[47] وهلا كان يعرف الباغية من الفئتين ؟ وهل كان يزعم بأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أخبر عن الفتن بعده وإنها تغشى أمته كقطع الليل المظلم (1) وترك الأمة مغمورة في مدلهماتها، هالكة في غمراتها، ولم يعبد لها طريق النجاة، وما رشدها إلى مهيع الحق، ولم ينبس عما ينجيها ببنت شفة ؟ حاشى نبي الرحمة عن ذلك، وهو صلى الله عليه وآله لم يبق عذرا لأي أحد من عرفان الباغية من الطائفتين في تلكم الحروب، ولم يك يخفى حكمها على أي ديني قال مولانا أمير المؤمنين: لقد أهمني هذا الأمر وأسهرني، وضربت أنفه وعينيه فلم أجد إلا القتال أو الكفر بما أنزل الله على محمد صلى الله عليه، إن الله تبارك وتعالى لم يرض من أوليائه أن يعصى في الأرض وهم سكوت مذعنون، لا يأمرون بالمعروف ولا ينهون عن المنكر، فوجدت القتال أهون علي من معالجة الأغلال في جهنم (2). أكان في أذن ابن عمر وقر عن سماع ذلك الهتاف القدسي بمثل قوله صلى الله عليه وآله لعائشة: كأني بك تنبحك كلاب الحوأب تقاتلين عليا وأنت له ظالمة. وقوله لزوجاته: كأني بإحداكن قد نبحها كلاب الحوأب، وإياك أن تكوني أنت يا حميراء. وقوله لها: انظري أن لا تكوني أنت. وقوله للزبير: إنك تقاتل عليا وأنت ظالم له. وقوله: سيكون بعدي قوم يقاتلون عليا على الله جهادهم، فمن لم يستطع جهادهم بيده فبلسانه، فمن لم يستطع بلسانه فبقلبه، ليس وراء ذلك شئ. [حقا جاهد ابن عمر في الخلاف على قول رسول الله هذا بلسانه وقلبه ما استطاع]. وقوله لعلي: يا علي ستقاتل الفئة الباغية وأنت على الحق، فمن لم ينصرك يومئذ فليس مني. وقوله له: ستقاتل بعدي الناكثين والقاسطين والمارقين. وقوله له: أنت فارس العرب وقاتل الناكثين والمارقين والقاسطين. وقوله لأم سلمة لما رأى عليا: هذا والله قاتل القاسطين والناكثين والمارقين من بعدي. ________________________________________ (1) صحيح الترمذي 9: 49، مستدرك الحاكم 4: 438، 440، كنز العمال 6: 31، 37. (2) كتاب صفين ص 542. (*) ________________________________________