الموضوع الثاني: ضرورة التركيز على محل الخلاف وتنقيحه فان عدم التركيز قد يجر الى بحوث طويلة نحن في غنى عنها لو حررنا محل النزاع ونقحنا نقطة الخلاف بدقة. وان المرء ليظفر بموارد كثيرة يتحول فيها النزاع ـ احياناً ـ الى خلاف لفظي لا أكثر وهذه أمثلة لذلك: أ ـ الاجتهاد يتحدث المرحوم الصدر في كتابه (دروس في علم الاصول) عن نزاع ممتد بين علماء الامامية انفسهم حول جواز (الاجتهاد) وعدمه وكل طرف يستند الى ادلته الا ان الحقيقة هي ان ما يعارضه هذا الطرف كان يختلف عما يؤمن به الطرف الآخر. فالمعارضون له كانوا يتصورونه بمعنى ان الفقيه اذا اراد استنباط حكم شرعي ولم يجد فيه نصاً من الكتاب والسنة رجع الى اجتهاده واستحسانه بدلا عن النص وهذا الاتجاه لقي معارضة كبيرة من ائمة اهل البيت والعلماء التابعين لمدرستهم وبقي مرفوضا على مدى عصور الا ان هذا المصطلح تطور الى معنى آخر هو المعروف اليوم، وهو (بذل الجهد في استخراج الاحكام الشرعية) وهكذا تحول من مصدر للحكم الشرعي الى اسلوب لاستنباط الاحكام من مصادرها. ودخلت في هذه العملية كل طريقة يستخدمها الفقيه لتحديد الحكم الشرعي وحتى الموقف العملي تجاه الشريعة. وعاد الاجتهاد مرادفاً للاستنباط وهذا الاختلاف بين المعنيين عندما يتوضح لن يعود هناك مجال للنزاع([180]).