التجديد الإسلامي بين البدعة والإبداع

التجديد الإسلامي بين البدعة والإبداع

 

 

التجديد الإسلامي بين البدعة والإبداع

 

كريم النوري

باحث وكاتب اسلامي عراقي

 

بسم الله الرحمن الرحيم

تمهيد

الحمدُ لله ربِّ العالمين والصلاة والسلام على نبينا الاَكرم محمّد المصطفى الاَمين وآله الطيبين الطاهرين وأصحابهم المنتجبين.

 

الشريعة الإسلامية الخاتمة كانت تتميز بخصائص ومزايا وسمات جعلتها جديرة بان تكون بحد ذاتها دليلاً على عظمة الإسلام وشموليته وخلوده ومواكبته لكل المتغيرات والتطوارات البشرية التي وضع الإسلام حلولاً لكل مشكلات الحياة وتعقيداتها.

 

ومن لوازم المواكبة والاستمرارية للإسلام هو التجديد ضمن ضوابط وشرائط غير دخيلة او غريبة عن شريعة الإسلام ووحي السماء وصلاحيته لكل زمان ومكان.

 

وقد ارتبط مصطلح (التجديد) بالجانب الفكري إلى حد كبير، بحيث صار ينظر إلى هذه المفردة على إنها تقتصر على هذا الجانب دون سواه. وقد انساق وراء هذا الفهم جمهور من الكتّاب والمفكرين والمثقفين، فقيّموا التجديد على إنه ظاهرة فكرية أولا وأخيراً.

 

ومع قبول هذه النظرة بشكل عام وصدق التبادر من التجديد إلى الجانب الفكري إلا انها تبقى غير مستوعبة لكل مصاديق التجديد ومفرداته فالتجديد لا ينحصر على الحقل الفكري وحده، بل يتعداه إلى المجالات الإجتماعية والإقتصادية والسياسية، باعتباره مشروعاً حضارياً في حياة الأُمّة والمجتمع. ومن هنا يكون الفكر أحد آفاق المشروع التجديدي الحضاري، مع التأكيد على قيمة هذا الحقل وموقعه في الحالة الحضارية بشكل عام، على أساس إنَّ البنية الفكرية هي القاعدة الأساسية في انطلاق المشروع التجديدي، وهي التي تحدد مساراته العامة في الواقع الاجتماعي كما إنها قد ترسم مدياته المستقبلية وقدرته على الامتداد عبر الزّمن.

 

ان فهم التجديد بهذا التبادر الآحادي من الجانب الفكري وحده يسهم في تحجيم وتقليم التجديد كظاهرة حضارية فاعلة في المسار التأريخي للامم والشعوب ويربك حركتها وتطوراتها ويعيق رقيها باتجاه التكامل والتواصل والتفاعل في الحياة.

 

ان التجديد فعل حضاري محرك ومحفز على المواكبة والاستمرار في كافة مجالات ومناحي الحياة ولم يتحدد باطار معين او نمط محدد وان المجتمع الإسلامي بحاجة دائمة للتجديد وهو ما نصطلح عليه أحياناً بالاصلاح فكان ائمة أهل البيت b الرواد الحقيقيون لحركات التجديد الاصلاحية وقدموا ارواحهم في سبيل تحقيق هذا الهدف السامي وهو الاصلاح في الأُمّة.

 

لقد كان أئمة أهل البيت b الرواد المتفردين في إحياء الدّين، وتجديد الواقع الإسلامي العام من خلال أدوارهم المتنوعة حسب طبيعة الظروف الّتي يعيشها كل إمام والّتي تستدعي القيام بدور خاص تتطلبه الأجواء العامة للحياة الإسلامية.

 

وقد أكد الشهيد محمّد باقر الصّدر على هذه الفكرة وقدم تصوراته المبدعة لها في سلسلة من المحاضرات تحت عنوان: (أهل البيت... تنوع أدوار ووحدة هدف).

 

ونختار من أفكاره بعض الفقرات الّتي تبين رأيه في هذا الخصوص يقول رضوان الله عليه:

 

(وحين ندرس الأئمة ككل ونربط بين هذه النشاطات، وبعضها ببعض ونلاحظ إنّ العمليات وضعت على مدى ثلاثة أجيال، نجد أنفسنا أمام تخطيط مترابط يكمل بعضه بعضا، ويستهدف الحفاظ على تواتر النصوص عبر أجيال عديدة حتّى تصبح في مستوى الوضوح والاشتهار، تتحدى كل مؤامرات الإخفاء والتحديد) ([1]).

 

ويؤكد رضوان الله عليه على هذه الحقيقة في فقرة أخرى بقوله: (وفي عقيدتي، إنّ وجود دور مشترك مارسه الأئمة جميعاً، ليس مجرد افتراض نبحث عن مبرراته التاريخية، وإنّما هو ما تفرضه العقيدة نفسها وفكرة الإمامة بالذات، لأنّ الإمامة واحدة في الجميع بمسؤولياتها وشروطها، فيجب أن تنعكس انعكاساً واحداً في شروط الأئمة b وادوارهم مهما اختلفت ادوارها الطارئة بسبب الظروف والملابسات، ويجب أن يشكل الأئمة بمجموعهم وحدة مترابطة الأجزاء، ليواصل كل جزء من تلك الوحدة الدّور للجزء الآخر ويكمله) ([2]).

 

لكن ما تجدر الاشارة إليه في هذا السياق هو ان ثمة ممارسات ارتدت لباس التجديد والاصلاح وتبرقعت بقناع الاحياء والتحرر افرطت بالتجديد على حساب الموروث القديم وايجابياته من اجل ريادة موهومة ومزعومة كانت قد اساءت للعقيدة والدين فأدخلت في الدين ماليس فيه وكانت لا تختلف خطراً عن التحجر وتأطير الإسلام وتحقيبه في زوايا محدودة.

 

ان الافراط في جلد القديم وقبول الجديد بعيدا عن ثوابت الشريعة ووحي السماء اسهم في بلورة افكار دخلية ومفاهيم وافدة ومستوردة كان بعضها يناغم اهواء الناس ويحاول اقلمة الشريعة مع طبائع الناس بلا تهذيب او تشذيب وكان يريد انسنة الإسلام لا اسلمة الإنسان بطريقة استقطابية خاضعة للكم لا للنوع بينما جاء الإسلام لينقذ الإنسان من متاهات الاهواء ومزالق الجهالة لا ان يكرس تلك الجهالة والاهواء مداراة ومجاراة للبشر.

 

وثمة منبهرون بالاطروحات التجديدية المفرطة قد انساقوا بتطرف محموم لقبول الجديد ورفض القديم بكل مقدساته وثوابته وضرورياته ووقعوا في فخ العلمانية واللادينية لعدم تمتعهم برصيد فكري وعلمي يجعلهم قادرين على التمييز بين ما هو ضار وبين ماهو ضروري وقد خدعتهم شعارات الحداثة والتجديد المجردة عن الأصالة والثوابت وفي نفس الوقت كان ممن ابدع في تحريك الفكر الإسلامي وفق رؤية ذات افق رحب بعيدا عن البدعة والانحراف وارسى دعائم التجديد هما الإمام الراحل روح الله الخميني والسيد محمّد باقر الصدر اللذان كانا رائدين في عصرنا الحالي في التجديد وقد انفردا من بين علماء عصرهما بظاهرة مميزة تتمثل بان التجديد لديهما لم ينحصر في بعد معين بل استوعب جميع أبعاده واخذ مستويات عدة.

 

ويبقى التجديد الإسلامي يتجاذبه اتجاهان وتوجهان هما اتجاه الابداع المشروع واتجاه البدعة الممنوع وهذان الاتجاهان يحيطهما خيط رفيع وقد افرط قوم وفرط اخرون بينهما وكان بين هذين من يتهم قوماً بجهالة بالبدعة لانهم اسهموا في اخراج الإسلام من قوالبه المعتمة بعيدا عن الحياة وحكموه نظاماً للحياة ودستوراً للامة واعطوه مكانته اللائقة بين انظمة الحكم واجادوا تحكيمه في نظام إسلامي مواكب لكل متطلبات العصر وشؤون الحكم والدولة ومن اجل ذلك كله ينبغي التمييز بين البدعة والابداع لكي لا نصيب قوما بجهالة فنصبح على ما فعلنا نادمين ومن ثم نثبت التجديد المفروض وتحديد الفكر المرفوض.

التجديد الإسلامي

يعتبر مفهوم التجديد من أكثر المفاهيم التي تنازعتها التيارات الثقافية والفكرية المختلفة، وقد انعكس هذا التنازع على المفهوم ذاته من حيث معناه ودلالاته، وواقعيًا يصل الباحثون لمُسلَّمة هي أن التجديد -على المستوى النظامي والحركي- قد تُخفق أهم جهوده نظرًا لعدم وضوح التأصيل الفكري والمنهجي لعملية التجديد في تأكيد واضح على أهمية الربط بين النظرية والفاعلية في مجال التجديد الحضاري.

 

والتجديد في اللغة العربية من أصل الفعل “تجدد” أي صار جديدًا، جدده أي صيّره جديدًا وكذلك أجدّه واستجده، وكذلك سُمِّي كل شيء لم تأت عليه الأيام جديدًا، ومن خلال هذه المعاني اللغوية يمكن القول: إن التجديد في الأصل معناه اللغوي يبعث في الذهن تصورًا تجتمع فيه ثلاثة معانٍ متصلة:

 

أ : أن الشيء المجدد قد كان في أول الأمر موجودًا وقائمًا وللناس به عهد.

ب : أن هذا الشيء أتت عليه الأيام فأصابه البلى وصار قديمًا.

جـ : أن ذلك الشيء قد أعيد إلى مثل الحالة التي كان عليها قبل أن يبلى ويخلق.

 

ولقد استخدمت كلمة جديد – وليس لفظ التجديد- في القرآن الكريم بمعنى البعث والإحياء والإعادة –غالبًا للخلق-، وكذلك أشارت السنة النبوية لمفهوم التجديد من خلال المعاني السابقة المتصلة: الخلق – الضعف أو الموت-الإعادة والإحياء. ويعتبر حديث التجديد عن أبي هريرة، قال: (قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): إن الله يبعث لهذه الأُمّة على رأس كل مائة سنة من يجدد دينها ـ رواه أبو داود).

 

من أهم الإشارات إلى مفهوم التجديد في السنة النبوية، وقد تعلقت بهذا الحديث مجموعة من الأفكار أهمها:

 

اولا: تجديد الدين: هو في حقيقته تجديد وإحياء وإصلاح لعلاقة المسلمين بالدين والتفاعل مع أصوله والاهتداء بهديه؛ لتحقيق العمارة الحضارية وتجديد حال المسلمين ولا يعني إطلاقا تبديلاً في الدين أو الشرع ذاته.

 

ثانياً: زمن التجديد: اعتبر بعض الباحثين أن الإشارة الواردة في الحديث عن زمن التجديد على رأس كل مائة سنة إنما هي دلالة على حقيقة استمرارية عملية التجديد، وتقارب زمانه بحيث يصبح عملية تواصل وتوريث.

 

ثالثا: المجدِّد: اجتهد العلماء في توصيف وتحديد المجدد على رأس كل مائة سنة، لكن البعض يرى أن المجدد يقصد به الفرد أو الجماعة التي تحمل لواء التجديد في هذا العصر أو ذاك، ويجوز تفرقهم في البلاد، ويعرفهم ابن كثير بأنهم حملة العلم في كل عصر.

 

ويعد التجديد مفهومًا مناقضاً لمفهوم التقليد، ويقصد بالتقليد محاكاة الماضي بكل أشكاله وشكلياته، ولقد أدى التقليد إلى انفصال بين الوحي والعقل، وكأنهما متضادان لا يمكن الجمع بينهما، وبناءً على ذلك فإن عملية التجديد تعتبر ضرورة لإعادة ضبط العلاقة بين الوحي والعقل حتى لا تضطرب الأمور فيصير التجديد نابعًا من الخارج (التقليد الغربي) أو مرتدًا نحو الماضي لمحاولة إعادته (تقديس التراث)، ولكنها تعني أن العقل هدفه تكريم الإنسان وأساس تحمله للأمانة وقاعدة التكليف والالتزام بقواعد الاستخلاف.

 

ويتيح الربط بين فكرة التجديد والخبرة التاريخية الغربية أبعادًا جديدة؛ حيث يعتبر مفهوم التجديد لدى الغرب إفرازاً لصراع حاد بين الكنيسة من جانب وسلطة المعرفة والعلم والعقل من جانب آخر، مما دفع الأخيرة للاتجاه نحو تجاوز كل النظريات الدينية تحت مسمى التجديد.

الفكر الإسلامي بين التقليد والتجديد

 

الإسلام بما هو شريعة ونظام للحياة ومنهج شامل ومستوعب لكل مفردات البشر ومواكب لحركته وتطوره فهو لا يتقولب بقوالب جاهزة او انماط محددة لا تتساير مع افق الإنسان الرحب لأنه لم يأت لحقبة معينة او فترة محددة طرأت على مسار البشر وهذا من متنافيات ومتعارضات الرسالة الخاتمة التي جاءت للعالمين جميعاً ونفي التجديد عن الإسلام انما يقدح بصلاحيته لكل زمان ومكان فالاسلام لا يفترق مع حركة الحياة ويبقى مجرد طقوس ترددها العضلات او كلمات ترددها الشفاه فمن قوام الإسلام مماشاته ومحاكاته ومواكبته لحركة الواقع المتغير المتطور كسنة طبيعية من السنن الكونية وان من مطاعن العلمانيين ضد الدين هو تحديده باطر زمانية ومكانية محددة وهي مطاعن لا تصمد امام حركة الإسلام في الواقع السياسي والاجتماعي وبقية مناحي الحياة التي اثبت بها الإسلام جدارة فائقة في صلاحيته للدخول في معترك الحياة بكل تعقيداتها.

 

وان القاء نظرة متأنية للتاريخ الإسلامي بكل فصوله واخفاقاته ونجاحاته تمنحنا رؤية متبصرة عن اهمية التجديد في حركة الحياة ومواكبته تطور ظروف الحياة ومواصلة الاجيال الاولى من المسلمين التي نهضت بذلك الواجب ووفته حقه ثم خلفت خلوف ركنت إلى السكون والجمود إلا قليلا واورثتنا نمطا من التدين سكوني جامد يفرّط في تسخير الظروف المتجددة لعبادة الله واسلامها لوجهه وتتضاءل بذلك الطبيعة الدينية الحقة في حياتنا شيئا فشيئا إذ تتحرك الحياة بوجوه الفتنة والابتلاء ولا تواكبها وجوه تدين تفي بها وتتصدى لتحدياتها فتغلب علينا العناصر غير الإسلامية في اتجاهات حياتنا وينتهي تديننا إلى بقية من اصول الدين المحدودة المحاصرة فاذا جمدت حركة المسلمين ـ من حيث هم مسلمون ـ جمد اسلامهم وتشكل تاريخ حياتهم بطبيعة غير إسلامية. واذا كان التجديد معنى ملازما للحركة والحركة معنى ملازما للإسلام فان التجديد من ألزم مقتضيات دين الإسلام ولا يمكن ان نتصورالاسلام مجرداً عن الحركة والتطور والتجديد.

 

لكن عصبية التقليد تأبى ان تتفتح لمقتضيات التجديد وتؤدي إلى قلق شديد ازاء كل تعبير جديد فضلا عن المعنى الجديد وكثيرا ما نسمع من هؤلاء نكيرا على كلمات معبرة بحجة أنها غير إسلامي ويعنون أنها لم تؤلف في تراث المسلمين، ويغفلون عن أن امكانات الحياة كلها خلقت لعبادة الله ولو رأينا شيئا منها لدى غيرنا فان واجبنا أن نستولي عليه لنسخره لعبادة الخالق بعد أن كان مستخدما لمعصيته. وكذلك الحكمة هي ضالة المؤمن يأخذها أنى وجدها ويتوسل بها إلى ربه.

 

ولا نحتاج ازاء الأسلوب التعبدي الجديد أو المعنى الحكيم أو التجربة النافعة أو الاداة المادية الصالحة أن نطلب لها شاهدا من التاريخ أو سابقة من السلف. فاللغة الإسلامية هي كل تعبير كان أو حدث موظفا لاغراض التدين والفقه الإسلامي لا يقتصر على حصيلة التفقه الذي بدأ من وفاة الرسول (صلى الله عليه وسلم) إلى القرن الرابع أو القرن السابع الهجري، كأن بقية المسلمين لا حق لهم في الاضافة إلى الوجود الإسلامي، بل هو كتاب لا يتناهى حتى يرث الله الارض، وليس ما سلف منه إلا فقها اسلاميا منسوبا لاهله لهم الفضل في انشائه ولنا الاعتبارية والبناء عليه لنلتمس فضلا لانفسنا بعلاوة نضيفها إليه وهكذا تتعاون قرون المسلمين وتتقدم.

 

على اننا نود التأكيد هنا إلى قضية جديرة بالاهتمام والانتباه وهي ان البعض ربما يفرط في التجديد على حساب التقليد ويهمش الاساسيات ويؤسس الهامشيات وينفرد متباعدا عن كل ما هو قديم موروثي بحجة المواكبة الحضارية ويستقبل الأفكار الوافدة والمستوردة دون تحقيق او تحميص وهذا لا يقل خطراً عن تلك الفئة التي رفضت كل ما هو جديد وابقت المفاهيم في قوالب جامدة جاهزة في حدود وقيود الطقوس والمسجد.

 

والتوازن والوسطية والاعتدال مفردات ينبغي ان تكون حاضرة في سياق هذه الرؤية واي إفراط او تفريط في التعاطي مع التجديد والتقليد سيؤدي إلى نتائج سلبية وتداعيات خطيرة وهذا المسار محفوف بالمآزق والمزالق ومن يتوغل فيه ينبغى عليه التسلح والاحاطة بفكر إسلامي عميق ورصين وعلم ودراية وفقاهة وكفاءة تمنعه من الزلل والزيغ والتساقط.

 

وان ثمة منبهرين بالاطروحات التجديدية المفرطة قد انساقوا بتطرف محموم لقبول الجديد ورفض القديم بكل مقدساته وثوابته وضرورياته ووقعوا في فخ العلمانية واللادينية لعدم تمتعهم برصيد فكري وعلمي يجعلهم قادرين على التمييز بين ما هو ضار وبين ماهو ضروري.

التجديد الابداعي عند الإمام الخميني v من الواضح جداً أن الإمام الخميني المقدس هو من أهم الشخصيات التي عرفها التاريخ الإسلامي قديماً وحديثاً، بل لا نغالي في القول إذ اعتبرنا أنه المجدد للإسلام على أبواب القرن الخامس عشر الهجري من دون منازع.

 

ولاشك في أن صفة المجدد قد اكتسبها الإمام الخميني رضوان الله عليه كنتيجة منطقية للانجازات الكبيرة التي تحققت بقيادته، ومن أهمها وعلى رأسها انجاز تأسيس الجمهورية الإسلامية الأولى في القرن العشرين التي تأخذ من الإسلام عقيدة ودستوراً ونظاماً على كل المستويات.

 

وترافق هذا الانجاز مع تغييرات كثيرة بدأت على مستوى العالم الإسلامي، ومن أبرزها اعادة الاعتبار للإسلام في نفوس أبناء الأُمّة بشكل عام بعد فترة تغرُّب قسرية أوجدت حواجز وفواصل بين المسلمين ودينهم كنتيجة لهزيمة الأُمّة أمام الزحف الاستعماري بصورته القديمة أو الزحف الاستكباري بصورته القائمة حالياً والتي لازالت مستمرة حتى الآن.

 

والانجاز الذي سنتحدث عنه في هذه المقالة هو ما يطابق عنوانها وهو “التجديد الفقهي عند الإمام الخميني”، وهذا الانجاز نرى أنه لا يقل أهمية وتأثيراً عن سائر الانجازات، لأن الإمام في هذا المجال قد أبدع نظريات وآراء غيرت مسيرة الفقه والفقهاء، واعطت للأمة الإسلامية أبعاداً كانت قد أصبحت مغيبة ومنسية تماماً من العقول والقلوب وهي “الأبعاد السياسية للإسلام”. وقد نتجت هذه الأبعاد عن مقولات طرحها الإمام الخميني v في هذا المجال، وخالف فيها الرأي السائد الذي كان حاكماً ومسيطراً ومحركاً للحوزات العلمية وتالياً للأمة الإسلامية.

 

وأول ما نلمسه عند الإمام الخميني v من خطوات في الانجاز الفقهي هو اعادة الاعتبار لمبدأ مهم وأساس كان قد تم تحييده عن الساحة لأسباب تاريخية وعقائدية إلا وهو مبدأ “ولاية الفقيه”، وكذلك الأمر على مستوى الاجتهاد، حيث طور في معناه وأهدافه، وكذلك الحال على مستوى دور الفقه الذي كان مقتصراً إلى زمن الإمام على دائرة الفرد، فانتقل به الإمام إلى الدائرة الأوسع وهي المجتمع، وكذلك الحال بلحاظ العمل على صعيد “وحدة الأُمّة الإسلامية” وطرح قضاياها المركزية متجاوزاً في ذلك كل الحالات المذهبية التي كانت تحبس المسلمين ضمن غرف مغلقة لا يعرف بعضها شيئاً عن الآخر في انفصال تام وحاد. وسوف نتعرض بالتفصيل لكل عنوان من هذه العناوين:

 

أولاً: ولاية الفقيه: مما لا شكّ فيه أن الأحداث المأساوية التي عاناها الأئمة b وأتباعهم، سواء في زمن وجود الأئمة b أو في زمن الغيبة، وكذلك الخيانات التي حصلت من اتباع الأئمة b ، وأبنائهم الذين قادوا الثورات أدت بالفقهاء إلى الافتاء بعدم السعي لإقامة الدولة الإسلامية بحجة أن الناس لن تقوم مع من يحاول تثويرها ضد الحاكم الظالم. وهذا الأمر أدى مع توالي الأجيال من الفقهاء إلى أن صار أسلوباً معتمداً في مسيرة الفقه الشيعي بالتحديد، وأدى هذا بالتالي إلى تغييب مسألة الولاية بعد زمن الأئمة b ، خصوصاً مع انتشار بعض الأحاديث الدالة على أن كل راية ترفع قبل راية الإمام المهدي (عج) فهي ضلال! وقد أدى كل هذا الجو الفقهي الناتج عن أسباب وعناوين ثانوية إلى تغييب الفقه السياسي عموماً عند الشيعة عن مسرح الأحداث، بل وعن بحثه في كتبهم الفقهية بشكل عام، وإلى قعودهم عن السعي نحو اقامة الدولة الإسلامية، وهذا ما اعترف به بعض المجتهدين في زمن الإمام الخميني v بشكل صريح وواضح، وأوضحوا بأن الموكل بإقامة الدولة الإسلامية في العالم، وتقويم الاعوجاج هو الإمام المهدي (عج)، وأننا في زمن غيبته لسنا مكلفين بهذا الأمر.

 

الإمام الخميني v لم ينقهر لهذه المقولة وانطلق من صريح الآيات القرآنية والنصوص الواردة عن المعصومين b بأن اقامة الدولة الإسلامية ليست حكراً على زمن وجود المعصوم A، وإنّما هي وظيفة المسلمين في كل عصر ومكان. ونفض الغبار عن أدلة ولاية الفقيه واعاد لها الاعتبار، واستنبط أن للفقيه ولاية عامة على الأُمّة كما للمعصوم ـ نبياً كان أو إماماً ـ ولاية، وأن اختلفت الرتب والمقامات المعنوية بين الفقيه والمعصوم، إلا أن هذا الفارق الذاتي على مستوى الشخصية لا تأثير له على مقام ولاية وحاكمية الفقيه للأمة كما كان هذا المقام للمعصوم A. ويقول الإمام في هذا المجال:

 

“إن الله أمر بهذا ـ بناء كيان دولة إسلامية ـ ولما كان الأمر شاملاً للأمة الإسلامية كافة.. بأن تطيع تلك الحكومة المعبر عنها بـ(أولو الأمر) فلابد من وجود حكومة لا غير”.

 

وكذلك عندما يتحدث عن سلطة الفقيه وولايته لا يقيدها إلا بإطار تنفيذ أحكام الدين الإسلامي:

 

“حينما نقول ولاية الفقيه لا نقصد أن يكون الفقيه رئيساً أو وزيراً أو قائداً عسكرياً، إنما نقصد بذلك اشرافه التام والنافذ على القوى التشريعية والتنفيذية للبلاد تحت اطار الدين الإسلامي”.

 

وفي كلام واضح جداً يقول الإمام v: “الحكومة تبلور البعد العملي للفقه في التعامل مع جميع المعضلات الاجتماعية والسياسية والعسكرية والثقافية، والفقه هو النظرية الواقعية والكاملة لإرادة الإنسان والمجتمع من المهد إلى اللحد..”.

 

وقد ادت نظرية “ولاية الفقيه” العامة بقيادة الإمام الخميني إلى تحقيق الانجاز الرائع المتمثل بانتصار الثورة الإسلامية المباركة وإقامة الدولة، وأدت هذه النظرية إلى ارساء مفاهيم جديدة على مستوى الحوزات العلمية والأمة معاً، وأعادت كذلك للفكر السياسي في الإسلام اعتباره، وأحيت الآمال بنهضة الأُمّة الإسلامية من جديد، كما نلاحظ هذا الأمر بوضوح اليوم في العديد من البلدان الإسلامية في العالم.

 

ثانياً: الاجتهاد: وقد عرف الاجتهاد عند الشيعة تطوراً كبيراً على مر العصور، لكن هذا الاجتهاد باعتبار أنه قد بحث كل المجالات المرتبطة بحياة المسلمين، فلم يبق سوى بعض الأمور المستحدثة، قد وصل إلى مرحلة لم يعد فيها شيء جديد، وتحول الاجتهاد بذلك إلى ما يشبه التقليد، لأن كل النتائج التي توصل إليها الفقهاء بنحو الغالب لم تعد إلا تكراراً لعمل المجتهدين السابقين، خصوصاً مع اغلاق أبوابه أمام الفقه السياسي لعدم كونه مثار الاهتمام عند الفقهاء عموماً، إلا في حالات نادرة جداً وعلى فترات متباعدة ومنقطعة عن بعضها البعض. ولذا أهمل الكثير من الفقهاء العديد من الأبواب التي لها ارتباط مباشر بواقع المسلمين على المستوى السياسي والقضائي وغير ذلك من الأمور المهمة، بل وصل الأمر إلى أن بعض المجتهدين كان يبتعد عن كل هذه المجالات ولا يقر بها لأنه كان يرى أنها ليست من وظائفه واهتماماته.

 

الإمام الخميني المقدس حارب هذا التوجه بقوة وعمل على أن يتجاوز الاجتهاد حدوده التي وقف عندها ليشمل حركة المسلمين على كل المستويات، حتى التي اهملها المجتهدون الآخرون وأغفلوا النظر عنها، وقال في هذا المجال: “فقالوا عن الإسلام: أن لا علاقة له بتنظيم الحياة والمجتمع، أو تأسيس حكومة من أي نوع، بل هو يعنى فقط بأحكام الحيض والنفاس، وقد تكون فيه أخلاقيات، ولا يملك بعد ذلك من أمر الحياة وتنظيم المجتمع شيئاً”!

 

ولذا يؤكد الإمام v ضرورة أن يعرف المجتهدون مجريات الأمور في عصورهم فيقول:

 

“... وعلى المجتهد أن يلم بقضايا عصره، ولا يمكن للشعب ـ وللشباب وحتى للعوام ـ أن يقبل في مرجعه ومجتهده أن يقول إنني لا أبدي رأياً في القضايا السياسية. ومن خصوصيات المجتهد الجامع معرفة أساليب التعامل مع الحيل والتحريف الموجود في الثقافة الحاكمة على العالم”.

 

ويترقى الإمام أكثر فيعتبر ان ملكة الاجتهاد والقدرة على الاستنباط مسلوبة عند من لا يتصدى للأمور السياسية ولا يعيش هموم العصر ومجرياته فيقول:

 

“من يعيش بعيداً عن أمور العصر وأحداثه، ولا يملك القدرة على اتخاذ القرار في الأمور التي يحتاجها المجتمع، لا يحق له التصدي واعطاء الفتوى في الشؤون السياسية والاجتماعية حتى لو كان الأعلم في العلوم المعروفة في الحوزات، وبسبب عدم معرفته بالموضوعات، فإن فتاواه ليست حجة على الآخرين، بل عليه هو أن يقلد الآخرين فيها”.

 

من هنا يمكن القول ان الإمام كان يرى أن الاجتهاد هو عبارة عن “القدرة التي يقتدر بها المجتهد الجامع على دمج النظرية الإسلامية بالواقع التطبيقي المعاش الموافق لروح العصر بما ينسجم مع الأهداف والأغراض الإلهية للشريعة”، فيعطي مثل هذا الاجتهاد المستوعب للشريعة والمدرك لمجريات العصر الشرعية والإمضاء لما لا يخالف الإسلام، ويصحح ما يمكن تصحيحه إذا كان التطور يحمل خللاً ما، ويبطل ما لا ينسجم مع الإسلام، وبهذا تكون حركة الاجتهاد واستنباطات المجتهدين جزءاً لا يتجزأ من حركة الأُمّة والمجتمعات معاً.

 

ومثل هذا الاجتهاد بنظر الإمام v هو الذي يمكن أن يدفع حركة الأُمّة نحو التقدم ومعالجة كل المسائل والمشكلات التي تطرأ، ومثل هذا الاجتهاد هو الذي يمكن أن يحرك الطاقات وأن يحمل الأُمّة على الابداع في مسيرتها وعملها للوصول إلى الأهداف المرجوة.

 

ثالثاً: فقه المجتمع: من نتائج اقصاء الفقه السياسي عموماً عند الفقهاء الشيعة والفقه المرتبط بحركة المجتمع خصوصاً، أن أدى ذلك إلى انحسار دور علم الفقه واقتصاره على مستوى شؤون الفرد مع ربه ومع محيطه من خلال أحكامه الخاصة به، ولم نجد عند الفقهاء إلا الفقه الذي يحفظ دين الفرد بما هو فرد، وليس بما هو جزء من المجتمع والأمة، وهذا كان مرده إلى أن مقولة “عدم السعي في زمن الغيبة لإقامة الدولة” أدت إلى أن يقتصر الفقه في عملهم على استنباط الأحكام التي تحفظ شخصية الأفراد بما هم كذلك، ولم يرَ الفقهاء أن من واجبهم التصدي للمسائل والأحكام التي تتعلق بحركة المجتمع أو الأُمّة ككل، وهذا ما أدى إلى وجود فراغ كبير استغله القادة غير الإسلاميين وتصدوا لإدارة شؤون الأُمّة انطلاقاً من عقائدهم وخلفياتهم الفكرية البعيدة عن الإسلام شكلاً ومضموناً، وهذا ما أدى إلى ضياع أجيال متعددة، خصوصاً بعد الهجوم الفكري الغربي عموماً الذي رافق المراحل الاستعمارية والاستكبارية.

 

أما الإمام الخميني المقدس الذي اعتبر أن الفقه المرتبط بحركة الأُمّة والمجتمع لا يقل أهمية عن فقه الفرد، إن لم يكن هو الأهم بنظره لأنه يحفظ شخصية الأُمّة وهويتها وسلامة توجهاتها ومسارها، وهذا له أولوية في حفظ شؤون الفرد كفرد، لأن حفظ الفرد بشخصه قد لا يؤدي إلى حفظ الأُمّة، بينما لو كانت شخصية الأُمّة محفوظة، فإن شخصية الفرد ستكون محفوظة أيضاً، لأن الأُمّة يمكن ان تصون شخصية الفرد والعكس هنا ليس بصحيح غالباً.

 

من هنا، تصدى الإمام لفقه المجتمع في كل المجالات التي كان الفقهاء قد أغفلوها سابقاً كما في قضايا الحرب والسلم والشؤون السياسية والاقتصادية والإعلامية والثقافية، ووقف في وجه محاولات جر الأُمّة إلى مواقع غير مواقعها، ولفت أنظار الأُمّة إلى الأخطار التي تعيشها، وإلى الانزلاقات التي يراد لها أن تقع فيها، واستطاع من خلال فقه المجتمع أن يعيد للأمة شخصيتها المفقودة وهويتها الضائعة، فانطلقت نحو اعادة الاعتبار لوزنها وحجمها وتأثيرها في العالم المعاصر.

 

وبالجملة يمكن القول إن الإنجاز الفقهي عند الإمام الخميني المقدس تمثل أساساً بإعادة الإسلام ككل إلى مسرح الأحداث في العالم، وخصوصاً في مجال الفقه السياسي بالعموم، وأعاد الاعتبار لفقه الدولة والمجتمع، وأخرج الاجتهاد من الدائرة الضيقة التي سجنه فيها الفقهاء حتى عصره.

 

ولذلك كله، يمكننا أن نعتبر أن زمن الإمام الخميني v هو الفصل بين مرحلتين: مرحلة سابقة كان الفقه فيها يعاني من حالة الجمود والوقوف عند حد معين لا يتجاوزه، ومرحلة لاحقة نعيشها حالياً اتسع فيها نطاق الاجتهاد ليشمل كل مجالات حياة المسلمين.

 

وهذا النوع من الفقه هو الذي أدى إلى تحريك الأُمّة نحو أهداف وغايات ومقاصد كانت قد انزوت بعيداً عن ساحة الاهتمام من جانب المسلمين، والأمل الأكبر الآن معقود على هذا النوع المتجدد من الفقه القادر، في حال بقيت الأُمّة ملتزمة به ومنطلقة منه، أن يصل بها ولو بعد زمن إلى الأهداف التي يتمناها كل مسلم على وجه الأرض، والتي يجمعها عنوان واحد كبير (الحكومة الإسلامية) التي تتخذ من القرآن دستوراً ونظام حياة.

 

أركان التجديد في فكر الشهيد الصدر

السيد محمّد باقر الصدر يعتبر من العلماء المجتهدين المجددين في هذا العصر وكان يمتلك أفقا رحبا في الرؤية الاجتهادية التجديدية والتجديد عنده بناءٌ يرتكز على أربعة أركان، وتلك الأركان الأربعة هي اللغة والاسلوب والمنهاج والفكر، لذا نجد السيّد الشهيد v قد انفرد من بين علماء عصره بظاهرة مميزة تتمثل بان التجديد لديه لم ينحصر في بعد معين بل استوعب جميع أبعاده وثبت جميع أركانه فتراه مجدداً في اللغة كما هو مجدد في المنهاج وتراه أيضاً مجدداً في الأسلوب بنفس الدّرجة الّتي جدد بها في الفكر. ونحاول الاشارة إلى كل ركن من هذه الأركان التي تميز بها الصدر.

التجديد في اللغة

لا شكّ إنَّ أهمية التجديد في اللغة تكمن في كون اللغة هي المرآة الّتي يطل بواسطتها العقل على أسرار المعنى ولذا نجد أن الله سبحانه وتعالى تفضّلَ بهذه الموهبة العظيمة على أنبيائه b فكانوا يكلمون النَّاس على قدر عقولهم حيث روي عن رسول الله o (نحن معاشر الأنبياء كلفنا أن نكلمَّ النَّاس على قدر عقولهم) والّذي يطالع كتب السيّد الشهيد v سيجد انه قد حاز على هذه الموهبة الفريدة متمثلة بمخاطبته لكل طبقة من القراء بلغة تتناسب مع مستوياتهم ولذا تراه جعل للّغة مستويات متفاوتة، وما أن تلقي بنظرة متفحصة على مستويات اللغة الّتي كتب بها v حتّى نجد ان للسيّد الشهيد v أربعة أنواع من اللغات من حيث الترتيب الطّولي اذكرها لكم على التوالي:

 

1 - اللغة الحديثة المبسطة:

وهي اللغة الّتي يعرض بها المعنى متجسدة بصور واقعية وتطبيقات نابعة من حياتنا المعاصرة فهي لغة تستمد ينابيعها من العرف المتطور متميزةً بعرض بسيط وصفه السيّد الشهيد v بأنه يبدأ من الصّفر متجاوزاً التعمق في الطّرح وهذا ما نجده جلياً في رسالته العملية المسماة بالفتاوي الواضحة فقال رحمه الله واصفاً رسالته العملية:

 

(وتلتزم بلغة مبسطة حديثة وتبدأ في العرض من الصّفر وتحاول أن تعرض الاحكام من خلال صورة حيّة وتطبيقات منتزعة من واقع الحياة وتتجه إلى بيان الحكم الشّرعي لما يستجد من وقائع) ([3]).

 

2 - لغة المثقفين:

وهي لغة تخلو من الاثارات المعقدة والتوغل في أعماق الدّليل مكتفية بتوازن في الطّرح وتعمق نسبي موجز ومنهج علمي في الاستدلال، حيث قال v في مقدمة بحثه حول أصول الدِّين:

 

(وكنت في نفس الوقت احفظ للقارئ الأكثر تعمقاً حقّه في الاستيعاب فأوجز بعض النقاط المعمقة... وفي نفس الوقت مكنّا القارئ الاقل درجة أن يجد في أجزاء هذه المقدمة زاداً فكرياً مفهوماً واستدلالا مقنعاً) ([4]).

 

وأمّا تسميتها بلغة المثقفين فهو نابع من تصنيف السيّد الشهيد v حيث قال:

(غير اني حاولت أن أكون واضحاً فيما أكتب على مستوى المثقف الاعتيادي) ([5]).

 

3 - اللغة الدّراسية

وهي اللغة الّتي تعتمد على التوضيح محافظة في نفس الوقت على المضمون معتمدة في طريقة عرضها على الطّريقة المنهجية الحديثة المتبعة في المناهج الدّراسية مطعمةً بالمصطلحات ولغة الرّياضة مما يوسع آفاق ذهن الطّالب وينمي قدرته العقلية، وقد كتب رحمه الله بهذه اللغة الحلقات الثلاث في علم الأُصول وبحوثه الفقهية في شرح العروة الوثقى فقال v في مقدمته:

 

(إنَّ الكتاب يمثل ممارسةً تدريسية قد خضعت لنفس الاعراف المتبعة في مجال التدريس السّائد من ناحية المنهج ولغة البحث والتوسع في الشّرح والتوضيح واتجهت إلى تعميق المحتوى والمضمون) ([6]).

كما ذكر في مقدمته للحلقات الثلاث في علم الأُصول حيث قال: (وأمّا في الحلقتين الثانية والثالثة فقد حرصنا أن تكون العبارة سليمة ووافية بالمعنى ولكن لم نحاول جعلها حديثة) ([7]).

 

وبقوله لم نحاول جعلها حديثة تمييزاً للغة الدّراسية عن اللغة المبسطة الحديثة الّتي ذكرناها سلفا ولكن هذا لا يعني ان اللغة الدّراسية لم تعتمد في المنهج مناهج الكتب الدّراسية الحديثة لذا تراه v يؤكد هذا المعنى وذلك بقوله: (وبهذا تختلف الحلقات الثلاث عن الكتب الدّراسية الاصولية القائمة فعلا وتتفق مع مناهج الكتب الدّراسية الحديثة) ([8]).

 

4 - لغة التأليف

وهي اللغة الّتي لم تكتب لغرض التدريس بل لغرض أن يعبر المؤلف عن أعمق وأرسخ ما وصل إليه من نظريات وأفكار وتحقيقات وهذا ما أكدها في مقدمة بحوثه في شرح العروة الوثقى حيث قال: (إنَّ عبارة الكتاب لم تعد لغرض التدريس لذا فان هذه اللغة تتميز باختزال الالفاظ مع التوغل في أعماق المعنى فتجدها متميزةً بعبارات مضغوطة ومعان مركبة وغير بسيطة مع تعمق بدرجة كبيرة في الاستدلال).

 

وهذا ما تجده في كتابه الاسس المنطقية للاستقراء لذا تراه يذكر ذلك في مقدمته لبحثه الموجز في أصول الدِّين حيث يقول: (وكنت في نفس الوقت أحفظ للقارئ الأكثر تعمقاً حقّه في الاستيعاب فأوجز بعض النقاط المعمقة واحيله بعد ذلك في التوسع على كتبنا الأخرى كالاسس المنطقية للاستقراء) ([9]).

 

وبمراجعة مقدمة كتابه (بحوث في شرح العروة الوثقى) نستنتج إنَّ لغة التأليف عنده تتميز بالاختزال والتركيز في اللفظ وسبك ألفاظها بتراكيب لفظية مضغوطة مستوعبة أقصى ما يمكن من المعنى بأقل كم لفظي.

 

5- التجديد في الأسلوب

ذكر القرآن الكريم للاسلوب ثلاثة أنواع حيث قال تعالى: (ادع إلى سبيل ربّك بالحكمةِ والموعظة الحسنة وجادلهم بالّتي هي أحسن)، فالحكمة تعبر عن الأسلوب العلمي، والموعظة الحسنة أفضل أسلوب يعبر عنها هو الأسلوب الأدبي والجدال لا تتأتى ثماره غالباً إلا باعتماد الأسلوب الخطابي ولعل علماء البلاغة أخذوا هذا التقسيم من القرآن الكريم.

 

قد يبدو ولأوّل وهلة ان الأسلوب والمنهاج لفظان لمعنىً واحد ولكن بالتحقيق نجد إنَّ الأسلوب يختلف عن المنهاج لغةً واصطلاحاً، فالاسلوب لغةً هو الطّريقة بينما المنهاج معناه اللغوي هو الطّريق البين وبعبارة أوضح المنهاج لغةً هو الطريقة الواضحة لذا فان المنهاج اخص من الأسلوب لغة وقد خصّ القرآن الكريم المنهاج بالذكر فجعل لكل نبي شرعة ومنهاجا فقال تعالى: (لكل جعلنا شرعةً ومنهاجا)، وأمّا الأسلوب إصطلاحاً فنستطيع تعريفه، بأنه الطّريقة الّتي تعرض بها الأفكار والمقاصد ولذا نجد إنّ الأسلوب ينقسم إلى ثلاثة أنواع: الأسلوب الخطابي والاسلوب الادبي والاسلوب العلمي، وأمّا المنهاج اصطلاحاً فمن الممكن أن نعرّفه بأنه طريقة الاستدلال الّتي ترتكز على الاسس الّتي يقوم عليها الاستدلال وعلى الصّيغة الفنية الّتي تحدد طبيعة إخراجه لما يناسب الموضوع كاعتماد صيغة التمهيد والتدرج في الاستدلال وسواءٌ كان فلسفياً أو علمياً أو رياضياً أو اعتماد الاستقراء كأساس يبني عليه الاستدلال كما هو الحال في المنهاج العلمي القائم على حساب الاحتمالات الّذي يتخذ من الاستقراء أساساً في طريقته الاستدلالية.

 

وبعد هذه المقدمة الّتي ميزنا فيها بين الأسلوب والمنهاج نعود لنبين التجديد في الأسلوب عند السيّد الشهيد v فنقول:

 

أن التجديد في الأسلوب يتميز عنده بالنقاط التالية:

1 - الشّمولية، فهو يكتب بأسلوب يخاطب به العقل الإنساني بجميع طبقاته فتجد المؤمن وغير المؤمن يتزود من زاد أفكاره لأنه لا يعتمد في طريقة عرض أفكاره على نوع واحد من الأدلة بل ترى سيل أفكاره تتفجر فيه ألوان مختلفة من الاستدلالات كالأدلة العلمية والعقلية والمنطقية والفلسفية إضافة إلى الأدلة النقلية الّتي مصدرها الكتاب والسّنة ومثال ذلك كتاب (بحثٌ حول المهدي) فتراه عندما يتطرق إلى مسألة طول عمر الإمام (عليه أفضل الصّلاة والسّلام) لم يكتف بالاستدلال على ذلك من الكتاب العزيز والسّنة الشّريفة بل يستدل على ذلك بأدلة منطقية وعلمية وعقلية فيستجيب له حتّى من لم يؤمن بعقيدة إلـهية ويجعل من مسألة طول العمر أمر ممكن منطقياً وعقلياً وعلمياً بل يثبت بدليله الاستقرائي لتاريخ الإنسانية أنَّ قضية المهدي (عج) وبناء دولة العدل إنما هي استجابة نابعة من نداء الفطرة الإنسانية لا تختص بدين معيّن فيقول:

 

(ليس المهدي تجسيداً لعقيدة إسلامية ذات طابع ديني فحسب بل هو عنوان لطموح اتجهت إليه البشرية بمختلف أديانها ومذاهبها وصياغةً لإلهام فطري) ([10]).

 

ونجد كذلك الشّمولية في الأسلوب (أي في عرض الأفكار) جليةً في رسالته العملية والمسماة (الفتاوى الواضحة) فلم يكتف بجعلها رسالة حاوية على جميع المسائل الفقهية بل ضمنها مقدمة موجزة في أصول الدِّين أثبت فيها وجود الله سبحانه وتعالى ونبوّة نبيّنا محمّد o بمنهاج علمي قائم على الاستقراء وبتطبيق نظرية الاحتمالات ففتح باباً حتّى لغير المؤمن الموحد للاستفادة من العلمية في رسالته العملية فلم تكن أفكاراً مرتبة ومبوبة بصورة خاصة للمقلدين، ولم يكتفِ بتلك المقدمة بل أدرج بحثاً في نهاية رسالته العملية أعطى للعبادة بعداً شمولياً ومعمقاً، فلم يكتفِ بالتعامل مع العبادات بأنها مجموعة أفعال وتروك يشترط فيها النية كما تعرف عادةً في الرّسائل العملية بل أثبت ان العبادة حاجة إنسانية ثابتة يتفجر من فيضها الشّعوربالمسؤولية والقصد في الموضوعية وتجاوز الذّات.

 

لذا نجد ان السيّد الشهيد v في اسلوبه لعرض أي فكر معيّن يحاول يستوعب جميع أبعاده الّتي تتعلق بحياة الإنسان في هذه الأرض وهذا تفسير للشمولية ببعدها الافقي. والشّمولية الّتي ذكرتها سابقاً في الأسلوب تختلف بمخاطبة العقل الإنساني بجميع طبقاته نستطيع أن نسميها الشّمولية ببعدها العمودي. فالشمولية في الأسلوب تمثلت عند الشهيد v ببعديها الافقي والعمودي.

 

2 - تراه v يناقش كل علم بأدواته مستوحياً أمثلته من وقائع الحياة العصرية فكم من أديب طوقته موهبته الأدبية فأخفى نور الحقيقة العلمية بألفاظ مجنحة مما يجعل لون تلك الحقيقة باهتاً بفعل هالة إشعاع التصوير الأدبي المكثف في موقف يستلزم عليه استخدام أدوات البحث العلمي ومناهجه لابراز الحقيقة، بينما ترى السيّد الشهيد v يكيف الأسلوب ويطوعه وفقاً لما تقتضيه طبيعة الموضوع، وقد تجلّى ذلك بوضوح في مناقشته لقضية فدك فتجده يصف باسلوب أدبي رقيق ذكريات الزّهراء h مع أبيها o فيقول:

 

(ارتفعت الزّهراء بأجنحة من خيالها المطهر إلى آفاق حياتها الماضية ودنيا أبيها العظيم متألقةً بالنور تمد الزّهراء في كل حين بألوان من الشّعور والعاطفة والتوجيه وتشيع في نفسها ضروباً من البهجة والنعيم فهي وإنْ كانت قد تأخرت عن أبيها في حساب الزّمن أياماً أو شهورا ولكنها لم تنفصل عنه في حساب الرّوح والذّكرى لحظة واحدة).

 

وبعد هذا الوصف الادبي الرّقيق والتصوير الفني الجذاب تراه يتخلى عن كل ذلك عندما يصل إلى موقف الخليفة الأول من الزّهراء h الّذي يتجلى بناحيتين الأولى تتمثل بموقفه من ميراثها ـ h ـ والناحية الثانية تتمثل بموقفه من ادعاء الصّديقة على كون فدك غلةٌ من أبيها رسول الله o فيتبع إسلوباً علمياً تحليلياً صرفاً لابراز الحقيقة في موقف يصعب فيه السّيطرة على العواطف الجياشة والّتي لا تجد سبيلا لها وأسلوباً يفجر ينابيعها ويوقد لهيبها إلا الأسلوب الأدبي ولكنَّ الخبير يعلم ان ذلك يؤدي إلى أن تجرف العاطفة بسيلها قارب الحقّ وتطفئ بنارها نور الحقيقة فترى السيّد الشهيد v يترفع عن ذلك ويقول:

(إذا أردنا أن نرتفع بمستوى دراستنا إلى مصاف الدّراسات الدّقيقة فلابدّ أنْ نأخذ أنفسنا بمناهج البحث العلمي...).

 

وهكذا تراه v يطوّع الأسلوب والكلمة وفقاً لما يتناغم مع طبيعة الموضوع ومتطلبات الموقف معتمداً على اسلوب علمي يرتكز على المناهج العلمية الحديثة في البحث.

 

وتلمس التجديد في إسلوبه وتطويعه وتكييفه لطريقة عرض أفكاره وفتاواه أيضاً في رسالته العملية حيث يعتمد أسلوباً مبسطاً عصرياً في كتابته مكسراً فيه طوقاً قديماً متمثلا بمصطلحات فقهية وأصولية اعتادت صفحات الرّسائل العملية على احتضانها بين سطورها إضافة إلى ادراجه أمثلة عصرية حيّة نابعة من واقع حياتنا المعاصرة هاجراً أمثلةً قديمة مازالت الرّسائل العملية تعتمدها كمثال توضيحي، كمثال المكاري وغيره.

 

ومن ثمرات التجديد في الأسلوب بتكييفه باتجاه القواعد الّتي يرسى عليها موضوع العلم انه أنقذ علم الأُصول من بحوث الجامد والمشتق والّتي تخرجه عن دوره المتمثل بكونه علماً آلياً لا يقصد بذاته وفي مقابل ذلك اتبع أسلوب ذكر الثمرات العملية لبحوث قد تبدو لأول وهلة إنها لا تدخل في صلب موضوع علم الأُصول كقاعدة استحالة التكليف بغير المقدور وغيرها.

 

3 - من ملامح التجديد في الأسلوب هي استخدامه v الأسلوب الأدبي لتذويب بعض النظريات الفلسفية الّتي لا تخلو من إبهام في الألفاظ وتعقيد في المعنى ووعورة في الاستدلال فكم من فيلسوف كبلت موهبته الفلسفية آفاق فكره فتجده بوعورة أسلوبه يفقد الاستدلال بريق بساطته ووضوحه بينما ترى السيد الشهيد v يذوب تلك النظريات بأمثلة محسوسة فيلبس المعقول الفلسفي لباساً حسياً يدرك القارئ بواسطته أسرار تلك النظرية فتتضح معالمها في ذهنه بصورة جلية ومثال ذلك في شرحه لنظرية الامكان الوجودي للفيلسوف الإسلامي الشّهير (صدر الدّين الشّيرازي) الّذي حلل فيها مبدأ العلية، فقد صهر السيّد الشهيد v تحليل مبدأ العلية في أمثلة محسوسة وضّح فيها نوعاً من الارتباط يختلف عن الارتباط القائم بين العلة والمعلول فضرب مثلا في ارتباط الرّسام باللوحة الّتي يرسم عليها ومثالا ثان بارتباط القلم بالكاتب ومثالا ثالثاً بارتباط المطالع بالكتاب الّذي يقرأه وكل هذه الأمثلة إنما تعبر عن ارتباط بين شيئين يأتي الارتباط برتبة متأخرة عن وجودهما ممّا جعل حداً فاصلا بين حقيقة الشّيئين المترابطين وبين الترابط نفسه وبهذا التصوير والتمثيل الّذي قدمه السيّد الشهيد v أصبح الترابط القائم بين العلة والمعلول يمثل حالة استثنائية ونوعاً خاصاً من الترابط لأن وجود المعلول لا يمكن أن يتقدم على الترابط القائم بين العلة والمعلول بل وجوده متعلق بذلك الترابط فلا يكون المعلول له وجود مستقل عن الارتباط كوجود اللوحة والرّسام ومن هذا المثال يفهم إنّ المعلول وجوده وجودٌ تعلقي وليس استقلالي فتتجلى حقيقة المعلول بكونها ارتباط بالعلة وتعلق بها فلا يوجد للمعلول حقيقة ووجود خارج عن الارتباط والتعلق.

 

ومن تلك الأمثلة المحسوسة وهذا التحليل بيَّنَ السيّد الشهيد إنّ كلّ حقيقة خارجية لم تكن ارتباطية تعلقية فهي تخضع لمبدأ العلية كما هو الحال في ارتباط اللوحة بالرسام وارتباط الكتاب بالقارئ ولذا فان الحقائق الخارجية الّتي تحتاج إلى علة في وجودها نوع خاص فقط وهي الّتي تكون حقيقتها عين التعلق والارتباط وبهذا تسقط مقولة الماركسية بان كلّ موجود لابدّ له من علّة، والصّحيح هو ان كلَّ معلول لابدَّ لهُ من علة.

التجديد في المنهاج

يتميز التجديد في منهاج السيّد الشهيد v بما يلي:

1 - التمهيد والتدرج والترقي فالتمهيد تراه منهجاً معتمداً في مؤلفاته فقد ذكر في مقدمة كتاب فلسفتنا ما يلي: (وهدفنا الأساسي من هذا البحث هو تحديد منهج الكتاب في المسألة الثانية... ولهذا كانت المسألة الأولى في الحقيقة بحثاً تمهيدياً للمسألة الثانية).

 

وحينما أراد مناقشة نظرية المادية التاريخية جعل التمهيد النقطة الأولى في منهج بحثه.

 

وأمّا التدرج في المنهج فهو على ثلاثة أنواع هي:

 

أ - التدرج في الكم: وهو عبارة عن التفاوت في مقدار الأفكار المعطاة.

ب - التدرج في الكيف: هو عبارة عن التفاوت أو الاختلاف في درجات عمق الفكرة المطروحة.

ج - التدرج في العرض: هو عبارة عن ملاحظة في درجات عرض الفكرة كالانتقال من البسيط إلى المعقد الّذي يقتضي التدرج في العرض لا الانتقال المفاجئ ([11]).

 

والأنواع الثلاثة من التدرج تجدها واضحة في دروسه في علم الأُصول، بل في أغلب كتبه، وهنالك نوعٌ رابع للتدرج ذكره السيّد الشهيد v في بحث موجز أصول الدِّين نستطيع أنْ نسميه بالتدرج في الاستدلال، حيث قال: (غير ان الاستدلال له درجات أيضاً) ولذا تجد لديه نوعين من الاستدلال العلمي القائم على الاستقراء وغيره.

 

2 - من الميزات الفريدة في منهجه التجديدي هو استخدام العلوم العصرية كأدوات يثبت بها حقيقة فلسفية تارة وغيبية تارة أخرى، ومثال ذلك ما استدل به من النظريات الفيزيائية الّتي أثبتت أنّ المادة بعناصرها ومركباتها وبصفتها المادية إنما هي متغيرة لذا فان العرضي والمتغير لا يمكن أن يكون العلة الفاعلية العليا لهذا العالم، وأمّا التغيير في العناصر فخير مثال ذكره v هو عنصر اليورانيوم فيقول:

 

(كما ان عنصر اليورانيوم بعد أن شع ألفا وبيتا وجاما يتحول تدريجياً إلى عنصر آخر وهو عنصر الرّاديوم، والرّاديوم أخف في وزنه الذّري من اليورانيوم).

 

وأمّا التغيير في المركبات فيضرب مثالاً لذلك الماء فيقول: (فالماء بما يملك من خاصة السّيلان ليس شيئاً ذاتياً للمادة الّتي يتكون منها وإنّما هو صفة عرضية وذلك بدليل انه مركب من عنصرين بسيطين وفي الامكان فرز هذين العنصرين عن الآخر فيرجعان إلى حالتهما الغازية وتزول صفة الماء تماماً).

 

وأمّا بالنسبة إلى صفة مادية المادة فقد أثبت v إنها متغيرة وعرضية مستدلا بما وصل إليه العلماء من إمكانية تحويل المادة إلى طاقة، وبالتدقيق مما ذكر أعلاه من حقائق علمية نستدل على كون المادة صفة عرضية (فلا يمكن أن تكون سبباً ذاتياً لاكتساب تلك الخصائص والصّفات) لذا لا يمكن ان تكون السّبب الأعلى أي العلة الفاعلية لهذا العالم.

 

وأمّا استخدامه العلوم العصرية في إثبات حقيقة غيبية فخير دليل لذلك هو استخدامه المنهج العلمي القائم على الاستقراء والّذي طبق فيه نظرية الاحتمالات في إثبات وجود الله سبحانه وتعالى ونبوّة نبيّنا o وبحث موجز في أصول الدِّين.

 

ومن المعلوم ان نظرية الاحتمالات تعتبر من النظريات الحديثة في علم الرّياضيات.

 

3 - من ميزات منهجه (أعلى الله مقامه) هو تفكيك بعض النظريات وازالة بعض الشّوائب العالقة في عبارتها والّتي تثير التعقيد في طريق فهمها ونجد هذا واضحاً في مناقشته للنظريات الفلسفية والإقتصادية في كتابي فلسفتنا واقتصادنا بل يبتكر بعض الأسئلة حول نصوص تلك النظريات ثم يجيب عليها ليثبت بأنَّ السّؤال كالجواب هو علم وفن تبيّن فيه المفاهيم الّتي يصعب هضمها عند القارئ وخير مثال على ذلك هو مناقشته للنظرية الماركسية في موضوع الذوق الفني والماركسية ([12]).

 

4 - يتميز منهجه التجديدي أيضاً بأنه لا يعيد صياغة بعض آراء أو أفكار بعض العلماء والفلاسفة فحسب بل يضيف إليها بعض الحلقات المفقودة ممّا يجعل سلسلة تلك الأفكار مترابطة فيشعر القارئ بتدفق هادئ لتلك الأفكار فتلامس صفحات فكره برفق وتصل إلى أعماق لبه بأقرب الطّرق وهذا ما تجده واضحاً في شرحه لمباني بعض المحققين الأصولية كمبنى المحقق العراقي في تفسير العلم الاجمالي، بل تراه في بعض الأحيان يستل دليلا عرضياً ليبعث به روحاً جديدة فيرتقي به إلى مستوى النظرية فتراه يأخذ استدلالا لصاحب الكفاية v ذكره في موضوع الواجب التخييري فيهذبه ثم يرتقي به ليجعله أحد المباني الثلاثة الّتي ذكرها في تفسير العلم الاجمالي علماً ان صاحب الكفاية (رحمه الله) لم يشر من قريب أو من بعيد لذلك الاستدلال في موضوع العلم الاجمالي.

 

5 - له منهج نقدي وأسلوب تجديدي لا يقف عن حدود الموضوعية والامانة العلمية بل يتعداها ليعد منهجاً روحياً وأخلاقياً وواقعياً بنَّاء، أقول روحياً لأنك لا ترى الأنا وعامل الذّات يتخفى بين سطوره ولا تجدُ لدُخان النفس الثائرة أثراً يلون عبير فكره لذا يجب علينا أن ندرك من خلال منهجه v في النقد ان للنقد بعداً روحياً تقلم به أظافر الأنا فلا يغتر الناقد بموهبته فتفوح ريح الغرور بين سطوره المتمثل بقوله تعالى: (قال إنما أوتيته على علم عندي) فيستل قلمه من غمده ليُدمي به أفكار الآخرين ويعمق جروح أخطائهم، بينما تراه v يناقش الخصم بألفاظ عذبة وروح كبيرة وهذا ما تجده في مناقشته للعقاد في مسألة فدك فيقول:

 

(وقد جئته بشوق بالغ لأرى ما يكتب في موضوع الخصومة) ولكن هذا الشّوق البالغ لقراءة ما يكتب العقاد قد انطفأت جذوته بعدما حاول العقاد أن يسدل السّتار على حقّ الزّهراء h بعبارة أدبية جميلة المطلع ولكنَّها مرة المذاق فتجرع السيّد الشهيد v مرارة طعمها ولم يتفوه بأي كلمة توبيخ للعقاد فقال:

 

(ان للكاتب الحرية في أن يسجل رأيه في الموضوع أي موضوع كما يشاء وكما يشاء له تفكيره بعد أنْ يرسم للقارئ مدارك ذلك الرّأي) ([13]).

 

والنقد عنده v مسؤولية أخلاقية فتراه لا يشهر بأخطاء الآخرين بل يجملها بقدر الامكان فيجعل النقد حركة إصلاحية لترميم وإعادة بناء الأفكار فلا يصف ما يكتشفه من هفوات علمية بأنها نابعة من قلة التدبر أو يقول لا يقول بذلك الرّأي إلا من سفه عقله وغيرهما من عبارات التوبيخ الّتي قد تصدر من بعض الأعاظم من العلماء، فترى في منهجه الأخلاقي هذا يجسد المعنى الّذي رسمه السيّد الخميني (أعلى الله مقامه) للخطأ والتخطئة فوصفها بأنها موهبة إلـهية تعمق وعي الإنسان فيجعل من النقد حركة تنموية بتعميقه للوعي الإنساني فيضيف بعداً آخر لقيم الإنسان الحضارية ومن المعلوم ان التنمية هي حركة تربط بين التطور المادي وقيمة الإنسان.

 

وأمّا واقعية منهجه النقدي فتراها متمثلة بطريقة نقضه لأفكار ونظريات الآخرين فما ان يبدأ بمرحلة النقض يبدأ بهدم اللبنات الرّخوة في البناء الفكري للخصم والّتي لا تصلح أن تكون أساساً صلباً تتكؤ عليه أركان بناء تلك النظرية فتراه لا يبدأ بالنقض إلا بعد ما يطرح للبحث جميع الاحتمالات الّتي من الممكن ان تفسر بهما تلك النظرية أو ذلك الحدث التاريخي ومثال ذلك مناقشته لمباني كبار المحققين الأصولية وآراء الفلاسفة والمفكرين الماركسيين في نظرياتهم الفلسفية والإقتصادية وما كتبه من بحوث حول الولاية وقضية فدك ([14]).

مفهوم التجديد الفقهي

ينبغي الاتفاق على التحديد الفقهي حتى لا تلتوي بنا السبل في فهم المصطلح وتعدد الرؤى والنظر إليه، مما قد يفقدنا القدرة على التواصل. ويجب التسليم بأن (تجديد التفكير الفقهي يقتضي الالتزام بالحفاظ على ثوابت هذا التفكير وأصوله العامة التي انعقد عليها اجماع الففهاء المسلمين والتي تشكل ملامحه العامة وقسماته المشتركة.

 

ومن أهم هذه الثوابت التمسك بما جاء في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة واجماع علماء الأُمّة ومشروعية الاجتهاد بأساليبه التي من بينها الاستناد إلى المصالح المعتبره في الشريعة الإسلامية.

 

ومن هذا يتضح أن تجديد التفكير الفقهي هو الأسلوب العلمي الواجب لتأييد هذا التفكير وتقويته واقداره على وقوف في وجوه الدعاة إلى هدم هذا التفكير واستبدال غيره به. وينسي هؤلاء أن هذا الاستبدال الذي طال أمده لم ينجح في الاستجابة لطموحات الأُمّة الإسلامية في تحقيق نهضتها السياسية والاقتصادية. فان الامكانات المادية والبشرية والطبيعية والجغرافية التي تملكها هذه الأُمّة. ولهذا فإن البحث في التجديد الفقهي هو بحث عن احدى أدوات تقدم هذه الأُمّة.

 

وأود أن أوجز مفهوم تجديد التفكير الفقهي في الأمور والجوانب التالية:

 

1ـ تجنب مخالفة الأُصول الشرعية الثابتة التي انعقد عليها اجماع الأُمّة عبر العصور.

 

2ـ الاجتهاد في البحث عن الحكم الشرعي للمسائل الحادثة في مجتمعاتنا المعاصرة مما لم يقع من قبل ولم يبحثه الفقهاء المسلمون، فيما هو واقع في مجالات الاقتصاد والادارة والعلاقات الدولية. وغير ذلك مما تصدي له العلماء المسلمون في أبحاثهم ومؤتمراتهم ومجامعهم الفقهية. ومن الواضح أن التقليد، لن يكون هو المنهج المعين على الاضطلاع بعبء اداراك الأحكام الشرعية في المسائل الحادثة التي لم يتناولها علماء المذاهب الفقهية المعروفة.

 

3ـ تشمل هذه المسائل الحادثة بعض الصور والمعاملات التي كانت تقع في الماضي كذلك إذا اختلفت الظروف المحيطة بالمعاملة حتى أخرجتها هذه الظروف عن طبيعتها السابقة وأدخلت من المعاني المؤثرة في الحكم الشرعي ما يستوجب اجتهادا مستأنفا.

 

من ذلك أن علماء المذهب الحنفي قد نظروا الي المنفعة على أنها ملك لا مال، غير أن متأخريهم قد أكدوا القيمة المالية للمنفعة في عدد من الاستثناءات التي طرأت لهم، كبعض المشروعات الاستثمارية التي أطلقوا عليها اصطلاح (المستغلات). وتراهم لهذا يفرقون بين الاستيلاء على منفعة دار خاصة سنين عددا حيث لا يحكمون بضمان هذه المنفعة التي ليست لها في ذاتها قيمة مالية وبين المبيت ليلة واحدة في حجرة بترل (فندق) حيث حكموا بتضمين المنفعة لهذه الحجرة، حتى يتسني الحفاظ على هذه المشروعات اللازمة للتجارة في المجتمع طبقا لما فهمه متأخرو الاحناف.

 

ويشبه ذلك النظر الي حقوق المؤلف أو المبتكر، حيث لم يكن للتأليف أو الابتكار أبعاد اقتصادية واجبة الحماية، ولهذا لم يحكم بضمانها أو زجر من يعتدي عليها، وهو الأمر الذي اختلف كثيرا في العصر الحديث طبقا لما سنراه فيما بعد.

 

4ـ يقوم الاجتهاد في المسائل الحادثة على عدد من الأسس المترابطة، يأتي في المقام الأول، منها وجوب فهم طبيعة المسألة الحادثة من جهة المصالح الاجتماعية والاقتصادية المرتبطة بها ومواقف الأعراف السائدة في البلاد الإسلامية منها، وذلك لتطبيق المعايير الاصولية لقبول العرف او رفضه، مع الاستئناس بموقف المسلمين في الأسس التي يقوم عليها النظر في المعاملة الحادثة او في ما يقاربها بمنهج التخريج الفقهي.

 

ولا يخفى أن موضوع الابداع الفكري والاسم التجاري من الموضوعات التي حدث التفكير فيه لتحديد طبيعتها الحقوقية في العصر الحديث. ويمكن القول دون أدنى مجازفة بأن الحقوق المتولدة عن الإبداع الفكري من أهم الموضوعات التي شغلت التفكير القانوني في القرنين الاخيرين، ويرجع هذا الانشغال لعدد من الأسباب، من بينها ارتباط هذه الحقوق بمصالح عدد من الدوائر القوية كالناشرين والشركات المتعددة الجنسيات المحتكرة لاستغلال المخترعات والانتاج الفني والدول القوية التي تستفيد من ابداع أبنائها ومواطنيها على المستويين الاقتصادي والسياسي. ولذا كان موضوع الحماية التشريعية لحقوق المبدعين من الموضوعات التي اهتمت هذه الدول بوضعها موضع الاهتمام حتى تضمنته اتفاقية TRIPS المتفرعة من اتفاقية الغات وما قبلها.

 

5 ـ واذا كان الأمر على هذا النحو من الأهمية فإن علينا أن نتبين موقف الفقه الإسلامي في ذلك. ولكن كيف السبيل إليه؟ وما هي الخطة التي يتعين اتباعها للوقوف على هذه المواقف؟ ان علينا ان نؤكد مرة أخرى ان الفقهاء المسلمين لم يتناولوا الحقوق المتولدة من الابداع الفكرى بالبحث، على الرغم من وضوح ادراكهم لموضوع السرقات الادبية الذي افرد بالتأليف أحياناً واشير إليه في سياقات متباينة أحياناً أخرى من ذلك كتاب المهلهل بن يموت عن (سرقات أبي نواس).

 

وقد افرد كل من د. محمّد بدوي طبانة و د. محمّد مصطفى هدارة موضوع السرقات الادبية بالتاليف في بحث مستقل ومن اللافت للنظر ان القدماء لم يذموا السرقة الادبية إذا حدث قدر من التصرف في الصياغة او في المعنى إلى الحد الذي يباعد بين الناقل والمنقول.

 

ومن جهة أخرى فقد اهتم الفقهاء المسلمين وغيرهم بعزو المؤلفات ونسبتها الي اصحابها دون ان يقصروا في ذلك مما يعكس اهتمامهم بحماية الحقوق الادبية للمبدعين والمؤلفين. ومن المناسب الاشارة هنا إلى الحالات التي كان ينعم فيها الخلفاء والولاة وكبار رجال الدولة على المؤلفين والمترجمين مما يدل على نوع ادراك للحقوق المادية للمبدعين والمؤلفين ومع هذا كله ظل الفقه الإسلامي على صمته الذي يسهل تفسير اسبابه.

 

6ـ يقتضى صمت الفقهاء المسلمين وعدم تناولهم للحقوق الناشئة عن الابداع الفكري والاعتماد على الاجتهاد لمعرفة الحكم الشرعي اسوة بما جاء في حديث معاذ وبما اجمع عليه الفقهاء في تاريخهم الطويل ويستلزم هذا الاجتهاد المستقل او على منهج التخريج الفقهي تنظيم النظر في الموضوع في المباحث التالية:

 

أولاً: مفهوم الابداع الفكري وتطور النظر إليه.

ثانيا: النظر القانوني الموضوع موضع التطبيق في البلاد الإسلامية واسهام هذا النظر في تكوين اعراف عامة.

ثالثا: مراجعة هذا النظر وتحديد المعاني المؤثرة في التفكير الفقهي.

رابعاً: موقف الفقه الإسلامي المعاصر من حقوق الابداع الفكري.

خامساً: الاسم التجاري.

سادساً: تحديد المنهج.

 

7ـ ومن الواضح اننا لن نتمكن في هذا البحث الموجز من تناول الجزيئات والتفصيلات المتعلقة بالحقوق الراجعة إلى الابداع الفكري والاسم التجاري والحكم عليه من الوجهة الفقهية وإنّما نهدف في المقام الأول إلى مناقشة الخطط المختلفة للتفكير الفقهي المستأنف بشأن هذين الموضوعين الطارئين على التفكير الحقوقي في العصر الحديث.

 

وفي اعتقادي ان هناك عددا من الاسئلة التي تتعين الاجابة عنها لرسم مثل هذه الخطة ويبرز من بينها التساؤلات عن كيفية الافادة من التفكير القانوني العالمي المعاصر مع العمل في الوقت نفسه على البقاء في اطار المنهجية الفقهية الإسلامية. اننا لا نعيش في عزلة عن العالم من حولنا كما هو معروف ولكننا لا نريد التضحية بذواتنا وذاكرتنا الخاصة وهذه هي قضية العلاقة بين الأصالة والمعاصرة والتوفيق بين هذين القطبين وقد افاد عمر بن الخطاب رضي الله عنه من السياسات المالية للساسانيين في الارض المفتوحة بالعراق ولكنه اخضع هذه السياسات في الصياغة التي ارتضاها الصحابة للقيم الراقية التي اتي بها الإسلام.

 

 8 ـ ثم ما الذي يعينه الاجتهاد المستقل الذي سنضطر لممارسته في الموضوعات الحادثة؟ وهل يستند هذا النوع من الاجتهاد المستقل إلى قاعدة المصالح الكلية التي اعتبرتها النصوص الشرعية وادارت عليها احكامها ؟ او انه سيستند إلى نوع من الاستحسان بما يتضمنه من السماح للمجتهد بقدر غير قليل من الحرية العقلية؟

 

وان الواجب هو التقيد بما يمليه القياس وبما يفرضه من ضرورة البحث عن اصل مباشر في النصوص لتعدية حكمه الشرعى لهذه الاحوال والفروع الحادثة؟

 

اما إذا تعلق الامر بمنهج التخريج الفقهي فسنجد انفسنا مطالبين بالعمل على تحديد جوانب هذا المنهج وذلك بالنظر في كيفية الافادة من القواعد الفقهية وتوسيع العمل بها لتشمل هذه المجالات الجديدة وعلى سبيل المثال فان الفقهاء المسلمين قد ناقشوا قضية تقويم المنافع بالنظر في ضمانها وصاغ اكثرهم قاعدة (تقوم المنافع في ذاتها) وهل يجوز لنا التخريج على ذلك في خصوص الابداع الفكري الإنساني باعتباره منفعة للذهن الإنساني؟

 

9ـ ويجب ان اؤكد ان التوقف عند هذه الاسئلة للاجابة عنها امر ضروري لتجديد النظر الاصولي واعادة الصياغة النظرية لعلم اصول الفقه كي يكتسب الصيغة العملية مما هو ضروري لمواجهة ازمة البحث عن هويتنا التشريعية اللازمة للبحث عن هويتنا الحضارية.

 

10ـ وينبغى الاحتراس عن الوقوع في محظور تندفع إليه الدراسة الفقهية المقارنة بالفقه القانوني الغربي، هو اتخاذ احكام مسبقة بالتاييد او الرفض ولن تكون الدراسة الفقهية في هذه الحالة إلا نوعا من التبرير للمفاهيم القانونية الغريبة لقبولها او الرفض لها.

 

ان من الواجب الافادة من هذه المفاهيم في اعادة اكتشاف بعض ما لدينا من مفاهيم تشريعية راقية صاغها قاداتنا وفقهائنا مما نكون قد غفلنا عنه او نلتفت إليه لاقصاء الفقه الإسلامي عن التطبيق في أكثر مجالات الحياة شريطة إلا نعقد العزم على السعى لتبرير هذه الاخذ بها او المبادرة إلى رفضها وهذا الموقف الذي يتسم بالحرية والحياد في النظر لما لدى الاخرين هو الذي يقرب الفقيه المعاصر من اسلافه في موقفهم بوجه العموم من (شرع من قبلنا).

مفهوم الابداع الفكري وتطور النظر إليه

11ـ تعريف الابداع الفكري

يعنى الابداع الفكري هذا النشاط الذهني الإنساني الذي يهدف إلى ترقية التفكير واثراء الحياة وتقدمها في هذا الكون عن طريق اكتشاف افكار وآراء جديدة تعبر عن شخصية المبدع او ابتكار اشكال فنية او علمية مما جرى عرف الناس اعتباره ذا قيمة مالية او ادبية، والابداع الفكري بهذا:

 

* عمل انساني غير مادي في جوهره الغالب وهو يقابل العمل اليدوي ورغم تولد هذا الابداع في وقت خاص فانه يفتقر إلى جهد معقد طويل قد يمتد فترة طويلة من عمر المبدع وقد حرص الإمام الغزالي على بيان ان ما يأخذه الاجير من اجر عمله لا يقاس بالوقت الذي استغرقه القيام بهذا العمل لان طرقة واحدة على سن السيف لتسويته قد يأخذ بها هذا الإنسان اجرا يفوق ما يأخذه غيره في ايام وذلك لأنه كي تجري هذه الطرقة بوجهها الصحيح قد اخذ تدريبا طويلا ومشقة كبيرة في وقت طويل من عمره.

 

* ذو منفعة في ترقية الوجدان او الفكر او الحياة الانسانية يجعلها أكثر يسرا وجمالا.

 

* تقويم العرف للعمل الابداعي واعتباره ذا قيمة مالية او ادبية.

 

12ـ واذا كان الابداع الفكري بهذا عملا انسانيا ذا منفعة مشروعة يقومه العرف وينظر إليه الناس باعتباره ذا قيمة مالية او ادبية فقد لزم النظر فيما ينشأ عن الابداع او الانتاج الذهني من حقوق اطلق عليها الحقوق الذهنية او الفكرية Intellectual Right التي جري تعريفها بأنها الحقوق الواردة على اشياء غير مادية مما يتعلق بالملكية الصناعية او الادبية والفنية والتي اراد المجتمع حمايتها بفرض الجزاء المدني او الجنائى عند التعدي عليها.

 

وتشمل حقوق الملكية الصناعية Industrial Property: براءات الاختراع والرسوم او النماذج الصناعية والعلامات التجارية Trade Marks والاسم التجاري وهو الاسم الذي يوجب القانون ان يتخذه التاجر للدلالة على منشأة تجارية او صناعية لتمييزها عن غيرها من المنشآت المماثلة اما حقوق الملكية الادبية والفنية فتشمل جميع المصنفات التي يتوافر فيها عنصر الابتكار ويمكن تعريف الابتكار في هذا المجال بأنه الطابع الشخصي الذي يعطيه المؤلف لمصنفه بما يتميز به عن غيره مما يشمل المصنفات الادبية والفنية وهذا هو ما يطلق عليه حقوق المؤلف التي تندرج تحت عموم حقوق الابداع الفكري.

 

ومعيار حماية حقوق الملكية الصناعية هو الجدة على حين يشترط الابتكار في حماية حقوق المؤلف. ولا تتسع الحماية الممتدة لعمل المؤلف للمواد التي لا يظهر فيها طابع الابتكار ويتضح ذلك في الوثائق الرسمية كنصوص القوانين والمراسيم واللوائح والاتفاقات الدولية والاحكام القضائية والمختارات الشعرية والخطب والمحاضرات والاحاديث العامة وتحليلات الصحف واقتباساتها والمختصرات الموجزة التي تنشر في الصحف وكذا الاخبار والاحداث المروية بلغة الاخبار العادية.

 

وتمتد الحماية للمصنفات الفنية والادبية لكل اشكال التعبير المبتكرة التي يظهر التطور الصناعي مما يستشعر المجتمع الحاجة لحمايتها ومن ذلك ان البرامج التشغيلية والتطبيقية للحاسبات الآلية قد صارت في العقدين الاخيرين من المجالات البالغة الأهمية التي لا يخفي اثرها في التعليم والصناعة والتجارة والدفاع والسياسة ولذا اندفعت النظم القانونية في البلاد الغربية والاسلامية إلى ملاحقة هذا التطور وفرض حمايتها لحقوق معدي هذه البرامج ومنفذيها والمتعاملين فيها ضمن حمايتها لحقوق المؤلف بفرض الاجزية العقابية والمدنية على من يتعدي على هذه الحقوق بالتقليد او الاستغلال دون اذن المؤلف.

 

وبهذا فان الفقيه المسلم لن يتوقف في تصديه لحقوق الابداع الفكري عند حد معين وإنّما الواجب عليه ان يفتح عينيه على تطور مجالات الابداع الفكري واشكاله الذهنية التي يري المصلحة في فرض حمايتها.

 

13ـ حقوق الابداع الفكري في التفكير القانوني

بدأت النظم القانونية الغربية في حماية الحقوق الذهنية منذ فترة تزيد على القرنين واستمرت هذه النظم في تطوير حمايتها لهذه الحقوق طبقا لما تمليه الظروف الاقتصادية والسياسية السائدة في المجتمعات الغربية.

 

ومن ابرز خطوات التطور في هذا الاتجاه انشاء الجمعية الادبية والفنية في باريس عام 1878م. وقد تمكنت هذه الجمعية من عقد معاهدة برن في 19/9/1886م التي وقعها عدد كبير من الدول للعمل على حماية الحقوق المادية والادبية باتخاذ الخطوات العملية اللازمة لذلك بعقد المؤتمرات وتدريب الحقوقيين والمحامين على تطبيق القوانين المتعلقة بالحماية الفكرية ثم اسفرت هذه الجهود عن قيام مؤسسة اليونسكو التابعة لهيئة الامم المتحدة بالدعوة إلى اتفاق عالمي وهو ما وقعت عليه دول كثيرة في سبتمر 1952.

 

وقد تضمنت هذه الاتفاقية النص على انه لا يجوز ان تقل مدة الحماية عن طول حياة المؤلف وخمس وعشرين سنة بعد موته وفي هذا الإطار انعقد مؤتمر روما في اكتوبر 1961 تحت رعاية اليونسكو وقد اقر هذا المؤتمر حق المؤدي الذي له طريقة فريدة في نشر المصنف الفني.

البدعة وحدودها

البدعة في اللغة

قال الخليل بن أحمد الفراهيدي: (البَدع: إحداثُ شيء لم يكن له من قبل خلق ولا ذكر ولا معرفة) ([15]).

ويقول الراغب: (الابداع: هو إنشاء صفةٍ بلا احتذاء واقتداء) ([16]).

والابداع أصلٌ ثانٍ للبدعة، وهو مأخوذ من (أبدع).

وينصّ الاَزهري على أنّ (الابداع) أكثر استعمالاً من (البَدع) وهذا لايعني أنّ استعمال (البدع) خطأ، فيقول في ذلك: (و (أبدع) أكثر في الكلام من (بَدَعَ) ولو استعمل (بَدَعَ) لم يكن خطأ) ([17]).

وقال ابن فارس: (البدع له أصلان: ابتداء الشيء وصنعه لا عن مثال، والآخر الانقطاع والكلال) ([18]).

وقال الفيروزآبادي: (البِدعة: الحدث في الدين بعد الاكمال، أو مااستحدث بعد النبي من الاَهواء والاَعمال) ([19]).

ولذا تقول من (البَدع): (بدعتُ الشيء إذا انشأته) ([20]).

كما تقول من (الابداع): ابتدع الشيء: أي (أنشأه وبدأه) ([21]).

وتقول أيضاً: (أبدعتُ الشيء أي اخترعته لا على مثال) ([22]).

و (أبدعَ) الله تعالى الخلق (إبداعاً): أي خلقهم لا على مثال سابق، و(أبدعتُ) الشيء و (ابتدعته) استخرجته وأحدثته، ومن ذلك قيل للحالة المخالفة (بدعة)، وهي اسم من (الابتداع)، كالرفعة من الارتفاع ) ([23]).

ومن أسماء الله تعالى (البديع): وهو الذي فطر الخلق مُبدِعاً لا على مثال سابق ([24]).

يقول سبحانه وتعالى: ( بَدِيعُ السَمَوَاتِ والاَرضِ) أي مبتدعها ومبتدئها لا على مثال سابق ([25]).

البدعة في الاصطلاح

البدعة التي يراد تحريمها هنا هي: (إيراد قولٍ أو فعلٍ لم يُستَنَّ فيه بصاحب الشريعة وأُصولها المتقنة)([26]).

وقال ابن حجر الهيتمي في كتابه التبيين في شرح الاربعين: (الحدث في الدين بعد الاكمال) ([27]).

 

وعرف ابن رجب الحنبلي البدعة بانها: (ما أُحدث مما لا أصل له في الشريعة يدّل عليه، أما ما كان له أصل من الشرع يدّل عليه فليس ببدعة شرعاً وإنْ كان بدعة لغةً) ([28]).

 

وقال ابن حجر العسقلاني في (فتح الباري): (أصلها ما أُحدِثَ على غير مثال سابق، وتطلق في الشرع في مقابل السُنّة فتكون مذمومة...) ([29]).

وقال الشاطبي في إعتصامه: (البدعة طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشرعية يُقصد بالسلوك عليها ما يُقصد بالطريقة الشرعية ـ وقال في مكان آخر ـ يُقصد بالسلوك عليها: المبالغة في التعبّد لله تعالى) ([30]).

 

وقال السيد المرتضى: (البدعة: الزيادة في الدين أو نقصان منه من غير إسناد إلى الدين..) ([31]).

عرف العلّامة المجلسي البِدعة في الاصطلاح الشرعي بأنّها: (ماحدث بعد الرسول ولم يرد فيه نصّ على الخصوص، ولا يكون داخلاً في بعض العمومات، مثل بناء المدارس وأمثالها الداخلة في عمومات إيواء المسلمين وإسكانهم وإعانتهم، وكإنشاء بعض الكتب العلمية، والتصانيف التي لها مدخل في العلوم الشرعية، وكالاَلبسة التي لم تكن في عهد الرسول o والأطعمة المحدثة فإنّها داخلة في عمومات الحلّية ولم يرد فيها نهي.

 

وما يُفعل منها على وجه العموم إذا قُصد كونها مطلوبة على الخصوص كان بدعة، كما أنّ الصلاة خير موضوع ويُستحب فعلها في كل وقت، ولو عيّن ركعات مخصوصة على وجه مخصوص في وقت معين صارت بدعة، وكما إذا عيّن أحدٌ سبعين تهليلة في وقت مخصوص على أنّها مطلوبة للشارع في خصوص هذا الوقت، بلا نصّ ورد فيها، كانت بدعة.وبالجملة إحداث أمر في الشريعة لم يرد فيه نص، بدعة، سواء كان أصلها مبتدعاً أو خصوصيتها مبتدعة ) ([32]).

 

وقال السيد محسن الامين العاملي: (البدعة: إدخال ما ليس من الدين في الدين، كإباحة محرّم أو تحريم مباح أو إيجاب ما ليس بواجب أو ندبه، أو نحو ذلك سواء كانت في القرون الثلاثة أو بعدها، وتخصيصها بما بعد القرون الثلاثة لا وجه له..) ([33]).

 

وقال المحدّث البحراني: (الظاهر المتبادر من البدعة، لا سيّما بالنسبة إلى العبادات، إنّما هو المحرّم، ولما رواه الشيخ الطوسي عن زرارة ومحمد بن مسلم والفضيل عن الصادقين c: (إنّ كل بدعة ضلالة وكل ضلالة سبيلها النار) ([34]).

دلالتها في القرآن والسُنّة

البدعة في القران

بعض الآيات القرآنية المباركة وردت في لفظ البدعة والبعض الآخر ورد من حيث الدلالة على معنى البدعة وليس لفظها وهو معنى الاحداث في الدين ونورد كلا النموذجين:

1 ـ P ...ورَهبَانِيَّةً ابتَدَعُوها ما كَتَبْناها عَلَيهِمْ إلا ابتِغَآءَ رِضوَانِ اللهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا..O([35]).

2 ـ Pقُلْ ما كُنتُ بِدْعاً مِنَ الرُسُلِ ومَآ أدرِي مَا يُفعَل بِي وَلا بِكُم...O([36]).

3 ـ Pقُلْ أرَأيتُم مَّا أَنزَلَ اللهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلتُم مِنْهُ حَرَاماً وَحَلالاً قُل ءَآللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللهِ تَفتَرُونَO([37]).

4ـ Pولا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ السِنَتُكُم الكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللهِ الكَذِبَ إنَّ الَّذينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الكَذِبَ لا يُفلِحُونَO([38]).

5 ـ P... قُلْ مَا يَكُونُ لِي أنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلقَآء نَفْسِي إنْ أتَّبِعُ إلا ما يُوحَى إليَّ إنّي أخَافُ إنْ عَصيْتُ رَبّي عَذَابَ يَومٍ عَظيمٍO([39]).

6 ـ Pوَمَنْ أظلَمُ مِمِنَّ افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِباً أو كَذَّبَ بِآياتِهِ أنـّه لا يُفلِحُ الظَّالِمُونO([40]).

البدعة في السنة المطهرة

1ـ ورد عن رسول الله o أنـّه قال: (لا يذهب من السُنّة شيء حتى يظهر من البدعة مثله، حتى تذهب السُنّة وتظهر البدعة، حتى يستوفي البدعة من لا يعرف السُنّة، فمن أحيى ميتاً من سنتي قد أمُيتت، كان له أجرُها وأجرُ من عمل بها، من غير أن ينقص من أُجورهم شيئاً، ومَنْ أبدَعَ بدعة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها، لا ينقص من أوزارهم شيئاً) ([41]).

 

2 ـ وعن جابر قال: خطبنا رسول الله o فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهل له ثم قال: (أما بعد فإنَّ أصدق الحديث كتاب الله، وأنّ أفضل الهدي هدي محمّد، وشر الاُمور محدثاتها وكلّ بدعة ضلالة) ([42]).

 

3 ـ وورد عنه o قوله: (لا ترجعنَّ بعدي كفاراً، مرتدين، متأولين للكتاب على غير معرفة، وتبتدعون السُنّة بالهوى لاَن كل سُنّة وحدث وكلام خالف القرآن فهو ردّ وباطل) ([43]).

 

4 ـ وعنه o أنـّه قال: (يأتي على الناس زمان وجوههم وجوه الآدميين وقلوبهم قلوب الشياطين، السُنّة فيهم بدعة، والبدعة فيهم سُنّة) ([44]).

 

5 ـ وعنه o: (من أدى إلى أُمتي حديثاً يُقام به سُنّة، أو يثلم به بدعة، فله الجنة) ([45]).

6 ـ وجاء عنه o أنـّه قال: (إياك أن تسنَّ سنة بدعة، فإنّ العبد إذا سنَّ سنةً سيئة، لحقهُ وزرها، ووزر من عمل بها) ([46]).

 

7 ـ وعن عرباض بن سارية قال: صلّى بنا رسول الله الفجر ثم أقبل علينا فوعظنا موعظة بليغة... قال: (أوصيكم بتقوى الله... وإيّاكم ومحدثات الامور، فإنّ كلَّ محدثة بدعة، وإنّ كلَّ بدعة ضلالة) ([47]).

 

8 ـ وروى ابن ماجه: قال رسول الله o: (لا يقبل الله لصاحب بدعة صوماً، ولا صلاة، ولا صدقة، ولا حجّاً، ولا عمرة، ولا جهاداً) ([48]).

 

9 ـ وروى مسلم عنه o قوله: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردّ) ([49]).

 

10ـ وعن جرير بن عبدالله عن رسول الله o قوله: (من سنَّ في الإسلام سُنّة حسنة فعُمل بها بعده، كُتب له مثل أجر من عمل بها ولا ينقص من أُجورهم شيء، ومن سنَّ في الإسلام سُنّة سيئة فعمل بها بعده كُتب عليه مثل وزر من عمل بها ولا ينقص من أوزارهم شيء) ([50]).

 

11_ وعن حذيفة انه قال: يا رسول الله هل بعد هذا الخير شرّ؟ قال: (نعم، قوم يستّنون بغير سنّتي ويهتدون بغير هداي) ([51]).

 

12 ـ وقال علي بن أبي طالب A: (طوبى لِمَن ذلّ في نفسهِ وطاب كَسبُه ـ إلى أنْ قال ـ وعزل عن الناس شرّه ووَسَعته السُنّة ولم يُنسَب إلى البدعة) ([52]).

 

اتضح من خلال ذلك ان البدعة وبكل معانيها الواردة تتباعد تماماً مع التجديد الابداعي ولا يمكن الطعن بمن يحاول التجديد والاصلاح على انه مبتدع بل ان التجديد يتجه إلى احياء السنة واماتة البدعة كما وردت في عبارات أمير المؤمنين A  كلمة الاحياء إذ قال: (أحيوا السنة وأماتوا البدعة) ([53]).

 

الابداع والنقد العلمي في المدرسة الشيعية

تتميز الحوزات العلمية الشيعية بنشاط علمي حر، فهي لا تقف عند حدود النظرية والفكرة التي تصلها من الماضي وتأخذ بها على انها مسلّمة غير قابلة للنقاش، انما تخضع نتائج الدراسات والاراء الاجتهادية التي توصل إليها العلماء السابقون إلى بحث متجدد ونقد مستمر من قبل اجيال العلماء اللاحقين. مما يجعل من اي جهد علمي موضع دراسة دائمة في الحوزات العلمية. وبذلك تظل الشخصية الشيعية في الغالب حية مع الزمن من خلال ما تقدمه من افكار ونتائج وهذا ما يساهم بطبيعة الحال في تطوير النظرية والوصول بها إلى التكامل.

 كما أنـّه يساهم في بقاء روح الابداع حية داخل الحوزة، إذا ما قدر لشخصية علمية ان توظف التراث الواصل إليها وتنطلق منه في ابداعات جديدة، وهذا ما فعله الشيخ الأنصاري v. فلقد استوعب التراث الفقهي والاصولي الذي وصل إليه ثم اضاف ابداعاته الهائلة في هذين العلمين والمتمثلة بكتابيه الخالدين (الرسائل والمكاسب) , وكذلك ما خطاه الإمام الراحل روح الله الخميني والشهيد محمّد باقر الصدر (قدس الله سرهما).

الهوامش:

([1]). الشهيد الصّدر، أهل البيت تنوع أدوار ووحدة هدف ص 142.

([2]). المصدر السابق.

([3]). الفتاوى الواضحة ص 97.

([4]). الفتاوى الواضحة ص8.

([5]). المصدر السابق.

([6]). بحوث في شرح العروة الوثقى، ص 5 و6.

([7]). دروس في علم الأُصول، الحلقة الأولى، ص24.

([8]). المصدر السّابق نفسه.

([9]). الفتاوى الواضحة، ص 8.

([10]). بحث حول المهدي، ص 7.

([11]). راجع دروس في علم الأُصول الحلقة الأولى، ص 10، و12.

([12]). اقتصادنا، ص 37.

([13]). المجموعة الكاملة لمؤلفات السيّد الشهيد، المجلد 11، ص 42.

([14]). راجع أركان التجديد في فكر الشهيد الصّدر / مال الله العطية ص 275.

([15]). العين، للفراهيدي 2: 54.

([16]). معجم مفردات ألفاظ القرآن الكريم، للراغب الاصفهاني: 36.

([17]). تهذيب اللغة، للازهري 2: 241.

([18]). المقاييس، لابن فارس 1: 209 مادة (بَدَع).

([19]). القاموس، للفيروزآبادي 3: 6 مادة (بَدَعَ).

([20]). جمهرة اللغة، لابن دريد 1: 298.

([21]). لسان العرب، لابن منظور 8: 6 مادة (بدع).

([22]). الصحاح، للجوهري 3: 1183 مادة (بدع).

([23]). المصباح المنير، للفيومي1: 38 مادة (بدع).

([24]). مجمع البحرين، للطريحي 1: 163 مادة (بدع).

([25]). النهاية، لابن الاثير 1: 106. والآية من سورة البقرة: 117.

([26]). انظر: المفردات، للراغب: 28.

([27]). التبيين بشرح الاربعين: 221.

([28]). جامع العلوم والحكم، لابن رجب الحنبلي: 160.

([29]). فتح الباري، لابن حجر العسقلاني 5: 156.

([30]). الاعتصام، للشاطبي 1: 37.

([31]). الرسائل، للشريف المرتضى 3: 83.

([32]). بحار الأنوار، للمجلسي 74: 202 ـ 203.

([33]). كشف الارتياب للسيّد محسن الامين العاملي: 143.

([34]). الحدائق الناضرة، للشيخ يوسف البحراني 10: 180.

([35]). الحديد 27.

([36]). الاحقاف 9.

([37]). يونس 59.

([38]). النحل 116.

([39]). يونس 15.

([40]). الأنعام 21.

([41]). كنز العمال، لعلاء الدين الهندي 1: 222 | 1119.

([42]). مسند أحمد 3: 310، طبعة دار الفكر ـ بيروت. سنن ابن ماجه 1: 21 طبعة دار الجيل ـ بيروت.

([43]). خصائص الأئمة، للشريف الرضي: 75.

([44]). جامع الاخبار، لتاج الدين الشعيري: 125.

([45]). بحار الأنوار، للمجلسي 2: 152 / 43 باب 19.

([46]). بحار الأنوار، للمجلسي 74: 104 / 1 باب 5.

([47]). مسند أحمد 4: 126 ـ 127، وبحار الأنوار 2: 263.

([48]). سنن ابن ماجه 1: 25.

([49]). مسند أحمد 6: 270.

([50]). صحيح مسلم 8: 61 كتاب العلم.

([51]). صحيح مسلم 5: 206 كتاب الامارة.

([52]). نهج البلاغة: قسم الحكم، الرقم123.

([53]). نهج البلاغة: ص 198.