المسلمون والوحدة الإسلامية
المسلمون والوحدة الإسلامية
الأستاذ محمد العاصي
إمام جمعة مدينة واشنطن
وعضو المجلس الأعلى للمجمع
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة على رسول الله، وعلى آله المجاهدين في سبيله، وعلى صحبه الذين نصروه في دينه.
أيّها الإخوة والأخوات: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
نهنئكم ونهنّىء جميع المسلمين بهذه المناسبة، وبهذا الأسبوع، وبهذه القيادة، وبهذا المجمع، إذ كلّنا هنا نحاول جهدنا أن ننظر في موضوع يمتاز بشدة حاسيته النفسية حيث لا يتطرّق إلى كثير من تفاصيله إلا القّلة. فالمطلوب منّا عند الولوج في الموضوع - وهذه كلمات من أخٍ لإخوته - نضج ووعي يتعدّى طبيعة الموروثات التاريخية التي تعتمل في حياتنا، وفي تفكيرنا، وفي تفسيرنا لبعضنا، هذه الأيّام يجب أن تنتهز، وهذه اللقاءات هي لقاءات نادرة، وإذا كنّا مجموعين هنا في مثل هذه الظروف التي تحيط بالمسلمين فإنّه مما يليق بأُخوّتنا الإسلاميّة، وبمسؤولياتنا الإسلاميّة أن نحاول – وأنّه ممّا يجزّ في النفس أن نجد – في كثير من الأحيان - التباعد والتجافي بين المسلمين بعداً
ـ(230)ـ
وتجافياً يفوق مرات كثيرة ومسافات أبعد ممّا هو الفاصل بين المسلم وبين المسيحي، أو حتّى بين المسلم واليهودي.
الآية القرآنية صريحة في دعوتها المسلمين لأهل الكتاب ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ فإنّ تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾(1) فإذا كان المسلمون يدعون أهل الكتاب إلى كلمة سواء بينهم، فكيف يستحيل على المسلم أو يصعب عليه أن يدعو أخاه المسلم إلى الكلمة السواء ؟ هذا هو الواقع الذي تكرّس بيننا والذي أفرز المشكلات التي نعاني منها الآن.
أُريد أن أقول: إنّ المسلمين في أرجاء العالم كافة يعانون اليوم أنواع المآسي، ولأجل مواجهة ورفع هذه المآسي لابدّ من الاستعانة بمفكّرين وعلماء ومسلمين مخلصين يستطيعون أن يواجهوا هذا الواقع الضخم وأن لا يفكّروا بعقليّات بعيدة عن هذا الواقع، وبناء على هذا يجب تصحيح كثير من أنماط التفكير القديم والتي يرجع أصلها إلى قرون عديدة مضت.
ففي سورة الكهف تتحدّث الآية المباركة عن أصحاب الكهف فتقول ﴿أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا﴾(2) حيث تشير الآية المباركة إلى أنّهم قد أمضوا في الكهف ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعاً، وخرجوا بعد ذلك إلى مجتمع قد تغيّر، وبعد ذلك سكت عنهم التنزيل، لأنهم لم يمتّوا إلى ذلك المجتمع الجديد بصلة مع أنّهم أصحاب إيمان وبالرغم من أنّهم جاهدوا قومهم من قبل وخُلّدوا في القرآن الكريم إلا أنّهم عندما انقطعت صلتهم بالواقع وبالمجتمع انقطع ذكرهم، ويكاد يكون هذا الأمر متطابقاً مع العقلية والتفكير الذي نحاول به أن نعالج هذا الإشكال في تاريخنا وفي واقعنا.
إنّ المشكلة تختصر في أن هناك أزمة صاحبت الإنسان منذ تكوينه، وهذه الأزمة
_______________________________________
1 - سورة آل عمران: 64.
2 - سورة الكهف: 9.
ـ(231)ـ
تقوم على تضخيم الذات، وعلى التمحور حول الذات؛ الذات مفرداً والذات جمعاً، وأن مشكلة الأنانية هذه بتشخيصها الفردي وبتشخيصها الاجتماعي هي مشكلة بني الإنسان والتي برزت من جديد خلال التاريخ الإسلامي، وما كان ينبغي لها أن تفعل ذلك، فعندما أمر الله سبحانه إبليس أن يسجد لآدم امتنع ورفض ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾(1) ﴿قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ﴾(2) وفي آية أخرى ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إَلاَّ إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا﴾(3) لم يكن إبليس هنا ينقصه المنطق، فطبيعته غير طبيعة آدم، خَلْقُهُ يختلف عن آدم، واتخذ هذه القضية ذريعة لمعصية الله وتترّس بالمنطق لمعصية الله، وهذه العبارة ﴿أنَا خَيْرٌ مِنْهٌ﴾ هي العبارة التي تعتمل في هذه المشكلة التي نحن بصددها.
وكان من المفروض أن يقضى على هذه المشكلة وعلى هذه العبارة إلا أَنّهَا برزت في المضمون الإسلامي بوجهها البشع، قومياً، ومذهبياً أو طائفيّاً، فصار المسلم يدّعي لنفسه الأفضليّة على غيره لأنّه خُلِقَ، أو لأنّه خرج من تقاليد معيّنة أو لأنّه كان إفرازاً من ماضٍ أو تاريخ معيّن كما ادّعى إبليس لنفسه الأفضلّية على آدم.
إلا أنَّ المشكلة تعقّدت هنا، فكما أنّ إبليس ادّعى أنّ المنطق يفرض أفضليته على الإنسان فكذلك اليوم نرى أنّ المسلم قد تترّس بالإسلام أو بالمذهبيّة وادّعى أفضليتة على غيره من المسلمين، ولسان حالنا يقول: ﴿أنَا خَيْرٌ مِنْهٌ﴾ لأنَّني خُلِقْتُ سنّيا أو لأنّني خُلِقْتُ شيعيّاً، هذه عبارة شيطانيّة خطيرة. نحن لا نريد أن ندخل في تفاصيل تاريخيّة – مع أن هذا هو واجبنا – إنّما نحيلكم إلى كتاب الله جّل وعلا وهو كلام صدق لاريب ولا اختلاف فيه، وكلّنا نسلّم بتنزيله ﴿... لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ...﴾(4) برزت هذه المشكلة في
_______________________________________
1 - سورة البقرة: 34.
2 - سورة الأعراف: 12.
3 - سورة الإسراء: 61.
4 - سورة الكهف: 27.
ـ(232)ـ
صدر الإسلام والآن يجب علينا أن نفاتح أنفسنا ونسأل عمّا في الماضي على ضوء ما عندنا من الخبرة ومن الإخلاص ومن التفاني في الله ومن فهم كتابه والصحيح من سنّة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم.
القضّية التي يجب معالجتها هي قضية التمحور حول الإمام عليّ عليه السلام، شرعيّة الحكم قبله وشرعية الحكم بعده، إثباتاً أو نفياً، فلا أحد يختلف في شرعية حكمه هو، إنّما المشكلة في أولئك، الذين ولدوا في الخلفيّة السنّية فإنّهم يسحبون شرعيّة ما قبل الإمام علي عليه السلام على الحكّام بعده حتّى يومنا هذا مع أنّ الدلائل بيّنة وواضحة لما حدث للحكم في الإسلام، ولكن ضمور التفكير السياسي وضع الذين وُلِدوا ضمن التقاليد والتاريخ والمورثات العلميّة والفقهيّة والكلاميّة وغيرها ممّا يشكّل المحتوى السنّي، وضعهم بحيث لا يدرون حتّى الآن كيف يتعاملون مع شرعية الحكم ! وهو ظاهر حتّى في الحركات الإسلامية في الأقطار الإسلامية في وقتنا الحاضر.
هناك الشقّ الآخر وهو شرعيّة الحكام أو الخلفاء الذين سبقوا الإمام علي عليه السلام هل حكم أبي بكر وعمر وعثمان حكم شرعيّ أولا ؟ نريد أن نتعامل مع هذا، نريد أن نفاتح أنفسنا في هذا، فإذا كان شرعيّاًَ فنفعهم مبايعة الإمام لهم، وإن لم يكن شرعيّاً لا نفهم من مبايعة الإمام لهم، فلتحلّ هذه القضية.
وإذا لم نطرح هذه الأُمور فيما بيننا، ثقوا أنّ هؤلاء الذين ازداد ذبحهم لنا في مناطق معيّنة سيزداد ذبحهم لنا عاماً بعد عام ونحن نتصرّف كالنعامة؛ نضع رأَسنا تحت الرمال وكأنّ شيئاً لا يحدث، لِنَ لا نتكلم في هذه الموضوعات هنا ؟ إن تطرقنا لها، تطرقنا لها من باب الإخلاص والإخّوة، فقد تكلّم من سبقنا وسيتكلّم من يلحق بنا.
ونرجو من الجميع رجاء الأخ لأخيه أن يباشروا هذه الموضوعات وغيرها، فمثلاً هناك اختلاط في التفكير (تشويه فكري) يخلط بين الأموي والسنّي، هذا حاصل ! هناك
ـ(233)ـ
من لا يريد أن يتعامل مع هذه الظاهرة، ولكنّها ظاهرة موجودة في كتب التاريخ كثيراً، فالسنّي مرادف للأموي والأموي مرادف للسنّي، فإذا حصل شيء، من قبل الإدارة والحكومة الأمويّة يلام السنّة عليه لما تفعله هذه الحكومة، وهذا ينمّ عن جهل للعلاقة ما بين الحكم والمحكومين، لنأخذ المثال البسيط فيما يحدث وحدث في السنوات الماضية في العراق: لأ أحد يشك في الجريمة المحليّة والعالميّة التي اقترفها (1) صدام وحزبه، وأنّ معظم سكان العراق من الشيعة، هل يجوز لنا أن نخلط بين صدام ورعاياه ؟ وإن كان هذا التعبير غير صحيح هل يصحّ لنا أن نقول: إنّ هؤلاء الشيعة في العراق يؤيّدون ما فعله ويفعله صدام ؟ فإذا لم يكن يصحّ هذا الآن، كيف يصحّ في الماضي؟ وإذا لم يكن يصحّ في الماضي، لا يجوز له أن يصحّ الآن ! هذه المناطق التي يجب أن ترودها عقولنا وقلوبنا بإخلاص.
هناك نقاشاحات حادّة حول مسح القدم أو غسل القدم، وقد سُرقت الأراضي تحت هذا القدم ومازلنا في مثل هذه المحاورات والنقاشات، وهناك علاقة بين ما يعتقده الإنسان وبين الأرض التي يعيش عليها ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُم مِّنْ أَرْضِنَآ أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ﴾(2) استغفر الله لي ولكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
_______________________________________
1ـ ولو ادّعى صدام كونه ينتسب إلى السنّة ومن مجتمع سنّي لكنه ليس سنّياً فضلاً عن عدم كونه شيعياً بل ممن قاتل الشيعة وخطط للقضاء عليهم وعلى علمائهم ومدارسهم بالرغم من غالبيتهم.
2 - سورة إبراهيم : 13.