علل نشوء الاختلاف في المسائل العبادية

علل نشوء الاختلاف في المسائل العبادية

 

 

علل نشوء الاختلاف في المسائل العبادية

 

سماحة الشيخ محمد إبراهيم الجنّاتي

أستاذ الفقه المقارن والأُصول في الحوزة العلميّة

في مدينة قم المقدسة وعضو المجلس الأعلى

للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلاميّة

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله القائل ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾(1) والصلاة على رسوله الأمين سيّد الأُمّة ونبي الرحمة وقائد الإصلاح القائل «ذِمّة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم، وهم يدٌ على من سواهم» والسلام على أهل بيته الطيّبين الطاهرين وصحبه الميامين القائلين «أيّها الناس اتقوا الله، اتقوا الله، اتقوا الله وكونوا إخوةً بررةً متحابين في الله متواضعين متراحمين، متواصلين».

أيّها الإخوة: قد طُلِبَ منّي إعداد وتنظيم مقالة تحت عنوان علل نشوء الاختلاف في المسائل العباديّة.

_______________________________________

1 - سورة الأنبياء: 92.

ـ(238)ـ

 

علل نشوء الاختلاف في المسائل الفرعية

النظرية:

قبل الدخول في البحث أرى من المناسب أن أشير إلى أمور:

أولاً: إنّي مسرور لتوفيقي بالاشتراك في هذا التجمّع العلمي الكبير الحافل بكبار الأساتذة والكتّاب والمحقّقين آملاً أن يحقّق أهدافه في خدمة الإسلام والمسلمين.

ثانياً: أنا أعتقد أنّ المباحث التي ترتبط بالمجتمع الإسلامي في البعد العلمي والثقافي والديني والمذهبي يليق أن تطرح في الندوات التخصّصية في جوّ ودّي بعيداً عن التعصب والجمود لتبادل الآراء والنظرات فيها من أجل أن تتكامل وتأخذ صورتها الأتمّ وتكون أكثر قوّة.

وإنّي قد أعلنت مراراً في الندوات الفكرية والأندية العلميّة الدينية عن استعدادي الدائم للبحث حول المسائل النظرية الاجتهادية في الفقه والأصول والتفسير والحديث والكلام وإن أدّى ذلك إلى دحض جميع آرائي إذ المقصود من العلم هو كشف الحقائق ودرك الواقعيّات، لا حفظ الآراء والنظرات.

ثالثاً: إنَّ رأي ونظرية عالم من علماء الشيعة والحنفيّة أو المالكيّة أو الشافعيّة أو الحنبلية أو الأوزاعيّة أو الليثية أو الثوريّة أو الجبيرية أو الأباضيّة أو غيرهم في القرون السابقة في المسائل النظرية الفرعية على خلاف آراء ونظرات الآخرين ممّا ينبغي أن لا يتّخذ وسيلة للخلاف والشقاق والحقد والعناد وسبباً للتباعد، بل ينبغي أن يتّخذ وسيلة للبحث العلمي حولها ويجعلوها مورداً للنقاش لأجل الإفادة والمفادة بقصد الوصول إلى القول الأرجح، ويجب علينا أن نحسبه بعنوان رأيه الخاص في زمانه الخاص.

ـ(239)ـ

لا بعنوان المذهب، ثم الهجوم عليه، ويجب علينا أن نتوجّه إلى قانون تحوّل الاجتهاد على أساس المصادر بتحوّل الزمان والمكان والأحوال، ومن المعلوم أنّ الآراء والنظرات المبتنية على الاجتهاد تتحوّل وتتغيّر وتتبدّل بتحوّل وتغيّر وتبدّل شرائط الزمان والمكان والأحوال.

 

علل اختلاف علماء المسلمين في المسائل الفرعية

 النظرية:

نحن نعلم - أيّها الإخوة والأخوات - أنّ المسائل التي طرحت في الأدلّة والمصادر الاجتهادية على نوعين:

بديهية ونظرية:

أمّا في النوع الأول فلم يقع فيه خلاف بين فقهاء المذاهب الإسلاميّة إذا جاءت تلك الأحكام في مصادر الشريعة بطريقة واضحة في جانب الإيجاب والتحريم والإباحة واستنباطها من أدلّتها لا يحتاج إلى نظر واجتهاد. ولذا تبقى حقائق ثابتة في جميع الأزمنة ولا تتغيّر مهما تغيّر الزمان والمكان والأحول إلى يوم الدين لكونها غير معتمدة على الاجتهاد حتّى يقال: إنّها تتحوّل وتتغيّر وتتبدّل بتحوّل الزمان والمكان والأحوال.

أمّا في النوع الثاني منها، فقد وقع الخلاف بين علماء المذاهب الإسلاميّة فيه.

كشرائط الواجبات وأجزائها وموانعها، لعدم ورودها في الأدلّة والمصادر الاجتهاديّة بطريقة واضحة، بل جاءت على نحو يمكن أن يُوقع الاختلاف بين علماء المذاهب الإسلاميّة نتيجة الاختلاف في الفهم وتعدّد وجهات النظر، وهذا النوع من المسائل

ـ(240)ـ

الفرعية جعلته الشريعة خاضعاً لاجتهاد المجتهدين، إذ لا يمكن استخراج الأحكام من مصادرها بدون الاجتهاد وإعمال النظر. ولذا تكون هذه الأحكام الاجتهاديّة غير ثابتة وقابلة للقبض والبسط وتكون هذه الأحكام متغيّرة تبعاً لتغيّر الزمان والمكان والأحوال وشرائطها وبالاعتماد على المصادر الأوليّة.

ومن المناسب هنا أن نذكر أمثلة لذلك، فنقول: إنّه لم يختلف أحد من علماء المسلمين في أنّ الأرجل من أعضاء الوضوء. لوضوح دليله، وهو قوله تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مَّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾(1) وإنّما وقع الخلاف بينهم بالنسبة إلى كيفية طهارتها، فهل هي بالمسح أو الغسل أو الجمع أو التخيير بينهما ؟ ففي هذه المسألة آراء ووجهات نظر.

منها: المسح، واختاره فقهاء الإماميّة وعدّة من فقهاء الصحابة والتابعين مثل: ابن عباس وعكرمة وأنس والشعبي وأبي العالية من دون فرق بين قراءة الأرجل في الآية بالجرّ والنصب، بدليل أنّ الأرجل على قراءة الجرّ معطوف على لفظ الرؤوس وعلى قراءة النصب معطوف على محلّه.

ومنها: الغسل، واختاره فقهاء الحنفيّة والمالكيّة والشافعيّة والأوزاعيّة والسفيانيّة والأباضية والتميمية والنخعيّة والراهبيّة وغيرهم من المذاهب الذين انقرضوا على كلتا القراءتين، فأمّا على النصب فلعطفها على الوضوء أو أنّها منصوبة بفعل مقدّر هو و(اغسلوا)، وأمّا على الجرّ فلكونه جرّ الجوار والمتابعة.

ومنها: التخيير بين المسح والغسل واختاره الثوريّة والبصريّة والظاهريّة والجريحيّة لعدم الدليل على ترجيح إحدى القراءتين على الأخرى.

_______________________________________

1 - سورة المائدة: 6.

ـ(241)ـ

ومنها: الجمع بين المسح والغسل، واختاره بعض علماء الظاهرية والناصر للحق من أئمّة مذهب الزيدية لتعدّد قراءة الأرجل ووجود العلم الإجمالي بين المسح والغسل، وهو يقتضي الجمع بينهما.

وكيف ما كان فقد ذكرنا أدلّة هذه الأقوال بصورة مفصّلة في كتابنا «دروس في الفقه المقارن» في الجزء الأول، ومن أراد الاّطلاع فليراجعه، وأُريد أن أذكر هنا كلاماً، وهو أنَّنا اختلفنا حول مسألة مسح القدم أو غسله أو التخيير فيه أو الجمع بينهما حتّى أصبحنا لا نملك من أرض فلسطين موطئ قدم واحد.

ومثال آخر: لم يختلف أحد من علماء المذاهب في أنّ الاستطاعة موضوع لوجوب الحج لوضوح دليله، وهو قوله تعالى ﴿فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فإنّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾(1) وإنّما وقع الخلاف بينهم في أنّ المراد منها هل هي العقليّة أو الشرعيّة أو العرفيّة ؟ وذلك لعدم التصريح في الآية بأحدها فمنهم من يعتقد بأنَّ المراد منها هي العقليّة، وهو ما ذهب إليه مالك بن أنس الأصبحي إمام مذهب المالكيّة لاعتقاده بأنّها هي المقصود من ظاهر الآية، ولزوم حمل الأخبار الواردة في تفسيرها بالزاد والراحلة وتخلية السرب فيما إذا لم يتمكّن من الحج بدونها. ومنهم من يعتقد بأنّ المراد منها هي العرفيّة، وهذا منسوب إلى السيد المرجع الديني الشيعي السيد المرتضى صاحب كتاب «الانتصار» لاعتقاده بأنّ الأخبار الواردة في تفسيرها لا تدلّ على أزيد من الاستطاعة العرفيّة. ومنهم من يعتقد بأن المراد منها هي الشرعيّة حيث ذهب إلى ذلك فقهاء الإماميّة والحنفيّة والشافعيّة والحنبليّة، للأخبار المرويّة في تفسير الاستطاعة بأنّها القوّة في البدن واليسار في المال، أو أنَّها الزاد والراحلة وتخلية السرب، والرجوع إلى الكفاية.

_______________________________________

1 – سورة آل عمران: 97.

ـ(242)ـ

ومثال ثالث: لم يختلف أحد من علماء المذاهب الإسلاميّة بأنّ الموسيقى الغنائية حرام إذا اقترنت بشيء من المعاصي والمحرّمات، أو اتّخذت وسيلة للحرام، وإنّما وقع الخلاف بينهم إذا لم تقترن بإحدى المعاصي والمحرمات، فذهب الإمام الشافعي والغزالي صاحب «المستصفى في علم الأُصول» والنابلسي صاحب «إيضاح الدلالات في سماع الآلات» والأُستاذ الشيخ شلتوت في رسالته «الفتاوى» إلى عدم حرمتها في نفسها، كما ذهب إليه من علماء الشيعة الفيض الكاشاني صاحب «الوافي» والمحقّق السبزواري صاحب «كفاية الأحكام» بدليل كون الأخبار الناهية عن الموسيقى الغنائية ناظرة إلى الغناء الخارجي الذي كان معمولاً في العصرين الأموي والعباسي حيث كانوا يسمّون جلساته بـ «الليالي الحمراء»، وذهب أبو حنيفة ومالك وأحمد بن حنبل والجزيري إلى حرمتها في نفسها، كما ذهب إليه كثير من علماء الشيعة.

ونحن حقّقنا في محلّ هذا البحث ووجدنا عدم التنافي بين هذين الرأيين، لأن مراد القائلين بحرمتها في نفسها هو الغناء بالمعنى الشرعي الذي جعل موضوعاً للحكم الشرعيّ، وهو مركب من الصوت على النحو اللهوي، هذا إذا كان من مقولة الكيف المسموع العارض على الصوت، أو كونه مشتملاً على الكلام الباطل إذا كانت الموسيقي الغنائية من مقولة الكلام، وأمّا مراد القائلين بعدم حرمتها في نفسها هو الغناء بالمعنى اللغوي الذي لم يجعل موضوعاً للحكم الشرعي حسب تحقيقي في هذه المسألة وهو بسيط غير مركب، وهذا المعنى أعمّ من المعنى الأول لشموله كلّ صوت حسن، ونحن قد بيّنا في مجلة عالم الثقافة «كيهان فرهنگى» السبب في عدم حرمة الموسيقى الغنائية الكلاسيكية التي لا يكون القصد منها الإطراب والتلهّي، بل يكون القصد منها هو هدوء الأعصاب والاستراحة الفكرية والاستيناس بها، وهكذا بالنسبة إلى الأناشيد الحماسيّة الحربيّة التي ليس الهدف منها الطرب واللهو واللعب، وكيف كان فعل اختلاف علماء المسلمين في

ـ(243 )ـ

المسائل النظرية الفرعية عبارة عمّا يلي:

أولاً: الاختلاف في بعض المصادر.

ثانياً: الخلاف في شروط الأدّلة.

ثالثاً: الخلاف في نوعيّة الدليل.

إنّ أئمّة جميع المذاهب اتّفقوا على اعتبار قياس الأولويّة، والمنصوص العلّة على نحو الإطلاق، كذا اعتبروا قياس تحقيق المناط، وتنقيح المناط، وتخريج المناط على نحو التقيّة، وإنّما وقع الخلاف في نوع خاص من القياس وهو قياس التمثيل والتشبيه، فذهبت الحنفيّة والنخعيّة ومحمد بن عبدالرحمن بن أبي ليلى إلى اعتباره من مصادر التشريع، ولكن فقهاء الشيعة والظاهريّة والثوريّة والأوزاعيّة لا يعتبرونه من مصادره.

رابعاً: الخلاف في مرحلة الاستظهار.

خامساً: الخلاف في كيفية اعتبار الدليل، فإنّ أئمّة المذاهب يعتبرون الإجماع في نفسه حجّة ولكن الشيعة لا يعتبرونه في نفسه حجّة، بل يكون حجّة إذا كان كاشفاً عن قول المعصوم.

سابعاً: الاختلاف في مسألة الاقتصار على العناوين الواردة في العناصر الخاصّة بعملية الاستنباط وعدمها.

وهكذا في تعارض الأحاديث، لاسيمّا الأحاديث التي ترتبط بشرائط الأحكام وأجزائها وموانعها التي رويت بواسطة أو بوسائط ولتعارض الروايات أسباب وبسبب ضيق الوقت نترك بيانها ونترك أيضاً بقية علل الخلاف.

ولا يخفى – أيّها الإخوة – أنّ الأسباب التي تقدّم ذكرها قد أوجبت الخلاف بينهم في المسائل الفرعيّة النظريّة، ولكن مع ذلك ففي أكثرها مجال للتقريب وأمّا في بعضها الآخر الذي لا يمكن التقريب فيه، فالخلاف هنا لا يختصّ بمذهب دون مذهب، بل يعمّ هذا

ـ(244)ـ

الخلاف جميع المذاهب، وهذا الأمر دليل على عدم كون منشأ الخلاف هو عنوان الشيعة أو عنوان السنّة، وهذا الاختلاف في نفسه ليس خطراً على الأُمّة للسببين التاليين:

أولاً: لأنّ هدفهم فيه واحد، وهو الوصول إلى حكم الله ورسوله.

ثانياً: لأنّه يوجب توسيع الفقه من حيث المصاديق، ولهذا قالوا «رحمة الأُمّة في اختلاف الأئمّة» أو «اختلاف أصحابي لأُمّتي رحمة»(1) «اختلاف أصحابي رحمة»(2) أو «اختلاف الصحابة في حكم اختلاف الأُمّة»(3) أو «اختلاف أُمتي رحمة»(4).

أيّها الإخوة:

إنّ إخواننا أهل السنة وإن لم يعتقدوا – كالشيعة – بأنّ أئمّة أهل البيت أئمّة منصوص عليهم ولكنّهم يحبوّنهم، ويعتقدون أنّهم أئمّة في العلم والدين، وأنّهم سادة، لهم فضلهم في الأُمّة ومكانتهم في الإسلام.

ولذا نحن نعتقد بأنّ المسلمين كلّهم من أهل السنّة وكلّهم شيعة، فأمّا كونهم سنيين فلأنهم يعملون بسنّة رسول الله، وأمّا كلّهم شيعة فلأنّهم يحبون أهل البيت. وبعد وفاة الرسول الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلم اختلف أهل الشيعة وأهل السنة في الطريق الموصل إلى سُنّة الرسول إذا اعتقد الشيعة بأن سُنّة أئمّة أهل البيت هي استمرار لسُنّة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم واعتقد أهل السنّة بأنّ سُنّة الصحابة هي استمرار لسُنّة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم، ولكن هدفهما واحد ومشترك وهو الوصول إلى سُنّة رسول الله.

إذن، فكلّنا مسلمون والهدف واحد، قال الإمام الراحل:

الذين يثيرون الخلاف بين المسلمين ليسوا من أهل السُنّة ولا من الشيعة.

_______________________________________

1 - قال أبو زرعة، روى آدم بن أبي الفارس عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلم في كتابه العلم والحكم.

2 - أسنده الديلمي مسنداً في الفردوس إلى حديث ابن عباس مرفوعاً.

3 - في الفردوس للديلمي.

4 - رواه السيوطي في الجامع الصغير عنه.

ـ(245)ـ

وقال قائد الثورة الإسلاميّة آية الله الخامنئي دام ظله:

إنّ الذين يدعون إلى وحدة المسلمين ليسوا بأعداء الإسلام، وإنّهم يريدون الخير لأتباع دينهم، وقال أيضاً: اعلموا إنّ أعداء الإسلام يتربّصون بكم الدوائر للنيل من وحدتكم فكونوا على حذر ولا تسمحوا لبروز الخلافات بينكم، واحذروا من الأمور الموجبة لها، والتي يستطيع أعداء الإسلام أن يزرعوا الفرقة من خلالها.

أيّها الإخوة:

أنتم تعلمون أنّ المسلمين اليوم بأمسّ الحاجة إلى الوحدة حيث إنّ أوضاعهم في الوقت الحاضر أخطر من زمان الصحابة والتابعين، إذ إنَّ جميع المسلمين يعلمون أنّ سياسة أعدائهم لا تفهم منطق المفاوضة والاتفاق والمعاهدة، بل تفهم منطقاً واحداً، وهو منطق القوّة من أجل الاستيلاء الكامل على ثروات وذخائر المسلمين، وأنّ همّ هؤلاء هو مصلحتهم ومطامعهم ورغباتهم، فيرى جميع المسلمين أنّ الولايات المتحدة الأمريكية تهتمّ بسياسة المواقع الإستراتيجية من أجل رفع مستواها في جميع الميادين، فنشاهد أنّها كرّست كلّ جهودها من أجل إيجاد الفتن والويلات والاضطرابات في البلدان المتحرّرة غير السائرة في فلكها، وتتعامل معهم بشكل لا يعرف الرحمة والرأفة، ومع ذلك فهي تنادي بحقوق الإنسان الذي عرّضه أعداء الإسلام والإنسانية إلى الجوع والتهجير والمرض والعُري، وكذلك يدّعي هؤلاء الأعداء رفضهم للتمييز العنصري والديني في حين يصمّون آذانهم تجاه مآسي فلسطين وشمال أفريقيا وجنوبها والبوسنة والهرسك وكشمير وأفغانستان وجميع الزنوج والمسلمين في آفاق العالم، ويدّعون حرمة القتل والحرق والتدمير ويتوعّدون المخالفين بأشد أنواع الجزاء، ولكنهم في نفس الوقت يخالفون ذلك ويؤذون المسلمين في أنحاء العالم كافّة، ويؤيّدون ما يفعله الصرب المجرمون في البوسنة والهرسك، واليهود في فلسطين ولبنان.

ـ(246)ـ

على أية حال، نحن نعلم أنّ انتصار المسلمين الأوائل تحقّق بعد أن كان المسلمون يداً واحدةً ضدّ أعدائهم، وتمكّنوا من خلال وحدتهم هذه أن ينشروا دين الله ويخرجوا عباده من عبادة الأوثان والأصنام إلى عبادة الرحمن، وتمكّنوا كذلك من أن يخرجوا الناس من جور الطغيان وظلمات الجهل والكفر إلى عدل الإسلام ونور العلم والإيمان.

يجب على المسلمين الاعتماد على أنفسهم مع الاستعانة بالله وترك كلّ الخلافات التي تفتّت وحدتهم وتفرّق كلمتهم والسعي لإنقاذ كلّ الأرض الإسلاميّة وبخاصّة أرض فلسطين الإسلاميّة من أيدي الأعداء لترفرف عليها راية الإسلام.

فيا أيّها المسلمون اتّحدوا وانبذوا الخلافات ﴿وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾(1) والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

_______________________________________

1 - سورة آل عمران 139.