء الكنيسة المسيحية الوطنية بعد الفتح العربي أكثر من ثمانية قرون, لشاهد على روح التسامح التي استطاعت وحدها أن تجعل مثل هذا البقاء أمرا ممكنا" .

 ولا تستغرب بعد ذلك اذا رأينا أن كثيرا من قادة الفرسان ورجال الدين الصليبيين الذين قدموا لمحاربة المسلمين قد اعتنقوا الاسلام عن طيب خاطر بعدها عرفوا حقيقة تعاليمه واعجبوا بشجاعة قادة المسلمين وتسامحهم وتواضعهم وخاصة السلطان صلاح الدين الايوبي مفضلين الاقامة في بلاد المسلمين بدلا من العودة الى بلادهم الاصلية مع رفاقهم وقد شمل ذلك الحملات الصليبية المختلفة ومنها الحملة الاولى والمرافقين لحملة الملك الانجليزي ريتشارد قلب الاسد والمرافقين لحملة الملك الفرنسي لويس التاسع كما فصل ذلك المستشرق الانجليزي توماس ارنولد في مؤلفه المشهور "الدعوة الى الاسلام"

ومما يجدر ذكره أن المرافقين للملك ريتشارد بعد وفاته وتولي الملك جون مكانه, هم الذين أرغموا الملك جون على توقيع وثيقة الماجناكارتا(العهد الاعظم) عام1215م متأثرين بما شاهدوه من حسن تعامل حكام المسلمين مع مواطنينهم في الاراضي المقدسة, وتعتبر هذا الوثيقة الاصل الذي انبعثت عنه مواثيق حقوق الانسان في الثورات الكبرى الثلاث الانجليزية والامريكية والفرنسية وأخيرا منظمة الامم المتحدة .

  ولا بد من التأكيد هنا أن وثيقة الاعظم(الماجنا كارتا) Magna Charta تعد أول القواعد الدستورية التي قامت عليها النظم السياسية الحديثة, بما تضمنته من قواعد هامة تتعلق بحقوق الانسان وضمان الحرية الشخصية لكل فرد من أفراد الرعية مهما اختلفت طبقته وتباينت درجته في المجتمع, وقد كان لهذه الوثيقة أثرها البعيد في انجلترا وسائر أنحاء أوروبا الاقطاعية. بما كانت تحمله من مؤثرات اسلامية مشبعة بروح الانسانية والعدالة والمساواة والتسامح والتي يؤدي الاخذ بها اللى الاضرار. بمصالح الملوك والباباوات على السواء, ولذلك اعتبرها الملوك من البدع الخطيرة التي تهدد سلطاتهم كما اعتبرها البابا باطلة مخالفة لتعاليم الدين والشرائع اللاهويتة, وأنه لا قيمة لها مهددا الملك جون بالتكفير ان أقرها فاغتاظ الملك من هذا السلوك وشعر خليفة المسلمين بواسطة مندوب من قبله بأنه يريد اعتناق الاسلام تخلصا من وصاية الباباوات المنكرة كما يذكر العالم الغربي ميشلي في مؤلفه"تاريخ فرنسا", ولا بد من التذكير هنا بأن صدور وثيقة العهد الاعظم قد جاء نتيجة لثورة النبلاء على الملك جون حين شعروا بجهله واستبداده بالنسبة لما عرفوه عن سلاطين المسلمين ولهذا فان الملك جون قد منح هذا العهد للنبلاء متعهدا فيه أنه لن يفرض الظرائب دون موافقتهم وأنه ليس من حقه أن يسجن شخصا أو يوقع عليه عقوبة دون أن يبدي أسبابا معقولة تبررها .

ومما تجدر الاشارة اليه ان الحروب الصليبية والعلاقات التجارية مع العرب .. الخ كانت هي السبب الحقيقي للتطورات السياسية التي حصلت في اوروبا الغربية ولو انها لم تتم في فرنسا الا بعد حين ومعاناه نظرا لمعاكسة الكنيسة لها واقامتها العقبات في طريق كل اصلاح وتغيير .

وفي ظل الحكم الاسلامي وازدهار الحضارة الاسلامية في القرنين العاشر والحادي عشر الميلاديين كان اليهود ممثلين في أكثر من 250 حرفة وفي أكثر من 100 وظيفة أخرى, وقد كان وضعهم مختلفا عما كان عليه في اوروبا المسيحية التي لم تسمح لليهود أن يعملوا الا في الوظائف المحتقرة, ومن الناحية الاخرى فان اليهود لم يعرفوا في ظل الحكم الاسلامي الحياة في أحياء معزولة(جيتو) لان بيوت المسلمين والمسيحيين واليهود لم تكن مفصولة عن بعضها البعض عكس ما كانت الحال عليه في اوروبا المسيحية19.

 وعلى صعيد الاعلان العالمي لحقوق الانسان كما أقرته الجمعية العامة للامم المتحدة في العاشر من ديسمبر سنة 1948 في باريس, فقد بدأت الاسباب الموجبة لاصدار هذا الاعلان بالتركيز على ضرورة الاعتراف بالكرامة المتأصلة في جميع أعضاء الاسرة البشرية وبحقوقهم المتساوية الثابتة على اعتبار أن ذلك يشكل أساس الحرية والعدل والسلام في العالم.

ولهذا فقد ربطت المادة الاولى من الاعلان العالمي لحقوق الانسان بين الولادة والحرية والكرامة وأكدت على التميز لدى الانسان عن سائر المخلوقات عندما خصته بامتلاك العقل والضمير. وفي هذا الصدد نجد أن نظرة النموذج الاسلامي الى الانسان هي نظرة الى التكريم الذي وضعه الله فيه أي نظرة الى الجانب الديني بينما النماذج الاخرى تتجه نظرتها الى الجانب الاجتماعي في الانسان, فالتقويم الاسلامي يضفي على الانسان شيئا من القداسة ترفع قيمته فوق كل قيمة تعطيها له النماذج الاخرى, فقد قال تعالى" ولقد كرمنا بني ادم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا" ([90])

وفي خطبة الوداع حيث خاطب الرسول صلى الله عليه وسلم الجماعة بقوله" أيها الناس ان ربكم واحد, وان أباكم واحد, كلكم لادم وادم من تراب, ان أكرمكم عند الله أتقاكم, وليس لعربي على أعجمي ولا أبيض على اسود فضل الا بالتقوى". ان هذه الخطبة يمكن وصفها بأنها أول اعلان عالمي بالمساواة وأول وثيقة لحقوق الانسان في التاريخ.

ان المواطنين غير المسلمين المقيمين اقامة دائمة في الدول الاسلامية يعتبرون من المواطنين الاصليين في هذه الدول ولا يجوز اعتبارهم من الاجانب لان الاجنبي لا يتمتع بنفس الحقوق المدنية والسياسية التي يتمتع بها هؤلاء المواطنون الذين  يحملون جنسية الدولة الاسلامية ولان المبدأ المعمول به مساواتهم مع المسلمين في الحقوق والحريات الشخصية .

 

اعلان حقوق الانسان :-

 ان الامل الذي يتعلق به الانسان في كل مكان هو اعلان حقوق الانسان, بل يعتبره العالم الوثيقة التي كتبت بحروف من نور لتحمى الانسان من مخاطر الظلم والجهل والمرض والحرمان, وتحقق له الآمال التي كان يحلم بها, فقد كان يحلم بحياة سعيدة بعيدة عن الاغلال والعبودية ينال فيها كل حقوقه ويحقق كل رغباته بعد القرون الطويلة الكالحة التي قاسى فيها ألوانا من البغي والظلم والذل والهوان.

هذا الامل الذي يتعلق به الانسان اليوم ليس الا سرابا يحسبه الظمآن ماء حتى اذا جاءه لم يجده شيئا , او على الاقل ليس هو الامل المنشود, اذ يقصر قصورا شديدا عما كان يدور في القلوب والاذهان من اماني عذاب .

ويمكن ان نبين قصور هذا الاعلان بالفقرات التالية:-

1- كل الحقوق التي تضمنها هذا الاعلان , سواء أكانت حقوقا اقتصادية أم اجتماعية أم ثقافية, انما هي حقوق شخصية, بمعنى أن كل فرد يستطيع أن يتخلى عنها أو يتسامح فيها كيف اراد ومتى شاء.

2- هذه الحقوق التي نص عليها هذا الاعلان انما هي توصيات تستدر عطف حكام الدول حتى يتجاوبوا معها ويؤمنوا بها ويقوموا بتنفيذها متى شاءوا, وليست التزامات من المفروض عليهم أن يقوموا بها والا تعرضوا لما يستحقون من جزاء.

3- لقد أغفلت نصوص هذا الاعلان الحقيقة الاولى في هذا الوجود, وهي حقيقة هذا الكون وخالقه, وهذه الحقيقة هي أساس المعارف التي يعتبرها اعلان حقوق الانسان من الحقوق الثقافية للانسان.

4- ان التقدم العلمي الذي يسير دون أسس قويمة ودون ضوابط حكيمة يتضمن خطرا جسميا بل ينذر بهذا الخطر الجسيم, ولم يشر هذا الاعلان الى هذا الخطر  المتوقع, الا ان فقرة جاءت في اعلان طهران الذي اتفق عليه المؤتمر العالمي لحقوق الانسان المنعقد في 21 ابريل 1968 , هذه الفقرة رقم 18 من هذا الاعلان تنص على انه : " اذا كانت الاكتشافات العلمية والتطور في فن الاختراع قد افسحا مجال النظر للتطور الاقتصادي والاجتماعي والثقافي, فانهما مع ذلك يهددان حقوق الانسان وحرياته, ويقتضيان اذن شيئا من اليقظة والانتباه" .

    ومع هذا القصور من الناحية النظرية وهذا التناقض من الناحية الواقعية, فان   حقوق الانسان الذي يكثر التحدث والاعلان عنها لم تجد حتى الان تصنيفا سليما وشاملا لها,ويبدو أن التعبير عن حقوق الانسان على ألسنة الذين ينادون بها انما هو تعبير عن فكر حبيس ما زال اسير قيود الماضى, او عن أمل ضيق لا يتعدى حدود الاقليم أو الجنس.

[1]ـ الحريات العامة وحقوق الانسان، محمد سعيد مجذوب، ص 34-35.

([2]) الفكر السياسي في الاسلام، محمد عزيز نظمي سالم ص 47.

([3]) مبدأ المساواة في الوظيفة العامة، طلعت حرب محفوظ محمد ،ص 15945.

([4]) المساواة بين المسلمين وغير المسلمين، عبد المنعم أحمد بركة، ص 119.

([5]) مصدر سابق، محمد عزيز نظمي سالم،  ص48.

([6])المساواة في الاسلام، محمد بديع شريف، ص 16-17.

([7])الامبراطورية البيزنطية، عبد القادر أحمد يوسف، ص 82-83.

([8])"الضمانات الفردية في الشريعة الاسلامية. الدكتور احمد حمد ص 31.13 كلية الشريعة جامعة قطر".

([9])دراسة مقارنة حول الاعلان العالمي لحقوق الانسان، سعيد محمد أحمد باناجة، ص 40-42.

([10]) ترجمة عز الدين الخطابي وادريس كثير، جرمين تيليون, الحريم وأبناء العم، ص161.

([11])ايطاليا المتدينة، جبهار، ص171, نقلا عن، الخيبةالادبية، أحمد رضا بك،  ص209-211,  رفعت  حسان, الصفحة الاخيرة من غلاف كتاب الاسلام وحقوق النساء ترجمة جهان الجندي.

([12])الحريات وحقوق الانسان، محمد سعيد مجذوب، مصدر سابق, ص38 0  الشخصية الدولية في القانون العام والشريعة الاسلامية، ومحمد كامل ياقوت، ص 195-198.

([13])دراسة مقارنة للعلان العالمي لحقوق الانسان، سعيد محمد أحمد باناجة، ص 42-43.

([14])مبدأ المساواة في الوظيفة العامة، مصدر سابق, ص 159158.

([15]) العدالة الاجتماعية في الاسلام, نور أحمد  ص 16.

([16]) مبدأ المساواة في الوظيفة العامة، مصدر سابق, ص160-161.

([17]) الدعوة الى الاسلام, سيرتوماس آرنولد, (ترجمة حسن ابراهيم حسن وعبد المجيد عابدين واسماعيل النحراوي), ص 98- 99, 144.

([18])الخيبة الادبية للسياسة الغربية في الشرق، أحمد رضا بك ( ترجمة محمد بورقيبة ومحمد الصادق الزمرلي), ص 212.

([19])   المرجع السابق، ص 212.

 ([20]) المرجع السابق, الخيبة الادبية, ص21.

([21])معجم العالم الاسلامي، كلوس كريزر, فارمز ديم, هانس جورج ماير (ترجمة ج. كتورة), ص 137.

([22] )  الاسراء: 7.

([23])حقوق الانسان, أمير موسى  مدخل الى وعي حقوقي, ص23.

([24])مرجع سابق، المساواة بين المسلمين وغير المسلمين، ص 296-297.

([25] )  الحجرات 13.

 ([26] ) النساء 1.

([27] )   المائدة: 8.

([28] )   الممتحنة: 8.

([29] )  الحجرات.

([30] )  الهمزة.

([31])الضمانات الفردية في الشريعة الاسلامية. الدكتور احمد حمد ، ص46:43، كلية الشريعة جامعة قطر0".

([32])الدعوة الى الاسلام، سير توماس, أرنولد ، ص. 108-109،.

([33]) المساواة بين المسلمين وغير المسلمين، عبد المنعم أحمد بركة، مرجع سابق, ص 72. 

       ولمزيد من التفاصيل عن الجزية أنظر: نظام الحكم في الاسلام بأقلام فلاسفة النصارى، عبد المعتال محمد الجبري (ص 133- 138( , حيث يشير الى ما يلي : يقول المؤرخ العربي المسيحي جورجي زيدان " والجزية ليست من محدثات الاسلام, بل هي قديمة من أول عهد التمدن القديم, وقد وضعها يونان أثينا على سكان سواحل آسيا الصغيرى حوالي القرن الخامس قبل الميلاد, مقابل حمايتهم من هجمات الفينيقيين, وفينيقية يومئذ من أعمال الفرس, فهان على سكان تلك السواحل دفع المال مقابل حماية الرؤوس 0 والرومان وضعوا الجزية على الأمم التي أخضعوها, وكانت أكثر كثيرا مما وضعها المسلمون بعدئذ, فان الرومان لما فتحوا غاليا "فرنسا" وضعوا على كل واحد من أهلها جزية يختلف مقدارها ما بين 9 جنيهات و15 جنيها في السنة, أو نحو سبعة أضعاف جزية المسلمين0 وكان الفرس أيضا يجبون الجزية من رعاياهم"0

وكما يقول توماس أرنولد في كتابة "الدعوة الى الاسلام" : " فرضت الجزية على القادرين من الذكور مقابل الخدمة العسكرية التي كانوا يطالبون بأدائها لو كانوا مسلمين, ومن الواضح ان أي جماعة مسيحية كانت تعفى من أداء هذه الضريبة اذا ما دخلت في خدمة الجيش الاسلامي, وكان الحال على هذا النحو مع قبيلة الجراجمة, وهي قبيلة مسيحية كانت تقيم بجوار انطاكية ولا يؤخذ شىء من النساء والصبيان, ولا من أهل العاهات, ولا الرهبان الذين لا يخالطون الناس الا البلاد التي عقدت شروط الجزية عليها باتفاق خاص 000 ولم يكن الغرض من فرض الجزية هذه الضريبة على المسيحيين كما يريدنا بعض الباحثين على الظن, لونا من ألوان العقاب: لامتناعهم عن قبول الاسلام, وانما كانوا يؤدونها مع سائر أهل الذمة- وهم غير المسلمين من رعايا الدولة الذين كانت تحول ديانتهم بينهم وبين الخدمة في الجيش- في مقابل الحماية التي كفلتها لهم سيوف المسلمين "0

ولما قدم أهل الحيرة المال المتفق علية ذكروا صراحة أنهم انما دفعوا هذه الجزية على شريطة " ان يمنعونا وأميرهم البغي من المسلمين وغيرهم " , وكذلك سجل خالد بن الوليد في المعاهدة التي أبرمها مع بعض أهالي المدن المجاورة للحيرة قوله : " فان منعناكم فلنا الجزية والا فلا" 0 ويمكن الحكم على مدى اعتراف المسلمين الصريح بهذا الشرط من تلك الحادثة التي وقعت في حكم الخليفة عمر, لما حشد الامبراطور هرقل جيشا ضخما لصد قوات المسلمين كان لزاما على المسلمين- نتيجة لما حدث – أن يركزوا كل نشاطهم في معركة التي أحدقت بهم, فلما علم أبو عبيدة قائد المسلمين بذلك, كتب الى عمال المدن المفتوحة في الشام- حكامها- يأمرهم بأن يردوا عليهم ما جي من الجزية من هذه المدن0 وكتب الى الناس يقول : " انما  رددنا عليكم أموالكم لأنه بلغنا ما جمع لنا من الجموع0 وأنكم قد اشترطتم علينا أن نمنعكم وانا لن نقدر على ذلك, وقد رددنا عليكم ما أخذ منكم, ونحن لكم على الشرط, وما كتبنا بيننا وبينكم أن نصرنا الله عليهم " وبذلك ردت مبالغ طائلة من مال الدولة0

فدعا المسيحيون بالبركة لرؤساء المسلمين وقالوا : ردكم الله علينا ونصركم عليهم-أي على الروم- فلو كانوا هم لم يردوا علينا شيئا0 وأخذوا كل شىء بقي لنا".

([34])  الحج: 17.

([35])بحث لرضوان السيد منشور على ص 51 وما بعدها من مجلة الندوة, المجلد الحادي عشر –العدد الأول نيسان 2000م.

([36])التاريخ للصفوف السادسة الابتدائية حسب المناهج الدراسية الجديدة, هيلة ابراهام وعبد الكريم الظاهر, ص 147, 222-223.

([37]) المصدر السابق.

([38]) المصدر السابق.

([39])من يحمي المسيحيين العرب, فكتور سحاب,  ص 102-103.

([40])عرض كتاب الثورة الاسلامية في الغرب, للمستشرق أوغاستو أولاغي, وقد نشر جريدة الرأي يوم الاثنين الموافق 13/3/2000م.

([41]) الأندلس الذاهبة, ضياء باشا, الجزء الأول, ترجمة عن التركية, عبد الرحمن أرشيدات, ص 184.

([42])اظهار الاسلام, روجية دوباسكوية, ص. 105.

([43]) القضاء الاداري بين الشريعة والقانون, عبد الحميد الرفاعي، ص101.

([44])الحاكم وأصول الحكم في الاسلام, صبحي سعيد عبده, ص180-183

والقضاء الاداري وقضاء المظالم،أعاد علي حمود القيس، ص. 2

 ورقابة القضاء على المشروعية،حلمي الدقدوقي،  ص.603

     ومبدأ المساواة في الوظيفة العامة، مرجع سابق، ص.95.

([45])الوجيزفي المبادىء العامة للدعوى الادارية واجراءاتها, الدكتور عبد العزيز خليل بديوي, دار الفكر العربي 1970 ".

([46]) النظرية العامة للشريعة الاسلامية, جمال الدين عطية، ص245.

([47])جريدة الدستور الثلاثاء 21/9/2004 من مقال (ورشة ديوان المظالم)/ انيس فوزي قاسم0".

([48]) النظرية العامة للشريعة الاسلامية، جمال الدين عطية,  ص 245.

([49]) مرجع سابق, المساواة بين المسلمين وغير المسلمين، ص 213.

E.J. The World of the Arabs, p.238. ([50])

([51])مرجع سابق، الخيبة الأدبية، أحمد رضا بك, ص 134-135.

([52]) النفس المصدر.

([53])مبدأ المساواة في الوظيفة العامة، تأليف: د. طلعت حرب محفوظ محمد، ص.324-326، الهيئة المصرية العامة للكتاب 1989 ".

([54])لقانون الدولي العام، علي ماهر بك، ص 55. مطبعة الاعتماد بشارع حسن الاكبر بمصر1342-1924 ".

([55])مبدأ المساواة في الوظيفة العامة، د. طلعت حرب محفوظ محمد، ص 326. الهيئة المصرية العامة للكتاب 1989 ".

([56])الثقافة الاسلامية والحياة المعاصرة، جمع ومراجعة وتقديم محمد خلف الله، ص0 243-244 مكتبة النهضة المصرية 1962 ".

([57] )  الحجرات: 13.

([58] )  النساء: 75.

([59]) الثقافة فة الاسلامية والحياة المعاصرة ، جمع ومراجعة وتقديم محمد خلف الله، ص 208:206 مكتبة النهضة المصرية1962"0.

([60]) "معالم الدولة الاسلامية ، الدكتور محمد سلام مدكورـ ص 98"

([61]) معالم الدولة الاسلامية ، الدكتور محمد سلام مدكور,,ص0 106-107 ".

([62])"معالم الدولة الاسلامية، الدكتور محمد سلام مدكور,,ص0 101-102 "0.

([63])" معالم الدولة الاسلامية، الدكتور محمد سلام مدكور,,ص0 104 ".

([64])مبدأ المساواة في الوظيفة العامة،  د. طلعت حرب محفوظ محمد، ص.326-329، الهيئة المصرية العامة للكتاب 1989 ".

([65])لقانون الدولي الخاص في أوروبا وفي مصر، د0 عبد الحميد ابوهيف بك, ص0220-221, مطبعة السعادة بجوار محافظة مصر 1346 هـ/  1927م0.

([66]) لضمانات الفردية في الشريعة الاسلامية ،  الدكتور احمد حمد، كلية الشريعة جامعة قطر0".

([67])لقانون الدولي العام،  علي ماهر بك، ص.26-27، مطبعة الاعتماد بشارع حسن الاكبر بمصر26-27"0.

([68])القانون الدولي الخاص في أوروبا وفي مصر, د0 عبد الحميد ابوهيف بك, ص149 , مطبعة السعادة بجوار محافظة مصر  1346 هـ/  1927م0.

([69])مبدأ المساواة في الوظيفة العامة،: د. طلعت حرب محفوظ محمد، ص.332-333، الهيئة المصرية العامة للكتاب 1989.

([70])الضمانات الفردية في الشريعة الاسلامية، الدكتور احمد حمد ص16,15، كلية الشريعة جامعة قطر0.

([71] )  طه: 119 - 118 .

([72] )   الاسراء: 7.

([73] )   المائدة: 49.

([74] )   النور: 33.

([75] )   المعارج: 25 ـ 24.

([76] )   المائدة: 32.

([77] )   المائدة: 33.

([78] )   الحجرات: 12.

([79] )   الحجرات: 6

([80] )   الانعام: 164

([81] )   النحل: 125

([82] )  يونس: 99.

([83] )   البقرة 256.

([84] )   الانعام: 81.

([85] )  الشعراء: 152 ـ 151.

([86] )  الكهف: 28.

([87] )   البقرة: 124

([88])رقابة القضاء على المشروعية الداخلية لأعمال الضبط الاداري، لواء الدكتور حلمى الدقدوقي, ص. 618:613, دار المطبوعات الجامعية أمام كلية الحقوق-اسكندرية0.

([89] )  "الاقليات الاسلامية في العالم، د. محمد علي ضناوي، ص 42، مؤسسة الريان للطباعة والنشر والتوزيع".

([90] )  الاسراء: 7.