وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

أمّا خديجة، السيدة الفضلى، فقد كان عبئها ممّا تنوء به الجبال. كان قلبها الكبير يتّسع لكلّ الآلام، وكلّ الآمال. كانت تحمل همّ الجميع: همّ الدار، وهمّ الدنيا، وهمّ الدين. همّ فاطمة الصغيرة التي لم تنعم بحلاوة مذاق تلك المرحلة الغضّة من عمرها الطريّ لعباً ومرحاً وضحكات، كما تنعم مثيلاتها الصغيرات، بل قد شاءت ـ برّاً بأبيها، وخشيةً عليه ـ أن تطفر من خفّة الطفولة إلى حدّ الكهولة، لتتبّع خطواته وهو يمضي على جمر الغَضَا[469] وشوك القتاد[470] في طريق دعوته إلى الله. وهمّ ابنتيها الأُخريين: رقيّة وأم كلثوم، اللتين سرحتا من بيت الزوجية سراحاً غير جميل ولمّا تمسّ جسميهما ثياب الزفاف. وهمّ كبرى الفتيات: زينب التي تراها كالمعلّقة بين السماء والأرض، لا تدري أيكون نصيبها كنصيب أُختيها أم سوف يعصمها من مثل ذلك المصير خُلُق زوجها، ابن خالتها: العاص بن الربيع؟ وهمَّ ذلك الزوج العظيم، الذي هو همّ الدعوة وهمّ الإسلام، وإنّها لتكاد تموت قلقاً عليه في اليوم مرّة، ما بين كلّ غدوة وروحة، من فلق الصبح إلى غسق الليل، وهو يجهد لإبلاغ رسالة الهدى إلى قلوب غلف، وعقول كمه، جهد من ينحت الصخر بأظفاره، أو يعبر بحراً أواذيه من جمر النار. * * * ولم تأس الزهراء لفجيعة أُختيها في الزواج، ولا أسيت الفتاتان، ولا أسيت الأم أيضاً، وإنّها لتعلم أنّ سراحهما نعمة محسودة، تحسب في المسرّات والأفراح، وليس نقمةً معدودةً في المآسي والنكبات. فبحسب هذه وتلك وهاتين أن خلصت الصبيّتان من محنة أوشكت أن تحيق، فنجتا نجاة هارب من أرض سبخة أوبأها الطاعون. أم كيف عساهما كانتا تعيشان في وجار[471] الضباع؟ وهل هي حياة أن تظلاّ تحت بعلين كعتبة وعتيبة، لا يوردان ولا يصدران إلاَّ عن سفه رأي لأبيهما أبي لهب، يلقمه إيّاه حقد زوجه حمّالة الحطب كما تلقم أم مصدورة وليدها ثدياً، يدرّ السقام والوبال؟ لقد كان الرجل وامرأته نوعاً من الأفاعي البشرية الثرية بسمّها الزعاف، لولا أنّهما لا يزحفان على البطون بل يدبّان على الأقدام، وكان لهما في كلّ محنة أصابت محمداً باع، حتّى عندما تعاهد بنو عبدالمطلب وبنو هاشم على حماية محمد من عسف قريش، وقف ذلك العمّ الخاسر وصاحبته الحاقدة في الجانب الآخر. لكنّ الليل يتبعه دائماً نهار. في جانب الأُفق المعتم الذي تراكمت عليه سحائب القنوط، طبقات طبقات، انفتحت كوىً من الرجاء، وها هو بعض الهدوء النفسي يخامر خواطر روّاد الإيمان وهم يرون يد التغيير بدأت تلمس بريشتها الزاهية بعض جوانب الحياة. ظهرت قطرات ضوء تلمح من بعيد كلمح البياض من أعين سود، تمخّض[472]الظلام عن بشائر فجر جديد. ولا عبرة هنا بالعذاب البدني الذي اشتدّ أذاه، بل العبرة، ـ كلّ العبرة ـ في القضايا الإنسانية ودعوات الدُعاة، بالقدرة على التجلّد، والصبر على المكاره، والشعور