المرجعية العلمية الإسلامية لأهل البيت (عليهم السلام)
المرجعية العلمية الإسلامية لأهل البيت (عليهم السلام)
عبـد الكريم عمارة الجزائري
بسم الله الرحمن الرحيم
المقـدمة:
ان الحديث عن أهل البيت (عليهم السلام) حديث شيق وممتع، ترتاح له القلوب المؤمنة وتسكن به النفوس، وتحضره الملائكة ويبارك الله فيه وفي اهله، ويرضي سيد المرسلين (صلى الله عليه وآله)، لانه إنّما يعبر عن حبهم وولائهم، الذي حث عليه القرآن الكريم وطالب به أمة محمّد (صلى الله عليه وآله) (قل لا اسألكم عليه اجراً إلّا المودة في القربى).
كما ان الحديث عنهم ونشر فضائلهم وإلفات الأُمّة اليهم يعد إحياء لامرهم (عليهم السلام)، والإمام الصادق (عليه السلام) يقول: أحيوا أمرنا رحم الله من احيا امرنا.
اما مسألة المرجعية العلمية لأهل البيت فحسب اعتقادي انّها لا تحتاج إلى البحث والتنقيب وجمع الادلة والشواهد لاثباتها، بل انها امر يمكن ان يستنتجه الإنسان ويسلّم به بفطرته، فهم لحمة النبي (صلى الله عليه وآله) وامتداده المقدس في الأُمّة، وهيهات أن تشذ عن رسول الله لحمته، وفي ابياتهم نزل جبرئيل بالوحي المقدس، وأهل البيت اعلم بما فيه، فلا يمكن ان يجاريهم أحد فيما جاء به ابوهم محمّد (صلى الله عليه وآله) خاصة وأنه كان يوصي بحبهم وولائهم واتباعهم وإذا كانت الأُمّة في ذلك الزمان ولاسباب عديدة منها الجهل والعصبية والحسد وأسباب أخرى صنعها الحكام الظالمون، اضافة إلى سعة المساحة الجغرافية بين الأُمّة وأهل البيت خاصة بعد الفتوحات بحيث لم تتوفر لأغلب الناس فرصة الاتصال بهم (عليهم السلام)
والتعرف عليهم، كل تلك الأسباب وقفت حاجزاً بين الأُمّة ومعرفة ابناء نبيّها حقّ معرفتهم، فنحن في هذا الزمان قد تخلصنا والحمد لله من أكثر تلك الأسباب واتسعت معارفنا ومطالعاتنا وبات من أسهل الأُمور أن تحصل على المعلومة التي تريد وفي أي وقت كان خاصة بعد ثورة الانترنيت.
لذا علينا أن نتوجّه بكل ارادة وصدق للتعرف عليهم أوّلاً - فان الناس اعداء ما جهلوا - ولا شك باننا سوف يأسرنا صفاؤهم وعلمهم وسموهم.
وقد جمعت في هذا الجهد المتواضع بعض الشواهد للاستشهاد بها على مرجعيتهم الإسلامية للامة وهو كالاتي:
الدليل القرآني على اعلميّتهم:
لعلّ من أظهر الآيات القرآنية التي نزلت في أهل بيت النبوة (عليهم السلام) هي آية التطهير (إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا)، إذ بيّنت المكانة السامية والمنزلة الرفيعة لأهل هذا البيت عند الله، حيث تعلقت إرادته سبحانه بإذهاب الرجس عنهم وتطهيرهم تطهيراً، والذي يعني أنه سبحانه قد تعهدهم بعنايته ورعايته بصورة خاصة غير العناية العامة التي يتعهد بها جميع خلقه.
ومن الواضح أن التطهير وإذهاب الرجس عنهم يعني امتلاكهم حصانة ذاتية تمنع عن وقوعهم في الذنوب أو ارتكاب ما يخالف الشريعة نتيجة الخطأ والاشتباه، حيث إن المخالفة وإن كانت غير متعمّدة لا يمكن معها أن يصل الإنسان إلى كماله ناهيك عن وصوله إلى أعلى درجات التطهير التي أشارت لها الاية المباركة، نعم ان الله سبحانه يسامح العبد على اخطائه واشتباهاته وجهله ويتجاوز عنه، ولكن هناك شروط تدخل في معذريّته منها ان يكون قاصراً عن معرفة الحق.
وعليه فان الحصانة الذاتية وبهذه المرتبة الرفيعة الشاملة لكل مفردات التعامل وعلى كافّة الأصعدة لا يمكن لها أن تتوفر لشخص ما ما لم يحيط بالعلوم الالهية والحياتية بحيث يصل إلى درجة يرى فيها الأُمور على حقائقها وعواقبها وآثارها المترتبة عليها، عند ذاك يستطيع ان ينأى بنفسه عن كل ما يمس طهارته بكدر أو غبار.
ومن هنا نستنتج ان الله سبحانه قد أعطى ومنح أهل البيت (عليهم السلام) كل مقومات التطهير التي من أوّلياتها العلم بكل صغيرة وكبيرة سواء على مستوى التعاليم الدينية أو المعارف الدنيوية.
ومن هنا، فان هناك ملازمة بين الوصول إلى أعلى درجات التطهير وبين الحصول على أعلى مراتب العلم والمعرفة والاحاطة بكل شاردة وواردة.
وربما يرد اعتراض على هذه الملازمة مفاده: أنه يمكن ان يحصل هذا دون الحصول على أعلى مراتب العلم حيث يتعهدهم الله ويقف مانعاً بينهم وبين الاخطاء والمعاصي وبالتالي تصدق عملية التطهير.
ورداً على هذا الاعتراض المفترض نقول: ان هكذا تدخّل من قبله تعالى يجعلهم مسيّرين لا مختارين ومجبورين على افعالهم مثلهم مثل المخلوقات المسيرة كالكواكب مثلاً التي تتحرك ضمن نظام دقيق يحفظ الكون من الفساد والخلل، وبذلك فلا يستحقون المدح - حاشاهم من ذلك - بينما نجد ان الوحي المقدس قد جعل مودتهم وحبهم الاجر والشكر والعرفان الذي يجب ان تؤديه الأُمّة لنبيّها الاكرم (صلى الله عليه وآله) على ما جاء لهم به من رسالة الهيّة عظيمة وهداهم بها إلى الحق وانقذهم من ظلم الجاهلية والتيه الذي كانوا يعيشونه على كافة المستويات: (قل لا اسألكم عليه اجراً إلّا المودة في القربى)، بل ان هذا لا يمكن تفسيره - بحيث أصبحت مودتهم مقابل كل جهود النبي (صلى الله عليه وآله) التي قدّمها للأمّة - إلّا بأنهم هم حملة الرسالة من بعده وامناؤها وحفّاظها من التغيّر والاختلاف من بعده (صلى الله عليه وآله)، والوعاء الطاهر الذي يضمن استمرارها خالصة صافية إلى ما شاء الله.
بالاضافة إلى ذلك نسوق شاهداً قرآنياً يدلّ على مرادنا وهو: (وتعيها أُذن واعية) حيث نزلت هذه الاية الكريمة بحق علي بن ابى طالب عليه الصلاة والسلام، ومن الواضح انها تبيّن وبشكل جلىّ إلى ان الرسالة المحمدية العظيمة قد هيأ الله لها اذن تعيها وتتلقّاها بفهم حقيقي لكل تفاصيلها ومفرداتها فتكون مستودعها الامين من بعد سيد المرسلين (صلى الله عليه وآله)، فقد جاء في مناقب الخوارزمي ص 199 ما نصه: عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال: ضمني رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقال لي: انّ الله امرني ان ادنيك ولا اقصيك وان تسمع وتعي وحقاً على الله ان تسمع وتعي. فنزلت هذه الاية (وتعيها اذن واعية).
وعن ابن عباس أنه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لمّا صرت بين يدي ربي كلّمني وناجاني فما علمت شيئاً إلّا علمته علياً فهو باب علمي (ينابيع المودة ص 79).
وفي طبقات بن سعد ص 338 أنه قيل لعلي (عليه السلام): ما لك أكثر أصحاب رسول الله حديثاً قال اني كنت إذا سألته أنبأني وإذا سكتُّ ابتدأني.
تبقى مسألة مهمة هنا وهي هل ان اية التطهير تخص علياً وفاطمة والحسن والحسين أم تشمل جميع أهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله) بما فيهم نساؤه.
والجواب على ذلك على نحوين:
الأول - وهو ما يخص مناسبة نزول اية التطهير نفسها، فقد ورد عن عائشة زوج النبي انها قالت: خرج النبي (صلى الله عليه وآله) غداة وعليه مرط مرحّل من شعر اسود فجاء الحسن بن على فأدخله ثم جاء الحسين فدخل معه ثم جاءت فاطمة فأدخلها ثم جاء علي فأدخله ثم قال (إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً) (صحيح مسلم ج 4 ص 1883).
وعن عمر بن أبي سلمة ربيب النبي (صلى الله عليه وآله) قال: نزلت هذه الاية على النبي (إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا). في بيت أم سلمة فدعا النبي (صلى الله عليه وآله) فاطمة وحسناً وحسيناً فجلّلهم بكساء وعليُّ خلف ظهره ثم قال: هؤلاء أهل بيتي فأذهب الرجس عنهم وطهّرهم تطهيرا، قالت أم سلمة: وانا معهم يا رسول الله؟ قال: انت على مكانك إلى خير. (اسد الغابة ج2، ص 12).
الثاني: من خلال ما نقلته كتب التاريخ وذكره الرواة بشكل مستفيض بخصوص الذين اخرجهم النبي (صلى الله عليه وآله) معه لمباهلة نصارى نجران بعد نزول الاية الكريمة (تعالوا ندع ابناءنا وابناءكم ونساءنا ونساءكم وانفسنا وانفسكم)، حيث جاء في المستدرك على الصحيحين ج 3 ص 150 نقلاً عن عامر بن سعد عن أبيه قال: لما نزلت هذه الاية (تعالوا ندع ابناءنا وابناءكم ونساءنا ونساءكم وانفسنا وانفسكم)دعا رسول الله (صلى الله عليه وآله) علياً وفاطمة والحسن والحسين «رضى الله عنهم» قال: اللهم هؤلاء أهل بيتي.
أعلمية أهل البيت في الحديث النبوي:
لقد كان سيد المرسلين (صلى الله عليه وآله) المرجع العلمي الاعلى في الأُمّة في جميع الأُمور السياسية والاجتماعية والعقائدية والفقهية والاخلاقية والثقافية وغيرها مما يحتاج اليه المسلمون خلال حياتهم العامة، حيث كان القرآن الكريم يغطي مساحة واسعة من تلك الاحتياجات، بآياته الكريمة المبيّنة للتعاليم والقوانين الالهية التي سنّها الشارع المقدس لتسير الأُمّة على هداها وهي تلك الموجودة بين دفتي الكتاب المقدس، بالاضافة إلى ما يتلقاه (صلى الله عليه وآله) من قبل الوحي من تعاليم غير القرآن فيوصله بدوره للمسلمين، وقد اشار القرآن الكريم إلى تلك الحقيقة (وما ينطق عن الهوى إن هو إلّا وحي يوحى علّمه شديد القوى).
ولمّا كانت رسالة الإسلام هي الرسالة الخاتمة التي ستظل الدين الذي تدين به البشرية حتّى اخر يوم في حياتها، والنظام الذي اراد لها الله سبحانه وتعالى السير وفق تعاليمه وقوانينه وارشاداته، كان لابد ان يودع النبي (صلى الله عليه وآله)علمه الالهي عند من هو أهل لذلك من حيث القدرات الذهنية والعقلية والبيانية وكذلك من حيث الطهارة والاخلاص ليكون خلفاً لمرجعيته العلمية، يقوم مقامها ويؤدي دورها.
وقد ذكر القرآن الكريم ما يثبت انخفاض مستوى الوعي والاستعداد عند ذلك المجتمع الذي عاصر النبي (صلى الله عليه وآله) بصورة عامة وخاصة ما اشار به إلى اعتراضاتهم المتكررة على النبي (صلى الله عليه وآله) ورفع اصواتهم بحضرته المقدسة ومناداته من وراء الحجرات، حتّى ان النبي (صلى الله عليه وآله) كان يخشى اتّهاماتهم له عند ما كان يريد تنفيذ ما امره به الله سبحانه (وتخشى الناس والله احق ان تخشاه)، (والله يعصمك من الناس) هذا بالإضافة إلى انهم كانوا يسمعون من النبي (صلى الله عليه وآله)الآيات والتعاليم ولكن بمجرد خروجهم من مجلسه يقول بعضهم لبعض ماذا قال آنفاً.
ولذلك فقد اختار رسول الله (صلى الله عليه وآله) أهل بيته الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً ليكونوا اوعية علمه وأمناء رسالته من بعده، ولا شكّ ان اختيارهم بامر من الله سبحانه الذي خصهم بعنايته خاصة وان القرآن يقول (وما ينطق عن الهوى إن هو إلّا وحي يوحى)، وإذا كان كل قوله وحي فلا شك ان هكذا أمر خطير يتوقف عليه حفظ الرسالة واستمرارها خالصة لا يمكن ان يفسّر أو يعلل بدوافع أخرى شخصية. فقد اختار علياً (عليه السلام) لهذه المهمة فلم يترك شيئاً إلّا وعلمه إياه وأمره بكتابته وإليك بعض الادلة: عن ابن عباس قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لمّا صرت بين يدي ربي كلّمني وناجاني فما علمت شيئاً إلّا علمته علياً فهو باب علمي (ينابيع المودة ص 79).
قال علي (عليه السلام): وقد علمتم منزلي من رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالقرابة القريبة والمنزلة الخصيصة، وضعني في حجره وانا ولد يضمني إلى صدره ويكنفني في فراشه ويمسّني جسده ويشمني عرفه وكان يمضغ الشىء ثم يلقمنيه وما وجد لي كذبة في قول ولا خطلة في فعل ولقد قرن الله به (صلى الله عليه وآله) من لدن ان كان (فطيماً) أعظم ملك من ملائكته يسلك به طريق المكارم ومحاسن الاخلاق ليله ونهاره، ولقد كنت اتبعه اتباع الفصيل أثر امه، يرفع لي في كل يوم من اخلاقه علماً ويأمرني بالاقتداء به ولقد كان يجاور في كل سنة بحرّاء فأراه ولا يراه غيري ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الإسلام غير رسول الله (صلى الله عليه وآله) وخديجة وانا ثالثهما ارى نور الوحي والرسالة واشم ريح النبوة، ولقد سمعت رنّة الشيطان حين نزل الوحي عليه فقلت: يا رسول الله ما هذه الرنة؟ فقال: هذا الشيطان قد آيس من عبادته انّك تسمع ما اسمع وترى ما أرى إلّا انك لست بنبي، لكنك وزير وإنك لعلى خير. (نهج البلاغة، خطبة 187).
وقال علي (عليه السلام) (في حديث) وقد كنت ادخل على رسول الله (صلى الله عليه وآله) كل يوم دخلة وكل ليلة دخلة فيخليني فيها، أدور معه حيث دار وقد علم أصحاب محمّد أنه لم يصنع ذلك بأحد من الناس غيري فربما كان في بيتي، يأتيني رسول الله أكثر ذلك في بيتي وكنت إذا دخلت عليه بعض منازله اخلاني واقام عني نساءه فلا يبقى عنده غيري، وإذا أتاني للخلوة معي في منزلي لم تقم عني فاطمة ولا أحد من بنىَّ، وكنت إذا سألته اجابني وإذا سكتُّ عنه وفنيت مسائلي ابتدأني، فما نزلت على رسول الله اية من القرآن إلّا اقرأنيها واملاها عليّ فكتبتها بخطي وعلمني تأويلها وتفسيرها وناسخها ومنسوخها ومحكمها ومتشابهها وخاصها وعامها ودعا الله ان يعطيني فهمها وحفظها فما نسيت اية من كتاب الله وعلماً املاه علىّ وكتبته منذ دعا الله لي بما دعا وما ترك شيئاً علمه الله من حلال ولا حرام ولا امر ولا نهي كائن أو يكون ولا كتاب منزل على أحد قبله من طاعة أو معصية إلّا علّمنيه وحفظته فلم أنس حرفاً واحداً ثم وضع يده على صدري ودعا الله لي ان يملأ قلبي علماً وفهماً وحكماً ونوراً، فقلت: يا نبى الله بأبي انت وامي منذ دعوت الله لي بما دعوت لم أنس شيئاً ولم يفتني شيء لم اكتبه أفتخاف عليّ النسيان فيما بعد؟ فقال: لا، لست اتخوف عليك النسيان والجهل (الكافي ج 1 ص 64).
ومن خلال ما تقدم يتضح ان سيد المرسلين قد اعطى لعلي من الاهتمام والوقت والعلم ما لم يعطه لاحد غيره، وتعهده بعناية خاصة واعداد مكثّف، من أجل الوصول به إلى المرحلة التى يكون فيها خازن علم الرسول وعيبته والمؤهل للاضطلاع بدور المرجعية العلمية من بعده، هذا من ناحية الاعداد والتدريس والتبين.
اما بالنسبة لقدرة علي على التلقي والفهم والحفظ، فقد كانت في ارقى درجاتها، حتّى اعطاه رسول الله (صلى الله عليه وآله) شهادة التخرج واعلنها بين المسلمين واشهدهم عليها مراراً وتكراراً، ليكون اليه مرجعهم ومآل أمور دينهم ودنياهم، وربما من اوضح واشهر اقواله (صلى الله عليه وآله) في علىّ بهذا الخصوص حديث: انا مدينة العلم وعلىٌّ بابها فمن اراد العلم فليأت الباب (المناقب للخوارزمي ص 40).
احاديث تبيّن مدى علمية علي في:
سئل النبي (صلى الله عليه وآله) عن علي (عليه السلام) فقال: قسمت الحكمة عشرة اجزاء فأعطي علي تسعة اجزاء والناس جزءاً واحداً (فرائد السمطين ج 1 ص 94).
عن انس بن مالك قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعلي انت تبيّن لامتي ما اختلفوا فيه من بعدي (المستدرك ج 3 ص 122).
عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): انّ اقضى امتي علي بن أبي طالب (المناقب للخوارزمي ص 309).
عن سلمان الفارسي عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: اعلم امتي من بعدي علي بن أبي طالب (مناقب الخوارزمي ص 40).
ذكرت الامارة - أو الخلافة - عند النبي (صلى الله عليه وآله) فقال:... ان وليتموها علياً وجدتموه هادياً مهدياً يسلك بكم على الطريق المستقيم (تاريخ ابن عساكر ج 3 ص 69).
قال رسول الله: علي مع الحق والقرآن، والحق والقرآن مع علي ولن يفترقا حتي يردا عليّ الحوض (ابن عساكر ج 3 ص 125).
هذا بالنسبة إلى علىٌّ (عليه السلام) الذي لا يختلف في علمه اثنان اما ما يعمّ أهل البيت (عليهم السلام) فنسوق مجموعة من الأحاديث النبويّة الشريفة التي تدل على مرجعيتهم العلمية:
أوّلاً: يروي أحمد بن حنبل عن أبي سعيد قائلاً: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): اني تركت فيكم ما ان اخذتم به لن تضلّوا بعدي، الثقلين احدهما اكبر من الاخر كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي إلّا وانهما لن يفترقا حتّى يردا علىّ الحوض (مسند الإمام أحمد بن حنبل ج 3 ص 59).
نقل الحاكم النيشابوري عن زيد بن الارقم قائلاً: لما رجع رسول الله (صلى الله عليه وآله)من حجة الوداع ونزل غديرخم امر بدوحات فقممن فقال: كأني قد دعيت فأجبت، اني قد تركت فيكم الثقلين احدهما اكبر منه الاخر كتاب الله تعالى وعترتي فانظروا كيف تخلفوني فيهما فانهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض ثم قال ان الله عز وجل مولاي وانا مولى كلِّ مؤمن ثم اخذ بيد علي(رضي الله عنه)فقال: من كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه (المستدرك على الصحيحين ج 3 ص 109).
لقد روي حديث الثقلين المتقدم بعبارات مختلفة وطرق متعددة من قبل عدد من صحابة النبي (صلى الله عليه وآله) الكبار منهم: أبو ذر الغفاري، أبو سعيد الخدري، علي بن أبي طالب، حذيفة بن اليمان، جابر بن عبدالله الانصارى، فاطمة الزهراء، أم هاني بنت أبي طالب، أم سلمة، ويذكر أحمد بن حجر الهيثمي ان أكثر من عشرين نفراً من صحابة رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد رووا حديث الثقلين (الصواعق الحرقة ص 150).
واليك بعض الكتب المشهورة والمعتمدة لدى أهل السنة التي ذكرت حديث الثقلين: صحيح مسلم ج 4 ص 1874، ابن الاثير في اسد الغابة ج 2 ص 12، الإمام الفخر الرازي في التفسير الكبير ج 8 ص 163، ابن الجوزي في تذكرة الخواص ص 322، السيرة الحلبية ج 3 ص 308.
ومن خلال حديث الثقلين المتقدم يعرف الباحث عن الحقيقة مدى علميّة أهل البيت (عليهم السلام) وعصمتهم عن الخطأ، إذ قرنهم الحديث الشريف بالقرآن وجعلهم عدل له وهو الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ويحتوي على تبيان كل شيء، ومن هذا القرن نفهم انهم تبيان لكل شيء ولا يأتيهم الباطل منه بين ايديهم ولا من خلفهم، اضافة إلى هذا فان الحديث قد اشار إلى مسألة مهمة وهي ان القرآن من دون أهل البيت (عليهم السلام) - العالمين به - لا يمكن ان تنتفع به الأُمّة الانتفاع المطلوب، بل انّها ستظللها الاهواء والآراء المختلفة في تفسير آياته، وكذلك فان اتباع أهل البيت (عليهم السلام) من دون التمسك بالقرآن لا يؤدي بالانسان إلى الطريق الصحيح والنجاة في الدنيا والاخرة، فالقرآن كتاب الله الصامت وأهل البيت هم القرآن الناطق.
ثانياً: قوله (صلى الله عليه وآله): إنّما مثل أهل بيتي فيكم كسفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرق (فضائل الخمسة للفيروزآبادى ج 2 ص 65)، ولمّا كانت سفينة نوح قد وصلت بمن ركبها إلى شاطئ الامان، فان أهل البيت (عليهم السلام) هم القادرون على ايصال الأُمّة إلى شواطئ الامان والابتعاد عن بحار الظلمات والجهل والاختلاف والوقوع في المآثم، ولا يتم لأهل البيت ذلك إلّا إذا كانوا يمتلكون أعلى درجات العلم، ولمّا وصفهم النبي (صلى الله عليه وآله) بتلك الصفة (سفينة نوح) فان ذلك يعني ولا ريب مرجعيتهم العلمية العليا التي تستطيع الأُمّة بالرجوع اليها فيما يعترضها من أمور ومسائل الوصول إلى شواطئ النجاة الابدية.
ثالثاً: قوله (صلى الله عليه وآله): النجوم أمان ولأهل الأرض من الغرق، وأهل بيتي امان لأهل الأرض من الاختلاف (اخرجه الحاكم في مستدرك الصحيحين ج 3 ص 149).
رابعاً: قوله (صلى الله عليه وآله): أنزلوا آل محمّد منزلة الرأس من الجسد، وبمنزلة العينين من الرأس، فان الجسد لا يهتدي إلّا بالرأس، وانّ الرأس لا يهتدي إلّا بالعينين. (الاتحاف بحبّ الاشراف ص 26).
خامساً: قوله (صلى الله عليه وآله) كما جاء في بعض احاديث الثقلين: فلا تقدموهما فتهلكوا ولا تقصروا عنهما فتهلكوا ولا تعلموهم فانهم اعلم منكم (مستدرك الصحيحين ج 3 ص 146).
هل ان أهل البيت هم علي (عليه السلام) وولداه فقط ؟
تقدم ان النبي (صلى الله عليه وآله) اراد ان يكون أهل بيته - وقد تعهد علياً والحسنين بالتعليم - المرجعية الإسلامية العليا التي تخلفه في الأُمّة وتؤدي دوره فيها، وإذا كان المقصود بأهل البيت (عليهم السلام) هم علي والحسنان فقط فسيحصل فراغ زمني شاسع تظل الأُمّة فيه دون مرجع أعلى محيط بعلوم الدين والدين ترجع اليه لدى الحاجة - والحاجة متزايدة كلما تقدم الزمن لانهم (عليهم السلام) لم يلبثوا بعد النبي (صلى الله عليه وآله) إلّا فترة قصيرة قياساً بعمر الرسالة ومدى بقائها المرسوم حيث ان آخرهم وهو الحسين بن علي (عليه السلام) قد استشهد عام 61 هـ أي بعد خمسين سنة من رحلة النبي (صلى الله عليه وآله)، وهذا يدلل على ان المرجعية المطلوبة يجب ان لا تقتصر عليهم (على وولداه) «صلوات الله عليهم».
وقد نقل ابراهيم بن محمّد الجوينى ما يثبت ذلك قائلاً: عن ابن عباس قال سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: انا وعلي والحسن والحسين وتسعة من ولد الحسين مطهرون معصومون. (فرائد السمطين ج 2 ص 133.
اما اسماء هؤلاء التسعة من ولد الحسين (عليه السلام) المطهرين المعصومين الذين جاء ذكرهم في الحديث المتقدم فقد وردت في احاديث النبي (صلى الله عليه وآله) واليك هذا الحديث الذي ورد في تفسير نور الثقلين عن ابن بابويه باسناده عن جابر بن عبدالله الانصاري قال: لما انزل الله عز وجل على نبيه محمّد (صلى الله عليه وآله) (اطيعوا الله واطيعوا الرسول واولي الأمر منكم) قلت يا رسول الله عرفنا الله ورسوله فمن اولوا الأمر الذين قرن الله طاعتهم بطاعتك؟
فقال (صلى الله عليه وآله): هم خلفائي يا جابر، وأئمة المسلمين من بعدي اولهم علي بن أبي طالب، ثم الحسن، ثم الحسين، ثم علي بن الحسين، ثم محمّد بن على المعروف في التوراة بالباقر وستدركه يا جابر، فإذا لقيته فاقرأه مني السلام، ثم الصادق جعفر بن محمّد، ثم موسى بن جعفر، ثم علي بن موسى، ثم محمّد بن على، ثم علي بن محمّد، ثم الحسن بن علي، ثم سميّي وكنيّي حجة الله في ارضه وبقيته في عباده ابن الحسن بن علي، ذاك الذي يفتح الله تعالى ذكره على يديه مشارق الأرض ومغاربها، ذاك الذي يغيب عن شيعته واوليائه غيبة لا يثبت فيها القول بامامته إلّا من امتحن الله قلبه للايمان (تفسير الثقلين ج 1 ص 499).
انتقال علم الرسول إلى الأئمة:
بعد ان انتهينا من اثبات مرجعية آل البيت العلمية من خلال القرآن والحديث وعرفنا من هم، نتعرض إلى السبيل الذي انتقل فيه علم سيد المرسلين (صلى الله عليه وآله) إلى غير معاصريه منهم، إذ ان معاصريه (علي والحسن والحسين) قد أخذوا عنه، وقد بيّنا ذلك وإذا كان هناك اعتراض بخصوص الحسنين لانهما كانا صغيرين، فان الحديث الذي تقدم ايضا بالنص على امامتهما ان قاما وان قعدا يرد ذلك الاعتراض، يضاف إلى انهما تعلما من ابيهما علي (عليه السلام).
لقد تقدم ان النبي (صلى الله عليه وآله) قد تعهد علياً (عليه السلام) بالتعليم وكان الاذن الواعية للرسالة وكان يكتب ما يمليه عليه الرسول (صلى الله عليه وآله) وقد ورث بنوه كتابه لاحقاً عن سابق حتّى وصل إلى آخرهم، فهم يأخذون منه علوم الرسول (صلى الله عليه وآله) بالاضافة إلى ما يتعلمه كل منهم عن أبيه، هذا إذا اغمضنا عن عناية الله بهم والهامه لهم ما يحتاجون اليه، وقد ورد في الحديث الشريف إن من اخلص لله اربعين صباحاً جرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه، فكيف بهم وهم خيرة الله المطهرون تطهيراً.
وقد ورد عن عذافير الصيرفي قال: كنت مع الحكم بن عيينه عند أبي جعفر - يعني الباقر (عليه السلام) - فجعل يسأل وكان أبو جعفر (عليه السلام) له مكرماً فاختلفا في شيء فقال أبو جعفر: يا بنىَّ قم فأخرج كتاباً مدروجاً عظيماً ففتحه وجعل ينظر حتّى اخرج المسألة فقال أبو جعفر: هذا خط علي واملاء رسول الله (صلى الله عليه وآله) واقبل على الحكم وقال: يا أبا محمّد إذهب انت وسلمة وابو المقداد حيث شئتم يميناً وشمالاً فو الله لا تجدون العلم اوثق منه عند قوم كان ينزل عليهم جبرئيل. (جامع احاديث الشيعة ج 1).
وهذا دليل على انتقال كتاب علي (عليه السلام) الذي كان يمليه عليه رسول الله (صلى الله عليه وآله)إلى الائمة واحد عن واحد، وبه وبغيره حصل أهل البيت (عليهم السلام) على علوم النبي(صلى الله عليه وآله) في جميع الأُمور، فكانوا اعلم أهل الدنيا قاطبة، فهم أئمة أمة الإسلام ومراجعها الذين ما اعجزهم سؤال ابداً، ولهذا فالاخذ عنهم يعني الاخذ عن النبي (صلى الله عليه وآله) عن الله، وعليه فلابد من معرفتهم والانتهال من معينهم العذب الاصيل خاصة وان الحديث الشريف يقول: من مات بغير امام مات ميتة جاهلية (كنز العمال ج 1 ص 103) والاحاديث الشريفة المتقدمة قد بيّنت من هم الأئمة الحقيقيون.
أهل البيت يمارسون دور المرجعية العليا:
لقد مارس أهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله) دور المرجعية الإسلامية العليا منذ وفاة النبي (صلى الله عليه وآله) والى تاريخ غيبة الإمام الحجة (عج)، ولكن بتفاوت من حيث السعة والتصدي العلني نتيجة الظروف المختلفة والضغوطات المتفاوتة التي كان يعيشها كل واحد منهم.
ولعل اوضح مصاديق ممارسة هذا الدور تتمثل في مرحلة ما بعد وفاة الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) حيث كان المسلمون يرجعون إلى علي (عليه السلام) في مسائلهم واحتياجاتهم بما فيهم الخلفاء أنفسهم ويعتمدون رأيه في الفتوى والقضاء والامور العسكرية التي تخص الفتوحات الإسلامية آنذاك وإليك بعض الأمثلة:
1 ـ عندما فكّر أبو بكر بغزو الروم فاستشار جماعة من الصحابة فقدموا وأخروا، ولم يقطعوا برأي، فاستشار علياً (عليه السلام) في الأمر، فقال: إن فعلت ظفرت، فقال: أبو بكر: بشرت بخير، وامر أبو بكر الناس بالخروج (تاريخ اليعقوبي ج 2 ص 111).
2 ـ عندما اراد أبو بكر ان يقيم الحد على شارب خمر، فقال الرجل إني شربتها ولا علم لي بتحريمها، فأرسل إلى الإمام يسأله عن ذلك فقال (عليه السلام): (مُر نقيبين من رجال المسلمين يطوفان به على مجالس المهاجرين والانصار وينشدانهم هل فيهم أحد تلا عليه آية التحريم أو اخبره بذلك عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)فان شهد بذلك رجلان منهم فأقم الحد عليه، وإن لم يشهد أحد بذلك، فاستتبه وخلِّ سبيله) وكان الرجل صادقاً في مقاله فخلّى سبيله. (ابن شهرآشوب مناقب آل أبي طالب ج 2 ص 356).
3 ـ عندما قدم جاثليق النصارى يصحبه مائة من قومه، فسأل أبا بكر مسئلة، فدعا علياً فأجابه عنها، وكان من ضمن هذه الأسئلة، سؤاله عن وجه الرب تبارك وتعالى، حيث دعا علي (عليه السلام) بنار وحطب واخدمه، فلما اشتعلت قال: اين وجه هذه النار؟ قال الجاثليق: هي وجه من جميع حدودها، فقال علي (عليه السلام): (هذه النار مدبّرة مصنوعة، لا يعرف وجهها، وخالقها لا يشبهها، ولله المشرق والمغرب فاينما تولوا فثم وجه الله لا تخفى على ربنا خافية). (علي والخلفاء ص 60).
4 ـ حين اراد عمر بن الخطاب ان يغزو الروم راجع الإمام (عليه السلام) في الأمر فنصحه الإمام بان لا يقود الجيش بنفسه مبيناً علّة ذلك قائلاً (فابعث اليهم رجلاً مجرباً واحفز معه أهل البلاء والنصيحة فان اظهره الله فذاك ما تحب، وإن تكن الاخرى كنت ردءاً للناس ومثابة للمسلمين) (نهج البلاغة، الخطبة 134).
5 ـ وورد ان عمر بن الخطاب رأى ليلة رجلاً وامرأة على فاحشة، فلما اصبح قال للناس: أرأيتم ان اماماً رأى رجلاً وامرأة على فاحشة، فأقام عليهما الحد، ما كنتم فاعلين؟ قالوا إنّما انت امام فقال علي بن أبي طالب (عليه السلام) (ليس ذلك لك، اذن يقام عليك الحد، ان الله تعالى لم يأمن على هذا الأمر أقل من اربعة شهداء) ثم ان عمر ترك الناس ما شاء الله، ثم سألهم فقال القوم مثل مقالتهم الاولى وقال علي (عليه السلام) مثل مقالته فأخذ عمر بقول الإمام (كنز العمال ج 3 ص 96).
6 ـ عن الطبري في تاريخه عن سعيد بن المسيب قال: جمع عمر بن الخطاب الناس فسألهم، من أي يوم نكتب التاريخ؟ فقال على (عليه السلام): من يوم هاجر رسول الله (صلى الله عليه وآله) وترك أرض الشرك، ففعله عمر (تاريخ الطبرى ج 2 ص 253).
7 ـ وعندما أُتى إلى عثمان بأمرأة ولدت لستة اشهر، فهمّ برجمها، فقال على (عليه السلام): (ان خاصمتك بكتاب الله خصمتك، ان الله تعالى يقول (وحمله وفصاله ثلاثون شهراً) ثم قال: (والوالدات يرضعن اولادهن حولين كاملين لمن اراد ان يتم الرضاعة)، فحولين مدة الرضاع، وستة اشهر مدة الحمل)، فقال عثمان ردّوها - أي لا ترجموها - (ابن كثير في تفسيره ج 4 ص 57).
8 ـ قال ابن عباس: إذا حدثنا ثقة عن علي بفتيا لا نعدوها (طبقات ابن سعد ج 2 ص 338).
9 ـ عن عائشة «رضى الله عنها» وقد سئلت عن المسح على الخفين فقالت: إئت علياً فاسأله (ذخرى العقائب ص 79).
ومن خلال ما تقدم فان علياً (عليه السلام) كان يمثل المرجع الاوحد في الأُمّة الذي ترجع عليه كلما اشتبه عليها امر أو لم تجد حلاً لمسألة ما مهما كانت حتّى ان عمر ابن الخطاب كان يتعوّذ بالله من معضلة ليس فيها أبو الحسن (طبقات ابن سعد ج 2 ص 349).
ولو قلّبنا التاريخ لما وجدنا شخصية علمية اوصلتها ثقتها بعلمها إلى ان تقول "سلوني قبل ان تفقدوني" غير علي (عليه السلام).
اما بالنسبة للحسنين (عليهما السلام) فأمرهما واضح كأبيهما والامة تعرفت مكانتهما العلمية والقيادية وقدراتهما الفذة التي شهد بها لهما رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومنها:
انتما الامامان ولامكما الشفاعة (نزهة المجالس ج 2 ص 184).
ومنها: أنه (صلى الله عليه وآله) قال للحسين (عليه السلام): انت سيد ابن سيد اخو سيد، وانت امام بن امام اخو امام وانت حجة ابن حجة اخو حجة أبو حجج تسعة تاسعهم قائمهم (منهاج السنه لابن تميمة ج 4 ص 209).
ومنها: قوله (صلى الله عليه وآله) في الإمام الحسن (عليه السلام): هو سيد شباب أهل الجنة وحجة الله على الأُمّة، أمره امري، وقوله قولي، من تبعه فانه مني ومن عصاه فانه ليس مني. (اثبات الهداة ج 5 ص 129).
ونعتقد ان هذا كاف لعكس مقامهما العلمي الفذ الذي كانا يتمتعان به، حيث وصفتهما الأحاديث على انهما امامان وحجتان، وقولهما قول الرسول (صلى الله عليه وآله)، واتباعهما اتباع له وعصيانهما عصيان له (صلى الله عليه وآله) هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فقد تصديا لقيادة الأُمّة السياسية أيضاً، إذ بويع الإمام الحسن (عليه السلام) - بعد ان خلّفه ابوه في المسلمين - حيث بايعه أهل الكوفة والبصرة والحجاز واليمن وفارس وسائر المناطق التي تدين بالولاء والبيعة لابيه.
كما نصّت المادة الثانية من صلح الإمام الحسن مع معاوية على ان يكون الإمام للحسن من بعده، فان حدث به حدث فلأخيه الحسين، وليس لمعاوية ان يعهد به إلى أحد (بحار الانوار ج 10 ص 115).
الأمر الذي يثبت ان معاوية نفسه كان يعرف مقامهما الشريف ومنزلتهما الفريدة في الأُمّة على رغم جحوده لحقهما وسعيه لابعادهما عن مراتبهما، حيث أنه كان يسعى للصلح مع الإمام السبط ليعطي لنفسه الشرعيّة التي يفتقدها حتّى تستتب له الأُمور وتجتمع اليه الناس، ومن ثم ينفذ مخططاته ومؤامراته لاستئصالهما «عليهماالسلام» والتخلص من وجودهما المبارك.
وبعد وفاة الإمام الحسن (عليه السلام) اثر دس السم اليه من قبل معاوية كانت الأُمّة تتطلع إلى الإمام الحسين (عليه السلام) وترجو قيادته لها، حيث ان معاوية واصحابه كانوا يدركون تلك الحقيقة، فعن موسى بن عقبة أنه قال: لقد قيل لمعاوية إن الناس قد رموا ابصارهم إلى الحسين (عليه السلام) فلو امرته يصعد المنبر ويخطب فان فيه حصراً وفي لسانه كلالة فقال لهم معاوية: قد ظننا ذلك بالحسن فلم يزل حتّى عظم في اعين الناس وفضحنا، فلم يزالوا به حتّى قال للحسين (عليه السلام): يا أبا عبدالله لو صعدت المنبر فخطبت، فصعد المنبر، فحمدالله وأثنى عليه وصلى على النبي (صلى الله عليه وآله)، فسمع رجلاً يقول: من هذا الذي يخطب؟ فقال له الحسين (عليه السلام): نحن حزب الله الغالبون وعترة رسول الله الاقربون، وأهل بيته الطيبون واحد الثقلين الذي جعلنا رسول الله(صلى الله عليه وآله) ثاني كتاب الله تبارك وتعالى، الذي فيه تفصيل كل شيء، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه والمعول علينا في تفسيره، لا يبطينا تأويله، بل نتبع حقايقه فأطيعونا فان طاعتنا مفروضة إن كانت بطاعة الله ورسوله مقرونة..) (الاحتجاج للطبرسي ج 2 ص 298).
وبالفعل فقد كانت الأُمّة تحن للرجوع إلى آل محمّد (صلى الله عليه وآله)) وقيادتهم، وقد بايع الحسين الالاف من أهل الكوفة وغيرها من الامصار بعد ان وجهوا اليه كتبهم ورسلهم يطلبون تصديه للقيام بالامر، إلّا ان بطش الامويين وقساوتهم وتجبرهم اضعف رأي الأُمّة وارجعها عن مرادها مرغمة حتّى قتل سيدالشهداء بيد شر خلق الله مظلوماً عطشاناً غريباً.
اما بالنسبة لأئمة أهل البيت (عليهم السلام) من غير المعاصرين للنبي (صلى الله عليه وآله)، فبالاضافة إلى الأحاديث النبوية التي وردت لتعريف الأُمّة بهم وللتأكيد على علميتهم ومكانتهم في الأُمّة، نسوق هنا بعض الادلة التي تؤكد وتثبت مرجعيتهم العلمية في الأُمّة:
أوّلاً: تصرفهم في الأُمّة بما يتناسب ومرجعيتهم العليا، وهذا التصرف يتفرع وفق المسؤولية الملقاة عليهم إلى عدة فروع منها:
الف - الارشاد والدرس: حيث تبنوا (عليهم السلام) مهمّة تعليم الناس – وخاصة طلبة العلم والمعرفة منهم - تعاليم الإسلام المختلفة من القرآن والحديث واجابة الاسئلة المتعلقة بأمور الدين، ونذكر هنا بعض الشواهد على ذلك وبما يخص كل واحد منهم (عليهم السلام) :
الإمام علي بن الحسين (عليه السلام): يعتبر الإمام السجاد المؤسس الثاني للمدرسة الإسلامية بعد جده اميرالمؤمنين (عليه السلام)، حيث اتخذ منزله والمسجد النبوي مدرسة يزدحم فيها طلاب شتى العلوم والمعارف الإسلامية وذلك منذ عام 61 هـ بعد استشهاد والده الحسين (عليه السلام) حتّى اخر ايام حياته سنة 95 هـ، إذا انشغل (عليه السلام)- مستغلاً انشغال الدولة باستبدادها واخماد الثورات التي تعاقبت بعد شهادة الحسين - بنشر العلم وبعث الثقافة والوعي وتهذيب الاخلاق، فكثر تلامذته والاخذون عنه حتّى اصبح تلامذته فيما بعد بناة الحضارة الإسلامية.
لقد اخذ عنه علماء الحجاز ومن يأتي من البلاد ابان بن تغلب الكوفي، اسحق بن عبدالله المدني اسحق بن الفضل الشامي، اسرائيل بن غياث المكي، ايوب بن بكر الموصلي، ايوب بن تميمة البصري، بشر بن عقبة المدائني، ثابت بن دينار الثمالي (أبو حمزة)، جابر بن عبدالله الانصاري الصحابي المعروف، جعفر بن محمّد الحضرمي، الحسن بن السري الكرخي، داود بن أبي هند السرخسي، زرارة ابن اعين، سلام بن أبي عمره الخراساني، سلمان بن خالد القمي، صالح بن سهل الهمداني، عمرو بن خالد الواسطي، يحيى بن أبي العلاء المرازي، يزيد بن محمّد النيشابوري، أحمد بن حنبل، وغيرهم كثير لا يمكن حصرهم في هذه العجالة ومن اراد المزيد فليراجع كتب السير والتاريخ يجد العجب العجاب، خاصة وان مطالعة الاسماء والمدن التي ينتمون اليها تجعل الإنسان المنصف امام حقيقة لا تقبل الشك وهي ان علميته الفذة والمعروفة عند الأُمّة جعلت طلاب العلوم والعلماء يتهافتون اليه من كل حدب وصوب ومن اقصى الديار الإسلامية.
ومن الطريق ما نقله باقر شريف القرشي في كتابه: الإمام محمّد الباقر: ان الامامين الباقر والصادق (عليهما السلام) كانا ينفقان على اصحابهما والدارسين عندهما مما يصل إلى ايديهما من اموال ويتعهدان شؤونهم ليتفرغوا للعلم، وهذا ما يدلّ على سعة الجامعة الإسلامية التي كانا قد أنشاها وطول المدة التي يقضيها الطلبة عندهما للتعليم.
جعفر بن محمّد الصادق (عليه السلام): ان المدرسة التي انشأها الإمام زين العابدين توسعت أكثر واكثر في زمان الإمام الصادق (عليه السلام) بعد أبيه الباقر، حيث التحق بها جمع غفير من رواد العلم على اختلاف مشاربهم وميولهم وانتماءاتهم، حتّى وصل عددهم إلى اربعة الاف شخص فيهم كبار العلماء والمحدثين الذين اصبح قسم منهم رؤساء لبعض المذاهب الإسلامية، وقد اقبل أصحاب الإمام على تدوين العلوم التي تلقوها واخذوها عن الإمام (عليه السلام) فالّفوا في جميع الفنون والمعارف، إذا ألّف ابان بن تغلب (معاني القرآن) وكتاب (القرآن) والّف المفضل بن عمر كتاب (التوحيد) وألّف جابر بن حيان كتابين في علم الكيمياء ولم يقتصر الإمام الصادق في ابحاثه ودروسه على بعض العلوم بل توسعت دروسه ومحاضراته حتّى شملت كل أصول الادب والقيم الاجتماعية ومكارم الاخلاق والاصلاح الشامل في جميع المجالات.
ونتيجة لهذا التوسع في جامعة الصادق ورغبة الناس في التعلم وكثرة المتعلمين على يديه، فقد فتحت في كثير من الاقاليم فروع لمدرسة الإمام (عليه السلام)واعظم تلك الفروع المعهد الذي اقيم في جامع الكوفة حيث التحق بهذا المعهد الكبير تسعمائة عالماً من كبار تلامذة الإمام للتدريس فيه: (راجع كتاب المجالس السنية للسيّد محسن الامين العاملي، الجلد الثاني - مدرسة الإمام الصادق (عليه السلام)).
الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام): على الرغم من الظروف الخانقة التي فرضتها عليه حكومة المنصور، تابع (عليه السلام) رسالة آبائه في نشر العلم والحديث والاخلاق والدفاع عن الإسلام، وقد روى عنه أصحابه الاف الأحاديث في مختلف العلوم والمواضع وكان من بين اصحابه يونس بن عبدالرحمن الذي الّف ثلاثين كتاباً في مختلف المواضيع كما يقول الشيخ الطوسي في كتابه الفهرست، ومحمد بن عمير الذي الّف في الفقه، وصفوان بن يحيى الذي ألّف أكثر من ثلاثين مؤلفاً كما نصّ على ذلك الكشي والطوسي وابن النديم وغيرهم من المؤلفين في أحوال الرواة، ومنهم عبدالله بن المغيرة البجلى واحمد بن عمرو المعروف بالبزنطي والحسن بن محبوب السراد.
وقد اشتهر غير هؤلاء جماعة من تلامذة الإمام الكاظم (عليه السلام) ولكنهم لم يبلغوا مرتبة هؤلاء منهم صفوان الجمال وعبدالرحمن البجلي.
الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام): جلس الإمام (عليه السلام) للفتيا في مسجد الرسول (صلى الله عليه وآله) وعمره الشريف نيف وعشرون سنه، ونقل عن اليقطيني أنه قال: لمّا اختلف الناس في امر أبي الحسن الرضا جمعت من مسائله مما سئل عنه عشرة آلاف مسألة (بحار الانوار ج 49 ص 97).
وقد كان لوجود التيارات الغريبة عن الأُمّة كانت تهدف إلى افساد وتشويه ثقافة المجتمع وضرب الإسلام باسمه من الداخل والتي كانت تغذيها وتتعهدها حركات سياسية متصلة باعداء الإسلام في الخارج، كان لها الاثر الكبير في اظهار علوم الإمام نتيجة حواراته ومناظراته مع سائر الملل والمذاهب وتصديه لأهل الافكار المنحرفة بالحجة والبرهان، ولكثرة ما روي عنه (عليه السلام) أفرد له علماؤنا كتباً مثل ما فعل الشيخ الصدوق(رحمه الله)في كتاب عيون اخبار الرضا، ومن اراد فليراجع.
وهنا التفاتة يجب الانتباه اليها وهي أنه (عليه السلام) قد تصدى بنفسه لمناظرة أصحاب الملل والمذاهب والمنحرفين شعوراً منه بواجبه في حفظ الرسالة باعتباره اعلم الأُمّة في زمانه.
اما تلامذته ورواته فكثير نذكر بعضاً منهم على سبيل المثال: أبو الصلت الهروي، أبو هاشم الجعفري، صفوان بن يحيى، أحمد بن أبي نصر البزنطي، ياسر مولى الإمام، محمّد بن أبي عباد، يزيد بن سليط، علي بن شعيب، عمران الصابي وغيرهم.
الإمام محمّد بن علي الجواد (عليه السلام): لقد وصل صلوات الله عليه إلى مقام الامامة السامي بعد وفاة أبيه الرضا وعمره الشريف لا يتعدى التاسعة الأمر الذي جعله اعجوبة الزمان لعلمه العجيب الذي تحيّرت به الالباب وسكتت امامه العلماء، بينما كان البعض اطمعه صغر سن الإمام لتسخيف رأي الشيعة في الامامة من خلال تعجيزه بالاسئلة واظهار جهله الذي كانوا يتوهمونه - حاشاه عن ذلك ـ.
ومن جملة ذلك محاولة يحيى بن اكثم افحامه بعد ان اشغل ذهنه في اختيار مسألة يصعب على الإمام الاجابة عليها - كما كان يتوقع - حيث سأله في حضرة المأمون العباسي وجمع فيه العلماء: ما تقول جعلت فداك في محرم قتل صيدا؟ فقال أبو جعفر (الجواد): قتله في حلِّ أو حرم، عالماً كان المحرم أو جاهلاً قتله عمداً أو خطأً، حراً كان المحرم أو عبداً، صغيراً كان أو كبيراً، مبتدءاً بالقتل أو معيداً، من ذوات الطير كان أم من غيرها، من صغار الطير أم من كبارها، مصرّاً على ما فعل أو نادماً، في الليل كان قتله للصيد أم في النهار، محرماً كان بالعمرة إذ قتله أو بالحج كان محرماً؟
فتحير يحيى بن اكثم وبان في وجهه العجز والانقطاع وتلجلج حتّى عرف جماعة أهل المجلس أمره، ثم اجاب (عليه السلام) على تلك الفروع وسأل يحيى سؤالاً فلم يستطيع جوابه (راجع حياة الإمام لتجد التفاصيل).
وعلى الرغم من الظروف الصعبة التي كان يعيشها الإمام الجواد تحت انظار السلطة ومراقبتها إلّا أنه بذل اقصى الجهود لتربية وتعليم الناس حتّى وصل الحميري، أبو عمرو عثمان بن سعيد العمري، وكان هؤلاء من جملة كبار رجال الله ومن ابرز العلماء المتقين.
الإمام الحجة بن الحسن المهدى (عليه السلام): - وهو الإمام المنتظر الذي سيخرج آخر الزمان فيملأ الأرض قسطاً وعدلا كما ملئت ظلماً وجوراً، وقد عاش سنيه الخمس في حياة أبيه مختفياً عن الانظار، ظهر بعد وفاة أبيه وصلى عليه ثم غاب غيبته الاولى وكانت اربعة وسبعين سنة، كان خلالها يلتقي بسفرائه الذين نصبهم الواحد تلو الاخر، يلتقي بهم ويجيب على مسائلهم وما يحتاجون اليه وكانوا يرونه رأي العين وربما رآه غيرهم، وكانوا ويصلون إلى خدمته وتخرج على ايديهم توقيعات منه إلى شيعته في اجوبة مسائل وامور شتى، وكان سفراؤه اربعة اولهم: أبو عمرو عثمان بن سعيد بن عمرو العمري ثم أبو جعفر محمّد بن عثمان بن سعيد العمري ثم القاسم بن روح بن أبي بحر النوبختي، واخيراً أبو الحسن علي بن محمّد السمري، وبعد وفاة الاخير غاب الإمام المهدي (عليه السلام) غيبته الكبرى، والسبب في غيبته سعي الحكام آنذاك لقتله، حيث كانوا يراقبون نساء أبيه - بواسطة نساء يعملن بامرهم - ليتعرفون على وجوده وهو جنين، إلّا ان الله اخفاه عنهم وافشل مساعيهم ليتم نوره ويكمل مسار شريعته.
اما علمه الشريف فيمكن اخذ صورة عن سعته وشموليته منه خلال الأحاديث التالية: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ابشروا بالمهدي، رجل من قريش من عترتي ويخرج في اختلاف من الناس وزلزال، فيملأ الأرض قسطاً وعدلا كما ملئت ظلماً وجورا (كنز العمال ح 38654).
وعنه (صلى الله عليه وآله) أيضاً: لا تقوم الساعة حتّى تمتلئ الأرض ظلماً وعدواناً ثم يخرج رجل من عترتي فيملأها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وعدوانا (كنز العمال، ح 38691).
وعنه (صلى الله عليه وآله): لا تقوم الساعة حتّى يلي رجل من أهل بيتي يوطئ اسمه اسمي (كنز العمال، ح 38692).
ولا شك ان مسألة ملء الأرض قسطاً وعدلاً ليست امراً متيسراً للبشر العاديين وبالمعرفة الميسرة لهم، بل لابد ان تكون هذه الشخصية الالهية تمتلك علوم كل شيء يحتاجه هذا الأمر العظيم، وبذلك يكون هو المرجعية العليا لسكان الأرض في أمور دينهم ودنياهم.
ب - الطريقة والاسناد الذي يعتمدونه في تعاليمهم وفتاواهم وآرائهم، حيث كانوا عندما يتحدث أي منهم يقول: عن أبي عن جدي عن أبيه... حتّى يصل الاسناد إلى الرسول (صلى الله عليه وآله) دون ان يدخلوا أحداً غيرهم في طريق الاسناد وهذا ما يسمى بالسلسلة الذهبية، ولو كانوا (عليهم السلام) يأخذون علومهم عن أحد غيرهم لادخلوه في الاسناد وهذا دليل على انهم كانوا لا يرون مرجعية للامة غيرهم، واليك بعض الامثلة المنقولة عنهم عليهم الصلاة والسلام:
1 - قال الباقر (عليه السلام): يا جابر انّا لو كنّا نحدثكم برأينا لكنّا من الهالكين. ولكنّا نحدثكم بأحاديث نكنزها عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كما يكنز هؤلاء ذهبهم وفضتهم (جامع احاديث الشيعه ج 1 ص 14).
2 - عن داود بن يزيد الاحول عن أبي عبدالله (الصادق) (عليه السلام) قال: سمعته بقول: إنّا لو كنّا نفتي الناس برأينا وهوانا لكنّا من الهالكين لكنها آثار من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، اصل علم نتوارثه كابر عن كابر نكنزها كما يكنز الناس ذهبهم وفضتهم (نفس المصدر السابق).
3 - عن هشام بن سالم وحماد بن عثمان وغيرهما قالوا: سمعنا أبا عبدالله (الصادق) يقول: حديثي حديث أبي، وحديث أبي حديث جدي، وحديث جدي حديث الحسين، وحديث الحسين حديث الحسن، وحديث الحسن حديث امير المؤمنين (على) وحديث اميرالمؤمنين حديث رسول الله وحديث رسول الله قول الله عز وجل (نفس المصدر ج 1 ص 12).
حـ - توصية بعضهم المتقدم إلى البعض المتأخر وتعريف الشيعة بامامهم اللاحق من قبل الإمام السابق ومن يريد التأكد يراجع ذلك في كتب السيرة، وهذا يدلّ على انهم الاعلم دون غيرهم، اما إذا اراد البعض ان لا يعتبر ذلك دليلاً ويبرر وصاياهم لبعضهم بمبررات أخرى، فنقول له ان ما تبرر به مهما كان لا ينسجم مع اذهاب الرجس عنهم وتطهيرهم من قبل الله تطهيراً.
ثانياً: نظرة الأُمّة وعلمائها ورجالها لهم: سنقتصر هنا على ذكر مثال أو مثالين لكل امام طلباً للاختصار:
روى المفيد بسنده عن أبي حازم وسفيان بن عيينه والزهري قال كل واحد منهما: ما رأيت هاشمياً أفضل من علي بن الحسين ولا افقه منه.
ما رواه السبكي في طبقات الشافعية، من خبر عجز هشام بن عبدالملك من الوصول إلى الحجر الاسود خلال طوافه حول البيت في بعض السنين، فجلس في ناحية ينتظر ان يخف الزحام وبينما هو كذلك اقبل الإمام زين العابدين فانفرج له الناس سماطين ووقفوا له اجلالاً وتعظيماً حتّى استلم الحجر وقبله والناس وقوف فلما مضى عادوا إلى طوافهم، هذا وهشام واصحابه ينظرون، فالتفت احدهم متعجباً إلى هشام وسأله: من هذا؟ فقال لا أعرفه! مخافة ان يرغب فيه أهل الشام وكان الفرزدق الشاعر حاضراً فقال: انا أعرفه، هذا علي بن الحسين بن علي ابن أبي طالب، ابن فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثم انشد على البديهة:
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته والبيت يعرفه والحلُّ والحرم هذا ابن خير عباد الله كلهم هذا التقي النقي الطاهر العلم إلى اخر ابياته.
* ما رواه المفيد بسنده عن عطاء المكي قال: ما رأيت العلماء عند أحد قط اصغر منهم عند أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين ـ يعني الباقر ـ ولقد رأيت الحكم بن عتيبة مع جلالته في القوم بين يديه كانه صبي بين يدي معلّمه.
* عن ابن سعد في الطبقات قال: قال أبو يوسف قلت لأبي حنيفة: لقيت محمّد بن علي الباقر؟ فقال: نعم، وسألته يوماً فقلت له: أراد الله المعاصي؟ فقال: افيعصى قهراً، قال أبو حنيفة فما رأيت جوابا افحم منه.
* قال الحسن بن زياد: سمعت أبا حنيفة وقد سئل عن افقه من رأيت قال: جعفر بن محمّد (الصادق).
* قال ابن شهرآشوب في المناقب، قال مالك بن أنس ما رأت عين ولا سمعت اذن ولا خطر على قلب بشر أفضل من جعفر الصادق فضلاً وعلماً وعبادة.
* عن أحمد بن حنبل أنه لمّا روى عنه - أي الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) - قال: حدثني موسى بن جعفر قال حدثني أبي جعفر بن محمّد وهكذا إلى النبي (صلى الله عليه وآله) ثم قال أحمد: وهذا اسناد لو قرئ على المجنون أفاق.
* ما رواه الصدوق وغيره عن ابراهيم بن العباس أنه قال: ما رأيت الرضا (عليه السلام) سئل عن شيء قط إلّا علمه ولا رأيت اعلم منه بما كان في الزمان إلى وقته وعصره.
* يقول محمّد بن الحسن بن عمار:
كنت عند علي بن جعفر بن محمّد جالساً بالمدينة وكنت أقمت عنده سنين اكتب عنه ما يسمع من أخيه - يعنى أبا الحسن الكاظم (عليه السلام) - إذ دخل عليه أبو جعفر محمّد بن علي الرضا - يعني الجواد - عليه المسجد - مسجد الرسول (صلى الله عليه وآله)- فوثب علي بن جعفر بلا حذاء ولا رداء فقبّل يده وعظّمه فقال له أبو جعفر (عليه السلام)يا عم اجلس رحمك الله فقال: يا سيّدي كيف اجلس وانت قائم، فلما رجع علي بن جعفر إلى مجلسه جعل اصحابه يوبخونه ويقولون: انت عم أبيه وانت تفعل به هذا الفعل؟ فقال اسكتوا إذا كان الله عز وجل - وقبض على لحيته - لم يؤهّل هذه الشيبة وأهل هذا الفتى ووضعه حيث وضعه، أأنكر فضله؟! نعوذ بالله مما تقولون، بل انا له عبد (الكافي ج 1 ص 322).
* قال ابن الجوزي: (فبلّغه - المتوكل - مقام علي - بن محمّد الهادي (عليه السلام)- بالمدينة وميل الناس اليه فخاف منه (سبط ابن الجوزي/ تذكرة الخواص ص 359.)
* قال عبدالحي بن العماد الحنبلي عن صفات الإمام الهادي: أبو الحسن علي بن محمّد بن الرضا بن الكاظم موسى بن جعفر الصادق، العلوي الحسيني، المعروف الهادي، كان فقيها اماماً، متعبدا (شذرات الذهب ج 3 ص 129).
* روى الحسن بن محمّد الاشعري ومحمد بن يحيى وغيرهما قالوا: كان أحمد بن عبيدالله بن الخاقان على الضياع والخراج بقم فجرى في مجلسه يوماً ذكر العلوية ومذاهبهم وكان شديد النصب والانحراف عن أهل البيت (عليهم السلام) فقال: ما رأيت ولا عرفت بسر من رآى رجلاً من العلوية مثل الحسن بن علي بن محمّد بن علي الرضا -أي الإمام العسكري - في هديه وسكونه وعفافه ونبله وكبرته عند أهل بيته وبني هاشم كافة وتقديمهم اياه على ذوي السن منهم والخطر وكذلك كان حاله عند القواد والوزراء وعامة الناس.. (الارشاد للمفيد ص 318).
* اما الإمام الحجة فلم يعش بين الأُمّة لتعطي فيه رأيها ولكن احاديث النبي (صلى الله عليه وآله) عنه - التي ذكرناها سالفاً - تدل على علميته ومرجعيته وسموّ مقامه.
ثالثاً: رجوع حكام الجور اليهم في المهمات والمسائل المستعصية رغم عداء اولئك الحكام لهم «عليهم السلام»:
لقد ابتليت الأُمّة الإسلامية بحكام جائرين وسلاطين سوء وانحراف في العصرين الاموي والعباسي، حوّلوا الخلافة الإسلامية إلى ملك يرثه بعضهم عن بعض، الأمر الذي جعل أهدافهم تنحصر بالامساك بالرئاسة وحفظ سلطانهم بأي ثمن، وان كانت النتيجة ان تحرم الأُمّة من المعين العلمي الصافي الاصيل، الذي كان يمثله أهل بيت النبوة (عليهم السلام)، فبرز اناس لا يملكون مقومات الافتاء الشرعي هيأتهم تلك الحكومات لسد الفراغ الحاصل من تغيب الأئمة (عليهم السلام) ومضايقتهم وتحجيم دورهم الذي إراده الله لهم، وبذلك فقد فقدت الأُمّة اهم عناصر صلاحها وضمان صحة وجهتها في الأُمور الافتائية والعقائدية، والفلسفية والتفسير والعلوم الاخرى.
ولكن بالرغم من كل الاجراءات التعسفية التي ووجه بها أهل البيت (عليهم السلام)بحيث تعرضوا للتشريد والسجن والقتل والمحاصرة والاقامات الجبرية سواء في بيوتهم أو قرب مركز السلطة كما حدث بالنسبة للامام الرضا والجواد والهادي والعسكري (عليهم السلام) - فقد ظهر من علومهم ما حافظ على الرسالة واستمرار بقائها.
اما أسباب هذا الحقد والعداء لأهل البيت (عليهم السلام) من قبل اولئك الحكام الظلمة فيرجع إلى سببين رئيسيين. الاول: ان نشر الاحكام الصحيحة من قبل أهل البيت (عليهم السلام) واطلاع عامة الناس عليها يهدد مصالح الحكام ويحدد حريتهم في التلاعب بمقدرات الأُمّة ويضيق عليهم ممارساتهم لرغباتهم ونزواتهم المحرّمة، في حين يريدون ان يطلقوا لانفسهم العناق ويمارسون لذائذهم بالشكل الذي يحلو لهم دون ان يعترض عليهم أحد.
اما الثاني: فان شيوع المرجعية العلمية لأهل البيت (عليه السلام) وحفظها لهم يؤدي بالطبع إلى تزايد شعبيتهم وانقياد الأُمّة لهم، الأمر الذي يشعر الحكام بالرعب والخطر على سلطانهم، لانهم كانوا يرون فيهم اقوى المنافسين لهم في السلطان.
وبالرغم من كلّ هذا العداء والحذر الذي كان يطبع مواقف وتعامل اولئك الحكام مع الأئمة إلّا انهم كانوا يرجعون اليهم عندما يفتقدون الحيلة وتضطرب عليهم الأُمور ويعجز فقهاؤهم عن ايجاد مخرج أو حل لمسألة ما، وهذا دليل وشاهد قوي على رضوخ الحكام امام علميتهم الفذّة ولا ابلغ من شهادة عدوواقراره لخصمه. وعلى سبيل المثال نذكر بعض الامثلة والادلّة على رجوع الحكام اليهم:
1 - عندما تحيّر عبدالملك بن مروان أثر تهديد قيصر الروم في ذلك الوقت، بان يضرب السكة الذهبية والفضيّة - التي تتداول في الدولة البيزنطية والاسلامية على حدّ سواء بشتم نبي الإسلام، قال عبدالملك: احسب انني اسوأ مولود حظاً في الإسلام حيث كنت السبب في ذلك - لانه امر بنقش شعار التوحيد (شهد الله أنه لا اله إلّا هو) على الورق الذي يأتي من روما منقوشاً عليه شعار (الاب، الابن، الروح)، الأمر الذي ازعج قيصر الروم ودعا عبدالملك إلى ترك العلامة النصرانية على حالها والاّ سوف ينفذ تهديده المتقدم - واخذ - عبدالملك يشاور المسلمين فلم يجد عند أحد منهم حيلة، فقال له أحد الحاضرين: انك لتعرف المخرج من ذلك ولكنك تتعمد الاعراض عنه، فقال عبدالملك: ويحك ما هي الطريقة التي اعرضها؟ فاجابه الرجل: لابد لك ان تطلب حل هذه المشكلة عند باقر أهل البيت فصدّق عبد الملك قوله، وكتب إلى والي المدينة ان اشخص الباقر إلى الشام محترماً مكرماً، واستبقى مبعوث قيصر حتّى وصل الإمام وحدثوه بالموضوع فقال (عليه السلام): ان تهديد قيصر لن ينفّذ والله سبحانه لن يتركه يفعل هذا الفعل، وطريق الحل سهل يسير أيضاً: اجمع أصحاب الصناعات وأمرهم بضرب السكك وليخطوا على أحد وجهي العملة سورة التوحيد وعلى الوجه الآخر اسم النبي (صلى الله عليه وآله) وبهذا نستغني عن مسكوكات الروم.
ثم شرح الإمام (عليه السلام) ما يتعلق بوزن السكك بحيث يكون وزن كل عشرة دراهم من الأنواع الثلاثة للسكك (الذهبية والفضة والبرونزية) سبعة مثاقيل وامرهم بذكر اسم البلد - وتاريخ عام ضربها في تلك المسكوكات.
وبذلك انفرجت اسارير عبدالملك وفشلت تهديدات قيصر الروم. (المحاسن والمساوي، للبيهقي ج 2 ص 232).
2 - يقول زرقان: رجع ابن أبي رؤاد (أحد قضاة بغداد في عهد المأمون والواثق والمعتصم) ذات يوم وهو مغتم، فقلت له في ذلك، فقال: وددت اليوم اني قد متّ منذ عشرين سنة، قلت له: ولم ذاك؟... قال: ان سارقاً اقرَّ على نفسه بالسرقة وسأل الخليفة (المعتصم) تطهيره باقامة الحد، فجمع لذلك الفقهاء في مجلسه وقد أحضر محمّد بن على (الجواد)، فسألنا عن القطع في أي موضع يجب ان يقطع؟ قال: فقلت: من الكرسوع (أي طرف الزند الذي يلي الخنصر الناتي وعند الرسغ).
قال: وما الحجة في ذلك؟ قلت: لان اليد هي الاصابع والكف إلى الكرسوع لقول الله تعالى في التيمم: (فامسحوا بوجوهكم وايديكم) واتفق معي في ذلك قوم.
وقال آخرون: بل يجب القطع من المرفق، قال: وما الدليل على ذلك؟ قالوا: لان الله لمّا قال: (فاغسلوا وجوهكم وايديكم إلى المرافق) في الوضوء دل ذلك على ان حد اليد هو المرفق.
قال: فالتفت إلى محمّد بن على (الجواد) فقال: ما تقول في هذا يا أبا جعفر؟ فقال قد تكلم القوم فيه يا امير المؤمنين، قال: دعني مما تكلّموا به! أي شيء عندك؟ قال: اعفني عن هذا يا امير المؤمنين، قال: اقسمت عليك بالله لما اخبرت بما عندك.
فقال :اما إذا أقسمت علىِّ بالله إني أقول انهم أخطأوا فيه السنّة، فان القطع يجب ان يكون من مفصل أُصول الاصابع فيترك الكف (والمقصود قطع الاصابع الأربعة دون الابهام).
قال: وما الحجة في ذلك؟ قال: قول رسول الله (صلى الله عليه وآله): السجود على سبعة اعضاء: الوجه واليدين والركبتين والرجلين وإذا قطعت يده من الكرسوع أو المرفق لم يبق يد له يسجد عليها، وقال الله تبارك وتعالى (وان المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً) فأعجب المعتصم ذلك وامر بقطع يد السارق من مفصل الاصابع دون الكف (تفسير العياشي ج 1 ص 319).
ومن الجدير بالذكر ان هذه الحادثة كانت السبب في دس السم للامام بعد ان خوّف ابن دؤاد المعتصم من بقاء الإمام وقد شاع هذا الخبر في الناس وغدا برهاناً للشيعة، وان نصف المسلمين يعتقدون بامامته، فدس اليه السم فقتله.
3 - لمّا سُمَّ المتوكل، نذر لله إنْ يزرقه الله العافية ان يتصدق بمال كثير، فلمّا عوفي اختلف العلماء في مقداره، فقال له حاجبه، انا آتيك بالصواب، فما لي عندك؟ قال المتوكل: عشرة الاف درهم، والاّ ضربتك مائة مقرعة، قال رضيت، فأتى أبا الحسن الهادي فسأله ذلك فقال: قل له: تتصدق بثمانين درهما.
ولمّا طلب المتوكل الدليل على ذلك، رجع الحاجب فسأل الإمام فقال: ان الله قال لنبيّه (لقد نصركم الله في مواطن كثيرة) فعددنا مواطن رسول الله فبلغت ثمانين موطنا. (ابن الاثير ج 7 ص162 - 163).
وبهذا نكتفي هنا بهذه الاخبار الثلاثة ومن أراد المزيد عليه المراجعة في كتب التاريخ يجد مرامه وبغيته.
حكام الجور المعاصرين والعلماء:
لقد دأب حكام الجور المعاصرين دأب اسلافهم، فكرروا افعالهم اللئيمة وجرائمهم البشعه التي ارتكبوها ضد اكرم أهل بيت على الأرض وهم أهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله).
ولنفس الأسباب التي دعت الطغاة الاولين إلى محاربة أهل البيت وتقتيلهم الواحد بعد الاخر والتي ذكرناها سابقاً، وقف طغاة اليوم وقفة لئيمة حاقدة ضد مراجع الأُمّة اليوم ولضرب قواعد الإسلام الاساسية وقياداته العلمائية، تنفيذاً منهم لمخططات اعداء الإسلام من الشرق والغرب.
وقد كان العراق البلد الذي نفّذت فيه تلك المخططات والمؤامرات ضد الإسلام واهله باجلى صورها وابشع فصولها، ولو راجعنا مذكرات المسز بل المرأة التي رافقت الاحتلال البريطاني للعراق، لوجدنا ان حكومة البعث في هذا البلد وعلى رأسها المجرم صدام قد تلقت الاوامر بضرب الحوزة العلمية في النجف الاشرف من الدوائر الغربية وصارت يدها التي تنفذ لها ما تريد، حيث تقول المسز بل ما مضمونه ان أي نظام أو حكومة تريد السيطرة على العراق لابد لها ان تفصل بين المرجعية والشعب ولما وجد النظام نفسه عاجزاً عن هذا الفصل الذي حاول تحقيقه بشتّى الوسائل عمد إلى محاصرة المراجع والتضييق عليهم امثال السيّد محسن الحكيم والسيد الخوئي والسيد السبزواري والسيد يوسف الحكيم قدس الله اسرارهم الطاهرة حتّى ماتوا كمداً وحسرة وهم يشتكون ظلامتهم إلى الله والآن كما يعيش السيّد السيستاني والسيد محمّد سعيد الحكيم حالة الحصار أيضاً كما عمد إلى قتل بعض المراجع كالمفكر الكبير السيّد محمّد باقر الصدر (قدس سره) والسيد محمّد محمّد صادق الصدر (قدس سره)، ومجموعة من العلماء والمجتهدين منهم اولاد سماحة المرجع السيّد محسن الحكيم والسيّد حسن الشيرازي وغيرهم كثير.
كل ذلك من أجل السيطرة على الشعب العراقي الرافضي والذي يعيش الآن حالة غليان ثوري واسعة وشاملة ضد نظام صدام الذي اهلك الحرث والنسل واهدر طاقات الأُمّة في حربين مدمرتين مع اخوة الدين والقومية.
فالشعب العراقي اليوم يستصرخ جميع اخوته في العروبة والاسلام من أجل الوقوف معه واسناده في حركته وثورته وتطلعاته وانقاذه من الوضع المأساوي الذي يعيشه بحيث عطّله عن القيام بمسؤولياته تجاه قضية الأُمّة الإسلامية الكبرى فلسطين.
أهل البيت (عليهم السلام) المحور الامثل للوحدة الإسلامية:
بعدما بيّنا فيما تقدم وبشكل موجز المرجعية الإسلامية العليا لأهل البيت (عليهم السلام) والتي اثبتت حضورها الفاعل في الأُمّة رغم كل الظروف الصعبة التي كانت تواجهها، وكما ذكرنا اراء علماء الأُمّة بهم ومكانتهم السامية والمديح الذي كان يسمع مهم في كل مكان، بحيث تفردوا في وجاهتهم وحبهم في الأُمّة، إذ أجمع الخاصة والعامة على تصدرهم في جميع العلوم والسلوك والكرم والشجاعة والبيان، فان الأُمّة الإسلامية اليوم إذا ما ارادت ان تتوحد مذاهبها وافكارها وعقائدها بكلياتها وجزئياتها فسوف لن تجد محوراً مناسباً يجمعها غير حب أهل البيت واعتماد ارشاداتهم وتعاليمهم.
ولو عدنا إلى حديث الثقلين الذي تقدم ذكره لتأكد لنا ذلك أكثر حيث قرنهم سيد المرسلين بالقرآن مبيناً انهم والقرآن المنجيان من الاختلاف والفرقة والضلال.
وما زالت كل الأُمّة تعتمد القرآن فعليها ان تضيف إلى معتمدها أهل البيت (عليهم السلام) لتكتمل الهداية والصلاح والوحدة التي ارادها الله سبحانه لخلقه. وقد ذكرت سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء بضعة النبي (صلى الله عليه وآله) هذا الأمر المهم خلال خطبتها في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) حيث قالت: (وجعل اطاعتنا نظاماً للملّة وامامتنا اماناً من الفرقة).
فمعاً معاً إلى أهل البيت النبوي الشريف لنلم بهم شملنا ونوحد بهم أمتنا ونجمع بهم فرقتنا ونربط بهم اجزاءنا، وكفى بنا فرقة واختلافاً وتجافيا، خاصة ونحن نعيش تحديات خطيرة ومؤامرات كبرى تستهدف ديننا ووجودنا ومقدراتنا وكرامتنا وها هي اللقيطة اسرائيل تنتهك مقدساتنا واعراضنا وتستبيح دماء اهلنا واشقائنا في فلسطين، حيث يتعرض هذا الشعب المكافح إلى حملة ابادة شاملة يسقط خلالها يومياً اخوةً لنا مضرجين بدمائهم، وهم يستصرخوننا ويطالبوننا بالنهوض بمسؤولياتنا تجاههم لاجتثاث هذه الغدة السرطانية من جسد الوطن الإسلامي، وهذا ما لا نستطيع تحقيقة دون ان نتوحد فتتظافر الجهود ونكون كالجسد الواحد لنقول كلمتنا بقوة، عسى ان يوفقنا الله للقضاء على الصهاينة وقطع الايادي التي تقف من ورائها.
والحمد لله رب العالمين والصلاة على سيدنا وقائد مسيرتنا محمّد وآله الطيبين الطاهرين المنتجبين.