ـ(436)ـ وعلى هذا الاعتبار قامت الأنظمة الإسلامية التي عالجت جميع شؤون الحياة للامة بأكملها، وربطها بها وانسجامها معها لتحقيق الوحدة. في قولـه تعالى ?إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ?. لتنبثق القيم السلوكية من النظرة الكونية للكون والإنسان والحياة وإيجاد المفاهيم الصادقة المنتجة عنها. وكان هذا الحل نفسه هو الأساس الذي يقوم عليه النظام الذي يتخذ وسيلة للنهوض، وهو الأساس الذي تقوم عليه حضارة، وهو الذي تنبثق عنه الأنظمة، وهو الأساس الذي تقوم عليه دولته. ومن هنا كان الأساس الذي يقوم عليه الإسلام فكرة وطريقة هو الإيمان بالله والنظرة الكونية للكون والإنسان والحياة التي هي أرقى نماذج الحياة. والإنسان أرقى نماذج الكون فهي مسخرة لـه. ولذلك كان بالحق والمنطق أرقى عناصر الوجود. وما يصدق عليه يصدق على الحياة والكون بالأولى، فالكون محدود، لأنه مجموع أجرام وكل جرم منها محدود، ومجموع المحدودات محدود. وإذا نظرنا إلى الإسلام نجده محدودا لأنه ينمو في كل شيء إلى حد معين، فهو بداهة محدود. ووجود المحدود دليل على وجود غير المحدود. المختلف قطعا عن المحدود، وبما ان المحدود مادة فغير المحدود غير مادة. وغير مدرك للمحدود، فكان هذا الوجود لله. وقيمة منبثقة عنه ومرتبطة به فالإنسان يجب ان يكون سائرا في الحياة وفق أنظمة الله جميعاً، لأن الإسلام ليس دينا لاهوتيا وأنه يقضي على الاستبداد الديني. فلا يوجد في الإسلام جماعة تسمى رجال دين وجماعة تسمى رجال دنيا، فهو دين ودنيا، بل جميع المعتنقين للإسلام مسلمين. وكلهم أمام الدين سواء، وهذا ظاهر من فسلفة الدين العامة في العلاقة بين الدين والدنيا في مزج المادة بالروح في نظامه، وجعله نظاما عاما واحدا شاملا لهما. وسر هذا المزج الذي يمتاز به الإسلام، هو النظرة