حب أهل البيت (عليهم السلام) عند المذاهب الإسلامية
حب أهل البيت(عليهم السلام) عند المذاهب الإسلامية
الشيخ أحمد الزين
قاضي شـرع - صيدا - لبنان
بسم الله الرحمن الرحيم
من هم أهل البيت ؟
من المفيد قبل الدخول في هذا الموضوع والحديث عن حب أهل البيت عند المذاهب الإسلامية ان نتعرف أوّلاً على أهل البيت عند المذاهب الإسلامية.. ان نتعرف أوّلاً على أهل البيت رضوان الله تعالى عليهم اجمعين.. من هم أهل البيت؟! وهل زوجات رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وصحبه هن من آل البيت)؟! وهل اعمامه وأبناء اعمامه هم من آل محمد؟!
لن ادخل في بعض الخلافات التى نشبت بين بعض العلماء ورأت ادخال زوجات الرسول واقربائه كاعمامه وابنائهم في أهل بيت النبوة مكتفياً بالاحاديث النبوية الشريفة التي حصرت أفراد أهل البيت بالإمام عليّ والسيدة فاطمة وولديهما الحسن والحسين.
وروى الحاكم في المستدرك ان النبيّ القى على عليّ وفاطمة والحسنين كساء ثم قال: اللهم هؤلاء إلى فصلّ على محمد وعلى آل محمد. وانزل الله عز وجل: (إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً).
وروي الترمذي والحاكم والبيهقي ومسلم في صحيحه عن سعد بن أبي وقاص أنّه قال: لما نزلت الآية (فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم) دعا رسول الله (صلى عليه وآله وسلم) عليّاً وفاطمة والحسن والحسين فقال: اللهم هؤلاء أهلي.
وروى الإمام أحمد في مسنده عن ام سلمه زوجة الرسول (صلى عليه وآله وسلم) أنها قالت: في بيتي نزلت آية (إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً) وفي البيت فاطمة وعليّ والحسن والحسين فجلّلهم رسول الله بكساء كان عليه ثم قال: اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً.
وفي رواية الترمذي ان ام سلمة زوجة الرسول قالت: وانا معهم يا رسول الله قال: انت على مكانك وانت إلى خير.
نستنتج من هذه الأحاديث النبوية الشريفة ان الإمام عليّ والسيدة فاطمة الزهراء وولديهما الحسن والحسين هم أهل بيت النبوة وان زوجات الرسول امهات المؤمنين ليسوا من أهل البيت لقوله صلى الله عليه وعلى آله لزوجته ام سلمة رضي الله عنها وهي تسأل: وانا معهم يا رسول الله؟ اجابها: انت على مكانك وانت إلى خير.
وليكن معلوماً ان حصر أهل بيت النبوة بالاربع المذكورين لا ينقص منه مقام امهات المؤمنين ولا من سائر أقرباء الرسول كأعمامه وأبنائهم ولا من سائر الصحابة الذين وردت في مدحهم والثناء عليهم احاديث نبوية كثيرة تثبت علو مقامهم وتبرز فضائلهم وما قدموا للدعوة الإسلامية من بذل وتضحيات. وكذلك كان اعمام رسول الله (صلى عليه وآله وسلم) وابناؤهم على درجة عالية من التقوى والبذل في سبيل الله كعمه حمزة رضي الله عنه والعباس بن عبدالمطلب الذي اتى إليه عمر بن الخطاب رضي الله عنه عام الرمادة وامسكه من يده ودعا ربه قائلا: اللهم انا نتشفع اليك بعم نبيك ان تذهب عنا المحل وان تسقينا الغيث ولم يبرحوا حتى سقوا واطبقت السماء عليهم اياما.
وهذا يحملنا على القول بان حصر أهل البيت بالإمام علي وزوجته وولديه لا ينقص من مقام سائر أهل النبي واقاربه ولا من فضل سائر أصحابه رضوان الله تعالى عليهم.
ويبقى السؤال عن الأئمّة الصالحين الأطهار من ذرية النبي (صلى عليه وآله وسلم) يحتاج إلى جواب وهل الأئمّة من الذرية الطاهرة هم من أهل البيت؟
يجيب على هذا السؤال اكثر من حديث نبوي شريف يتحدث عن العترة النبوية الشريفة.
روى الترمذي في صحيحه ان رسول الله (صلى عليه وآله وسلم) قال: يا ايها الناس اني تركت فيكم ما ان اخذتم به لن تضلوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي.
وروى الترمذي عن زيد بن ارقم ان رسول الله (صلى عليه وآله وسلم) قال: اني تركت فيكم ما ان تمسكتم به لن تضلوا بعدي كتاب الله حبل ممدود ما بين السماء والأرض وعترتي أهل بيتي وانهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما.
وقد اخرج الإمام احمد عن زيد بن ثابت ان رسول الله (صلى عليه وآله وسلم) قال: اني تارك فيكم خليفتين كتاب الله حبل ممدود بين السماء والأرض وعترتي أهل بيتي وانهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض.
ومعلوم ان عترة الرجل هم عشيرته الاقربون ممن مضى وبقي وكذلك ذريته.
وهكذا نرى ان هذه الأحاديث النبوية الشريفة قد دلت على أمور ثلاثة:
أولها: ان رسول الله (صلى عليه وآله وسلم) تارك كتاب الله حبل الله الممدود بين السماء والأرض.
ثانيا: عترته من أهل بيته والائمة من ذريته.
ثالثا: ان القرآن الكريم وعترته من أهل بيته لن يفترقا حتى يردا عليه الحوض.
ويفهم من هذا ان الأئمّة من عترته وذريته الصالحة وكتاب الله تعالى لن يفترقا حتى يردا الحوض على رسول الله (صلى عليه وآله وسلم).
وبهذا المعنى: ان الأئمّة الصالحين من ذريته من أهل بيته واعتبار ان ذريته ستبقى مع القرآن إلى يوم القيامة.
أسباب حب آل البيت عند المذاهب الإسلامية ولدى سائر المسلمين والهدف من وراء ذلك:
نبدأ الخطوة الأُولى في السير على طريق حب أهل بيت النبوة باعتبار هذا الحب طاعة لله تعالى ولرسوله المصطفى (صلى عليه وآله وسلم) وأمراً تعبدّياً.
أوّلاً: لان أهل البيت أو عترة النبيّ أو آل الرسول هم مع كتاب الله تعالى ولن يفترقا حتى يردا على رسول الله الحوض يوم القيامة ولان عليّاً عليه السلام مع القرآن والقرآن مع عليّ كما جاء في ثناء ابن عمه رسول الله عليه، وعليّ بمثابة الرأس من أهل البيت فيكون حب أهل البيت حب لكتاب الله وطاعتهم طاعة لكتاب الله تعالى طالما انهم مع كتاب الله إلى يوم القيامة ولن يفترقا.
ثانيا: ان حب أهل البيت وطاعتهم أمر تعبدي وذلك لان الله تعالى قد امرنا بالصلاة على نبيه فقال في محكم كتابه: (ان الله وملائكته يصلون على النبي يا ايها الذين امنوا صلوا عليه وسلموا تسليما) سورة الاحزاب.
وقد سأل المسلمون رسول الله (صلى عليه وآله وسلم) عن كيفية الصلاة عليه فقال: قولوا اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم انك حميد مجيد. وقال أيضاً: قولوا اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم انك حميد مجيد. وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم انك حميد مجيد.
روى هذه الأحاديث المتعلقة بالصلاة على محمد وآل محمد وآل محمد البخاري ومسلم والترمذي وابن ماجة والنسائي وغيرهم.
وهي تشهد بان الرسول أمر المسلمين بأن يصلوا على أهل بيته كما صلوا عليه وان الصلاة على أهل بيته متممة للصلاة عليه يؤديها المسلمون في صلواتهم بين يدي الله تعالى وخارج الصلاة، فتكون بهذا كلّه الصلاة على رسول الله وعلى أهل بيته امتثالاً لأمر الله تعالى ولرسوله المصطفى (صلى عليه وآله وسلم) وامرا تعبديا وتعبيرا عن محبة أهل البيت والاقتداء بهم وبجدهم.
وقد دعا القرآن الكريم إلى مودة أهل البيت ومحبتهم حين قال تعالى في سورة الشورى: (قل لا اسألكم عليه أجراً الاّ المودّة في القربى).
وقد روى الحاكم في المستدرك عن علي بن الحسين ان عمه الحسن بن علي حين سمع هذه الآية ] قال [ : وانا من أهل البيت الذين افترض الله مودتهم على كل مسلم.
وهناك احاديث كثيرة تعنى حب افراد من آل الرسول إنّما هو حب لرسول الله (صلى عليه وآله وسلم) وان بغضهم هو بغض له.
روى ابو هريرة ان رسول الله (صلى عليه وآله وسلم) قال: «من احب الحسن والحسين فقد احبني ومن من ابغضهما فقد ابغضني» والحسن والحسين كما نعلم هما من أهل البيت.
وروى الإمام احمد في مسنده ان رسول الله (صلى عليه وآله وسلم) قال لمن جاء إليه يشكو عليّاً: دعوا عليّاً دعوا عليّاً دعوا عليّاً ان عليّاً مني وانا منه وهو ولي كل مؤمن، وقال (صلى عليه وآله وسلم): من احبه فقد احبني ومن ابغضه فقد ابغضني.
نفهم من هذه الأحاديث الشريفة ان حب آل محمد هو حب لمحمد (صلى عليه وآله وسلم) وان حب آل محمد والاقتداء بهم فلاح في الدنيا ونجاة في الاخرة نفهم هذا المعنى من حديث رسول الله (صلى عليه وآله وسلم) حيث يقول: «الا ان مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق».
وان التوجه بالحب والولاء لأهل بيت النبوة ليس فقط لقرابتهم وانتسابهم لرسول الله (صلى عليه وآله وسلم) فقد كان ابو لهب من قرابته وانما التعلق بهم لقرابتهم أوّلاً ثم لما وصفوا به في اعلى درجة من التقوى والصلاح والعلم بكتاب الله وسنة رسول الله ولما تحلوا به من خلق كريم شدت افئدة الناس اليهم.
واما حب اصحاب المذاهب الإسلامية لأهل بيت النبوة وخاصة الأئمّة الاربعة من أهل السنّة فكان على درجة عالية من السمو والاخلاص والتقدير.
فهذا هو الإمام الشافعي رضي الله عنه صاحب المذهب الشافعي الذي ينتمي إليه الملايين من الناس قال عنه بعض الناس أنّه قد تشيع من شدة حبه لأهل البيت وهو القائل في مدح أهل البيت : يا راكبا قف بالمحصب من منى واهتف بساكن خيفها والناهضِ سحراً اذا فاض الحجيج إلى منى فيضا كملتطم الفرات الفائضِ ان كان رفضا حب آل محمد فليشهد الثقلان اني رافضي.
وقال الشافعي أيضاً:
آل النبي ذريتي وهم إليه وسيلتي ارجو بهم اعطى غدا بيد اليمين صحيفتي
ويقول أيضاً:
يا آل بيت رسول الله حبكم فرض من الله في القرآن انزله
يكفيكم من عظيم الفخر انكم من لم يصل عليكم لا صلاة له
وهذا هو الإمام مالك رضي الله عنه صاحب المذهب المالكي من أهل السنة كان من تلامذة الإمام جعفر الصادق وهذا الاخير هو من أهل بيت النبوة يقول عنه الإمام مالك: كنت آتي جعفر بن محمد فما كنت اراه الا على احدى خصال ثلاث اما مصليا واما صائما واما يقرأ القرآن وما رأيته يحدث عن رسول الله الا على طهارة ولا يتكلم في ما لا يعنيه وكان من العباد الزهاد الذين يخشون الله وما زرته الا واخرج الوسادة من تحته وجعلها تحتي.
وقد اخذ عن الإمام جعفر الصادق الكثير من اتباع الإمام مالك ومنهم سفيان بن عيينة وسفيان الثوري وغيرهما.
واما الإمام ابو حنيفة صاحب المذهب الحنفي من أهل السنة فقد قيل عنه أنّه علوي ولا غرو في ذلك لثباته على الحق وانتصاره للحكم الشرعي بوجه الخليفة يعرفه الكثير من الناس وقد سجن وضرب وبقي على موقفه والتقى بالإمام جعفر الصادق واخذ عنه وقد ورد ان المنصور أمر ابا حنيفة ان يعد للامام الصادق عددا من المسائل الصعبة فسأل ابو حنيفة الإمام جعفر الصادق أربعين مسألة، فأجاب عن كل واحدة منها.
وعلّق أبو حنيفة على ذلك قائلا: انّ أعلم الناس أعلمهم بخلافات الناس، ويقصد جعفر الصادق، ويضيف قائلا: اتيته فدخلت عليه فلمّا بصرت به دخلني من الريبة لجعفر بن محمد ما لم يدخلني لابي جعفر المنصور.
وكذلك نجد الإمام احمد بن حنبل الذي دخل السجن لثباته على رأيه ودفاعه عن كتاب الله بوجه الحاكم يروي عن رسول الله حديث الثقلين بعدة طرق منها ما رواه عن زيد بن ثابت ان رسول الله صلي الله عليه وآله قال: اني تارك فيكم خليفتين كتاب الله حبل ممدود ما بين السماء والأرض وعترتي أهل بيتي وانهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض. وروى الإمام احمد الحديث ذاته عن أبي سعيد الخدري.
وهكذا نلاحظ الحب الكبير والتقدير العظيم من اصحاب المذاهب الإسلامية لأهل البيت وذلك لما اتصف به أهل بيت النبوة من تقوى، والله تعالى يقول: (ان اكرمكم عند الله اتقاكم) ومن علم غزير استقوه عن جدهم رسول الله (صلى عليه وآله وسلم)، وعن أبيهم عليّ باب مدينة العلم، وعن امهم فاطمة الزهراء سيدة نساء أهل الجنة وسيدة نساء العالمين.
واننا نرى من المفيد ان نتطرق إلى الفتوى التي اصدرها الإمام الاكبر شيخ الجامع الازهر فضيلة الشيخ محمود شلتوت رحمه الله وذلك بتاريخ 7/7/1959 وتحدث فيها عن مذهب الامامية الاثني عشرية فقال:
أوّلاً: يجوز لمن ليس من أهل الاجتهاد والنظر ان يقلد اي مذهب من مذاهب العلماء الموثوق معهم وبعلمهم وصلاحهم بشرط ان يصل إليه ذلك المذهب من طريق من ضبط يطمئن إليه سماعا او نقلا.
ثانياً: إنّ لفظ الشيعة الذي اشتهر به أتباع علي وآل بيته خاصّة هو مأخوذ من المشايعة بمعنى المتابعة، فشيعة الرجل: أصحابه وأتباعه.
ثالثاً: ان هناك فرقا تنتسب إلى عليّ وهم شيعته المهتدون، ومن هؤلاء الشيعة الصالحين الطائفة المعروفة بالجعفرية او بالامامية الاثني عشرية.
رابعاً: ان لهذه الطائفة المقرونة اصولها المستمدة من كتاب الله تعالى ومن سنة رسوله المروية عن ائمتهم في العقيدة والشريعة، وليس الخلاف بينهم وبين مذاهب السنة اعظم من الخلاف بين مذاهب السنة بوضوح مع بعضها البعض فهم يدينون بأُصول الدين كما وردت في القرآن الكريم والسنة المتواترة كما يؤمنون بكل ما يجب الايمان به ويبطل الإسلام بالخروج عنه من الاحكام المعلومة من الدين بالضرورة.
وختاما وبعد ان استعرضنا مواقف اصحاب المذاهب الإسلامية وفتوى شيخ الازهر يمكننا أن نصل إلى النتائج التالية:
أوّلاً: اجماع اصحاب المذاهب الإسلامية وبخاصة المذاهب السنية الاربعة على حب أهل بيت النبوة والولاء والتقدير لهم.
ثانياً: تأتى فتوى شيخ الازهر الشيخ محمود شلتوت لتزيل الالتباس الذي يساور خيال البعض من المسلمين ويدفعهم للدعوة للتفرقة والانقسام بين المسلمين بحجج نظن بل نوقف آنهاحجج واهية، هذا الانقسام الذي هو اساس العلة وسبب الضعف اللاحق بالامة الإسلامية.
ثالثاً: ان الاختلاف في اجتهاد الفقهاء المنتمين للمذاهب الإسلامية لا يشكل سبباً للتفرقة بين المسلمين إذا ما وضع في مكانه المناسب إذ قد نجد في المذهب الواحد أكثر من رأي، وعند الطائفة الواحدة اختلافا كثيراً.
رابعاً: الدعوة للالتفاف حول العقيدة الإسلامية والالتزام بكتاب الله وسنة رسول الله وحب أهل البيت لتحقيق الوحدة الإسلامية مع الاعتراف الكامل بوجود هذه المذاهب وبحقها في الاجتهاد والاختلاف في الرأي طالما أنها جميعها ترجع في اجتهادها إلى كتاب الله وسنة نبيه والائمة الأطهار والصحابة الابرار وهي تنشد في كل ذلك طاعة الله تعالى والالتزام بشرعه والمصلحة الإسلامية وحماية الاوطان والمقدسات وتدعو إلى الوحدة ونبذ الفرقة لتلتقي الأمّة الإسلامية بجميع افرادها ومذاهبها واصقاعها على كتاب الله وحب النبيّ وأهل بيته.