تحقيق الوحدة الإسلامية في إطار تحقيق اتحاد العالم الإسلامي
تحقيق الوحدة الإسلامية في إطار تحقيق اتحاد العالم الإسلامي
أحمد هاشم موزادي
آيّها السادة و السيدات والحضور الكرام ،،،
يسعدني أن ألقي هذه الكلمة بين أيديكم بمناسبة المؤتمرالدولي الخامس والعشرين للوحدة الاسلامية في هذا المكان المبارك إن شاء الله.
كما علمنا بأنّ الإسلام الذي جاء به النبي محمد على هذه الأرض كانت موجودة قبل وجود المجموعات والتيّارات الدينية داخل الإسلام. وبعبارة أخرى ، فإن ظهور الفرق والجماعات الإسلامية كانت بعد وفاة النبي. وفي عهد الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يعاشرون الرسول عليه الصلاة والسلام مباشرة مما جعلهم يتشاورون معه من غير الوساطة. ولكن بعد انقضاء ذلك العهد ، ظهرت أنواع مختلفة من الأفكار الجديدة استجابة لاحتياجات الشعب إلى العلوم والممارسات والدينية. فهذا التجاوب قد يكون هو نفسه لأن هنالك تعاليم الإسلام التي اتضحت معالمها وترسخت في صدور أبناء الإسلام وصارت من المعلومات من الدين بالضرورة. ولكن في مسائل الدين الأقلّ وضوحا ، ولدت الأفكار المتنوّعة في الاستجابة عنها والتعامل معها.
هذه الاختلافات قد تكون ممكنة لأن الإسلام يعطي لمعتنقيه اتساعا لمباشرته ، وإنما في أثناء تطوراتها صار تتبلور لتصبح هوية لمجموعة أفكار معينة بسبب عوامل سياسية ومصالح خاصة ، وساحة لتبرير كل مجموعة على حدة وتوجيه اللوم إلى المجموعات الأخرى المخالفة، في حين أن تلك الخلافات تحدث في الأمور المسموح بها في الإسلام.
أنّ الاختلاف في الرأي هو ضرورة من ضرورات الحياة ، التي تواجدت منذ تشكيل المجتمعات البشرية ، وهو مرتبط بجميع جوانب الحياة بما في ذلك الإيمان ووالاعتقاد الديني. وقد أقرّ به القرآن الكريم في سورة المائدة الآية الخامسة (5) منها عند قوله تعالى :..."ولو شاء الله لجعلكم أمّة واحدة ليبلوكم فيما آتاكم فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعا فينبّـئكم بما كنتم فيه تختلفون" ، مؤكدا على أن الناس كان أمّة واحدة في قوله جلّ وعلا في سورة البقرة الآية الثالثة عشر بعد المائتين : "كان الناس أمّة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحقّ ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه..." .
هذه الآية تؤكد على أن البشرية ومنذ قديم الزمان هي وحدة متكاملة التي لا يمكن فصلها عن بعضها الآخر حيث يحتاج كل منهما إلى الآخر ، لكونهم كائنات اجتماعية يدعم كل منهم الطرف الآخر لتحقيق الرفاهية والسعادة الشخصية والمجتمعية.
وبالتالي فالاختلاف ضرورة والأخوة ضرورة ملحّة لا بدّ من أن تتحقق مهما كانت الظروف صعبة. الاختلاف والتنوع في الحياة البشرية أمر لا مفر منه ولكن في الوقت نفسه دعا القرآن كافة الناس إلى التوحد والتعاون والعمل الجماعي.
ولهذا ، يجب التمييز بين الاختلافات والنزاعات ، والتعامل معها بشكل إيجابي ومتسامح ، وتحملها خاصة إذا كانت هذه الاختلافات قد تعطي وتوفّر منافع من أجل حل المشاكل. كما يمكن أن يكون الاختلاف والتنوع رحمة ونعمة إذا توفّرت شروطه في أثناء إجراء الحوار. وعلى النقيض من ذلك تنقلب الاختلافات كارثة إذا كانت مجموعة معينة تعتبر نفسها هي الأكثر صحيحا من الأخرى ، في حين أن مجموعة أخرى غير صحيحة.
لقد أمر الله سبحانه وتعالى رسولنا محمد عليه أفضل الصلوات والسلام السعي إلى التلاقي مع أهل الكتاب في إطار التعاون في تحقيق الخير ، وحظر المسلمين من التدخل في شؤون دينهم الخاصّ ثمّ مضايقتهم ومنعهم من تطبيق وأداء الشعائر وتعاليم دينهم. وبالتالي ، يجب الدفاع عن الوحدة القومية وتحقيقها بالرغم من وجود الاختلافات والتنوع في أمور متعددة.
وإذا كانت روح الوحدة مع معتنقي الديانات الأخرى أمرا يمكن القيام به ، ومن المفروض والأولى أن يتحقق هذا الأمر وسط صفوف أبناء الأمة الإسلامية بشكل الأكثر سهولة نتيجة تشابه العقيدة والإيمان.
يبدو أن الأمة الإسلامية تواجه صعوبات في تحقيق الوحدة الإسلامية ، ويمكن ملاحظة ذلك من خلال العوامل التالية :
أوّلا : قلة الوعي العلمي بأن الإسلام قد وفّر أسسا وقواعد تتيح الفرصة للاختلاف في الرأي شريطة ألا يخرج عن الإيمان وأسس الشريعة. وهذا في حقيقته إنما هو رحمة للناس حيث يفتح الفرصة لقبول أفكار البشر على مدى التاريخ مع اختلاف الثقافات والمصالح. هذه المشكلة بسبب الجهل وعدم المعرفة بآفاق الإسلام وتعاليمه ، حتى أدت حرية الاختيار إلى الانقسام.
ثانيا : لا يزال كثير من المسلمين لا يفرّقون بين ما هي الضلالة وما هي الرخص والتسهيلات في الحياة الدينية ، حتى أصبح كثير من الناس يعتبرون الضلالة من الديمقراطية والاختيار يعني الخروج عن الاسلام.
ثالثا : الخطأ الناتج من هذا الفهم يؤدي لا محالة إلى تشكيل الجماعات في شكل المنظّمات تحمل كل واحدة منها شعارا مختلفا. ومع مرور الأيام بدأت العداوات تنشأ بينهم.
رابعا : حدوث الاختلافات فيما بين الشخصيات أو المجموعات يؤدي بدوره إلى ضياع الأخوة والتسامح فيما بين الأمة الإسلامية بما لا يتماشى مع المنهج الإسلامي.
خامسا : الاختلاف ما بين المجموعات والمذاهب لا تثمر حكمة إسلامية ، بل يعكس سلبا على وحدة الأمّة ويشكل هجوما مؤلما ويُظْهر الاختلافات والتحديات الأخرى خصوصا إذا أردت إحدى الاتجاهات أو المذاهب أن تثبت وجودها باثبات هذه الاختلافات عن طريق توجيه السب لغيرها. وأرى أنه من غير اللائق أن تقوم إحدى المذاهب في كفاحها بخلق روح الكراهية نحو غيرها من الفئات.
سادسا : هناك الكثير من الحُكـّام ومنظمي شؤون الدولة لا يتفقون وحقائق تعاليم الاسلام ويسبّبون في إفساد المبادئ الأساسية للإسلام وانعدام فعاليتها على الوجه المطلوب.
سابعا : كثيرة من العوامل غير الإسلامية التي تشكل مصالح لبعض المسلمين ، وتدخل ضمن المبادئ الإسلامية بإدعاء أنها الوحيدة التي تضمن صحة مبادئ الاسلام. وهذا ما يؤدي إلى التصادم مع اجتهاد مجموعات أخرى من المسلمين.
ثامنا : لابد من وقف هجوم إحدى الفئات أو المذاهب على الأخرى عاجلا. وإذا أرادت أفراد إحدى المذاهب الانتقال إلى مذهب آخر ، لابد أن يكون على أساس الوعي التام والإرادة والعلم الواسع وليس بسبب الإكراه من الطرف الآخر. وبذلك ليس من الضروري والمنطقي إرغام السني على أن يتبع الشيعة والعكس صحيح.
إذا كان المسلمون لا يدركون أهمية الأخوة فلا تلوموا إذا وجدت مصالح خاصة من خارج الإسلام لتدمير الاسلام. والحقيقة دلّت على أن انقسامات المسلمين لا تنتج إلا الضرر الكبير على القوة السياسية والاقتصادية للمسلمين أنفسهم. ويجب علينا أن ندرك أن القوى غير الإسلامية تتحد لأجل تمزيق وتدمير وتهديم المجتمعات المسلمة من خلال إشعال روح التفرق والخلافات والعداواة والقتال بعضهم البعض. بينما لأجل إعلاء شريعة الإسلام نصوصا أو فهما لابد لها من مواجهة النزاع والتغلغل ووقف الهجوم على فئات أخرى. وهذا أصبح من سنة الله في الكون ولا يمكننا أن نطلب من الآخرين وقف كراهيتهم للإسلام. لذلك ما يمكننا فعله هو العمل على تقوية الاسلام والأمة الإسلامية نفسها لمواجهة مثل هذا الهجوم عن طريق سدّ الثغرات التي تسبب في وقوع الاختلافات فيما بين أبناء الأمة الإسلامية.
وبكل صراحة أقول بأنّ الواقع الحالي للمسلمين لايزال أكثرهم يلقون اللوم على الآخرين فضلا عن القيام بالإصلاحات داخل الجالية المسلمة نفسها. والنتيجة تستنزف طاقة المسلمين ، ويبقون في موقف الانهزام.
لنترك التاريخ الماضي المظلم للمسلمين ليصير درسا قيما بالنسبة للمسلمين. ولا ينبغي أن نحمّل أثقالها على عاتقنا ليكون مستداما في حياتنا الحالية. وعلينا أن ننظر إلى مستقبل الأمة يسوده السلام والاطمئنان من غير النزاعات لأنّ أعداء ألإسلام تستفيد أرباحا أضعافا مضاعفة من الانشقاقات بين المسلمين.
وبالرغم من أن الواقع الحالي للأمة الإسلامية يشير إلى كثرة وجود الفرق والمذاهب ، فالموقف الأسلم لإبقاء الوحدة هو أن نَدَعَهُمْ في مواقفهم ووضعهم الحالي مع التمسّـك بروح التقدير الاحترام المتبادلين ، ولأن الأهم هو الوعي التامّ بأن تدفق هذه الجماعات هي جزء من الإسلام وليس دين الإسلام ذاته. إنّ جميع الفئات من السنة والشيعة هي مجرد منهج أبناء الأمّة ووسيلتهم لفهم الإسلام ، ووجه التشابه والتقارب بين الفئتين الكبيرتين كان أكثر بكثير من الخلافات. لهذا يجب علينا كمسلمين أن نبحث عن أوجه التشابه بدلا من البحث عن الفروق.
إنّ جمعية نهضة العلماء في إندونيسيا تسعى دوما إلى تحقيق الأخوّة الإسلامية مع كافة الفرق الإسلامية بجميع اتجاهاتها في إطار تحقيق اتحاد العالم الإسلامي. وعلى سبيل المثال لا الحصر، زارت نهضة العلماء الجمهورية الإسلامية الإيرانية لإيجاد التعاون مع المسلمين في ذلك البلد. كما قدمت وفود الجمعية المملكة العربية السعودية للمشاركة في اجتماعات رابطة العالم الإسلامي التي مقرّها في مكة المكرمة لأجل الاطلاع على المشاكل التحدّيات التي تواجهها هذه الأمة والبحث عن حلولها الشافية.
لقد أدت جمعية نهضة العلماء دورها لتحقيق الأخوّة مبنيا على الأسس والقيم الإسلامية أمثال السلام والتسامح والاعتدال والتوسط والمساواة لأنـّنّا نعتقد بأنّ ربط الأخوة والوحدة الإسلاميتين سوف لن تتحققا إلاّ من خلال عقد اللقاءات والحوارات المستديمة. أسأل الله سبحانه وتعالى أن يتمكن هذا اللقاء من إنهاء المشاكل التي لاتزال ابتليت بها بعض المسلمين في عدد من أجزاء العالم حتى يمكننا من التخلص من الشدائد والمحن.