التعامل مع التطرف

التعامل مع التطرف

  

التعامل مع التطرف

 

                                                                     الشيخ مؤيد خضير عباس العامري

                                                                            ( ابو عباس الدجيلي)    العراق  – الدجيل

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم صل على محمد وال محمد وعلى صحبه الاخيار السلام عليكم اخوتي الاحبة ورحمة الله وبركاته 
قال الله تعالى يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وأنثى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ وقال ايضا ((وَإِنَّ هذه أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ)) المؤمنون 52

فالتوجيه القرآني كان دومًا يحث على الاعتدال والتعارف في الآية الاولى نستنتج منها مفاهيم كثيرة كالتعرف على العادات والطبائع والثقافات والافكار والاخلاق والوئام عندها سيتأثر احدنا بالأخر بما هو حسن وتبنى على اساسها العلاقات المشتركة في التصاهر والتقارب والنضوج الفكري بعيدا عن الفئوية ذات النطاق الضيق  ،تعدّ مشكلة التطرف، من أكثر القضايا إثارة للجدل والاهتمام من قبل النخب الفكرية والسياسية بل والمجتمع فنمو الظاهرة وانتقالها إلى أطوار وأشكال جديدة، ربما لم تكن موجودة من قبل، يدعونا إلى قراءة أكثر عمقاً، بعيداً عن التبسيط الذى قد يخل بالتحليل الدقيق لتلك الظاهرة.

وقد عانت الأمة الإسلامية على امتداد تاريخها – كغيرها من الأمم- من ظواهر تطرّف فرديّ وجماعيّ على حدّ سواء.. ويجدر التنبيه إلى ضرورة التفريق بين تنامي ظاهرة التطرف وبين اتساع دائرة الصحوة الإسلامية، والالتزام بالدين وزيادة مظاهر التدين الفطري في المجتمعات العربية والإسلامية. فالبعض يندفع بصورة خاطئة ودون وعي للربط بين الأمرين، الأمر الذي يؤدي إلى استنتاجات خاطئة

فمفهوم مصطلح التطرف لغة مشتق من "الطـَّرَف" أي "الناحية"، أو "منتهى كل شيء". وتطرّف "أتى الطرف"، و"جاوز حد الاعتدال ولم يتوسط". وكلمة "التطرف" تستدعي للخاطر كلمة "الغلوّ" التي تعني تجاوز الحد. وهو من "غلا" "زاد وارتفع وجاوز الحد". ويقال الغلو في الأمر والدين: {{ لا تغلوا في دينكم }}  و"التطرف" مصطلحًا يضاد مصطلح "الوسطية" الذي هو من الوسط "الواقع بين طرفين"،. وهو يحمل في طياته معنى "العدل". وفي القرآن الكريم {{ وكذلك جعلناكم أمة وسطًا}} (آل عمران: 143) أي أمة عدل.

والتوجيه القرآني كان دومًا يحث على الاعتدال، فالله سبحانه لا يكلف نفسًا إلا وسعها. وهو يعلي من شأن اليُسر. والتطرف يرتبط عادة بالانغلاق والتعصب للرأي، ورفض الآخر وكراهيته وازدرائه وتسفيه آرائه وأفكاره. والمتطرف فرداً كان أم جماعة، ينظر إلى المجتمع نظرة سلبية ، فلا يؤمن بتعدد الآراء والأفكار ووجهات النظر، ويرفض الحوار مع الآخر أو التعايش معه ومع أفكاره، ولا يبدي استعداداً لتغيير آرائه وقناعاته، وقد يصل به الأمر إلى تخوين الآخرين وتكفيرهم دينياً أو سياسياً، وربما إباحة دمهم.

ويزداد خطر التطرف حين ينتقل من طور الفكر والاعتقاد والتصور النظري، إلى طور الممارسة والتطرف السلوكي، الذي يعبّر عن نفسه بأشكال مادية من أعمال قتل وتفجيرات وتصفيات واستخدام لوسائل العنف المادي المختلفة لتحقيق بعض الأهداف. وعادة ما يكون التطرف السلوكي والمادي نتيجة وانعكاساً للتشبع بتطرف سابق في الفكر والقناعات والاعتقاد. فالاعتدال التعليمي والإعلامي والحياتي عموماً كان بقيادة الرسول محمد -صلى الله عليه واله وسلم-. وحين تكون القيادة للمذاهب والمصالح والرموز القاصرة فإن التوسط يتحول إلى تطرف آخر يدعو إلى رأي المذهب والشيخ، وينحاز إلى بقاء «الأنا» على حساب الكل. وهنا يتأكد الشر فيما نحن نريد الخير. فهل نحن أمام جُرأة تصحيحية للثقافة المغالية والمتطرفة؟ وهل نعيد تشكيل مناهج التعليم الديني من خلال الحياة الشخصية للنبي الاكرم  بدل أن يضيع الاسلام العظيم بين جدليات الفقه وخلافاته، وكذلك الحال في خطب الجمعة والمدارس والمساجد والجامعات ، وفي الإعلام الديني المتخصص، أو في الإعلام العام، الذي كله لا يعكس أننا نواجه التطرف في مرحلتيه الثقافية والفكرية .

رغم شيوع ربط التطرف بالإسلام لدى أمريكا والغرب  التي هي الدول التي بقيت في منأى عن تلك الصرعات الطائفية التي لا تنتج الا القتل التهجير والتشتيت هي امريكا واسرائيل وهو دليل على انها هي الفاعلة)) على الرغم  إلا أن الإسلام قد حذّر أكثر من غيره من أخطار هذه الظاهرة، وانعكاساتها السلبية على أصحابها وعلى مجتمعاتهم  لكن الفكر الغربي الاستعماري الذي ما استطاع استعمارنا ولا احتلالنا الا من خلال الطائفية، اذن فهو ممن يدعم الطائفية من اجل اخضاع الشعوب والدول الى احتلاله وسيطرته ونفوذه، على الرغم من ان التطرف لا ينحصر فى الجانب الديني فحسب ، فهناك أشكال مختلفة من التطرف السياسي والثقافي والاجتماعي. وإذا كان التطرف الديني في الوقت الراهن هو الأبرز في المجتمعات العربية والإسلامية كما في المجتمعات الغربية،

ان عوامل ظهور هذه الظاهرة في المجتمعات العربية هي نتيجة أربعة عوامل أساسية هي:-الفقر.-الجهل والأميّة.- مناهج التعليم "المتشدّدة" - وجود أنظمة حكم متطرفة تمارس العنف.لكن يظل سلاح القهر اكبر الأسباب التي تولد العنف ذلك أن أغلب الأنظمة الحاكمة العربية قد مارست أشد أنواع القهر والتعذيب في حق إسلاميين من دون هوادة ومرت عهود على الشعب العربي لا مساحة فيه لرأى ولا متنفس فيها لقول ، وقد واكب ذلك الخنوع المذل والاستسلام الكامل لحكام العرب تجاه رغبات أمريكا واسرائيل وتجاهل غليان الشارع العربي وإحساسه الدائم بالتهميش والمذلة ،وفى نفس الوقت جاءت السياسات الدولية والقرارات الأممية منحازة في اتجاه معين وتكيل بمكيالين وكلها تميل ضد المصالح العربية والإسلامية خصوصا قضية العرب الاولى فلسطين

 

 مقترحات للتعامل مع المشكلة

ما لم يتم استيعاب المتغيرات الجديدة التي طرأت على ظاهرة التطرف في المنطقة والعالم، وما لم تتم مواجهتها بكثير من الحكمة والعقلانية، بعد الفهم العميق للظاهرة، فإن من الممكن ارتكاب أخطاء إضافية تؤدي إلى زيادة حجم المشكلة لا الحدّ منها. فلم يعد ممكناً مواجهة ظواهر التطرف والتشدد والإحباط، بذات الوسائل القديمة التي كان البعض يصرّ على اللجوء، إليها وأثبتت التجربة العملية فشلها.

لا بدّ هنا من التوقف عند نقطتين هامتين:

الأولى: عند العمل على معالجة المشكلة ضرورة التمييز بين التعامل مع التطرف في إطاره الفكري الذي يقتصر على الأفكار والقناعات والتوجهات، وبين التطرف الذي انتقل إلى دائرة الممارسة المادية والسلوك العنيف. فالأساليب المجدية في التعامل مع النوع الأول، لا تجدي بالضرورة في التعامل مع النوع الثاني. وما هو ضروري للتعامل مع الشكل الثاني قد لا يكون ضرورياً للتعامل مع الشكل الأول.

الثانية: جرت العادة على مواجهة ظاهرة التطرف بأحد أسلوبين:

1- الأسلوب الأمني البوليسي: وهو المفضل لدى غالبية الأجهزة الرسمية والمؤسسات الأمنية العربية والإسلامية.
2- الأسلوب السياسي والفكري: عن طريق الاستيعاب، وفتح قنوات الحوار، لإقناع من يحمل فكراً متطرفاً بأن أبواب التأثير والإصلاح بالطرق السلمية بعيداً عن العنف وإراقة الدماء، متيسرة أمامه وليست مغلقة.

ولوحظ أن غالبية الدول التي اقتصرت على التعامل بالأسلوب الأول، لم تنجح بعد سنوات طويلة من المواجهة، في الوصول إلى هدفها بإضعاف التوجهات المتطرفة، وكانت النتيجة مؤلمة للطرفين، للسلطة وللمجموعات المتطرفة، وغالباً ما دفع المجتمع الثمن غالياً من دماء أبنائه ومن اقتصاده واستقراره نتيجة هذه المواجهة العقيمة.

وهنا بعض المقترحات لمواجهة المشكلة:

1- إنهاء حالة التفرد السياسي الذي تمارسه كثير من الحكومات والأنظمة، والتوقف عن سياسة القمع وتكميم الأفواه، والتوجه لفتح أبواب الحريات المسؤولة في كافة الجوانب. وإذا كانت بعض الأطراف الخارجية تتحدث عن الإصلاح السياسي كضرورة تخدم مصالحها، فإن مصلحة الأمة وشعوبها، بل وحتى حكوماتها، أن تباشر عملية إصلاح ذاتية حقيقية، وأن تقنع الجميع بأن إمكانية التغيير والإصلاح بالوسائل السلمية متاحة. وان يتم ذلك دون تأخير أو إبطاء .
2- معالجة الاختلالات الاقتصادية والاجتماعية، وتقليص الفجوة الآخذة بالاتساع بين أغلبية مقهورة ومسحوقة في المجتمعات العربية، وبين أقلية متنفذة تسيطر على الثروات والمقدّرات والدخول. لا سيما أن قناعة تسود لدى أوساط شعبية واسعة بأن الفساد واستغلال المناصب والمواقع للإثراء غير المشروع هي التي تقف وراء ما تتمتع به نخبة مهيمنة محدودة من مكتسبات.

3- إعطاء استقلالية حقيقية لمؤسسات التوجيه الديني، والتوقف عن توظيفها كأداة لحشد التأييد لتوجهات السلطة السياسية، كي تكون قادرة على ممارسة دورها بفاعلية في التوعية والتثقف الديني والتصدي لبعض مظاهر الفهم الخاطئ للإسلام.

4- التوقف عن وضع جميع الحركات الإسلامية في كفة واحدة ومناصبتها جميعها العداء بشكل أعمى، ودون وعي أو تمييز، وإدراك أهمية الدور الذي يمكن أن تلعبه الحركات الواعية في مواجهة الفهم الخاطئ.

5- الحذر من دعم مظاهر "التطرف العلماني" في مواجهة "التطرف الديني"، فكلا التطرفين نتائجه خطيرة على المجتمعات العربية والإسلامية، وتنامي الواحد يستفز الآخر ويعمل على تفعيله.

والخلاصة: إن التطرف رد فعل على تطرف آخر. فالعنف لا يولّد إلا عنفاً مضاداً، وسرعان ما يتحول الأمر إلى حلقة مفرغة لا نهاية لها. وما لم تتم معالجة الأسباب التي تشكل أرضاً خصبة لانتشار الأفكار المتشددة في العالم العربي الغربي، فإن أي معالجات أمنية ستكون قاصرة عن مواجهة الظاهرة، بل قد تشكّل سبباً إضافياً لتناميها. ومن الأهمية بمكان أن تدرك كل الأطراف الطور الجديد الذي تمرّ به ظاهرة التطرف في ظل المعطيات القائمة.

ومن هنا فقد باتت الحكومات ملزمة بإدراك أهمية إعطاء الفرصة لحركة مجتمعية تحاصر الفكر المتطرف، وأن تشرك المجتمع في المعركة ضد الإرهاب، فالإرهاب رغم كل مساوئه، إلا إنه عندما يضرب داخل المجتمع ويهدد استقرار الناس وأمنهم فإنه يدفع المجتمع للتكاتف والتلاحم لمجابهة هذا الخطر، ولا بد أن تستفيد الحكومات من هذا القانون الطبيعي ومن إنجاح هذا التحرك عبر فتح مزيد من الأقنية التي تتيح للمجتمع التعبير عن رؤاه وعن رفضه للإرهاب ورفضه لمشروع الفوضى وتدمير الذات، عن التفافه حول ثوابته التي تضمن له الاستقرار والأمان، وبالتالي ينبغي إعطاء هامش أكبر لحركة المجتمع الأهلي فهو صاحب المصلحة القصوى في تطويق دوائر التشدد والقضاء على الفكر المتطرف وعلى تجار الموت. ومن الضروري أن يتزامن مع هذا التحرك الواسع إطلاق حملات إعلامية شاملة وحزمة متكاملة ومترابطة من البرامج والأنشطة والحملات والفعاليات الإعلامية والثقافية التي تتفاعل مع المجتمع وتحوله من متفرج إلى شريك وليتحمل المجتمع شطراً من المسؤولية في الحرب على الإرهاب، من الضروري إشراك الأسرة والمرأة على وجه الخصوص باعتبارها ذات التأثير الأكبر في تشكيل وصياغة العقول الشابة، مثل تلك البرامج القائمة على أسس حديثة ومدروسة سوف تسهم إلى جانب ما تعكف دول المنطقة الآن عليه في مجال التعليم والأمن إضافة إلى الإجراءات لتطوير البنى الاقتصادية والسياسية سوف تسرع في القضاء على الإرهاب وفكر التطرف وإجهاض مشروعه العدمي، وهو ما سيكون كفيلاً بعدم تكرار إزعاج أهالي مدننا الوادعة ونكون مصداق لقول الله تعالى  (اتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا ان الله شديد العقاب))  
عندما يقع الناس في أزمة التطرف والغلو فإنهم يطرحون ثقافة البدائل، من التوسط والاعتدال والتوازن كحل لهذه القضية.

والحق أنها ليست بدائل، بل هي الحقائق المفقودة التي أدى فقدانها إلى ما لا نريد وما لا نفكر فيه. والحق أيضاً أن التطرف قضية كبرى تهدد الإنسان وحضاراته وتحوله إلى وحش قاتل.

ولا يمكن لأصحاب هذا الفكر أن يسمحوا بأي تطور في المعرفة والسلوك، أو في التنمية والحضارة، أو في رؤية المستقبل واستشراف آفاقه. ومن يؤيد هذا الفكر أو يتعاطف مع أصحابه فإنه منهم.

يجب أن يكون هذا الأمر واضحاً ومسلّماً به منذ البداية عند الحديث عن التوازن المفقود في معالجة التطرف والغلو؛ لأننا في بعض الحالات وربما كثيراً ما نُحارب شيئاً، لكننا نؤكد وجوده ونركز الدعاية له من حيث لا ندري ولا نشعر، وهذا ما يحصل لنا في المحاربة والمواجهة للتطرف والغلو. والذي يتكون من خلال مراحل يُنتج بعضها بعضاً فأولها المرحلة الثقافية التي يتم فيها التأسيس للغلو والتطرف من خلال مناهج تعليمية صلبة تكرس العداوة وتحجر الحقيقة وتتحدث عن المختلف بصفته الكفرية الضدية التي يجب القضاء عليها وإتلاف منجزاتها. وكل ذلك في سبيل الله. ومن أجل جلب التعاطف مع هذا الدرس التعليمي يُقدم الممارسون لهذه الثقافة عبر التأريخ بأنهم الأبطال الماجدون. هذه الثقافة التعليمية أياً كان مكانها في تعليم المدارس أو في تعليم المساجد وخطب الجمعة على مدار العام، أو في الفتاوى والأحكام عبر وسائل الإعلام ووسائطه. كل هذه الثقافة تؤسس للمرحلة الثانية، وهي التطرف والغلو الفكري، الذي ينتجه المتطرف نفسه من خلال التفكيك والتركيب لتلك الثقافة التي كانت ترافقه في بيته ومدرسته ومسجده وعبر الأثير في سيارته. هذه المرحلة مع خطورتها لا تقل خطورة عن مرحلة الثقافة الفكرية أو السلوكية المتطرفة، إلا أن اهتمامنا بمواجهة المرحلة الفكرية أكثر، لأنها أصبحت حالة ظاهرة يمكن التعامل معها فكرياً وأمنياً، مع أن المواجهة الفكرية للفكر المتطرف مع بقاء الخطاب الثقافي الداعم له هو حال من فقدان التوازن في المعالجات والحلول والعمل بمبدأ اشداء على الكفار رحماء بينهم .

لذلك نطالب القائمين على هذا المؤتمر بانتقاء النقاط التي تشترك بها كافة المذاهب الاسلامية ووضع لجان متابعة لتطبيق ما قررناه وليكن همنا تمتين الروابط الاسلامية والأخوة لما فيه صلاح الاسلام والمسلمين وقطع الطريق على الدول الإمبريالية لان شعار انتصارهم تفرقتنا وتمزيقنا .

نسأل الله العلي القدير ان يأخذ بأيدي العاملين المخلصين الى بر الامان والحمد لله رب العالمين  وصلى الله على محمد واله اجمعين ..