هل يمكن إقامة حوار مع السلفيين
هل يمكن إقامة حوار مع السلفيين
الشيخ الدكتور عقيل محمود الكاظمي
باحث و مفكر إسلامي - العراق
بسم الله الرحمن الرحيم
1- الغاية من الحوار :
أن الحديث عن الحوار هو الحديث عن ذلك المفهوم الذي يمثل التواصل الإنساني وعملية انتقال عناصر الفكر بكل خصائصه ومشاعره نحو الإنسان الآخر ، ولهذا فان الحوار يمثل تلك القيمة والحركة الاجتماعية في حياة الإنسان ، وان اللاحوار يمثل موتا للحركة الاجتماعية والإنسانية على حد سواء.
القرآن الكريم - بلا شك - هو أول من أسس للحوار وهو كتاب حواري منذ بدأ الخليقة ، ولذا نجد أن الله عز وجل (وهو الله بكل ما تعني الكلمة ) حاور إبليس الذي رفض السجود لآدم (ع) ولكنه لم يرفض فرصة الحوار التي أتيحت له مع الله تبارك وتعالى وعبر إبليس عن ما في نفسه وبكل صراحة (( أنا خير منه )) ، وأن أشتد ذلك الحوار في نهايته وقد قال (( فبما أغويتني لأقعدن لهم على صراطك المستقيم )) الأعراف 16 ، فأجابه الله تعالى : ((بأن عبادي ليس لك عليهم سلطان )) الحجر 42
أذن يمكن الحوار حتى مع أشد المتمردين والمخالفين من أمثال أبليس لعنه الله ويجب علينا الإجابة عن جميع تساؤلاتهم وأشكالياتهم هذا أولا ، وثانيا فلا يوجد شخص مرفوض في عملية الحوار ، وان الله قد حاور الملائكة كما حاور الشيطان. وإذا كان الله قد حاور الشيطان والإنسان حاور الشيطان وهم في الجنة ، فلماذا لا يحاور الإنسان أخيه الإنسان وهم في الأرض وهم أحوج ما يكونوا اليوم إلى حوار بناء يحفظ إراقة الدماء ويصون الأعراض... (( قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله... ))
علينا أن لا ندخر جهدا في الحوار وبدأ الحوار من خلال الانفتاح على الآخر ، وان الإسلام يعلمنا بأن ننطلق من مواطن اللقاء في البداية وصولا إلى تعزيز وإيجاد مواطن للالتقاء فتتعمق العلاقة و تتسع الثقة بين أبناء الدين الواحد وأبناء الجنس الواحد.
وعلينا أن نتذكر دوما ان الحوار يهدف إلى تحقيق إرادة الله (( إن هذه أمتكم امة واحدة وأنا ربكم فاعبدون )) وان الحوار يصبو إلى تحقيق حلم رسول الله (ص) وتعاليمه (( حرمة المؤمن عند الله أشد من حرمة الكعبة المشرفة )).
(( أدفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم ))
2- من هـم السـلفيـة :
السلفية... منهج إسلامي يدعــو إلى فهــم الكتاب والسنة من خلال فهم الجيل الأول من سلف الأمة وهم الصحابة والتابعون وتابعو التابعين باعتباره يمثل نهج الإسلام الأصيل والتمسك بأخذ الأحكام من القرآن الكريم والأحاديث الصحيحة ويبتعد عن كل المدخلات الغريبة عن روح الإسلام وتعاليمه، والتمسك بما نقل عن السلف.
يعتقد بأن السلفية ما هي إلا امتداد لمدرسة أهل الحديث والأثر الذين برزوا في القرن الثالث الهجري في مواجهة المعتزلة في العصر العباسي تحت قيادة أحمد بن حنبل أحد أئمة السنة الأربعة فكان المعتزلة يتخذون مناهج عقلية في قراءة النصوص وتأويلها واستمدوا أصولهم المنطقية من الحضارة الإغريقية عن طريق الترجمة والتعامل المباشر، ورأى أهل الحديث في هذه المناهج العقلية خطراً يهدد صفاء الإسلام ونقاءه وينذر بتفكك الأمة وانهيارها. وانتهى هذا النزاع حين تولى الخليفة المتوكل أمر الخلافة وأطلق سراح ابن حنبل وانتصر لمنهجه ومعتقده
قال محمد أبو زهرة أنه في القرن الرابع هجرياً ظهرت جماعة من أهل الحديث تنسب آرائها لابن حنبل في إثبات بعض صفات لله ثم أقر هذا المنهج كمنهج رسمي للدولة العباسية في زمن الخليفة القادر بالله بناء على منشور العقيدة القادرية الذي كتبه الخليفة وأمر أن يتلى في المساجد يوم الجمعة وأخذ عليه خطوط العلماء والفقهاء.
بعد ذلك شهدت السلفية انحسارًا ملحوظًا شعبيًا وسياسيًا بعد انقسام الفقهاء الإسلاميين وأهل الحديث إلى حنابلة وأشعرية حتى قوي جانب الأشاعرة وتبنى بعض الأمراء مذهبهم [13] إلى أن ظهر ابن تيمية في القرن السابع بالتزامن مع سقوط عاصمة الدولة العباسية بغداد على أيدي التتار سنة 656 هـ فعمل على إحياء الفكر السلفي وقام بشن حملة على من اعتبرهم أهل البدع داعياً إلى إحياء عقيدة ومنهج السلف من أجل تحقيق النهضة. ولقد أثارت دعوته جدلاً في الأوساط الإسلامية حينها فاستجاب بعض العلماء وطلبة العلم لأفكاره مثل الذهبي وابن قيم الجوزية والمزي.
ثم شهدت السلفية انحساراً كبيراً مرة أخرى بعد ذلك. لتعاود الظهور مرة أخرى في القرن الثامن عشر الميلادي متمثلة في دعوة محمد بن عبد الوهاب في شبه الجزيرة العربية والتي واكبت عصر انحطاط وأفول نجم الدولة العثمانية وصعود الاستعمار الغربي. وأحدثت هذه الدعوة تأثيراً كبيراً في مختلف أنحاء العالم الإسلامي، وأحدثت لغطاً كبيراً بين مؤيديها ومعارضيها.
ومن أهم أعلامهم: عبد العزيز بن باز ومحمد ناصر الدين الألباني ومحمد بن صالح بن عثيمين ويعقوب الباحسين وغيرهم.
3- التكفيرية السـلفيـة : حركة دينية ام سياسية
ان السلف الصالح طالما تحاوروا فيما بينهم فيما اختلفوا فيه من المسائل التي كانوا يواجهونها أمثال الامام علي بن ابي طالب وعثمان بن عفان وأبو ذر وعبد ارحمن بن عوف والتاريخ شاهد بهذه المواقف. كذلك ان الفكر السلفي يدعو الى الوحدة وعدم الخروج عن الاجماع ونبذ الفرقة وان يد الله مع الجماعة. ولكن الحركة السلفية أحيانا تتبنى أمور اكثر شدة وتزمت من خلال
• التكفير... فهم يكفرون أي شخص او مذهب او دين قد لا يتفق معهم حول موضوع ما
• التبديع... أي أن أي عمل او حركة لا تتناسب معهم ومع مصالحهم يعتبرونه بدعة
• الهجر... أو المفاصلة فيبتعدون ويهجرون من لا يتفق معهم فلا زواج ولا بيع ولا. شراء ويقاطعونه مقاطعة تامة.
يبقى السؤال المطروح بالنسبة لنا نحن كمسلمين – سنة أو شيعة – معتدلين ومؤمنين بأهمية الحوار الإسلامي – السلفي و مدى جدوى ذلك الحوار ،خصوصا مع وجود نقاط مشتركة ورصينة ومع وجود واقع مرير من خلال عمليات القتل والدمار والسلوك الإجرامي التكفيري باسم الجماعات السلفية كداعش وجبهة النصرة والقاعدة وغيرها من الحركات المشبوهة :
هل أن ما موجود اليوم في الشارع العربي من قتل ودمار وهتك للاعراض ، هل يمكن تسميته واعتباره حالة شاذة أو حالة طارئة على الفكر والمفهوم السلفي أم هذا هو من صميم الفكر السلفي؟. أن ما موجود اليوم من تنظيمات إرهابية هي عبارة عن حركات اجرامية وقتله مأجورين حالهم حال أي مرتزقة لا هم لهم سوى سفك الدماء والاعتداء على الممتلكات والاعراض. وما حصل لأهالي الانبار (السنة) أو مدينة معلولة ( المسيحية ) - على سبيل المثال - من اعتداءات واهانات واغتصاب باسم الأمير وامارة السلف الإسلامي أحداث يندى لها جبين كل مسلم غيور.
4- الخلاصــة :
من خلال هذه المعطيات أعلاه يمكن القول:
1- أن باب الحوار مفتوح والفرصة لازالت قائمة ووجود بصيص أمل للحوار بكل ما يعنيه الحوار مع التيارات السلفية الدينية المعتدلة الأصيلة والانفتاح على الشخصيات العلمائية المحترمة والمعروفة بعلمها وزهدها وهمها على الأمة ومصير أبنائها ، فيمكن استغلال النقاط الايجابية في الفكر السلفي منها :
• أيمانهم بالحوار والنقاش وان كان ضمن مساحة ضيقة ومحددة
• حرمة الخروج عن أجماع الأم والدعوة إلى التفرقة
• يحترمون ويؤمنون بسلوكيات السلف الصالح من أهل البيت (ع) أو الصحابة الكرام(رض).
• يتفق المذهب السلفي مع المذهب الجعفري و يختلف عن المذاهب الأخرى بعملية التجديد في الفكر الإسلامي من خلال فتح باب الاجتهاد و السير نحو حركة فكرية متجددة فنجد ان محمد بن عبد الوهاب أو بن باز وغيرهم من المتأخرين هم أصحاب فكر تجديدي والمسيرة مستمرة، وهذا بحد ذاته يعطي فرصة وأمل لفتح باب الحوار.
2- لا يمكن أقامة حوار أسلامي مع التكفيريين القتلة باسم الحركة السلفية للأسباب المذكورة آنفا وهي :
• التكفير... فهم يكفرون أي شخص أو مذهب أو دين قد لا يتفق معهم حول موضوع ما
• التبديع... أي أن أي عمل أو حركة لا تتناسب معهم ومع مصالحهم يعتبرونه بدعة
• الهجر... أو المفاصلة فيبتعدون ويهجرون من لا يتفق معهم فلا زواج ولا بيع ولا. شراء ويقاطعونه مقاطعة تامة.
5- التوصـيـات :
1- الانفتاح على رموز الفكر السلفي في العالم وإيجاد السبل الكفيلة للحوار لان الأمة اليوم بحاجة إلى من يوقف نزيف دماء أبنائها في مصر والعراق ولبنان وسوريا وغيرها.
2- ضرورة محاربة الفكر التكفيري الشاذ – وعلى جميع المستويات – ونبذهم وهي مسؤولية تقع على عاتق الجميع دون استثناء.
3- فضح مخططات التكفيريين ونبذهم أعلاميا وايدولوجيا واجتماعيا وسياسيا وعلى جميع المستويات.
4- أعطاء فكرة واقعية وعملية للآخر(غير المسلم) بأن هذه الفئة الضالة ليست من الإسلام في شيء فلا نريد ان يكون بن لادن والزرقاوي وغيرهم من يمثل الإسلام ويجسد رمزية النبي محمد (ص) في أوروبا والعالم الغربي وأصبحوا يحرقون المصحف ويحاربون الحجاب و يؤلفون أفلاما عن الإسلام ورسوله بصورة يندى لها الجبين ونحن ننتظر المزيد.
5- أذا أوصلنا فكرة التكفيريين ليسوا من الإسلام والمسلمين بصلة ، فانها ستصنف ضمن قوائم الإرهاب وتقنين قتالها ومطاردة فلولها ومنع أي نشاط لهم في أي بقعة من العالم أجمع ويجوز قتالهم باسم مكافحة الإرهاب وسيكون التخلص منهم مطلب عالمي وأممي والله ولي التوفيق
1. أصول وتاريخ الفرق الإسلامية - مصطفى بن محمد بن مصطفى - مكتبة صيد الفوائد، 2003
2. السلفية: حقيقتها ومكانتها في الحركة الإسلامية المعاصرة - الشيخ محمد عبد الله الخطيب - إخوان أون لاين، 2 يوليو 2005
3. الجذور التاريخية لظهور مصطلح السلفية - علاء بكر - صوت السلف، 27-يونيو-2009
4. "السلفية قواعد وأصول": د. أحمد فريد
5. تاريخ المذاهب الإسلامية لمحمد أبو زهرة. ص 181:185
6. "أهل السنة والجماعة معالم الانطلاقة الكبرى" لمحمد عبد الهادي المصري.
7. عقيدة السلف أصحاب الحديث/ الحافظ الصابوني.
8. السلفية والمذاهب الأربعة
9. "السلف والسلفية" للدكتور محمد عمارة.
10- "كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد" لمحمد بن عبد الوهاب.
11-"إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد" للشيخ صالح الفوزان، ج1
12- خمسون عامًا على استشهاد حسن البنا، مشروع إسلامي للنهضة الحضارية د. محمد عمارة، ، مجلة المجتمع (الكويت) العدد، 1337، 23 شوال 1419 هـ، 9 فبراير 1999، ص 22
13- العلاقة بين الأنظمة العربية والجماعات الجهادية السلفية، المعرفة شبكة الجزيرة 26 أبريل 2006.