تحقيق الوعي السياسي المطلوب في المجتمعات الإسلامية
تحقيق الوعي السياسي المطلوب في المجتمعات الإسلامية
الشيخ نبيل الحلباوي
أ) الوعي السياسي
1 ــ السياسة: تنطلق المادة اللغوية لكلمة السياسة من الفعل ساس يسوس فهو سائس، وهو في لسان العرب بمعنى من يدبر أمر الخيل، وقد تداوله الشعر العربي القديم فقال الحطيئة:
يسوسون أحلاماً بعيداً أنُاتها وإن غضبوا جاء الحفيظة والجدُّ
فها هنا يوازن الشاعر بين حالي ممدوحيه من الحلم والغضب، ودور السياسة والقوة فيهما .
وقال الفرزدق:
فبينا نسوس الناس والأمر أمرنا إذا نحن فيهم سُوقة نتنصف
وهو يقايس بين دور قومه أيام سيادتهم وقدرتهم على إدارة شؤون الناس والتصرف فيها، وما انحدروا إليه من صيرورتهم مسودين يطلبون أن يُعدل فيهم.
ومن سياسة العقول إلى سياسة الناس ينبثق المعنى الاصطلاحي للكلمة، ألا وهو التصرف والإدارة والقدرة على ترتيب الأمور وتحقيق النتائج والوصول إلى الأهداف.
وبهذا المعنى في أسمى آفاقه يأتي وصف الأئمة الكرام عليهم السلام بأنهم قادة البلاد وساسة العباد.
وتعرف السياسة بأنها عملية متعددة الجوانب مختلفة الأبعاد متنوعة الوسائل تستند إلى جدلية الواقع والممكن.
وهي في الإسلام إنما تهدف إلى الحفاظ على وجود الأمة وكيانها ورعاية مصالحها والدفاع عن ثقافتها وحماية حدودها ومواجهة التحديات والأخطار المحدقة بها والارتقاء بها إلى موقعها المنشود وأداء رسالتها الإسلامية في العالم لإنقاذ البشرية كلها.
ولا يقبل الإسلام ــ بإطلالته على البعدين الجسمي والروحي للإنسان ومصالح الفرد والمجتمع وشؤون الدنيا والآخرة ــ أي مقولة من مقولات الفصل بين الدين والسياسة، أو الفصل بين العقيدة والسياسة، أو الفصل بين العبادة والسياسة، وها هنا تتلألأ قولة العالم المجاهد الشهيد حسن مدرس: «نحن أبناء دين سياسته عبادة وعبادته سياسة».
2 ــ الوعي السياسي: ويتوئم هذا التركيب الوصفي بين السياسة والوعي الذي هو إدراك يمتد عمقاً وأفقاً، ليلاحظ الواقع سكوناً وصيرورة، وينطلق من خبرات الماضي وعطاءات الحاضر مستوعباً نافذاً إلى استشراف المستقبل، وهو في الإسلام مؤسس على أرضية عقدية صلبة ورؤية كونية تتمثل الوعي المبدئي الأفضل، قوامها التوحيد وهو أصل الأصول وأصل الفروع في الإسلام وركيزة أيديولوجيته بكل أبعادها، فالسياسة في الإسلام توحيدية والاقتصاد توحيدي والاجتماع توحيدي والتربية توحيدية وتنطلق إلى نظرة شاملة عميقة تمثل وعي المصلحة العليا للأمة وللبشرية وفق المنهج الإلهي ببعده النظري قرآناً وسنة وبعده التطبيقي رسولاً هو أكمل الخلق وإمام الأنبياء وأئمة بررة وأصحاباً خيرة.
وعرفه بعضهم بقوله: إدراك المسلم لواقع المسلمين والعالم بما يعنيه من معرفة طبيعة العصر ومشكلات البشر والقوى الفاعلة الظاهرة والباطنة المؤثرة في مواقع القرار وإدارة الصراع للمساعدة في حسن رعاية مصالح الأمة ودفع المفاسد والمخاطر عنها.
ب ) عناوين مقاربة:
ومن العناوين المقاربة والمتاخمة للوعي السياسي التحليل السياسي والموقف السياسي والعمل السياسي، وتمثل أقطاراً لساحة الحركة السياسية، فالوعي السياسي منطلق والتحليل السياسي ركيزة والموقف السياسي سلاح والعمل السياسي مضمار، ولا يمكن الفصل بينها، والتحليل السياسي هو البحث في الاحتمالات الممكنة لمسارات التفاعل بين القوى السياسية في المجتمع وتفسير علمي لنوع العلاقة بين هذه القوى وهو جواب منطقي عن السؤال لماذا؟.
Ø ومن معاييره:
1. البعد عن الأحكام المطلقة وأخذ سائر الاحتمالات في الحسبان.
2. البعد عن المعالجة العاطفية استناداً إلى الدليل والبرهان.
3. إبقاء الفرص مفتوحة لسائر الآراء في الميدان.
4. أن يكون الهدف في الإسلام خدمة قضايا الأمة والدفاع عنها وممارسة النقد الإيجابي لا الغرق في التنظير.
Ø ومن أدواته:
1. القدرة على استقراء التاريخ واستقطاب الكم الأكبر من المعلومات.
2. متابعة أقوال السياسيين والمحللين الاستراتيجيين.
3. إدراك طبيعة المصالح بين القوى ودورها في علاقاتها .
4. امتلاك معلومات خاصة إضافية من خلال موقع المحلل واتصالاته.
5. خبرة المحلل في المجال الذي يكتب فيه.
وأما الموقف السياسي فهو من أمضى الأسلحة في الصراع بين القوى وعلى مدى منطقيته وجذريته وصلابته وبراعته يتفاوت قوة وتأثيراً وتحقيقاً للأهداف.
على حين أن العمل السياسي مضمار رحب لتفعيل الرؤية والمبادئ والمصالح وإدارة الصراع وتحقيق المصلحة العليا للأمة.
ولا شك في أن الوعي السياسي يمثل البؤرة المشعة في أقانيم التحليل السياسي والموقف السياسي والعمل السياسي، وبدونه لن يكون للتحليل السياسي جدواه وللموقف السياسي ثماره وللعمل السياسي آثاره وستفتقد جميعاً روحها وتغدو جثثاً خامدة.
ولكن الوعي السياسي بدوره ما لم يستند إلى التحليل السياسي فلن يغادر شُرفة الأمنيات، وما لم يترجم إلى موقف سياسي سيبقى في غرفة الانتظار، وما لم يتجسد في العمل السياسي سيكون روحاً تفتقد صلتها بالعالم.
ج ) وسائل تكوين الوعي السياسي:
تعمل في تكوين الوعي السياسي وسائل متعددة من أبرزها:
1. التوجيه السياسي المباشر
2. الخبرة المكتسبة من المشاركة السياسية.
3. التعلم الذاتي من قراءة الصحف ومتابعة الأحداث وتحليلاتها المتقنة
4. التتلمذ على أساتذة أكفياء ومدربين بارعين.
5. الثقافة السياسية الواسعة المنفتحة على العالم وأحداثه وقواه
6. القدرة على التعميم والخروج من خصوصية الحدث إلى عمومية السبب واطّراد السنن.
7. الأحداث الكبرى: كالثورة الإسلامية في إيران والانتصار العظيم لحزب الله على العدو الصهيوني سنة 2006م بكل تداعياتها، وخروج أمريكا من العراق بفضل مقاومته الشعبية المخلصة النقية.
8. زعيم سياسي بارز يجمع الرؤية والبراعة والشجاعة كالإمام الخميني فيما لو انفتح ملتمس الوعي السياسي الإسلامي عليه.
د ) مستوياته:
ويرتقي الوعي السياسي في معارج ودرجات أو ينحط إلى مزالق ودركات، فشتان بين وعي سلبي ينفعل ويقوم بدور التابع بل هو أقرب إلى اللاوعي، ووعي محدود ينفعل بمقدار ويفعل بمقدار وإلى حين، ووعي إيجابي يدفع إلى المشاركة والفعل والتأثير والتغيير منطلقاً من القاعدة الذهبية القرآنية: ﴿...إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ...﴾ [الرعد].
هـ) قياسه:
ويخضع الوعي السياسي لأساليب القياس التي تروزه وتحدد درجته ومن تلك الأساليب:
1. الاستبانة
2. مدى المشاركة »كالمشاركة في الاستفتاءات الحرة والانتخابات الحقيقية والحوارات والمناقشات)
3. متابعة وسائل الإعلام الحريصة على المهنية والشفافية والموضوعية وقياس اتجاهات الرأي العام بخصوص القضايا المفصلية والجوانب السياسية الإشكالية.
و ) آثار غيابه:
غياب الوعي السياسي من أخطر الظواهر التي تحيق بالمجتمع وقد اشتكى منها أكثر من مفكر إسلامي، فها هو ذا الشيخ محمد الغزالي يقول: «إن الفكر الإسلامي عند جمهرة المتدينين يتسم بالقصور البالغ، وإنهم يرون الفساد ولا يعرفون سببه، ويقرؤون التاريخ ولا يكشفون عبره ويقال لهم: كان لنا ماض عزيز فلا يعرفون سرّ هذه العزة، وانهزمنا في عصر كذا فلا يعرفون سبب هذه الكبوة».[1]
وها هو ذا الأستاذ فتحي يكن يقول[2]: « إن غياب الوعي السياسي يعني اضطراب وتعثر شؤون الناس، وهو حالة شبيهة بفقدان الوزن وانعدام الرؤية، ونتيجته ضياع مصالح المسلمين، وتفاقم وتعاظم المفاسد بينهم وحولهم،وبالتالي ضعفهم وانهيارهم وتعطل دورهم كأمة ظاهرة بين الأمم، آمرة بالمعروف، ناهية عن المنكر، شاهدة على الناس مصداقاً لقوله تعالى: ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾، »البقرة)، وقوله تعالى: ﴿ كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ﴾ »آل عمران).
ومن الآثار المترتبة على غياب الوعي السياسي فضلاً عما أشير إليه في القولين السابقين ما يأتي:
1. عدم فهم اللغة السياسية كمصطلحات النظام الدولي الجديد، مشروع الشرق الأوسط الكبير، التطرف، الأصولية، مقاومة الإرهاب، اللوبي الصهيوني، صراع الحضارات، العولمة، العلمانية، الليبرالية.
2. عدم القدرة على استقراء اتجاهات الأحداث في العالم.
3. العجز عن وضع الخطط المناسبة للتحرك.
4. تنفيذ خطط القوى المعادية وتحقيق أهدافها دون الشعور بذلك.
5. الوقوع في التناقضات حول الخطوات المناسبة للمواجهة.
6. السقوط في مصيدة الاختراق السياسي ــ الفكري ــ الامني.
7. عدم الاستفادة من الفرص المتاحة ونقاط الضعف في جسم العدو السياسي.
8. الانشغال بغير العدو الحقيقي والاشتباك مع التيارات الأخرى الموازية أو الحليفة المفترضة.
9. فقدان الثقة بالعمل الشعبي المنظم كأداة صراع ضد الخصوم.
10. ضياع الفرص المناسبة مع عدم الانتباه إلى الخسائر الراهنة والبعيدة.
ز ) وسائل ترقيته:
ومن وسائل دفع الوعي السياسي في المجتمع أبعد فأبعد وتيسير تحققه وذيوعه ما يلي:
1. تيسير الوصول إلى المواقف السياسية »من البيانات والحوارات)
2. تقديم عرض لمختلف القضايا »من محلية وقومية وعلمية)
3. تكوين أرشيف حول بعض القضايا والأشخاص.
4. تكليف بمتابعة بعض القضايا
5. اعتماد الحوار
6. الاحتكاك بأصحاب الخبرة
7. تشجيع مراسلة وسائل الإعلام والمداخلة فيها
8. تكليف بإعداد أبحاث
9. التشجيع على متابعة وسائل الإعلام
10. المشاركة في ورشات عمل حول موضوعات مختارة
ح ) صناعته:
ومن المصطلحات الجديدة صناعة الوعي السياسي وهي صناعة تفوق كل صناعة لأن فيها صياغة مستقبل الفرد والأمة والبشرية وتوعية الأمة من خلال إعداد أفراد على مستوى رفيع من الوعي السياسي قادرين على التأثير وتشتمل على أبعاد منها:
أولاً: مهاراتها: ومنها:
1. الخطابة
2. الحوار
3. الأنشطة الجماعية كالندوات
4. الكتابة
5. التحليل السياسي
6. مهارة الحشد الجماهيري والتعبئة
من حملات إلكترونية وحملات إعلامية وسياسية، وعمل تطوعي في خدمة الجماهير وتنظيم لقاءات ومؤتمرات)).
ثانيا: أهدافها: ولها أهداف منها:
1. تشكيل وعي الأفراد
2. إرشادهم إلى أساليب التفاعل الإيجابي مع القضايا المحلية والعلمية
3. حضهم على التعامل مع الأحداث
4. حثهم على المبادرة إلى العمل والأنشطة
ثالثاً: متطلباتها:
1. القدرة على الوصول إلى الفئة المستهدفة
2. القدرة على تقديم الإجابات المقنعة لكل ما يتعرض له المتلقي من المؤثرات
3. خطة تدريبية شاملة متنوعة تنطوي على:
أ. برامج الحاسوب وتكنولوجيا المعلومات
ب. برامج اللغات ومهاراتها
ت. مهارات الاتصال
ث. دورات الإدارة والتنمية
ج. دورات في الإعلام
ح. دورات في السياسة
خ. دورات في التربية
رابعاً: مسؤولوها: وأبرزهم:
1. العلماء
2. المفكرون
3. القادة الاجتماعيون
4. المحللون السياسيون
5. الدعاة وشرائح مختلفة من المجتمع
خامساً: المشاركون فيها: طلاب الجامعات والراغبون في تنمية وعيهم السياسي.
ط) المجتمعات الإسلامية:
عاشت المجتمعات الإسلامية دهراً من التخلف والضعف والتشتت وتطبيق إسلام مجتزأ مبتور بقيادات لم تزل تبتعد عن المنهج القويم والصراط المستقيم للإسلام المحمدي الأصيل، وبعد استعمار مزّق الأمة وأهدر طاقاتها واستنزف خيراتها وخرج من الباب ليعود من النافذة مهيمناً على السياسة والاقتصاد، لينشئ قواعد عسكرية ويقيم نظماً ذليلة ويزرع حدوداً فاصلة بين أقطار الأمة ونزاعات مستمرة وكيانات توحيدية صورية: من جامعة عربية تفرق أكثر مما تجمع، ورابطة تعاون إسلامية أقرب إلى اللاتعاون، بحيث لم يبق من العروبة حتى مبادئ النخوة والشجاعة لدى حكام الأمة، ومن الإسلام إلا ظل باهت وتعصب مقيت لا صلة له بسماحة الإسلام.
ولكن تطوراً عظيماً وحدثاً استثنائياً طرأ على حياة الأمة مع انتصار الثورة الإسلامية على نظام الشاه الأقرب إلى المستكبر الأمريكي والعدو الصهيوني، لينقل إيران من موقع جذري في الصراع مع أعداء الإسلام والأمة فدّبت في الأمة صحوة إسلامية لم تزل تنداح وتتسع دائرة إشعاعها وتأثيرها.
ولكن الحلف الاستكباري الصهيوني وأذياله من الحكام العرب والمسلمين لم يلبثوا أن استنفروا كل أموالهم وإعلامهم ومثقفي اللاضمير ووعاظ السلاطين ليثيروها حرباً شعواء ضد الجمهورية الإسلامية في إيران بدولتها المتطورة وتوءمتها بين منهج الإسلام ودور الشعب وقائدها المبدع الإمام الخميني وخلفه الصالح المصلح الإمام الخامنئي وأكرم مولود لها في أرض العرب وهو حزب الله الظافر المنتصر مرة بعد مرة على العدو الصهيوني المغرور المتعجرف.
ولم يكن الهدف الأكبر لذلك الحلف إلا إحكام السيطرة على الأمة بمعونة حكامها، وإبعادها عن تأثير الثورة الإسلامية، وتشديد الحصار على المحور الذي اقتصر على دولة إسلامية هي إيران ودولة عربية هي سورية وحركة مقاومة إسلامية تنتمي إلى مدرسة أهل البيت عليهم السلام في لبنان وهي حزب الله وحركة مقاومة إسلامية تنتمي إلى مدرسة الخلفاء في فلسطين.
وحورب هذا المحور مرة بدعوى صون أهل السنة من تأثير الشيعة، وأخرى بدعوى حفظ العرب من تأثير الفرس، واصطنعت مصطلحات كاذبة تموّه الحقيقة، وهي أن هذا المحور أرقى تجربة ممكنة من اللقاء بين السنة والشيعة وكذلك بين النهج الإسلامي والخط العروبي في مواجهة الحلف الاستكباري الصهيوني لمصلحة الأمة كلها.
الإمام الخميني والوعي السياسي الإسلامي:
ولا بد من التنويه بالدور العظيم الذي أبدعه إمام الأمة الخميني »رضي الله عنه وأرضاه) في ترقية الوعي السياسي للمسلمين ومن معالمه:
1. نهله للمصطلحات السياسية الإسلامية الجديدة المبتكرة من معين القرآن الكريم كالاستكبار والاستضعاف والشيطان الأكبر ومسيرة البراءة ومسيرة الوحدة.
2. إحياؤه البعد السياسي للإسلام أعمق وأوسع وأغنى ما يكون في مقابل محاولات الفصل كما أسلفنا بين الدين والسياسة والعقيدة والسياسة والعبادة والسياسة.
3. قيادته الفذة المتميزة لثورة إسلامية شعبية كبرى، وهو ما تفتقده ثورات شعبية ذات نكهة إسلامية في بعض بقاع الإسلام وتحقيقه معنى القيادة وهو أن يسير أمام الجميع ويتقدم الصفوف ويتقبل السجن والنفي وأن يعود تحت الخطر المحدق إلى أرضه وشعبه، ويتحدى الحكم الذي ورث الشاه الهارب، وإدارته لأخطر أيام الثورة وهي العشرة الأخيرة عشرة الفجر.
4. تأسيسه الجمهورية الإسلامية الوحيدة في العالم بدستورها ومؤسساتها وجيشها وحرسها وتجربتها المنفتحة المتطورة والداعية إلى الوحدة الإسلامية ورعايته لقيام حزب الله المنتصر على العدو الصهيوني.
5. حرصه على توعية المسلمين بقضيتهم المحورية المركزية فلسطين، ودعوته إلى استئصال الغدة السرطانية الصهيونية، وتنبؤه بسقوط الاتحاد السوفياتي.
6. تأكيده ــ على الرغم من مخالفة سائر الحركيين الإسلاميين له ــ منذ انطلاق ثورته أن أمريكا هي الشيطان الأكبر وليس الاتحاد السوفياتي وقد صدقت كل الوقائع حدسه وبصيرته.
7. إصراره على البعد السياسي فضلاً عن البعد المعنوي والاقتصادي والاجتماعي للعبادات الإسلامية ولا سيما الحج ودعوته إلى مسيرتي البراءة والوحدة.
ومن الوصية الخالدة للإمام الخميني (قدس سره) تلفتنا هذه الفقرة المهمة حول الوعي في مقابل مؤامرات المستكبرين: «فيجب أن تراقبوا بوعي ويقظة كي لا يجركم الساسة المتلاعبون المرتبطون بالغرب والشرق ــ بوساوسهم الشيطانية ــ نحو هؤلاء الناهبين الدوليين، وانهضوا بإرادة مصممة، وفعالية ومثابرة، لرفع انواع التبعية».
الوعي السياسي المطلوب:
وله حد أدنى لا يمكن القناعة بما هو أقل منه ويقوم على ركائز:
أولاها: أن ترتقي الأمة إلى أن تملي إرادتها » أن تريد) بحضورها في الساحة وأن ترفض إرادة أعدائها وحكامها المتآمرين عليها »أن يراد لها) .
ثانيتها: أن تشخص عدوها الحقيقي فتتخذه عدواً ألا وهو المستكبر الغربي ولا سيما الأمريكي البشع وحليفه الصهيوني الغاصب وأن تعتبر كل من ينسق معه ويلوذ به وينفذ أوامره عدواً.
ثالثتها: أن تكون وحدة الأمة الإسلامية مطلباً استراتيجياً وخطاً أحمر لا تنازل عنه يفتق في وجدان الأمة وفي واقعها تحريماً لكل ألوان التمزيق على أسس قومية شوفينية أو أسس اقليمية منغلقة أو أسس طائفية متعصبة.
رابعتها: أن تكون فلسطين وتحريرها من البحر إلى النهر القضية المحورية للأمة لا يشغلها عنها شاغل ولا يصرفها صارف وأن يلتف العرب والمسلمون حول شعبها المجاهد دعماً وتأييداً ونصرة إلى أن تطهر الأرض من رجس الغاصب الصهيوني.
خامستها: أن يكون نهج المقاومة خياراً دائماً لا تنازل عنه ولا تفريط به بعد أن أثبت نجاعته، وحقق انتصارات كانت أشبه بالأحلام لتحرير فلسطين ولما بعد تحرير فلسطين باعتباره الصخرة التي تتكسر عليها أمواج الكيد الاستكباري الاستعماري.
سادستها: احتضان مكونات الأمة ولا سيما مسيحييها باعتبارهم جزءاً لا يتجزأ من هذا المجتمع، استقبلوا المسلمين أحسن استقبال واضطهدهم الفرنجة في حروبهم المسماة بالصليبية، ولأنهم ينتمون إلى ثقافة الأمة وتاريخها ، ولأن المسلمين والمسيحيين في الشرق يقدمون النموذج المنفتح المتناغم المقابل للتعصب ضد المسلمين في الغرب باسم المسيحية كذباً.
سابعتها: مزيد الحرص من الإسلاميين على النأي عن النموذج الإسلامي التكفيري الإلغائي الإرهابي الذي يشك في أن حباله إنما تدار من قبل المخابرات الأمريكية وعن النموذج الإسلامي المعتدل الذي يروج له الغرب في هذه الأيام ويعقد معه الصفقات والذي يقدم أوراق اعتماده في الساحة الدولية ليناً مع الصهاينة وقبولاً لدولتهم الغاصبة.
ثامنتها: مزيد من الانفتاح في المجتمعات الإسلامية بين التيارات السياسية ــ الرافضة للهيمنة الاستكبارية والاغتصاب الصهيوني ــ التي أسست وشاركت في مقاومة أعداء الأمة مهما تنوعت رؤاها الإيديولوجية ومنطلقاتها النظرية وترسيخ التحالف معها كما في تجربة حزب الله وحلفائه.
تاسعتها: تأييد السعي على الساحة الدولية إلى إقامة محور يشمل الأمة الإسلامية وكل القوى الرافضة لهيمنة القطب الأمريكي ورديفه الغربي وحليفه الصهيوني.
عاشرتها: تأكيد الصلة والتواصل مع القوى والحركات والاتجاهات المتحررة في الغرب الرافضة لمنطق سيطرة القوى الاقتصادية »من شركات متعددة الجنسيات، وعابرة للقارات ومصانع الأسلحة وقوى الضغط المالي وإفرازاتها وأدواتها السياسية في النظام العالمي والعولمي).
ومن الأهمية بمكان أن نصغي إلى القائد الإمام الخامنئي حفظه الله تعالى وهو يوصي النخبة الجامعية في موارد متعددة بضرورة الوعي السياسي وأهميته:
- على الجامعي أن يمتلك الوعي السياسي والفهم والإدراك السياسي، عليه أن يطلع على الأبحاث السياسية ومجريات الأحداث في العالم
- من خلال تجربتي أقول لكم نصيحة أخوية وأبوية أن الجامعة يجب أن تكون مركز السياسية وأنا مع الرأي القائل بضرورة أن يفهم الطالب الجامعي الأوضاع السياسية للدول ويحللها ويمتلك رأياً بشأنها .
- إنني أصر على أن يكون محيط الجامعة ساحة للوعي واليقظة وتحصيل الذهنية السياسية والعمل السياسي حتى يطلع الجامعي على الأحداث الجارية في العالم.
- إن النشاط السياسي في الجامعة بالنسبة للجامعي يعني أولاً أن يمتلك قدرة التحليل السياسي في نفس الجامعة ويصل إلى الوعي والنضج المطلوب منه، يجب أن يكون محيط الجامعة عندنا بحيث يستطيع كل فرد أن يجيب عن التساؤلات المطروحة ... فهذا هو النضج السياسي وهو أساس قوام الفكر السياسي في المجتمع.
خاتمة:
إن تحقيق الوعي السياسي المطلوب في المجتمعات الإسلامية لا يدخل في إطار المستحيل، ولكنه ليس درباً مفروشة بالأحلام الوردية، وهو جدير بأن تجند له الطاقات ويدار إدارة متكاملة تخطيطاً وتنظيماً وتوجيهاً وتنفيذاً وتقويماً، لأنه خشبة الخلاص للأمة مما يُكاد لها، والسلاح الأمضى في صراعها مع قوى الظلم والظلام في العالم، والتهيئة الحقيقية لذلك الغد الذي تتطلع إليه البشرية وتبشر به الوعود الإلهية ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [المجادلة]، من قيام دولة العدل العالمية ووراثة الصالحين للأرض بقيادة القائم المنتظر من آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم أجمعين.
صدق الله العظيم
والحمد لله رب العالم