حول التخصص في الأبواب الفقهية
حول التخصص في الأبواب الفقهية
الشيخ عبدالأمير قبلان
نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في لبنان
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم المرسلين سيدنا ونبينا محمّد وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحبه الذين اتبعوه بإحسان إلى يوم الدين وعلى جميع أنبياء الله ورسله وعباده الصالحين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
أصحاب السماحة والفضيلة السادة العلماء الأجلاء والأخوة الكرام الأعزاء.
نتوجه بالشكر لله سبحانه وتعالى على نعمه وتوفيقه ونسأله أن يسدد خطانا ويهدينا وينير قلوبنا لما فيه خير وعزة الأُمة الإسلامية جمعاء.
بمناسبة ولادة نبي الهدى ورسول الرحمة سيدنا ونبينا محمّد بن عبدالله صلوات الله وسلامه عليه وعلى أهل بيته وأئمتنا الأطهار، نتقدم من الأُمة الإسلامية ومن الأخوة المشاركين في هذا المؤتمر بأجمل التبريكات سائلين الله تعالى أن يعيد هذه الأيام المباركة عليكم بالنصر والعزة.
ونتقدم بالشكر الجزيل لكل الأيادي الكريمة والمساعي الخيرة التي هيأت لهذا المؤتمر وأتاحت لنا فرصة اللقاء بالأخوة الكرام والسادة العلماء الأعزاء.
تمهيد
شهد العالمان العربي والاسلامي خلال القرن العشرين، بل ومنذ أواخر القرن التاسع عشر بروز دعوات مخلصة للنهوض بحياة المسلمين ولإصلاح وتجديد الفكر الإسلامي.
وقد جاءت هذه الدعوات ـ بصرف النظر عن مضامينها ـ بفعل عوامل متعددة نذكر في طليعتها حالة اليقظة والوعي لدى بعض علماء الأُمة والنابهين من ابنائها؛ والتي ساهم في إحداثها التغلغل المؤسف لفكر الغرب وقوانينه الوضعية([1]) ـ ولو بالتدريج ـ ضمن حياة المسلمين. وقد وصل تأثير الدعوات المذكورة إلى الحوزات الفقهية الإسلامية ومنها حوزتا النجف الأشرف وقم؛ وإن في وقت متأخر نسبياً([2]).
في هذا السياق انطلق الحديث من قبل العديد من الفقهاء المخلصين عن الحاجة إلى تطوير الدراسات الفقهية تلبية لمتطلبات العصر ولكن شريطة أن لا يمس ذلك الثوابت الدينية الأصلية.. أي بتعبير مختصر: (النزوع إلى المعاصرة مع التمسك بالأصالة).
وسنحاول فيما يلي أن نطل إطلالة سريعة على الفكرة التي يتضمنها العنوان، موزّعين الكلام على عدة نقاط.
منشأ الحاجة المستمرة إلى الاجتهاد
حيث ان الشريعة الإسلامية شاملة لمختلف شؤون الحياة … فإن المسلم المكلف بحكم تبعيته لهذه الشريعة، لابد أن يكون سلوكه العملي في شتى المجالات منسجماً مع أحكامها.
ونظراً لكون تحديد الموقف العملي على أساس الشريعة، ليس بالأمر السهل، خصوصاً مع الابتعاد الزمني عن عصر النص كما هو حالنا اليوم… وما يطرحه مثل هذا الابتعاد من اشكالات …
هذا فضلاً عن طروء مسائل وحصول وقائع جديدة باستمرار … لذلك فقد توقفت معرفة الموقف العملي في أكثر الحالات على بذل جهد خاص، مع تحصيل مسبق لجملة من العلوم بمستوى الاختصاص. وهو ما يصطلح عليه باسم (الاجتهاد). ومثل ذلك ليس متاحاً لكل الناس، بل لطائفة منهم فقط هم المجتهدون. ولم يبق أمام عامة الناس غير التقليد لهؤلاء المجتهدين (أو اختيار طريق الاحتياط بالنسبة للبعض القليل منهم فقط، نظراً لصعوبة اعتماده).
وباب الاجتهاد أو الاستنباط ظل مفتوحاً ولم يقفل لدى الفقه الشيعي الامامي؛ ومما اسهم في تعزيز مسيرة الاستنباط لديه، ذهاب معظم الفقهاء الشيعة الأصوليين إلى حرمة تقليد الميت ابتداء([3]). مع ما يعنيه ذلك من الحاجة المستمرة إلى وجود المجتهدين الأحياء، المؤهّلين لاصدار الفتاوى للمقلدين في كل عصر.
امّا بالنسبة للفقه السني، فقد اقفل باب الاجتهاد لديه في الماضي، مع تأثير عوامل مختلفة وذلك منذ منتصف القرن الرابع الهجري([4]). شهدنا ونشهد في عصرنا الراهن، دعوات متواصلة لاعادة فتح هذا الباب بصورة واسعة وذلك من قبل فقهاء كبار، بحيث لا يقتصر على الاجتهادات الجزئية المتعلقة بالمسائل المستحدثة، بل يصل حتى إلى الاجتهاد في الأُصول.
الدعوة إلى الاجتهاد الجماعي كبديل عن النمط السائد
النمط التاريخي المتعارف للاجتهاد والذي هو السائد عملياً حتى يومنا هذا، يقوم على أساس ان يتوجه كل فقيه مجتهد بمفرده لاستنباط الأحكام المتعلقة بكافة الشؤون، بحيث يغطي باجتهاده مختلف أبواب الفقه وأقسامه.
وهذا النمط يمكن تسميته اصطلاحاً بالاجتهاد العام (بلحاظ شموله لكافة المجالات الحياتية) أو الاجتهاد الفردي (حيث يقوم به فقيه واحد وليس جماعة من الفقهاء المتعاونين).
وقد نهض الفقهاء الاجلاء دائماً – ومن خلال نمط الاجتهاد هذا – ولا زالوا ينهضون بواجبهم مشكورين في خدمة الأُمة واستنباط الاحكام الاجتهادية للمسائل الفقهية موضع ابتلائها.
ولكن إذا كان نمط الاجتهاد الفردي قد أدى ولا يزال يؤدي ما عليه في خدمة ابناء الأُمة.. فان طبيعة الحياة المتغيرة؛ وما شهده عصرنا الراهن من قفزات تطور كبيرة على الصعيدين المادي والمعرفي ادت إلى توسع واضح في مجالات الاجتهاد (من خلال بروز مسائل ومشكلات وتحديات اكبر امامه)، بحيث غدا أكثر صعوبة بالنسبة للفقيه الفرد…
كل ذلك قد دفع ببعض الفقهاء([5]). إلى طرح صيغة جديدة، وهي تعاون جماعة من الفقهاء في ممارسة الاجتهاد، بدلاً من النمط السائد. وهذه الصيغة الجديدة اطلق عليها اصطلاحاً اسم “الاجتهاد الجماعي”.
أسلوبان مطروحان لممارسة الاجتهاد الجماعي
وفكرة الاجتهاد الجماعي التي لم تطبق عملياً إلا بصورة محدودة كما سنشير بعد قليل، يُـقصد بها – في كلام القائلين بها – أحد أسلوبين للتعاون بين الفقهاء في ممارسة الاجتهاد:
الأسلوب الأول: ويسمّى “شورى الفقهاء” أو “المجمع الفقهي”. ويعني تبادل الرأي بين جماعة من المجتهدين بخصوص المسألة الواحدة، بحيث تكون الفتوى المتعلقة بالمسألة صادرة عن مجموعهم أو أكثريتهم، حسب النظام المتفق عليه بينهم. ويمكن لهؤلاء المجتهدين أن يستعينوا بخبراء فنيين مختصين في مجالات الحياة المختلفة.
وقد دعا إلى اعتماد هذا الأسلوب، المؤتمر الأول لمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر المنعقد بتاريخ شوال 1383 هـ، وتصدى للكتابة عن كيفية تنظيمه العديد من الكتاب المسلمين المعاصرين([6]).
وبادر الشيخ الدكتور مصطفى الزرقا (من سوريا) إلى تقديم اقتراح بشأنه إلى مؤتمر “رابطة العالم الإسلامي” الذي عقد في مكة المكرمة سنة 1384 هـ وجاء في اقتراحه: “وطريقة ذلك – أي اجتهاد الجماعة – تأسيس مجمع الفقه الذي يضم اشهر فقهاء العالم الإسلامي، ممّن جمعوا بين العلم الشرعي والاستنارة الزمنية وصلاح السيرة والتقوى. ويضم إلى هؤلاء علماء موثوقون في دينهم من مختلف الاختصاصات الزمنية اللازمة في شؤون الاقتصاد والاجتماع والقانون والطب ونحو ذلك ليكونوا بمثابة خبراء يعتمد الفقهاء رأيهم في الاختصاصات الفنية([7]).
ويظهر من هذا الاقتراح أن مجال الاجتهاد المطلوب هو خصوص المسائل والوقائع الجديدة التي حصلت في عصرنا الراهن لا عموم المسائل. وقد وافقت “رابطة العالم الإسلامي” على هذا الاقتراح وبادرت لاحقاً إلى إنشاء “مجمع الفقه الإسلامي”. وهو يعقد اجتماعات دورية يتداول خلالها أعضاؤه الفقهاء بمساعدة بعض ذوي الاختصاص، في بعض الموضوعات أو المسائل المهمة التي يُبتلى بها المسلمون اليوم. غير أنه – أي المجمع – لم يتقيّد بكل الضوابط التي تضمنها الاقتراح المشار إليه([8]).
أما بالنسبة للشيعة، فقد حصلت قبل حوالي عشر سنوات أول مبادرة ملموسة في هذا المجال، حين أقدم مرشد الجمهورية الإسلامية، سماحة آية الله العظمى السيد علي الخامنئي، على إصدار قرار بتأسيس هيئة فقهية تضم عدداً من الفقهاء البارزين. ووظيفة هذه الهيئة هي ان تقوم وبصورة جماعية، “بالإجابة الفقهية العلمية التحقيقية على المسائل التي يتطلبها وضع العالم الحاضر، والتقدم العلمي الجديد للفرد والمجتمع الإسلامي الحديث” ([9]).
وقبل صدور القرار المذكور بأمد غير قليل، دعا بعض علماء الشيعة إلى اعتماد هذا الأسلوب الجماعي في ممارسة الاجتهاد، باعتبار أن تبادل وجهات النظر بين العلماء بخصوص النقطة أو المسألة الواحدة، في أي مجال من المجالات العلمية – ومنها الفقه – هو عامل مهم من عوامل التقدم والتطور العلميين. ومن آثار هذا التعاون والتعرّف على وجهات نظر الآخرين، أن النظرية إذا كانت نافعة وصحيحة تأخذ طريقها إلى الانتشار بسرعة، في حين يمكن – وبالسرعة ذاتها – إيقاف انتشارها إذا كانت باطلة.
ولكن من وجهة نظر البعض الآخر، فإن هذا الأسلوب الاجتهادي يثير اشكالات عملية لابد أن تحلّ… خاصة في حالة اختلاف المجتهدين والقول باعتماد رأي أكثريتهم. إذ ما هو الدليل على حجية الأكثرية هنا؟([10]).
وقد طرح أحد الفقهاء الشيعة مؤخراً، على أساس اعتماد هذا الأسلوب في الاجتهاد، إصدار رسالة فقهية عملية موحّدة من قبل نخبة من الفقهاء المراجع مجتمعين، كبديلٍ عن الرسائل المتعددة التي يحمل كل منها الآراء الاجتهادية لأحد مراجع التقليد([11]).
أما الأسلوب الثاني المطروح للاجتهاد الجماعي، فهو التخصص في الأبواب الفقهية، أي توزّع أبواب الفقه أو مجالات الاجتهاد بين مجموعة من المجتهدين الحاصلين على درجة الاجتهاد المطلق، بحيث يتجه كل منهم إلى الاستنباط في إطار قسم محدد منها فقط.
وهذا الأسلوب هو الذي نتناوله هنا بالبحث التفصيلي. ويمكن أن نعبّر عنه أيضاً “بالتخصص في الاجتهاد” أو “الاجتهاد التخصصي”.
موجبات “التخصص في الأبواب الفقهية” وفوائده
في حدود إطلاعنا، فإن أول من دعا إلى اعتماد هذا الأسلوب – أي التخصص في عملية الاجتهاد الفقهي – هو مؤسس حوزة قم الحديثة، الفقيه الشيعي الكبير الشيخ عبدالكريم اليزدي الحائري (قدس سره)، المتوفى سنة 1355 هـ. هذا العالم المجاهد، الذي تميّز إلى جانب علمه الغزير بحكمته الفائقة وصبره على أنواع المحن والبلايا التي تعرّض لها المسلمون في إيران وخصوصاً الحوزة في زمنه، على يد الطاغية رضا شاه. كما تميّز أيضاً وبالأخص، إلى جانب تمسّكه الشديد بالأصالة، بروحه المنفتحة على العصر وإيجابياته. وهذا ما يظهر من إقتراحه لأسلوب التخصص في ممارسة الإجتهاد، بالإضافة إلى ما يتكشف من بعض مواقفه الأخرى، من قبيل دعوته لتنظيم امتحانات دورية لطلبة الحوزة، مستفيداً ذلك من الطريقة المتبعة في الجامعات الحديثة.
وقد نقل عنه اقتراح الأسلوب المذكور بعض تلاميذه كالشيخ الأراكي (قدس سره) والسيد أحمد الزنجاني([12]). ومضمون اقتراح الشيخ الحائري، حسب المنقول عنه، هو تقسيم الفقه إلى أقسام تخصصية. وتتوزع هذه الأقسام على مجموعة من العلماء المجتهدين، الذين تفقهوا في دورة فقهية عامة وبلغوا درجة الاجتهاد المطلق، حيث يعين كل منهم لنفسه جانباً فقهياً معيناً يختص فيه، ويقلده الناس في ذلك القسم التخصصي وحده. مثلاً، كأن يتخصص بعض في العبادات وبعض آخر يتخصص في المعاملات وبعض في السياسات وهكذا… كما هي الحال في الطب في الوقت الحاضر، حيث تشعبت الاختصاصات: فهذا أخصائي في القلب، وذاك في العين، وآخر في الأذن والأنف والحنجرة وغير ذلك. فلو حصل هذا، لأمكن توفر تحقيق علمي أعمق في كل قسم من أقسام التخصص الفقهي([13]).
ويظهر من هذا الاقتراح، أن ما دعا إليه ناحيتان:
الناحية الأولى: هي توسع مجالات الاجتهاد وتشعبها، إلى درجة أصبحت معها مهمة الفقيه المتصدي لممارسة الاجتهاد في كافة الشؤون الحياتية، والحريص على درجة عالية من الجودة في عمله الاستنباطي، أصبحت معها مهمته أكثر صعوبة ومشقة.
وقد حصل التوسع المذكور بحكم التطور الكبير في واقع الحياة اليوم وما طرحه هذا التطور من مسائل وتحديات جديدة. ثم هناك عامل آخر أدى إلى توسيع مجالات الاجتهاد – وبدرجة أخص بالنسبة إلى الفقيه الشيعي – وهو الإهتمام الفقهي الكبير والطارئ بالمجالات الإجتماعية والسياسية وشؤون الدولة عموماً وذلك بفعل الصحوة الإسلامية المعاصرة التي توّجت بقيام الجمهورية الإسلامية في ايران. ونقول الاهتمام الطارئ أو الجديد بالمجالات المذكورة، باعتبار أن اهتمام الفقه الشيعي كان منصباً في الماضي، على المجالات الفردية من حياة الإنسان، بسبب الظروف القاهرة التي أحاطت بالفقهاء الشيعة وقلّصت دورهم.
اما الناحية الثانية، التي دعت إلى طرح اقتراح التخصص في الأبواب الفقهية، فهي الاستفادة مما عليه الحال اليوم في سائر العلوم (البحتة منها والإنسانية)، كالطب خصوصاً والهندسة والفيزياء والكيمياء والقانون والاقتصاد وما إلى ذلك.
ويفصّل أحد الكتاب المسلمين المختصين([14]). في شرح هذه الناحية، فيقول بأن النهوض بالفقه الإسلامي، شأنه شأن النهوض بأي علم أو فن، لا يمكن أن يتحقق في هذا العصر إلا باحترام مبدأ التخصص. هذا المبدأ الذي يقوم على أساسه نظام التعليم الجامعي الحديث. فقد تقدّمت وتعقدت واتسعت دائرة مختلف العلوم في عصرنا وتعددت فروع كل علم، بحيث لم يعد صحيحاً أن نعتبر أي فرد من الأفراد عالماً أو اخصائياً، بالمعنى الدقيق للكلمة، إلا في فرع من فروع أحد العلوم أو الفنون.
فأستاذ القانون أو الطب أو الهندسة مثلاً، هو – في الحقيقة – أستاذ في فرع من الفروع التي يشتمل عليها كل علم من العلوم المذكورة.
وكلام هذا الكاتب يتجه إلى نظام تدريس الفقه، قبل أن يتجه إلى عملية الاستنباط. ولكن هناك رباط وثيق بين الأمرين، كما لا يخفى، باعتبار أنّ التدريس هو الذي يُعدّ الفقهاء المؤهّلين للاستنباط.
وقد أيّد العديد من علماء الشيعة المعاصرين هذا الاقتراح؛ ومن بينهم لا بد أن نذكر الشهيد الشيخ مرتضى مطهري، الذي روّج له بشيءٍ من الحماس، معتبراً بأن الضرورة لاعتماد التخصص في الأبواب الفقهية قد حصلت منذ أكثر من قرن من الزمن، بفعل تغيّر الظروف الحياتية.
ويؤكد مطهري بأن كل علم من العلوم (سواء الفقه أم غيره) ينمو تدريجياً حتى يصل إلى مرحلة لا يكون بمقدور الفرد الواحد الإحاطة به من جميع جوانبه، فتأتي ضرورة التقسيم إلى فروع للتخصص.
وبتعبير أوضح: إن ظهور الفروع التخصصية في أي علم من العلوم هو من جهة، نتيجة لتكامل ذلك العلم وتقدمه وهو، من جهة ثانية، يعد سبباً لاطّراد تقدم العلم، فتركّز الفكر حول المسائل التي تتعلق بفرع تخصصي معين، لا بد أن يؤدي إلى تقدم هذا الفرع تقدماً كبيراً.
ويخلص الشيخ مطهري إلى القول بأنّ عدم التسليم بضرورة تنفيذ هذا الاقتراح – أي التخصص في الأبواب الفقهية – يعني الوقوف بوجه تكامل الفقه وتطوره([15]).
وفي طليعة مَن أيّدوا اقتراح التخصص في أيامنا هذه، مرشد الجمهورية الإسلامية السيد الخامنئي، الذي أكد على ضرورة أن يتخذ التخصص في الفقه وغيره من العلوم طابعاً جدّياً، فالمعاملات والعبادات وغيرها – كما يقول – وإن كانت مرتبطة ببعضها، هي أبواب متعددة يمكن أن يتخصص الفقيه في أحدها([16]).
ويعتبر بعض علماء الشيعة المتأخرين، بأن الفائدة من التخصص، بعد افتراض ضرورة الاجتهاد العام قبل مرحلته، تكمن في تفرّغ الفقيه أكثر لاستيعاب المسائل الفقهية الداخلة في مجال اختصاصه، كما تكمن أيضاً في زيادة كفاءته العلمية فيما يتعلق باستخدام الأدلة في الحقل المختص به. ويضاف إلى ذلك أن طائفة واسعة من المسائل الفقهية تحتاج إلى خبرات غير فقهية إلى جانب الخبرة في المجال الفقهي([17]). ولا تتيسر الخبرة الواسعة، من النوع الأول، للفقيه العام وذلك مثل مسائل العملة والمصارف والشركات ومسائل القضاء المعقدة في المحاكم الحديثة وكذلك مسائل العلاقات والمعاهدات الدولية الحديثة.
كيف ندفع باقتراح التخصص في اتجاه التنفيذ؟
لقد مضى على تقديم هذا الاقتراح، من قبل الفقيه الكبير الشيخ الحائري، ما يناهز السبعين عاماً على الأقل. وبالرغم من مسوّغاته الوجيهة، فقد بقي الاقتراح خارج دائرة النقاش والتداول الجديين، ضمن الحوزات الفقهية الشيعية. والنقاش والتداول يشكلان مرحلة لابد أن تسبق الحديث عن وجود مسعى جدّي لتنفيذ الاقتراح المذكور.
وقد يكون السبب في عدم أخذه بالجدية الكافية، من قِبَل الحوزة حتى الآن، هو تأثير العادة والألفة التاريخية الطويلة لنمط الاجتهاد السائد من جهة، ثم عدم حصول الترويج الكافي للاقتراح من جهة ثانية.
وما يكفل تنفيذ اقتراح التخصص في الأبواب الفقهية، في تصوّرنا، هو:
أولاً: توفر الأرضية النظرية المناسبة، أي أن تكون عملية التبويب الفقهي ملائمة للتخصص.
ثانياً: وتوفـّر الارادة العملية لدى الفقهاء، أي أن تتجه مجموعة من الفقهاء إلى تطبيقه.
وسنتناول هاتين النقطتين، فيما يلي، بشيء من التفصيل.
ضرورة ملائمة التبويب الفقهي للتخصص
يمكن القول بأن التبويب الفني الأشهر في تاريخ الفقه الشيعي، هو ذلك الذي اعتمده المحقق جعفر بن الحسن الحلي (المتوفى سنة 676 هـ) في كتابه “شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام”. وقد استفاد المحقق في تبويبه من طريقة من سبقه مع إجراء تطوير مهم في تلك الطريقة([18]). وهو قد وزّع أبواب كتابه الخمسين ونيّفاً على أربع مجموعات أو أقسام:
أولاً: العبادات؛ ويشتمل على مجموعة أبواب منها: الطهارة والصلاة والصوم والزكاة…
ثانياً: العقود؛ ويشتمل على مجموعة أبواب منها: التجارة والرهن والمفلس والحجر والنكاح…
ثالثاً: الإيقاعات؛ ويشتمل على مجموعة أبواب منها: الطلاق والخلع والمباراة والظهار والإيلاء واللعان…
رابعاً: الأحكام؛ ويشتمل أيضاً على مجموعة أبواب منها: الصيد والذباحة والأطعمة والأشربة والفرائض (أو المواريث) والقضاء والحدود…
وقد ترك تبويب الحلي، بل ترتيب أبواب كتابه بصماته الواضحة على الكتب الفقهية من بعده. ويكفي أن نشير إلى المتن الفقهي الشهير: “اللمعة الدمشقية” لمؤلفه الفقيه الكبير الشهيد الأول محمّد بن مكي (786 هـ) الذي اتبع الطريقة نفسها في التبويب وترتيب الأبواب، باستثناء بعض التعديلات الطفيفة([19]).
وقد بيّن الشهيد الأول، في كتابه “القواعد والفوائد” خلفيّة التقسيم الرباعي حيث قال ما مضمونه: الفقه، إما أن يرتبط بالجهات الروحيّة والأخروية أو أن يرتبط بالجهات المعيشية الدنيوية وتنظيمها. فالقسم الأول هو العبادات، بينما الثاني الذي نجد من يسمّيه بالمعاملات، ينقسم إلى قسمين: قسم يضم الأحكام التي تترتب على تعهدات لفظية من قبل الأفراد المكلفين. وآخر يضم الأحكام التي لا تترتب على مثل تلك التعهدات. والقسم الأخير يقال له الأحكام وهو يشمل مباحث القضاء والجزاء (العقوبات) والإرث. أما القسم الأول فينقسم بدوره إلى قسمين: قسم منه يتعلق بالتعهدات من طرفين ويسمى العقود؛ وقسم يتعلق بالتعهدات من طرف واحد ويسمى الإيقاعات([20]).
وهذا التقسيم الرباعي يستبطن في داخله تقسيماً ثنائياً أساسياً كما لاحظنا هو: العبادات والمعاملات. والتقسيم الثنائي هو المتبع في العديد من الرسائل العملية المتأخرة مثل “وسيلة النجاة” و”تحرير الوسيلة” و”منهاج الصالحين”.
وإذا ما نظرنا إلى التبويب والتقسيم المعتمدين في المتون الفقهية السنية، فإننا نلمس بوضوح نقاط التشابه مع التبويب الفقهي الشيعي([21]).
بعد هذا الاستعراض للنمط المتعارف في التبويب أو التقسيم الفقهي لدى الفقهاء المسلمين (وبالأخص الشيعة منهم)، نلاحظ بأن التقسيم الذي اعتمدوه بالنسبة لأبواب المعاملات – وإن استند إلى مقسم معيّن هو “تعهدات المكلفين” – قد جاء في الدرجة الأولى كما يبدو بدافع فني هو تسهيل عملية الكتابة والبحث النظري. أما الأبواب الفقهية المتفرّعة عن الأٌقسام الرئيسة، فهي – وإن كانت تعبيراً عن العلاقة بين النصوص الدينية ومجالات الواقع الحياتي التي تحققها عملية الاجتهاد – فهي ترتبط بالمجالات الحياتية الموجودة في زمن الفقهاء الأوائل كالشيخ الطوسي والمحقق الحلي. وهذه المجالات قد حصل فيها تغيّر ونموّ كبير مع مرور هذا الزمن الطويل. ويكفي مثالاً على ذلك أن نشاهد التوسع والتشعّب الحاصلين على صعيد العلاقات الاقتصادية بالقياس إلى ما كانت عليه قبل مئات السنين([22]).
من هنا يبدو منطقياً الحديث عن ضرورة إجراء تعديل في التبويب الفقهي السائد، بإضافة أبواب جديدة تعكس ما استجد من مجالات الحياة على صعيد الاقتصاد والمال والشؤون الاجتماعية وغير ذلك وكذلك إضافة أبواب تتعلق بشؤون الدولة والمجتمع السياسي التي كان الفقه الشيعي مقصياً عن البحث فيها فيما سبق، كما أسلفنا القول. ولابد أيضاً، في الوقت نفسه، من إلغاء بعض الأبواب التي فقد موضوعها كباب العتق، حيث لم يعد للرق وجود في عالم اليوم. ولا ضير في كل هذه التعديلات، ما دام التبويب ليس أمرا تعبّدياً يجب التقيّد به.
وبالنسبة لتقسيمات الفقه الرئيسة المتعلقة بالمعاملات، قد يكون من المناسب استبدالها بتقسيمات جديدة يُستفاد فيها، ما أمكن، من العناوين المستخدمة في القانون الوضعي الحديث. بحيث يكون هناك مثلاً قسم للفقه الدستوري الإسلامي وقسم لفقه العلاقات الدولية وقسم للفقه الجنائي (أو فقه العقوبات)، إلى ما هنالك من أقسام متنوعة([23]).
وعلى سبيل المثال، نذكر أحد التغييرات المطلوبة والمترتبة على إعادة النظر في التقسيم الفقهي وهو الحاجة إلى تجميع أبواب النكاح والطلاق والإرث تحت عنوان واحد جديد هو “فقه الأسرة” بدل أن تظل هذه الأبواب موزعة على الأٌقسام الثلاثة التقليدية: حيث النكاح يتعلق بقسم العقود والطلاق بقسم الإيقاعات وباب الإرث بقسم الأحكام.
ومن الفوائد الإضافية المترتبة على الاستفادة من التقسيم القانوني الحديث على الصعيد الفقهي، تسهيل إجراء المقارنة بين الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي، بحيث يظهر تفوّق الشريعة وأسبقيّتها في تقديم الحلول الصحيحة للمشكلات الإنسانية.
وقد أكد العديد من الفقهاء المسلمين المعاصرين على ضرورة إجراء تعديل في التبويب أو التقسيم الفقهي، نذكر منهم مثلاً، الشهيد السيد محمّد باقر الصدر وأبو الأعلى المودودي.
فقد اقترح السيد الصدر تقسيماً رباعياً جديداً في مقدمة كتابه “الفتاوى الواضحة” يستفيد فيه بعض الشيء، من التقسيم القانوني الحديث، حيث هناك: قسم العبادات، ثم قسم الأموال المتفرّع إلى: الأموال العامة (وهي المجعولة للمصالح العامة) والأموال الخاصة (وهي التي لها مالك أو ملاك محددون) ثم قسم السلوك والآداب الشخصية ويتفرع بدوره إلى فرعين هما: الروابط العائلية وعلائق الجنسين من جهة وما يتصل بتنظيم السلوك الفردي في غير ذلك المجال من جهة ثانية، ثم هناك أخيراً قسم السلوك العام ويتعلق بسلوك الأجهزة الحكومية في الشؤون الداخلية والخارجية([24]).
أما أبو الأعلى المودودي فيدعو إلى ترتيب موضوعات الكتب الفقهية على أسلوب كتب القانون في العصر الحديث، مع إمكانية وضع عناوين جديدة لها، ليستعين بها علماء القانون على الفهم الصحيح للفقه الإسلامي([25]).
توفر الإرادة العملية، لدى فقهاء الحوزة، لتنفيذ الاقتراح
وهذا يقتضي أولاً، مبادرة مَن يقتنع بهذا الأسلوب الاجتهادي من العلماء إلى طرحه والتداول الكافي بشأنه مع مدرسي الحوزة وخصوصاً الفقهاء الكبار فيها، أي أساتذة مستوى “الخارج”… وذلك على أمل أن يقتنع به جماعة منهم فيعمدوا إلى تطبيقه على مستوى التدريس في البداية، قبل أن يصل إلى مستوى مرجعية التقليد فيما بعد… وذلك بحيث يشيع اللجوء إلى “التبعيض في التقليد” المرتبط بأبواب الفقه بين جمهور المقلّدين. وبالتالي نسمع هؤلاء ينقلون عن أهل الخبرة قولهم: إن فلاناً هو الأعلم في مسائل العبادات وفلاناً الآخر هو الأعلم في مسائل الاقتصاد والماليات وفلاناً الثالث هو الأعلم في المسائل السياسية. وهكذا.
وإننا نرجو، في الختام، أن يساعد مؤتمركم الكريم هذا، في إذكاء النقاش حول هذا الإقتراح وبلورته بصورة أكبر، بما يزيد من فرص النجاح في تحقيقه على أكمل وجه ممكن.. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الهوامش:
([1]). لعل أول خطوة سجلت على صعيد تغلغل القوانين الوضعية الغربية في العالم الإسلامي، هي إقدام الخلافة العثمانية سنة 1840م على اعتماد قانون للعقوبات مترجم عن قانون العقوبات الفرنسي مع شيء من التعديل. وتزايد هذا التغلغل بالتدريج، مقابل انحسار في مساحة تطبيق الشريعة الإسلامية، وذلك مع ازدياد النفوذ الغربي. حتى انتهى الحال في أكثر انحاء العالم الإسلامي إلى انحصار تطبيق الشريعة الإسلامية في اطار انظمة الاسرة أو “الاحوال الشخصية”. ولكن حصل قدر من التبدل الايجابي في الفترة الزمنية الاخيرة بتأثر الصحوة الإسلامية المعاصرة وقيام الجمهورية الإسلامية في ايران.
([2]). من جملة المظاهر المبكّرة التي انعكست فيها هذه الدعوات على صعيد حوزة النجف، تأسيس جمعية منتدى النشر، على يد الشيخ محمّد رضا المظفر ورفاقه من العلماء… هذه الجمعية التي أنشأت “كلية الفقه” الجامعية.
([3]). لاحظ مثلاً: حسين بن شهاب الدين العاملي (المتوفى سنة 1076 هـ)؛ هداية الأبرار إلى طريق الأئمة الأطهار؛ ص303-304؛ النجف؛ 1977م.
([4]).د. نادية شريف العمري؛ الاجتهاد في الإسلام – أصوله، أحكامه، آفاقه؛ ص218-219؛ الطبعة الأولى؛ مؤسسة الرسالة؛ بيروت؛ 1981م.
([5]).لاحظ مثلا: د. يوسف القرضاوي ؛ الفقه الإسلامي بين الأصالة والتجديد؛ ص 42؛ مؤسسة الرسالة؛ بيروت؛ 2001م.
والشيخ مرتضى مطهري؛ الاجتهاد في الإسلام؛ ص35؛ دار التعارف للمطبوعات؛ بيروت؛ دون تاريخ.
([6]).د. نادية العمري؛ المصدر نفسه؛ ص264-265.
([7]).مناع القطان؛ تاريخ التشريع الإسلامي؛ ص339؛ الطبعة 14؛ مؤسسة الرسالة؛ بيروت؛ 1996م.
([8]).لاحظ: المصدر السابق نفسه؛ الصفحة نفسها.
([9]).د. جعفر الباقري؛ ثوابت ومتغيرات الحوزة العلمية؛ ص93-94؛ دار الصفوة؛ بيروت؛ 1994م.
([10]).لاحظ بالنسبة لتأييد الأسلوب الاجتهادي هذا: مطهري؛ المصدر نفسه؛ ص35.
ولاحظ بالنسبة للتحفظ على هذا الأسلوب: آراء في المرجعية الشيعية؛ لمجموعة من الباحثين؛ ص121-122؛ الطبعة الأولى؛ دار الروضة؛ بيروت 1994م.
([11]).السيد كاظم الحائري؛ أساس الحكومة الإسلامية؛ ص195؛ طبعة أولى؛ الدار الإسلامية؛ بيروت؛ 1979م.
([12]).آراء في المرجعية الشيعية؛ مصدر سابق؛ ص231-232.
([13]).مطهري؛ الاجتهاد في الإسلام؛ ص32-33.
([14]).د. عبدالحميد متولي؛ الشريعة الإسلامية كمصدر أساسي للدستور؛ ص317؛ الطبعة الثانية؛ منشأة المعارف بالاسكندرية؛ مصر؛ 1975م.
([15]).مطهري؛ المصدر السابق نفسه؛ ص33-35.
([16]).لاحظ مجلة “حوزة” الصادرة في قم؛ العدد رقم 46، ص31-32.
([17]).لاحظ: السيد محمّد الصدر؛ ما وراء الفقه ج 1 ؛ ص7-10؛ دار الأضواء؛ بيروت؛ 1999م.
و: الشيخ محمّد مهدي الآصفي؛ مقالة “سؤال وجواب حول الاجتهاد والتقليد”؛ مجلة رسالة الثقلين؛ سنة5؛ العدد المزدوج 17 و18؛ ص192-193؛ ايران.
([18]).لاحظ ما يقوله آقا بزرك الطهراني؛ الذريعة إلى تصانيف الشيعة؛ ج13؛ ص47؛ الطبعة الأولى؛ النجف 1959م.
ولاحظ أيضاً: تقديم العلّامة السيد محمّد تقي الحكيم للطبعة الجديدة من كتاب “شرائع الإسلام” للحلي؛ دار الأضواء؛ بيروت؛ 1983م.
([19]).ما فعله الشهيد الأول رحمه الله في “اللمعة الدمشقية” فقط، هو أنه أدمج باب “الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر” ضمن كتاب الجهاد، كما دمج بابي اليمين والنذر ووضعهما بعد بابي “الجهاد”، و”الكفارات” بدلاً من موقعهما في كتاب “شرائع الإسلام”، بعد باب “الجعالة” (في القسم الثالث)، كما أنه – أي اللمعة – دمج أبواب التدبير والمكاتبة والاستيلاد في باب واحد.
([20]).محمّد بن مكي العاملي؛ القواعد والفوائد؛ تحقيق الدكتور السيد عبدالهادي الحكيم؛ القسم الأول؛ ص30-31؛ منشورات مكتبة المفيد؛ قم؛ دون تاريخ.
([21]).لاحظ مثلاً: الشيخ محمود شلتوت؛ الإسلام عقيدة وشريعة؛ ص73؛ دار الشروق؛ بيروت – القاهرة؛ الطبعة 13؛ 1985م.
و: صبحي المحمصاني؛ فلسفة التشريع في الإسلام؛ ص24-25؛ الطبعة الثالثة؛ دار العلم للملايين؛ بيروت 1961م.
([22]).لاحظ: محمّد باقر الصدر، المدرسة القرآنية، ص 30 ـ 31، دار التعارف للمطبوعات، بيروت، 1980م.
([23]).من جملة من نادى بتقسيم الفقه الإسلامي وفق نفس الطريقة المعتمدة في القانون الحديث، الكاتب الإسلامي المختص الدكتور عبدالكريم زيدان، وذلك في كتابه “نظرات في الشريعة الإسلامية”؛ ص139؛ الطبعة الأولى؛ مؤسسة الرسالة؛ بيروت؛ 2000م.
([24]).السيد محمّد باقر الصدر؛ الفتاوى الواضحة؛ ص46 – 47؛ الطبعة الثالثة؛ منشورات دار الكتاب اللبناني؛ بيروت؛ 1977م.
([25]).أبو الأعلى المودودي؛ القانون الإسلامي وطرق تنفيذه (ضمن مجموعة: نظرية الإسلام وهديه)؛ ص209؛ دار الفكر؛ بيروت؛ 1967م.