البلقان ميدان الصراع بين الإسلام والغرب
البلقان ميدان الصراع بين الإسلام والغرب
هادي آونج
بسم الله الرحمن الرحيم
يبدو أن أهل الغرب الّذين افتخروا بالحضارة الحديثة بطيئون في فهم الحق الواقع الظاهرين في العالم على ممر رسالة الأنبياء والمرسلين من أولهم إلى خاتمهم، قتلوا اليهود وذبحوهم وشردوهم ثم قبلوا الأيديولوجيات والنظريات التي وضعها المفكرون اليهود مثل كارل ماركس، وداروين وأدم سميت وغيرهم، ويناضلون في سبيل نشرها في العالم نضالاً دؤوباً بأموالهم وأنفسهم، ثم ذبح المسيحيون أحبارهم ورهبانهم وأتباعهم، وأحرقوهم بالنار، وقدموهم في المصارعة مع الأسود الوحشية ثم قبلوا الدين المسيحي واعتنقوه بعد تغييره، وتبديله، وتزويره، ونسخه بظهور نبينا محمّد ـ صلى الله عليه وآله ـ الذي ختمت به النبوة والرسالة ويا للعجب كلّ العجب، اعتنقوا المسيحية وتعصبوا لها وقاتلوا في سبيلها وقتلوا الناس من أجلها ظلما وعدوانا، وقتلوا عبثا لأجل الدين المنسوخ.
وكذلك أدخلوا الحضارة المادية التي أخذوها من الحضارة الإسلاميّة في الأندلس والشرق الأوسط بعد إنكار أهل دينهم العلوم المادية من الحضارة الإسلاميّة وأصدروا الحكم بالإعدام على من قال بدوران الأرض. ثم أخذوها بفصلها عن الدين الإسلامي.
(164)
ومنها تطور الغرب إلى قوة تبلغه إلى السيطرة والاستعمار بانتهاز الفرصة في ضعف المسلمين وانحطاط الخلافة.
فلا شك أنهم بطيئون في فهم حقوق الإنسان والعدالة والحرية والمساواة والتسامح وغيرها من الكلمات التي تربط بين الناس شعوبا وقبائل وألوانا بالرغم من أنهم يتحدثون عنها كثيراً في الوسائل الإعلامية المسموعة والمرئية والمكتوبة التي يسيطرون عليها في العالم. فإن ما حدث في البوسنة والهرسك أوضح الأدلة وأظهر البراهمين للواقع المحيط بالغرب المعاصر حيث يحدث ما يقشعر له جلد كلّ من رأى الجرائم وسمعها وقرأها، وأهل الغرب ما يزالون في قيد دراسة أو بحث أو استفسار أو تجاهل.
فإن دولة البوسنة والهرسك معلنة على جميع الشروط المعتبرة والمعروفة في الغرب الديموقراطي الذي يدافع عن الحرية والعدالة بالألسنة والأقلام. أعلنت حرية البوسنة والهرسك كدولة مستقلة كغيرها من الدول المعلنة في البلقان المترتبة من انكسار الاتحاد السوفيتي الشيوعي ويوغوسلافيا وتشيكوسلوفاكيا. فأنشئت مبرمجة على الطريقة الديموقراطية الغربية باستفتاء حر وانتخابات عامة واتخذت الوسائل الدبلوماسية لحصول الاعتراف من دول العالم، فاعترف بها أكثر دول العالم ومنها الدول الغربية الديموقراطية وقبلت عضواً في الأمم المتحدة. فلماذا تركوا هذه الدولة المستقلة نهباً للعدوان والتدمير وتركوا أهلها لأنواع الوحشية اللاإنسانية، ولا يجوز مس حرية صربيا وكرواتيا؟!
والعالم كله يعلم أن أغلبية سكان البوسنة والهرسك من المسلمين، وأما غيرها فأغلبية مسيحية اورثودوكسية أو كاثوليكية أو فرستنتينية، فما نقموا من المسلمين إلاّ أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد أو عادوا إلى الصراع الأول بين الإسلام والصليبية في البلقان. فبأي ذنب قتل المسلمون وعذبوا؟
(165)
والإسلام ينهى منذ بدايته ـ ولو كان في الغرب ـ عن قتل المرأة، والشيخ الكبير، والصبية، والأحبار والرهبان في كنائسهم. ولدراسة هذه القضية الخطيرة لابد من دراسة الماضي القريب والبعيد في الصراع بين الإسلام والغرب ف البلقان، وهل يسر الغرب أن يعود هذا الصراع مرة أخرى بعد المقارنة العادلة بين الإسلام والصليبية؟.
الإسلام في البلقان:
ولا يتجاهل الغرب الذي تمسك بحرية الأديان وغير الأديان أن الإسلام الذي دخل البلقان في منتصف القرن الخامس عشر الميلادي وأسلم أهلها من قبيلة البوشناق أفواجا لا أفرادا وطائعين لا مركهين، لأنهم تمسكوا بمذهب بوغوميل، وهذا المذهب منفصل عن المسيحية وله سمات وملامح خاصة منها:تحريم لحم الخنزير، والخمور، وعدم الاعتقاد بأن عيسى ابن الله. ولقد كرهت أوروبا المسيحية هذا المذهب كرهاً شديداً وحاولت أن تمنع انتشاره ولكنها لمن تنجح في محاولتها. ولما فتحت الدولة العثمانية القسطنطينية وبدلتها إلى إسلامبول أو إسطنبول امتد نفوذها في البلقان واعتنق أتباع مذهب بوغوميل الإسلام للتشابه الكبير بين الإسلام للتشابه الكبير بين الإسلام ومذهبهم، وعلى سبيل المثال، لما وصل الزحف العثماني إلى مدينة يا يشه أعلن 35000 أسرة من سكانها إسلامهم ثم انتشر الإسلام بسبب ذلك انتشاراً واسعاً بين سكان البوسنة والهرسك وغيرهما في البلقان. واثبت المؤرخون كذلك أن الإسلام وصل إلى جنوب أوروبا وشرقها قبل العثمانيين عن طريق التجار المسلمين واعتنق الإسلام قليل من القبائل السلافية ولكن لم تكن لهم حماية وهم في وسط مسيحي، وتحت ضغط واضطهاد تركوا دين الإسلام. ومع فتوح العثمانيين عاد الإسلام إلى تلك المناطق مرة أخرى.
والمسلمون في البلقان أبدوا إخلاصهم لهذا الدين حيث قاموا بتعلمه ونشره
(166)
والدفاع عنه، ووصل بعضهم المناصب العالية والمهمة في أمور الدين والإدارة والجيش في الدولة العثمانية تقديراً لهم ولا يزالون متمسكين بدينهم مهما كانت التطورات في تلك المنطقة.
والمسلمون يتركزون في أربع مناطق في يوغوسلافيا إضافة إلى وجودهم في ألبانيا المسلمة:
1 ـ البوسنة والهرسك:يبلغ عددهم 2500000 نسمة، وهم يشكلون 50% من مجموع السكان. والباقون:30% من الصرب و 20% من الكروات، وقبل الحرب العالمية الأولى كان المسلمون أكثر من 90% من مجموع السكان.
2 ـ مقدونيا. يبلغ عددهم مليون نسمة ويشكل المسلمون فيها 50% من مجموع السكان. انفصلت هذه الولاية عن يوغوسلافيا ولكن المجموعة الأوربية لم تعترف بها.
3 ـ كوسوفو:إقليم في جنوب صربيا والمسلمون أكثر من 3500000 نسمة وهم من الجالية الألبانية ويشكلون 95% من مجموع سكان المنطقة، والصرب لا يشكلون سوى 5% من مجموع السكان ولكنهم مدعومون من الجيش الفدرالي والشرطة.
4 ـ سنجاك:إقليم في جنوب صربيا وعدد المسلمين فيه 150 ألفاً وهم من قبيلة بوشناق ويطابون بالانضمام إلى البوسنة والهرسك.
الصراع بين الإسلام والمسيحية:
بالرغم من وجود الصراع بين الإسلام والمسيحية ولكن الإسلام عامل النصارى أحسن معاملة من بين أهل الكتاب لأن القرآن أعلن صراحة:﴿لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الّذين
(167)
قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون ﴾([1]) إضافة إلى قوله تعالى:﴿لا إكراه في الدين...﴾([2]) وقوله تعالى:﴿ولا تجادلوا أهل الكتاب إلاّ بالتي هي أحسن إلاّ الّذين ظلموا منهم...﴾([3]).
ومهما كانت الحرب مفروضة علينا لمواجهتهم فإن إسلامنا ينهانا عن الاعتداء على الحقوق الدينية والشخصية في الحرب وبعدها، وعن إكراههم في الدين، ويأمرنا بقبولهم أهل ذمة أو عهد مع أداء الواجب في تطبيق العدالة والتسامح، لهم مالنا وعليهم ما علينا. وهذا كله جرى في الحكومة النبوية في المدينة وما بعدها في الخلافة الراشدة وغير الراشدة الضعيفة والى وقت غياب الحكومة الإسلاميّة فإن الإسلام الراسخ في قلوب رجاله ونسائه يجعل الأقليات غير الإسلاميّة تعيش عيشة مطمئنة آمنة في أوساط المسلمين في أنحاء العالم الإسلامي. فقارن بينه وبين مصير المسلمين إذا كانوا أقلية في بلاد غيرهم كالهند، وقبرص، وبورما وغيرها فيا أهل الكتاب، ويا أهل أوروبا المسيحيين قارنوا بينها وبين الحروب الصليبية التي شننتموها علنيا، ومازلنا بينها وبين الحروب الصليبية التي شننتموها علينا، ومازلنا نؤكد أن الحروب الصليبية وما جري فيها، ومنها ما يثبته تاريخهم وما جرى منهم عند دخولهم القدس من ذبح سبعين ألف مسلم في المسجد الأقصى من استئصالهم شأفة المسلمين من الأندلس وقضى الاروبييون على كلّ أثر للإسلام في أوروبا ولم يرضوا أن يبقى فيها مسلم واحد، والفرق بعيد بينهم وبين الأتراك الّذين يقال أنهم برابرة ولكنهم تركوا ملايين المسيحيين وكنائسهم في أوروبا التي استولوا عليها ومنها البلقان.
(168)
الصراع في البلقان:
إنّ عدالة الإسلام في الحكم وتسامحه في الفتوحات وعدم إكراهه في الدين لا تزيل الحقد الدفين من قلوب اليهود والنصارى... قال تعالى:﴿ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتّى تتبع ملتهم...﴾([4]) فحدث الصراع المتواصل بين الإسلام والمسيحية في أوروبا ومنها البلقان، وتجاهل أهلها المسيحيون الفرق الشاسع بين الفتح الإسلامي والاستعمار. فالصراع مستمر في البلقان، وتجاهل أهلها المسيحيون الفرق الشاسع بين الفتح الإسلامي والاستعمار. فالصراع مستمر في البلقان حيث شن الصليبيون حروباً متتالية ضد الخلافة العثمانية وحاولوا السيطرة على ولاياتها في البلقان، وفي عهد ضعفها استولت عليها المملكة النمساوية المجرية وحدث اضطهاد عنيف لإكراه المسلمين حتّى يرتدوا عن دينهم. ومما يدل على إخلاص المسلمين في البلقان لهذا الدين وخضوعهم لتعاليمه أنهم لم يتركوا هذا الدين مهما جرى من أحداث عليهم وعلى حريتهم الدينية. وهاجروا حباً بالإسلام إلى تركيا ووصل عدد المهاجرين إلى ما يزيد على خمسة ملايين، وبقي من لم يستطع الهجرة يدافع عن دينه أجيالا إلى هذا العصر.
والواقع المعاصر يدل على استمرار العداوة والصراع، والمسيحيون في الغرب لا يمسحون بالوجود الإسلامي في أوروبا ولو كانوا في هذا العصر الذي لا يثقون بالمسيحية وهم يدعو إلى الحرية في جميع المجالات ويتقبلون انهيار الشيوعية والاشتراكية ولكنهم لا يقبلون الحرية للإسلام.
فإن ما حدث في البلقان في الآونة الأخيرة يدل على بقية العداوة الصليبية للإسلام والمسلمين التي وصلت إلى المستوى الدولي مهما كانت المحاولات التي حاولوها.
وهناك أمور واضحة تدل على ذلك:
(169)
1 ـ التركيز على مواجهة الإسلام والمسلمين بعد انهيار الشيوعية وانتهاء الحروب الباردة بين الكتلتين.
2 ـ الهجوم الكثيف على المسلمين ومساجدهم في البوسنة والهرسك، وتوقف النزاع في الولايات المسيحية على اختلاف مذاهبها ودعم المسيحية الدولية والحكومات المسيحية كروسيا واوكرانيا واليونان وغيرها لصربيا وقيام ألمانيا والنمسا وسلوفينيا وحتى الفاتيكان بالدور المماثل لدعم كرواتيا والقوات الكروايتة في البوسنة ومنع الأسلحة عن المسلمين مع ازدياد الهجوم عليهم.
3 ـ الحلول الجائرة لقضية البلقان من الأمم المتحدة ودول أوروبا لمصلحة المسيحيين وإضعاف وضع المسلمين فيها.
4 ـ عدم جدية الدول الكبرى لحل قضية البلقان وفلسطين وكشمير وقبرص والتفريق بينها وبني تنفيذ القرار في حرب الخليج والصومال وقضية ليبيا.
5 ـ تهديد المجموعة الأوروبية ـ بواسطة الرئيس الفرنسي ـ لرئيس البوسنة والهرسك بعدم الموافقة على وجود الدولة الإسلاميّة الأصولية أو دولة للمسلمين في البلقان، ورسالة رئيس وزراء بريطانيا إلى وزير خارجيتها تخص هذه القضية.
6 ـ دور الأمم المتحدة وأمينها العام بطرس غالي المنحاز لمصلحة المسيحيين، بغض النظر عن الأزمة الواقعة في البوسنة والهرسك التي اعترفت بها الأوساط الأوروبية المعتدلة.
إنّ البوسنة والهرسك دولة ذات سيادة في الأعراف الدولية منذ القدم، والشعب المسلم فيها أصيل على أرضه، عريق في تاريخه وجزء لا يتجزأ من العالم الإسلامي الكبير الذي تترابط أجزاؤه كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى. وإذا كانت أوروبا تعمل اليوم بكل ما أوتيت من طاقات وقوة واستكبار
(170)
لمحو هذا الشعب المسلم من الوجود في أوساطها فإنها ستخسر وستندم في المستقبل لفقد لغة التفاهم بنيها وبين الشعوب الإسلاميّة، بالرغم من عدم وجود الدولة الإسلاميّة الكبيرة في هذا العصر، فإن لهذه الأمة المصادر الروحية والمادية الكبيرة لصحوتها مرة أخرى.
النظر إلى المستقبل:
وبعد أن أجمع السياسيون على أنّه ليس أمام سلاح القوة وزن للقيم الدولية، والمواقف المتلاعبة في الأوساط الدولية تجاه قضية الإسلام والمسلمين مثل قضية سلمان رشدي، وقضية البوسنة والهرسك وقضية فلسطين وغيرها كثير. فالحقيقة في الأزمات كلها بين الإسلام والكفر وبين المسلمين والصليبين. وأما جانب أكثر الحكومات في الأراضي الإسلاميّة ائب غياب أصحاب الكهف أو ساكت سكوت أهل القبور، ولقد صدق فينا رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ في الحديث الصحيح الذي رواه الشيخان:«تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها، قالوا أو من قلة نحن يومئذ يا رسول الله ؟، قال ـ صلى الله عليه وآله ـ:لا، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله المهابة من صدور أعدائكم وليقذفن في قلوبكم الوهن. قالوا:وما الوهن يا رسول الله ؟. قال ـ صلى الله عليه وآله ـ: حب الدنيا وكراهية الموت».
فإن العدوان الصليبي الحاقد لن ينسى تاريخه القديم ولم يقدر الفرق بينه وبين الفتح الإسلامي العادل. ونرى في هذه الأيام أن الأرض قد ضاقت بأهلها وأخرجت منها رجالها والتهمت ديار الإسلام والمسلمين شرقاً وغراباً. ولا ندري على من تكون الكرة غداً ؟ ولكن الله وعدنا ـ ويجب أن نؤمن بوعده وهو أبداً لا يخلف الميعاد ـ أن النصر مع الصبر وان مع العسر يسراً.
(171)
فلا بد من الإجراءات التالية:
1 ـ توعية المسلمين للرجوع إلى الإسلام من جديد.
2 ـ إقامة الدولة الإسلاميّة في العالم الإسلامي كله.
3 ـ عدم الثقة بالحلول الدولية لقضية المسلمين فـ ﴿..إنّ الله لا يغير ما بقوم حتّى يغيروا ما بأنفسهم...﴾([5]). وعدم الثقة بالأمم المتحدة فإنها ستزول كما زالت عصبة الأمم التي ضعفت في تطبيق السلام العالمي المزعوم.
4 ـ حل مستعجل يجمع جميع الطاقات الروحية والمادية والسياسية والاقتصادية والطاقة البشرية في الأوساط الإسلاميّة لمواجهة الأزمة الحالية في البوسنة والهرسك وكشمير وطاجيكستان وغيرها.
الخاتمة:
اتفق العلماء في جميع المذاهب الإسلاميّة المعتبرة على أن يكون الجهاد واجباً عينياً إذا دخل الكفار ديار المسلمين. وعلى المسلمين الاهتمام بأمرهم.
[1] ـ المائدة:82.
[2] ـ البقرة:256.
[3] ـ العنكبوت:146.
[4] ـ البقرة:120.
[5] ـ الرعد:11.